الجمعة الموحدة… هل يعود التيار الصدري للمشهد السياسي عبر البوابة الدينية؟

ماري ماهر

 

يبدو أن التيار الصدري يريد إنهاء عزلته الاختيارية التي فرضها على نفسه منذ سبتمبر 2022، والعودة التدريجية مرة أخرى للمشهد السياسي، والعمل كطرف رئيس ضمن تفاعلات العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة. هذه هي الرسالة الأولى التي يمكن استقراؤها من دعوة التيار لإقامة صلاة الجمعة الموحدة (13 يناير 2022) في كل عموم المحافظات بما فيها العاصمة بغداد، باستثناء إقليم كردستان ومحافظة البصرة الجنوبية، وهي الأولى منذ آخر صلاة موحدة في يوليو 2022 قبل أيام من اعتصام أنصار التيار الصدري داخل المنطقة الخضراء في أغسطس الفائت فيما أسماه التيار “ثورة عاشوراء”، لكن الجمعة الموحدة ليست الملمح الوحيد لخطوات العودة الصدرية للواجهة السياسية مجددًا؛ فقد رافقتها مشاهد عدة ستكون موضوع تلك الورقة عبر استعراضها وبيان دوافع توقيتها.

مؤشرات دالة

يتحسس الصدر خطواته باتجاه إعادة الانخراط في العملية السياسية؛ فهو لا يزال في مرحلة مراقبة الشارع وتجنب الصدام المباشر مع الحكومة، لاسيمَّا أنه يدرك العواقب والكلفة الباهظة لإطالة أمد الانزواء السياسي، وبالتالي فإنه يحتاج إلى تأكيد حضوره جماهيريًا وسياسيًا، وهو ما كشفته مؤشرات عدة أبرزها:

• الدعوة إلى صلاة الجمعة الموحدة: رغم الطبيعة التذكارية للجمعة الموحدة كإحياء لذكرى إقامة أول صلاة جمعة موحدة من قِبل الصدر الأول “محمد صادق الصدر”، وهيمنة الطابع الديني على الخطبة الصدرية وغياب الموضوعات السياسية الخلافية عنها أو الأزمات الاقتصادية المتعلقة بسعر العملة والفساد، فإن الدعوة في حد ذاتها تتجاوز كونها مجرد شعائر وطقوس دينية إلى المدلولات والأهداف السياسية؛ فكثيرًا ما ارتبطت مواعيد الجمعة الموحدة بالحراك السياسي للتيار، وتخللها الإفصاح عن الخطط والتوجهات السياسية وربما تتبعها المظاهرات والاحتجاجات.

وهذه المرة تدلل على استمرارية إمساك التيار بورقة الجماهير وقدرته على تحريك وتعبئة الشارع وهو السلاح الذي اعتاد إشهاره في وجه الفصائل الولائية، ولفت انتباه القوى السياسية الحاكمة بأن التيار الصدري مازال موجودًا وقادرًا على إنجاز خطوات سياسية عبر الشارع ما لم تجر عبر الآليات المؤسسية، وأن انسحابه من العملية السياسية لم يكن تراجعًا أو انكفاءً.

وتهدف الصلاة الموحدة كذلك إلى إعادة تجميع الصفوف، وتنشيط الاتصالات بين قيادات التيار وقاعدته الجماهيرية، وبث الحماسة ورفع الروح المعنوية لعناصر التيار وأنصاره بعد مرحلة من الخفوت؛ كونها تحمل مكانة مركزية لدى ذهنية الصدريين وتثير حنينهم إلى التفافهم حول محمد الصدر منذ تسعينيات القرن الماضي. وقد أقر أحد قيادات التيار بأنها وسيلة للتواصل مع الجمهور وتمرير رسائل سياسية واجتماعية وليست عبادة فقط. ويُمكن أيضًا اعتبار عبارة “عام التغيير” التي حملتها الدعوة للجمعة الموحدة رسالة سياسية ضمنية تشير إلى احتمالات أن يقود التيار الصدري تحركات سياسية خلال المرحلة المقبلة.

