الرئاسة في كوريا الجنوبية.. انتخابات غير مرغوبة وفضائح تحيط بمرشحي الحكومة والمعارضة

 محمد صلاح الدين

 

تشهد كوريا الجنوبية في التاسع من مارس انتخابات رئاسية، حيث تنتهي مدة ولاية رئيسها الحالي “مون جيه إن” والذي تولى مقاليد الحكم عام 2017 بعد عاصفة من المظاهرات التي أطاحت بالرئيسة السابقة “بارك غون هيه” التي أدانتها المحكمة في تهم فساد وحُكم عليها بالسجن مدة 20 عامًا بعد إدانتها بتلقي رشى وإساءة استخدام السلطة، قبل صدور عفو خاص عنها نتيجة تدهور حالتها الصحية.

يتنافس في الانتخابات التي تحمل الرقم عشرين في تاريخ الجمهورية -أول انتخابات كانت عام 1948 – 4 مرشحين بشكل رئيس هم “لي جيه ميونغ” مرشح الحزب الديمقراطي الحاكم حاليًا، والنائب العام السابق “يون سيوك يول” عن حزب قوة الشعب المعارض الرئيس في البلاد، يليهما “آن تشول سو” المرشح عن حزب الشعب، ثم “شيم سانغ جونغ” مرشحة حزب العدالة التقدمي.

ورغم أن الاسمين الأخيرين ليسا بغريبين على ساحة التنافس في الانتخابات الرئاسية سواء عام 2012 -قبيل التراجع دعمًا للمرشح حينها “مون جيه إن”- أو في 2017 كمنافسين له، إلا أن الانتخابات التي نحن بصددها يبرز فيها اسما المرشحين من الحزب الحاكم والمعارض الرئيس في البلاد “الحزب الديمقراطي وحزب قوة الشعب”، وهما من سنسلط الضوء عليهما في السطور القادمة.

ويتشارك كل من “يون” و”لي” في خلفيتهما القانونية والعمل في مجال المحاماة والادعاء، وميلادهما في شهر ديسمبر من عام 1960 و1964.

  • لي جيه ميونغ

قبيل فوزه بترشيح الحزب الحاكم لخوض الانتخابات الرئاسية كان ليه جيه ميونغ يشغل منصب حاكم إقليم كيونغ غي وقبلها مدينة سونغ نام ثاني أكبر مدن الإقليم، إلا أن حياته العملية قد شهدت صعوبات حياتية؛ إذ وُلد “لي” لأسرة فقيرة كان ترتيبه فيها السابع بين تسعة أبناء، وعمل في فترة طفولته المتأخرة ومراهقته في أحد مصانع المطاط حيث أصيب ذراعه؛ ليعيل أسرته ويستكمل تعليمه للحصول على منحة لدراسة القانون في جامعة جونغ آنغ التي تخرج فيها عام 1986 ليصبح محاميًا للحقوق المدنية، وهي نفس المهنة التي ينتمي لها الرئيس الراحل “رو مو هيون” والرئيس الذي تنتهي ولايته في مايو 2022 “مون جيه إن” وفقًا للموقع الرسمي لحملة لي الانتخابية.

  • يون سوك يول

يعد “يون سوك يول” حديث العهد بالعمل السياسي، إلا أنه قدم من خلفية قانونية أيضًا؛ إذ كان المدعي العام لكوريا الجنوبية، وعمل في سلك الادعاء طيلة 26 عامًا بعد تخرجه في جامعة سول الوطنية عام 1979 -أرقى جامعات البلاد- ونجاحه في امتحانات نقابة المحامين عام 1991، ثم العمل كمدعِ عام 1994.

رغم ذلك فإن اسم “يون سوك يول” ظل معروفًا للعامة نتيجة قيادته للتحقيق في عدد من قضايا الرأي العام، وعلى رأسها قضية الفساد التي أطاحت بالرئيسة “بارك جون هيه” المنتمية للتيار المحافظ نهاية العام 2016، ليعينه الرئيس “مون جيه إن” مدعيًا عامًا للبلاد عام 2019 ولمدة عامين انتهيا بتحدٍ بينهما مع إعلان ساكن البيت الأزرق تعيين أحد أقرب مساعديه “جو كوك” وزيرًا للعدل الذي استقال بعد فترة قصيرة من منصبه مع إصرار “يون” على التحقيق في مزاعم فساد ضد “جو كوك” وزوجته التي أدينت في قضايا تزوير لإدخال ابنتها الجامعة.

