آليات المواجهة: ارتفاع معدلات التضخم في مصر إلى أين؟

أسماء رفعت

 

معدلات التضخم في مصر وآليات المواجهة

أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانًا بشأن معدل التضخم السنوي في المدن المصرية، والذي أشار فيه إلى أنّ معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين، ارتفع في يوليو الماضي إلى مستوى 38.2% على أساس سنوي مقارنة بنحو 36.2 % خلال شهر يونيو الماضي. ومع تعدد التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد المصري؛ إلا أنّ التحديات المرتبطة بالجوانب النقدية أصبحت هي الشاغل الرئيسي للمواطن المصري؛ نظرًا لتأثيرها المباشر على معدل الدخل الحقيقي للأفراد، والمستوى المعيشي للمواطنين، ومن هنا يستعرض المقال أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، والمتعلقة بالجوانب النقدية مع إبراز آليات تعامل الدولة مع تلك التحديات، وتقييم فعالية آليات المواجهة.

تحديات تواجه السياسة النقدية

شهد الاقتصاد المصري تحدياتٍ عنيفةً منذ بدء الحرب الروسية  الأوكرانية، وتصاعد موجات التضخم العالمية، والتي أدت إلى تطبيق سياسات نقدية انكماشية بالولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وتبعهم في ذلك عدد كبير من الدول، خاصةً تلك الدول التي تربط عملتها المحلية بالدولار الأمريكي، كذلك الدول التي شهدت خروج الأموال الساخنة من اقتصاداتها المحلية في اتجاه أسعار الفائدة الأعلى. وقد نتج عن تلك الأزمة ثلاثة تحديات رئيسية واجهت الاقتصاد المصري، وتتعلق بالأمور النقدية، وهي: أزمة نقص العملة الأجنبية، وتراجع قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدل التضخم. فمن جهةٍ شهد الاقتصاد المصري – كغيره من الاقتصادات الناشئة – خروج ما يقرب من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في مارس 2022م، وقد استمر خروج الأموال الساخنة خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2023/2022م، والتي تم تقديرها بنحو 3.4 مليارت دولار. وقد ترتب على أزمة نقص العملة الأجنبية تراجع لقيمة الجنية المصري، والذي فقد نحو 50% من قيمته منذ مارس 2022، كما مثّل نقص العملة الأجنبية ضغطًا شديدًا على الواردات؛ بما أدى إلى تقييد لعملية الاستيراد. ومع ارتفاع الأسعار عالميًا من جهة، ونقص المعروض المحلي من جهة أُخرى، ساهم ذلك إلى دفع معدلات التضخم بصورة كبيرة.

وقد اشارت أحدث بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن ارتفاع معدل التضخم خلال شهر يوليو على أساس سنوي، ليسجل 38.2%، وقد دفع ذلك البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة الأساسية لليلة واحدة بمقدار 100 نقطة أساس، خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية يوم 3 أغسطس الجاري. وقد أرجع الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع معدل التضخم إلى ارتفاع مجموعة الطعام والشراب بنسبة 68.4% على أساس سنوي، وكذلك ارتفاع أسعار مجموعة المشروبات الكحولية والدخان بنسبة 52.3% على أساس سنوي. وأشار البنك المركزي إلى تأثير أحوال الطقس غير المواتية وارتفاع درجات الحرارة، التي زادت من حدة التأثير الموسمي المتوقع للمحاصيل الزراعية، خاصةً البصل، والموالح، والبطاطس.

معدل التضخم الشهري (إجمالي الجمهورية على أساس سنوي) %

وعلى أساس شهري، تشير البيانات إلى تراجع معدل التضخم منذ فبراير 2023م، وحتى يوليو الماضي باستثناء ارتفاع طفيف خلال شهر مايو 2023م، كما يوضح الشكل التالي.

معدل التضخم الشهري (إجمالي الجمهورية على أساس شهري) %

آليات المواجهة

دفعت موجات التضخم المتصاعدة، وأزمة النقد الأجنبي إلى تدخل البنك المركزي في سوق الصرف الأجنبي، والسماح بتحريك قيمة العملة؛ فارتفع سعر صرف الدولار من نحو 15.74 جنيه في مارس 2022م إلى ما يقرب من 31 جنيه في أغسطس الجاري؛ إلا أنه في ظل وجود عدد كبير من السلع المستوردة، فقد أدى ذلك إلى ارتفاع مستويات الأسعار المحلية بدرجة كبيرة.

