إعادة الاصطفاف… التوجهات التركية الجديدة في الشرق الأوسط

مارى ماهر

 

حققت تركيا اختراقات مهمة في علاقاتها بدول الشرق الأوسط التي خيم عليها التوترات والجمود السياسي والصراع الأيديولوجي على مدار العقد الماضي، إلا أن بدايات العقد الثالث حملت في طياتها عوامل الانعطافة الثالثة للسياسة الخارجية منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في 2002، والتي تنطوي على نفض الطابع الأيديولوجي، وتفكيك التحالف بين تركيا والإسلاميين، والابتعاد عن السياسات التدخلية الأحادية، والعودة لنهج أكثر واقعية وبراجماتية، استجابة للمتغيرات الجيوسياسية والأمنية الناشئة، وتماشيًا مع انتقال الشرق الأوسط لترتيبات ما بعد الربيع العربي بعدما فشلت مخرجاته في تلبية طموحات وتطلعات التوسع والهيمنة التركية. وفي هذا الإطار، قطعت تركيا خطوات لإصلاح العلاقات مع الدول الرئيسية بالمنطقة؛ مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل، لكن التقارب مع أبو ظبي وتل أبيب يسير بخطي أسرع توجته زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإمارات في 13 فبراير الماضي سبقها توقيع العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية ومذكرات التفاهم بين البلدين لتعزيز التعاون الثنائي، فضلًا عن زيارة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ لأنقرة في 9 مارس الجاري حيث تعهد الرئيسان بمزيد من التعاون في مجالات مثل التجارة والطاقة للمساعدة في إصلاح العلاقات المتصدعة بين بلديهما.

متغيرات وسياقات محفزة

تأتي سياسات خفض التصعيد والتقارب مع اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط كاستجابة لعوامل خارجية إقليمية ودولية، ومحلية تتعلق بالأمن والاقتصاد، وفيما يلي نستعرض تفصيليًا تلك العوامل:

• انتقال المهددات السياسية والأمنية المرتبطة بالحرب الأوكرانية إلى الشرق الأوسط: تطرح البيئة الجيوسياسية الجديدة التي تهمين عليها التوترات بين روسيا والغرب فرص وتحديات لكل من تركيا وإسرائيل ودول الخليج، لا سيمَّا أن تبعات حالة عدم الاستقرار في أوروبا الشرقية مرشحة بقوة للانتقال إلى ملفات إقليمية تتداخل مصالح الأطراف الثلاثة بشأنها بما في ذلك الأزمة السورية والمفاوضات النووية الإيرانية، علاوة على أن معادلة توازن القوى العالمية الجديدة التي ستتشكل وفقًا لنتائج الحرب الحالية ستنعكس بالتبعية على المعادلة الأمنية القائمة في الشرق الأوسط التي رسمت الخطوط الدقيقة للتفاعلات بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة بالمنطقة، وهو ما يخلق سياق جيوسياسي، تشبهه بعض الدراسات، بالمشهد الإقليمي لما بعد عام 2003 عندما وظفت تركيا ودول الخليج أدوات وسياسات متنوعة لمواجهة التهديدات المشتركة الناجمة عن التحولات في ميزان القوى بالمنطقة. وبالتالي، فإن المخاوف المتبادلة والمصالح المتقاربة المرتبطة بالسياق الجيوسياسي الحالي دفعت الأطراف لإعادة تموضعهم إقليميًا ومحاولة صياغة معادلة أمنية جديدة تراعي التهديدات الناشئة لحماية مصالحهم ومناطق نفوذهم، وتمنحهم القدرة على توسيع هامش المناورة الدبلوماسية والاستراتيجية.

