اجتماع أوبك بلس: ما تداعيات خفض مستويات الإنتاج على حركة الأسواق؟

 د. أحمد سلطان

 

شهدت صناعة النفط العالمية فترة مضطربة من التداول منذ أن أدت الحرب الروسية الأوكرانية في نهاية شهر فبراير الماضي إلى ارتفاع التدفقات التجارية، وألغاء أوبك بلس جميع تخفيضات الإنتاج والتي تم إجراؤها أثناء الوباء. ولكن المملكة العربية السعودية أعلنت أن التحالف قد يحتاج إلى تشديد الإنتاج وتلك التصريحات التي دعمها العديد من دول التحالف. ولذلك اتفق وزراء تحالف أوبك بلس خلال الاجتماع الذي عُقد في العاصمة السعودية الرياض أمس على خفض مستويات إنتاج النفط بمقدار حوالي ١٠٠ ألف برميل يوميًا في شهر أكتوبر المقبل، وذلك من أجل تحقيق توازن في الأسواق النفطية، وسط العديد من المخاوف من ضعف الطلب كنتيجة لتباطؤ اقتصادي عالمي محتمل.

وجاءت قرارات التحالف كالآتي:

  • إعادة التأكيد على قرار الاجتماع الوزاري العاشر لأوبك بلس، الذي عُقد في أبريل من عام ٢٠٢٠، والذي تم تأييده في الاجتماعات اللاحقة، بما في ذلك الاجتماع الوزاري التاسع عشر الذي عُقد في يوليو من عام ٢٠٢١.
  • إعادة مستوى إنتاج أوبك بلس، في شهر أكتوبر من العام الحالي، إلى مستوى الإنتاج في شهر أغسطس الماضي، وتأكيدًا بأن قرار الاجتماع الوزاري الحادي والثلاثين للمجموعة بزيادة مائة ألف برميل يوميًا في شهر سبتمبر الحالي كان لشهرٍ واحدٍ فقط.
  • الطلب من رئيس اللجنة الوزارية لأوبك بلس النظر في الدعوة لعقد اجتماع وزاري للمجموعة، في أي وقت، لمناقشة تطورات السوق متى ما كان هذا ضروريًا.
  • تكرار التأكيد على الأهمية القصوى للالتزام التام بالانضباط الكامل وبآلية التعويض، ووجوب تقديم خطط التعويض وفقًا لما جاء في بيان الاجتماع الوزاري الخامس عشر لأوبك بلس.
  • عقدُ الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثين لأوبك بلس في الخامس من أكتوبر المقبل.

دلالات ورسائل التحالف من خلال قرار التخفيض

على الرغم من أن مقدارالخفض متواضع، إلا أن التحالف يهدف إلى إرسال العديد من الرسائل من ورائه، ومنها: 

  • أن أوبك بلس عادت لمراقبة حركة الأسواق النفطية ومن أجل ردع أي عمليات على المكشوف.
  • أن التحالف لديه العديد من الوسائل والمرونة للتعامل مع التحديات التي تواجه صناعة النفط العالمية.
  • تأكيدًا على قوة الرياض في إقرار السياسات النفطية في صناعة النفط والطاقة.
  • السوق الفورية والآجلة أصبحتا منفصلتين عن بعضهما بشكلٍ كبير ومتزايد.
  • إمكانية تعامل التحالف والتدخل في أي وقت بخفض أو زيادة الإنتاج، وبطرق مختلفة لضمان استقرار الأسواق.
  • احتفاظ الاقتصادات المعتمدة على تصدير النفط بسعر متوازن للنفط، بصرف النظر عن قدرة التحمل على أساس متوسط تكاليف الإنتاج.
  • بداية الحظر النفطي على موسكو سيؤدي إلى أن الطلب العالمي على النفط الخام سيكون أعلى من الإمدادات في نهاية العام، مما سيتسبب في انخفاض المخزونات بمعدل نحو ٣٠٠ ألف برميل يوميًا.
  • هناك ضعف شديد في حجم الاستثمارات الموجه لصناعة النفط العالمية وتذبذب واضح في النفط، مما يعملان على تقليص أهم الوظائف الأساسية للسوق النفطي، وهي ضرورة الوصول بفاعلية إلى الأسعارالحقيقية والمقبولة، والتي تسهم في تكلفة مرتفعة وكبيرة في عاملي التحوط وإدارة المخاطر على المتعاملين في السوق الفوري للنفط.
  • أن الإمدادات النفطية لا تزال ضعيفة وفي ظل انخفاض إنتاج العديد من دول أوبك عن المعدل المستهدف والعقوبات الغربية والتي تهدد الصادرات الروسية من النفط ومشتقاته.
  • التحالف سيقوم بمراقبة الأوضاع العالمية والتي ستؤدي إلى تدخله وأهمها القضية الإيرانية ورفع العقوبات والعودة المحتملة للأسواق العالمية بشكل معلن.

