الأمن الغذائي العالمي في ظل جائحة كوفيد-19

 هشام المكري

 

مقــدمة:

يعتبر الأمن الغذائي هدفا استراتيجيا تسعى جميع دول المعمور إلى بلوغه لارتباطه بأمنها القومي- بالرغم من كونه يظل تحديا كبيرا بالنسبة للعديد منها- بحيث تقوم بإنتاج ما تستطيع إنتاجه أو باستيراد ما تحتاج إليه من سلع غذائية متأثرة في ذلك بعدة عوامل داخلية وخارجية.

وإذا كانت غالبية هذه الدول قد قامت بتغليب المصلحة الاقتصادية وبالتالي استبدال سياسة الاكتفاء الذاتي الكامل بالمبدأ العام للأمن الغذائي أو ما يمكن وصفه “بالأمن الغذائي بالتعاون مع الآخرين”، فإن البعض الأخر قام باعتماد مبدأ الاكتفاء الذاتي على الأقل فيما يتعلق بالسلع الأساسية وخاصة الحبوب بالرغم من انخفاض قيمتها في السوق في حالة السلم، بل ونجد بعضها من كبار المصدرين العالميين، علما أن العديد منها سبق وأن عانى من ويلات الحروب.

وأيا كان اختيار الدول فإن الهدف هو تحقيق الأمن الغذائي للشعوب، لذلك قام المجتمع الدولي باعتماد مجموعة من الآليات التي تساعد على تعزيز الأمن الغذائي العالمي وبناء القدرة على الصمود أثناء الأزمات وخاصة الأزمات الممتدة، وإن كانت هذه الأخيرة قد أبانت عن محدوديتها بسبب ظهور الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتفشي الجوع في عدة مناطق بالعالم. هذه المحدودية ساهمت في تدهور وضعية الأمن الغذائي مما تطلب من المجتمع الدولي مضاعفة الجهود لتعزيز هذه الآليات خاصة في ظل أزمة وباء كوفيد-19 (أو باستعمال المصطلح التقني “جائحة” كوفيد-19)، التي خلفت آثارا اقتصادية واجتماعية وخيمة وغير مسبوقة بالنسبة لجميع الدول، بسبب الترابط الكبير بين أجزاء العالم، هذا فضلا عن الآثار الأخرى التي لازالت مجهولة، والتي ستؤدي لا محالة إلى تفاقم هذه الوضعية.

إن هذا الموضوع يكتسي أهمية كبرى وذلك من جانبين: الأول يجد سنده في المكانة التي يحظى بها الأمن الغذائي في حد ذاته ودوره في تحقيق السلم والرفاه للشعوب على اختلاف الأزمنة والثاني يجد مبرره في أن أزمة كوفيد- 19هي اختبار حقيقي لصلابة ونجاعة الأمن الغذائي “بالتبادل” أو التعاون مع الآخرين.

من هذا المنطلق نطرح الإشكال التالي: ما مدى نجاعة وصلابة الأمن الغذائي العالمي في ظل أزمة جائحة كوفيد-19  ؟ وكيف يمكن تعزيزه؟

هذه الإشكالية تتفرع عنها بعض الأسئلة الفرعية من قبيل: ماهي وضعية الأمن الغذائي العالمي في ظل هذه الأزمة؟ وما هي طبيعة وحدود المجهودات الدولية للتصدي لانعدام الأمن الغذائي في ظل صعوبة هذه الظرفية؟ وهل كان التخلي عن مبدأ الاكتفاء الذاتي على الأقل فيما يتعلق بالسلع الأساسية بالرغم من تكلفته الاقتصادية خطأ استراتيجيا بالنسبة للدول التي تبنت مبدأ الأمن الغذائي “بالتبادل”؟ وما هي السبل الكفيلة بتعزيز الأمن الغذائي وبالتالي بناء القدرة على الصمود في مواجهة آثار هذه الأزمة؟ للإجابة عن هذه التساؤلات سيتم تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين كالتالي: الأول: وضعية الأمن الغذائي العالمي في ظل أزمة جائحة كوفيد-19؛ والثاني: السبل الكفيلة بتعزيز الأمن الغذائي العالمي في ظل أزمة جائحة كوفيد-19 .

المبحث الأول: وضعية الأمن الغذائي العالمي في ظل أزمة جائحة كوفيد-19

يتسم الأمن الغذائي العالمي بالتدهور والهشاشة ولعل ابرز مظاهر هذا التدهور ظهور الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار واستمرار تفشي الجوع بالرغم من الجهود المبذولة دوليا لتعزيزه (المطلب الأول)، كما أن وضعية الأمن الغذائي هذه أكيد ستتفاقم بسب التداعيات السلبية لجائحة كوفيد-19 الأمر الذي سيتطلب توحيد الجهود لتحسينها (المطلب الثاني).

المطلب الأول:  الأمن الغذائي العالمي ومظاهر هشاشته

أولا: مفهوم الأمن الغذائي والعوامل المؤثرة فيه

لقد شهدت العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية اهتماما كبيرا لدى الكثير من الدول، خاصة الدول الحديثة الاستقلال والنامية، بقضية الزراعة والغذاء بوجه عام والاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالغذاء بوجه خاص، حيث كانت الظروف السياسية والاقتصادية فضلا عن الطموحات الوطنية تبرز هذا التوجه وتحض عليه، وبتغير الظروف العالمية والإقليمية بدأ مفهوم أخر يجذب اهتماما أكبر وهو الأمن الغذائي وكثيرا ما يتداخل هذان المفهومان.

فمفهوم الاكتفاء الذاتي الكامل هو قدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس والموارد والإمكانيات الذاتية في إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا، وهو ما يعني الأمن الغذائي الذاتي دون حاجة إلى الآخرين، ويعتبر ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية حيث لا تحتاج الدولة إلى إنفاق أموال في الخارج هي في حاجة إليها في الداخل. هذه السياسة بالرغم من أهميتها، سرعان ما أثير بشأنها العديد من التساؤلات، على اعتبار أنها ليست في مصلحة معظم دول العالم من الوجهة الاقتصادية، خاصة في ظل محدودية الموارد الطبيعية والانفتاح التجاري العالمي وتطور تكنولوجيا التخزين للسلع، إلا أن الابتعاد عن سياسة الاكتفاء الذاتي الكامل أو الجزئي بالنسبة للسلع الأساسية أو على الأقل ضمان القدرة الكامنة على تحقيقه عند الحاجة، مخاطرة تعمل كل الدول على تفادي الوقوع فيها لارتباطها بأمنها القومي.

أما الأمن الغذائي فهو قدرة المجتمع على توفير احتياجات التغذية الأساسية لأفراد الشعب، وضمان حد أدنى من تلك الاحتياجات بانتظام، فالأمن الغذائي لا ينطوي بالضرورة على إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية أو حتى الجانب الأعظم منها محليا، بل ينطوي أساسا على توفير الموارد اللازمة لتوفير هذه الاحتياجات من خلال تصدير منتجات أخرى تتمتع في إنتاجها البلاد بميزة نسبية على البلاد الأخرى، وهذا المفهوم العام للأمن الغذائي يمكن وصفه “بالأمن الغذائي بالآخرين” وهو يتضمن ثلاث مكونات وهي الوفرة، والاستقرار، ثم إمكانية الحصول على هذه السلع.[1]

وحسب الإطار الشامل المحدث فإن الأمن الغذائي يتحقق “عندما تتوافر لجميع الناس، في كل الأوقات، الإمكانات المادية والاجتماعية والاقتصادية، للحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية للتمتع بحياة موفورة النشاط والصحة. وتتمثل الركائز الأربع للأمن

الغذائي في: توافر الأغذية، وإمكانات الحصـــــــول عليها، واســـــــتخدامها، واســـــــتقرار الإمدادات منها”.[2]

و تتأثر قضية الأمن الغذائي بمجموعة من العوامل الرئيسية والتي تجعل من التنمية الزراعية أمرا حيويا، وفي مقدمتها السكان ومعدلات الزيادة السكانية، مدى تلبية الزراعة الحالية لاحتياجات المجتمع، مدى التطور في مستوى المعيشة والظروف الدولية التي تؤثر في تحديد مدى أهمية الاعتماد على الذات أو مدى إمكانية الاعتماد على الآخرين في توفير الاحتياجات الغذائية ثم توافر الموارد الطبيعية الزراعية التي هي أساسا الأرض والماء، واللذان تستند إليهما الزراعة في كل مكان.

وقد عرفت هذه العوامل تغيرا في الآونة الأخيرة وخاصة الموارد الطبيعية الزراعية التي لم تعد متاحة، بل إن المستثمر منها بالنسبة للفرد أخذ في التآكل نتيجة لاستمرار الزيادة السكانية، والقلق على حالة البيئة اخذ في التصاعد.[3] الأمر الذي سيجعل من تكثيف الزراعة في المستقبل هو الحل الأمثل وسيكون امتلاك قدرات العلم والتكنولوجيا هو الفارق في هذه المسألة.

ثانيا: الآليات العالمية للأمن الغذائي

من أجل تحسين الأمن الغذائي وضمان توحيد جهود جل دول العالم لتحقيق هذا الهدف تم تبني مجموعة من الضوابط وأطر العمل وإحداث آليات للدعم والمواكبة في المجالات ذات الارتباط بالأمن الغذائي.

