اقتصادات جنوب وشرق المتوسط بين التعافي ومواجهة تحديات جديدة

أسماء رفعت

 

شهد الاقتصاد العالمي تراجع معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2020 نتيجة توقف النشاط الاقتصادي، على الأقل جزئيًا، في مختلف الدول، ومع بدء انحسار موجات جائحة كورونا وتراجع معدلات الإصابة وانتشار اللقاحات خلال خريف عام 2021 عادت الحياة الاقتصادية مرة أخرى، ولكنها واجهت تحديات جديدة مثل عدم مواتية الأحوال المناخية في بعض الأقاليم، واضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار النفط والطاقة ومختلف المواد الأولية. وانعكس ذلك على السلع الوسيطة والنهائية بما أدى إلى توليد موجات تضخمية. ومع قرب تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا ومواجهته لتحديات جديدة، تُثار العديد من التساؤلات والمخاوف حول مستقبل الاقتصاد العالمي ومعدلات النمو المتوقعة خلال السنوات القادمة. وفي هذا الإطار، يتناول المقال استعراض آفاق النمو الاقتصادي المتوقعة عالميًا مع التركيز على اقتصادات جنوب وشرق البحر المتوسط من واقع أحدث التقارير الصادرة عن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة في الأقاليم المختلفة

أشار تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار إلى تقلص معدلات الناتج الاقتصادي في كافة الأنحاء بنسبة 2.4% في المتوسط خلال عام 2020. ومع بدء التعافي والانتعاش خلال عام 2021 ارتفع الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، وازدادت الصادرات، وعادت السياحة بين الدول، مما دفع معدلات النمو الاقتصادي إلى الارتفاع لتسجل 6.4% في المتوسط خلال النصف الأول من عام 2021. ومن جهة أخرى، فقد ترتب على ذلك الانتعاش ظهور تحديات جديدة، إذ أدت عودة النشاط الصناعي إلى ارتفاع الطلب على النفط والغاز الطبيعي، بما دفع أسعار الطاقة إلى أعلى، وانعكس ذلك على اختلال الميزان التجاري للدول المستورة للطاقة، كما أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى رفع عبء المعيشة بالنسبة للمواطنين، فتدخلت بعض الحكومات للتخفيف عن الأسر ذات الدخل المنخفض، بما أدى إلى ارتفاع العجز المالي بالدول. وبجانب ارتفاع أسعار الطاقة فقد أدت اضطرابات سلاسل التوريد، وانخفاض قيمة العملة في بعض الدول، إلى ارتفاع معدلات التضخم، وزادت حدة الضغوط التضخمية في الدول ذات أسواق العمل الضيقة؛ حيث ارتفع الطلب على بعض الوظائف الحرفية ومنخفضة المهارات، فارتفعت الأجور ومن ثم مستويات التضخم، الأمر الذي دفع عددًا من البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة بما انعكس سلبيًا على معدلات الاستثمار ومن ثم النمو الاقتصادي. وبصفة عامة، فقد أدت التحديات الجديدة التي تواجه الاقتصاد العالمي إلى تحجيم معدلات النمو المتوقعة لتقدر بنحو 5.5% في 2021، و3.8% خلال عام 2022 في مناطق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار.

آفاق نموّ اقتصادات جنوب وشرق المتوسط

أظهرت تقديرات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار أنه من المتوقع نمو معدل الناتج في منطقة جنوب وشرق المتوسط بنسبة 4.2% عام 2021، وبنحو 4.4% عام 2022، وقد تم إرجاع ذلك إلى نمو الاقتصاد المصري خاصة خلال الربع الثاني من عام 2021. وقد قاد قطاع الزراعة والاتصالات عملية التعافي الاقتصادي في تلك الدول، بالإضافة إلى التحسن النسبي في قطاع السياحة والصادرات. ويلاحظ أن توقعات النمو المستقبلية في منطقة البحر المتوسط تعتمد بدرجة كبيرة على أوضاع الاقتصاد العالمي، ومدى تقدم خطط توزيع اللقاحات، ومواجهة التحديات الداخلية التي تواجه تلك المنطقة من زعزعة الاستقرار السياسي في بعض الدول، وتطوير بيئة الأعمال لزيادة المنافسة وجذب الاستثمارات، ومواجهة الفساد، وتطبيق معايير الحوكمة، وتطبيق آليات التحول الرقمي، وتعزيز الاندماج الاقتصادي.

