العلاقات المصرية الأفريقية من التهميش إلى الإندماج :دراسة حالة العلاقات المصرية الأثيوبية

اعداد : محمد جابر  – باحث متخصص فى العلاقات الدولي

 

مقدمة:

إن القضاء على فكرة الفضاء العربى الأفريقى، وتحقيق التعاون والتكامل فى كافة الميادين والأصعدة أصبحت أهم الأولويات على أجندات الدول العربية والأفريقية، ويظهر هذه جلياً فى السنوات الأخيرة من كافة السبل لتعزيز التعاون والتكامل، إيماناً بأن الهوية الأفريقية والعربية هى التى تربط الدول بأواصر العلم والتاريخ والثقافة وتحقيق التناغم الإنسجام فى مجالات سياسية وإقتصادية وأخرى إجتماعية، وهذا كلة تحت مظلة الإتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية المتخصصة، فلاندرى لعل نبوءة المفكر الأفريقى الكبير “علي مزروعى” تتحق تحت مسمى “أفرابيا Afrabia” .

إن رئاسة مصر للقمة الإفريقية المقبلة، يعني تكليل لجهود العقد الأخير فى التعاون المصرى الأفريقى، ويعني فتح مجالات كثيرة في العمل مع الاتحاد الإفريقى ودوله من خلال الأطر الثنائية، ويعزز من دور مصر ويثبت أن الدور الإفريقي لمصر تستعيده من جديد، وبصفةٍ خاصة فى الثلاث سنوات الماضية التى حققت فيها مصر أعلى معدلات التعاون الأفروعربى فى كافة المجالات .

وستتناول هذه الورقة البحثية ماتم من تعامل مصرى أفريقى فى الآونة الأخيرة مع إستشراف لآفاق المستقبل، وذلك من عدة محاور سياسية وإقتصادية وثقافية .

الدور المصرى فى تحقيق التعاون العربى الأفريقى:

إن الدور القيادى لمصر فى المنطقة يحتم عليها أن تلعب دور القائد لجميع الدول العربية والأفريقية، فمنذ إنقطاع الإجتماعات العربية الأفريقية على مدار تلاثةُ وثلاثون عاماً من قمة مارس الأولى عام 1977 قى القاهرة، لم تشهد الدول العربية والأفريقية إجتماعات وبروتوكلات تعاون كما كانت عليه الأعوام الماضية برؤية ثاقبة من أهمية تحقيق الإندماج مع نظرائنا الأفارقة الذى لطالمنا كانت نظرتهم إلينا أننا بعيدين كل البعد عنهم.

ومنذ انتخابه رئيسا لمصر، يسعى الرئيس السيسى إلى توثيق علاقات مصر العربية والأفريقية، وإعادة إحياء التعاون المصرى الأفريقى، بعد سنوات من الجفاء أثرت على آليات التعاون بين القاهرة والعواصم الأفريقية، فعادت مصر إلى الحضن الأفريقى، وأعاد لها الأفارقة مكانتها الطبيعية من خلال عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقى، وعضوية مجلس الأمن لعامين عن القارة السمراء، ورئاسة القمة القادمة،  وهذا لم يكن ليتحقق لولا السياسة المصرية الناجحة تجاه القارة السمراء، وهى السياسة التى وضعها ويتابعها الرئيس السيسى، وتديرها بشكل متميز وزارة الخارجية تحت إدارة الوزير الناجح سامح شكرى.

وبما أن القاهرة شهدت الانطلاقة الأولى لهذا التجمع المهم للجانبين، فإن المشاركات تتأتى لإيماننا بأننا نعيش الآن فى عصر التكتلات الاقتصادية والسياسية، وأن العرب والأفارقة بحكم الجوار والإرث المتشابهين، هم الأقرب لبعضهما البعض، وهو إيمان مصرى أصيل حوله الرئيس السيسى خلال العامين الماضيين إلى مجموعة من المبادرات التى أخذت طريقها للتنفيذ حاليا، باعتبار أن مصر هى نقطة اتصال بين العالمين العربى والأفريقى، كما أنها تنفذ أو تسهم فى مشروعات بنية تحتية ستستفيد منها المنطقتان العربية والأفريقية، ومنها مشروع تطوير قناة السويس والممر الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وهو أمر يحظى بتقدير واهتمام الأشقاء العرب والأفارقة.([1])

