أمن المضايق البحرية: كيف ينعكس ذلك على أمن الطاقة العالمي؟

مصطلح أمن الطاقة العالمي ليس أمرًا جديدًا في السياسة الدولية، فالصراعات حول موارد الطاقة العالمية كانت منذ فترة طويلة -وما زالت- تُشكل عنصرًا مهمًا في الأزقة الدولية للدول الكبرى. لكن هذا المصطلح أصبح اليوم يمثل واحدًا من أهم عناصر أمن

العالم، وذلك بسبب محدودية موارد الطاقة غير المتجددة واختلال مناطق توزيعها عالميًا. لقد عرف السير ونستون تشرشل -رئيس الوزراء البريطاني- حينها مفهوم أمن الطاقة بأنه الحاجة إلى التنويع والوصول إلى مختلف مصادر الطاقة والموردين.

فأمن الطاقة أصبح مكونًا رئيسيًا وركنًا أساسيًا من مكوّنات الأمن القومي لأي دولة من دول العالم، وأصبح حماية أمن الطاقة لا يقل أهمية عن حماية أراضيها ضد أي عدوان خارجي. وهو الأمر الذي دفع الدول الكبرى إلى وضع استراتيجيات واضحة لتحقيق أمن الطاقة، وأيضًا دفع العديد من دول العالم إلى الصراع والتنافس من أجل السيطرة على الحصة الأكبر من موارد الطاقة والبترول والتحكم في منابعه والسيطرة على مراكز إمداداته.

تعريف القانون الدولي للمضيق (في بعده الجغرافي والوظيفي): يعتبر المضيق جزءًا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها، كما هي عبارة عن فتحات طبيعية ضيقة تصل بين بحرين أو مساحتين بحريتين، ويتجاوز اتساعها ضعف عرض البحر الإقلـيمي.

واستكمالًا لما سبق، نجد أنه من المنظور الجيوسياسي والجيواقتصادي، تعتبر المضايق البحرية من أهم النقاط الحساسة في تمرير النفط والغاز المسال من مراكز الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك، وفي حالة تعرض هذه الممرات لاختناقات أو إغلاق فإن الأسواق الطاقوية ستصاب بأزمة إمدادات تؤثر على أسعارها ومستوى مخزونات النفط والطاقة الاستراتيجية في الدول الصناعية الكبرى والتي تعتمد بصورة كبيرة على مصادر الوقود الأحفوري، بحيث تتمركز معظم مناطق إنتاج النفط بالقرب من المضايق البحرية. وعليه، يمكن القول إنها تُشكل صمامات لإمدادات الطاقة على مستوى العالم، كما أن أمن الممرات البحرية يعد مسألة حيوية واستراتيجية بالنسبة للاحتياطي العالمي من النفط والغاز، فثلثا النفط الخام المنتج والمصدر يتجه يوميًا من خلالها عبر ناقلات النفط العملاقة.

وعليه، يُمكن القول إن عملية تهديد أو إغلاق أو إعاقة السير العادي للملاحة في مضيق تعتبر مشكلة استراتيجية ذات أبعاد أمنية معقدة، خاصة في مجال الطاقة لما له من تأثيرات بالغة على باقي القطاعات الحساسة الضامنة لبقاء الدولة، خاصة القطاع الاقتصادي، وعليه يتطرق البحث إلى تحليل المشكلة محاولًا الوصول إلى نتائج واحتمالات ظهور أزمات حادة أو تهديد يعيق السير العادي للمضيق، والنظر في إمكانية وجود بدائل وحلول استراتيجيه قد تقي أو تحد من أية آثار سلبية محتملة من المنظور الاستراتيجي ووفقًا لمفهوم أمن الطاقة العالمي، ولذلك كانت وستظل الممرات المائية الاستراتيجية محورًا أساسيًا للصراع.

لقد أصبحت قضية أمن إمدادات الطاقة أحد أهم محددات السياسة الخارجية والدفاعية للدول، ولا سيما القوى الكبرى والدول ذات الاقتصاديات الصاعدة، وموضوعًا رئيسيًا للنقاش الأمني الدولي، فالصراع المستقبلي بين القوى المهيمنة حاليًا على قمة النظام الدولي وتلك الصاعدة، أصبح محوره البنى التحتية لقطاع الطاقة في مناطق الإنتاج والعبور وخطوط الملاحة البحرية، ما دفع إلى استقطاب وبلورة الحضور العسكري من طرف المتنافسين، من أجل حماية وضمان أمن إمدادات الطاقة، ومن ثم سيزيد الصراع الدولي على مناطق الوفرة في الطاقة ونقاط العبور (محور رئيس في صناعة الطاقة العالمية)، ابتداء من منطقة الشرق الأوسط، مرورًا بآسيا الوسطى وبحر قزوين والقارة الإفريقية، وصولًا إلى أمريكا اللاتينية.

