إدارة طرمب وأفريقيا: التصورات والرهانات

مصطفى صايج

ليس هناك اختلاف بين الخبراء والمختصين في السياسة الخارجية الأمريكية في أن الرئيس الأمريكي، دونالد طرمب، قد همش كلية القارة الأفريقية في حملته الرئاسية وبرنامجه السياسي‏[1]، وأكثر من ذلك فإنه اختزل مكانة أفريقيا في كليشيهات نمطية سلبية، بوصف القارة الأفريقية مصدراً للجريمة والأمراض والفساد، كما صرح بذلك: «سأسحق القراصنة الصوماليين من الأرض ولن أترك لهم مجالاً للعيش، أحب كثيراً نيلسون مانديلا، لكن جنوب أفريقيا وكر كبير للجرائم القابلة للانفجار»‏[2]. ويسلم بعض المختصين في الشأن الأفريقي، بأن دونالد طرمب يجهل القارة الأفريقية تماماً وهي بعيدة كل البعد من أولوياته، لأن الثقل التجاري الأمريكي مع أفريقيا تراجع على نحوٍ محسوس جداً حيث بلغ التبادل 37 مليار دولار في سنة 2015، أي بتراجع 30 بالمئة عن سنة 2014، وهو أقل خمس مرات من التبادلات التجارية بين الصين وأفريقيا، التي اقتربت من 180 مليار دولار في الفترة نفسها‏[3].

وعليه، فإننا نعيد قراءة تصورات وإدراكات طرمب للقارة الأفريقية من خلال الخطابات والتصريحات الإعلامية، وفي الوقت ذاته نتساءل عن الرهانات المستقبلية للقارة الأفريقية في السنوات الأربع القادمة.

1 – أفريقيا في إدراك طرمب

قاد الرئيس الأمريكي دونالد طرمب حملته الانتخابية بشعار «أمريكا أولاً»، وهو ما جعل البعض يصف سياسته الخارجية بالعودة إلى الانعزالية‏[4]، لكن في الوقت ذاته كانت أكثر براغماتية، فهو يريد من الحلفاء أن يدفعوا تكاليف وأعباء الحماية الأمريكية، وأن يعيد النظر في الاتفاقيات التجارية والتكتلات الاقتصادية التي لا تعود بالفائدة على الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر من ذلك يهدد بوقف الإعانات والتمويل الأمريكي لمنظمة الأمم المتحدة، ويضرب عرض الحائط باتفاقيات باريس للبيئة.

ضمن هذا الإطار العام لتصورات دونالد طرمب لطبيعة العلاقات الدولية، فإن فريق حملته الانتخابية طرح أسئلة محددة على مسؤولي السياسة الأفريقية في الإدارة الأمريكية، توحي في جوهرها بالتشكيك في العلاقات الأمريكية – الأفريقية القائمة، وهي الوثيقة التي كشفتها صحيفة نيويورك تايمز‏[5]، وأهم الأسئلة المطروحة: لماذا نبقى نصرف الكثير من الأموال على إعانة التنمية في أفريقيا، بينما المواطنون يعانون في الولايات المتحدة الأمريكية؟ ما الفائدة من محاربة التنظيم الإرهابي لبوكو حرام في الوقت الذي بقينا أكثر من عشر سنوات نحارب تنظيم الشباب الصومالي من دون القضاء عليه؟ وما الجدوى من ملاحقة جوزيف كوني، زعيم جيش الرب، سنوات في أوغندا، بينما لا يهدد مصالحنا الشخصية؟ تعبر طبيعة هذه الأسئلة المطروحة عن الفلسفة البراغماتية للرئيس دونالد طرمب، القائمة على الأرباح والتكاليف، وبلغة عقلانية، فإنه مقتنع بأن إدارته يجب ألّا تدفع التكاليف والأعباء على السياسات التي لا تعود بالفائدة المباشرة والشخصية على الولايات المتحدة الأمريكية.