متطلبات التعاون العربى الأفريقى:

لابد للعرب والأفارقة أن يؤمنوا بإحتياج كل منهم للآخر ودور كل منهم فى تحقيق النجاح لكافة شعوب المنطقة فالعرب يحتاجون إلى موارد إفريقيا الطبيعية الوفيرة من أراضِ صالحة للزراعة قدَّرتها وكالة التنمية الأمريكية بنحو 60% من أراضى العالم الخصبة التى لا يُستغل منها سوى نحو 10بالمئة مثل سهل غينيا العشبى (مليار فدان) ونحو 200 مليون فدان بالسودان و38 مليوناً بجنوب السودان ومياه عذبة لا يُستغل منها سوى 1٫6% وأيدِ عاملة رخيصة لإنتاج غذاء يسد حاجتهم معاً، وتحتاج الدول الإفريقية إلى رأس المال والخبرة العربيين حيث تتوافر الأموال لدى دول البترول وخبرات التنمية الزراعية لدى دول مثل مصر.فقط مطلوب إرادة سياسية مشتركة تلتقى على هدف واحد وتعمل بجدية لتحقيقه وإزالة العقبات من طريقه وإلى مخاطرة محسوبة من المستثمرين ورجال الأعمال العرب ليولُّوا وجوههم باستثماراتهم شطر إفريقيا مع أخذ الضمانات الكافية لحمايتها، وفى المقابل أن تسارع القيادات الإفريقية بتنفيذ تعهداتها فى القمة الماضية بإزالة العقبات التى تعترض طرق المستثمرين وفى مقدمتها البيروقراطية والفساد والرسوم الجمركية الباهظة وتخلف النظم المصرفية وضعف إجراءات الأمن وانعدام الاستقرار وتردى حالة البنية التحتية.([2])

بالإضافه إلى السوق الإفريقية الهائلة التى تضم 1200 مليون إنسان تتنافس عليها القوى الكبرى والإقليمية للاستثمار والحصول على المواد الخام اللازمة للتصنيع وتسويق منتجاتها باعتبارها سوقاً بكراً فى مقدمتهم الصين واليابان والهند وتركيا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة ولا يصح أن يقف العرب الذين يشكلون ثلث سكان إفريقيا متفرجين على ما يجرى فى فنائهم الخلفي. فالمصالح الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والاتجار غير المشروع فى السلاح والمخدرات مشتركة بين الطرفين ومساندة القضايا العربية والإفريقية فى المحافل الدولية هدف استراتيجى متبادل فضلاً عن أن المساعدات الإنسانية فى أوقات الكوارث مثل الجفاف ترسخ المشاعر الطيبة بين الشعوب وتهيئها أكثر للتقارب والتعاون، وهى فرصة يجب ألاَّ يفوِّتها العرب.

آليات التعاون العربى الأفريقى:

أولاً_التعاون السياسى والأمنى:

تعتمد إستراتيجيات الشراكة بين الدول العربية والأفريقية فى المجالات ذات الأولوية فى إهتمامات المنطقتين وهى التعاون السياسى والأمنى،

وتتحدد خطة العمل هذه والتى – ستنفذ تحت الإشراف السياسى للقمة العربية الأفريقية – الأهداف المتوخاة والأنشطة المرتقبة التى تتطلب مقتضيات تنفيذها التزام الدول الأفريقية والعربية والإستعانة بالعناصر الفعالة بما فى ذلك الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ، ومفوضية الاتحاد الأفريقى والتجمعات الاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدنى والمعاهد والمراكز البحثية الأفريقية والعربية .

الأهداف:

–  بلورة مواقف موحدة بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الصلة بالأمن .

–  تعزيز قدرات الآليات الوطنية والإقليمية لمنع إندلاع المنازعات وتسويتها وإعادة اإعمار بعد إنتهاء النزاع .

–  تشجيع إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والأفريقية .

الأنشطة:

-إجراء مشاورات منتظمة على مختلف المستويات وعقد إجتماعات تشاورية بين مجلس السلم والأمن للاتحاد الأفريقى ومجلس السلم والأمن العربى.