 1- أطر وضوابط العمل ذات الصلة بالأمن الغذائي:

سعيا منها لتحقيق هدف الأمن الغذائي لشعوبها انخرطت دول العالم في إعداد العديد من الأطر التي تقدم مبادئ واستراتيجيات لتجسيد التعاون فيما بينها لبلوغ هذه الغاية، هذه الأطر منها ما هو شامل كخطة عمل مؤتمر القمة العالمي للأغذية وإعلان روما بشأن الأمن الغذائي العالمي ومنها ما قد يكون له صلة بتحقيق هذه الغاية، إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030 وإستراتيجية مبادرة تعزيز التغذية للفترة 2016-2020: من الإلهام إلى التأثير وغيرها… ومنها ما يتصل اتصالا وثيقا بمسألة الأمن الغذائي ومنها: خطة التنمية المستدامة لعام 2030، مبادئ روما الخمسة بشأن الأمن الغذائي العالمي المستدام، المبادئ الخاصة بالاستثمارات المسؤولة في الزراعة ونظم الأغذية، إعلان المؤتمر الدولي الثاني المعني بالتغذية بروما، إطار العمل بشأن الأمن الغذائي والتغذية في ظل الأزمات الممتدة وغيرها….

ومن بين الأهداف والمبادئ التي تضمنتها هذه الأطر الأخيرة: القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي وجعل حقوق الإنسان الموجه لجميع الأنشطة المصممة لتحسين الأمن الغذائي، هذا إلى جانب تعزيز الزراعة المستدامة ووضع مبادئ لمعالجة جميع أنواع الاستثمارات في الزراعة ونظم الزراعة والإقرار بالمكانة التي تحتلها الأرض في مجال التنمية عبر تعزيز حماية حقوق الحيازة والحصول العادل على الأراضي، كما تم التنصيص أيضا على تعزيز التنسيق الاستراتيجي على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية لتحسين الحوكمة ووضع أسس للتعاون بين الجهات المانحة والبلدان النامية، مع تشجيع التعاون بين البلدان وداخلها بما في ذلك بين بلدان الشمال والجنوب وفيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي. وفيما يتعلق بالأزمات فقد تم الإقرار بتأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي وما تشكله النزاعات والأوبئة والأزمات الممتدة من عائق أمام الأمن الغذائي والتغذية، بل وتم وضع إطار خاص بالأزمات الممتدة لمعالجة التجليات الحرجة لانعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية، وبناء القدرة على الصمود في الأزمات الممتدة. [4]

2- الدعم والمواكبة في المجالات ذات الارتباط بالأمن الغذائي:

إن تحقيق الأهداف المرتبطة بالأمن الغذائي خاصة في الدول النامية والدول ذات الإمكانيات الضعيفة يتطلب مواكبة ودعما من بعض الهيئات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالأمن الغذائي، كما يتطلب اعتماد الشراكات والتعاون بين الدول سواء على المستوى الإقليمي أو الثنائي.

  • هيئات التنسيق ذات الصلة بالأمن الغذائي:

خلال العقود الخمسة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية ظهرت العديد من المؤسسات الدولية والإقليمية التي استهدفت تنسيق الجهود في مجال التنمية ومكافحة انعدام الأمن الغذائي في الدول التي تحتاج للدعم والمساعدة على حل مشاكلها الزراعية والارتقاء بالإنتاج بوجه عام بهدف تحقيق الأمن الغذائي.

ومن هذه المؤسسات ما له ارتباط مباشر بقضية الأمن الغذائي ونذكر منها منظمة الأغذية والزراعة، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، وهي هيئات تعمل في مجال مكافحة الجوع  وتقديم المساعدة في مجال التنمية، خفض الفقر في المناطق الريفية وزيادة معدلات الإنتاج وتحسين جودة المعيشة.[5] ومنها ما يؤثر بشكل غير مباشر على قضية الأمن الغذائي كمنظمة التجارة العالمية التي انضمت إليها منذ تأسيسها في يناير 1995 العديد من الدول بما فيها الدول النامية والفقيرة بالرغم من خوفها من تغول اقتصاديات المناطق الغنية والعالم الصناعي في أمريكا واليابان وأوروبا على حساب اقتصاداتها النامية العاجزة[6].

  • مجالات وأشكال التعاون ذات الصلة بالأمن الغذائي:

ترجع البدايات الأولى لهذا الدعم إلى عام 1943 عندما تم البدء في إنشاء منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة لهيئة الأمم المتحدة والتي عقدت أول مؤتمر لها عام 1945، حيث بدأت تظهر العديد من المؤسسات الدولية والإقليمية واتفاقيات التعاون الثنائية بين الدول والتي استهدفت مساعدة الدول النامية على حل مشاكلها الزراعية والارتقاء بالإنتاج بوجه عام،  وقد تركز هذا التعاون الدولي والإقليمي والثنائي في أربعة مجالات رئيسية وهي التمويل، التعاون الفني، التعاون في البحوث وتوليد ونقل التكنولوجيا ثم التدريب.

التمويل:

لقد جاء هذا التمويل في صور متعددة بعضها منح لا ترد والبعض الأخر قروض ميسرة سواء من حيث قيمة الفائدة أو مدة السداد، ويعتبر البنك الدولي من أكبر مصادر التمويل للمشروعات الزراعية في الدول النامية، فضلا عن العديد من المؤسسات المالية الأخرى، وتساهم الاتفاقيات الثنائية بجانب كبير من معونات التمويل. ومازالت العديد من الدول المتقدمة تفضل أن تقدم معوناتها في إطار الاتفاقيات الثنائية إذ يحقق لها هذا الأسلوب مصالحها الاقتصادية والسياسية وفي نفس الوقت يفيد الدول النامية.

الدعم الفني:

إن الحاجة إلى الدعم الفني تسبق في بعض الحالات الحاجة إلى التمويل، وتعتبر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أهم المنظمات الدولية التي توفر هذا العون للدول النامية هذا إلى جانب كل من برنامج الأمم المتحدة للتنمية وأيضا المنظمات الوطنية التابعة للدول المتقدمة  وذلك من خلال الاتفاقيات الثنائية، وأهمها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكذلك كندا وعلى مستوى أقل العديد من الدول الأوروبية واليابان. وتوجه هذه المعونة إلى الدول المرتبطة بالدول المانحة، نتيجة لظروف تاريخية أو مصالح سياسية أو اقتصادية، وإلى جانب هذه المؤسسات نجد بعض المنظمات الأخرى ولو بشكل محدود كمؤسسة روكفلر واوكسفام وغيرها.

البحوث الزراعية والتدريب:

أمام عدم كفاية التمويل والعجز على مواجهة مشاكل التنمية دون عون خارجي وأيضا أمام ما سببه نقص الكوادر البشرية المدربة، ظهرت الحاجة إلى إيجاد نظام للتعاون الدولي يكفل مساعدة المؤسسات البحثية الزراعية الوطنية وتنمية قدراتها البحثية في إطار التعاون المشترك لفائدة الجميع. وهكذا تبلورت الفكرة لإنشاء المعاهد البحثية الدولية مثل المعهد الدولي لبحوث الأرز الذي أنشئ في الفلبين عام 1960  وغيره من المعاهد.

كما أنه بالنظر إلى أهمية التدريب فقد تلقت العديد من الدول العون في هذا المجال بدءا من إتاحة الفرص لمواطني هذه الدول للدراسة في جامعات الدول المتقدمة في مجالات الزراعة والغذاء المختلفة، وانتهاء بتدريب الفنيين في المؤسسات التدريبية المتخصصة. وقد ساهمت المؤسسات الدولية في هذا الصدد ولكن ربما كانت المساهمة الأكبر من خلال اتفاقيات التعاون الثنائي بين الدول المتقدمة والدول النامية.[7]

مظاهر هشاشة الأمن الغذائي العالمي

بالرغم من أهمية المجهودات الدولية لتحقيق الأمن الغذائي سواء من خلال الأهداف الطموحة التي تضمنتها أطر وضوابط العمل وأيضا الالتزامات الملقاة على المتدخلين الرئيسين في مجال الأمن الغذائي والتغذية فإن ظهور الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار (أولا) وتفشي الجوع (ثانيا)، أبرز مدى هشاشة الأمن الغذائي العالمي ومحدودية آليات تحقيقه.

أولا: ظهور الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار

لقد أحدثت الأزمات الغذائية والاقتصادية آثارا عميقة على البلدان الصغيرة المعتمدة على الواردات وبخاصة في إفريقيا، والواقع أن بلدانا كثيرة في شتى أنحاء العالم لا تزال تعاني أزمات، لاسيما القرن الإفريقي.[8] فصدمة أسعار الفترة 2006 – 2008  أثرت بشكل كبير كما هي العادة على البلدان الفقيرة والمستوردة للغذاء أكثر من غيرها، فهذه البلدان لا تمتلك سوى القليل من الاحتياطات وليس لديها من موارد الميزانية ما يكفي لشراء الأغذية بأسعار مرتفعة، وهكذا ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية المحلية ارتفاعا كبيرا في تلك البلدان التي يقع معظمها في إفريقيا فازداد عدد ناقصي التغذية بنسبة 8% واضطرت إلى طلب مساعدات خارجية ومعونة غذائية، ومن هذه الدول بوركينافاسو وإثيوبيا.[9] كما أدت صدمة أسعار الغذاء خلال 2010 – 2011  إلى وقوع نحو مليون شخص أخر في براثن الفقر، وهبوط 68 مليون من مستهلكي المواد الغذائية أدنى خط الفقر.[10]

فارتفاع الأسعار، وتقلبها بشكل متكرر أ ثر بشكل كبير على هذه الدول مقارنة بالبلدان الكبرى، وأبان عن قصور الآليات العالمية للأمن الغذائي في بناء القدرة على الصمود  وفي حماية تلك الدول أثناء الأزمات الاقتصادية، حيث كانت سياسات التجارة  عاملا مهما في تحديد النتائج، فالبلدان الكبرى قد قامت باحتواء مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية عن طريق اتخاذ بعض التدابير  التي ليس في مقدور جميع البلدان القيام بها أهمها عزل أسواقها عن الأزمة من خلال سياسات التجارة  التقييدية، حيث فرضت بلدان كثيرة قيودا على الصادرات أو قلصت الحواجز أمام الواردات، وإطلاق المخزون العام وتقديم إعانات للمستهلكين[11].