آفاق نموّ اقتصادات جنوب وشرق المتوسط

وقد أوضح التقرير انتعاش الاقتصاد الأردني خلال الربع الثاني من عام 2021، الأمر الذي انعكس على معدل نمو الاقتصاد خلال النصف الأول من العام رغم تباطؤ النشاط الاقتصادي في بداية العام، وقد تم إرجاع ذلك الانتعاش إلى قطاعات التمويل والتجارة والتصنيع والتعدين، بما عوّض جزئيًا تراجع قطاع السياحة، فوصل معدل النمو الاقتصادي إلى 1.8% خلال النصف الأول من عام 2021. ومن المتوقع أن يسجل النمو الاقتصادي الأردني 1.5% عام 2021، نتيجة استمرار القيود المفروضة على انتقالات الأفراد والبضائع جزئيًا، ثم يرتفع إلى 2.2% عام 2022 مع إعادة انتعاش قطاع السياحة وعودة حركة التجارة. أما عن التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني فتتمثل في تراجع تنافسية الصادرات نتيجة ارتفاع سعر الصرف، وعدم الاستقرار الإقليمي، وتباطؤ معدلات نمو الشركاء الاقتصاديين.

وعلى صعيد الاقتصاد اللبناني، فقد شهد تراجعًا حادًا خلال عام 2020 وصل إلى 25%، ومع تأخر تشكيل الحكومة والتأخر في اتخاذ بعض القرارات الهامة، فقد أدى ذلك إلى تدهور سعر الصرف، وتراجع إمدادات السلع الأساسية للمواطنين، بما في ذلك إمدادات الطاقة من الكهرباء والوقود، بما دفع معدل التضخم إلى الارتفاع بدرجة كبيرة فوصل إلى 137.8% في أغسطس 2021. ومن المتوقع استمرار الانكماش الاقتصادي بنسبة 10% خلال عام 2021، على أن ينمو بنسبة 3% عام 2022 على أقصى تقدير في حال نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل.

أما بالنسبة للاقتصاد المغربي، فقد شهد تراجعًا بنسبة 6.3% خلال عام 2020، ثم بدأ التعافي الاقتصادي خلال النصف الأول من عام 2021 مدفوعًا بنمو القطاع الزراعي نتيجة ارتفاع معدل هطول الأمطار، كما انتعش قطاع التصنيع والتجارة، في حين استمر تباطؤ قطاعي النقل والسياحة. ومع بدء التعافي النشاط الاقتصادي وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية تسارع معدل التضخم، إلا أنه ظل منخفضًا فلم يتجاوز نسبة 1% خلال الفترة (يناير – أغسطس) 2021. ويتوقع أن ينمو اقتصاد المغرب بنسبة 5% خلال عام 2021، و3.2% عام 2022، وقد جاء من بين العوامل التي ساعدت على رفع توقعات النمو خلال عام 2021 التوسع في عملية نشر وتوزيع اللقاحات والذي ترتب عليه إعادة فتح الاقتصاد بشكل أسرع نسبيًا، وانتعاش قطاع الزراعة، والتحسن النسبي في الاقتصاد الأوروبي والذي يُعتبر من أهم الشركاء الاقتصادين للمغرب، بالإضافة إلى تعزيز صادرات السيارات والفوسفات. وعلى الجانب الآخر، فبخلاف ظروف عدم اليقين بشأن مستجدات فيروس كورونا، هناك عدد من التحديات الداخلية التي واجهت مسيرة النمو الاقتصادي خلال عام 2020 وتتمثل في: الحاجة إلى إصلاحات هيكلية لتسريع النمو الاقتصادي على المدى المتوسط، وكذلك ضرورة دعم ومساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة لتعزيز إمكانيات نموها وانعكاس ذلك على الإنتاج والتشغيل ومن ثم النمو الاقتصادي بشكل عام.

