الإتفاق الدفاعي المُشترك بين مالي والنيجر وبوركينافاسو ونتائجه

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

جاءت تهديدات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ( إيكواس) ضد النيجر بنتائج عكسية تماماً فقد وقعت الحكومات العسكرية في ثلاث دول أفريقية التي خلعت جميع زعمائها المدعومين من الغرب في السنوات الأخيرة إتفاقاً في 16 سبتمبر2023ينص على مساعدة بعضها البعض فرديا أو جماعيا في حالة وقوع أي عدوان خارجي أو تهديد داخلي لسيادتها , ووفقاً لهذا الإتفاق الثلاثي فإن “أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر اعتداء على الأطراف الأخرى” , وقد سبق أن ذكرت مالي وبوركينا فاسو أن أي هجوم على النيجر سيكون بمثابة “إعلان حرب” ضدهما أيضا، بعد أن هدد عدد من جيران النيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بإرسال قوات لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم ويضم هذا التحالف الجديد لدول الساحل ثلاث دول كانت أعضاء في اتفاق مجموعة الساحل الخمس المدعوم من باريس مع تشاد وموريتانيا والذي انهار بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية وقال رئيس مالي المؤقت عاصمي جويتا في 16 سبتمبر2023 إنه وقع الاتفاق مع زعيمي بوركينا فاسو والنيجر “بهدف إنشاء “إطار دفاع جماعي ومساعدة متبادلة” وكتب رئيس المجلس العسكري في مالي عاصمي جويتا أيضاً على موقع X (تويتر سابقًا) وشدد على أن هدف الإتفاق الثلاثي هو “إقامة بنية للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة” كما أوضح وزير الدفاع المالي عبد الله ديوب أن هذا “التحالف سيكون بمثابة مزيج من الجهود العسكرية والاقتصادية بين الدول الثلاث” مع إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب لا سيما في منطقة ليبتاكو- جورما حيث تقع حدود الدول الثلاث .

يأتي هذا الإتفاق الثلاثي بعد أن اضطرت باريس إلى سحب قواتها من مالي بعد التوترات مع حكومتها العسكرية في عام 2020 وفي وقت سابق من هذا العام انسحبت فرنسا أيضًا من بوركينا فاسو بعد أن أمرها الحكام العسكريون في البلاد بالمغادرة كما يأتي هذا الإتفاق الثلاثي علي خلفية إلغاء قادة الانقلاب في النيجر الاتفاقيات العسكرية التي سمحت للقوات الفرنسية بمحاربة الجهاديين في منطقة الساحل مما أعطى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا) شهرًا واحدًا فقط لسحب قواتها البالغ عددها 1500 جندي لكن فرنسا تجاهلت هذا الإنذار وكذا المطالبة بمغادرة سفيرها مُبررة هذا الموقف برفضها الاعتراف بسلطة القيادة الجديدة , لكن  الكولونيل أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم الحكومة في نيامي قال في بيان أذيع على شاشة التلفزيون إن “فرنسا تواصل نشر قواتها في العديد من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في إطار الاستعدادات للعدوان على النيجر والذي تخطط له بالتعاون مع تجمع إيكواس ” .