انطلاقاً من هذه الفلسفة التي يتبناها دونالد طرمب، فإن الانعكاسات ستكون سلبية على القارة الأفريقية، بحيث يمكن لإدارة طرمب أن تعيد النظر في المساعدات المالية الخارجية، باعتبارها الدولة المانحة الأولى في العالم بـ 31 مليار دولار سنة 2015، من بينها 8 مليارات دولار مساعدات قدمت لأفريقيا جنوب الصحراء، بالرغم من أن إجمالي المساعدات الأمريكية للتنمية لا تتعدى 1 بالمئة من الإنتاج الداخلي الخام‏[6].

كما يتوجس الأفارقة خوفاً من قناعات دونالد طرمب في ما يخص ضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها الإدارات الأمريكية السابقة، على غرار النافتا، والاتفاقية التجارية العابرة للهادي، ويطرح في هذا الصدد قانون النمو والفرص في أفريقيا (African Growth Opportunities Act (AGOA)) الذي تم إبرامه بين الولايات المتحدة الأمريكية و39 دولة أفريقية سنة 2000، بحيث يسمح بالإعفاء الجمركي لصادرات المنتجات الأفريقية، وفي فترة إدارة أوباما تم استخدام هذا القانون كورقة ضغط على الدول الأفريقية التي لا تراعي حقوق الإنسان، كما حدث مع سوازيلاندا التي تم إبعادها من القانون سنة 2015 بحجة الممارسات القمعية للنظام الملكي‏[7].

2 – المصالح الأمريكية في أفريقيا

ويشكل قانون النمو والفرص في أفريقيا القاعدة القانونية الأساسية لتطوير التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا، بحيث تعزز بحركية اقتصادية حاولت إدارة أوباما بعثها من خلال القمم واللقاءات الاقتصادية، مثل قمة الولايات المتحدة الأمريكية – أفريقيا، ومنتدى الأعمال الأمريكي – الأفريقي. ورغم ذلك فإن حجم التبادلات التجارية تراجع على نحو محسوس إلى 38 مليار دولار سنة 2015 بعدما عرف الذروة في سنة 2008 بحجم تبادلات وصل إلى 100 مليار دولار. غطت هذه التبادلات من الناحية الجغرافية البلدان الأفريقية الأنغلوفونية في شرق أفريقيا والبلدان النفطية، مثل نيجيريا وأنغولا، ومُدِّد هذا القانون لمدة عشر سنوات، أي إلى غاية 2025 في فترة إدارة أوباما‏[8]. وهذا التمديد من جانب الكونغرس الأمريكي جعل البعض يشكك في قدرة الرئيس دونالد طرمب على إعادة النظر في قانون النمو والفرص في أفريقيا، كما أكد ذلك هرمان كوهين، المساعد السابق لكاتب الدولة للشؤون الأفريقية: «من الصعب على دونالد طرمب أن يتراجع عن قانون النمو والفرص في أفريقيا الذي تم تمديده إلى غاية 2025 من قبل الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية»‏[9]. كما أن طبيعة المنتجات الأفريقية المصدرة إلى السوق الأمريكية لا تهدد السياسة الحمائية التي يعتزم دونالد طرمب انتهاجها، كما صرح بذلك وزير الشؤون الأفريقية لبوركينا فاسو، ألفا باري: «المنتجات الأفريقية التي تدخل السوق الأمريكية في إطار قانون النمو والفرص، هي منتجات تقليدية إضافة إلى المنتجات الفلاحية»‏[10].

هناك اتجاه عام في تحليل العلاقات الأمريكية – الأفريقية في العقدين الأخيرين، يشير إلى الاستمرارية رغم تحول الإدارات الأمريكية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتحول الأغلبية في الكونغرس بين الحزبين، على أساس أن السياسة الأمريكية تجاه القارة الأفريقية تضبطها ثلاثة تحديات على القوة العالمية الأولى أن تتكيف معها، وتلزم صانعي القرار إيلاء الأهمية القصوى لها مهما كان اللون الحزبي المهيمن بين الفيل والحمار. هذه التحديات الثلاثة هي: أولاً، التنافس الصيني – الأمريكي في القارة الأفريقية؛ ثانياً، مكانة الطاقة في الاستراتيجية الأمريكية العالمية؛ وثالثاً، التحدي الأمني الذي تشكله الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