وعلى مستوى أسعار الفائدة، فقد قام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة بإجمالي 1100 نقطة أساس (11%) خلال الفترة من مارس 2022م، وحتى أغسطس 2023م؛ إلا أنه يلاحظ أنّ معدلات الفائدة الحقيقية مازالت سالبة نتيجة تصاعد معدلات التضخم، الأمر الذي يؤثر على جاذبية القنوات الادخارية المختلفة التي يتيحها الجهاز المصرفي. ومن جهة أُخرى، فإنّ معدلات الفائدة المرتفعة تؤثر سلبيًا على معدل الاستثمار الخاص المباشر الذي يمثل طوق النجاة في حالة الأزمات الناتجة عن صدمات العرض. ومن جهة ثالثة، فإنّ ارتفاع نسبة الائتمان الحكومي، والتي تقترب من 70% من حجم الائتمان المصرفي تحدٍ من فعالية أداة سعر الفائدة في التأثير على الائتمان الخاص.

وقد شملت آليات المواجهة الهادفة إلى جذب العملة الأجنبية: طرح شهادات دولارية بعائد مرتفع، يصرف مقدمًا بالجنيه المصري، فضلًا عن مبادرة إعفاء الذهب بحوزة القادمين من الخارج من الضرائب، والرسوم الجمركية بخلاف ضريبة القيمة المضافة، وكذلك مبادرة استقدام سيارات المصريين العاملين بالخارج، ومبادرة تسوية الموقف من التجنيد للمصريين بالخارج. كما قامت الحكومة المصرية باللجوء إلى صندوق النقد الدولي لطلب تمويل جديد في ديسمبر 2022م، ووافق المجلس التنفيذي للصندوق على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، وتم صرف الشريحة الأولى منه. ومع تأخر الدولة في الوفاء باشتراطات صندوق النقد المتمثلة في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وتحرير سعر الصرف تم إرجاء المراجعة الأولى، والتي كانت مقرر لها أن تتم في مارس الماضي، وتم دمج المراجعة الأولى مع المراجعة الثانية في سبتمبر القادم.

سبل الخروج من الأزمة

على المستوى العالمي، شهدت الأشهر القليلة الماضية تراجعًا لمستويات الأسعار العالمية للسلع، مقارنةً بالمعدلات المتوقعة؛ إلا أنها مازالت أعلى من المستويات المستهدفة، الأمر الذي يُنذر باحتمالية استمرار السياسة التقييدية للبنك المركزي الفيدرالي. وبالنسبة للاقتصاد المصري يتوقع استمرار موجات التضخم، مرتفعة خلال النصف الثاني من 2023م، وفي سبيل تحقيق معدلات التضخم المستهدفة، والبالغة 7 في المئة (± 2 نقطة مئوية) يوصى بضرورة ضبط الاستيراد، والعمل على دفع معدل النمو النشاط الاقتصادي الحقيقي، من خلال زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية: كالزراعة، والصناعة، والتعدين. وتشير التوقعات إلى احتمالية تباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2022/2023م مقارنة بالعام المالي السابق له، الأمر الذي يضع مزيد من الضغوط على مستويات الأسعار، خاصةً في ظل أزمة التضخم المدفوع بجانب العرض.

ولعل إتمام اتفاقيات الحكومة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي بشأن تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، والتي من شأنها أن تزيد من تدفق الإيرادات الدولارية، سوف يعزز من الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية بالبنك المركزي؛ بما يزيد من قدرته على احتواء السوق الموازية، وضبط تحركات سعر الصرف. ومن المتوقع أن تعمل تلك الآليات – مع استمرار تحسن إيرادات السياحة، والنقل، والتي سجلت تحسنًا ملحوظًا خلال التسع أشهر الأولى من العام المالي 2022/2023م – على تحقيق توازن الأسواق، وتوفير عدد من السلع محليًا، مع المساهمة في زيادة التشغيل، ودفع معدلات النمو. الأمر الذي ينعكس على مواجهة التحديات النقدية المتمثلة في أزمة نقص العملة الأجنبية، وتراجع قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدل التضخم. خلاصة القول أنّ مواجهة تلك التحديات ليست فقط دور السلطات النقدية، وإنما على كل جهات الدولة العمل على مواجهتها للخروج من الأزمة.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/36097/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M