إفقار الفقراء

محمد عبد الجبار الشبوط

 

انا من القائلين بان الدولة العراقية فاشلة على مدى عمرها البالغ ١٠٠ سنة حتى الان. ومعياري في هذا الحكم القاسي هو فكرة الدولة الحضارية الحديثة، وكنا نتمنى ان نتجاوز هذا الفشل بعد اسقاط النظام الدكتاتوري المتخلف في عام ٢٠٠٣، وهذا ما لم يحصل بسبب “عيوب التأسيس” التي اخذت بالتراكم منذ تشكيل مجلس الحكم في ذلك العام.

وايضا كنا نتمنى ان يتم اصلاح الخطأ بعد خروج المواطنين الفعالين الى الشارع طلبا للاصلاح، وهو الامر الذي دعمته المرجعية الدينية في حينها. وهذا امر لم يحصل ايضا بسبب تسليم مقاليد الحكم الى اشخاص ينتمون الى “العلمانية الشعبوية” الشبيهة بالفئات التي تولت الحكم في الولايات المتحدة وبريطانيا وهنغاريا.

الاخطر من ذلك اننا نشهد الان توجيه اخطر ضربة الى الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة في المجتمع العراقي بشكل لم تتعرضا له منذ استيلاء حزب البعث على الحكم في العراق عام ١٩٦٨ والذي تسببت مغامراته الخارجية وتعنته الدولي الى فرض العقوبات الاقتصادية (الحصار الاقتصادي) على العراق.

نعرف جميعا ان العراق يعاني من صعوبات مالية واقتصادية متراكمة (بسبب عيوب التأسيس الاقتصادية) منذ التحول الى الاقتصاد الريعي وحيد المورد، وكنا نأمل ان يتم معالجة هذا ضمن طرحنا لفكرة الدولة الحضارية الحديثة، لكن هذه الصعوبات انفجرت مؤخرا بسبب الانخفاض الحاد في سعر النفط والذي ضرب بالصميم الحسابات المالية للدولة.

وكنا نأمل ان تلتفت حكومة الكاظمي التي جاءت الى السلطة على وقع هتافات التظاهرات الاحتجاجية في عام ٢٠١٩ الى هذه المشكلة بعقلية اقتصادية علمية، وتقدم الحلول الناجعة لمعالجتها التي قدمها الكثير من الأكاديميين المختصين والاقتصاديين ورجال الاعمال الوطنيين، لكنها بدل ذلك اقدمت على ما لم تجرؤ اية حكومة عراقية سابقة على اتخاذه، وهو تحميل المواطنين، وفي مقدمتهم موظفو الدولة الذين يشكلون العمود الفقري للطبقة الوسطى، مسؤولية الصعوبات المالية، وذلك باستخدام سيف ذي حدين، تمثل حده الاول بتغيير سعر صرف الدولار، وتمثل حده الثاني في حزمة الخصومات التي طالت رواتب الموظفين. وقدابتعدت الحكومة بذلك عن الحلول العملية السليمة للمشكلة والتي تستهدف تحقيق تغييرات جوهرية في الاقتصاد العراقي بدون اضعاف الطبقة الوسطى وزيادة فقر الطبقة الفقيرة.

لن اعيد هنا سرد المقترحات والافكار الاقتصادية السديدة التي قدمت في الفترة السابقة، لانه لا جدوى من ذلك بوجود حكومة “العلمانية الشعبوية”، فقد ثبت لدينا ان هذه الحكومة لا تستمع الى صوت العقل ولا الى مقترحات العلم الاقتصادي ولا الى خبرة المشتغلين في الحياة الاقتصادية.

ولكني اريد التأكيد هنا على ان اجراءات الحكومة الاخيرة سوف تؤدي في المحصلة الاخيرة الى اضعاف القدرة الشرائية للمواطنين، مترافقة مع الارتفاع الجنوني للاسعار، ما يعني اصابة الحالة الاقتصادية بالشلل، وبالتالي ايقاف كل محاولات تصحيح عيوب التأسيس السياسية والاقتصادية، القديمة والجديدة.

ما اريد ان اقوله هنا ان حكومة الكاظمي لم تعد تتمتع باي شكل من اشكال الشرعية. ففي البدء كانت شرعيتها مثلومة بسبب الطريقة الغامضة والملتوية التي تم فيها تكليف الكاظمي ثم نيل “الثقة” في البرلمان، بعيدا عن مفهوم الكتلة النيابية الاكثر عددا، والتي لم يعد لها وجود في البرلمان. وها هي الان تفقد شرعية الانجاز بعد ان اكدت اللجنة البرلمانية المختصة بمتابعة البرنامج الحكومي ان الحكومة فشلت في انجاز الجزء الاكبر من وعودها.

ازاء هذا الوضع الحساس فان خارطة الطريق العاجلة تتضمن بندين اساسيين هما:

اولا، التراجع عن اجراءات الحكومة المالية الاخيرة بما في ذلك سعر الصرف وماورد في مشروع قانون موازنة عام ٢٠٢١.

ثانيا، التحرك على اقالة الحكومة من خلال تفعيل المادة ٦١ من الدستور والتي تنص على ان “لمجلس النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) اعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء” والقرار بالأغلبية المطلقة.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/25593

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M