قال  Stéphane Mille قائد القوات الجوية والفضاء الفرنسي في تصريح نُشر مؤخراً في سبتمبر 2023 أن فرنسا تري مستقبلا مُتناقص المدي في أفريقيا ودورا أكبر في المحيط الهادئ وأوضح قوله أنه من المرجح أن يكون لفرنسا بصمتها العملياتية في أفريقيا وزيادة وجودها في المحيط الهادئ وأضاف قوله : إن البلاد “ستعمل على خفض قواتها في أفريقيا ربما في المستقبل” , وأوضح كذلك : “لكن هذا لا يعني أن فرنسا ستنهي دعمها لمهام مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل فبدلا من ذلك ستعمل فرنسا مع حكومات مختلفة لفهم احتياجاتها المحددة بشكل أفضل وربما ترسل قوات عند الضرورة لحالات طوارئ وأحداث مختلفة “لفترة معينة من الوقت للتدريب ولأشياء من هذا القبيل”إنه استخدام جيد لقدرات القوات الجوية وخاصة طائرات النقل , ووصف Mille الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة الفرنسية في النيجر بأنها “مفاجئة” و”منظمة تنظيماً جيداً” و”غير عفوية”وقال Mille : “هناك بعض الروابط بالطبع بشأن تدخل روسي ما ولذلك علينا أن ننتبه إلى جميع المنافسين الذين يمكن أن يكونوا وراء الوضع في أفريقيا… وهذا ما رأيناه في مالي” لكنه قال إن حقيقة التورط الروسي تحتاج إلى مزيد من التحليل وقال Mille إن طائرات النقل الكبيرة ستلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في تطوير استراتيجية فرنسا في المحيط الهادئ في إشارة إلى القواعد الجوية الفرنسية في بولينيزيا الفرنسية وكاليدونيا الجديدة وقال : “نحن دولة من المحيط الهادئ لذلك من الطبيعي أن نكون موجودين في المحيط الهادئ” , وقال Mille : “نحن نغطي المزيد والمزيد من المنطقة في المحيط الهادئ وسنكون أكثر حضورا في المستقبل” , وأشار إلي أن ميزانية الدفاع الفرنسية الجديدة تستثمر أيضا في مجموعات جديدة من الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض للاتصالات , وقد شهدت مهمة بيجاسي 23 التي اختتمت مؤخرًا نشر خمس طائرات نقل من طراز A330 MRTT وأربع طائرات نقل عسكرية من طراز A400M و10 طائرات مقاتلة من طراز رافال وفقًا لحزمة صحفية من الحكومة الفرنسية حول المهمة كما شاركت القوات الفرنسية إلى جانب الولايات المتحدة وشركاء إقليميين آخرين في عدة مناورات مثل Talisman Sabre و    Northern Edge  .

نتائج مبــدئية قد تنتج عن هذا الإتفاق الثلاثي :