ثانيا: تفشي الجوع

أبان استمرار تفشي الجوع في السنوات الأخيرة عن هشاشة الأمن الغذائي العالمي وعن قصور الجهود العالمية في هذا المجال، وتعتبر النزاعات المحرك الرئيسي لحالات الأزمات الغذائية الحادة والمجاعات في الآونة الأخيرة، فحسب تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لسنة 2017 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) فإن حالة الأمن الغذائي قد تدهورت بشكل واضح في أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق وغرب أسيا، وتعيش الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين يعانون بصورة مزمنة من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في البلدان المتأثرة بالنزاعات، ويقدر عددهم بحوالي 489 مليون شخص من أصل 815 مليون شخص يعانون من قصور التغذية كما أعلنت في بداية عام 2017 حالة المجاعة في السودان، وصدرت تحذيرات بشأن وجود خطر نشوء أوضاع أشبه بالمجاعة في شمال نيجيريا والصومال واليمن.[12]

وإلى جانب الدور الرئيسي للنزاعات في تفشي الجوع نجد ان التغيرات المناخية – الفيضانات والأعاصير  والجفاف- قد تعرض للخطر الأمن الغذائي لكثير من المناطق القاحلة والمدارية والمعتدلة في أسيا، وعلى ما يبدو فإن البلدان المدارية وشبه المدارية، هي الأكثر عرضة للتهديد نتيجة تطور المناخ على كوكبنا، وقد تولد أثار الاحترار العالمي المجاعات الدورية في العديد من البلدان، أو على الأقل نقص تغذية مزمن، خصوصا في المناطق التي توسع التصحر فيها حاليا[13].

وخلاصة القول، فإذا كانت سياسات الدول تتحمل جزءا من المسؤولية وذلك فيما يتعلق باختياراتها وبرامج استثماراتها على المدى المتوسط والطويل في نظم الزراعة فإن ضعف الآليات العالمية للأمن الغذائي وأيضا غياب التنسيق- على جميع المستويات سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي- أثر بشكل كبير في تفشي الجوع ونقص التغذية في هذه الدول ويزداد هذا التأثير من دولة لأخرى، كما أن الجهود المبذولة في التعامل مع حالات النزاعات كإيصال المساعدات الإنسانية مثلا تبقى غير كافية للحد من استمرار تفشي الجوع بالدول المتضررة في ظل استمرار هذه النزاعات وتزايد عدد اللاجئين وفقدان سبل العيش.

المطلب الثاني: حدود تأثر الأمن الغذائي في ظل أزمة جائحة كوفيد-19

أولا: الآثار الحالية والمحتملة لجائحة كوفيد-19 على الأمن الغذائي

لقد تسبب تفشي جائحة كوفيد-19 في إصابة ووفاة عدد كبير من سكان العالم وألقى بضلاله على كافة جوانب الحياة البشرية بل أصابها بالشلل، بعد أن توقفت حركة البشر والمؤسسات والسفر وآلات الإنتاج،[14] وبسبب الترابط الحاصل في سلاسل التوريد التجارية العالمية فقد كان العالم بأسره عرضة لاختلال هياكله الاجتماعية والاقتصادية.

قالت إليزابيث بيرز، المتحدثة باسم برنامج الأغذية، بأن “تعطيل الإمدادات الغذائية لا يزال في أدنى مستوياته” وأضافت أن “إمدادات الغذاء كافية والأسواق مستقرة نسبيا،” مشيرة إلى مخزون الحبوب العالمية الموجودة في مستويات مريحة حتى الآن، أما التوقعات بالنسبة للقمح والمحاصيل الأساسية الأخرى فهي إيجابية حتى نهاية العام.[15] ووفقا للتقارير العالمية فإن القطاعات الأكثر تضررا بالأزمة هي قطاع الأنشطة السياحية والترفيهية، قطاع السفر والطيران، الصناعة بشكل عام، القطاع العقاري، الأنشطة المصرفية والأوراق المالية، أما أكثر قطاعات الأعمال التي ازدهرت وازداد الطلب عليها فهي قطاع الصناعات الدوائية والعلاجية، الصناعات الغذائية، صناعة منتجات النظافة الشخصية والتطهير، تجارة التجزئة، قطاع أنظمة المعلومات والاتصالات ثم التجارة الإلكترونية أما القطاعات التي وإن كانت قد تأثرت سلبا فإن ذلك كان بنسبة أقل فهي التعليم، الصناعات البتروكيميائية ثم الزراعة.[16]

وإذا كان قطاع الزراعة وما يرتبط به من صناعات غذائية لم يتأثر بشكل كبير بالرغم من القيود المفروضة على التنقل بسبب حرص الدول على استمرار سلاسل التوريد، فإن هذا لا يعني بأن الأمور تسير بشكل جيد فقد أصبح هذه الجائحة مع مرور الأيام يشكل تحدياً غير مسبوق ينطوي على تأثيرات اجتماعية واقتصادية بالغة من بينها المساس بالأمن الغذائي والتغذية، خاصة بعد لجوء بعض الدول إلى حظر  تصدير  السلع الغذائية الأساسية- خاصة الحبوب – ككازاخستان وصربيا وفيتنام وروسيا[17] ورومانيا- قبل أن تتراجع عن ذلك- علما بأن روسيا منعت التصدير فقط للدول خارج الاتحاد الأوراسي ورومانيا منعت التصدير فقط للدول خارج الاتحاد الأوروبي.[18]

ثانيا: الآثار المحتملة لجائحة كوفيد-19 على الأمن الغذائي

بعد مرور عدة شهور من بداية هذه الأزمة العالمية لا يوجد لدى أي طرف معرفة بتاريخ نهايتها وكيف سيكون تحمل العالم لأثارها، فالعالم في حالة عدم يقين شديد حول ما هو قادم. وقبل التطرق إلى الآثار المحتملة لهذه الجائحة على الأمن الغذائي ونظرا للارتباط القوي بين الجانب الاقتصادي والأمن الغذائي لا بأس من تسليط الضوء على دراسة قامت بها جامعة هارفارد الأمريكية والتي حاولت من خلالها دراسة سيناريوهات تعافي الاقتصاد العالمي بعد هذه الجائحة.

فقد خلصت هذه الدراسة إلى أن التأثير الاقتصادي لوباء كورونا سيكون مؤقتا، ولكن لو استمر الإغلاق العام أو الإحجام عن الصرف بعد تحسن المؤشرات، فإن ذلك سيخل بالنظام الاقتصادي والذي قد يعني تسريح العمال واتساع حجم البطالة. أما بحال وصل العطب الاقتصادي ليوقف عجلات الإنتاج وخاصة عمليات الإنتاج الاقتصادية الأساسية مثل الزراعة والصناعة ومواد الطاقة، فقد يكون الأمر كارثيا.[19] هذه الدراسة لم تحدد المدة التي قد يستغرقها هذا الوباء قبل أن يتلاشى وإنما اعتمدت فرضية القضاء عليه بعد إيجاد لقاح في ظرف سنة أو ما يزيد عليها بقليل بالنظر إلى المجهودات العالمية المبذولة في هذا الشأن، وهو أمر غير مؤكد لتبقى كل الاحتمالات واردة.

وإذا ما نظرنا إلى أثار وباء إيبولا الذي اقتصر فقط على منطقة جغرافية محدودة ولم يصل إلى درجة الجائحة، فإن هذا الأخير أثر بشكل كبير على الأمن الغذائي والاقتصاد وسبل عيش الناس في البلدان المتضررة والمعرضة للخطر في غرب أفريقيا في ديسمبر 2014، حيث كان حوالي نصف مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في البلدان الثلاثة الأكثر تضرراً في غرب أفريقيا وهي غينيا، ليبيريا وسيراليون.[20]كما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد في السوق الزراعية، وعدم تمكن العديد من المزارعين من زراعة أو بيع محاصيلهم، وأثر ذلك، بالإضافة إلى نقص العمالة الزراعية، على إنتاج الغذاء. ففي ليبيريا، لم يتمكن 47 في المائة من المزارعين من ممارسة الزراعة، كما أدت القيود وإغلاق الأسواق إلى تعطيل تدفق المواد الغذائية وضروريات الحياة، وأدى النقص في السلع إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وكان من أهم أسباب التأثر الغذائي انخفاض القدرة على الوصول إلى الغذاء، مدفوعاً بانخفاض النشاط الاقتصادي الذي قلل من القوة الشرائية للأسر.[21]

إن تفشي جائحة كوفيد-19 وعدم تلاشيها في أقرب وقت سيؤثر بالفعل على الأمن الغذائي. فالقيود المفروضة، يمكن أن تعيق الخدمات اللوجستية المتعلقة بالأغذية، وتعطل سلاسل الإمدادات الغذائية بشكل كامل، وتؤثر على توافر الغذاء. ففيما تؤدي هذه الجائحة إلى إبطاء عجلة اقتصاد الدول، فإن الوصول إلى الغذاء سيتأثر سلبا بانخفاض الدخل وخسارة الوظائف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى توفر الغذاء في الأسواق المحلية، مما يهدد بالتالي الأمن الغذائي لجميع الناس وخاصة الذين يعيشون في الدول الأكثر فقرا.[22] وسيزداد الأمر خطورة في حالة تعطيل الزراعة بالكامل، ولجوء جل البلدان المصدرة للسلع الغذائية الأساسية إلى حظر التصدير خاصة مع ظهور البوادر الأولى لذلك. كما أن فقدان الثقة في تدفق السلع الغذائية الأساسية قد يؤدي إلى  “شراء الذعر” أو الشراء بدافع الهلع وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار كما أكدت ذلك إليزابيت بيرز  المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي.[23]

وأكيد أن الدول التي تعاني من أزمات إنسانية ستكون الأكثر تأثرا، حيث من المرجح أن يكون لهذه الجائحة تأثيرات كبيرة على إيصال المساعدات الإنسانية ومساعدات التعافي،[24] فضلا عن وضع العمل الإنساني  برمته على المحك لأنه سيتطلب ميزانية ضخمة لتنفيذ عملياته زيادة على خطر الإصابة بالوباء سواء بالنسبة للمستفيدين أو الأطر المشرفة على العملية، وفي هذا الصدد قال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بأن الانتشار العالمي لكوفيد19 أسفر عن “أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.”[25]

حدود نجاعة التعاون والتضامن الدوليين في ظل أزمة كوفيد-19

بالرغم من أهمية وحيوية التعاون الدولي في هذه الأزمة خاصة فيما يتعلق باستمرار تدفق الإمدادات الغذائية فإنه لم يرقى إلى المستوى المطلوب (أولا) كما أن تراجع التضامن الدولي فيما يتعلق بتمويل المساعدات الإنسانية أصبح يثير قلق المنظمات الدولية (ثانيا).

