اجتماع أوبك بلس: خفض قد يضع التحالف في مواجهة واشنطن

د. أحمد سلطان

 

تحققت مقولة إن وزراء تحالف أوبك بلس لن يأتوا إلى فيينا لأول مرة منذ عامين حتى لا يفعلوا شيئًا أو من أجل خفض رمزي، وتكرر مشهد اجتماع عام ٢٠٢٠ الذي اتفق فيه التحالف على تخفيضات قياسية في الإمدادات بلغت نحو عشرة ملايين برميل يوميًا أو ما يعادل حوالي ١٠٪ من الإمدادات العالمية في الوقت الذي ضربت فيه جائحة كورونا الطلب على النفط الخام.

فقررت أوبك بلس خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميًا (الفعلي حوالي مليون برميل من النفط الخام) وذلك خلال الاجتماع الذي انتهى في فينيا. ووفقًا للقرار، سيبدأ سريان الخفض بداية من نوفمبر المقبل، حتى ديسمبر من عام ٢٠٢٣، فيما يُعد أكبر خفض للإنتاج منذ تفشي جائحة كورونا. وجاء القرار على الرغم من الضغوط الأمريكية وغيرها من الدول المستهلكة لضخ المزيد من النفط الخام في أسواق تراها الغرب أنها تعاني بالفعل من نقص حاد في الإمدادات النفطية.

مؤشرات وعوامل أسهمت في القرار 

اتبع تحالف أوبك بلس سياسة تهدف إلى إبقاء ملايين براميل النفط تحت الأرض؛ وذلك لتجنب إغراق الأسواق بالنفط الخام والتي لم تكن قادرة على امتصاصه بسبب انهيار الطلب منذ مايو من عام ٢٠٢٠. ولكن الانخفاض النسبي الأخير في أسعار النفط وسط مخاوف من الركود، دفع أوبك بلس إلى ضرورة اتخاذ خطوات وإجراءات تهدف في المقام الأول إلى حماية عائداتهم النفطية؛ لإعادة بناء اقتصاداتهم التي تضررت كثيرًا من ضعف الطلب على النفط الخام وانهيار مستويات الأسعار النفطية مؤخرًا، ولذلك كان قرار الخفض متوقعًا وذلك طبقًا للمؤاشرات التالية:

● قرار الاتحاد الأوروبي بفرض سقف على أسعار النفط الروسي والمنتجات المكررة الروسية والذي جاء كخطوة استباقية لقرار التحالف المتوقع، وبكل تأكيد تعارض دول التحالف النفطي هذه الجهود لوضع سقف لأسعار النفط في السر والعلن.

● سعي التحالف إلى وقف انهيار الأسعار والمخاوف من الركود مع ارتفاع الدولار.

● سعي التحالف إلى مراقبة والسيطرة على حركة الأسواق النفطية من أجل ردع أي عمليات على المكشوف.

● سعي التحالف إلى ضمان إمدادات الطاقة بما يصب في صالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

● المخاوف من تآكل الطاقة الفائضة العالمية لزيادة إنتاج النفط الخام؛ إذ إنها منخفضة بشكل كبير في معظم دول التحالف، وذلك في حالة تقليص الصين من قيود جائحة كورونا وزادت من استهلاكها.

● مخاوف تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي كانت بالأساس وراء الارتفاع الجنوني الذي شهدته أسعار الخامات البترولية وليس أساسيات العرض والطلب بالسوق، إذ كان هناك ذعر بسبب التطورات الجيوسياسية في القارة الأوروبية والتوتر في مضيق تايوان بين بكين وواشنطن.

● الحاجة إلى تعزيز التوجيه طويل المدى لسوق النفط العالمية.

● التراجع الكبير في المخزونات العالمية من النفط الخام مع ضعف حجم الاستثمارات في مجال البحث والتنقيب عن النفط بسبب التغير الاستراتيجي في مستقبل وخريطة الطاقة؛ إذ إن الاستثمار في البحث والتنقيب واستخراج النفط الخام يأخذ فترة طويلة، وهذا يحتاج إلى سوق مضمونة وليس سوقًا تشهد الكثير من التقلبات اليومية.

