حازت المناقشات حول مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا (أجوا) مكانة بارزة في أجندة أعمال القمة الأمريكية الأفريقية، التي عقدت في واشنطن خلال الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022، بحضور قادة 49 دولة أفريقية، وعلى الرغم من المزايا التي يقدمها قانون أجوا، إلا أنه من المنتظر أن يتم إنتهاء العمل به بحلول عام 2025، ما دفع القادة الأفارقة إلى المطالبة بتمديده، ووضعه ضمن أولوياتهم في مناقشات القمة الأمريكية الأفريقية، في محاولة للضغط لتمديد العمل به حتى عام 2035، وتوسيع مجالات الاستفادة منه، وقوفًا على رغبة واشنطن لتعزيز التعاون التجاري مع أفريقيا، يأتي ذلك في الوقت الذي ينادي فيه عدد من المسؤولين الأمريكيين بوقف العمل بقانون أجوا لعدم تحقيقه المستهدف منه، واستبداله بآلية أخرى أكثر فعالية، بينما تتحجج حكومة بايدن بأن القرار ليس بيدها، ولابد من موافقة الكونجرس، ما يضع علامات إستفهام حول مستقبل قانون أجوا ما بعد عام 2025.
الملامح الرئيسية لقانون أجوا
يعتبر قانون النمو والفرص الأفريقي (أجوا)، الذي تم سنه في عام 2000، هو حجر الزاوية في العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وتتم في إطاره معظم التبادلات التجارية بين واشنطن والدول الأفريقية المستفيدة، ويُعد برنامجًا تجاريًا تفضيليًا يمنح البلدان الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء وصولًا تفضيليًا إلى الأسواق الأمريكية، مما يسمح لها بتصدير المنتجات المعفاة من الرسوم الجمركية لما يصل إلى 6500 سلعة.
- الهدف من قانون أجوا
عادة ما ترتبط الترتيبات الإقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية بشروط وأهداف سياسية، وأجوا شأنها في ذلك شأن باقي الترتيبات الاقتصادية، ففي عام 2000 وضعت واشنطن قانون أجوا ليكون ساري المفعول لمدة ثماني سنوات تنتهي في نهاية سبتمبر 2007، وتم تمديده أكثر من مرة، كانت آخرها في يونيو 2015 حين مدد الرئيس باراك أوباما صلاحية القانون حتى عام 2025، ومنذ نشأته عمل أجوا على تعزيز وصول بلدان أفريقيا جنوب الصحراء المعينة إلى أسواق الولايات المتحدة بشكل كبير من خلال توفير معاملة معفاة من الرسوم الجمركية لفئات استيراد محددة، وكان الهدف الأساسي للتشريع هو تعزيز النمو الاقتصادي لدول أفريقيا جنوب الصحراء من خلال الحكم الرشيد، وتشجيع سيادة القانون والإصلاحات الموجهة نحو السوق، والإصلاح المؤيد للديمقراطية في أفريقيا جنوب الصحراء.
وسعيًا لتحقيق ذلك، تم دمج اعتبارات حقوق الإنسان وسيادة القانون في شروط الدول الأفريقية جنوب الصحراء للحصول على وصول مفضل إلى الأسواق الأمريكية للصادرات بموجب هذا التشريع، وبالتالي فإن أي دولة تخالف اعتبارات حقوق الإنسان والديمقراطية تكون عُرضة لسحب منافع قانون أجوا.
- الدول الأفريقية المستفيدة
تم تصميم القانون لتستفيد منه 49 دولة أفريقية جنوب الصحراء، ويحدد التشريع المتطلبات التي يجب على المرشحين الوفاء بها، وتتناول معايير الأهلية لقانون أجوا قضايا مثل سياسة التجارة والاستثمار، والحوكمة، وحقوق العمال، وحقوق الإنسان، من بين أمور أخرى، والتي يجب على الدول تلبيتها لتكون مستفيدة من البرنامج، على أن يراجع الرئيس الأمريكي معايير الإلتزام بعضوية أجوا سنويًا ويحدد أهلية كل بلد، وبالتالي يمكن لرؤساء الولايات المتحدة استبعاد الدول حسب تقديرهم، متذرعين بأسباب مثل انتهاكات الحقوق والسياسات الحمائية.