توقعات فائض سوق النفط

من جهة أخرى، توقع تحالف أوبك بلس أن يبلغ حجم فائض سوق النفط خلال العام الحالي حوالي ٩٠٠ ألف برميل يوميًا، وذلك بزيادة قدرها حوالي ١٠٠ ألف برميل يوميًا عن توقعاته السابقة. وكشفت اللجنة الفنية المشتركة للتحالف في تقرير أصدرته في نهاية الشهر الماضي عن توقعاتها بأن تحقق سوق النفط العالمية فائضًا قدره حوالي ٣٬١ مليون برميل يوميًا في سبتمبر، وفقًا لسيناريو الحالة الأساسية (ضمن السيناريوهات المقترحة في الاجتماع السابقة وذلك بمقدار حوالي ٢٠٠ ألف برميل يوميًا، ليصل إلى حوالي ٨٠٠ ألف برميل يوميًا في المتوسط).

وأكدت أن الفائض سينخفض إلى حوالي ٦٠٠ ألف برميل يوميًا في أكتوبر، قبل أن يرتفع إلى حوالي ١٬٤ مليون برميل يوميًا في نوفمبر المقبل، حيث يتوقع التحالف وطبقًا لسيناريو الحالة الأساسية فائضًا قدره حوالي ٩٠٠ ألف برميل يوميًا خلال عام ٢٠٢٣.

ومن هنا يأتي السؤال هل التحالف أقبل على خطوة التخفيض لوجود طاقة إنتاجية كبيرة، ويمكن للسوق تفسير ذلك على أنه طاقة فائضة أكبر، وسوق أقل شحًا؟ بكل تأكيد لا؛ لأن عددًا قليلًا فقط من الدول البالغ عددها ٢٣ لديه قدرة إنتاجية فائضة، ومن المحتمل أن يكون لدى أكبر بلدين، أقل مما تشير إليه الأرقام المستخدمة في سياسة الإنتاج (الخفض أو الزيادة)، ولكن التحدي هو تغيير زخم السوق النفطية العالمية.

الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء طبقًا لقرار التخفيض

طبقًا لقرار التحالف أمس، وفي ضوء الأساسيات الحالية لسوق النفط العالمية؛ ستعود الحصص الإنتاجية من النفط لدول أوبك بلس في شهر أكتوبر المقبل إلى مستويات شهرأغسطس الماضي، فزيادة الإنتاج التي جاءت كنتيجة للاجتماع الماضي والتي كانت بمقدار ١٠٠ ألف برميل يوميًا كانت مخصصة لشهر سبتمبر فقط.

وكما هو موضح بالشكل التالي، سيبلغ إنتاج المملكة العربية السعودية حوالي ١١ مليون برميل يوميًا، بخفض قيمته حوالي ٢٦ ألف برميل يوميًا عن شهر سبتمبر. ويبلغ إنتاج العراق حوالي ٤٬٦٥١ مليون برميل يوميًا، بخفض قيمته حوالي ١٢ ألف برميل يوميًا عن الشهر الماضي. بالإضافة إلى انخفاض مستويات إنتاج دولة الإمارات العربية المتحدة بمقدار حوالي ٧ آلاف برميل يوميًا، ليسجل بذلك معدل حوالي ٣٬١ مليون برميل يوميًا في الشهر المقبل.

الآثار المحتملة لقرار خفض الإنتاج 

بشكل عام، أنهت أسعار النفط العالمية تعاملاتها الجمعة الماضية على ارتفاع طفيف، ولكنها شهدت خسائر تزيد على أكثر من ٧٪، حيث سجل خام برنت خلال الأسبوع الماضي انخفاضًا أكثر من ٦٪، بينما شهد خام غرب تكساس الوسيط خسارة حوالي ٦٬٦٪ خلال الأسبوع الحالي.