• فشل الدبلوماسية القسرية وتزايد العزلة الإقليمية: قاد الارتكان لعناصر القوة الخشنة تركيا إلى دفع أثمان باهظة، فخلال العقد الماضي انتقلت السياسة الخارجية من مبدأ “صفر مشاكل مع الجيران” إلى “صفر أصدقاء” وفقدت معها الدولة العمق الاستراتيجي في الشرق الأوسط الذي مثَّل جوهر تصور السياسة الخارجية الذي قدمه رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو؛ إذ انقطعت العلاقات المؤسسية والدبلوماسية مع الدول الرئيسية بالمنطقة لا سيمًّا مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل وسوريا، وباتت أنقرة رهينة لعزلة إقليمية وقدرة محدودة على المناورة بعدما بلغت دبلوماسيتها الخشنة حدها الأقصى رغم ما قد تكون قد حققته من منجزات لإحباط مهددات الأمن القومي من المنظور التركي، الأمر الذي أصبح ضروريًا معه العودة إلى النهج الدبلوماسي لتعزيز المكاسب المُحققة عسكريًا وحلحلة الجمود الذي أصاب علاقاتها بدول المنطقة وكان سببًا في منعها من لعب أدورًا إقليمية قيادية أو المشاركة في صياغة التوجهات الجديدة في الشرق الأوسط وشرق المتوسط بعدما افتقدت القبول العربي اللازم للقيام بأدوار قيادية.

والأكثر من ذلك، أن سياسة العسكرية المتزايدة دفعت خصومها لتشكيل جبهات مضادة فرضت قيودًا على مساحات الحركة التركية بالمنطقة، فقد  شكلت اليونان وقبرص تحالفًا جديدًا يرسم حقائق جديدة في المنطقة على حساب تركيا، ولا يكتسب التحالف دعمًا أمريكيًا أوروبيًا متزايدًا فحسب وإنما يجتذب اللاعبين الإقليميين المناهضين لتركيا؛ إذ عززت اليونان علاقاتها العسكرية والأمنية مع مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل وتُجري بشكل دوري مناورات عسكرية مشتركة مع هذه القوى، كما زودت القوات المسلحة اليونانية السعودية ببطاريات باتريوت في أعقاب القرار الأمريكي بسحب صواريخ باتريوت من البلاد. كذلك، يُنظر إلى اتفاقيات إبراهيم الموقعة بين إسرائيل ودول العربية على أنها تطويقًا لأنقرة حيث أبرزت إسرائيل كجهة عبر إقليمية تربط بين اثنين من أقاليم الشرق الأوسط الفرعية (الخليج وشرق المتوسط)، وهو ما دفعها لمراجعة حساباتها واتخاذ خطوات لإصلاح العلاقات مع الطرفين الإسرائيلي والخليجي لكسر الاصطفاف الجيوسياسي المناهض لها في شرق المتوسط وتقليص الميزة الجيوسياسية للتقارب مع إسرائيل.

• إعادة صياغة مقاربة السياسة الخارجية: يحمل إعادة الاصطفاف التركي في الشرق الأوسط بصمة السياسة الواقعية والعودة للنهج البراجماتي وتنحية الخلافات الأيديولوجية التي هيمنت على السياسة الخارجية طوال العقد الماضي، استجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية التي تفرض مغادرة حالة المواجهة والاستقطاب وترك السياسية الخارجية الاستباقية والتدخلات العسكرية، وتبني ترتيبات تعاونية تحكمها قاعدة تقبل الخلافات وإدارتها عبر مسارات للحوار بهدف للتوصل إلى بعض التفاهمات المتبادلة، وتحييد القضايا التي لا يُمكن التوصل إلى تفاق بشأنها، وتوسيع القواسم المشتركة، لاسيمَّا أن التنافس مع القوى الإقليمية بلغ أقصاه ولم يعد استمراره يخدم مصالحها.