أولا: استمرار تدفق الإمدادات الغذائية

إن تفعيل آليات التعاون والتنسيق بين الدول في الأزمات التزام أخلاقي وإنساني تجاه بعضهم البعض وتجاه شعوبهم، لكن السؤال هو ما هي حدود هذا التعاون وهل سيتم تغليب هذا الالتزام الأخلاقي على المصلحة الخاصة والضيقة لهذه الدول إلى غاية انتهاء هذه الأزمة؟، الواقع أن أسئلة الحاضر تجد دائما أجوبتها في التاريخ، وقد سبق وأشرنا إلى الكيفية التي تجاوزت بها البلدان الكبرى أزمة ارتفاع الأسعار في الفترة 2006-2008 وكيف أثرت هذه الأخيرة على الدول الفقيرة والمستوردة للغذاء.

فتتبع مراحل أزمة جائحة كوفيد-19 لحد الآن يبين أن الدول قد حرصت في بداية هذه الأزمة وبالرغم من القيود المفروضة على التنقل سواء داخل البلد الواحد أو بينه وبين البلدان الأخرى على التعاون فيما بينها وذلك بضمان تدفق التجارة والحفاظ على تدفق إمدادات الغذاء. لكن مع مرور الوقت بدأت بعض الدول في إطار استجابتها للجائحة تقديم مصالحها الداخلية مما أثر بعض الشيء على الإمدادات الغذائية في العالم وذلك بفرض قيود على التصدير أو بحظر التصدير وخاصة تصدير مادة الحبوب- لأن هذه المادة تعتبر حيوية وتقدم على جميع السلع الغذائية في حالة الأزمات مما يؤدي إلى ازدياد قيمتها مقارنة بحالة السلم التي تزداد فيها قيمة السلع الغذائية العالية القيمة والتي تجلب العملة الصعبة – كما أن التعاون بين الدول بدأ يتم في إطار تكتلات إقليمية.

وسيزداد الأمر سوءا بالتأكيد في حالة استمرار القيود ولجوء أغلب الدول المصدرة للحبوب إلى حظر التصدير لتعزيز الاحتياطي لديها والحفاظ على الأسعار. آنذاك كيف يمكن إقناع هذه الدول بان هناك التزام أخلاقي على عاتقها تجاه غيرها يقضي باستمرار التعاون المتبادل لتجاوز هذه الأزمة وكيف يمكن تامين وصول الأغذية للفئات الضعيفة سواء بسبب ارتفاع الأسعار أو بسبب غيابها في السوق أساسا؟ في الواقع لا توجد آليات لإلزام الدول المصدرة للسلع الغذائية وخاصة الأساسية منها بالاستمرار في التصدير وبالتالي الاستمرار في التعاون -وروسيا مثال حي على ذلك[26] – كما أن الأزمات تساهم بشكل كبير في ظهور النزعة القومية.

ثانيا: مواصلة تمويل المساعدات الإنسانية

بالرغم من المجهودات المبذولة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية للدول الضعيفة والمستوردة للغذاء فإنها تبقى غير كافية، كما أن مجال التضامن بدأ يتراجع ويتقلص في الآونة الأخيرة بل وأصبح هناك قلق كبير لدى المنظمات العاملة في هذا المجال بشأن استمرارية وكفاية تمويل هذه المساعدات في المستقبل وازداد الأمر صعوبة في ظل أزمة كوفيد-19، وعلى سبيل المثال فقد قرر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تخفيض المساعدات الإنسانية المقدمة إلى اليمن إلى النصف، معللا ذلك بوجود أزمة في التمويل. وقالت ليز غراند، أرفع ممثلة للأمم المتحدة في اليمن، إن نقص التمويل سيؤثر على كل أجزاء المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة لليمن، وسط تصاعد التهديد الذي يمثله تفشي وباء فيروس كورونا المستجد[27].كما عبر الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه بشكل خاص من عدم وجود تضامن كاف مع الدول النامية فيما يتعلق بالاستجابة لجائحة كوفيد-19[28].

المبحث الثاني: سبل تعزيز الأمن الغذائي العالمي في ظل أزمة كوفيد-19

إن التصدي للآثار السلبية لكوفيد-19 على الأمن الغذائي يتطلب اتخاذ إجراءات وتدابير أنية (المطلب الأول)، وأخرى متوسطة وطويلة الأمد لتحسينه وتعزيز القدرة على الصمود في المستقبل (المطلب الثاني).

المطلب الأول: إجراءات وتدابير آنية للتصدي لانعدام الأمن الغذائي أثناء أزمة كوفيد-19

سنتطرق في هذه الفقرة إلى كل من التدابير الواجب اتخاذها من طرف الدول والحكومات (الفقرة الأولى) والتدابير الواجب اتخاذها من طرف المجتمع الدولي (الفقرة الثانية).

التدابير الآنية الواجب اتخاذها من طرف الدول والحكومات

إن أول إجراء من الإجراءات الاستعجالية التي يمكن أن تقوم بها أي دولة أو حكومة لتفادي التداعيات السلبية لهذه الأزمة هو سد الخصاص من السلع الغذائية خاصة الأساسية (أولا) بعد ذلك وفي مرحلة ثانية الاحتفاظ بهذه السلع الغذائية عبر تخزينها طبقا للشروط المعمول بها لتفادي الآفات (ثانيا)، وبالموازاة مع كل ذلك يبقى زرع الثقة في نفوس الشعوب أمرا ضروريا لتفادي الذعر (ثالثا) كما أن التنسيق مع المنظمات الدولية  بالنسبة للدول التي تعيش أزمات يبقى واجبا إنسانيا (رابعا).

أولا: سد الخصاص من الأغذية

إن أول إجراء ينبغي القيام به من طرف الدول لتفادي أي انعكاس سلبي لهذه الأزمة على أمنها الغذائي هو تحديد احتياطي الأغذية المتوفر لديها – وخاصة الأساسية منها وعلى رأسها الحبوب- مع تقدير منتوج السنة الجارية وفي حالة عدم كفايته لتغطية المدة المطلوبة يجب سد الخصاص عن طريق توريد السلع الغذائية من الخارج. هذه الخطوة التي تعتبر إجراء اضطراريا تتخللها مجموعتان من المخاطر، الأولى هي ارتفاع الأسعار الدولية مما يؤدي إلى صعوبة الشراء بالرغم من توفر الإمدادات في الأسواق العالمية وهي ما يعرف بمخاطر الأسعار، والثانية هي عدم توافر الأغذية بالرغم من وجود أموال تكفي لشرائها وهو ما يصطلح عليه بمخاطر الإمدادات. هذا النوع الثاني من المخاطر هو المثير للقلق بحيث تكون له تبعات اشد على البلدان التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الواردات كما حدث في ماي 2011 حيث أشارت تقديرات برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة إلى إمكانية نفاذ الإمدادات الغذائية خلال ستة إلى ثمانية أسابيع ما لم يتم وضع خطط لتجنب الأزمة.[29]

وعلى الرغم من أن التوريد إجراء استعجالي لا مناص منه في هذه الظرفية لتجنب الأسوأ إلا أن الحكمة تقتضي تجنب مخاطر التوريد في الأزمات عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة للدول التي تتوفر على الإمكانيات والمؤهلات الطبيعية لارتباطه بالأمن القومي أو على الأقل العمل على تكوين احتياطي في حالة الرفاه ولو عن طريق التوريد بالنسبة للدول التي ليست لها إمكانيات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الأساسية.

ثانيا: تخزين السلع الغذائية

يعتبر التخزين من العناصر الأساسية في إستراتيجية الأمن الغذائي، وخاصة بالنسبة للسلع الغذائية الأساسية، وهي تقنية معروفة عند الفلاحين على اختلاف الأزمنة، ويقصد به الاحتفاظ بالشيء قصد استعماله في وقت مستقبلي، وينطبق هذا التعريف على كل المنتوجات، لكن بما أن الحبوب لها مواصفات ومكونات تجعل منها أهم مصدر للغذاء في العالم، فتخزينها يعني الاحتفاظ بخصائصها من حين إنتاجها إلى حين استهلاكها، وخلال هذه المدة الزمنية تطرأ عليها عدة تغييرات، لذلك فالتخزين يساهم في تحصينها قصد استعمالها في وقت لاحق دون المساس بجودتها، فهو مرحلة انتقالية حتمية ترتبط أسبابه بوفرة الإنتاج وضرورة تخزين فائضه.