تأثيرات متوقعة على أسواق النفط العالمية

بشكل عام، تُمثل أوبك حوالي ٤٠٪ من الإنتاج العالمي من النفط، ومع تحالف أوبك بلس يصل إلى حوالي ٦٥٪. ويستهلك العالم أكثر من حوالي ١٠٠ مليون برميل من النفط يوميًا، لذلك فإن قرار سحب مليوني برميل من السوق (بالإضافة إلى أن التحالف شهد الشهر الماضي عجزًا في الإنتاج بواقع حوالي ٣٬٥ مليون برميل، فبلغ إجمالي ما أنتجه التحالف نحو ٣٨ مليون برميل يوميًا الشهر الماضي، في حين كان المفترض إنتاج ما يتجاوز مستويات ٤٢ مليون برميل يوميًا) سيكون له تأثير ملحوظ.

لذلك عقب قرار التحالف بتخفيض مستويات الإنتاج، قفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع؛ تحسبًا للتخفيضات، بالإضافة إلى بيانات حكومية أمريكية أظهرت تراجع مخزونات الخام والوقود الأسبوع الماضي.

وقفز خام برنت القياسي العالمي أمس متخطيًا حاجز مستوى ٩٣ دولارًا للبرميل، وارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت حوالي ٢٬٠١ دولار أو ما يعادل حوالي ٢٬٢٪ إلى ٩٣٬٨١ دولار للبرميل، وبلغ خام برنت أعلى مستوى له في الجلسة عند حوالي ٩٣٬٩٦ دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ منتصف سبتمبر، وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي حوالي ١٬٧٨ دولار، أو حوالي ٢٬١٪، إلى حوالي ٨٨٬٣ دولار للبرميل، وبلغ حوالي ٨٨٬٤٢ دولار للبرميل خلال الجلسة وهو أعلى مستوى له منذ منتصف سبتمبر.

ومن هنا نستطيع تلخيص أهم الآثار المحتملة لقرار أوبك بلس على حركة أسواق النفط المقبلة نتيجة قرار الخفض الكبير في مستويات إنتاج التحالف في التالي:

● القرار سينعكس على دعم أسعار النفط وخلق حالة من التوازن بين العرض والطلب.

● السعودية والكويت والأمارات سيتم الاعتماد عليها لتحمل أكبر حجم من التخفيضات، لأنه ثبت التزامها بنسبة كبيرة خلال الأشهر السابقة.

● إمكانية ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى مستويات فوق ١٠٠ دولار للبرميل في نهاية العام، وفي حال دخول الحظر الأوروبي مرحلة التنفيذ الفعلي على النفط الروسي.

● قرار تحالف أوبك بلس سيؤدي بكل تأكيد إلى زيادة حالة التوتر بين دول التحالف وبالأخص روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

● واشنطن ستواجه المزيد من الضغوط عقب قرار التحالف، بالأخص مع توقعات بتخطي سعر برميل النفط مستويات ١١٥ دولارًا، مما سينعكس على أسعار الوقود والبنزين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي سيكون له تأثير على نتائج انتخابات التجديد النصفي المقبلة.

● التخفيضات الحقيقية ستكون بين مليون إلى حوالي ١٬١ مليون برميل يوميًا.

● القضاء على آمال الرئيس الأمريكي جو بايدن في حرمان روسيا من تحقيق عائدات نفطية؛ لأن القرار قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأسعار النفطية.

● في حال التنفيذ الفعلي لتحديد سقف لسعر النفط الروسي ومع بداية تنفيذ قرار أوبك بلس الشهر القادم بالإضافة إلى دخول الحظر الأوروبي للنفط والمنتجات الروسية، سينعكس على وضع واستقرار الأسواق النفطية.

ووفقًا لقرار التحالف وفي ضوء الأساسيات الحالية لسوق النفط العالمية، سيتم تعديل الحصص الإنتاجية من النفط لدول أوبك بلس بداية من شهر نوفمبرالمقبل، لتصبح كما موضح بالشكل التالي:

الموقف الأمريكي المحتمل

رغم ضغوط واشنطن منذ زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية والتي كانت من أحد أهدافها هو الضغط من أجل زيادة إنتاج النفط الخام، وبالرغم من الضغوط الأمريكية على منظمة الدول المصدرة للبترول قبل الاجتماع الرسمي حتى لا تمضي في قرار خفض الإنتاج تحت شعار أن أساسيات السوق لا تدعم الخفض في الوقت الحالي وضعف الإمدادات النفطية؛ جاء قرار تحالف أوبك بلس هو إجراء أكبر خفض لمستويات الإنتاج منذ بدء جائحة كورونا، ومن المؤكد أنه يثير غضب إدارة بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ولذلك أدان البيت الأبيض قرار التحالف، لأنه سيرتب ارتفاعًا في أسعار النفط والمنتجات البترولية، ومن ثم المزيد من ردود الفعل الغاضبة من المواطنين والسياسيين الأمريكيين على حد سواء.

ولذلك من الممكن أن تتخذ إدارة الرئيس الأمريكي إجراءات مضادة، حيث وصف البيت الأبيض تلك الخطوة (خفض إنتاج النفط) في مسودة أرسلها إلى وزارة الخزانة بأنها كارثة كاملة، وحذر من أنه يمكن اعتباره عملا عدائيًا، ومن الممكن تلخيصها في الخطوات التالية:

● عن طريق الإفراج والسحب عن المزيد من الكميات من المخزونات الاستراتيجية (سحب إضافي)، لأنه بسبب تدفق النفط من مخزونات الطوارئ للدول الأوروبية، تم إطلاق حوالي أكثر من  ١٨٠ مليون برميل على مستوى العالم منذ مارس الماضي، و٧٥٪ من ذلك (حوالي ١٣٤ مليون برميل من النفط الخام) جاء فقط من احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي، مما يعني أن طرح جزء من الاحتياطي الإستراتيجي للنفط هو خيار قائم.

ولكن هذه الاحتياطيات مخزونات استراتيجية تهدف إلى الاستجابة لاضطرابات الإمدادات الرئيسة خلال الكوارث الطبيعية كالأعاصير، وبالتالي فإنها ليست حلًا قويًا وسريعًا لضبط الأسواق النفطية على المدى القصير. وفي الواقع، قد يزيد انخفاض الاحتياطيات الاستراتيجية المخاوف بشأن انخفاض المخزونات التي توفر عادة حاجزًا أمام أي كوارث مستقبلية، ولذلك فإن محاولة طرح حوالي ١٠ ملايين برميل في السوق الشهر المقبل في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار ستكون مخاطرة كبيرة من قبل الإدارة الأمريكية.

دعا الرئيس بايدن شركات الطاقة الأمريكية إلى الاستمرار في خفض أسعار البنزين في المحطات، وذلك عن طريق سد الفجوة الكبيرة تاريخيًا بين أسعار البنزين بالجملة والتجزئة.

● عمليًا على أرض الواقع، لا تملك الإدارة الأمريكية سوى الاحتياطي الاستراتيجي النفطي والنفط الصخري كمصدرين وحيدين للتصدي لقرار خفض الإنتاج، فهي ليست في وضع قوي قد يسمح لها بخفض مستويات إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، لأن إنتاجها بشكل عام من النفط الصخري في انخفاض مستمر، بالإضافة إلى أنها لم تستطع رفع إنتاج النفط الصخري رغم ارتفاع أسعار النفط والطاقة في العالم لأن إنتاجه يتطلب المزيد من ضخ الاستثمارات الضخمة.

● الضغط بورقة قانون نوبيك الذي يعطي للمحاكم الأمريكية الحق في مقاضاة الشركات الوطنية التابعة لكل تلك الدول النفطية؛ بدعوى احتكار إنتاج النفط الخام، وعدم زيادة معدلات الإنتاج، وهو ما تسبب في رفع أسعار الطاقة على المواطن الأمريكي. ويدعي الموقعون على مشروع هذا القرار أن إقراره سيسمح للمدعي العام الأمريكي بمحاكمة شركات دول أوبك وأوبك بلس أمام المحاكم الفيدرالية الأمريكية، وهو ما يعني إلغاء الحصانة السيادية التي تتمتع بها الشركات الوطنية في الدول المنتجة للنفط.

ولكن هذه الخطوة التي شكك البيت الأبيض نفسه في مكاسبها على الاقتصاد الأمريكي تطرح مجموعة من الأسئلة منها: هل مشروع القرار هذا له أي صفة قانونية؟ وهل يتفق مع القانون الدولي وحق الدول السيادي في السيطرة والتصرف في مواردها الذي نص عليه قرار مجلس الأمن في ديسمبر من عام ١٩٥٢؟ ومن جهة أخري هل ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم يعود فقط لارتفاع أسعار النفط الخام والقادم فقط من دول التحالف النفطي أوبك بلس؟ بكل تأكيد لا.

لأن بشكل عام فإن واردات النفط الأمريكية من دول أوبك تُشكل حوالي فقط ١٧٪ من إجمالي واردات واشنطن النفطية والتي بلغت حوالي ٨٬٧ مليون برميل يوميًا في شهر يوليو الماضي. ولكن مثل كل الإدارات الأمريكية السابقة، وعلى مدى عدة شهور طويلة؛ ألقت إدارة بايدن اللوم والاتهامات على أوبك بلس، وحاول البيت الأبيض الضغط على السعودية والإمارات ودول أخرى في منظمة أوبك لضخ المزيد من النفط الخام.

توقعات الطلب على النفط

بشكل عام، حافظت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك على توقعاتها لنمو الطلب العالمي من النفط الخام دون تغيير في العامين الجاري والمقبل، وفقًا لما جاء في التقرير الشهري الصادر في منتصف سبتمبر الماضي؛ إذ أبقت على توقعاتها لنمو الطلب العالمي العام الحالي عند حوالي ٣ مليون برميل يوميًا، دون تغيير عن تقديرات شهر أغسطس الماضي.

ووفقًا للتقرير ذاته، فإنه من المرجح نمو الطلب العالمي على النفط بنحو حوالي ٢٬٧ مليون برميل يوميًا في العام المقبل، دون تغييرعن توقعات الشهر الماضي، مما يعني أن إجمالي حجم الاستهلاك العالمي من النفط قد يصل إلى حوالي ١٠٢٬٧ مليون برميل يوميًا في عام ٢٠٢٣؛ وذلك نتيجة توقعات أوبك لنمو الاقتصاد العالمي في العام المقبل، بالإضافة إلى احتمالية احتواء انتشار فيروس كورونا بالصين.

وصرحت أوبك بلس بأنه سيتم تعديل وتيرة الاجتماعات الشهرية للمجموعة لتصبح كل شهرين للجنة المراقبة الوزارية، في حين سيظل موعد انعقاد الاجتماع الوزاري لمنظمة أوبك وخارجها كما هو كل ٦ أشهر وفقًا لمؤتمر أوبك العادي المقرر، والموافقة على تمديد اتفاقية التعاون حتى نهاية عام ٢٠٢٣.

مجمل القول، مما لا شك فيه أن أعضاء التحالف يحتاجون إلى اتخاذ قرارات تهدف إلى حماية عائداتهم النفطية لإعادة بناء اقتصاداتهم التي تضررت كثيرًا من تدمير الطلب على النفط الخام وانهيار مستويات الأسعار النفطية، مما يعني أن دول التحالف النفطي أوبك بلس غير مسؤولة عن ارتفاعات مستويات الأسواق غير المسبوقة من قبل، وإنما هناك العديد من الأسباب التي أدت بشكل رئيس إلى زيادة أسعار الطاقة العالمية ومن أهمها: الأصرار الأمريكي على إبعاد النفط الروسي عن المشهد النفطي العالمي، وغياب التحول السلس إلى الطاقة النظيفة مما انعكس على ضعف حجم الاستثمارات في الوقود الأحفوري، وغياب الرؤية المعتدلة لاستمرار ضخ الاستثمارات في مصادر الطاقة الأحفورية.

وفى الأخير، إن قرار أوبك بلس بخفض الإنتاج ستكون له انعكاسات إيجابية على أسواق النفط العالمية، ولكن قد يزيد من الخلاف التاريخي بين أوبك وواشنطن مما سيكون له انعكاسات كبيرة على خريطة الطاقة العالمية، بالإضافة إلى رسم ملامح الصراع الروسي الأمريكي في الأراضي الأوكرانية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73343/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M