1- الدول الثلاث المُوقعة علي هذا الإتفاق الثلاثي كانت في السابق أعضاء في اتفاق الساحل مجموعة الساحل الخماسية SAHEL G 5 المدعوم من باريس مع تشاد وموريتانيا والذي تفكك بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية في هذه الدول الثلاث , وقد بذلت فرنسا جهودا مُضنية علي مدي السنوات الخمس الماضية لإقامة ظهير عسكري تحت مُسمي قوة G5 SAHEL ليبررلها التدخل والوجود العسكري بذريعة أن هذه القوة تحارب الإرهاب الذي كانت فرنسا قد جلبته معها للمنطقة حتي تظل مُتواجدة عسكرياً وحتي تظلل تهدد الحكومات الضعيفة العميلة التي تنصبها بعمليات ديموقراطية شكلية وصورية ولكي تكون هذه القوة تعويضاً لإخفاق عمليتي Serval و BARAKHANE العسكريتيت الفرنسيتين اللتين أطلقتا في شمال مالي ولم تسجلا نجاجاً عملياً يُذكر , فالجهد الدبلوماسي الفرنسي علي مستوي مجلس الأمن الدولي وكذلك الثنائي كان مُركزاً علي إنشاء قوة الساحل الخماسية أو G5 Sahel المكونة من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو وهي التي أعلن عنها – من بين قادة آخرين – الرئيس الموريتاني في ديسمبر 2016 لمواجهة “الجهاديين” , ولن يكون بوسع المرء أن يتصور أن هناك حيزاً ما لعمل غير العسكري لحل ما يحاول الفرنسيين أن يحملوا البعض والآخرين حملاً علي الإعتقاد فيه وهو أن هناك أزمة أمنية كالتي يروجون لها بهذه المنطقة  , فهذه الأزمة الإفتراضية ناشئة عن رفض جماعة أو قل جماعات مُسلحة للوجود العسكري الفرنسي الحارس علي إبقاء المصالح الفرنسية مُصانة ومتنامية علي حساب الإقتصاديات الوطنية لشعوب المنطقة , والتي وللأسف يقوم بدور مساند لعمليات النهب الفرنسية تلك قادة هذه الدول الحاليين والمُنتخبين بواسطة عمليات ديموقراطية مُشوهة ومُبتسرة وغير بعيدة عن أيدي أجهزةالمخابرات الفرنسية ومنها المكتب الثاني Deuxième Bureau de l’État-major general  , ولذلك فالجهد الفرنسي المحموم لإنشاء هذه القوة بقدر ما هو مُعبر عن أهميته لتحقيق الجزء المخفي لإسترتيجية أو سياسة Françafrique  بقدر ما هو مُعبر كذلك عن الروح العسكرية الكامنة وراء سياسة فرنسا الأفريقية والتي تترجمها إتفاقيات وبروتوكولات الدفاع والتعاون العسكري المختلفة والمُوقعة بين فرنسا مع ما لا يقل عن 26 دولة أفريقية ,  أُعلن لأول مرة في ختام قمة ضمت رؤساء موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو بنواكشوط في 16 فبراير 2014 عن الحاجة لإقامة قوة لمواجهة “الإرهاب” , وكان هناك قدر كبير من التنسيق بين كل من النيجر وموريتانيا لتحقيق هذه القوة علي الأرض ,وأقرت هذه القوة بموجب إتفاقية وُقعت في 13 ديسمبر2014 تضمنت الإشارة إلي أن هدف القوة هو تقوية الإرتباط فيما بين التنمية الإقتصادية والأمن ومواجهة دول المجموعة الخمس ” لخطر” تهديد “الجهاديين” بالمنطقة وعلي رأسها القاعدة والمرابطين وBoko Haram و حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا  MUJWA , ثم وفي نوفمبر 2015 في N’Djamena عاصمة تشاد تكررت الدعوة لإنشاء قوة لمواجهة  “الإرهاب” لكنها لم تتحقق مادياً , لكن وفي نوفمبر من عام 2017 وبدعم وتأييد فرنسا لهذه القوة , أعلن وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian عن أن العسكرية الفرنسية ستتعاون مع مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا في مسعي منها لإقامة قوة الساحل الخماسية G5 Sahel التي من المُفترض أن قوامها 5,000 جندي مهمتها مواجهة التهديد المُتنامي للجماعات “الإرهابية” و“المُتشددة” , والتي تقرر لاحقاً أن يكون مقرها في بلدة Sévaré بمنطقة Mopti Region بوسط مالي بين منطقتي الشمال وبها معظم طوارق وعرب مالي وبين منطقة جنوب مالي التي تعيش بها معظم القبائل الأفريقية وكان أول تمركز لكتيبة من هذه القوة الخماسية في أول أكتوبر 2017 علي أن يكتمل إنتشار باقي الكتائب ميدانيا في مارس 2018, وتقود فرنسا مُستخدمة نفوذها الدبلوماسي والتبعية الإقتصادية والعسكرية لمستعمراتها السابقة لها بغربي أفريقيا لإقامة هذه القوة ليس لمجابهة ” الجهاديين “و” المُتطرفين ” بإعتبارهم إرهابيين كما تدعي هي وتوابعها , وإنما لمجابهة “معارضين” للنهب والهيمنة الفرنسية علي مقدرات وموارد دول منطقتي الساحل والصحراء  , وليس ذنبهم أنهم مسلمين , فلو أي من بني البشر حاولت دولة أخري نهب وإحتلال بلاده لأمتشق السلاح وهاجمها وهي تحاول ذلك , وهو ما فعلته المقاومة السرية الفرنسية بعد إحتلال النازي لفرنسا , ولم يجرؤ أحدهم وصم هذه المقاومة بالتطرف أو الإرهاب فهو حقها الأصيل , ربما من فعل ذلك من الفرنسيين حكومة أو نظام فيشي Régime de Vichy , والقاسم المُشترك بين رؤساء دول وحكومات الدول الخمس التي تتكون منها دول قوة الساحل الخماسية أو ما يمكن وصفه “بتحالف الساحل” أو Coalition Sahel وبين حكومةVichy     هو التبعية والخضوع , فما هو دخل فرنسا بالتعرض لمجموعات مُعارضة لنظم حكم قائمة فيما وراء البحار ؟ , ما لم يكن من صميم المصلحة والأمن القومي الفرنسي مهاجمتهم مباشرة , أو ما هو دخل فرنسا بدعم هذه النظم عسكرياً ودبلوماسياً لتسويغ كسر أي إرادة مُعارضة لها كما هو الحال مع “الإرهابيين ” بالصحراء الكبري حالياً ؟ لكن أيري البعض والآخرون منا أن القضية برمتها يجري تشويهها ومسخها إعلامياً وبحرفية فرنسية بالغة ثم نجد حيز عريض بالإعلام العربي السفيه الذي لا يقل تبعية عن القابضين علي السلطة يشوههم ويصورهم وكأنهم متطرفين بلا خجل من إستخدامهم لفظ ” الجهاد ” بإعوجاج منفر ؟  ومما يؤكد زيف السياسة الفرنسية أننا لم نر فرنسا مثلاً تهب لدعم المعارضة المصرية أو الإثيوبية أو الليبية , المسألة برمتها تبعية مهينة مُذلة ولا أكثر .