بحلول عام 2022 كانت 36 دولة فقط مؤهلة للحصول على مزايا قانون أجوا هي: (أنغولا، وبنن، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، والرأس الأخضر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وجزر القمر، وجمهورية الكونغو، والكونغو الديمقراطية، وكوت ديفوار، وجيبوتي، وإيسواتيني، والغابون، وغامبيا، وغانا، وغينيا – بيساو، وكينيا، وليسوتو، وليبيريا، ومدغشقر، وملاوي، وموريشيوس، وموزامبيق، وناميبيا، والنيجر، ونيجيريا، وساو تومي وبرينسيبي، والسنغال، وسيراليون، وجنوب أفريقيا، وتنزانيا، وتوغو، وأوغندا، وزامبيا، بالإضافة إلى رواندا التي لا تزال تستفيد من الإعفاءات التي يقدمها قانون أجوا بإستثناء الإعفاءات على الملابس التي تم تعليقها من يوليو 2018)، بينما لم تؤهل 13 دولة أخرى، لعدم التزامها بمعايير الأهلية، والتغييرات غير الديمقراطية للحكم، وإرتكابها مخالفات في مجال حقوق الإنسان (وكانت آخرهم إثيوبيا التي تم سحب إمتياز أجوا منها أثناء مراجعة يناير 2022، بالاضافة إلى غينيا ومالي)، أو لأنها لم تطلب الإنضمام إلى قانون أجوا من الأساس (السودان، والصومال).
- التجارة في ظل قانون أجوا
يمكن للبيانات المتعلقة بحجم التجارة أن توضح التأثير المترتب على قانون أجوا على التجارة الأمريكية مع أفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال؛ بلغت قيمة الصادرات الإجمالية إلى الولايات المتحدة من البلدان المؤهلة بموجب قانون أجوا أكثر من 27.4 مليار دولار أمريكي، في عام 2021، وهو أعلى مستوى منذ عام 2013، وفقًا لبيانات مفوضية التجارة الأمريكية، وتمثل مجموعة من السلع المصنعة والمنتجات المعدنية المصنعة الجزء الأكبر من الصادرات، بينما يستحوذ النفط والغاز على خُمس إجمالي صادرات بلدان أجوا إلى الولايات المتحدة خلال عام 2021. وتعد جنوب إفريقيا المصدر الرائد في أفريقيا جنوب الصحراء إلى الولايات المتحدة بموجب قانون أجوا، تليها نيجيريا، ثم كينيا، وغانا، وأنغولا، وليسوتو، ومدغشقر.
في سياق متصل، تضاعفت التجارة المشتركة بين الولايات المتحدة ودول إفريقيا جنوب الصحراء المؤهلة بموجب قانون أجوا بين عامي 2001 و 2014. وسجلت التدفقات التجارية الذروة في عام 2008، بقيمة 100 مليار دولار تقريبًا، لكنها إنكمشت في وقت لاحق بسبب الأزمة المالية العالمية، وعلى الرغم من أن الفترة منذ ذلك الحين شهدت في البداية انتعاشًا تدريجيًا في التدفقات التجارية حتى عام 2011، إلا أنها عادت لتنخفض بشكل ملحوظ حتى عام 2020، يرجع ذلك بشكل أساسي إلى إنخفاض الواردات الأمريكية من النفط والغاز من القارة الأفريقية خلال هذه الفترة.
أبرز الانتقادات الموجهة إلى قانون أجوا
منذ أن تم وضع قانون النمو والفرص في إفريقيا (أجوا) في عام 2000 وتجديده في عام 2015، كان هناك قدر كبير من الجدل حول مدى فعاليته من حيث تحقيق بعض أهدافه المتمثلة في تحسين التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا جنوب الصحراء، وإطلاق العنان للازدهار الاقتصادي في القارة. ويرى الاتجاه المؤيد للقانون أنه يتضمن برامج تنفيذية تمنح المنتجين الأفارقة ميزة تنافسية مهمة في سوق الولايات المتحدة، وبالتالي تمكين الصادرات، وتعزيز نشاط القطاع الخاص والنمو الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار في المنطقة، وفي النهاية توليد الطلب على السلع والخدمات الأمريكية.
