آفاق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية في عهد حكومة نتنياهو المقبلة

عمر طاش بينار

 

حصل بنيامين نتنياهو على تفويض من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ في 13 نوفمبر 2022 لتشكيل حكومة الأغلبية التي يُتوقع أن تضم حزب الليكود والأحزاب الثلاثة المشكِّلة لقائمة “الصهيونية الدينية” وحزب شاس المتطرف وحزب “يهودت هتوراه”. وأبْدت الإدارة الأمريكية مخاوفها من تشكيلة حكومة نتنياهو المقبلة التي يُتوقع أن تكون أكثر الحكومات يمينيةً وتشدداً في تاريخ إسرائيل. وعليه، كيف سيكون مستقبل العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس بايدن؟

 

تشكيلة الحكومة الإسرائيلية والمخاوف الأمريكية

وقّع نتنياهو حتى الآن اتفاقيات ائتلافية حكومية مع حزب “قوة يهودية” برئاسة المتطرف إيتمار بن غفير، الذي سيتولى بحسب الاتفاق حقيبة الأمن القومي مع امتلاكه صلاحيات واسعة على المدن المختلطة التي تضم العرب واليهود (داخل الخط الأخضر) بالرغم من ادانته بالتحريض على الكراهية والعنف، فضلاً عن القدس. كما وقّع نتنياهو اتفاقية أخرى مع حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش الذي سيتناوب على وزارتي المالية والداخلية مع أرييه درعي رئيس حركة شاس. علاوة على ذلك، سيكون لحزب سموتريتش ممثل في وزارة الدفاع سيمتلك صلاحيات إضافية على الإدارة المدنية التي تشرف على الضفة الغربية. وتضم حكومة نتنياهو أيضاً آفي معوز، رئيس حزب “نعوم” في منصب نائب وزير في مكتب رئيس الوزراء لشؤون “الهوية اليهودية” الذي يتفاخر بتبني أجندة مناهضة للمثليين.[i]

 

وأشارت تقارير إلى أن نتنياهو عدل عن تعيين سموتريتش وزيراً للدفاع، إثر ضغوط من الولايات المتحدة التي أوضحت بأن إدارة بايدن ستجد صعوبة في الحفاظ على تعاون أمني ثنائي وثيق في حال تعيين سموتريتش و/أو شريكه السياسي المتطرف بن غفير في مناصب وزارية تتصل بالشؤون الدفاعية.[ii] فضلاً عن أن التكهنات حول احتمال تولي سموتريتش حقيبة الدفاع أدت إلى معارضة شديدة من جانب جنرالات وضباط إسرائيليين سابقين.

 

وأشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن واشنطن أبلغت نتنياهو بشكل صريح أنها “ستُحسِنُ صُنعاً” في حال تعيين وزراء في مجال الدفاع والأمن العام يستطيع البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين العمل معهم عن كثب حول قضايا مهمة مثل إحباط برنامج إيران النووي، والتطورات الجارية في غزة والضفة الغربية والقدس، والتعاون الاستخباراتي.[iii]

 

كما أظهر الكونجرس الأمريكي مؤشرات على الإحباط، فقد قال السناتور كريس فان هولين، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، إن “الإدارة [الأمريكية] على حق لتشعر بالقلق…ونقل هذه المخاوف [إلى نتنياهو]”.[iv] ويُعَدُّ فان هولين أحد الداعمين الأقوياء لإسرائيل في الكونجرس الذين عبروا عن قلقهم حول احتمال انضمام شخصيات تحمل آراء متشددة إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وتضم قائمة أعضاء الكونجرس هذه شخصيات مثل السناتور روبرت مينديز الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والذي يشعر بقلق إزاء احتمال وصول 4 مليارات دولار من المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى إسرائيل إلى أيدي سياسيين متشددين، مثل سموتريتش وبن غفير.

 

وفي المقابل ما زال الكثير من الجمهوريين متحمسين لانتقاد أي شيء باستثناء الدعم الثابت لإسرائيل. وعلى سبيل، وفي أعقاب كشف الحكومة الإسرائيلية عن قيام وزارة العدل الأمريكية بفتح تحقيق في مقتل الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة بالقرب من مدينة جنين في الضفة الغربية، طالب السناتور تيد كروز من وزير العدل الأمريكي ميريك جارلاند “بعزل أو محاكمة كل شخص يشارك في هذه الكارثة”.[v] ويُعَدُّ الجمهوريون الذين يشكلون الأغلبية الآن في مجلس النواب الأمريكي من المؤيدين لإسرائيل بشكل عام.