وعلى الرغم من أن التخزين يعتبر أهم عملية في منظومة ما بعد الحصاد إلا أن العديد من الدول ليست لها إستراتيجية واضحة في هذا المجال،[30] لأنه يتطلب ميزانية كبيرة لزيادة القدرة الاستيعابية للتخزين وما يرتبط بها من أعمال الصيانة والمعالجة، وتكوين العاملين في هذا المجال. إلا ان ما يمكن قوله هو أنه آن الأوان لتضمين هذه التقنية ضمن أولويات إستراتيجية الأمن الغذائي للبلدان وتخصيصها بالتمويل الكافي احتياطا للازمات، خاصة في ظل التأثيرات السلبية لظاهرة تغير المناخ التي يجب التعامل معها كظاهرة بنيوية.

وإذا كان تكوين الاحتياطي أو المخزون يكتسي أهمية كبيرة فإن تدبير هذا الأخير لا يقل أهمية عنه، لأنه يركز على ضمان الوفـــاء باحتياجات الأسواق والأفراد من السلع الأساسية بأكبر كفاءة ممكنة وعدم الإسراف أو إساءة استخدام المخزون، وهكذا يتم الاحتفاظ بالسلع الغذائية تحت إشراف مباشر من قبل الحكومات وتستخدم في ظروف معينة كما يتم تداول هذا المخزون دوريا، بحيث تؤخذ منه كميات تعوض عنها بكميات مماثلة، بحيث لا تفقد المادة الغذائية صفتها الغذائية، ويتحدد كم ونوع هذا المخزون، بظروف كل دولة وقدراتها الاقتصادية والفنية.[31]

ثالثا: زرع الثقة في نفوس المواطنين

يلعب زرع الثقة في نفوس المواطنين أثناء بداية الأزمات، بكون الدولة أو الحكومة قادرة على توفير حاجياتهم الغذائية باستمرار مع ضمان الوصول إليها بالنسبة لجميع الفئات، دورا مهما في تفادي الهلع وتغير عادات الشراء وبالتالي استقرار الأسواق واستقرار تدفق الأغذية، حيث أنه في بداية الأزمات  ينتشر الذعر والخوف من نفاذ السلع ويلجأ الكثيرون إلى تخزين ما يستطيعون تخزينه كل حسب إمكانياته – خوفا من المجهول وتحسبا لاضطرارهم المكوث في منازلهم لمدة طويلة-[32] وهذا ما يؤثر على إمدادات الأسواق ويساهم في ارتفاع الأسعار، ومن الإجراءات التي تساهم في زرع الثقة الحفاظ على إمدادات الأسواق بكيفية مستمرة ومراقبة الأسعار وزجر تجار الاحتكار لضمان وصول السلع إلى جميع الفئات.

رابعا: التنسيق مع المنظمات الإنسانية

لتسهيل عمل المنظمات الدولية ووصول العاملين في المجال الإنساني إلى الأشخاص المحتاجين، يجب على حكومات الدول المعنية بهذه المساعدات أن تقدم العون والدعم اللازمين لهذا الغرض، فالدول تتحمل بموجب القانون الدولي المسؤولية الأساسية عن ضمان توفر الاحتياجات الأساسية للمدنيين والسكان المدنيين الواقعين تحت سيطرتها. ومع ذلك، إذا كانت الدول غير قادرة أو غير راغبة في الاضطلاع بمسؤولياتها فإن القانون الدولي الإنساني ينص على إجراءات إغاثة تقوم بها جهات أخرى، مثل منظمات المساعدة الإنسانية وهذا بموافقة الدولة المعنية. وبغية اضطلاع المنظمات الإنسانية بمهامها، يجب منحها الوصول السريع ودون عراقيل إلى السكان المتضررين.[33]

دور المجتمع الدولي

أولا: التعاون الدولي:

إن تجنب الأسوأ في ظل هذه الأزمة يتوقف على استمرار التعاون الدولي، وذلك من خلال الحرص على تدفق التجارة ورفع القيود عن التصدير بالنسبة للبلدان المصدرة للمواد الغذائية واستمرار سلاسل الإمدادات الغذائية بالرغم من القيود المفروضة، وهذا ما أكده البيان المشترك لوزراء الزراعة بمجموعة العشرين الذي جاء في مقتطف منه على أنه: ” يجب على الدول أن تعمل معاً لتعزيز التعاون بينها خلال هذه الجائحة التي تؤثر على جميع مناطق العالم. ومن المهم الحرص على أن لا تؤدي السياسات المتخذة مثل الإجراءات القصيرة الأمد للحد من التجارة، إلى العبث بالأسواق العالمية”. [34]وبالموازاة مع كل ذلك يجب على البلدان المستوردة – وخاصة الكبار- عدم الإفراط في الاستيراد والاطمئنان على توافر هذه الأغذية وعلى استمرار تدفقها تفاديا للتهافت وإحداث اضطراب في إمدادات السوق وبالتالي تضرر الدول الضعيفة والمستوردة للغذاء بسبب ارتفاع الأسعار.

ويبقى نجاح هذا التعاون رهينا بتقديم المصلحة المشتركة وبالإجراءات المتخذة على صعيد كل دولة في مجال دعم وحماية عمال الموانئ والعمال بالصناعات الغذائية وأيضا المزارعين والعمال الزراعيين من أجل إنقاذ الموسم الزراعي الحالي، وأيضا بدور المنظمات الدولية في هذا الإطار من خلال التنسيق والسهر على مراقبة التدابير المتخذة من طرف الدول وتوجيهها لاتخاذ الإجراءات الآنية حسب ظروف المرحلة.

ثانيا: التضامن الدولي

جاء في البيان المشترك لكل من المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية على أنه “حان الوقت لإظهار التضامن والعمل بمسؤولية والالتزام بهدفنا المشترك المتمثل في تعزيز الأمن الغذائي…”[35]. فالتضامن الدولي في ظل هذه الظرفية مطلوب وبشدة ويجب أن يتجلى بشكل واضح  في مضاعفة الجهود الدولية من أجل استمرار  تمويل المساعدات الإنسانية وإيصالها إلى الفئات المستهدفة بالدول التي تشهد أزمات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العالم حاليا، ويقع عبئ تنسيق هذه الجهود بالدرجة الأولى على المنظمات الدولية سواء من خلال الإلحاح على البلدان الكبرى من أجل الاستمرار في الدعم وتجسيد روح التضامن أو من خلال توجيه هذه المساعدات والتي ينبغي أن تستهدف أساسا حماية سبل عيش الفلاحين، لأن عدم قدرتهم على مواجهة نقص الغذاء وغلاء الأسعار سيجعلهم يتخلون على أدوات عيشهم وهو ما يصعب بناؤه من جديد.

المطلب الثاني: التدابير والإجراءات المتوسطة والطويلة الأمد لتحسين الأمن الغذائي

إن من  ركائز الصمود في مواجهة أزمة كوفيد-19  وغيرها من الأزمات الممتدة هو تحسين الأمن الغذائي للمواطنين على المدى المتوسط والطويل وهي مسؤولية  تقع على الدول والحكومات (الفقرة الأولى) إلا أن نجاحها في هذا المسعى يتطلب دعما من المجتمع الدولي (الفقرة الثانية).

على مستوى الحكومات أو الدول

جاء ضمن الالتزامات التي تم التعهد بها في مؤتمر روما ما يلي: ” نحن نؤكد من جديد أن الأمن الغذائي مسؤولية وطنية وأن أية خطط لمواجهة تحديات الأمن الغذائي ينبغي أن تصاغ وطنيا، وتصمم وتمتلك وتدار وتبنى على التشاور مع جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، وسوف نجعل الأمن الغذائي أولوية عليا وسنعكس ذلك في برامجنا وميزانياتنا الوطنية.”[36]إن ارتباط الأمن الغذائي بالأمن القومي للبلد يجعله من ضمن الأولويات الكبرى التي ينبغي على الدول التعامل معها بجدية وذلك بناء على خطة إستراتيجية وبرامج (أولا) يتم السهر على تنزيلها بفعالية على أرض الواقع ( ثانيا).

أولا: إعداد إستراتيجية للأمن الغذائي

إن تحقيق الأمن الغذائي يتوقف على وضع إستراتيجية وبرامج تستند إلى تقييم فعال للمخاطر، وتهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية  قبل التصدير وتكوين احتياطي من السلع الغذائية الأساسية وخصوصا الحبوب -كما سبق التطرق إلى ذلك  في الفقرة الأولى من هذا المبحث- وتتخذ من تشجيع الاستثمار آلية لتحقيق التنمية الزراعية.

1- تقييم المخاطر:

أبرز المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة  QU Dongyu  في المؤتمر الافتراضي الذي جمعه بالممثلين القُطريين للمنظمة حول العالم  أن الأزمة الحالية ستمتد بمرور الوقت مع موجات متعددة وقال “نحن بحاجة إلى التخطيط المسبق والاستعداد لهذا السيناريو الجديد، فإن الوقاية المبكرة والعمل المبكر أمران ضروريان”، مضيفًا أن “مثل هذه الخطط يجب أن تحتوي على خطوات تنفيذية ملموسة، ويجب أن

تستند إلى تقييم قوي للمخاطر وأن تتكيف مع الظروف المحلية.”[37]

إن بناء أي إستراتيجية قوية قادرة على مواجهة الأزمات في ظل عالم يتميز بالترابط ينبغي أن يؤسس على تحليل شامل للمعطيات والمعلومات المرتبطة بكافة المجالات، سواء المجال الصحي أو المجال الاقتصادي وغيره من المجالات ذات الصلة بالأمن الغذائي وطنيا ودوليا، فالتحليل الدقيق بناء على قاعدة معطيات شمولية  يمكن من وضع ودراسة الاحتمالات الممكنة وأيضا اعتماد حلول استباقية بدلا من المفاجأة والارتجال.