• الاستجابة للحقائق الإقليمية الجديدة: تبرز قضايا سياسية وأمنية واقتصادية هامة تحفز الاتجاه التصالحي بين تركيا وخصومها الإقليمين. أولها، تعرض علاقاتها الثنائية مع واشنطن إلى هزة مع مجيء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على خلفية شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 وميلها الاستبدادي، بعكس حقبة دونالد ترامب التي تميزت بعلاقات شخصية وثيقة جمعته بأردوغان وشجعت الأخير على خوض مغامرات سياسية وعسكرية دون خوف من انتقام أمريكي. وثانيها، الاستعداد لما بات يُسمي “حقبة ما بعد الولايات المتحدة في الخليج” فبحسب الدراسات، يُشير الانسحاب الأمريكي المتعجل من أفغانستان والعودة القوية لحركة طالبان، وتصاعد التهديد الإيراني، وتعثر المشروع الأمريكي في العراق، بالتزامن مع معارضة المزاج العام الأمريكي للمغامرات الخارجية، ودخول العالم حقبة ما بعد الولايات المتحدة حيث تقلص التزاماتها الأمنية في الشرق الأوسط وتلتفت إلى التهديد الصيني والروسي الناشئين؛ إلى أن الخليج على أعتاب تحولات أمنية وعسكرية ربما ستكون الأضخم منذ عام 1971 عندما تولت الولايات المتحدة مسؤولية أمنه وحولته إلى خليج أمريكي بالمفهوم الاستراتيجي وبالتالي تطلع تركيا لملء الفراغ الناشئ عن التراجع الأمريكي.

وثالثها، رغبتها في احتواء النفوذ الإيران المتنامي في المنطقة مع اقتراب توقيع صفقة نووية جديدة بين الولايات المتحدة وإيران ستغير ميزان القوى الإقليمي مرة أخرى، لاسيمّا في ظل تصاعد مظاهر التنافس بين البلدين وتعمق الخلافات بشأن مستقبل سوريا والعراق وأذربيجان وأرمينيا وأفغانستان. ورابعها، إدراكها حقيقة بقاء النظام السوري وامتلاكه مصالح استراتيجية في تسويات ما بعد الحرب وبالأخص قضية إعادة الإعمار ومستقبل الشمال بما دفعه للتنسيق مع اللاعبين الإقليميين المنخرطين في الأزمة.

• التحولات في تصوراتها لطبيعة التهديدات: صاغت محاولة الانقلاب الفاشلة التركية في يوليو 2016 السرديات الرسمية لأنقرة بشأن طبيعة المهددات المحدقة بأمنها القومي، وشكلت مرحلة فارقة انتقلت فيها العلاقات مع القوى الإقليمية من نمط “التنافس المُدار” الذي حكم علاقاتهم منذ 2011 إلى مواجهة بالوكالة داخل مناطق الصراعات عبر تدعيم الأطراف المتعارضة لاسيمَّا في ليبيا وسوريا؛ إذ لم تخلُ الرواية الرسمية لأنقرة من توجيه اتهامات للأطراف الخليجية بالتورط في محاولة الانقلاب. وقد ساهمت البيئة المحلية في هذا التوجه للسياسة الخارجية حيث ساهم تحالف الشعب بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية في بروز السردية القومية التي تفترض أن تركيا محاطة بأعداء وخصوم غير جديرين بالثقة. وقد خلق هذا هواجس أمنية تُرجمت إلى سياسة خارجية أكثر عدوانيًا، وتوظيف عناصر القوة الصلبة، وتفضيل العمل الأحادي، والنظر للتفاعلات الإقليمية باعتبارها معادلة صفرية.

لكن الانهيار المتتابع لمشروع جماعة الإخوان السياسي في معظم دول المنطقة وتراجع قابليته للاستمرار حتى داخل دول كانت تُمثل معاقل تقليديه ذات ثقل له كتونس والمغرب، على خلفية قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021، وهزيمة حزب العدالة والتنمية المغربي خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة باقتناص 13 مقعدًا فقط مقارنة بـ 125 مقعدًا للدورة السابقة، أضعف البُعد الأيديولوجي للسياسة الخارجية التركية بعدما فشلت في تحقيق أهدافها التوسعية. علاوة على أن معظم صراعات الشرق الأوسط التي وظفتها لجني مكاسب سياسية آلت إما إلى الفشل (سوريا)، أو الجمود والانسداد سياسي (ليبيا). فضلًا عن أن توقيع اتفاق العُلا في يناير 2021 ساهم في تخفيف التوترات وخلق سياق إقليمي محفز لإنهاء المقاطعة الخليجية التركية؛ فخلال مؤتمر صحفي مشترك عُقد في ديسمبر 2021 أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أن قطر ساهمت في تحسين العلاقات بين تركيا ودول الخليج.