• التصعيد ضد إيران: استغل الصدر بطولة “كأس خليجي-25” لإطلاق الانتقادات لإيران واستنكار صمت الحكومة العراقية على استدعاء إيران السفير العراقي وتسليمه مذكرة احتجاج بسبب إطلاق المسمى الرسمي “الخليج العربي” على البطولة واستخدام هذا التعبير من قبل القيادات السياسية بما فيهم السوداني بدلًا من “الخليج الفارسي”. كانت هذه فرصة مناسبة بالنسبة للصدر للعودة إلى المشهد عبر الخطاب القومي ومهاجمة الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي العراقي، والتأكيد على الحاضنة العربية والخليجية للدولة، وقد أصر على استخدام مسمى “الخليج العربي” في بيان نشره على حسابه الرسمي على موقع تويتر: “بسمه تعالى، ضيوفنا العرب الأكارم، من دول (الخليج العربي) مرحبا بكم”، في تحدٍ للموقف الإيراني والتأكيد على الهوية العربية للعراق.

• الاستعداد للانتخابات المحلية: تشكل الانتخابات المحلية المقرر عقدها هذا العام أي قبل الانتخابات النيابية -إذا ما تقرر إجراؤها مبكرًا- بوابة مناسبة لعودة التيار الصدري إلى النشاط السياسي وبيان ثقله الجماهيري، حيث يتوقع أن يستغل الصدر معاقله لحشد أكبر عدد من الأصوات بحيث يحقق الأغلبية المريحة ولا يكون مضطرًا لتشكيل تحالفات، لاسيمَّا أن السيطرة على المجالس المحلية تمثل هدفًا مهمًا للقوى والفصائل السياسية المختلفة كونها وسيلة للتواصل المباشر مع الجماهير والحشد وكسب الشعبية قبل الانتخابات النيابية، وهي الجهة المنوطة بتنفيذ القرارات الحكومية وبيان قدرة الأحزاب والفصائل على الإدارة وتحمل المسؤولية.

محفزات عديدة

تتعدد الأسباب التي يفرضها السياق السياسي على التيار الصدري وتدفعه إلى العودة السريعة للنشاط السياسي ومنها:

• الخلافات داخل الإطار التنسيقي: لا تزال العملية السياسية العراقية تعاني الخلافات؛ إذ يسود الإطار التنسيقي -الخصم الرئيس للتيار الصدري- حالة من التصدع وعدم الانسجام بين أطرافه، وتجلت مظاهرها في أكثر من مسألة، أولها التباينات بشأن تنظيم مسيرة مليونية تأبينية لأحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني خشية إثارة غضب الولايات المتحدة ضد حكومة السوداني. وثانيها الخلافات داخل قوى الإطار التنسيقي بشأن توزيع المناصب وملف الدرجات الخاصة ورؤساء اللجان النيابية، وبينهم وبين رئيس الحكومة بشأن إجراء الانتخابات المبكرة وخروج القوات الأمريكية. وثالثها انسحاب 12 عضوًا ينتمون لائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي اعتراضًا على مواقف أبداها الأخير بخصوص بعض القضايا ومحاولتهم تشكيل مجموعة سياسية جديدة، وغياب المالكي عن بعض اجتماعات الإطار. ورابعها غياب نوري المالكي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، وممثل عصائب أهل الحق، عن اجتماع تحالف إدارة الدولة الأخير. وخامسها فقدان تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني الثقة في الإطار التنسيقي نتيجة مساعيه لتقوية تحالف عزم والاتحاد الوطني الكردستاني.