وكذا، وقف “يون” ضد محاولات الرئيس “مون” إجراء تغييرات “إصلاحات” في نظام الملاحقة القضائية، ليتم بعدها إيقافه من قبل وزارة العدل عن العمل، قبل أن يعود بعد ذلك بأمر قضائي ويتقدم باستقالته ليصبح مدعومًا من قبل التيار المحافظ وبقيادة حزب قوة الشعب ويدخل معترك السياسة بالانضمام له.

وينص الدستور الخاص بجمهورية كوريا على أن رئيس الجمهورية يتولى الحكم لولاية مدتها 5 سنوات غير قابلة للتجديد، وذلك وفقًا للمادة رقم سبعين وفقًا للتعديل الذي أقر أواخر عام 1987 ودخل حيز التنفيذ في العام التالي.

انتخابات غير مرغوبة وشبهات فساد

تظهر استطلاعات الرأي في أرض الصباح الهادئ نسبة تأييد منخفضة لكلا المرشحين، ما يجعلها بحسب توصيف وكالة رويترز “انتخابات غير مرغوبة”؛ فقد أظهرت آخر ثلاثة استطلاعات للرأي في 23 فبراير أجرتها مؤسسة “غالوب كوريا” على أكثر من ألف مبحوث حصول “يون” على تأييد بنسبة 39%، مقابل 38.3% حصل عليها “لي”. بحسب وكالة يونهاب للأنباء.

هذا التوصيف وهذه النتائج تعكس في الوقت نفسه آثار اعتماد الطرفين “الحزب الديمقراطي” و”حزب قوة الشعب” أساليب التشهير بالمنافس والتي طالت عائلات المرشحين أيضًا. فبالنسبة إلى “لي جيه ميونغ”، قدمت زوجته “كيم هييه كيونغ” اعتذارًا للشعب بعد تقارير تتهمها بإساءة استخدام السلطة خلال تولي زوجها حكم إقليم كيونغ غي. وبحسب صحيفة “كوريا هيرالد” فإن الاتهامات تتضمن استخدام السيارة الحكومية الخاصة بالإقليم لأغراض شخصية، وتوظيف سائق بشكل غير قانوني كمساعد ثالث مخفي، وكذلك أمر الموظفين بإرسال الطعام وتنظيف منزلها وإحضار الأدوية.

نجل المرشح الرئاسي التقدمي كان عرضة كذلك لنيران المعارضة بعد تقارير إعلامية تتبعت تعليقات تعود إلى عام 2019 على مواقع المقامرة غير القانونية في البلاد لتثبت أنها تعود إلى البريد الالكتروني لابنه البالغ من العمر 29 عامًا حينها، ليضطر بعدها “جيه ميونغ” للخروج والاعتذار، قائلًا: إنه فشل كأب في تعليم ابنه وذلك بحسب النسخة الإنجليزية لصحيفة جونغ آنغ إلبو الكورية الجنوبية.

إضافة إلى ذلك، فإن فضيحة تطوير الأراضي المتعلقة بأحد مساعدي لي جيه ميونغ خلال فترة توليه منصب حاكم بلدية سونغنام والتي تفجرت في الربع الأخير من العام 2021 قد وضعت حملته في بدايتها على المحك، خاصة مع العثور على جثتي مسؤولين مرتبطين بالفضيحة. وبحسب وكالة أنباء يونهاب، فهذه الفضيحة ترتبط بمشروع تطوير شقق سكنية بين القطاعين العام والخاص في المدينة تم إطلاقه عام 2015 خلال تولي لي منصب عمدة المدينة.

“يون سوك يول” مرشح المعارضة لم يسلم أيضًا من الفضائح التي تطال عائلته، فقد حُكم على والدة زوجته بالسجن 3 سنوات بعد إدانتها بالتعاون مع شركاء من أجل إنشاء مستشفى رعاية لكبار السن عام 2013 وتشغيلها دون وجود مؤهلات طبية، إضافة إلى تهمة الاحتيال بعد قبولها ما يعادل أكثر من 2 مليون دولار إعانات طبية من مؤسسة التأمين الصحي الوطنية بحسب يونهاب، إلا أن محكمة الاستئناف برأتها من التهم الموجهة إليها وأسقطت عنها الحكم في يناير 2022.

زوجة يون “كيم كيون هي” كانت محل انتقاد أيضًا؛ إذ تواردت التقارير التي تفيد بتلاعبها بأوراق اعتمادها أو بالغت فيها في سيرتها الذاتية التي أرسلتها إلى جامعتين محليتين في عامي 2007 و2013 للتقدم للتدريس بهما، ما اضطر “يون” للتقدم بالاعتذار علنًا أيضًا في ديسمبر 2021.