يُشكل الأمن البحري بمفهومه الواسع بالنسبة للقوى الدولية أهمية استراتيجية تنطلق من ارتباطه بأمن الطاقة، حيث تعتبر جميع الممرات المائية أو المضايق، في الاستراتيجية العسكرية، نقطة اختناق بفعل الجغرافيا، وبالتالي فهي تمثل نقطة تفوق بالنسبة للطرف الذي يمتلك السيطرة عليها، وغالبًا ما تقع هذه النقاط في دائرة التوتر والصراع؛ لذلك فإن جميع الممرات المائية محمية بموجب مواد القانون الدولي. تتطرق هذه المادة إلى استعراض حقائق وتوقعات مرتبطة بالأهمية الاستراتيجية لمضيقي هرمز وباب المندب؛ بسبب مرور نفط منطقة الشرق الأوسط عبرهما إلى الأسواق العالمية، من خلال رأس الرجاء الصالح ومضيق ملقا والمضايق الإندونيسية وقناة السويس.

وعليه، يمكن القول إن الممرين مرتبطان بشكلٍ مباشر بمفاهيم عسكرة المياه الدولية، إذ يمثل مضيق هرمز بابًا لعبور نحو حوالي 40% من النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم؛ حيث تعتمد اليابان عليه في وصول ما يقارب 86% من حاجاتها النفطية، وكذلك كوريا الجنوبية والهند والصين بنسبة حوالي 75%، بينما تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية عليه في وصول ما يقارب حوالي 25%، أما مضيق باب المندب البالغ عرضه حوالي 30 كم، فيُعد ممرًا حيويًا مهمًا لصادرات النفط إلى القارة الأوروبية وللتجارة الدولية، حيث يعبر من خلاله حوالي 3.6 مليون برميل من النفط الخام، أي ما يُعادل حوالي 30% من النفط العالمي. بحيث هناك حوالي 6 نقاط اختناق بحرية رئيسية في العالم لها أهمية جيواستراتيجية في توزيع الطاقة ويوضح الشكل التالي أهم المضايق والممرات المائية في العالم.

ووفقًا لما سبق، ازدادت أهميةُ المضايق والممرات البحرية اليوم أكثر من أي وقت مضى، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بسبب التهديدات المتصاعدة للملاحة عبرها، وعلى خلفية حالة الاحتقان والتأزم في العلاقات بين دول الإقليم من جهة وبين بعض القوى الإقليمية والقوى العظمى من جهة ثانية. وتتعاظم تلك الأهمية بالنظر إلى الثروات الهائلة من البترول والغاز الطبيعي التي تزخر بها المنطقة العربية، ولأهمية إمدادات الطاقة للاقتصاد العالمي، ولعل ذلك ما يفسر اهتمام القوى العظمى والقوى الإقليمية -على حدٍ سواء- بأمن الممرات البحرية، وسعيها لإطلاق مبادرات وإنشاء تحالفات لتأمينها.

تُشكّل منطقة الشرق الأوسط موطنًا لعدة ممرات نقل نفط مهمة، بما في ذلك مضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب. حيث تعمل هذه الممرات كروابط حيوية تربط الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ولذلك نجد أن التركيز الرئيسي لأسواق النفط العالمية سينصب في المرحلة المقبلة على مدى كيفية تأمين الممرات المائية. لذلك فإن الخطر الأكبر سيتمثل في هجوم مباشر على ممر أو مضيق مائي حيوي، وهو الأمر الذي قد ينتهي برد قد يطال مضيق هرمز (يربط الدول المنتجة للنفط في الخليج العربي بمصافي التكرير في جميع أنحاء العالم)، وهو المضيق الذي يُعد نقطة عبور محورية لنحو حوالي 18.6 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات البترولية المهمة، أي ما يُعادل خمس شحنات النفط الخام على مستوى العالم، كما هو موضح في الشكل التالي.

يمر من خلاله أكثر من ثلث صادرات النفط العالمية البحرية، إذ يستوعب حوالي 30 ناقلة نفط يوميًا، وتصدر المملكة العربية السعودية من خلاله نحو حوالي 88% من إنتاجها النفطي، مقابل 99% للإمارات، و98% للعراق، أما إيران والكويت وقطر فتصدر كامل صادراتها النفطية من خلاله. حيث تُعد اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، والهند، وسنغافورة، أكبر مستوردي النفط المار عبر المضيق، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، كما هو موضح في الشكل التالي.

نظرًا للأهمية الاستراتيجية البالغة لهذا الممر التجاري المهم والتهديدات الجيوسياسية العديدة التي تحيط به، تحرص الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء تواجد عسكري مكثف لها في منطقة الخليج لحماية المضيق من أي تهديدات محتملة. إلا أن هذا السيناريو لا يزال مستبعدًا بشكل كبير، لأنه لم يُغلق مضيق هرمز فعليًا أبدًا، حتى في خضم حرب الناقلات عام 1984 التي هاجمت فيها إيران والعراق ناقلات النفط التابعة لبعضهما بعضًا بشكل متكرر، كما لم يحدث ذلك مؤخرًا عندما كثفت طهران عمليات استيلاء ومضايقة سفن الشحن التجاري.

على الجانب الآخر، توجد قناة السويس، وهي ممر مائي اصطناعي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول القارة الأفريقية.

واستكمالًا لما سبق، معظم مراكز الإنتاج على مستوى العالم موجودة حاليًا في منطقة الشرق الأقصى بدول عدة من بينها اليابان والصين وإندونيسيا وماليزيا، أما مراكز التوزيع والاستهلاك فموجودة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا، ومن ثم فإن قناة السويس كممر ملاحي هي همزة الوصل بين مراكز الإنتاج ومراكز الاستهلاك، حيث تتمتع بالعديد من المميزات ومن ضمن مميزاتها أنها أطول قناة ملاحية في العالم، كما أن نسبة الحوادث فيها نادرة بمقارنتها بالقنوات الأخرى، وتتم حركة الملاحة فيها ليلًا ونهارًا، وهي مهيأة لعمليات التوسيع والتعميق كلما لزم الأمر لمجابهة ما يحدث من تطوير في أحجام وحمولات السفن. كما تتميز قناة السويس بأنها مزودة بنظام إدارة حركة السفن (في تي إم أس)، وهو نظام قائم على استخدام أحدث شبكات الرادار والكمبيوتر، ليكشف ويتابع حركة السفن على طول القناة، ويتيح بذلك إمكانية التدخل في أوقات الطوارئ، بالإضافة إلى استيعاب القناة عبور السفن بحمولة مخففة، لحاملات النفط الخام الكبيرة جدًا، وكل السفن الفارغة مهما كانت حمولتها. حيث تتعاظم أهمية قناة السويس المصرية بقدر تطور وتنامي النقل البحري والتجارة العالمية، إذ يُعد النقل البحري أرخص وسائل النقل، ولذا يتم نقل ما يزيد على حوالي 85% من حجم التجارة العالمية عبر الطرق والقنوات البحرية.

وعليه، يمكن القول إن قناة السويس تتمتع بأهمية استراتيجية في صناعة النفط الطاقة، حيث نجد أن حوالي 1.9 مليون برميل من النفط يمر يوميًا عبر القناة، وهذا يمثل حوالي 7% من إجمالي النفط المنقول بحرًا، وحوالي 1.4 مليون برميل من البنزين ومنتجات مكررة أخرى تتدفق من الشرق الأوسط وآسيا شمالًا عبر القناة إلى أوروبا (يمر نحو 10% من تجارة النفط بشكل عام، وحوالي 8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج)، كما هو موضح في الشكل التالي.

وفقًا لحركة الملاحة خلال العام الماضي، نجد أن ناقلات النفط احتلت المركز الثالث من حيث أهميتها النسبية حيث عبر حوالي 5451 ناقلة بترول بإجمالي حمولات صافية 236 ألف طن، محققة إيرادات قدرها حوالي 1.2 مليار دولار في تلك الفترة وذلك تأثرًا بتحسن الطلب على النفط الخام مع إعادة تعافي الاقتصادات الكبرى، وتلاها من حيث الأهمية النسبية ناقلات الغاز الطبيعي المسال، حيث عبر 886 ناقلة غاز طبيعي مسال بإجمالي حمولات صافية قدرها 97 ألف طن، محققة إيرادات بلغت حوالي 435 مليون دولار، كما شهدت قناة السويس خلال العام المالي 2021/ 2022 عبور 1959 سفينة بضائع عامة و966 حاملة سيارات و60 سفينة ركاب، ويوضح الشكل التالي حركة ناقلات النفط (الصادرات والواردات).

مضيق باب المندب أحد الممرات الرئيسية للنفط في العالم، يعبر من خلاله حوالي 4.8 ملايين برميل يوميًا من الخام والمنتجات البترولية (مقياس لعام 2018)، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، حوالي 2.8 مليون منها اتجه شمالًا إلى أوروبا، ومليونا برميل اتجها من أوروبا إلى الشرق الأوسط وآسيا.

(الوضع الحالي، تمر عبر المضيق، الذي يبلغ عرضه كاملًا حوالي 30 كم، حوالي 3.8 برميل من النفط الخام يوميًا، أي ما نسبته حوالي 30% من النفط الخام العالمي).

حيث يقع مضيق باب المندب قبالة سواحل اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويربط بين البحر الأحمر وبحر العرب، وهو طريق مهم لمنتجات التكرير الأوروبية إلى الأسواق الدولية. كما يسمح المضيق لصادرات الخام المتوجهة إلى السوق الأوروبية بالمرور إما عن طريق خط أنابيب سوميد الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط أو عن طريق قناة السويس.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ أهمية باب المندب ظلت محدودة حتى افتتاح قناة السويس وذلك في عام 1869، وربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط، عبر البحر الأحمر، فتحول إلى واحد من أهم الممرات البحرية بين أوروبا وآسيا وشرق أفريقيا، حيث يفصل المضيق البحر الأحمر عن خليج عدن والمحيط الهندي، وقارتي أفريقيا وآسيا، ويحده من الجانب الأفريقي جيبوتي ومن الجانب الآسيوي اليمن.

وزادت أهمية مضيق باب المندب مع الاكتشافات النفطية في منطقة الخليج العربي، إضافة إلى كونه ممرًا مائيًا تجاريًا هامًا على صعيد سرعة النقل البحري والتبادل التجاري بين أوروبا وآسيا، فعدد القطع البحرية المختلفة التي تعبره سنويا يقدر بحوالي 25 ألف قطعة، أي بمعدل 75 قطعة يوميًا، كما يوضح الشكل التالي موقع مضيق باب المندب.

من المخاوف التي تُفرزها تحديات الطاقة نجد مسألة الإمدادات عبر المضايق البحرية، فضمان إمدادات الطاقة بشكل مستقر يعتبر إحدى القضايا الاستراتيجية الخطيرة التي لا مفر من مواجهتها، فسعي الدول إلى تأمين احتياجاتها النفطية منها أمر ليس بحديث، فقد كانت محاولات السيطرة على مصادره الدافع الرئيسي لكثير من الصراعات، وكانت أيضًا عاملًا للتعاون فيما بين دول أخرى. وعليه قال الجنرال الأمريكي بروس كهولوداي: “يكفي للدلالة على أهمية النفط وأثره في المجال العسكري، إذا تقلصت إمداداتنا النفطية بصورة لافتة، فإن النتيجة الأكثر خطورة ربما ستكون نقصًا فوريًا في فاعليتنا ستصبح مشكلة تخصيص موارد البلاد النفطية مشكلة سياسية ذات إبعاد مخيفة، بكم يجب أن نحتفظ في مخزوننا الاحتياطي الاستراتيجي؟، هل يمكن أن يعتبر الردع حالة ترف إذا قورنت بمتطلبات الاقتصاد؟”. حيث إن السفن الناقلة للنفط في العموم لا يمكنها عبور سوى بعض الطرق بحرية، في العديد من هذه الطرق ناقلات النفط يجب عليها أن تجتاز هذه المضايق المهمة، كما قد يكون المرور بها يشكل مخاطرة وذلك نظرًا لوقوع بعضها بمناطق تشهد توترات وعدم استقرار أمني وسياسي، كما أن القليل منها من تمتلك أهمية استراتيجية، بحيث هناك حوالي 6 نقاط اختناق بحرية رئيسية في العالم لها أهمية جيواستراتيجية في توزيع الطاقة، كما هو الحال لمضيق هرمز، أكثر المضايق البحرية أهمية في العالم، حيث يعبر النفط من الشرق الأوسط متجهًا إلى آسيا والسواحل الشرقية للولايات المتحدة، فضلًا عن مضيق باب المندب وقناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط والمضايق التركية، إضافة إلى مضيق ملقا والذي يقع بين شبه الجزيرة الماليزية وسومطرة بوابة تربط بين المحيطين الهادي والهندي ذو الأهمية البالغة للأسواق الآسيوية.