– المساهمة المتبادلة بالأفراد والمعدات فى عمليات حفظ السلام التى تنشأ فى الوطن العربى وأفريقيا ، وتنفيذ مهام مشتركة للمساعدة فى عملية البناء فى فترة ما بعد الصراع.

– تنسيق المواقف خلال الاجتماعات الدولية ذات الصلة بالسلم والأمن فى العالم

– العمل على تعزيز القدرات وتبادل المعلومات حول مكافحة الإرهاب والقرصنة والتعاون فى محاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود مثل المخدرات وغسيل الأموال والإتجار بالبشر وتهريب الأسلحة وتجريم دفع الفدية لتحرير المختطفين

– تبادل المعلومات والخبرات وعقد الدورات التدريبية حول الأزمات والمنازعات بما فى ذلك أسبابها وتأثيراتها المحتملة وإقتسام التجارب حول كيفية التصدى لها

– زيادة تفعيل دور القوة الأفريقية الجاهزة، وكذلك نظام الإنذار المبكر للاتحاد الأفريقى .

– رفع درجة الوعى بين المجتمعات العربية والأفريقية من خلال الحملات الإعلامية حول النزاعات المسلحة وتداعيتها .

– التوسع فى التمثيل الدبلوماسى والقنصلى بين الدول العربية والأفريقية .

– دعم أكبر لجهود الوساطة فى المنطقتين .

– مكافحة الإرهاب والقرصنة .

العناصر الفاعلة:

– مفوضية الاتحاد الأفريقى.

– جامعة الدول العربية.

– مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى.

– آليات التجمعات الاقتصادية والإقليمية المعنية بإدارة وتسوية وحل المنازعات.

– برلمان عموم أفريقيا والبرلمان العربى .

– اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب واللجنة العربية لحقوق الإنسان

– المركز الأفريقى للدرسات والأبحاث بشأن الإرهاب .

– مجلس السلم والأمن العربى .

– المعاهد البحثية ومراكز التدريب .

– مؤسسات المجتمع المدنى الأفريقى والعربى .

– السلطات المحلية العربية والأفريقية

– مجموعة العمل القطاعية المتخصصة .

آليات التمويل:

–  المساهمات من الدول العربية والأفريقية وشركاء التنمية الأخرون .

– ما يخصص فى الميزانية السنوية للاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية .

– صندوق السلم للاتحاد الأفريقى

– المصرف العربي للتنمية الاقتصادية فى أفريقيا .

– البنك الأفريقى للتنمية .

– مصرف الإستثمار الأفريقى .

– مساهمات المجتمع المدنى .

النتائج المتوقعة:

– التفعيل الكامل لمكونات السلم والأمن التابعة للاتحاد الأفريقى والجامعة العربية وعلى الأخص القوة الجاهزة .

– نظام الإنذار المبكر وهيئة الحكماء

– تحقيق تقدم ملموس وعملى فى إنهاء ومنع إندلاع الأزمات وإدارتها وتسويتها .

– تمكين الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية من قيادة دعم عمليات السلام فى المنطقتين العربية والأفريقية

– إستكمال التمثيل السياسى والدبلوماسى بين البلدان العربية والأفريقية .

– تعميق الوعى المشترك لأسباب إندلاع المنازعات وكيفية تسويتها .

– مشاركة فعالة للمؤسسات العربية والأفريقية فى عملية البناء فى فترة ما بعد الصراعات .

– تنسيق فعال على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية

– تخفيف متطلبات منح تأشيرات الدخول للبلدان العربية والأفريقية .([3])

ثانياً_التعاون الإقتصادى والتجارى:

مع بداية التسعينيات وفى ظل النظام العالمي الجديد أحادي القطبية, وموجة العولمة التي اجتاحت العديد من أسس العلاقات الدولية بشقيها الرسمي وغير الرسمي، وما ارتبط بذلك كله من اتساع دور الدول المانحة الأوربية والأميركية في ميدان القروض والمنح والمساعدات، ودور البنك وصندوق النقد الدوليين في دعم اقتصاديات العديد من الدول الأفريقية, وكذا دور المنظمات العالمية غير الحكومية العاملة في الميادين المختلفة في أفريقيا. مع كل تلك الظروف التي عنت في مجملها تشكيل عدة أطر فاعلة واستثنائية لصياغة علاقات افريقيا بالنظام الدولي الجديد, تجذر تضاؤل فرص الدول العربية (المنشغلة بمشاكلها) في الاستئثار بنصيب مقنع من مكون علاقات افريقيا الخارجية عامة. ذلك ناهيك عن انعكاس تلك الظروف سلباً على حجم المساعدات العربية المقدمة للدول الأفريقية مقارنة بالتدفقات الدولية الأخرى في الصدد ذاته. وقد أدت تلك الظروف في الفترة من نهاية السبعينيات إلى نهاية التسعينيات إلى تعثر مسيرة التعاون العربي الأفريقي وانعكس ذلك بشكل سلبي على اجتماعات أجهزة التعاون واَلياته وعلى مدى انتظامها.([4])

ومن بعض الإتفافات التى تم التوصل لها لتعزيز سبل التعاون العربى الإفريقى فى مخرجات قمة سرت والكويت وملايو:

1-  العمل على خفض القيود الجمركية وتسهيل اجراءاتها فيما بين الطرفين من أجل تشجيع التبادل التجاري، مع البحث في نفس الوقت عن إجراءات تعويضية للآثار التي تترتب على مثل هذا الخفض على بعض الاطراف المحتمل تضررها.

2- زيادة برامج التعاون الفني في مجال السياسات التجارية لكى تُمكّن المؤسسات العربية والأفريقية من القيام بصورة منتظمة بمناقشة الإصلاحات التي تم تنفيذها وإعادة النظر فيها وفي أثرها الممكن على الترتيبات التجارية.

3- الاهتمام بتوفير المعلومات التجارية من قِبل الحكومات والقطاع الخاص على السواء عن طريق إنشاء شبكة عربية أفريقية للمعلومات بالتعاون مع بعض المؤسسات الدولية مثل: “الرابطة الدولية للمؤسسات التجارية الحكومية في البلدان النامية”، و”مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (الأونكتاد)، و”برنامج الأمم المتحدة للتنمية”, و”مركز التجارة الدولية”. وتستخدم هذه الشبكة أحدث التكنولوجيات في مجال الاتصالات وهى متوافرة حالياً بأسعار معقولة. ناهيك عن امكانية اقامة مركز أو وحدة بحثية معلوماتية متخصصة في دراسة العلاقات العربية الافريقية في شقها المتعلق بتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي.

4- يمكن للدول العربية والأفريقية، بفضل النظام الجديد لإقامة المراكز التجارية، أن تحصل على معلومات وافية عن القوانين والقواعد والممارسات السارية في جميع البلدان الأفريقية في مجال الاستثمارات الأجنبية، مما يمكنها من عقد صفقات تجارية أو تشجيع إقامة مشروعات مشتركة. وقد أقامت مصر وتونس والمغرب والجزائر مراكز من هذا القبيل.

5- تعزيز القدرة التنافسية للقطاعات التي يمكن لها أن ترفد مسألة التصدير في الجانبين.

6- تحسين مناخ الاستثمار وخاصة في الدول الأفريقية وزيادة كفاءة المؤسسات الحكومية وإجراء اتصالات مباشرة بين الغرف التجارية الأفريقية ونظيراتها العربية.

7- التفكير في إنشاء غرف “مقاصة” بين الجانبين فيما يتعلق بالتجارة بينهما، حيث أن غالبية الدول الأفريقية تعانى من صعوبات في الحصول على العملات الصعبة، ونفس الشيء يواجه بعض الدول العربية.

8- مواجهة صعوبة تمويل التجارة بين الجانبين حيث لا توجد مؤسسات تقوم بتمويل التجارة فيما عدا المدى القصير فقط. ومن ضمن الاقتراحات في هذا الشأن إنشاء مؤسسة عربية أفريقية للتمويل وزيادة التعاون بين البنوك المركزية، وكذلك إنشاء مؤسسات تمويلية قوية مشتركة لضمان الاستثمارات.

9- تشجيع إنشاء المشروعات المشتركة وخاصة في المجالين الزراعي والصناعي، وهناك إمكانيات ضخمة لذلك بين الجانبين.

10-  الإسراع بتفعيل توصيات الدورة العاشرة للجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي المتضمنة إنهاء الدراسة المتعلقة بإقامة منطقة تجارة تفضيلية بين الدول العربية وأفريقيا. علماً أن مقترح مشروع الاتفاقية لإقامة مثل هذه المنطقة كان قد طرح خلال أعمال الدورة الثامنة للجنة في دمشق يناير 1986 والتاسعة في بوركينافاسو ديسمبر 1986, ولم يبت في الموضوع حتى وقتنا الحاضر.

11-  توطين بعض الصناعات الاستهلاكية المعتمدة على المواد الأولية المتوفرة في بعض البلدان الافريقية والعربية والقابلة للتصدير داخل وخارج اطار المجموعتين, كصناعات السكر والمنسوجات القطنية ومنتجات الكاكاو والبن واللحوم والألبان والأعلاف النباتية والمطاط والزيوت النباتية, وصناعات الأجهزة المنزلية.

12-  العمل الجاد والمنهجي على دراسة أنجع السبل الاقتصادية العلمية لتأسيس نمط فعّال للتعاون أو التكامل الاقليمي العربي الافريقي بالنظر في التجارب المماثلة وبخاصة تجربة الإنديان في أمريكا اللاتينية والآسيان في آسيا القائمتان على منظور “التكامل من أجل التنمية”. علماً بأن مثل ذلك المسعى يمكن أن يأخذ أحد طريقين: إما من خلال اطلاق قوى السوق بين الدول لتستطيع ترتيب هياكلها الاقتصادية مع توفير سياسات داخلية تعمل على مواءمة وتنسيق عمل تلك القوى بما يحقق أهداف التعاون؛ أو التركيز على التنسيق بين قطاعات محددة أو مشروعات اقتصادية بعينها وخاصة المشروعات المتشابهة. والبعض قد يعتبر التنسيق القطاعي من افضل وسائل التعاون بين الدول النامية لأن معلوم عنها اختلال هياكلها في قطاعاتها الانتاجية ما يؤدي إلى ضعف مستوى تبادلها التجاري البيني. والمشروعات المشتركة عادة لا تمس بالاقتصاد القومي (الكلي), كما أنها مرنة تحقق مصالح كل الأطراف, والبلدان الغنية نسبياً فيها لا تكون مجرد ممولة بل ومساهمة في الاشراف على المشروعات وإدارتها, والمشروعات المشتركة تساهم كذلك في سد عجز ميزان المدفوعات في الدول الفقيرة وتساهم في توفير فرص عمل.([5])

_نماذج ناجحة على طريق التعاون:

  • المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا:

أنشئ المصرف في فبراير 1974 بهدف توثيق الروابط بين الدول الأفريقية والعربية، ودعم النمو الاقتصادي للدول الأفريقية في إطار التضامن والمصالح المشتركة. وقد بدأ عملياته في بعض الدول الافريقية في مارس 1975 , وقد حددت مهامه بما يلي:

–  الإسهام في تمويل التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية.

–  تشجيع مساهمة رؤوس الأموال العربية في التنمية الإفريقية.

–  الإسهام في توفير المعونة الفنية اللازمة للتنمية في أفريقيا.

2-  المعرض التجاري العربي الأفريقي:

أقيم هذا المعرض في إطار العمل على دعم التعاون الاقتصادي وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية والأفريقية, حيث وافق كل من مجلس جامعة الدول العربية ومجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك على توصيات اللجنة الدائمة ( يونيو 1989) بتنظيم المعرض التجاري العربي الأفريقي. وقد أُقيم المعرض الأول في تونس في أكتوبر 1993, والثاني في جوهانسبرج في أكتوبر 1997, وعقد الثالث في داكار في أبريل 1999.

      3-  أسبوع رجال الأعمال العرب والأفارقة:

اطلق هذا الأسبوع بناء على الرغبة المشتركة في دعم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الطرفين, حيث وافق مجلس جامعة الدول العربية ومجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية على إقامة مثل هذا الاسبوع فأقيم المعرض الأول في القاهرة في مارس 1995, ولم تتوافر لنا بيانات حول ما إذا كانت قد استمرت اقامة المعرض بعد ذلك العام, ولكن التجربة في حد ذاتها كانت ناجحة.

     4- اجتماع غرف التجارة والصناعة في افريقيا والعالم العربي:

جاء هذا الاجتماع ثمرة لتعاون جاد ما بين الأسيكا وقطاع رجال الاعمال في افريقيا والعالم العربي والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا, حيث عقد الاجتماع الاول في جنوب افريقيا عام 2008, والثاني في البحرين عام 2010, وها نحن نقدم ورقتنا هذه إلى الاجتماع الثالث الذي ينعقد في المغرب أواخر 2012. وواقع الحال يؤكد من خلال النظر في الوثائق الصادرة عن الاجتماعين السابقين بأن لدى هذا الترتيب الحديث نسبياً (الأسيكا) العديد من الرؤى والتوجهات العملية بخصوص تطوير مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بين افريقيا والعالم العربي. ولعل من أبرز ما يسعى الاجتماع لتأسيسه هو اتفاقية انشاء الكتلة التجارية الأفريقية العربية “آتب”. وهو المشروع الذي قد يضيف الكثير لمحتوى التعاون في حال رأى النور في القريب العاجل. ناهيك أيضاً عن مجموعة التوصيات التي توصل اليها الاجتماعان بخصوص تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين. ولعل ما يميز هذا الاجتماع اعتماده عرض مجموعة من أوراق العمل المتخصصة بغية تأكيد توسيع نطاق نظرته الاستشرافية لمستقبل التعاون إلى الأطر التخصصية والمنهاجية وهذا بلا ريب مما يحسب لهذا الاجتماع.

5_مؤتمر آفاق التعاون العربى الإفريقى الصينى:

والذى أقيم بقاعة افريقيا للمؤتمرات بجامعة افريقيا العالمية فى 22نوفمبر 2017 والذي نظمه مركز البحوث والدراسات الافريقية بالتعاون مع رابطة جمعيات الصداقة الصينية العربية.([6])

_إسهامات مصر فى الكوميسا:

إن إتفاقية الكوميسا أثرت فى زيادة فرص التبادل التجارى  بين مصر والدول أطراف الإتفاقية، عن طريق تبنى السياسات التى من شأنها الإزالة الكاملة للتعريفة والحواجز الجمركية وغير الجمركية المتعلقة بالتجارة بين دول الاتفاقية، ومدى استفادة التجارة الخارجية لمصر من زيادة معدل التجارة البينية بين دول الكوميسا، الأمر الذى يؤدى إلى تخفيض عجز الميزان التجارى المصرى، من خلال تشجيع الفرص المتاحة لفتح أسواق تصديرية جديدة لمصر فى تلك الدول والاستفادة من اتساع حجم السوق وزيادة فرص التجارة.

وكشف تقرير صادر عن السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي “الكوميسا” عن أن مصر تحتل المرتبة الأولى بين الدول الأعضاء في الكوميسا، حيث أعلنت عن 92 مشروعًا جديدًا في عام 2017 تليها كينيا (52) وإثيوبيا (24) وزامبيا (13) وأوغندا (8).

وأبرز التقرير تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة 23% في عام 2017، لتصل إلى 1.43 تريليون دولار أمريكي مقارنة بـ1.87 تريليون دولار أمريكي في عام 2016، وانخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا بنسبة 21% لتصل إلى 42 مليار دولار في عام 2017.([7])

ثالثاً_التعاون الاجتماعي والثقافي:

على الدول العربية والأفريقية دعم الجهود الفردية والمشتركة للدول الإفريقية والعربية لتعزيز التنمية الاجتماعية وتحقيق أهداف التنمية للألفية ذات الصلة وخاصة تخفيف الفقر والوصول الجماعي للتعليم الابتدائي ، ووفيات الأمهات والأطفال ، وتخفيض الجوع ومكافحة الأوبئة مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) والسل والملا ريا وغيرها.

وتؤكد الإستراتيجية على الحاجة إلى إنشاء ثقافة تعاون قوي من خلال الحوار الفعال وتشجيع التبادل الثقافي وتوأمة الترتيبات من خلال الآداب والرياضات وكذلك عقد مهرجانات ثقافية مشتركة دورية وضمان اتصال أفضل بين الشعوب الأفريقية والعربية لتعزيز تفاهم أعمق لكل منهما وذلك من خلال تعزيز التبادل والاتصالات بين الفاعلين المستقلين بما في ذلك النقابات العمالية والرابطات المهنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ووسائل الإعلام والمدارس والجامعات والنوادي الرياضية وغيرها.