2- باعد هذا الإتفاق الثلاثي من المسافة بين فرنسا والدول الثلاث لكنه لم يؤد إلي ذلك مع الولايات المتحدة التي إتخذت وتتخذ موقفاً مُتحفظاً لكنه غير عدواني من الإنقلابات العسكرية الثلاث حتي الآن وبدا تحفظها واضحاً في أنها تجنبت وصف إنقلاب النيجر (الذي لم يقرر بعد الإستعانة بمرتزقة فاجنر رغم تلويح فرنسا وإيكواس بالعدوان علي النيجر) بالإنقلاب العسكري حتي لا يترتب علي هذا التوصيف قرارات وإجراءات معينة من الكونجرس والحكومة الأمريكية ولذلك عندما أعلنت القيادة الأمريكية لأفريقيا في 19 سبتمبر 2023 عن مشاركة 13 دولة من دول غرب أفريقيا تشمل البلدان والمنظمات الممثلة في المؤتمر بنين والرأس الأخضر وكوت ديفوار وغانا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ونيجيريا والسنغال وسيراليون وجامبيا والكاميرون وتشاد والاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تجنبت دعوة مالي وبوركينافاسو والنيجر في هذا المؤتمر رغم أن الأخيرة بها 3 قواعد أمريكية إحداهم في شمال النيجر للطائرات المُسيرة وتكلفت نصف مليار دولار, وتستضيف ساحل العاج المؤتمر اللوجستي لغرب إفريقيا في أبيدجان لمناقشة التحديات المشتركة والتعاون والعمل على إيجاد الحلول معًا ويمثل الجهات المدعوة50 من قادة اللوجستيات العسكرية من غرب إفريقيا والولايات المتحدة ويوفر المؤتمر الذي يستمر يومين والذي يحمل عنوان “معالجة التحديات اللوجستية الإقليمية والتعاون والحلول” منتدى للحاضرين من غرب إفريقيا لتبادل تجاربهم ورؤاهم الفريدة والبدء في تصميم حلول للتحديات اللوجستية المشتركة , لكن رغم هذا التحفظ الأمريكي هناك تحفظ أمريكي آخر تجاه فرنسا في عموم غرب أفريقيا فقد أحالت صحيفة THE WALL STREET JOURNAL في 23 فبراير 2018علي Christopher Runyanâ نائب المساعد الإداري للوكالة الدولية للتنمية لأفريقيا التابعة للحكومة الأمريكية USAID قوله إن الولايات المُتحدة يمكنها أن تنظر في مساعدات للقوة الخماسية فيما بعد هذا العام بنحو 60 مليون تقدمها الولايات المتحدة بصفة ثنائية لدول القوة الخماسية , لكنها تريد أولاً أن تري إلي أي مدي تعمل هذه قوة G 5 SAHEL بكفاءة ” , وهو ما يؤكد عدم ثقة الولايات المتحدة في كفاءة هذه القوة أو قدرتها علي تغيير الموقف الأمني والعسكري في الساحل بوجه عام , وكذلك يؤكد هذا القول عدم رغبة الولايات المتحدة في المساهمة في جهد تراه خارجاً عن نطاق ما هو مُخطط لقيادتها العسكرية في أفريقيا AFRICOM .