لكن في المقابل، واجه أجوا العديد من الانتقادات خلال السنوات الأخيرة، حيث يشير خبراء اقتصاديون إلى إن العقبات بما في ذلك الفساد وضعف البنية التحتية أعاقت القدرة التنافسية للمنتجين الأفارقة وحدت من نجاح البرنامج، بالإضافة إلى أن قانون أجوا لا يشمل القطاعات سريعة النمو مثل الخدمات الرقمية والمالية، والسفر، وغيرها، كما تقتصر مزايا أجوا على دول إفريقيا جنوب الصحراء وتتجاهل دول الشمال الإفريقي، كما أن ثمانية عشر مشاركًا فقط في أجوا قاموا بصياغة استراتيجيات وطنية للاستفادة من البرنامج، فضلا عن أن حزء كبير من الصادرات للسوق الأمريكي بموجب أجوا تكون لشركات عالمية تعمل في الأسواق الأفريقية وليست لمنتجين أفارقة، وكذا فإن قرار المنح أو المنع يكون بإراده فردية من رئيس الولايات المتحدة.
إلى جانب ذلك، كان يُنظر إلى قانون أجوا في بدايته على أنه خطوة أولى نحو اتفاقيات التجارة الحرة الدائمة (FTAs) ، والتي من شأنها أن توفر يقينًا إضافيًا للمستثمرين، ومع ذلك، لم تبرم واشنطن أي اتفاقيات تجارة حرة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم من أنها أجرت مفاوضات مع بوتسوانا وإسواتيني وليسوتو وناميبيا وجنوب إفريقيا وكينيا، لكنها فشلت جميعا.
من جهة أخرى، يشهد قانون أجوا معارضة من المنتجين الأمريكيين الذين قد يواجهون منافسة استيراد متزايدة من دول قانون أجوا، ما دفعهم إلى ممارسة ضغوطًا لإبقاء بعض المنتجات، وخاصة السكر، خارج البرنامج، بالاضافة إلى قيام بعض الدول الإفريقية بمحاولة حماية صناعتها المحلية، وتعليق الدخول المعفى من الرسوم الجمركية لبعض الواردات من الولايات المتحدة، مما أدى إلى غضب المصدرين الأمريكيين، ودفعهم إلى المطالبة بالمعاملة بالمثل، ما تسبب على سبيل المثال في تعليق الإعفاءات على الواردات من الملابس من رواندا في عام 2018.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل أجوا
عندما تم تمديد قانون أجوا للمرة الأخيرة في عام 2015، أوضح الكونجرس أنه لا ينوي إعادة تمديد القانون عند انتهاء صلاحيته في عام 2025، ما أثار تساؤل حول مصير أجوا، وشكل الشراكة المستقبلية بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأفريقية ما بعد قانون أجوا، وعلى الرغم من استحواذ أجوا على جزء من مناقشات القمة الأمريكية الأفريقية، إلا انها ظلت مجرد مناقشات حاولت خلالها حكومة بايدن طمأنة القادة الأفارقة حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، ولم تسفر عن قرار ملموس وحاسم حول مستقبل قانون النمو والفرص الأفريقي (أجوا)، وما إذا كان سيتم تمديده أم لا.
وفي هذا السياق، يمكن طرح ثلاث سيناريوهات محتملة حول مستقبل قانون النمو والفرص الأفريقي (أجوا)، كما يلي:
السيناريو الأول: تمديد العمل بقانون أجوا
في ظل الفوائد المحققة لبعض الدول الأفريقية في إطار قانون أجوا، والضغط الذي يمارسه قادة الدول الأفريقية من أجل تمديد العمل بالقانون حتى عام 2035، واستنادًا إلى الممارسات السابقة، قد يسلك بايدن مسار سابقيه نحو تجديد قانون أجوا وتمديد صلاحية نظام التجارة التفضيلية لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لمدة 5-10 سنوات أخرى.
ومع ذلك، قد لايكون هذا الخيار جذاب سياسيًا، بسبب التأثير المحدود، فعلى الرغم من أن القانون كان ضروريًا إلا أنه لم يكن كافيًا لمساعدة الولايات المتحدة على تعزيز النمو الاقتصادي للدول الأفريقية من خلال الحكم الرشيد والأسواق الحرة في المنطقة، وحتى مع فرضية محاولة الضغط على الكونجرس لمد العمل بقانون أجوا بعد عام 2025، فمن غير المرجح أن يستمر لفترة طويلة.