وفي هذا السياق، ترجح بعض التحليلات عدم قدرة التحالف على الصمود طويلًا أمام الانقسامات وانفراط عقده لاسيمَّا أن مبرر تشكيله انقضى بترشيح رئيس وزراء توافقي وتشكيل حكومة ائتلافية، بينما سوف تضرب الخلافات والتباينات بشأن القضايا السياسية المختلفة تماسكه، وهو ما يتطلب بقاء الصدر وأنصاره متأهبين لملء الفراغ السياسي والانخراط مجددًا ضمن العملية السياسية.

• حماية نفوذ التيار الصدري: يرغب الصدر في تثبيت موقعه داخل الخريطة السياسية والإدارية للدولة العراقية بالتزامن مع محاولات الإطار التنسيقي شن حملات تطهير للمؤسسات والمناصب ذات النفوذ الصدري رغبة في إضعاف شوكة التيار قبل أي انتخابات مبكرة محتملة، وكانت بعض المناصب محلًا للمجادلات والضغوط بين السوداني وظهيره السياسي الإطار التنسيقي ضمن سياسة تصفية الحسابات التي انتهجها الأخير خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي يتطلع الصدر لمنع الإطار من الاستحواذ الكلي على مفاصل الدولة العميقة.

كذلك يريد الصدر تأكيد حضوره كمكون أساسي ضمن المعادلة السياسية المستقبلية التي يعتزم البرلمان صياغة إطارها الحاكم بمناقشة قانون الانتخابات الحالي، حيث يرفض التيار إدخال تعديلات على قانون الانتخابات المعمول به حاليًا بينما يدفع الإطار باتجاه العودة نظام “سانت ليجو” الذي يجعل المحافظة دائرة انتخابية واحدة، ويتوقع ألا يتورع الصدر عن دفع البلاد نحو الاضطرابات لتأمين مكتسبات سياسية خلال المرحلة المقبلة ما لم يؤخذ بمقترحاته خلال عملية مناقشة التعديلات القانونية، ولجوء قوى الإطار إلى سياسة فرض الأمر الواقع. وأيضًا لا يتصور وقوف الصدر صامتًا أمام مساعي الإطار للتنصل من تعهداته بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بحلول نهاية العام الجاري كونها الأداة التي يعول عليها لإعادة التموضع سياسيًا.

• مرور 100 يوم على حكومة السوداني: يشكل قرب انتهاء المهلة الصدرية الممنوحة لحكومة السوداني للوفاء بتعهداتها الانتخابية بحلول 4 فبراير المقبل، بالتزامن مع تصاعد الغضب الشعبي نتيجة تراجع سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار وما صاحبه من ارتفاع الأسعار وتدهور مستوى المعيشة، نذيرًا بالانتقال من مرحلة مراقبة الأداء الحكومي والسياسي وإعطاء المهلة للسوداني إلى مرحلة الفعل السياسي المباشر عبر التصعيد الجماهيري وتوجيه الاتهامات لرئيس الحكومة بالفشل في إدارة الأزمة، والعجز عن الوفاء بالتزاماته الإصلاحية، وعدم الجدية في محاسبة الفاسدين المنتمين للطبقة السياسية المتنفذة، بل وإطلاق سراح بعض المتورطين في قضية سرقة القرن بدعوى إعادتهم الأموال، وربما يدفع الصدر بأنصاره –خلال مرحلة لاحقة– إلى التظاهر ضد الحكومة والقوى السياسية الحاكمة واتهامها بالفشل والعجز ومحاولة إرغامها على تعديل المسار السياسي.

ختامًا، يبدو أن العام 2023 يحمل تجدد النشاط السياسي للتيار الصدري، وأيًا كانت الغرض من نوايا الصدر للدعوة لصلاة الجمعة الموحدة سواء مجرد حدث لا يحمل سوى بُعد ديني أم خطوة لإرسال رسائل سياسية، فإن طبيعة الممارسة السياسية العراقية وحقيقة أن تحركات الصدر قائمة على الجوانب الدينية يجعلنا لا نغفل النظر إليها في سياق المتغيرات الداخلية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75118/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M