علاوة علي ما تقدم حدث أنه في إطار إدامة تمويل القوة المشتركة للساحل G5 Sahel و FC-G5S تقدم القائد العسكري لقوة الساحل الخماسية G 5 Sahel الجنرال Oumarou Namata ووزير الخارجية التشادي عمر بن داود بطلب لمجلس الأمن الدولي خلال جلسته الإفتراضية التي عُقدت في 18 مايو 2021 لإنشاء “مكتب دعم الأمم المتحدة” من أجل توفير الدعم اللوجستي والتشغيلي لهذه القوة (وهو ما سبق وأوصى بها الأمين العام لأول مرة في عام 2017) , لكن هذا الطلب لم توافق عليه الولايات المتحدة إذ رفضت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة Linda Thomas-Greenfield بصفة قاطعة هذه المبادرة التي تقدمت بها النيجر وتشاد بدعم من فرنسا , وقالت : “إن الولايات المتحدة لا تريد أن تساهم بأكثر مما تفعله من أجل الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل ” وأنها : “تعتقد أنه لا ينبغي تخصيص الأموال المرصودة لعمليات السلام الأمم المتحدة لهذا الغرض” ثم أوضحت أنها “نعتقد أن أموال عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة ليست مصدرًا عمليًا لتمويل القوة المشتركة , وأن إعطاء تفويض قوي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ليس مناسبًا ولا مثاليًا لمساعدة القوة الخماسية للساحل على إنجاز مهمتها ” ثم نوهت بأن : “الولايات المُتحدة خصصت أكثر من 580 مليون دولار كمساعدات أمنية وغيرها من أشكال الدعم ضد التطرف العنيف لدول مجموعة الخمس لأن هذا هو النهج الصحيح ” بينما كانت وجهة النظر الفرنسية في هذا الصدد وفقاً لما قاله المندوب الفرنسي لدي الأمم المتحدة في مناقشات هذه الجلسة الأفتراضية بمجلس الأمن : “أن الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي يؤيدان فكرة إنشاء مكتب دعم للأمم المتحدة لمجموعة السـاحل الـخمـاسـية G 5 Sahel بتمويل من المساهمات الإجبارية ” ,  وقد فشلت المحاولة الفرنسية لإنشاء مكتب لدعم مجموعة دول الساحل الخمس G 5 Sahel تابع للأمم المتحدة بسبب معارضة أكبر دولة مساهمة في الأمم المتحدة وهي الولايات المتحدة ومعارضة المملكة المتحدة أيضاً للربط ما بين مكتب يتبع الأمم المتحدة ويُمول منها وبين قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel التي تدعمها فرنسا لمساندة عملية Barkhane العسكرية الفرنسية في شمالي مالي (والنيجر) فكل من واشنطن ولندن لا يوافقان علي استخدام المساهمات التي حددتها الأمم المتحدة لدعم البعثات غير التابعة للأمم المتحدة , ولما كان هناك إنقسام في الآراء حول هذه القضية داخل مجلس الأمن فإن إرسال دول هذه القوة أو إحداها لخطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة يتضمن طلب المزيد من المعلومات حول الطرق والاحتياجات لإنشاء هذا المكتب أصبح غير ذي معني , وهذا الموقف وغيره كثير يُظهر إلي أي مدي كانت الولايات المتحدة تعترض سبيل تقدم العسكرية الفرنسية في عموم منطقتي الساحل والصحراء , ولهذا كانت مواقف الولايات المتحدة من الإنقلابات العسكرية علي الأقل في هذه الدول الثلاث مختلفة تماما عن مواقف فرنسا .

3- إن الإجراءات المعادية لفرنسا التي إتخذتها علي نحو أو آخر سلطات الإنقلابات العسكرية الثلاث في مالي وبوركينافاسو والنيجر تعبر وتكشف كراهية عميقة من العسكرين القابضين علي السلطة في الدول الثلاث نحو العسكرية الفرنسية ولفرنسا نفسها كدولة إستعمارية وهذه الكراهية قد ترسبت في نفوس الكثير من القادة العسكريين في هذه الدول الثلاث وغيرها في غرب ووسط أفريقيا لأسباب كثيرة منها علاقات فرنسا الفوقية مع الرؤساء الأفارقة وتعاملها مع العسكريين الأفارقة وكأنهم تابعين للقادة العسكريين الفرنسيين , ولهذا ففي تقديري أن سطات الإنقلابات العسكرية في هذه الدول الثلاث ستلتقي مع إن القوي الإسلامية المناوئة لفرنسا وسيظهر ذلك جلياً في ميدان أي معركة عسكرية تقرر فرنسا دخولها ضد أي من هذه الدول الثلاث , والدليل علي تقديري هذا أنه حدث أن إستيقظت Ouagadougou عاصمة بوركينا فاسو قبل الساعة العاشرة بقليل من صباح الثاني من مارس 2018 علي دوي إنفجارين بوسط العاصمة نتجا عن هجومين مُنسقين أولهما إستهدف مقر السفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي ونفذه حوالي 7 (وفي تقدير آخر 4) مُهاجمين يرتدون زي القوات البرية لبوركينافاسو حسب شهود عيان , والآخر علي معسكر Guillaume حيث مقر قيادة أركان الجيش البوركينابي والذي يبعد بنحو كيلو متر واحد فقط عن السفارة الفرنسية وقد دخله هؤلاء المُهاجمون المُقنعون من مدخله الجنوبي مع مركبة مُفخخة , وقد سمع علي نطاق واسه بالعاصمة دوي إنفجاران أحدهما أكثر عنفاً من الآخر , وكان ممثلي الدول الخمس التي تتألف منها قوة الساحل الخماسية G5 Sahel (تشاد / النيجر/ مالي / موريتانيا /بوركينافاسو ) وقت التفجير في  إجتماع داخل مبني هيئة قيادة الأركان , وربما كان من الممكن أن تكون الخسائر البشرية جراء هذين الهجومين أكبر في حالة الهجوم علي السفارة لولا وصول طائرة هليوكوبتر تقل عناصر القوة الخاصة الفرنسية لبعثة Sabre (أي سيف المبارزة) المتُمركزة في بوركينافاسو , لكن أرقام هذه الخسائر لُوحظ تضاربها , فقد أشارت صحيفة The Guardian في 3 مارس 2018 بالإحالة علي  Clement Sawadogoوزير الأمن البوركينابي قوله ” أن 8 من عناصر القوات المُسلحة قُتلوا في التفجير الإنتحاري ضد مقر قيادة الأركان , أما الهجوم الموازي علي السفارة الفرنسية فقد أسفر عن 80 إصابة , وأن ثمانية من المُهاجمين قُتلوا , ونوهت الصحيفة نفسها بهذا التضارب بشكل غير مباشر عندما قالت إن مصدران أمنيان  أحدهما في فرنسا والآخر في غربي أفريقيا أفادا وكالة الأنباء الفرنسية AFP بأن ما لايقل عن 28 شخص قُتلوا في الهجوم علي مقر قيادة أركان الجيش وحده , فيما أحالت الصحيفة علي مصادر أمنية وعلي وزير الخارجية الفرنسي  Jean-Yves Le Drian تأكيدهم بأن لا ضحايا فرنسيين واصفين الموقف في Ouagadougou بأنه “تحت السيطرة” , فيما أشارت الإذاعة الدولية لفرنسا RFI في 3 مارس 2018 بالإحالة علي مصدر أمني فرنسي قوله أن 8 جنود قُتلوا فيما أصيب 12آخرين إصابات خطيرة , لكن RFI كررت ما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية عن المعلومات التي إحالتها لمصدرين فرنسي وغرب أفريقي , لكنها أحالت نفس المعلومات علي ثلاث مصادر وليس مصدرين منهما مصدران فرنسيان والأخير بغرب أفريقيا  , وهو بالضبط ما ذهبت إليه صحيفة Le Figaro الفرنسية في نفس يوم الهجومين , إذ أشارت إلي أن القتلي لا يقلون عن 30 ضحية من العسكريين وما يزيد عن 80 مُصاب , لكن محطة CNN في تغطيتها يوم 2 مارس 2018 ذكرت بالإحالة علي Rémi Dandjinou وزير الإتصالات البوركينابي قوله أن ما لا يقل عن 7 أشخاص قُتلوا كما قُتل 6 من المُهاجمين , ثم عادت الإذاعة الدولية لفرنسا RFI فأشارت في 3 مارس 2018 إلي أن آخر قائمة بالخسائر تشير إلي مقتل ثمانية وإصابة 80 ما بين مدنيين وعسكريين من القوات البوركينابية ومقتل ثمانية من المهاجمين , أما إذاعة BBC البريطانية فأشارت في تقرير خبري في 4 مارس 2018 أن الخسائر بلغت 16 قتيل منهم 8 من الجيش البوركينابي و8 من المهاجين وإصابة ما لا يقل عن 80 فرد , بل إن البيان الذي أصدرته الخارجية المصرية في 3 مارس 2018وأدان الهجومين بأقوي العبارات أشار إلي أن خسائر الهجومين البشرية بلغت 35 قتيل و90 مُصاب , لكن علي كل حال فإن معظم التقديرات الأولية إلتقت عند تقدير مفاده أن الهجوم الذي تعرضت له السفارة الفرنسية ومقر قيادة أركان القوات المُسلحة لبوركينافاسو في وسط العاصمة Ouagadougouأسفر وبصفة أولية عن مقتل ما لا يقل عن 30 وفقاً لمصدر أمني فرنسي , وقد أشار موقع TV5MONDE في تغطيته تحت عنوان “بوركينافاسو: هجوم في قلب واجادوجو” , إلي أن هناك إرتباك سائد في الموقف .