السيناريو الثاني: انتهاء العمل بأجوا دون وجود بديل
ويبدو أن هذا السيناريو هو الأسوء لكل الأطراف، وقد تكون نتائجه كارثية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة ومصالح الأمن القومي، في ظل تنافس دولي واسع على التواجد في القارة الأفريقية، وفي وقت من المقرر أن تصبح فيه القارة واحدة من أكبر الأسواق الإقليمية في العالم بعد تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وبالتالي سيكون من الخطأ الاستراتيجي أن تتخلى الولايات المتحدة عن ارتباطها الاقتصادي بأفريقيا جنوب الصحراء، الذي يخلقه قانون أجوا، وأن تدعه ينهار دون وجود بديل أفضل يحقق مصالح كل الأطراف، خاصة وأن خصوم الولايات المتحدة ومنافسيها يزيدون بلا هوادة استثماراتهم في المنطقة.
من جهة أخرى، فإن خسارة الدول الأفريقية لمزايا قانون أجوا سيؤدي إلى خسائر واسعة النطاق، ليس فقط على مستوى وحجم التبادل التجاري، وإنما تتخطاها للتأثير على العمالة في مرافق التصنيع المرتبطة بالصادرات للسوق الأمريكية، فضلا عن التأثير على الإستثمارات الخارجية للعلامات التجارية العالمية التي اختارت دول أفريقية معينة للتصنيع بها للإستفادة من الإعفاءات الجمركية على التصدير للسوق الأمريكي بموجب قانون أجوا.
السيناريو الثالث: طرح آليات بديلة لتعزيز التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وأفريقيا
في حين أن هذا السيناريو قد يكون هو الأصعب، وسيتطلب جهد كبير من إدارة بايدن والدول الأفريقية، للوقوف على شكل الشراكة الاستراتيجية الجديدة، وإعادة تصور العلاقة الاقتصادية الأمريكية مع دول إفريقيا، إلا أنه قد يحمل المصلحة لكل الأطراف، فعلى الرغم من أنه سيسمح بإنتهاء قانون أجوا على وضعه الحالي، لكنه سيقدم بديل آخر أكثر فعالية وشمولًا، ثنائي الإتجاه، بحيث لا يقتصر على دول بعينها وفقا لشروط تحددها الولايات المتحدة وحدها، وتغيرها وقتما تشاء، وإنما يتضمن النهج الجديد أسس واقعية للإستفادة من الشراكة الجديدة وفقا لشروط محددة مسبقًا.
وفي هذا السياق، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى السير في مسارات متوازية، منها الدخول في اتفاقات التجارة الحرة الثنائية مع عدد من الدول الأفريقية، كما فعلت مع المغرب في السابق، وهو الخيار الذي فضلته حكومة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، بالإضافة إلى الدخول في اتفاقيات مع التكتلات الإقليمية في إفريقيا، وهو ما فعلته إدارة بايدن، عندما أبرمت اتفاق مع مجلس أعمال (الكوميسا)، خلال قمة الأعمال الأمريكية الإفريقية الثالثة عشرة، في يوليو 2021، إلى جانب اتفاق شامل يضم كل دول القارة في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وهو ما تؤكده مذكرة التفاهم التي وقعتها إدارة بايدن مع أمانة منطقة التجارة الأفريقية خلال فعاليات اليوم الثاني من القمة الأمريكية الأفريقية.
وعلى أي حال، مهما كانت الترتيبات الجديدة التي ستتبناها الولايات المتحدة في علاقتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية، ستظل الشروط السياسية بما في ذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان والأسواق الحرة، جزء أساسي منها.
ختامًا، على الرغم من الجهود التي يبذلها القادة الأفارقة للضغط نحو تمديد قانون النمو والفرص الأفريقي (أجوا)، ومع اقتراب موعد انتهائه في 2025، يظل مستقبل أجوا غير محسوم، وسواء تم تمديده هذه المرة أم لا، فمن غير المرجح أن يستمر لفترة طويلة، في غضون ذلك، يجب على الدول الأفريقية أن تدفع نحو شروط أكثر عدالة، وتضغط من أجل ترتيبات تجارية أكثر تبادلًا مع الدول الإفريقية، والتي من شأنها أن تشمل إنشاء آلية تسوية نزاعات تفاوضية بدلًا من التعسفية والانفرادية التي تقوم بها واشنطن من جانب واحد، على أن تكون الفوائد المتبادلة والمصالح المشتركة هي حجر الزاوية في أي ترتيبات شراكة جديدة بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
.
رابط المصدر: