رسائل كلينتون: أحداث ما بعد الإعلان الدستوري لمرسي

 عادل رفيق

تتحدث هذه الوثيقة من إيميلات هيلاري كلينتون والتي أرسلتها شخصية أمنية معاونة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون إليها بتاريخ 26 نوفمبر 2012، بعنوان: “السياسة الداخلية المصرية بشأن استحواذ مرسي على السلطة”، عن كواليس ما جرى في الرئاسة المصرية آنذاك بعد إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا في الثاني والعشرين من نوفمبر 2012 أثار جدلا كثيرا في أوساط المصريين آنذاك، واعتبره البعض أنه يعطي سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية.

وكان الإعلان الدستوري قد تضمن إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار؛ واعتبار الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها؛ وإقالة النائب العام المعين من قبل حسني مبارك المستشار عبد المجيد محمود؛ وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور ضد الحل من قبل أي جهة قضائية؛ بالإضافة إلى تمديد عمل الجمعية التأسيسية لعمل مشروع الدستور لمدة شهرين.

وقد اعتمدت الوثيقة في استقاء المعلومات التي وردت بها على مصادر خاصة قالت إنها على اتصال رفيع المستوى مع المجلس العسكري المصري والإخوان المسلمين بمصر، بالإضافة إلى أجهزة مخابرات غربية، وأجهزة أمنية محلية.

وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:

1- تقول الوثيقة إنه وفقاً لمصدر مطلع متصل بأعلى مستويات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة التابع لها، فإن الرئيس المصري محمد مرسي بعد مناقشات له في 25 نوفمبر 2012 مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع، التقى مع وفد من كبار القانونيين والقضاة في محاولة منه لشرح ملابسات قراره بإعلان صلاحيات رئاسية استثنائية، بما في ذلك الحد من سلطة القضاة في الحكم على شرعية المراسيم الرئاسية.

في الوقت الذي كان بديع يرى أن هذا التطور يعتبر فرصة لترسيخ سيطرة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة على المشهد السياسي في مصر.

وبينما كان مرسي يتوقع احتجاجاً شعبياً على قراره، فإنه بحسب هذا المصدر قد تفاجأ بمستوى العنف الذي وقع، لا سيما بين المتظاهرين العلمانيين / الليبراليين وأنصار الإخوان المسلمين.

ويعتقد بديع أن هذا العنف يمكن أن يعوق الجهود التي تستهدف تعزيز قيادة الإخوان للبلاد لمدى طويل، حيث سيؤدي إلى إخافة قادة الأعمال الأجانب الذين يتطلعون إلى الاستثمار في مصر.

ومع وضع ذلك في الاعتبار، فقد حث مرسي على التواصل مع القضاة في محاولة لكسب تفهمهم، إن لم يكن دعمهم، بخصوص توسيع السلطات.

ويأمل قادة الإخوان المسلمين أن تؤدي النتائج الإيجابية المتوقعة من الاجتماع مع كبار القضاة إلى خفض مستوى العنف المرتبط بالاحتجاجات، حتى مع استمرار التظاهرات.

2- ويرى هذا المصدر الحساس أن هذه الاجتماعات التي عُقدت عشية المظاهرات المتنافسة (من المؤيدين والمعارضين) التي تهدد بمزيد من العنف، تأتي بعد يوم واحد من مقتل أحد أعضاء حزب الحرية والعدالة في أعمال شغب اندلعت في منطقة الإسكندرية.

وفي نفس الوقت، أصيب 15 شخصاً بجروح في اشتباكات بين أنصار ومعارضي الرئيس قرب مكاتب جماعة الإخوان المسلمين بدمنهور. وفي القاهرة والإسكندرية، أشعل المتظاهرون العلمانيون / الليبراليون النار في مكاتب الإخوان المسلمين / حزب الحرية والعدالة، احتجاجاً على إعلان مرسي الصادر في 22 نوفمبر 2012 والذي يعزز السلطات الرئاسية.

وقال مرسي لقيادة الإخوان إن الإعلان سيبقى ساري المفعول حتى منتصف عام 2013، وهو الوقت الذي ستتم فيه صياغة الدستور الجديد، وستجرى الانتخابات الوطنية المقبلة.

وتسمح هذه الخطوة للرئيس بإصدار مراسيم ومشاريع قوانين دون رقابة من البرلمان أو القضاء، وقد حذر قادة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة مرسي من أنه يتجه نحو مواجهة جدية مع قضاة البلاد. حيث علق القضاة أعمالهم في بعض المناطق احتجاجاً على الخطوة، ودعت نقابة الصحفيين إلى إضراب وطني.