وبالتالي، فإن السياسة الأفريقية للولايات المتحدة الأمريكية لا تختلف بين الديمقراطيين والجمهوريين وتحركها المصلحة الوطنية. وهذا ما اتضح في الإدارات المتعاقبة منذ إدارة بيل كلينتون الديمقراطي، وخلفه جورج بوش الإبن الجمهوري المحافظ، والعودة إلى باراك أوباما الديمقراطي، بحيث وضعت إدارة بوش الابن في سنة 2003 مخطط الطوارئ لمحاربة الإيدز (PEPFAR) الذي يهدف إلى المساعدة الطبية لمليوني شخص مصاب بالمرض، وتقديم الدعم الوقائي لسبعة ملايين ومساعدة علاجية لعشرة ملايين مصاب بفيروس الإيدز، خصص لهذا البرنامج 18.8 مليار دولار للسنوات الخمس الأولى من البرنامج، وتم الترخيص برفع الميزانية المخصصة له إلى 48 مليار دولار في سنة 2008 بطلب من إدارة بوش الابن. لكن أزمة الرهن العقاري وما تبعها من أزمة مالية أجبرت إدارة أوباما على التراجع عن الأهداف المسطرة واستقرت النفقات على البرنامج في حدود 6 و7 مليارات دولار فقط‏[11]. أي أن المصلحة الوطنية هي التي تحدد تسطير المساعدات والبرامج الإنمائية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، بالرغم من أن الميول الذاتية للتحليل تفترض أن الرئيس الأمريكي أوباما من أصول أفريقية هو الذي يكون أقرب إلى التعاطف مع رغبات وطلبات القارة الأفريقية.

3 – الحضور العسكري الأمريكي في أفريقيا

حقيقة، إن الرئيس أوباما زار القارة الأفريقية أربع مرات في عهديه الرئاسيين، ونظم أول قمة أمريكية – أفريقية في صيف 2014، وطرح مشروعاً طموحاً عُرف بـ «Power Africa» لإمداد 60 مليون بيت بالكهرباء في القارة الأفريقية، لكن هناك الكثير من المآخذ على سياسته الأفريقية وهو لم يخرج عن قاعدة الاستمرارية في تحقيق المصلحة الوطنية الأمريكية القائمة على القوة العسكرية، بحيث تكثّف الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا ليفوق 60 قاعدة عسكرية ومرتكزات دفاعية؛ فالقاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي لوحدها يوجد فيها ما بين 3 آلاف و4 آلاف عسكري أمريكي بغرض محاربة تنظيم جماعة الشباب الصومالي ومواجهة القراصنة في خليج عدن، يضاف إليهم 3600 عسكري أمريكي في إطار عمليات القيادة الأمريكية في أفريقيا «أفريكوم»‏[12].

كما تقوم القوات الأمريكية بإنشاء قاعدة عسكرية جوية استراتيجية في النيجر من أجل مراقبة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الصحراوي، واستخدامها لاطلاق الطائرات من دون طيار لتنفيذ الضربات الجوية ضد معاقل التنظيمات الإرهابية ومتابعة قياداتها، حيث خصص الكونغرس الأمريكي 50 مليون دولار بموجب ميزانية عام 2016 لبناء هذه القاعدة، وهي تعد أكبر ميزانية لبناء القواعد العسكرية في الخارج لهذه السنة‏[13].

يكلف الانتشار الأمريكي في أفريقيا 23 بالمئة من إجمالي الميزانية العسكرية الأمريكية، ولا يُعتقد أن الرئيس دونالد طرمب سيكون الاستثناء عن سابقيه في هذه القاعدة، إذ «سينتهي الفاعلون في البنتاغون بإقناع الرئيس طرمب بالمصلحة في إبقاء الوجود العسكري في أفريقيا» كما صرح بذلك هرمان كوهان‏[14].

