تأملات قرآنية من الآية التاسعة من سورة سبأ

بهاء النجار

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ
كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)

التأمل الأول :
من مستلزمات العبادة والإنابة لمن يبحث عنهما ويرغب بالتحلي بهما هو تفحُّص ما حوله والتفكر بقدرة الله جلّت عظمته الذي لو شاء أن يخسف الأرض أو يُسقِط كسفاً من السماء لفعل ، والتفكر ينبغي أن يكون بالسماء كما يكون في الأرض إن لم يكن أكثر (بحكُم تقديم السماء على الأرض) .
فهذا التفكر هو شكل مهم من أشكال العبادة يغفل عنه الكثيرون ، بل هو من أفضل أشكال العبادة لما روي أن التفكر ساعة يعدل عبادة ستين سنة ، أما الإنابة فهي فرعٌ من العبادة ، والتفكر بالقدرة الإلهية يساعد في الوصول إليها .

التأمل الثاني :
إذا قبلنا بأن تعبير (السماء) تشير بشكل من الأشكال الى الجانب المعنوي وأن (الأرض) تشير الى الجانب المادي فهذا يعني أن الإنسان المؤمن الراغب بأن يكون عبداً منيباً ينبغي أن يتفكر بالأمور الغيبية والمعنوية وكذلك الأمور المادية الدنيوية ، مع المحافظة على تقديم الأمور المعنوية على الأمور المادية لتقديم السماء على الأرض ، والتقديم لا يعني بالضرورة أن نترك الجانب المادي لحين انتهاء تَفكُّرنا بالجانب المعنوي فضلاً عن إهمالنا إياه من حياتنا ، وإنما يكون التقديم عندما يتعارض الجانبان ، فلا نقدّم أبداً الجانب المادي على المعنوي عند التزاحم .

التأمل الثالث :
من الضروري التعرف على مصاديق التفكُّر كي يسهل علينا الاستفادة منه ، ولا بد أن نعرف أيضاً أن التفكر يكون على محورين ، المحور الأول سماوي وهو الخاص بالجانب المعنوي والذي يتضمن التفكر بالقدرة الغيبية لله عز وجل باعتباره مسبب الأسباب ومنزل الأرزاق وقاضي الحاجات وبيده كل شيء والذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون .
أما المحور الثاني فهو أرضي مادي ويتضمن معرفة الأسباب الطبيعية لكل هدف دنيوي مطلوب ، فمثلاً لا بد من التفكر بأسباب النجاح في حياتنا الاجتماعية والأسرية والعملية والدراسية ، وكذلك التفكر بأسباب رقي مجتمعنا وإنهاء معاناته وأزماته ، وغير ذلك ، وهذا التفكر لا بد أن يُسنَد بالتفكر الغيبي كي نختصر الوقت والجهد ، وهو ما يتلاءم مع تقديم السماء على الأرض .

التأمل الرابع :
إن العبد يعلم يقيناً أن الله تعالى له ما في السماوت وما في الأرض ، يعلم ما بين أيدي العباد وما خلفهم ، ما يعلمون وما لا يعلمون ، لذا لا يعتمد على رؤيته فقط لما يجري ، لأنه لا يحيط بشيء من علمه سبحانه إلا بما شاء جل وعلا ، وقد يشاء تعالى الخسف بالأرض أو إسقاط الكِسَف من السماء ، وقد يشاء حفظ مَن في السماوات والأرض فلا يؤده حفظهما ، لأن كرسيه وسع كل شيء وهو العلي العظيم .
لذا ليس أمام هذا العبد إلا أن ينيب إلى الله ويتوب ويعود ، لأنه في الحقيقة ليس بيده شيء ، وكل شيء بيده تعالى جلّت قدرته .

التأمل الخامس :
في الواقع أن كل إنسان – بل كل مخلوق – هو عبد ، ولكن بعض يعترف بعبوديته لله تعالى والبعض الآخر لا يعترف بذلك ، وهذا الاعتراف مرة يكون نظرياً من دون أي تطبيق على أرض الواقع أو بتطبيق جزئي ، ومرة يكون عملياً بحيث نرى آثار العبودية عليه ، ومن هذه الآثار الإنابة ، فمن لا يعترف بالعبودية لله تعالى لو تأمل وتدبر في السماء والأرض وما حوله وقدرة من خلقها لاعترف بالعبودية له سبحانه ، وكذلك من يعترف بالعبودية نظرياً إذ سيرى من الضروري أن ينيب الى ربه جل وعلا .
وهذا مؤشر لنا يمكننا من خلاله أن نعرف عبوديتنا لله تعالى حقيقية أم شكلية وذلك من خلال الإنابة إليه سبحانه .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M