ووعيًا بأهمية المضايق والممرات البحرية، فقد أكد القانون الدولي على ضمان أمنها وحمايتها، وفي هذا الإطار نصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على حق المرور العابر وحرية الملاحة للسفن في المضايق، وحدد النظام القانوني للمياه التي تُشكل مضايق مستخدمة للملاحة الدولية؛ بما يضمن حرية الملاحة والتحليق والمرور العابر للسفن والطائرات عبر هذه المضايق والممرات، وفق أحكام تراعي حقوق والتزامات الدول المتشاطئة والدول الأخرى، بما في ذلك حق الدول المتشاطئة في ممارسة سيادتها وولايتها على المضايق ذات الصلة مع مراعاة قواعد القانون الدولي الأخرى.

ووفقًا لما سبق، تحاول الدول العربية التصدي لمحاولات القوى المختلفة بسط نفوذها على المضايق والممرات البحرية في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقًا من أن أي تهديد لتلك المضايق والممرات يُمثل تهديدًا صريحًا لأمنها واستقرارها وازدهارها ولصناعتها النفطية بشكل خاص، ولذلك فهي تقوم بالتنسيق في ذلك مع الدول المعنية في المنطقة ومع الدول العظمى، بالإضافة إلى محيطها العربي والإسلامي.

وهنا تجب الإشارة إلى أنّ موضوع أمن الملاحة وإمدادات الطاقة في منطقة الخليج العربي، أصبح أحد البنود المطروحة على جدول أعمال مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، وقد صدر قرار من المجلس في هذا الشأن في دورته العادية (152) بتاريخ 10/9/2019 نص على إدانة جميع الأعمال التي تستهدف أمن وسلامة الملاحة والمنشآت النفطية في الخليج العربي والممرات المائية الأخرى، وذلك بوصفها أعمالًا تهدد أمن الدول العربية وتقوض الأمن القومي العربي، وتضر بالأمن والسلم الدوليين، وتضمن القرار كذلك دعوة مجلس الأمن إلى تحمّل مسئولياته لضمان حرية الملاحة البحرية وأمنها وسلامتها، وضمان أمن المنطقة واستقرارها، واتخاذ موقف حازم للتصدي للأنشطة أو المحاولات الأمنية إلى تهديد حرية الملاحة أو الإضرار بإمدادات الطاقة في المنطقة.

مجمل القول، لقد ظهر جليًا مدى أهمية طرق نقل النفط عبر الممرات والمضايق البحرية الدولية ذات الأهمية الاستراتيجية وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأنها تُعد قلب جيوسياسة الطاقة في المنطقة، فهاجس التزود بالطاقة شديد الارتباط بأمن الطاقة العالمي. وعليه، فإن أي تأثر للحركة البحرية من خلال تلك المضايق، سيؤدي إلى نتائج خطيرة قد تترتب على أمن وسلامة إمدادات الطاقة في العالم ككل. وعليه يمكن القول إن نظرة المنطقة العربية بالأخص لمستقبل أمنها الطاقي مرهون -حاليًا- بضمان أمن الممرات البحرية وبخاصة مضيقي هرمز وباب المندب، وذلك من خلال السعي وراء تجسيد مفهوم أمني عملي لا تخضع فيه إمدادات الطاقة العالمية إلى سيطرة الغير، سواء في أوقات السلام أو الحرب، سواء كان ذلك ناتجًا عن تهديدات إقليمية أو دولية. ومما تقدم يجب التأكيد على أن أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر مترابطان وضروريان معًا للأمن القومي العربي، وأي تهديد لأمن الملاحة في تلك الممرات هو تهديد لأمن واستقرار إمدادات النفط وشرايين الطاقة العالمية.

المصدر :https://ecss.com.eg/39381/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M