وعليه، فإن إدارة طرمب ستستمر في الوجود العسكري في أفريقيا ضمن استراتيجية مكافحة الإرهاب العالمي بالارتكاز على الدول المحورية وانتهاج الحروب اللاتماثلية بالوكالة والإبقاء على المقاربة الأمنية المسماة «البصمة الخفيفة» (Light footprint)، التي تعتمد على التدخلات العسكرية من خلال الشركات الأمنية الخاصة، والقوات الخاصة، والاستناد إلى الدعم اللوجيستي وأنظمة الاستعلامات واستخدام الطائرات من دون طيار على نحو مكثف‏[15].

4 – السياسات الاجتماعية والتنموية

من الناحية الاجتماعية والمالية، فإن سياسة مكافحة الهجرة التي يريد دونالد طرمب انتهاجها قد تمس بالجالية الأفريقية. فوفق تقديرات البنك الدولي، وصل عدد المهاجرين غير الشرعيين من أصول أفريقية عام 2013 إلى 1.830.000، وستكون نتائج طردهم من الولايات المتحدة الأمريكية كارثية على بعض الاقتصادات الأفريقية، حيث بلغ إجمالي التحويلات المالية للمهاجرين الأفارقة المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 35.2 مليار دولار في سنة 2015‏[16].

إضافة إلى هذه الانعكاسات الاجتماعية والمالية السلبية على بعض الدول الأفريقية، فإن هناك قلقاً مالياً آخر بسبب السياسة الحمائية وإعادة النظر في التعددية الاقتصادية والمالية التي كبّدت الخزينة الأمريكية، التي يريد تجاوزها دونالد طرمب خسائر مالية معتبرة؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تستحوذ على 15 بالمئة من الحصص في صندوق النقد الدولي، مما يمنحها حق استخدام الفيتو في العمليات المالية التي تعتمدها مؤسسة بريتون وودز، وهو ما قد يؤثر في أكبر دولتين في أفريقيا، مصر ونيجيريا، اللتين توجدان في وضعية مالية صعبة تجعلهما بأمسّ الحاجة إلى قروض صندوق النقد الدولي، حيث تحتاج القاهرة إلى قرض بقيمة 12 مليار دولار بينما تحتاج أبوجا إلى قرض مالي قيمته 29 مليار دولار‏[17].

إن نظرة الرئيس دونالد طرمب الرافضة للسياسة العالمية لحماية البيئة، ستعود بالخسائر على القارة الأفريقية التي تعرف كل ضروب التهديدات البيئية، التصحر والفيضانات والجفاف، بحيث أعرب الرئيس الجديد عن امتناعه من المشاركة في اتفاق باريس الموقع في كانون الأول/ديسمبر 2015، والصندوق الأخضر الذي خُصص له 100 مليار دولار سنوياً لتمويل مشاريع الاتفاق؛ حيث يرى طرمب: «أن التغيير الحراري اختراع صيني لإضعاف الصناعة الأمريكية»‏[18].

5 – الأطماع الأمريكية في مصادر الطاقة الأفريقية

إلا أن هذه التصورات والمواقف السلبية للرئيس دونالد طرمب تجاه القارة الأفريقية، المبنية على البراغماتية والواقعية السياسية، لا تجعله يتخلى عن الهدف الأساسي للمصلحة الأمريكية في القارة الأفريقية من خلال الاهتمام بالطاقة، التي تشكل أحد أعمدة السياسة الأفريقية للولايات المتحدة الأمريكية؛ فقرار تعيين ريكس تيلرسون، رئيس الشركة النفطية العالمية إكسون موبيل (2006 – 2016)، في منصب وزير الخارجية، يحمل الكثير من الدلالات: أولها، أن الشركة النفطية كان لها الكثير من الاستثمارات الطاقية في القارة الأفريقية منذ ما يقارب القرن، ما جعل تيلرسون يربط شبكة العلاقات مع رؤساء العديد من الدول الأفريقية ذات الثقل الطاقي مثل، نيجيريا وليبيا وأنغولا والتشاد وموزمبيق؛ أما الدلالة الثانية، لتعيين رئيس شركة إكسون موبيل في منصب كتابة الدولة فهو تقليد لدى الجمهوريين، حيث سبق للرئيس بوش الابن أن عين كوندوليزا رايس في المنصب ذاته وهي محسوبة على شركة شيفرون النفطية.