3- وقد علق المصدر بأنه خلال عصر 25 نوفمبر 2012، صرح قائد الجيش المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي بثقة أنه قبل إعلان الرئيس مرسي عن سلطات رئاسية واسعة في 22 نوفمبر، طلب الرئيس تأكيدات بأن الجيش المصري سيدعم ذلك.

ووفقاً لمصدر حساس، قال مرسي للسيسي إنه توقع رد فعل عنيف من الجماعات الطلابية والمنظمات السياسية الليبرالية / العلمانية التي قد ترى في هذه الخطوة محاولة لتأسيس دكتاتورية برعاية الإخوان المسلمين.

وقال السيسي لمرسي ​​إن الجيش سيدعمه وإذا لزم الأمر سيعمل على الحفاظ على النظام العام، لكنه اقترح بشدة (مستخدماً أقوى العبارات) أن يعتمد الرئيس على قوة الشرطة الوطنية للسيطرة على التظاهرات. ووافق مرسي على ذلك مشيرا إلى عدم رغبته في استخدام الجيش إلا عند الضرورة القصوى.

وبحسب هذا المصدر، فإن السيسي كان يعتقد أن مرسي يواجه صراعاً داخلياً على السلطة يتركز حول عدم إحراز تقدم في صياغة الدستور وكان يشعر بأنه (أي مرسي) يتعين عليه التصرف حيال ذلك.

4- وكان السيسي يرى أن الوضع الحالي نشأ بسبب إجراء الانتخابات الوطنية قبل صياغة الدستور الوطني، ومأسسة ميزان القوى بين مجلس النواب ورئيس الوزراء والرئيس.

وفي أغسطس 2012، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، استطاع مرسي بمعاونة السيسي وقيادة جهاز المخابرات العسكرية أن يتفوق على رئيس الدولة بالإنابة المشير محمد حسين طنطاوي، وعلى رئاسة البرلمان، وعلى أعلى المستويات القيادية داخل الإخوان / حزب الحرية والعدالة (بعد القرارات التي اتخذها بإحالة طنطاوي وعنان وآخرين للتقاعد وتعيين السيسي وزيراً للدفاع).

لكن بحسب هذا المصدر، فإن السيسي كان يعتقد أنه بسبب التأخير في صياغة الدستور الجديد، كان مرسي يشعر بأنه لم يكن قادراً على تنفيذ خطته لتحويل مصر إلى جمهورية إسلامية معتدلة.

وفي رأي هذا الشخص، كان مرسي قد خطط لهذه الخطوة (إقالة طنطاوي وعنان) بشكل خاص لمدة شهر على الأقل، لكنه لم يستشعر القوة الكافية للمضي قدماً في ذلك إلا بعد نجاحه في التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وقوات حماس في غزة.

وفي الوقت نفسه، تلقى مرسي دعم المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع، الذي كان على خلاف معه منذ الانتخابات الرئاسية.

وبحسب هذا المصدر، فقد كان بديع يرى أن مرسي كان يعمل باستقلالية تامة عن قيادة جماعة الإخوان المسلمين. لكن الرئيس في هذا الوقت كان في حاجة إلى دعمهم القوي.

ويرى بديع في هذه الفترة فرصة لإضفاء الطابع المؤسسي على سيطرة الإخوان المسلمين على الوضع السياسي في البلاد.

5- وفي رأي المصدر الذي اعتمدت عليه الوثيقة، فإن السيسي كان يشعر بأنه كان قد ألقى بثقله وراء مرسي وأنه سيواصل دعمه في المستقبل القريب. لكن الجنرال كان قلقاً من أنه في حين أن مرسي قد يكون بالفعل قد تصرف بحسن نية في هذه المرة، فإنه قد يستمرئ السلطة المطلقة ويعتاد عليها وقد يتردد في التخلي عن تلك السلطة عند إتمام صياغة الدستور وإجراء الانتخابات الوطنية في منتصف عام 2013.

وكان السيسي والضباط الأصغر منه سناً، والذين كانوا يسيطرون حينذاك على الجيش المصري، مستعدين لقبول محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك وأعضاء حكومته، شريطة عدم تقديم طنطاوي وغيره من كبار قادة الجيش للمحاكمة. وفي ذلك، أكد لهم مرسي أنه سيفي بالالتزامات التي قطعها على نفسه تجاه طنطاوي في أغسطس 2013 عندما تولى السيسي والضباط الأصغر سناً قيادة الجيش.

كما كان السيسي يتفق مع قناعة مرسي بأن العديد من القضاة الوطنيين كان قد عينهم مبارك وأنهم غير مهتمين بالسماح للرئيس الجديد لتحويل البلاد إلى دولة إسلامية.

6- ويشير هذا المصدر نفسه إلى أن السيسي أمر المخابرات العسكرية بشكل سري بإبقاء بعض القضاة والقيادات العلمانية / الليبرالية الذين تم تحديد أسمائهم تحت المراقبة، لا سيما مع تطور المظاهرات العنيفة بشكل متزايد.

كما أشار إلى أن مرسي كان يعمل في تلك الفترة بالتعاون مع بديع (بعد فترة قطيعة بعد الانتخابات الرئاسية)؛ وأنه بينما كانوا يخططون لاستخدام البنية التحتية للإخوان المسلمين / حزب الحرية والعدالة لدعم نظام مرسي، فإنهم كانوا متفقين على أنه يجب توخي الحذر لتجنب الصدامات العنيفة الواسعة بين الحشود العلمانية / الليبرالية و أنصار الإخوان المسلمين. ووفقاً لهذا المصدر، فإن المخابرات العسكرية تتابع أيضاً قادة حزب النور السلفي، الذين يعتقد مرسي أنهم لا يدعمون رؤيته الأكثر اعتدالًا بخصوص إقامة دولة إسلامية.

وفي الوقت نفسه، كان مرسي لا يزال على خلافات شخصية مع سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة بعد مرسي ورئيس البرلمان. فعلى الرغم من كونه عضواً في قيادة جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة ومقرباً من بديع، كان الكتاتني يعتقد أن الحكومة يجب أن تكون تحت هيمنة البرلمان الذي يسيطر عليه حزب الحرية والعدالة، وأن البرلمان، وليس الرئيس، هو الذي يجب أن يختار رئيس الوزراء.

7- ويعلق المصدر أن شخصاً يتمتع بإمكانية الوصول إلى أعلى مستويات الإخوان المسلمين يضيف بأنه بديع وغيره من قادة الإخوان المسلمين كانوا يرون أن مرسي صادق في إلغاء صلاحياته الاستثنائية بعد الانتخابات الوطنية في عام 2013.

ومن جانبهم، كانوا يرون أيضاً أن الفترة الانتقالية تعتبر فرصة لترسيخ وضع جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة كقوة سياسية مهيمنة في البلاد.

ويعتقد بديع أنه قادر على إدارة الخلاف الشخصي الواقع بين الكتاتني ومرسي، وخاصة إذا ظل السيسي والجيش / المخابرات العسكرية موالين للرئيس. كما يعتقد المرشد العام للإخوان بأن إسرائيل ودول المنطقة الأخرى سترحب بفترة استقرار.

ومن ناحية أخرى، فقد أسرّ بديع إلى مستشاريه بأنه كان أيضاً يخشى أن يشعر مرسي بالراحة في منصبه وألا يكون مستعداً للتخلي عن سلطاته الموسعة في منتصف عام 2013 كما وعد. وفي اعتقاد بديع، أنه إذا حدث هذا، فإن بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين سينضمون أيضاً إلى المتظاهرين العلمانيين / الليبراليين في الاحتجاجات ضد نظام مرسي.

ويدرك بديع أنه ستكون هناك مظاهرات، بعضها عنيف، طوال هذه الفترة الانتقالية، لكنه لا يعتقد أنها ستصل إلى مستوى الفعاليات المناهضة لمبارك في 2011 والتي أدت إلى الثورة الوطنية والإطاحة بالنظام القديم.

والأمر الأهم بالنسبة لبديع وقادة الإخوان المسلمين الآخرين هو دعم مرسي في الدور الجديد الذي يقوم به، مع العمل على طمأنة المصالح التجارية الغربية بأن هذا التوسع في السلطات الرئاسية لا يشكل تهديداً لأنشطتهم في مصر، أو على استقرار البلاد على المدى البعيد. ويرى هذا المصدر أن هذا الأمر بالنسبة لقادة الإخوان المسلمين كان هو التحدي الأكبر بالنسبة لهم.

تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.

 

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d9%83%d9%84%d9%8a%d9%86%d8%aa%d9%88%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b3%d8%aa%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%b3%d9%8a/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M