بقلم : د. بن عائشة محمد الأمين – باحث في العلاقات الدولية
الأمن البيولوجي أو (Biosecurity)، له عدة معانٍ وتعاريف وُفق التخصص، منها أنها هي مجموعة من التدابير والأساليب الوقائية الرامية إلى الحد من مخاطر انتقال الأمراض المعدية في المحاصيل والثروات الحيوانية، والحشرات التي تم عزلها، والأنواع الغريبة الغازية، والكائنات الحية. ويُعتبر الأمن البيولوجي أكثر انشغالاً من السلامة البيولوجية بعملية الوصول إلى الكائنات المحتملة الخطر، مثل الفيروسات، أو التقنيات التي يمكن استخدامها في إنتاج الأسلحة البيولوجية أو وزعها عمداً. ويوجد منذ عام 1975 اتفاق دولي يحظر إنتاج الأسلحة البيولوجية أو تخزينها أو استعمالها. ولكن المعارف العلمية والخبرة التقنية التي جدت أو أخذت تظهر في علوم الحياة في السنوات الأخيرة، مع تناقص تكاليف هذه المعرفة وهذه الخبرة وازدياد إمكانية الوصول إليها قد زادت المخاوف فيما يتعلق بالأمن البيولوجي
ما المقصود بالأمن البيولوجي؟ الأمن البيولوجي هو نهج استراتيجي ومتكامل لتحليل وإدارة المخاطر المعنية المحدقة بحياة وصحة الإنسان والحيوان والنبات وما يرتبط بها من المخاطر المحدقة بالبيئة. وهو يستند إلى تمييز الصلات الحاسمة بين القطاعات واحتمـال انتقال الأخطار داخل القطاعات وبينها مع ما يترتب على ذلك من عواقب على نطاق النُظم. ومن شـأن اسـتعراض تكوين القدرات الوطنية فيما يتعلق بالأمن البيولوجي ككل أن يساعد على تحديد أية ثغرات في اللوائح وفـي عمليـة الرصد. ومن المرجح أيضاً، مع تطور التكنولوجيات الخاصة بكشف الآفات والأمراض، أن تنشأ جوانب تآزر بـين القطاعات في مجالات مثل علم الفيروسات أو كشف المستويات المنخفضة من الملوثات الكيميائية. والغاية المنـشودة في خاتمة المطاف هي تعزيز القدرة الوطنية على حماية صحة الإنسان ونُظم الإنتاج الزراعـي والنـاس ودوائـر الصناعة المعتمدة عليهم.
منذ الساعات الأولى لانتشار فيروس “كورونا” الجديد، بدأت نظرية المؤامرة في ترويج فرضيات بأن الفيروس ليس إلا فيروسا “مخلقا” في المختبرات كسلاح بيولوجي، إما ضد الصين من قبل دولة معادية لها مثل الولايات المتحدة أو مخلقا من قبل الصين لأغراض سياسية واقتصادي، وبالمقابل نشرت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية تقرير يعزز نظرية المؤامرة تلك، بذكرها إن فيروس “كورونا” “مخلق في مختبر عسكري في ”ووهان”، تديره الحكومة الصينية وتابع لمعهد ”ووهان” لعلم الفيروسات، وكان يبحث في استخدام الفيروس كـ”سلاح بيولوجي عسكري”.
الفيروس السياسي :
حتى المرض دخل عالم السياسة، فإعلان الصين أن أمريكيين نقلوا المرض إلى إحدى المدن الصينية هو اتهام بحد ذاته للولايات المتحدة بتصدير المرض. بدوره فإن الرئيس الأمريكي سمى الفيروس بـ”الفيروس الصيني” وحذا حذوه مارك بومبيو وزير الخارجية ،الاتهامان الأول والثاني مشكوك فيهما، فالمرض أصيب به مئات الآلاف من الأمريكيين، ومن الخطأ تسمية الفيروس باسم بلد معين، فالأمراض تصيب الأبيض والأسود وكل الأجناس.