تتصف شخصية تيلرسون بالبراغماتية، حيث كانت شركته من بين الأوائل التي تعود للاستثمار النفطي في ليبيا بعد رفع الحصار عنها في سنة 2005، وزار معمر القذافي في شباط/فبراير 2007، الذي كان يولي الاهتمام لأول احتياطي نفطي في أفريقيا بـ 41 مليار برميل‏[19]. كما استطاع تيلرسون أن يفرض إيمانويل إب كاشيكوو، في منصب وزير النفط في نيجيريا ورئيس الشركة الوطنية النيجيرية للنفط، بعدما شغل هذا الأخير منصب عضو مجلس الإدارة للدائرة الأفريقية لإيكسون موبيل، وتمثل نيجيريا مكانة استراتيجية للسياسة الطاقية الأمريكية حيث تنتج الشركة ما بين 200 و300 ألف برميل يومياً‏[20]. كما تنتج شركة إكسون موبيل ما يقارب 500 ألف برميل يومياً في أنغولا، وتهتم جيوسياسياً بجنوب التشاد حيث ساهمت إلى جانب شقيقتها شيفرون وبتروناس الماليزية في إنشاء أنبوب النفط لأكثر من ألف كلم يمر عبر الكاميرون ليصل إلى ميناء التصدير بكريبي‏[21]. والأهمية الجيوسياسية للوجود الأمريكي الطاقي بالمنطقة مرتبط بمراقبة التهديد المتصاعد لجماعة بوكو حرام النيجيرية التي تهدد المصالح الأمريكية في منطقة غرب ووسط أفريقيا.

إذا كان عامل الطاقة محدداً استراتيجياً في رسم السياسة الأفريقية للإدارات الأمريكية المتعاقبة، فإن التطورات التكنولوجية في ميدان الغاز الصخري والنفط الصخري سيشكل تهديداً للأمن الطاقي للدول الأفريقية المنتجة للنفط، وخصوصاً أن الرئيس دونالد طرمب يولي أهمية قصوى للمزيد من الإنتاج الأمريكي لوقف تبعية الطاقة.

6 – التنافس مع الصين

لكن في الجهة المقابلة، فإن القلق الأمريكي من الصعود الصيني في أفريقيا سيبقى محدداً رئيساً في تحديد السلوك الأمريكي تجاه أفريقيا، وهذا ما ورد في الأسئلة التي طرحها الفريق الانتخابي لدونالد طرمب على المسؤولين في الإدارة الأمريكية، «كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل في المنافسة مع بقية الأمم في أفريقيا؟ وهل نحن خاسرون في مواجهة الصين؟‏[22]، بما يعني: ما هي الاستراتيجيات التي على إدارة طرمب انتهاجها لوقف الزحف الصيني على أفريقيا، وحتماً ستكون أحد الخيارات المركزية التي سيركز عليها الوزير تيلرسون، تختصر في مقولة «يجب الإبقاء على مصالح الشركات النفطية الأمريكية وتعزيزها بما يقوض المصالح الصينية التي هي بأمسّ الحاجة إلى الطاقة الأفريقية».

الإجابة عن سؤال الفريق الانتخابي هل نحن خاسرون في مواجهة الصين في أفريقيا؟ حتماً ستجد كذلك الإجابة السريعة في مجموع المؤشرات الاقتصادية والتجارية: أولها أن الصين أضحت منذ 2009 الشريك التجاري الأول لأفريقيا، حيث وصلت الصادرات الصينية لأفريقيا 103 مليارات دولار سنة 2015 مقابل 27 مليار دولار للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن البنوك الصينية منحت قروضاً بمليارات الدولارات للدول الأفريقية من أجل بناء المنشآت التحتية، فحسب المعطيات التي نشرها بايكر وماكنزي (Baker and McKenzie) فإن العقود الصينية قد وصلت إلى 398 مليار دولار ما بين 2009 و2014، أي بمعدل 54 مليار دولار سنوياً، مقارنة بمتوسط 8 مليارات دولار سنوياً قيمة المساعدات الأمريكية لأفريقيا في السنوات العشر الأخيرة‏[23].