أزمة أخرى تسببت فيها زوجة “يون” بعد تسريب صوتي لمحادثة لها مع أحد صحفيي قناة “صوت سول” الليبرالية على يوتيوب تقول فيها إن فضائح “مي تو” المتعلقة بالاعتداءات الجنسية تحدث نتيجة لعدم دفع أموال للضحايا، مشيرة إلى أن “المحافظين يدفعون لذلك لا يوجد لديهم (مي تو)”. يأتي ذلك بعد سماح المحكمة للقناة الليبرالية ببث التسجيلات باستثناء الأمور التي تخص عائلتها بحسب وكالة أنباء يونهاب.

مواقف المرشحين من القضايا الدولية

على رئيس كوريا الجنوبية أن يتعامل مع عدد من القضايا الأساسية التي تشكل التحدي الأكبر له في إقليم تشكل فيه الصين قوة أساسية، وما يفرضه ذلك من وقوع حليف الولايات المتحدة بين شقي واشنطن وبكين، إضافة إلى حالة الحرب التقنية المستمرة مع كوريا الشمالية منذ توقيع اتفاق الهدنة بين شطري شبه الجزيرة عام 1953.

  • كوريا الشمالية

“قد فات الأوان لهدف التوحيد” هذه هي الكلمة التي قالها المرشح “لي جيه ميونغ” في حديثه في نوفمبر الماضي لطلاب جامعة سول والوطنية وعدد من الشباب، مشيرًا إلى أن العلاقات بين الكوريتين يجب أن تحكمها البرجماتية.

وأضاف أن سول يجب أن تأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بالعلاقة بين الكوريتين وإعادة العلاقات مع كوريا الشمالية المسلحة عبر المشاركة والتعاون الاقتصادي. ويرى “لي” الذي يردد على الأغلب رؤية الرئيس “مون جيه إن” فيما يتعلق بالعلاقة مع بيونغ يانغ إلا أنه يرى أن سول يجب أن تقودها سول بدلًا من واشنطن.

رغم ذلك ينفي “لي” التعامل باللين مع كوريا الشمالية، فقد تعهد بمواصلة بناء أدوات الردع، والسعي إلى التعاون مع الولايات المتحدة لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية على غرار أستراليا. ويعرف عن الحزب الديمقراطي الحاكم الذي ينتمي إليه المرشح “لي جيه ميونغ: بأنه ذو اتجاهات تقدمية، وعُرف قادته باتجاهات تتسامح مع كوريا الشمالية إلى حد بعيد وتسعى إلى الوحدة عبر التعاون، فمنذ حكم الرئيس “كيم ديه جونغ” 1998- 2003 سار التقدميون على سياسة الشمس المشرقة.

كان آخر هذه المساعي ما تقدم به الرئيس المنتهية ولايته “مون جيه إن” بالعمل على إعلان نهاية الحرب الكورية كأساس لإرساء نظام سلام في شبه الجزيرة الكورية، وما سبق ذلك من قمم ثلاث جمعته بالزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون”، واتخاذ موقف الوسيط في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وبيونغ يانغ وما انتهى إليه الأمر بثلاث قمم تاريخية -رغم فشل الثانية والثالثة- بين الزعيم الكوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

على الجانب الآخر، يتخذ المرشح “يون سوك يول” مواقف حزبه “قوة الشعب” اليميني فيما يتعلق بالتعامل مع كوريا الشمالية، ففي نوفمبر الماضي قال إنه يمكن أن يفكر في الانسحاب من الاتفاق العسكري الرمزي الموقع بين الطرفين حال لم يكن هناك تغير في موقف كوريا الشمالية الحالي، قائلًا: إنه سيدعو الشمال إلى الالتزام باتفاق 19 سبتمبر العسكري والموقع عام 2018 حال انتخابه رئيسَا للبلاد، مشيرًا إلى إمكانية عقد قمة مع الزعيم الشمالي “لكن ليس للاستعراض” بحسب تعبيره.

التجارب الصاروخية الأخيرة التي قامت بها كوريا الشمالية في يناير الماضي والتي بلغت 7 تجارب كانت اختبارًا لمواقف المرشحين من القضية، لا سيما تجربة صاروخ يفوق سرعة الصوت؛ ففي الوقت الذي رأى فيه المرشح الليبرالي “لي” هذا الاختبار استفزازًا من جانب بيونغ يانغ وأن ما يحدث لا يساعد على تحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية، قال “يون” إنه قد يدعم “ضربة وقائية” ضد هذا النوع من الصواريخ.