اللافت للنظر أنه لم يتم تشكيل لجنة بحث عالمية من كافة الدول المتطورة تجعل من هدفها الوحيد، إيجاد علاج للمرض ولقاحٍ له، كورونا من بين أخطر الأوبئة في العالم ، ويقتضي جهدا علميا جماعيا لمقاومته، وقد حاول الرئيس ترامب شراء أبحاث شركة طبية ألمانية تبحث في علاج المرض، الذي أصبح وباءً عالميا سريع الانتشار، يشمل غالبية دول العالم في مختلف القارات، ووصلت الخشية منه حدّ الرعب، وكأن حربا عالمية ثالثة تدور! هناك خسارات بالتريليونات إذا ما جمعنا خسارات دول العالم مجتمعة، عدا عن الخسارة البشرية الكبيرة.
الملاحظ للمجهودات التي تقوم بها دولة الصين في القضاء على الفيروس وكيف أنها تسعى لاستغلال النجاح الذي حققته في محاصرته لتسجل انتصاراً سياسياً وإعلامياً على الولايات المتحدة وأوروبا، وإن فيروس كورونا كان في بداية انتشاره دعاية سلبية للحكومة الصينية، ولكن اليوم، وقد بدأ عدد الحالات يتناقص بحدة في الصين، ويتزايد في الولايات المتحدة وأوروبا، فقد قلبت بكين الصورة، حتى أصبحت الصين تعرض مساعدتها على العالم من أجل مواجهة الفيروس، فقد أرسلت الأسبوع الماضي، أطباء صينيين إلى إيطاليا ومعهم 31 طناً من المعدات الطبية، عندما كان الإيطاليون يشتكون من غياب الدعم من دول الاتحاد الأوروبي، هذا ما يتوجب أن يكون، وليس الاستغلال السياسي الدعائي للمرض، بغض النظر عن البلد التي ستتمكن من إنتاج العلاج واللقاح.
استغلال سياسي للكارثة:
من المعروف في السياسة أن تولي المناصب السامية و الهامة في الدولة لا يتم بطريقة واضحة و شفافة وإنما يتم عن طريق اللوبيات و أصحاب النفوذ بعد اجتماع يعرف باجتماع الكبار يتم فيه الاتفاق على تقاسم الدولة ، وهذا الاجتماع قد يكون مكون من أعضاء من داخل الدولة أو من أطراف أجنبية تتحكم في الدولة وبكل ما فيها.
وهؤلاء الكبار هم الذين يمتلكون الدولة والكل يعتبر نفسه الأقوى و يمتلك الدولة، فالكل يقول أنا الدولة و الدولة أنا، وبالتالي وجود دولة داخل دولة، هناك الدولة الرسمية التي يعرفها الجميع وهناك الدولة العميقة أو الدولة الخفية وهي الدولة التي تتحكم وتسير كل شيء فهي تتحكم في السياسة والاقتصاد و الإعلام…، باختصار فهم يتحكمون في البلاد و العباد.
وهناك صراع دائم بين الدولة العميقة و الدولة الرسمية يصل إلى درجة افتعال أزمات وطنية محلية من أجل امتلاك الدولة، وعلى سبيل المثال فا”لإرهاب” الذي عرفناه ما هو إلا نتيجة لاختلاف المصالح بين الدولة العميقة و الدولة الرسمية حيث حاولت الدولة العميقة إثبات وجودها ،فأنشأت “الإرهاب” و دعمته بقوة وأصبحت الدولة العميقة تقوم بتفجيرات ومجازر جماعية من أجل تنحية الدولة الرسمية وتخويف الشعب من جهة أخرى بالإضافة إلى عدة أسباب أخرى لا يمكن ذكرها.
فالدولة العميقة التي تتكون كما قلنا من أصحاب المال و النفوذ و اللوبيات المختلفة الداخلية و الخارجية تريد دائما الاستحواذ و الاحتكار في كل الميادين داخل الدولة، الدولة العميقة لديها من القوة ما يمكنها من البقاء والاستمرار بالرغم من الاختلافات الموجودة داخلها من أجل المصالح سواء كانت سياسية أو مالية ولذلك يبدأ كل طرف في تصفية حساباته بكل الطرق بما في ذلك القتل الذي هو شيء عادي وطبيعي في الدولة العميقة، فالتصفية الجسدية و القتل و تقطيع الرؤوس و الحرق ودفن الإنسان حي هو شيء عادي بالنسبة للدولة العميقة بالإضافة إلى العديد من الأساليب الأخرى.