هذه المؤشرات ستجعل العداوة الأمريكية – الصينية تتصاعد حدتها أكثر، وخصوصاً أن الحملة الانتخابية للرئيس دونالد طرمب ركزت على اتهام الصين بالعدو الذي يقتل الأمريكيين اقتصادياً وتجارياً، وأفضل تعبير عن ذلك لجوء دان ديميكو، المستشار التجاري للرئيس دونالد طرمب، إلى استخدام فيلم «الموت بسبب الصين» (Death by China) للمخرج بيتر نفارو، لإظهار التنافس التجاري غير الأخلاقي للصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تسبب في غلق المصانع، وإحالة ملايين من الأمريكيين على البطالة، بسبب التلاعب بالقيمة غير الحقيقية لعملتها اليوان؛ وهو ما جعل دونالد طرمب يقترح فرض ضريبة على الواردات الصينية بنسبة 45 بالمئة، لوقف هذا التهديد القاتل للأمريكيين مع إعادة النظر في مفاوضات المنظمة العالمية للتجارة أو الانسحاب منها‏[24].

إن اقتراحات الرئيس دونالد طرمب هي في صميم الواقعية السياسية، من حيث اتخاذ كل التدابير لحماية القوة الاقتصادية الأمريكية التي تتراجع أمام الزحف الصيني في داخل أمريكا وخارجها حيث القارة الأفريقية تعَدّ نموذجاً لذلك. فقراءة البيانات والأرقام الاقتصادية للتبادلات التجارية الأمريكية – الصينية توحي بمأزق الأمن الاقتصادي الذي يصيب القوة الأمريكية في أحد مقوماتها الإمبراطورية، خلال خمس عشرة سنة، انتقل العجز التجاري للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين من 50 مليار دولار إلى أكثر من 365 ملياراً في سنة 2015، حيث اختفت 57 ألف مؤسسة مع فقدان 25 مليون وظيفة بسبب التنافس الصيني على السوق الأمريكية‏[25]. وحسب تقرير لمعهد السياسات الاقتصادية، وهو أحد مراكز الدراسات الأمريكية ذو المصداقية العلمية، فإن تزايد الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 2001 و2011 أدى إلى نقل ما يقارب 3.3 مليون وظيفة أمريكية، ثلثها في صناعة المنتوجات الإلكترونية‏[26].

إن الخوف الأمريكي من الموت بسبب الصين، على حد تعبير الكاتب الأمريكي بيتر نفارو[27]، تتزايد حدته أكثر في القارة الأفريقية، وخصوصاً إذا اعتمدنا على المؤشرات الرقمية للوجود الصيني في أفريقيا، حيث يفتخر وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بأن بلاده منذ قمة جوهانسبورغ للمنتدى الصيني – الأفريقي السادس المنعقد في نهاية 2015، استطاعت أن تخصص غلافاً مالياً قيمته 60 مليار دولار لدعم التنمية وإلغاء جزء من الديون لبعض الدول الأفريقية، نصف المبلغ تم دفعه بعد سنة من الالتزام المالي المخصص لثلاث سنوات»‏[28]. والتفاؤل المفرط بالمستقبل الصيني في أفريقيا جعل الوزير الأول الصيني، لي كيغيانغ، يؤكد بأن بكين ستصل سنة 2020 إلى حجم تبادل تجاري مع أفريقيا يناهز 400 مليار دولار، بما يعني أكثر من ضعف حجم التبادل التجاري القائم في سنة 2016‏[29].