 

وأشارت عدة تقارير إلى أن عضو الكنيست الجنرال المتقاعد من الجيش الإسرائيلي يواف جالانت يُعَدُّ أبرز المرشحين لتولي منصب وزير الدفاع.[vi] ويُعَدُّ جالانت شخصاً يمكن لواشنطن التعامل معه بسهولة. كما ذكرت تقارير بأن نتنياهو يفكر في ترشيح رون ديرمر لتولي حقيبة الخارجية. وكان ديرمر قد تولى منصب سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة خلال الفترة 2013-2021 تخللها العمل مع إدارة ترمب والذي اتسم بالود، وتمكّن ديرمر من الترتيب للخطاب الذي ألقاه نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي عام 2015. ومع أن بعض المسؤولين في البيت الأبيض سيَعتبر تعيين ديرمر بمنزلة التوبيخ لإدارة بايدن، غير أنه شخصية معروفة، ويُمَثِّلُ بديلاً محتملاً أفضل مقارنة بالأعضاء المتشددين في الائتلاف الحكومي الجديد في إسرائيل.

 

باختصار، هناك قلق حقيقي بأن أجندة ائتلاف نتنياهو ستكون بعيدة كل البعد عن الاعتدال. ويخشى الكثيرون في واشنطن من أن الحكومة الإسرائيلية هذه ستتميز بتزايد النشاط الاستيطاني، ومصادرة المزيد من الأراضي في الضفة الغربية، وتصاعد العنف من جانب المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، وتعزيز جهود تغيير الوضع القائم في القدس من خلال شرعنة صلاة اليهود في الحرم القدسي الشريف، وتخفيف التعليمات حول استخدام القوة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والفلسطينيين داخل الخط الأخضر.[vii]

 

وستعمل هذه الديناميات في الحد الأدنى على وأْد حل الدولتين الذي يحتضر أصلاً. كما قد تقود هذه الديناميات إلى مواجهات عنيفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في القدس وبين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في الضفة الغربية، فضلاً عن احتمال اندلاع عنف بين العرب والأغلبية اليهودية داخل الخط الأخضر. ولعل الأسوأ فيما يتعلق بالديناميات الإقليمية يتمثّل بالطبع باندلاع حرب خطيرة بين إسرائيل وحركة “حماس” في غزة.

 

الآثار على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية

يَتَمَثَّلُ السؤال بالأثر الذي سيتركه وجود عناصر متشددة داخل الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو تتبنى أفكاراً صريحة حول تفوق اليهود ومناهضة الديمقراطية والعداء للفلسطينيين والعرب وحتى المثليين على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية؟

 

بالرغم من رغبة إدارة بايدن في التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وقبول أوسع لإسرائيل في العالم العربي، غير أن لدى البيت الأبيض الآن أولويات سياسات أكثر إلحاحاً، مثل أوكرانيا وروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. لذلك فمن غير المرجح أن يُقَدِّمَ بايدن الملف الإسرائيلية-الفلسطينية على تلك الأولويات.

 

ولعل أكثر ما يقلق الإدارة الأمريكية هو ترشيح متشددين لشغل مناصب وزارية في إسرائيل. وتعتقد إدارة بايدن أن هناك حدوداً واضحة للقوة الأمريكية فيما يتعلق بالتأثير في السياسة الإسرائيلية بشكل جوهري، لكنَّ هذا الوضع لا يبشر بخير بالنسبة للاستقرار في منطقة تعاني أصلاً من التوترات. وإذا ما قررت الحكومة الإسرائيلية الجديدة محاولة ضم الضفة الغربية، فإن هذا قد يعرّض الاتفاقيات الإبراهيمية للخطر. وكان توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة اتفقا سلام مع إسرائيل مشروطاً بتراجع نتنياهو عندما كان رئيساً للوزراء آنذاك عن خططه لضم مناطق في الضفة الغربية، والدول العربية المنخرطة في هذه الاتفاقيات ستكون في وضع صعب للغاية في حال اندلاع دورة عنف جديدة في الأراضي الفلسطينية.[viii]

 

وقد صرّح وزير الخارجية الأمريكي، توني بلينكن، في 4 ديسمبر الحالي في أول تعليق له على تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إن إدارة بايدن ستنخرط مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة وفقاً لأفعالها وسياساتها، وليس على أساس أشخاصها.[ix] وأضاف بلينكن أن إدارة بايدن ستعترض على توسيع المستوطنات، وأي خطوات ضم إسرائيلية في الضفة الغربية، وأي تغيير في الوضع الراهن في الحرم القدسي، وأي تحريض على العنف.

 

ويبدو أنه لدى وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض تفاؤل حذر بشأن قدرة نتنياهو على السيطرة على العناصر المتطرّفة في حكومته. ويعتقد كثير من المسؤولين في واشنطن أن آخر ما يحتاجه نتنياهو في هذه المرحلة هو الدخول في معركة كبيرة مع بايدن، وأنه سيكون مشغولاً للغاية في الداخل في إدارة تحالفه الجامح، وسيُركّز على التشريعات التي ستمنحه الحصانة من المُلاحقة القضائية. كما يعتقدون بأن نتنياهو براغماتي، ويرون أنه -على سبيل المثال- سيحترم الاتفاق البحري بين إسرائيل لبنان الذي أُبرم في نهاية أكتوبر الماضي، على الرغم من انتقاده السابق له. وبحكم أنه يَعتبر نفسه عرّاب الاتفاقات الإبراهيمية فيعتقد العديد من هؤلاء المسؤولين، أن نتنياهو سيرغب في الحفاظ على علاقات إسرائيل مع البحرين والإمارات والمغرب، وحتى على الأقل الحفاظ على إمكانية تطوير العلاقات مع السعودية.[x]