ولكن وبعد قرار التخفيض، عززت أسعار النفط مكاسبها بأكثر من ٣٬٥٪ خلال تعاملات أمس، وبدعم ملموس من قرار التخفيض، فارتفع سعر العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم شهر نوفمبر بنسبة حوالي ٣٬٥٤٪، ومسجلًا بذلك حوالي ٩٦٬٣ دولارًا لبرميل النفط، وارتفع سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط تسليم أكتوبر بنسبة ٣٬٢٪، حيث ارتفع إلى حوالي ٨٩٬٦٧ دولارًا للبرميل.

وطبقًا للمؤشرات السابقة ورسائل التحالف المباشرة، نستطيع تلخيص أهم الآثار المحتملة لقرار أوبك بلس على حركة أسواق النفط المقبلة في التالي:

  • سيعمل قرار خفض مستويات الإنتاج على دعم أسعار النفط خلال الفترة المقبلة وحدوث حالة من عدم الاستقرار في السوق النفطية.
  • ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى مستويات أعلى من ١٣٠ دولارًا للبرميل في نهاية العام في حال دخول الحظر الأوروبي مرحلة التنفيذ الفعلي على النفط الروسي.
  • في حالة التوصل إلى اتفاق مع طهران وضخ المزيد من النفط إلى الأسواق، فإن التحالف سيعدل مستويات وحصص الإنتاج للحفاظ على الحد الأدنى للأسعار وهو مستوي ١٠٠ دولار للبرميل، يمكن للتحالف أن يقرر ما إذا كان بحاجة إلى إجراء تخفيضات، اعتمادًا على كمية النفط الإيراني الإضافي المتوقع تدفقها إلى السوق، وعلى طريقة تفاعل أسعار النفط مع الأخبار، فمن المتوقع أن تضيف طهران حوالي مليون برميل يوميًا للإمدادات العالمية بشكل معلن، وهو ما يساوي حوالي ١٪ من الطلب العالمي، إذا خُففت العقوبات الأمريكية على إيران، على الرغم من أن احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي بدت أكثر ضبابية.
  • فى حال ارتفاع الأسعار بشكل غير متوقع، فمن المتوقع أن يتحول إلى ورقة ضغط قوية على دول الاتحاد الأوروبي لمراجعة بند عقوبات النفط الأخيرة على قطاع النفط الروسي (الحزمة السادسة من العقوبات).
  • بصفة عامة تُمثل أوبك حوالي ٤٠٪ من الإنتاج العالمي من النفط، ومع تحالف أوبك بلس يصل إلى حوالي ٦٥٪، وهو ما يعني أن أوبك تحتاج إلى ضخ المزيد من النفط خلال الأعوام المقبلة، في حالة رغبة المجموعة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتحقيق مستويات مستقرة من الأسعار، وهو ما يبدو صعبًا مع وصول إنتاج أوبك إلى أقصى مستوياته، وسط نقص الاستثمار في تطوير قدرات جديدة لإنتاج النفط الخام.

مجمل القول، وسط دلالات وأحداث كبيرة تواجه الأسواق النفطية والتي تؤكد على أن الإمدادات لا تزال ضعيفة وفي ظل انخفاض إنتاج العديد من دول أوبك عن المعدل المستهدف، وبالإضافة إلى أن العقوبات الأوروبية والتي تهدد الصادرات الروسية من النفط والمشتقات البترولية؛ جاء قرار خفض مستويات إنتاج النفط لدول التحالف بمثابة مفاجأة لكثير من تجار النفط والذين توقعوا أن يُبقى التحالف على الإنتاج مستقرًا، وذلك مع ارتفاع أسعار النفط فوق ٩٠ دولارًا للبرميل.

ولكن القرار يُثبت نجاح التحالف النفطي الأقوى في العالم في إدارة الأسواق بصورة جيدة في كيفية التعامل مع العديد من التحديات والصعوبات؛ إذ واجه أوضاعًا أكثر تحديًا في الماضي، وخرج منها أكثر قوةً وتماسكًا من أي وقت مضى، وأن لديه من الالتزام والمرونة والوسائل ما يمكنه من التعامل مع هذه التحديات وإرشاد السوق. وفى الأخير بعد ٦ أعوام من ظهور تحالف أوبك بلس هل التقلبات الأخيرة والأزمة الروسية الأوكرانية والتي أثرت بالسلب في أساسيات أداء سوق النفط العالم بالفعل جعلت من التحالف قوة لا يُستهان بها وهل ستكون الاتفاقية الجديدة أكثر فاعلية في سوق النفط العالمية؟

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72733/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M