  • ما بين الصين والولايات المتحدة والتعامل مع اليابان

تقع سول في بين شقي رحى قوتين عظميين، الأولى هي الولايات المتحدة الحليف منذ تأسيس الدولة عام 1948 وخلال الحرب الكورية 1950- 1953 في مواجهة كوريا الشمالية، والصين القوة العظمى الأخرى والجار الذي يفصله عن جمهورية كوريا الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية والشريك التجاري حيث صدرت سول بضائع تقدر قيمتها ب 136 مليار دولار إلى بكين عام 2019.

رغم ذلك تبدو مواقف المرشح اليميني “يون سوك يول” أكثر تشددًا تجاه الصين وميلًا للوقوف في صف الولايات المتحدة، فقد أعلن “يون” عن رغبته في اتخاذ سياسة تتخذ صف الولايات المتحدة، داعيًا إلى نشر مزيد من نظام الصواريخ الأمريكي ثاد في البلاد وهي المنظومة التي تعدها الصين تهديدًا لأمنها القومي.

ليس هذا فحسب، فقد ذهب “يون” إلى أبعد منذ ذلك بحديثه عن إمكانية تعاون سول في تحالف العيون الخمسة الاستخباراتي، والذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وأصبح يركز على الصين في الفترة الأخيرة.

وخلال مؤتمر صحفي استضافه نادي سيول للمراسلين الأجانب، قال “يون” أيضا إن كوريا يجب أن تستمر في المشاركة في مجموعات العمل في المناخ والتكنولوجيا في التحالف الرباعي الذي أنشأته الولايات المتحدة ويضم 3 دول أخرى هي اليابان والهند وأستراليا QUAD.

رغم ذلك فالمناخ العام في كوريا الجنوبية قد يكون متناسبًا لتصريحات “يون”؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون الدولية بالتعاون مع مركز كارنيجي أن 55% من عينة من الكوريين الجنوبيين يبلغ قوامها 1500 مبحوث يرون أن الصين ستكون التهديد الأكبر لبلادهم بعد 10 سنوات من الآن.

أما المرشح “لي” فيرى أن منظومة ثاد غير عملية لا سيما في حماية العاصمة سول والتي تبعد 24 كيلو مترًا فقط عن الحدود الشمالية، ويتبع سياسة الرئيس “مون جيه إن” “اللاءات الثلاث” (لا مزيد من نشر منظومة ثاد، لا للانضمام لمنظومة الصواريخ العالمية التي تقودها الولايات المتحدة، لا دخول في حلف عسكري يضم الولايات المتحدة). وصرح “لي جيه ميونغ” في وقت سابق بمعارضته للدخول في تحالف مشترك بين بلاده واليابان والولايات المتحدة، قائلًا: إنه سيكون خطيرًا.

وشهدت حقبة الرئيس “مون جيه إن” توترًا شديدًا فيما يخص التعامل مع اليابان، لا سيما مع حكم المحكمة المحلية في كوريا الجنوبية  بمصادر أصول شركة ميتسوبيشي اليابانية عام 2019 لتعويض 5 أشخاص أجبروا على العمل القسري خلال فترة الاحتلال الياباني “1910- 1945” بعد عدم امتثال الشركة لأمر المحكمة العليا بمنح ما بين 100 و150 مليون وون (91,116-136,674 دولارًا أمريكيًّا) لكل من المدعين الخمسة بحسب وكالة يونهاب.

هذا التوتر الذي لا تزال آثاره باقية دفع المرشح “يون” إلى اتهام “مون جيه إن” بتخريب العلاقات مع اليابان بناء على أيدولوجية متحيزة، في الوقت الذي صرح فيه مستشاره للسياسة الخارجية “كيم سونغ هان” أن يون سيكون لديه مساعٍ لتوسيع مشاورات التحالف حول الردع النووي الموسع، وتعزيز الشراكة الثلاثية مع الولايات المتحدة واليابان.

الخلاصة، رغم تقدم “يون سوك يول” في استطلاعات الرأي على منافسه “لي جيه ميونغ”، إلا أن الفارق بينهما يضع المنافسة على صفيح ساخن لا يعرف فيها الفائز أو الخاسر إلا مع احتساب آخر صوت في الانتخابات. إلا أنه حال فوز “يون” فإن سياسات كوريا الجنوبية من أجل تحقيق أهدافها الخارجية ربما تتغير، مع تقارب أكبر مع الولايات المتحدة وابتعاد عن الصين التي يتعاظم نفوذها إقليميًا ودوليًا يومًا بعد يوم، وهو الأمر الذي يزيد من احتمالات تراجع عملية السلام في شبه الجزيرة الكورية مع زيادة التوتر مع كوريا الشمالية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67669/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M