 

تتمثّل الخطوط الحمراء بالنسبة لنتنياهو في مُمارسة الولايات المتحدة ضغوطاً على إسرائيل فيما يخص حل الدولتين أو إبرام اتفاق نووي مع إيران. وقد حدثت أشد التوتّرات بين نتنياهو وواشنطن خلال رئاسة أوباما بشأن هاتين القضيتين. ولحسن حظ نتنياهو، فإن الوقت غير مُلائم تماماً لطرح هاتين المسألتين الآن، كما أنهما ليستا على رأس أولويات إدارة بايدن. فقد جعلت الاحتجاجات الاستثنائية في إيران الاتفاق النووي آخر الأولويات بالنسبة للولايات المتحدة. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد كان من غير المُتصوّر استئناف أي مفاوضات جدّية تؤدّي إلى حل من الدولتين حتى في ظل حكومة لبيد، فضلاً عن طبيعة التحالف الحالي في ظل حكومة نتنياهو.

 

الاستنتاجات

يعتمد مسار العلاقات بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية المقبلة بشكل كبير على قدرة نتنياهو على السيطرة على شركاء تحالفه الحكومي، وعلى أولويات بايدن. وحتى لو تمكّن نتنياهو وبايدن من تجنّب الدخول في مواجهة كبيرة، فلا ينبغي أن يحجب ذلك الأضرار والمخاطر التي قد تُلحقها الحكومة الإسرائيلية الجديدة بالعلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. ومع تحوّل مركز الثقل في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، فإن القيم والمصالح المُشتركة التي ترتكز عليها علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل ستستمر في التآكل. إن الإجماع فيما يخص العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل يختفي بشكل مُتزايد في السياسة الأمريكية، فبينما يتجه الحزب الديمقراطي نحو اليسار تتجه إسرائيل نحو اليمين.

 

أخيراً، إن الوقت وحده سيُبيّن مدى قُدرة نتنياهو على السيطرة على شركاء تحالفه الحكومي الجامح. وسيبذل بايدن قُصارى جهده لتجنّب المواجهة مع نتنياهو، وربما سيعتمد استراتيجية لاحتوائه كما فعل عندما اتصل بالأخير لتهنئته بمناسبة فوز حزبه في الانتخابات الشهر الماضي، مُخاطباً إياه: “نحن إخوة، وسنصنع التاريخ معاً”.[xi] ومن المُحتمل أن يختبر بايدن حدود هذه الأخوّة مع نتنياهو بشأن قضايا أخرى مثل أوكرانيا أيضاً، إذ يطمح الأخير إلى التوسّط بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ومن المؤكّد أن نتنياهو سينتهج سياسة ذكية في حال سعى إلى بناء قضية مُشتركة مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا وشحنة الطائرات بدون طيار التي أرسلتها طهران إلى موسكو، بيد أن هناك أيضاً حدوداً واضحة لمقدار المُخاطرة التي قد يخوضها في علاقاته مع موسكو، إذ سيكون مُتردداً في المُخاطرة بحرية العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية والتي تسمح بها روسيا.

 


[i]https://www.reuters.com/world/middle-east/netanyahus-party-signs-first-coalition-deal-with-israeli-far-right-2022-11-25/

[ii]https://www.timesofisrael.com/netanyahu-said-to-tell-smotrich-he-wont-receive-defense-portfolio-over-us-objection/

[iii] Ibid.

[iv]https://www.middleeasteye.net/news/israel-west-bank-control-closer-apartheid

[v]https://www.aljazeera.com/news/2022/11/3/israels-us-backers-face-moment-of-reckoning-as-far-right-rises

[vi]https://www.haaretz.com/israel-news/2022-12-04/ty-article/.premium/far-right-party-gains-increasing-control-over-israels-civil-administration-in-new-deal/00000184-deb3-da6e-a58f-fef3b4150000

[vii] Authors’ interviews with Middle East scholars at Brookings, CSIS, Council on Foreign Relations and several American journalists with experience in Israel.

[viii] Authors’ interviews at U.S State Department Near Easter Bureau and White House National Security Council

[ix]https://www.axios.com/2022/12/04/blinken-israel-netanyahu-far-right-palestinians

[x] Authors’ interviews at U.S State Department Near Easter Bureau and White House National Security Council.

[xi]https://www.haaretz.com/israel-news/elections/2022-11-07/ty-article/.premium/u-s-president-biden-calls-benjamin-netanyahu-for-first-time-after-his-election-victory/00000184-534f-d842-a987-df5f855e0000

 

.

رابط المصدر:

https://www.epc.ae/ar/details/brief/afaq-alealaqat-al-amrikiati-al-iisrayiyliat-fi-eahd-hukumat-nitanyahu-almuqbila

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M