2 – أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية:

إذا كان الانتقال من مبدأ الاكتفاء الذاتي بشكل كامل إلى مبدأ الأمن الغذائي بالتعاون مع الآخرين قد فرضته عدة اعتبارات سبق التطرق إليها أنفا، فإن أي إستراتيجية حكيمة ينبغي أن تستفيد من إيجابيات كلا المبدأين. فإذا كان يجب علينا أن نعمل بجد واجتهاد ومثابرة لتنمية إنتاجنا وصادراتنا من السلع الزراعية عالية القيمة النقدية، فإننا يجب أن ندرك أنها ليست الطريق الأمن لتحقيق الأمن الغذائي، وأنها يجب أن تكون مكملة لسياسة الاعتماد على الذات وليست بديلا لها،[38] وفي هذا الصدد يقول مولاربيه وكولينز:” إن أحد الشروط الحاسمة هو أن احتياجات الغذاء الأساسية يجب تلبيتها محليا… فما من بلد يستطيع المساومة بنجاح في التجارة الدولية مادام يسعى يائسا لبيع منتجاته حتى يستورد الغذاء لمنع المجاعة. ودون الاعتماد الغذائي الأساسي على النفس، فإن الاعتماد المتبادل الذي يحظى بالمديح الوفير، لا يصبح سوى ستار دخان للسيطرة الغذائية لبلد على أخر”.

هذا فضلا على أنه لا أمان في “الأمن الغذائي المتبادل” لأن هذا الأخير يفترض إمكانية الحصول على الاحتياجات الغذائية من الأسواق الخارجية المتاحة للواردات في أي وقت وبصورة أمنة- فهل هذا الافتراض يحمل قدرا معقولا من المصداقية؟

لنفترض أن الإنتاج العالمي من القمح، ولأسباب مناخية أو غير ذلك، انخفض في بعض الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة له المؤثرة في السوق العالمي كما حدث عام 1996، أو أن الطلب من بعض الدول الكبيرة المستوردة قد زاد بصورة مفاجئة ومن تم زاد الطلب على العرض، في هذه الحالة سوف ترتفع الأسعار بشدة، ألا يعتبر ارتفاع الأسعار في حد ذاته محددا ومهددا للأمن الغذائي للكثير من الأقطار التي قد لا تستطيع توفير التمويل اللازم للشراء، ورتبت أمورها على أساس أسعار معتدلة؟ أما عندما يكون النقص في الإنتاج كبيرا، فلن يكون هناك قمح معروض للبيع، والأولوية دون شك تكون دائما للسكان المحليين.[39]

3 – تشجيع الاستثمارات الزراعية:

جاء في تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لـ 2011 بأن أفضل طريقة لتخفيض أسعار الأغذية على الأجل الأطول هي الاستثمار في الزراعة.[40] لأن هذا الخيار في حالة توافر الإمكانيات لذلك يعتبر أمرا استراتيجيا لأنه السبيل الوحيد لتفادي التبعية الغذائية، كما يساعد على البقاء والصمود في مواجهة الأزمات. وتتجلى أهمية الاستثمار[41] في كونه يلعب دورا أساسيا في إعطاء دفعة للإنتاج في المجال الزراعي خصوصا في ظل نقص الموارد الطبيعية من الأرض والماء، وهذا بطبيعة الحال يتطلب وجود بيئة استثمارية فهذه الأخيرة تضطلع بدور أساسي في التشجيع على الاستثمار أو الحد منه وتحجيمه.[42]

وإذا كانت علاقة الترابط بين الموارد الطبيعية والاستثمار تبقي قائمة وأن الدول ذات الموارد الطبيعية الغنية أقدر على تطوير قواها الإنتاجية من الدول الفقيرة من تلك الموارد،[43] فإنه لا بد من المحافظة على هذه الموارد وتنميتها وضمان حسن تدبيرها وخاصة الأرض الزراعية والماء باعتبارهما أهم مكونات قاعدة الموارد الطبيعية الزراعية، التي تستند إليها الزراعة في أي مكان.[44]

يبقى أن نشير إلى أن كل عملية إنتاجية لا تكاد تخلو من ضرورة توافر عنصريها الأساسيين، وهما رأس المال المادي ورأس المال البشري،[45] وحاجة المجتمع إلى موارده البشرية في شتى الميادين ضرورية،

فبالنظر إلى الانفتاح الذي يعرفه العالم والإجراءات التي يتم تبنيها للرفع من وثيرة الاستثمارات، فإن الحاجة إلى يد عاملة مؤهلة ستتزايد.[46]

ثانيا: تنزيل إستراتيجية وبرامج الدولة ذات الصلة بالأمن الغذائي

كأي إستراتيجية يتطلب التنزيل السليم لإستراتيجية الأمن الغذائي على أرض الواقع توفير التمويل الملائم بالإضافة إلى تنسيق تدخلات مختلف الفاعلين والشركاء في القطاعات ذات الصلة بالأمن الغذائي.

1- تمويل إستراتيجية الأمن الغذائي

يرى علماء الاقتصاد أن العلاقة بين التمويل والتطور الاقتصادي والادخار والاستثمار المنتج هي علاقة ضرورية، فوجود سوق مالي أو قطاع بنكي متطور عامل مهم لتحفيز الاستثمار.[47] فالدولة تستفيد من جانب التمويل في  توجيه الاستثمارات بما يكفل تحقيق  أهداف إستراتيجيتها في مجال تحقيق الأمن الغذائي كتحسين هيكلة العقار الفلاحي وتزويده بشبكة الري ودعم المزارعين أثناء الدورات الزراعية وغيرها من العمليات المرتبطة بالتنمية الزراعية وتحسين الإنتاجية هذا بالإضافة إلى تشجيع الصناعات الغذائية، وهذا ما يتطلب اعتماد مصادر مبتكرة للتمويل[48].

وإذا كانت البلدان الكبرى تستطيع تمويل إستراتيجياتها للأمن الغذائي فإن دولا أخرى خصوصا الدول النامية قد تحتاج إلى تمويل خارجي في هذا الشأن على شكل قروض أو إعانات لتمويلها وهذا ما يتطلب منها توجيهه التوجيه الأمثل لتحقيق أهداف استراتيجياتها في مجال الأمن الغذائي.

2- تنسيق جهود المتدخلين والشركاء في منظومة التغذية

إن نجاح أي إستراتيجية يتوقف على دقة تنزيل مضامينها وتحقيق أهدافها وفق ما هو مخطط له وهذا يتطلب تحديد أدوار ومسؤوليات المؤسسات العامة ذات الصلة بالأمن الغذائي على جميع المستويات لضمان الشفافية والمساءلة والتنسيق الفعال، بالإضافة إلى تقوية العلاقة بين الشركاء في منظومة التغذية عن طريق خلق أرضية للتنسيق فيما بينهم وزيادة مساهماتهم في تحقيق متطلبات التنمية وتعزيز الصمود القائم على تحسين الأمن الغذائي والحد من الفقر والاستخدام الأمثل والمستدام للمصادر الطبيعية وبناء قاعدة مؤسساتية مستدامة، ونشير في هذا الصدد إلى أهمية الشراكة في هذا الموضوع سواء مع القطاع الخاص أو المنظمات والشركاء الدوليين والإقليمين حيث تمكن هذه الأخيرة الدولة من الاستفادة من نقاط القوة الخاصة بكل شريك، وبالتالي تبادل المعرفة والحوار وتطوير السياسات والتعاون وتناول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك[49] .

ونختم هذه الفقرة بالتأكيد على أهمية مرحلة التقييم ورصد النتائج من أجل قياس نسبة بلوغ الأهداف المسطرة مسبقا، وتصحيح الأخطاء، ومعالجة أسباب القصور والانحـراف أثناء تنزيل الإستراتيجية والبرامج على أرض الواقع.

دور المجتمع الدولي

إذا كانت المسؤولية الأكبر في تحقيق الأمن الغذائي تقع على الحكومات فإن المجتمع الدولي يتحمل أيضا قدرا من المسؤولية وذلك فيما يتعلق بالتنسيق والدعم الإقليمي أو الدولي الفعال وهذا يتطلب إضفاء البعد الإنساني والأخلاقي على نظم العلاقات الدولية ( أولا)  واعتماد تمويل ملائم ( ثانيا) وتقاسم المعرفة في مجال الزراعة (ثالثا).

أولا: إضفاء البعد الإنساني والأخلاقي على نظم العلاقات الدولية

جاء في مقتطف من كلمة مارغريت تشان المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية في المنتدى الثالث والعشرين بشأن القضايا العالمية بتاريخ 18 مارس 2009  “إنّ العالم بات يتخبّط في الفوضى، ونحن نتحمّل مسؤولية قسط كبير منها… لقد أخفقنا، جماعياً، في إعطاء بعد أخلاقي للنُظم التي تحكم العلاقات الدولية… “.[50]

إن التصدي لانعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية رهين أولا بالتغلب على أسبابه -خاصة تلك التي هي من صنع الإنسان- قبل معالجة تجلياته الحرجة، فمنطق الأمور يقتضي وقف النزيف أولا ثم معالجة أعراضه، وإلا فإن جميع المجهودات ستذهب سدى. وهذه الأسباب لا تخرج في الغالب عن النزاعات والاحتلال والإرهاب والضغوط على الموارد الطبيعية وتغير المناخ وعدم المساواة وانتشار الفقر والحوكمة[51]، وهو ما يفرض تطوير الآليات التي تحكم العلاقات الدولية على نحو تكون من خلاله قادرة على فرض السلم في المناطق التي تعرف نزاعات وضمان احترام الدول للالتزامات والمبادئ المضمنة بأطر وضوابط العمل الدولية وخاصة فيما يتعلق بتغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة، وهذا لن يتحقق دون استحضار حقوق الإنسان بالمعنى الحقيقي وأيضا البعد الأخلاقي الذي يجب أن يغطي جميع قرارات المجتمع الدولي، فالبعد الأخلاقي مثلا يفرض على المجتمع الدولي وضع حد للمستفيدين من عدم الاستقرار  ومن عدم إنهاء النزاعات،[52] كما يفرض تحمل المسؤولية وعدم ترك الأخر يؤدي ثمن أخطائك كما هو الشأن بالنسبة لمعاناة  فئات عريضة من البشر بسبب ظاهرة تغير المناخ لا لشيء إلا أنها تؤدي ثمن أخطاء غيرها،  ونشير في هذا الصدد إلى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس للمناخ الذي اعتبره ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين” ضربة جدية لهذه المعاهدة …” وأضاف أنه “من الصعب حتى التحدث عن اتفاقية مناخية في غياب أكبر  اقتصاد في العالم”.[53]

ثانيا: اعتماد تمويل ملائم

لقد علق ماك كالا على المناقشات الجارية حول الموقف المستقبلي لقضية الغذاء في العالم قائلا:” الجانب المخيف لي في هذا الموضوع هو أنه -بينما التحدي حرج وعاجل- فإن التمويل اللازم لدعم التنمية الزراعية وتحسين الإنتاجية يجري تخفيضه في الدول المتقدمة، كما أن وكالات العون ومؤسسات التنمية الدولية تخفض من حجم الموارد المخصصة للزراعة.

وازداد هذا التوجه سوءا بالنقص العام في معونات التنمية…”.[54] فإذا كان التمويل يلعب دورا مهما في تحسين الأمن الغذائي من خلال تمكين الدول والحكومات من وضع برامجهم الاستثمارية، فإن هذا الأخير يجب أن يكون فعالا بحيث يكون كافيا – أي يتميز بسهولة الوصول إليه عند الحاجة ويستجيب لحاجيات الدول دون أي تدخل أو توجيه من المؤسسات المانحة مع مراعاة قدرتها على تحمل التبعات الإدارية للتمويل، وهذا يفرض على المؤسسات المانحة أن تحرص على تفادي ازدواجية وتعدد التمويلات. ويراعي ظرفية كل بلد على حدة  وذلك من خلال تخفيف أعباء الديون الخارجية على البلدان الفقيرة من أجل تحرير الموارد لمكافحة الجوع والتخفيف من وطأة الفقر وتعزيز التنمية المستدامة.[55] وبالإضافة إلى  التمويل الممنوح من طرف المؤسسات الدولية أو الإقليمية فينبغي تشجيع التعاون والشراكات الدولية والثنائية في مجال التمويل وأيضا تنسيق الجهود لتمويل المساعدات الإنسانية.

ثالثا: تبادل وتقاسم المعرفة في المجال الزراعي

إن تحسين الأمن الغذائي للدول في ظل نقص الموارد الطبيعية يبقى رهينا بمواصلة تقاسم  المعرفة وابتكار الأدوات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف من أجل الدفع بعجلة التنمية الزراعية إلى الأمام، فتقاسم وتبادل المعرفة الزراعية يعني التعلم من تجارب الآخرين، من ممارساتهم الجيدة ونهجهم المجربة، العمل على ربط الأفكار وتبادل الآراء، نقل التكنولوجيا والاطلاع على آخر ما توصلت إليه الأبحاث في المجال الزراعي هذا ناهيك عن فرص التدريب المتبادل.

وهذا بطبيعة الحال يستحضر البعد الأخلاقي ومبدأ الصدق في نقل المعرفة[56] ثم تطوير وتبادل هذه المعرفة، وهذا المبدأ يفرض على الدول دعم بعضها البعض -خاصة دعم البلدان المتقدمة للدول ذات الإمكانيات الضعيفة- من أجل إحداث مراكز البحث وعقد المنتديات وتمكينها من الآليات اللازمة لضمان مساهمتها في تطوير الأبحاث وتبادل الخبرات بما يخدم تحسين الأمن الغذائي في جميع البلدان، ويعتبر خلق روابط وإبرام الشراكات بين الدول –شراكات شمال جنوب وجنوب جنوب- أو الشراكات مع المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إطارا أمثل لتقاسم وتبادل هذه المعرفة.

خاتمة

إن أزمة جائحة كوفيد-19 كغيرها من الأزمات بدأت وستنتهي بما تضمنته من مآسي ولحظات عصيبة ودروس للبشرية، لكنها تعتبر اختبارا حقيقيا لمناعة الدول وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية واختبارا لمناعة النظم الدولية قبل مناعة الأفراد، وهو ما يستوجب إعادة ترتيب الأولويات، وخاصة قضية الأمن الغذائي التي يجب أن يتم وضعها على رأس هذه الأولويات. فهذه الأزمة جعلت هذه القضية تطفو إلى السطح من جديد لتشغل بال الحكومات والشعوب في هذه الفترة بقدر انشغالها بالجانب الصحي وأكثر لأنه بدون توافر الغذاء والقدرة على الوصول إليه لا يمكن الصمود في وجه هذه الجائحة.

كما أبرزت هذه الأزمة أهمية التعاون والعمل المشترك بين الدول في الأزمات، لكن هذا التعاون يجب أن يستمر في المستقبل وألا يكون مجرد رد فعل سواء كان هذا التعاون ثنائيا أو إقليميا أو دوليا. لأن تعزيز الأمن الغذائي قضية مشتركة، تتحمل فيها الدولة مسؤولية صياغة خطتها للأمن الغذائي والسهر على تنفيذها، ويتحمل فيها المجتمع الدولي مسؤولية التنسيق والدعم، من أجل بلوغ الهدف المشترك المتمثل في تحسين وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، وتكريس قيم التضامن الذي يبقى مطلوبا وبشدة لضمان استمرار تدفق وإيصال المساعدات الإنسانية للفئات المتضررة بالبلدان التي تشهد أزمات إنسانية، وكل ذلك بالموازاة مع تضافر اهتمام وجهود كل دولة وجهود المنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية ومنظمة الأمم المتحدة من أجل صون السلم والأمن الدوليين. وذلك من خلال آليات الدبلوماسية الوقائية[57] وصنع السلام وحفظ السلم.

ونختم بما قاله دومينيك بيرجيون، مدير إدارة حالات الطوارئ وإعادة التأهيل ومسؤول البرنامج الاستراتيجي لبناء القدرة على الصمود في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، “ولعل أحد الجوانب المشرقة لهذه الجائحة هو الإدراك المشترك بأننا جميعاً في مواجهة هذه المحنة معاً. وعلى الرغم من تركيزنا جميعاً- وهو أمر مفهوم – على ضمان رفاه عائلاتنا وجيراننا ودولنا، فقد أدركنا أيضاً أن هذا الفيروس لا يحترم الحدود. فإذا تغلبنا عليه في العالم المتقدم، ولكن سمحنا له بالانتشار في البلدان ذات الموارد الأقل التي تكافح أنظمتها الطبية للتكيف، وحيث يعاني الناس بالفعل من الجوع وهم أقل قدرة على تحمل المرض، فسوف يعود هذا الفيروس ليطاردنا جميعاً”.[58]

الهامش

[1] – محمد السيد عبد السلام ، الأمن الغذائي في الوطن العربي ،سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت ، طبعة فبراير 1998 ، ص 72 و 76.

[2]– الأمم المتحدة (فرقة العمل الرفيعة المستوى المعنية بأزمة الغذاء العالمية)،  إطار العمل الشامل المحدث،  الصادر  في شتنبر 2010، ص 8.

[3] – محمد السيد عبد السلام ، الأمن الغذائي في الوطن العربي ، م ، س ، ص 6 و 12.

[4]–  لجنة الأمن الغذائي، الإطار الاستراتيجي العالمي للأمن الغذائي والتغذية، الصادر سنة 2017 ص 14 وما بعدها.

[5] –  “الصناديق والبرامج والوكالات  المتخصصة” موقع الأمم المتحدة   https://www.un.org/ar/sections/about-un/funds-programmes-specialized-agencies-and-others/  تاريخ التصفح 07/04/2020 الساعة h3022.

[6]–  مركز الإنتاج الإعلامي بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، “منظمة التجارة العالمية: الاستفادة من اتفاقياتها في العالم العربي وفي المملكة العربية السعودية بصفة خاصة”،  ” نحو مجتمع المعرفة” سلسلة دراسات، الإصدار الرابع عشر، السنة 1428 هجرية ص 26 وما بعدها.

[7] – محمد السيد عبد السلام، الأمن الغذائي في الوطن العربي، م، س ، ص 65 وما بعدها.

[8] – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، تقرير حول ” حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم: كيف يؤثر على تقلب الأسعار الدولية على الاقتصادات المحلية والأمن الغذائي؟” السنة 2011، ص 4.

[9] – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، تقرير حول ” حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم: كيف يؤثر على تقلب الأسعار الدولية على الاقتصادات المحلية والأمن الغذائي؟”، ص8 و 10.

[10] – البنك الدولي تقرير” حول سلسلة الحبوب: الأمن الغذائي وإدارة واردات القمح في البلدان العربية” السنة 2012، ص 1.

[11] – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ،  تقرير حول حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم: كيف يؤثر على تقلب الأسعار الدولية على الاقتصادات المحلية والأمن الغذائي؟”، م، س، ص 8.

[12] – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، تقرير حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، السنة 2017، ص 29 و 30.

[13] – إيف سياما، التغير المناخي، ترجمة زينب منعم، إصدارات المجلة العربية، الرياض، الطبعة الأولى، السنة 2015 ، ص 58 و 65

[14] -علي محمد الخوري، “مستقبل الاقتصاد العربي تحت وطأة الأزمات المركبة”، كتاب صادر عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، الطبعة الأولى، السنة 2020، ص 13.

[15] – إليزابيث بيرز، مقال “بعنوان سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية صامدة.. حتى الآن”  https://news.un.org/ar/story/2020/04/1052692   تاريخ التصفح 27/04/2020 الساعة 22h05

[16] – علي محمد الخوري، مستقبل الاقتصاد العربي تحت وطأة الأزمات المركبة، م ،س، ص 124 و125.