• تقليل العبء الاقتصادي للسياسة الخارجية: بات العامل الاقتصادي يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل السياسية الخارجية خلال الوقت الراهن في ظل رغبة أنقرة تقليل فاتورة التوترات الجيوسياسية وتبني سياسات تعود بالنفع على اقتصاداتهم؛ إذ تمر تركيا بواحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ أكثر من عقدين، فقد بلغ معدل التضخم 48.7% على أساس سنوي في يناير الماضي وهو أعلى رقم يسجل منذ أبريل 2002، وخسرت العملة الوطنية حوالي 48% من قيمتها في العام الماضي، وارتفع معدل الفقر إلى 12.2% عام 2021، والبطالة إلى 14%، كما ارتفعت نسبة الدين بما في ذلك نسبة القطاع الخاص الذي يشكل 65% من الاقتصاد. ومع الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في الأشهر الثمانية عشر المقبلة، سيكون للاقتصاد المتدهور آثار سلبية كبيرة على فرص حزب العدالة والتنمية وأردوغان في الفوز مثلما كان أحد عوامل خسارة الحزب للبلديات الكبرى خلال انتخابات 2019، لذلك، يحتاج أردوغان لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الشراكات التجارية وإيجاد مصادر جديدة للعملة الصعبة لتحسين الظروف الاقتصادية قبل الانتخابات، وهو ما يُمكن أن يوفره الشريكين السعودي والإماراتي.

تحديات مقلقة

رغم الخطوات التي أحرزتها تركيا تجاه بناء الثقة وتحسين العلاقات مع اللاعبين الإقليمين، لا تزال مصادر التوتر قائمة في ظل استمرار وجهات النظر المتعارضة بشأن بعض القضايا السياسية وتأثيرات البيئة المحلية، وهو ما نستعرضه تاليًا:

• استمرار تعارض المواقف الجيوسياسية: لا يتوقع بلوغ تطبيع سياسي كامل خارج مجالات التعاون الاقتصادي لاسيمَّا في ظل شكوك بشأن رغبة أردوغان جني مكاسب اقتصادية دون تقديم تنازلات سياسية، إذ تظل مساعي أنقرة لامتلاك قواعد عسكرية في ليبيا، وتوسيع نفوذها في القرن الأفريقي، وزيادة وجودها في البحر الأحمر، واستمرار المطالبة بحقوق استكشافية غير مشروعة في شرق المتوسط، تثير عدم الرضا العربي. كذلك، رغم تعمق الطابع التنافسي للعلاقات التركية الإيرانية، من غير المتصور اشتراك تركيا في تحالف مناهض وموازن لإيران بشكل كامل مثلما يرغب شركائها الإسرائيليون أو الخليجيون، فتقاطع المصالح بين الدولتين داخل العديد من ساحات الصراعات يفرض عليهما إدارة تناقضاتهما المصلحية بشكل يمنع تطورها إلى مواجهة مباشرة. أيضًا لا يتوقع انضمام تركيا إلى معركة إسرائيل ضد الاتفاق النووي، حيث تراه ضروريًا لوضع حد لبرنامج طهران النووي وضمان عدم تطويرها لسلاح نووي؛ فخلال زيارته إلى طهران في نوفمبر، تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن المحادثات الجارية حول خارطة طريق لتعاون طويل الأمد وشامل بين البلدين، معربًا عن دعمه للتوصل لاتفاق نووي.

