الهجرة غير الشرعية إلى السواحل الأوروبية.. حوادث مكررة وحلول غير فعالة

بيير يعقوب

 

تحطمت سفينة هجرة غير شرعية بالقرب من شواطئ كروتوني في جنوب إيطاليا فجر الأحد 26 فبراير 2023، ووصلت أعداد ضحايا الحادث إلى أكثر من 60 مهاجرًا من كلٍ من: أفغانستان، وباكستان، والصومال، وإيران. وأعربت رئيسة الوزراء الإيطالية عن حزنها إزاء الحادث، وتعهدت بالتصدي للهجرة غير الشرعية، وحمّلت مسؤولية الحادث للمهربين الذين “يتاجرون بأرواح البشر”. ويأتي هذا الحادث في الوقت الذي ازدادت فيه معدلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بشكل واضح في الفترة ما بعد عام 2020، بعد أن كانت النسبة قد بدأت في الانخفاض، مما أثار الكثير من التساؤلات عن أسباب هذه الزيادة؟ وكيف يمكن لأوروبا ودول ساحل المتوسط التصدي لهذه الظاهرة.

أسباب زيادة الهجرة غير الشرعية

هناك العديد من الأسباب التقليدية للهجرة غير الشرعية التي لم تتغير بشكل كبير بمرور السنين، مثل: سوء الأحوال الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، ومحاولة الوصول لشكل حياة أفضل في الدول الأوروبية الأكثر تقدمًا. بالرغم من وجود تلك الأسباب منذ سنين، فإن نسب الهجرة غير الشرعية من أفريقيا عن طريق دول ساحل المتوسط إلى أوروبا قد ارتفعت بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة.

وطبقًا لوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس”، كانت معدلات الهجرة غير الشرعية قد بدأت في الانخفاض بعد أن سُجل دخول ما يقرب من مليون مهاجر بطرق غير قانونية إلى أوروبا في عام 2015، إلى أن وصلت الأعداد إلى 120 ألف مهاجر في 2019، وكانت النسبة هي الأقل على الإطلاق في عام 2020 نظرًا لغلق الدول حدودها بسبب جائحة كورونا، إلا أنه سُجل دخول حوالي 50 ألف مهاجر.

بدأت بعدها الأعداد في الازدياد، فوصلت إلى حوالي 200 ألف مهاجر في 2021، و275 ألفًا في 2022، بالإضافة إلى ما يزيد على 50 ألف مهاجر في أول شهرين فقط من 2023. وتعزى زيادة هذه المعدلات إلى الأزمة الاقتصادية العالمية مؤخرًا التي تمثل العامل الرئيس في زيادة الهجرة غير الشرعية، ولكنها قطعًا ليست السبب الوحيد؛ إذ تعد إزالة القيود التجارية أو تخفيفها بين الدول الأفريقية والدول الأوروبية سببًا مهمًا في زيادة نسبة الهجرة غير الشرعية، حيث تستغل شبكات المهربين هذا الانفتاح وتقوم بتهريب المهاجرين عن طريق هذه الخطوط التجارية. مثل زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية إلى جزر الكناري الإسبانية في العام 2020 الناتجة بشكل رئيس عن استغلال اتفاقيات الصيد بين الاتحاد الأوروبي والسنغال.

يستغل المهربون أيضًا الانفلات الأمني في بعض الدول، أو عدم قدرة بعض الدول النامية على إحكام قبضتها على شبكات المهربين؛ فعلى سبيل المثال تخرج معظم سفن الهجرة غير الشرعية في الفترة الأخيرة من ليبيا بالرغم من أن معظم ركاب هذه السفن عادة ما يكونون قادمين من دول أفريقية مجاورة وليسوا ليبيين. يستغل أيضًا المهربون التوترات في العلاقات بين بعض دول ساحل المتوسط، فمثلًا نتج عن الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا في عام 2021 زيادة غير مسبوقة في معدلات الهجرة غير الشرعية من المغرب إلى إسبانيا، ومن المرجح تكرار مثل هذه النتائج إثر تحسن العلاقات الإسبانية مع المغرب بشكل كبير في مقابل توترها مع جارتها الجزائر.

أخيرًا، يلعب عدم اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على شكل أو نظام محدد للتصدي لمثل هذه الأزمة دورًا مهمًا في زيادتها؛ إذ إن الانقسام في وجهات النظر بين الدول الأوروبية بخصوص الاتجاه الأفضل لحل هذه الأزمة -إذا كان تشديد القيود على المهاجرين غير الشرعيين أو استيعاب عدد أكبر من اللاجئين- ينتج عنه تأجيل الوصول إلى حل مناسب وفعال. وتستغل أيضًا شبكات التهريب والاتجار في البشر هذا الانقسام في منح وعود للمهاجرين بالنجاح في عملية الدخول غير القانوني إلى الدول الأوروبية. هذا بالإضافة إلى أن رفض الكثير من طلبات اللجوء من الدول الأوروبية للراغبين في الهجرة يدفعهم الى استسهال فكرة الهجرة غير الشرعية بشكل أكبر.

كيف تتعامل أوروبا مع الأزمة؟

لا تتعامل أوروبا بالشكل الأمثل مع الأزمة، رغم المعاناة منها منذ سنين. وتتشكل الأزمة في أوروبا بشكل رئيس في عدم تعاون الدول الأوروبية الشمالية مع الدول الأوروبية الجنوبية الأكثر تضررًا من الوضع بسبب تشارك سواحلها على البحر المتوسط مع سواحل الشمال الأفريقي. ترغب الدول الأوروبية الجنوبية مثل إيطاليا وقبرص واليونان وغيرها في وضع حد حاسم لهذه الأزمة عن طريق وضع أسوار حدودية على سواحلها وعمل الكثير من الإجراءات الأمنية التحصينية لمنع وصول المهاجرين بطرق غير قانونية إلى شواطئها. في المقابل، ترفض باقي دول الاتحاد الأوروبي هذا المقترح بشكل قاطع بسبب رؤيتها أن هذا من شأنه زيادة الخسائر في أرواح المهاجرين بشكل كبير، مما يتنافى مع حقوق الإنسان.

لكن لم يرفض الاتحاد الأوروبي تمويل هذا المشروع بشكل كامل، حيث وافق على تمويل الجزء الخاص بالمعدات التأمينية من كاشفات وكاميرات ومختلف أجهزة المراقبة عالية الكفاءة التي يمكنها مراقبة كافة السواحل؛ لضمان عدم دخول أي مهاجرين بشكل غير رسمي. لكن لم يكن هذا حلًا كافيًا في السيطرة على الوافدين بغزارة. تحاول أيضًا الدول الأوروبية تحسين العلاقات الدبلوماسية مع دول شمال أفريقيا لتسهيل التعاون والتنسيق بينها للتصدي للطرق غير الشرعية للهجرة.

من جهتها، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيرز أن ألمانيا لن تقف مكتوفة الأيدي في ظل تكرار أحداث غرق سفن المهاجرين، وأضافت أن الحكومة شرعت في تغيير سياسة الهجرة، مؤكدة أن برلين ستتيح طرقًا مشروعة للهجرة وستسهل قبول طلبات اللجوء للحد من المقبلين على فكرة الهجرة غير الشرعية، وشجعت أيضًا سائر دول الاتحاد الأوروبي على اتخاذ مثل هذه الخطوات بالإضافة إلى العمل على حماية حدود الاتحاد الأوروبي.

على الجانب الآخر، لا تقبل الكثير من الدول الأوروبية بالحل الذي قدمته ألمانيا بسبب المعاناة من الضغوطات الاقتصادية والسياسية والأمنية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، مما يجعل قبول أعداد أكبر من اللاجئين يشكل عبئًا كبيرًا على دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى اعتبار الكثير من الدول أن هذا ليس حلًا قاطعًا ولا يضمن القضاء على الأشكال غير القانونية للهجرة. بالرغم من ذلك هناك العديد من الحلول التي يمكن تنفيذها من قبل الاتحاد الأوروبي لتسهل السيطرة على الأزمة وتقليل نسبة الهجرة غير الشرعية، منها:

تسهيل طرق الهجرة الشرعية: فبالرغم من اعتراض بعض الدول على هذا الاقتراح، إلا أنه سيكون من السهل الموافقة عليه في حالة التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي كلها، بحيث تكون مسؤولية استقبال المهاجرين واللاجئين مقسمة بشكل عادل بين دول الاتحاد الأوروبي؛ إذ إن الأعباء التي سيشكلها التسهيل في هذه الحالة ستكون أقل من تلك التي تسببها الهجرة غير النظامية.

المرونة في التحول إلى هجرة العمل: من الممكن أيضًا توجيه أصحاب طلبات اللجوء المرفوضة إلى الحصول على تأشيرة هجرة العمل ومساعدتهم في الحصول عليها؛ إذ أن معظم المهاجرين بشكل غير قانوني ومقدمي طلبات اللجوء يكون هدفهم العمل بالدول المتقدمة للوصول لشكل حياة أفضل.

تأمين الحدود: لا يشترط أن يكون تأمين الحدود عن طريق وضع الأسوار والأسلاك الشائكة؛ إذ أن الاكتفاء بأجهزة يمكن أن يكون فعالًا في حال تعاون جميع دول الاتحاد الأوروبي في تأمين الحدود ليس فقط الدول الحدودية، بالإضافة إلى التعاون مع الدول الأصلية للمهاجرين للعمل على تقليل الهجرة غير الشرعية من جذورها وليس فقط دول ساحل المتوسط.

ختامًا، تعمل أوروبا فعليًا على مختلف المقترحات والحلول للتصدي لهذه الأزمة التي لطالما استهلكت طاقات الدول الأوروبية، ومع ضغوطات الأزمة الاقتصادية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية تزداد نسب المقدمين على الهجرة غير الشرعية ويصبح التخلص من مثل هذه الأزمة قضية ملحة، مما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التحرك بشكل سريع للوصول لحلول فعالة. من المرجح استخدام الاتحاد الأوروبي لحلول مثل المرونة وتسهيل طرق الهجرة الشرعية، والطرق المختلفة لتأمين الحدود والتعاون مع الدول التي ينحدر منها المهاجرون، وغيرها من الأفكار، وهو ما سيتطلب تغيير توجهات بعض الدول الأوروبية وصولًا لأرض مشتركة تكون نقطة انطلاقة للسيطرة على هذه الأزمة واستيعاب الراغبين في اللجوء وفرصة لحياة أفضل.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75903/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M