إما الاستغلال السياسي للكارثة هو الأخطر، حيث سخر البعض من الكارثة واندهش البعض الآخر، ولكني لم أندهش فقد رأيته مشهدا من المشاهد المسرحية التي مرت بها خشبة المسرح السياسي الجزائري منذ الإستقلال المزعوم ، والمستهدف منها الاستخفاف بالشعب والمجتمع وتوقيف المؤامرات السياسية و تصفية الحسابات، والقضاء على العصابات الصغيرة بهدف السيطرة على دواليب الدولة والحكم ودون أي مقاومة، وهي سياسة متوقعة في الدول التي يحكمها كيانات ضعيفة وتافهة، لا تقوى على حكم شعوب واعية ثقيلة الثقافة والوعي، فتسعى لتدمير كيانها وذاتها ووعيها، بالإضافة إلى الإستفادة من الدعم المالي الذي تقدمه الهيئات العالمية في حالة الكوارث و الذي وصل إلى أكثر من 20 مليون دولار للدول التي لديها منظومة صحية ضعيفة مثل الجزائر.
لا ننكر أن المرض موجود وأن الفيروس ينتشر بسرعة لكن في الجزائر فيه تهويل إعلامي كبير جدا وبلبلة وتحليلات من أطباء، ألا يعلم هؤلاء النّاس أن الطب اختصاصات متعددة وكثيرة وليس كل طبيب يحق له أن يتكلم في علم الفيروسات والأوبئة، فكل طبيب يتكلم في تخصصه أو ليصمت ولا يتعدى حدوده العلمية ويناقش تخصص أكبر منه أتركوا الحديث لأهل الاختصاص.
حكوماتنا لا تواجه الأمراض والأوبئة بل تستغل جثث ضحاياها في تبرير وجودها ودعم الفساد الذي يحيط بها، وزيادة التهويل من الأوضاع و الكذب على الشعب من خلال أبواق التلفزيونات و الصحافة الصفراء الكاذبة، حيث انتشرت الأخبار الكاذبة و المغلوطة خصوصا في مدينة البليدة في مستشفى فرانز فانون كل شخص يتوفى يكتب على بطاقته ” توفي بسبب الكورونا” وهو كذب وافتراء نعم فيه حالات وفاة بهذا الفيروس لكن ليس كل من توفي في مدينة بسبب الكورونا فكما نعلم الموت واحد والأسباب متعددة.
إن تلك الثقافة لدى الساسة تتغلب على أي ادعاء أخلاقي تجاه الشعب يمكن أن يدّعوه يوماً، فالممارسة على الأرض والأحداث اليومية وأعداد الضحايا تؤكد اللامبالاة تجاه حياة الإنسان، فالمؤشرات أعلنتها المنظمات والناشطون منذ زمن كاف للتحرك اللازم لعمل إجراء وقائي، ويفترض أن المعلومات توفرت لدى السياسيين قبل حدوث الكارثة، وكان عليهم القيام بدور ولو بسيط، ككتابة منشور مناشدة، للمساهمة في الضغط للحد من الأضرار الكارثية المتوقعة، كالتزام أخلاقي وقيمي منهم، وبدون أي محاولة للإستفادة السياسية من هكذا قضايا، باعتبارهم شخصيات عامة يتوجب عليهم المساهمة في دعم قضايا المجتمع وعدم المتاجرة بها والاستفادة من ورائها. وبصفتهم أيضاً، الأكثر تأثيراً وقدرة على معرفة خبايا اللعبة السياسية، بل إن قرب بعض الشخصيات السياسية من مختلف الأطراف يؤهلها للعب دور إنساني.
إن الكوارث التي تبدأ في حصاد الأرواح لا ينبغي المزايدة بها، وليست مجالاً لتحقيق الانتصارات السياسية، وما يتوجب فعله هو التخلي عن أي أجندة سياسية، وإرخاء الحبل لعبور المرحلة والعمل على ايقاف تفاقم المشكلة، وإذا كانت الحساسية السياسية تقف حائلاً دون ذلك، فعلى الأقل يتوجب الضغط باتجاه تسليم الأمر إلى منظمات إنسانية وبإشراف أممي لتجنب حدوث انفجار وبائي هائل سيحصد مئات البشر، خاصة في ظل تدهور وتوقف 80% من المنظومة الصحية التي هي في الأصل لا تفي بالغرض في أوقات السلم الطبيعية.
رابط المصدر: