تأملات قرآنية من الآية الرابعة من سورة فاطر

بهاء النجار

 

وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)

 

التأمل الأول :

رغم أن المخاطَب في هذه الآية الكريمة هو الرسول محمد صلى الله عليه وآله لمواساته ، إلا أن كل قائد رسالي يحمل همّ رسالة السماء ويسير على النهج المحمدي القويم يمكن أن يستفيد منها لتقوية إرادته في مواجهة المكذبين الذين يضرون أنفسهم قبل أن يضروا من ينصحهم ، فَمِما يصبّر هذا القائد الرسالي أن المكَذَّبين (بالفتح ) هم رسلٌ ، والرسل هم أرقى طبقة من الأنبياء ، ورغم أنهم معصومون ومتصلون مباشرة بالسماء ولهم قدرة عالية على المحاججة والإقناع ويحملون مواصفات بشرية خاصة يمكن أن تؤثر حتى بالكافرين كالمعجزات والصفات الأخلاقية التي لا يمكن نكرانها كالصدق والأمانة وما شابه ، ومع هذا كله فإنهم كُذِّبوا من قبل أقوامهم ، فكيف بالإنسان الذي لا يمتلك هذه الصفات والامتيازات ؟ بالتأكيد يكون التكذيب متوقع بشكل أكبر .

 

التأمل الثاني :

إذا نظرنا الى الرسول صلى الله عليه وآله كداعية أو كمؤمن وليس كقائد ديني كي يستفيد من هذه الآية الكريمة كل مؤمن رسالي يحترق قلبه على ما تمر به البشرية عموماً وأبناء جلدته وأمته بشكل خاص من تدهور إيماني وانحراف أخلاقي وابتعاد عن الصراط المستقيم ، لأن مثل هذا المؤمن هو عبارة عن جندي من جنود الله تعالى يسير بإمرة رسوله صلى الله عليه وآله وأوصيائه وفقهاء أمته ، فعندما يسمع أو يقرأ بأن رُسُلاً بجلالة قدرهم عند الله سبحانه وقابلياتهم النفسية والذاتية قد كُذِّبوا فسيتوقع تكذيبه إن قام بمهمته الرسالية في النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيشعر بالارتياح والطمأنينة حينها ، وسوف لن يؤثر ذلك التكذيب على نفسيته أو ثقته بمشروعه ، وسوف لن يعرقل برنامجَه الدعوي والإصلاحي ، وإن لم يزدد تقدماً فسوف لن يتراجع ويتقهقهر .

 

التأمل الثالث :

إن الرجوع الى الحوادث التأريخية والاستفادة من تجاربها ضروري للتغلب على المصاعب التي نعيشها ، وربما هذه من أهم مبررات دراسة التأريخ من وجهة نظر قرآنية ، فالقرآن الكريم دعا في أكثر من موضع الى أهمية دراسة التأريخ والاستفادة من الأقوام السالفة { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ } و { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ ، كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ } .

وبعد أن تبينت أهمية دراسة التأريخ – من زاوية قرآنية – في تطوير الواقع المعاش على المستوى الدنيوي والأخروي ، فيمكن أن نعتبر هذه الأهمية دعوة للطلبة للانخراط في التخصصات التأريخية التي أُهمِلَت بسبب الجهل بقصد أم غير قصد ، عسى أن يكونوا ممن استنطقوا القرآن الكريم .

 

التأمل الرابع :

إن الاستشهاد بتكذيب الأمم السابقة وإعتباره قضية طبيعية ومتوقعة لا يعني القبول بهذا التكذيب ، بل هو في الحقيقة مصيبة ، لأن من يكذّب شخصاً يأتي بحجة دامغة مدعّمة بالآيات والمعاجز إنما يرمي بنفسه الى التهلكة ، أما إذا أخذنا بنظر الاعتبار التكذيب العملي للرسل والذي يقع فيه غالبيتنا من خلال إرتكاب المعاصي وترك الواجبات فستكون المصيبة واضحة وجلية وعظيمة ، لأن مساحة التكذيب ستتسع وستشمل كثيراً ممن يعتقد أنه بمنأى عن مثل هذا الفعل البغيض ، خاصة إذا ربطنا بين تكذيب الرسل والتكذيب بيوم القيامة الذي تُرجَع فيه الأمور الى الله جل جلاله .

وما دامت الأمور ترجع الى الله سبحانه فليس أمامنا إلا أن نقول تأسياً بالأدب القرآني لمن أصابتهم مصيبة : إنا لله وإنا إليه راجعون على هذه المصيبة .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :

https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M