أضاف إلي هذا الإرتباك إرتباكاً آخر نجم عن تضارب في المعلومات بشأن ما تردد عن هجوم آخر وقع بعد 48 ساعة من الهجومين السابقين يوم 2 مارس , فقد أصدر رئيس أركان الرئاسة الخاص في بوركينافاسو بياناً في 5 مارس عن ما يُشاع عن هذا الهجوم المزعوم فأشار إلي أن كل ما حدث هو أنه في 4 مارس أوقف الحرس الرئاسي المسلحين في الثانية بعد منتصف ليل 3/4 مارس في موضع غير بعيد عن سفارة الفاتيكان وقصر الرئاسة قريباً من شارع مُعمر القذافي أحد الأشخاص وكان لا يحمل بطاقة هوية فألقوا القبض عليه وأردوه قتيلاً عندما حاول الهروب منهم والإستيلاء علي سلاح أحدهم , وأشار البيان إلي أن التجوال ممنوع في المنطقة التي بها تواجد أمني مُكثف من الساعة 18 وحتي الساعة السادسة صباحاً , لكن خلافاً لما تضمنه هذا البيان فقد تداولت عدة مواقع إخبارية منها موقع lanouvelletribune.info وموقع صحيفة Liberation الفرنسية في 4 مارس وموقع VO news ومواقع أخري خبراً عن محاولة هجوم بعد أقل من 48 ساعة من هجومي 2 مارس , وأحالت هذه المواقع علي مصدر مُقرب من الحكومة البوركينابية قوله أن ثلاثة أشخاص هاجموا أحد الحرس الرئاسي في مكان غير بعيد عن شارع القذافي بالعاصمة وحاولوا بالإحتيال إنتزاع سلاح أحدهم والهروب ولما أُلقي القبض عليهم حاول أحدهم الهروب فصوب السلاح عليه وأردي قتيلاً فيما أستطاع الآخران الهرب .

فيما يتعلق بالمواضع المُحددة التي تعرضت للهجوم فإن السفارة الفرنسية فمن جانبها نشرت علي موقعها في Facebook بأنه ” لا يقين في هذه المرحلة على الأماكن المستهدفة ” , أما وزير الأمن البوركينابي Clement Sawadogo فبدوره قال  ” أنه كان من المُفترض أن يُعقد إجتماع ممثلي قوة الساحل الخماسية G5 Sahel في مقر قيادة أركان الجيش لكنه تغير لحجرة أخري ” ,  وفي الواقع فإن مبني السفارة الفرنسية وقيادة الأركان البوركينابية هما الموقعان اللذان إستهدفهما بكل تأكيد المهاجمين وليس هناك أي حيز للصدفة في ذلك الإستهداف , فالسفارة الفرنسية تعلم أنه لا موضع أكثر ولا أهم منها يمكن إستهدافه رغم إحكام الأمن حول محيطها وكذلك الأمر مع معظم سفاراتها بأفريقيا , كل ما في الأمر أن السفارة في بيانها علي Facebook تحاول طرد الأرواح الشريرة وطائر الشؤم الذي بدأ يحوم مجدداً حول التواجد الفرنسي عسكري أو دبلوماسي بأفريقيا خاصة الفرانكفونية .

أشار موقع MaliActu في 3 مارس أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين GSIM أعلنت في 3 مارس 2018عن مسئوليتها عن هجمات  Ouagadougou مُوضحة أن جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين تريد تثبيط بوركينافاسو والدول الأربع الأخري المُنضمة لقوة الساحل الخماسية في قتالهم باسم فرنسا كما أن الجماعة بررت ضربتها في Ouagadougou في صباح 2 مارس 2018 بأنها إنتقام للضربة الجوية التي نفذها الفرنسيون في إطار عملية Barkhane (تحت مسمي قوة  Sabreالمُتمركزة في Ouagadougou وذلك في ليلة 13/14 فبراير 2018 علي معسكر لم لمجموعة أياد أج غالي في بلدة Inaghalawass التي تبعد بحوالي 900 متر عن الحدود الجزائرية مع مالي شمال شرقي مالي والتي لقي بسببها 23 رجل منهم 6من قادتها “الجهاديين” منهم حسن الأنصاري ومالك أج واناسنات أحد المقربين من زعيم الجماعة أياد أج غالي , وكانت هذه الضربة بمثابة إستفزاز فرنسي في وقت كانت فيه باريس تستعد لشن عملية عسكرية في وسط مالي يستعجل نتائجها الرئيس الفرنسي Macron  وذلك بإسناد من المجموعة الخماسية للساحل G5-Sahel , هذا وأشار موقع MaliActu في 3 مارس 2018 أيضاً إلي أن تنظيم نصرة الأإسلام والمسلمين سبق وأعلن في 23 فبراير 2018 عن مسئوليته عن الهجوم الذي وقع بشمال مالي وأسفر عن مقتل عسكريان فرنسيان مُشاركان في عمليةBarkhane  العسكرية الفرنسية , إذ أن هذا التنظيم وكل الجهاديين في الصحراء الكبري يعتبرون فرنسا عدوهم الرئيسي ويهمونها بأنها تريد إستدامة إستعمارها للمنطقة والتي أصبحت الآن تحت الحكم الفرنسي منذ منتصف العقد الخامس من القرن الماضي .

إن التنظيمات الجهادية في النيجر ومنذ 2009 تقوم بعملياتها العدائية ضد كافة أشكال الوجود الفرنسي سواء أكان إقتصادياً أو عسكريا وهي عندما تواجه قوات حكومية تواجهها لإرتباطها بالعسكرية الفرنسية , وكانت تقوم بخطف الخبراء التعدينيين الفرنسيين العاملين في شمال النيجر في ARLIT بمناجم اليورانيوم هناك وكذا ضد عناصر المخابرات الفرنسية وكثيراً ما تكررت هذه العمليات وأقفت العمل بالمناجم لمة  إلي أن تعود .

لهذا من الواضح الآن بما لا يدع مجال للشك أن قطاع كبير من العسكريين والقادة العسكريين في غرب أفريقيا نفوسهم كنفوس الجهاديين ملأي بالبغض والكراهية لفرنسا وكلاهما  يناصب الوجود الفرنسي والعسكري علي نحو خاص العداء والكراهية بدليل ما فعله قادة إنقلابات مالي وبوركينافاسو والنيجروقبلهم أفريقيا الوسطي بفرنسا ووجودها العسكري ولاحقاً الإقتصادي  .

4- إن الإتفاق الثلاثي الذي وُقع في 16 سبتمبر2023 بين بوركينافاسو ومالي والنيجر وينص علي : ” أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر اعتداء على الأطراف الأخرى” يعني أن إتفاقات الدفاع التي وقعتها فرنسا مع الدول الثلاث أصبحت بلا فاعلية كما أن هذا الإتفاق الثلاثي ينتقص من فاعلية التجمع الإقتصادي لغرب أفريقيا “إيكواس” , وبالتالي فإن تصرف 3 دول أعضاء بهذا التجمع علي هذا النحو يعد خطوة علي طريق هدم هذا التجمع مستقبلاً .

كانت هناك مناقشات بين الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECWAS بشأن احتمال نشر 3000 جندي في منطقةالساحل ولم تسجل جميعها نتيجة حاسمة في مواجهة المقاومة المُسلحة في منطقة عملياتهم أي في مناطق بدول القوة الخماسية , وظلت عقبة التمويل قائمة وتعترض سبيل كفاءة قوة G5 SAHEL حسب الجنرال Oumarou Namata قائد القوة الخماسية في مقابلة صحفية معه في 10 يوليو 2020 , وفي تقديري أن الضعف العملياتي للقوة الخماسية مُستقل عن موضوع عدم كفاية التمويل لها , بدليل أن القوة الفرنسية لعملية Barkhane وقوامها 5100 جندي فرنسي لم تحقق هي الأخري حسماً في معركتها ضد القوي الجهادية , لذلك فالضعف العملياتي الواضح لايُفضل إعتباره نتيجة مباشرة لمشكلة التمويل وحدها وأنه يمثل تحديًا , ففي يوليو 2019 تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 154 مليون دولار لدعم القوة المشتركة وطلب الأمين العام للأمم المتحدة أموالًا إضافية من الهيئة الدولية دعمًا إضافيًا , وهذه الإعتمادية العسكرية الفرنسية الواضحة علي قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel والقوة المُشتركة للساحل  FC-G5S وفرقة عمل Takuba وقبلهم بعثة الأمم المتحدة في مالي (MINUSMA) لا شك في أن لها علاقة بمدخلات العمل العسكري الفرنسي بمنطقة الساحل كما أن لها أثر سلبي علي أمن المعلومات العسكرية الفرنسية , فتعدد الشركاء يعني بداهة تزايد إحتمالات الإختراق المعلوماتي , وهو وضع تنأي العسكرية الأمريكية عنه لأن التخطيط العسكري الأمريكي معادلته أمريكية محضة  .

الـــــــســــــفـــــــيــــر : بــــــــــلال الــــمــــصــــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي –  الـــقــــاهـــــرة تــحـــريــراً في 21 سـبـتمـبر2023

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=92416

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M