التعاون المصرى الأثيوبى:

إن التعاون الأخير بين الطرف المصرى ونظيرة الأثيوبى فى تلك القضية الشائكة، ألا وهى ملف المياة والتى تعتبر قضية أمن قومى، أثبت للعالم كله أن القاهرة وأديس أبابا هم أشقاء وفى النهاية سيتم التعاون بشكل أو بآخر فى تلك القضية.

وهذا ماشهدته مناقشات الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس الوزراء الأثيوبى آبى أحمد فى المباحثات الأخيرة التى ناقشت تطورات مسارات المفاوضات الثلاثية الخاصة بسد النهضة في إطار الحرص المتبادل على تنفيذ اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015، ومخرجات الاجتماع التساعى الأخير الذي عقد بأديس أبابا في مايو 2018، حيث تم التأكيد على أهمية الدفع قدما بمسارات التفاوض القائمة وتذليل أية عقبات لضمان التوصل إلى التفاهم المطلوب حول مشروع سد النهضة بشكل يضمن تحقيق المصالح التنموية لإثيوبيا والحفاظ على أمن مصر المائى.

إن زيارة وزير الخارجية “سامح شكرى” إلى أديس أبابا مع اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة والتى تمت مؤخراً، بتكليف من الرئيس السيسى،  حيث التقيا مع “آبي أحمد” رئيس الوزراء الإثيوبي بأديس أبابا، عبرت عن سبل دعم وتعزيز العلاقات المصرية الإثيوبية، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه على مستوى قيادتى البلدين وتطورات مفاوضات سد النهضة، بالإضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.([8])

إن العلاقات “المصرية- الإثيوبية ” فى إطار التطور والتغير الذى حدث في إثيوبيا، لابد أن تظل قنوات الإتصال والحوار مفتوحه بينهم ، حتى يتم وضع رؤية مشتركة للعلاقات الثنائية، وأيضاً للقضايا المرتبطة بإدارة ملف سد النهضة والتنفيذ الكامل للاتفاقات المبرمة، والتفاهمات التى أتت من خلال الاجتماعات التساعية، وتعزيز العلاقات المصرية الإثيوبية في كافة المجالات بما يرقى لتطلعات شعبي البلدين، ومن هنا لابد لنا أن نشيد حقيقةً  بالخطوات والمبادرات البناءة التي ينتهجها رئيس الوزراء الإثيوبي لتعزيز الاستقرار والسلام في منطقة شرق إفريقيا.

محاور العلاقات المصرية الأثيوبية:

  • المحور السياسى:

دعم العلاقات بين دول حوض النيل عامة وبين مصر واثيوبيا خاصة  على المستويات الحكومية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدنى هى مسألة ضرورية ، لذا اقترح بعض الخبراء تشكيل لجنة سياسية مشتركة على مستوى رؤساء الحكومات لإقامة جسور الحوار المستمر وتبادل الرأى والتفاوض حول الأزمات المحتملة بشكل استباقى يسمح بتجاوز كل ما من شأنه أن يعيق مسيرة العلاقات   الاثيوبية المصرية.

  • المحور الإقتصادى:

دراسة احتياجات الدولتين وسبل تعظيم التبادل التجارى بينهمابحيث تجعل العلاقات المصرية الإثيوبية ربحًا للطرفين وفائدة للشعبين، فمثلا يقترح بعض الخبراء إمكانية منح مصر تسهيلات لـإثيوبيا فى أحد الموانى المصرية على البحر المتوسط للتصدير إلى أوروبا لخلق جوًا من التوافق ومناخًا لاستعادة الثقة في العلاقات بين البلدين.

  • المحورالدينى:

علاقة خاصة بين مصر وإثيوبيا ، ربما تتفاوت بدرجات معينة بين بقية الدول الأفريقية، فالعلاقة الدينية المشتركة بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الإثيوبية، وأيضاً بين الأزهر الشريف ومسلمى إثيوبيا، تؤكدان عمق العلاقات الدينية بين الشعبين العظيمين.

  • المحور الثقافى:

الروابط الثقافية بين البلدين تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ خصوصًا وأن الحقبة القبطية فى تاريخ الدولتين تحتوى محطات تؤكد التقارب الروحى والثقافى بين مسيحيى ومسلمى الحبشة بما يؤهل وجود رؤية شاملة وسياسة مستمرة تربط بين البلدين بدلًا من العلاقات الموسمية التى تتأرجح صعودًا وهبوطًا وفقًا لبورصة المشكلات القائمة أو الأزمات الطارئة.

الخاتمة:

إن قضية التعاون العربي الأفريقي بحاجة إلى حيز أكبر بكثير من ورقة العمل هذه. فإذا كان البعض ممن يتناولون شأن العلاقات العربية الأفريقية بصورة روتينية يبدي تشاؤماً إزاء امكانيات تطوير تلك العلاقات بالنظر إلى حجم التحديات والصعوبات التي تواجهها في الوقت الحاضر؛ ولكن مناخ العلاقات الحالي يُعد – بلا ريب – مناخاً استثنائياً بالنظر إل طبيعة التحولات القائمة في هيكل العلاقات الدولية والاقليمية بصفة عامة. فهو بلا شك مناخ دافع على التعاون والتنسيق بين الطرفين أكثر من أي وقت مضى. فالعديد من تلك التحولات تشير إلى ضرورات واضحة لالتفاف عربي أفريقي حول حماية المصالح ومواجهة التهديدات المشتركة, وعلى رأس ذلك ما يتعلق بمخاطر تراجع اقتصادات الطرفين في مواجهة التكتلات الاقتصادية الاقليمية الناجحة, أو من تغول طبيعة هيكل النظام الاقتصادي الدولي الجائر على مستقبل مصالحهما الاقتصادية, أو من مشاكل الاستقرار السياسي والأمني في ظل تصاعد نشاط جماعات الارهاب الدولي في عدد من الدول العربية والافريقية, ناهيك أيضاً عن التراجع الواضح في الآونة الأخيرة لتأثير بعض الأطر الايديولوجية التي طالما عطلت تطوير ذلك التعاون, وذلك في ظل التغييرات السياسية التي شهدتها العديد من الدول العربية والافريقية باتجاه ارساء انظمة سياسية اكثر عقلانية وموضوعية في النظر إلى طبيعة علاقات بلدانها بالعالم الخارجي بصفة عامة.إن التحديات كبيرة وعلى الدول العربية والإفريقية الوقوف بجانب بعضها البعض.

[1] يوسف أيوب ، كيف تساعد مصر فى تحقيق التعاون العربى الأفريقى ، اليوم السابع ، تاريخ الدخول 9/4/2018 متاح على الرابط التالى

https://www.youm7.com/story/2016/11/24/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%81%D9%89-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%89/2981317

2_عطية عيسوى التعاون العربى الإفريقى ، ضروراتة ومعوقاتة ، موقع الأهرام ، تاريخ الدخول 9/4/2018 متاح على الرابط التالى

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/563220.aspx

[3] عبدالملك عودة, “نظرة استراتيجية مستقبلية للعلاقات العربية الافريقية”, في: العرب وافريقيا فيما بعد الحرب الباردة, مرجع سابق, ص 133- 145.

[4] عبدالهادي سويفي, قراءات في اقتصاديات الوطن العربي (القاهرة، [ د.ن.]، 1999), ص 145 – 279 و 280 – 299.

[5] سبل تشجيع الاستثمار العربي في أفريقيا, دراسة صادرة عن المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.

[6] عبد السلام إبراهيم بغدادى ، البعد الإيجابى للعلاقات العربية الأفريقية ، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات ،الطبعه الأولى بيروت، نيسان 2013

[7] مصر والكوميسا، الهيئة العامة للإستعلامات، تاريخ الدخول 4/9/2018، متاح على الرباط التالى http://sis.gov.eg/section/433/1776?lang=ar

[8] باسل يسرى،لتزام مصرى – إثيوبى بالتعاون لتحقيق مصالح الشعبين ، الأهرام، تاريخ الدخول 4/9/2018، متاح على الرابط http://www.ahram.org.eg/News/202505/136/629742/%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%89–%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D9%86-.aspx

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=56219

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M