[17] – مقال بعنوان “هل ينعش كورونا النزعة القومية في مجال الأمن الغذائي”   https://www.dw.com/a-52984617  تاريخ التصفح 27/4/2020 الساعة 22h30

[18] – مقال بعنوان “رومانيا تحظر تصدير الحبوب”   https://arabic.rt.com/business/1102545  تاريخ التصفح 27/4/2020، الساعة h0023.

[19] – علي محمد الخوري، مستقبل الاقتصاد العربي تحت وطأة الأزمات المركبة، م، س، ص 89 وما بعدها.

[20]– Epidémie d’Ebola en Afrique de l’Ouest article publié sur le site de la  (FAO) : http://www.fao.org/emergencies/crisis/ebola/intro/fr/  vu le 23 avril 2020 à 22h00.

[21]–  مقال تحت عنوان “كوفيد-19: مجتمعاتنا الأكثر جوعاً وضعفاً تواجه “أزمة مضاعفة”” منشور على الموقع الإلكتروني :  http://www.fao.org/news/story/ar/item/1270137/icode ، تاريخ التصفح  23 أبريل 2020 الساعة 22h40

[22] – “البيان المشترك  حول تأثيرات كوفيد-19 على الأمن الغذائي والتغذية بمناسبة الاجتماع الاستثنائي لوزراء الزراعة في مجموعة العشرين بتاريخ 21أبريل/ 2020″، منشور على الموقع     http://www.fao.org/news/story/ar/item/1272160/icode  تاريخ التصفح 27 أبريل 2020  الساعة 00h05

[23] – إليزابيث بيرز، مقال بعنوان “سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية صامدة.. حتى الآن”، م، س.

[24] – البيان المشترك  حول تأثيرات كوفيد-19 على الأمن الغذائي والتغذية بمناسبة الاجتماع الاستثنائي لوزراء الزراعة في مجموعة العشرين، م ، س.

[25] – ديفيد بيزلي، مداخلة في جلسة لمجلس الأمن، عبر الفيديو، بعنوان “حماية المدنيين من الجوع الناجم عن النزاع” بتاريخ 21/04/2020،  منشورة على الموقع   https://news.un.org/ar/story/2020/04/1053622  تاريخ التصفح 27/04/2020 الساعة 00h30

[26]– وهذا ليس بالأمر الغريب على روسيا فهذه الأخيرة لها تاريخ في هز السوق والتحكم في سوق القمح العالمية باعتبارها من كبار مصدري القمح حيث سبق لها فرض ضريبة تصدير في 2007 لمكافحة ارتفاع تكاليف الغذاء وقامت بحظر التصدير في 2010 بعد ضعف المحاصيل. مقال بعنوان « Russia wants to limit grain export to protect food supplies »  www.bloomberg.com/news/articles/virus.pub  تاريخ التصفح 25/04/2020 الساعة 22h20

[27] – مقال بعنوان: “الحرب في اليمن: برنامج الغذاء العالمي يقطع نصف المساعدات الإنسانية عن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين”  https://www.bbc.com/arabic/middleeast-52243047 تاريخ التصفح 26/05/2020، الساعة 23h30

[28] – مقال بعنوان “الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى “التضامن والوحدة والأمل” في مكافحة جائحة كوفيد-19″ ،https://news.un.org/ar/story/2020/04/1054092 تاريخ التصفح 01/04/2020.الساعة 22h30

[29] –  البنك الدولي، “سلسلة الحبوب: الأمن الغذائي وإدارة واردات القمح في البلدان العربية”، منشور للبنك الدولي، السنة 2012، ص 4.

[30] – علي إيتونجار، “العجز في إنتاج الحبوب بالمغرب قد يصل إلى 60 مليون قنطار سنة 2020″، https://www.maghress.com/attajdid/15738  تاريخ التصفح 27/4/2020 الساعة 01h00

[31] – فاطمة بكدي، رابح حمدي باشا، الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، مركز الكتاب الأكاديمي، الطبعة الأولى سنة 2016 ص 66.

[32] – كما حدث في مدينة لوس أنجلس وولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، أندرو مارسزال، مقال بعنوان “حالة جنون تجتاح المتاجر الأمريكية خوفا من فيروس كورونا” www.hespress.com/international/462195.html  تاريخ التصفح 27/04/2020 الساعة 02h00

[33] – اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “القانون الدولي الإنساني: إجابات على أسئلتك”، مطبوعات اللجنة ، دجنبر 2014، ص 65.

[34] – البيان المشترك حول تأثيرات كوفيد-19 على الأمن الغذائي والتغذية بمناسبة الاجتماع الاستثنائي لوزراء الزراعة في مجموعة العشرين، م، س.

[35] – بيان مشترك صادر عن شو دونيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وتدروس أدهانوم غبريسيوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وروبرتو أزيفيدو، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية بعنوان” تخفيف آثار كوفيد-19على تجارة الأغذية والأسواق”،  http://www.fao.org/news/story/ar/item/1268969/icode  تاريخ التصفح 10/05/2020. الساعة 22h00

[36] – point 9 du déclaration du sommet mondial sur la sécurité alimentaire, Rome,16-18 novembre 2009.

[37] – ‘’ Director-General discuss responses to COVID-19 challenges with all FAO Country Représentatives” article publié sur le site  http://www.fao.org/director-general/news/news-article/fr/c/1270606/, vu le 09/04/2020 à 22h00

[38] – إذا كانت السلع الأساسية تتمثل بالدرجة الأولى في الحبوب لأهمية قيمتها الغذائية فإن التمور أيضا لا تقل أهمية من حيث قيمتها الغذائية كما أنها تساهم في تنمية المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية.

[39]– محمد السيد عبد السلام ، الأمن الغذائي في الوطن العربي ، م ، س ، ص78 و 80.

[40]– منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ، تقرير بعنوان “حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم”، السنة 2011، م، س، ص 18.

[41]– يمكن تقسيم الاستثمارات الفلاحية بشكل عام إلى استثمارات أجنبية أو وطنية تبعا لجنسية المستثمر، وأيضا إلى استثمارات عامة أو خاصة تبعا للمركز القانوني للمستثمر أي بحسب ما إذا كان من أشخاص القانون العام أم من أشخاص القانون الخاص.

[42]– عبد الرزاق اصبيحي، إدارة واستثمار موارد الأوقاف : الإشكالات والتحديات ، مجلة الحقوق ، العدد 18 لسنة 2015، ص 54.

[43]– نهال ناجي علي العولقي، العقار و الاستثمار باليمن، نهال ناجي علي العولقي، العقار و الاستثمار باليمن، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، شعبة القانون العام، وحدة العقار و التنمية والاستثمار، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال ، السنة الجامعية 2009 – 2010، ص 323.

[44]– محمد السيد عبد السلام، الأمن الغذائي للوطن العربي، م ، س، ص 15.

[45]– علي العطار، التنمية الاقتصادية والبشرية، دار العلوم للطباعة والنشر، بيروت/ لبنان، الطبعة الأولى 2002، ص 105.

[46]– جمال خلوق، التدبير الترابي بالمغرب : واقع الحال ومطلب التنمية، الطبعة الأولى ، فبراير 2009 ص 79 و ما بعدها.

[47]– نهال ناجي علي العولقي، العقار و الاستثمار باليمن، م ، س، ص 335.

[48] – الأمم المتحدة ( اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي أسيا “الاسكوا”) بيروت لبنان، موجزات سياسات الأمن الغذائي بالمنطقة العربية، السنة 2019، ص 10.

[49] – منظمة الأغذية والزراعة تقرير بعنوان ” التحديات والفرص في ظل عالم واحد، السنة 2019، ص 278.

[50] – المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان مداخلة في المنتدى الثالث والعشرين بشأن القضايا العالمية  على الموقع  http://origin.who.int/dg/speeches/2009/financial_crisis_20090318/ar  تاريخ التصفح 25/04/2020 الساعة 22h40

[51] – لجنة الامن الغذائي العالمي، إطار العمل بشأن الأمن الغذائي والتغذية في ظل الأزمات الممتدة، السنة 2015،، ص 2.

[52] – كمال حماد، النزاعات الدولية: دراسة قانونية دولية في علم النزاعات، الدار الوطنية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1998،ص 41.

[53] – مقال بعنوان “أبرز ردود الأفعال الدولية على انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ”على موقع  https://arabic.euronews.com/2019/11/05/international-reactions-towards-the-withdrawal-of-usa-from-paris-climate-pact  تاريخ التصفح 08/05/2020 الساعة 23h15

[54] – أورده محمد السيد عبد السلام ، الأمن الغذائي في الوطن العربي ، م ، س ، ص29 .

[55] – الإطار الاستراتيجي العالمي للأمن الغذائي والتغذية الصادر عن لجنة الأمن الغذائي، م،س ص 30.

[56] – إن نجاح نقل المعرفة وتوطينها يتوقف إلى حد كبير على قدرات الأفراد الذين نقلت إليهم وعلى توظيفها، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، تقرير تحت عنوان “بناء مجتمعات المعرفة في المنطقة العربية”، السنة 2019، ص 255.

[57] – الدبلوماسية الوقائية حسب الدكتور غالي ” العمل الرامي إلى منع نشوب المنازعات بين الأطراف، ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها”، أورد هذا التعريف كمال حماد، النزاعات الدولية: دراسة قانونية دولية في علم النزاعات، م، س، 1998، ص 129.

[58]– مقال تحت عنوان “كوفيد-19: مجتمعاتنا الأكثر جوعاً وضعفاً تواجه “أزمة مضاعفة”” م، س.

 

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b0%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b8%d9%84-%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%ad%d8%a9-%d9%83%d9%88%d9%81%d9%8a%d8%af-19/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M