• انخفاض فرص بعض مشاريع التكامل الإقليمي:  رغم أن تراجع الولايات المتحدة عن دعم خط أنابيب “إيست ميد”​قوض حدة الصراع الجيوسياسي المتصل به، إلا أن مشروع خط الأنابيب البديل الذي تقترحه تركيا كبديل لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا يواجه عقبات جيوسياسية واقتصادية؛ إذ يُمكن له أن يُمر وفقًا لمسارين؛ الأول عبر المياه الاقتصادية لقبرص، والثاني عبر المياه الاقتصادية للبنان ثم سوريا وصولًا إلى تركيا، وكلاهما يصعب اتخاذه ممرًا لخط الغاز المقترح خلال الوقت الراهن، فالأول لن تسمح به نيقوسيا نظرًا للخلافات التركية القبرصية بشأن اخصاصهما البحري وحقوق الطاقة في شرق المتوسط، والثاني سيواجه معارضة لبنانية سورية لاعتبارات الخلافات السياسية والحدودية البحرية بين إسرائيل ولبنان، والمعارضة الروسية لمرور غاز الشرق الأوسط إلى أوروبا عبر سوريا لا سيمَّا أن هذا الملف يُشكل محددًا رئيسًا للانخراط الروسي في الأزمة السورية. علاوة على ذلك، تظل تكلفة الخط المقترح مرتفعة وغير مُجدية بالنظر إلى هدف الاتحاد الأوروبي تقليل حصة الغاز في مزيج الطاقة بنسبة 25% بحلول عام 2030 والقضاء عليه بحلول عام 2050، وهو ما يجعل توريد الغاز المسال خيارًا أكثر عملية من خطوط الأنابيب الدائمة.

• أدلجة مؤسسات السياسة الخارجية والأمن: أصبحت كل من وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية التركية غير مهنية، فوزارة الخارجية التي ضمت عشرات المهنيين متعددي اللغات وذوي المهارات الدبلوماسية العالية، تم الاستيلاء عليها تدريجيًا من قبل أعضاء حزب العدالة والتنمية غير المؤهلين الذين يتمتعون بخبرة قليلة أو معدومة في السياسة الخارجية؛ فخلال نقاش برلماني حول وضع المؤسسة في نوفمبر، قال نائب حزب الشعب الجمهوري أوتكو جاكروزر، إن مقاعد السفراء تحولت إلى مشاريع تقاعد لنواب حزب العدالة والتنمية والبيروقراطيين في القصر. وقاد هذا الاستبعاد إلى أقصاء معظم المسؤولين ذوي الخبرة الذين أداروا العلاقات مع إسرائيل والخليج خلال فترة الازدهار قبل أحداث “الربيع العربي”، مقابل هيمنة التوجهات الأيديولوجية والقومية على المؤسسة، وبالتالي فإن العلاقات مع الدول الخليجية وإسرائيل لا تجد تحمسًا وتعاطفًا كبيرًا بين النخبة السياسية والأمنية، التي لطالما اتهمت الإمارات – على سبيل المثال – بانتهاج سياسات خبيثة ضد أنقرة، وبثت وسائل الإعلام الموالية للحكومة تغطية سلبية لسياستها الإقليمية، مما خلق اتجاهات مناهضة لأبوظبي بين الأوساط التركية المحافظة. بعكس العلاقات مع قطر – على سبيل المثال – التي تحظي بدعم مؤسسات السياسة الخارجية والأمن وتحظي بنظرة إيجابية داخل الدوائر المحافظة.

ختامًا، تشير التحركات الدبلوماسية إلى تزايد الإدراك لطبيعة وخطورة التداعيات الأمنية لإعادة تشكل السياقات الإقليمية والدولية الأمر الذي يجعل معه تكاليف الصراع والمنافسة مرتفعة للغاية ويفرض ضرورات التكيف مع هذه التحولات واستكشاف الفرص التعاونية التي توفرها. ومع ذلك، لا يعني النهج التصالحي انقضاء الخلافات الأيديولوجية والتباينات الجيوسياسية بين الأطراف الإقليمية ولكن يعني تنحيتها جانبًا وتغليب النهج العقلاني الواقعي، وبالتالي لا يُمكن اعتبار الخطوات المذكورة عودة كاملة لسياسة “صفر مشاكل” وإنما محاولة لتخفيف حدة الصراعات وحلحلة الجمود، ويتطلب استمرارها تحرك أطرافها على حبل مشدود وإبداء درجة من المرونة والتقبل لطبيعة المصالح المتعارضة، ولعل الأسابيع والأشهر المقبلة كفيلة لاختبار طابع التقارب أهو استراتيجي أم مجرد تخفيف تكتيكي لمظاهر العداوة استجابة للتحديات الناشئة فيما تظل فرص استثارة الخلافات قائمة.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18816/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M