إن الرهانات والتحديات التي ستواجهها إدارة طرمب تجاه أفريقيا تبقى مرهونة بالخيارات الاستراتيجية لمواجهة هذا التفاؤل الصيني المفرط في أفريقيا، وهو ما يجعل خياراته تتجه وفق السيناريو الاتجاهي، بحيث يستمر في تعزيز الوجود العسكري في المناطق الحيوية المرتبطة بموارد الطاقة لتقويض الطموح الصيني الذي يحتاج إلى هذه الموارد، كما تشكل القيادة المركزية لأفريكوم الرمز العسكري الذي يبحث عن تحالفات لتوظيفها في محاربة الإرهاب الذي يمتد من شرق أفريقيا حيث القرن الأفريقي وإطلالته على البحر الأحمر وخليج عدن إلى غرب أفريقيا المطلة على الأطلسي والممتدة إلى عمق الساحل الصحراوي.

 

قد يهمكم أيضاً  استراتيجية الوجود الصيني في أفريقيا: الديناميات.. والانعكاسات

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #طرمب #دونالد_طرمب #الولايات_المتحدة_وأفريقيا #العلاقات_الأمريكية_الأفريقية #السياسة_الخارجية_الامريكية #الصين_وأفريقيا #دراسات

 

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 466 في كانون الأول/ديسمبر 2017.

(**) مصطفى صايج: مدير المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية – الجزائر.

البريد الإلكتروني: [email protected]

[1] Florence Richard, «Donald Trump, un président peu prometteur pour l’Afrique,» <https://amp.france24.com/fr/20161209-donald-trump-president-politique-continent-aide-afrique-election?> (Dernière modification 13/11/2016).

[2] Tirthankar Chanda, «Les Relations Afrique/Etats-Unis et les promesses de campagne de Donald Trump,» <http://amp.rfi.fr/fr/hebdo/20161111-relations-afrique-etats-unis-campagne-donald-trump-president?>.

[3] Philippe Hugon, chercheur à l’Institut de recherche internationale et stratégique (Iris) et spécialiste de l’Afrique, dans: Julien Wagner, «Trump et nous,» Afrique Magazine (janvier 20147), <http://afriquemagazine.com/priori-il-sen-fiche>.

[4] Charles Krauthammer, «Trump’s Foreign-Policy Revolution,» National Review (26 January 2017), <http://www.nationalreview.com/article/444321/trump-foreign-policy-isolationsim-america-first-allies-nato-trans-pacific-partnership>.

[5] Helene Cooper, «Trump Team’s Queries about Africa Point to Skepticism about Aid,» New York Times, 13/1/2017, <https://www.nytimes.com/2017/01/13/world/africa/africa-donald-trump.html>.

[6] «États-Unis: Un document laisse deviner la volonté de Trump de se désengager du continent africain,» <http://www.guinee24.com/lire/detail/etats-unis-un-document-laisse-deviner-la-volonte-de-trump-de-se-desengager-du-continent-africain/>.

[7] «Trump et l’Afrique,» Article rédigé par Julien Chambolle, reprenant les idées développées lors du dîner conférence organisé par l’association Africa 21 (www.africa21.org) sur la même thématique, <http://www.africa21.org/trump-et-lafrique-resume-du-debat-du-jeudi-22-novembre/>.

[8]   Chanda, «Les Relations Afrique/Etats-Unis et les promesses de campagne de Donald Trump».

[9]    Richard, «Donald Trump, un président peu prometteur pour l’Afrique».

[10] المصدر نفسه.

[11] President’s Emergency Plan for AIDS, <https://www.pepfar.gov/>.

[12] Mohamed Hedi Abdellaoui, «Présence militaire américaine en Afrique: Une base permanente et près de 5000 militaires,» analyse nouvelles, Afrique, 30 octobre 2015, <http://aa.com.tr/fr/analyse-nouvelles/pr%C3%A9sence-militaire-am%C3%A9ricaine-en-afrique-une-base-permanente-et-pr%C3%A8s-de-5000-militaires-/457967>.

[13] Nick Turse «USAFRICOM s’étend au Niger,» publié le 4/10/16, <http://www.afrique-asie.fr/menu/asie-oceanie/75-a-la-une/10533-usafricom-s-etend-au-niger>.

[14] Chanda, «Les Relations Afrique/Etats-Unis et les promesses de campagne de Donald Trump».

[15] Philippe Hugon, «Election de Donald Trump: Quel impact pour l’Afrique?,» publié le 14 novembre 2016, <http://www.iris-france.org/83359-election-de-donald-trump-quel-impact-pour-lafrique/>.

[16] Migration and development brief 26, «Migration and Remittances,» World Bank (26 avril 2015), <https://siteresources.worldbank.org/INTPROSPECTS/Resources/334934‑1288990760745/MigrationandDevelopmentBrief24.pdf>.

[17] «Pour l’instant, l’Afrique est dans l’angle mort de Donald Trump,» Revue Jeune Afrique (30 janvier 2017), <http://www.jeuneafrique.com/mag/396025/politique/linstant-lafrique-langle-mort-de-donald-trump/>.

[18] Isabelle Hanne, «Trump, l’éléphant dans la COP22,» Libération, 15/11/2016, <http://www.liberation.fr/planete/2016/11/15/trump-l-elephant-dans-la-cop22_1528380>.

[19] Benjamin Augé, «Au moins un proche de Donald Trump connaît l’Afrique… celle des champs de pétrole,» Le Monde, 19/1/2017, <http://www.lemonde.fr/afrique/article/2017/01/19/au-moins-un-proche-de-donald-trump-connait-l-afrique-mais-celle-des-champs-de-petrole_5065515_3212.html#oVlGg0vLMQj3LJtx.99>.

[20] المصدر نفسه.

[21] Rémi Carlier, «L’Afrique, cadet des soucis de Donald Trump,» <http://m.france24.com/fr/20170123-afrique-donald-trump-etats-unis-politique-business-securite-terrorisme>, (Dernière modification: 25/1/2017).

[22] Cooper, «Trump Team’s Queries about Africa Point to Skepticism about Aid».

[23] «Concernant l’Afrique, Donald Trump s’inquiéte de la concurrence chinoise et doute de la pertinence des appuis américains,» <http://www.agenceecofin.com/politique/1701‑43985-concernant-l-afrique-donald-trump-s-inquiete-de-la-concurrence-chinoise-et-doute-de-la-pertinence-des-appuis-americains>.

[24] Richard Hiault, «Chine contre Etats-Unis, les vrais chiffres d’une guerre commerciale,» Les Echos (1 décembre 2016), <https://www.lesechos.fr/01/12/2016/LesEchos/22330‑047-ECH_chine-contre-etats-unis–les-vrais-chiffres-d-une-guerre-commerciale.htm#eGZs3SAq9Ki8oc8y.99>.

[25] المصدر نفسه.

[26] Robert E. Scott and Xiao Jiang, «Unilateral Grant of Market Economy Status to China Would Put Millions of EU Jobs at Risk,» Economic Policy Institute (18 September 2015), <http://www.epi.org/publication/eu-jobs-at-risk/>.

[27] Peter Navarro and Greg Autry, Death by China: Confronting the Dragon – A Global Call to Action (New Jersey: Pearson Education, 2011).

[28] «La Chine a déjà débloqué près de la moitié des 60 milliards $ promis à l’Afrique en décembre 2015,» Agence Ecofin (16 mars 2017), <http://www.agenceecofin.com/aide-au-develop​pement/1603‑45745-la-chine-a-deja-debloque-pres-de-la-moitie-des-60-milliards-promis-a-l-afrique-en-decembre-2015>.

[29] «Les Relations commerciales Chine-Afrique en 4 chiffres,» Le Monde, 4/12/2015, <http://www.lemonde.fr/economie/article/2015/12/04/les-relations-commerciales-chine-afrique-en-quatre-chiffres_4824548_3234.html>.

 

رابط المصدر:

https://caus.org.lb/ar/%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%b7%d8%b1%d9%85%d8%a8-%d9%88%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%87%d8%a7%d9%86/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M