وبالنسبة للاقتصاد التونسي، فقد استمر الانكماش الاقتصادي حتى الربع الأول من عام 2021، ثم بدء التعافي في الربع الثاني من 2021 حيث سجل معدل النمو الاقتصادي 16.2% مدفوعًا بالانتعاش في قطاع الصناعة ونمو الصادرات، وقد سجل معدل التضخم 5.5% خلال الثلاثة أرباع الأولى من 2021 نتيجة نمو أسعار المواد الغذائية وخفض الدعم. أما عن توقعات النمو المستقبلية فيتوقع أن يسجل النمو الاقتصادي معدل نمو 2.5% خلال عام 2021، و3.3% عام 2020، إلا أن توقعات النمو تتوقف على وتيرة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وإدارة ملف الشركات المملوكة للدولة، والتي تعثرت نسبيًا نتيجة عدم الوصول إلى إجماع سياسي بشأنها، كما يتوقع تعثر تعافي النمو في ظل استمرار تأثر قطاع السياحة بتداعيات جائحة كورونا، وانخفاض إمكانيات مساهمة القطاع العام في النمو الاقتصادي.

ومن جهة أخرى، يأتي الاقتصاد التركي كواحد من الاقتصادات القليلة التي حققت معدل نمو اقتصادي إيجابي خلال عام 2020، واستمر النمو الاقتصادي مرتفعًا خلال النصف الأول من عام 2021 مدفوعًا بمعدلات الطلب المحلي والخارجي المرتفع، كما تقلص عجز الميزان الجاري تدريجيًا من 36 مليار دولار في فبراير 2021 إلى 23 مليار دولار في أغسطس 2021 نتيجة عودة حركة السياحة وانتعاش الصادرات، ومن المتوقع استمرار تقلص العجز الجاري حتى نهاية عام 2021. أما بالنسبة للسياسة النقدية فتواجه عددًا من التحديات، تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع صافي الاحتياطي الأجنبي، ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى اتسام السياسة النقدية بعدم الشفافية وتراجع المصداقية في قرارات البنك المركزي، الأمر الذي من شأنه التأثير على قرارات ومعدل الاستثمار. أما عن معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة فتقدر بنسبة 9% خلال عام 2021، و3.5% عام 2022، على أن تقود الصادرات النمو الاقتصادي. ومن جهة التحديات، فتتمثل في تراجع معدل الطلب الداخلي نتيجة تأثر الوضع المالي للقطاع العائلي خلال فترات الإغلاق، كما يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى تزايد تحديات الاقتصاد التركي في ظل كون تركيا مستوردة للطاقة، بالإضافة إلى مخاطر السياسة النقدية، والتطورات الجيوسياسية غير المواتية المحتملة.

وفيما يتعلق بالاقتصاد المصري، فقد شهدت السنة المالية 2020/2021 تباطؤ معدل النمو الاقتصادي في مصر؛ إذ سجل 3.3% مقارنة بنحو 3.6% خلال العام المالي السابق. وقد تحسن النشاط الاقتصادي في بعض القطاعات مثل: تجارة الجملة والتجزئة، والتشييد والبناء، والزراعة، والاتصالات، في حين تراجع النشاط الاقتصادي في قطاعات الصناعة والسياحة. ومن المتوقع وفقًا للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى 4.9% خلال العام المالي 2021/2022، نتيجة انتعاش قطاع الاتصالات وارتفاع معدلات الاستهلاك الخاص، وعودة الاستثمار الأجنبي المباشر. أما عن معدل التضخم فقد سجل 4.5% خلال 2020/2021 بما يعد أقل من مستهدفات البنك المركزي التي تتراوح بين 5-9%، وبدءًا من يوليو 2021 ارتفع معدل التضخم إلى 5.9% مدفوعًا بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.

وأخيرًا وليس آخرًا، فقد شهد النصف الأول من عام 2021 بدء تعافي وانتعاش مختلف الأقاليم والمناطق بدرجات متباينة، وقد خلّف ذلك الانتعاش بعض التحديات الاقتصادية الجديدة. ومع مواجهة الدول لتوابع التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، ظهرت سلالة جديدة من الفيروس في بعض الدول، وفي ظل الترابط والانفتاح الاقتصادي أدى إلى ضبابية الأوضاع الاقتصادية المتوقعة خلال المراحل المقبلة، ومن ثم يتوقع إعادة مراجعة كافة التقديرات المستقبلية لمعدلات النمو الاقتصادي في كافة الانحاء، ولا سيما المناطق التي تواجه تحديات داخلية سياسية واقتصادية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/17758/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M