الإعلام الجديد ومدى تأثيره في المجتمع

اعداد :  الذهب عفان –  صحفي وباحث دكتوراه  – علوم الإعلام والاتصال 0 معهد الصحافة وعلوم الإخبار جامعة منوبة بتونس

 

الملخص:

يعيش المجتمع المعاصر تحولات هائلة في مجال الاتصال والإعلام أدت هذه التحولات في السنوات الأخيرة إلى تغيرات كبيرة في أساليب إنتاج وتوزيع وتلقي المعلومات.

فقد ظهرت تقنيات وأساليب اتصالية حديثة، وانتشرت عن طريقها خصائص ووظائف اتصالية جديدة، من أهمها التحول من وسائل الاتصال الجماهيري ذات الاتجاه الواحد، والمحتوى المتجانس، إلى تقنيات الاتصال التفاعلية ذات الاتجاهين والمضامين المتعددة، وظهر مصطلح “الإعلام الجديد” للتعبير عن هذه الظواهر الجديدة. ويسعى هذا البحث إلى الكشف عن سمات الإعلام الجديد من حيث تطور المفهوم والوظائف في ظل التطورات السريعة في المجتمع.

Abstract 

The contemporary society is living massive shifts in the field of Media and Communication which led to significant changes in the methods of producing  distributing and receiving information in recent  years. As a modern communication techniques and methods has appeared  and through them a new communication characteristics and tasks have spread the most important of them are the transformation from the mass communication with one  way and homogenized content to the interactive communication techniques with tow  ways and the multiple Implications and then the term of the new media or digital media has appeared  for expressing these new phenomenon.

This research seeks to detect new media attributes in terms of the evolution of the concept and functions under these rapid developments.

المقدمة:

إن التفاعل والاتصال سمة إنسانية منذ قديم الزمان وقد تعددت وسائل الاتصال قديمًا من  الاتصال الشفهي والمكتوب إلى أن تطورت الوسائل بعد الثورة الصناعية واختراع الصحف والإذاعة والتليفزيون وتواصل الأمر لعقود طويلة حتى اكتشاف الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وهو الحدث الأهم الذي غير مسار التاريخ  وجعل العالم قرية صغيرة ضيقة الأطراف وصولًا لما يعرف بالإعلام الجديد  أو الإعلام البديل واستخدام المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي في نقل مجريات الأحداث وظهور مجموعة من المؤثرات الإلكترونية التي تنقل أفكار مختلفة للأفراد.[1]

ورغم التطور الذي شهدته تكنولوجيا الإعلام الجديد إلا أنها لم تلغي وسائل الاتصال القديمة ولكن طورتها بل غيرتها بشكل ضخم، وأدت إلى اندماج وسائل الإعلام المختلفة والتي كانت في الماضي وسائل مستقلة لا علاقة لكل منها بالأخرى بشكل ألغيت معه تلك الحدود الفاصلة بين تلك الوسائل، حيث أصبحت وسائل الاتصال الجماهيرية تتسم بالطابع الدولي أو العالمي.

ویحظى الإعلام ضمن إطار ثقافي وتاريخي وحضاري سمات العصر الذي یولد فیه وخصائصه، وفي الواقع، فإن عصر المعلومات أفرز نمطاً إعلامیاً جدیداً یختلف في مفهومه وسماته وخصائصه ووسائله عن الأنماط الإعلامیة السابقة، كما یختلف في تأثیراته الإعلامیة والسیاسیة والثقافیة والتربویة الواسعة النطاق لدرجة أطلق فیها بعضهم على عصرنا هذا اسم (عصر الإعلام)، لیس لأن الإعلام ظاهرة جدیدة في تاریخ البشریة، بل لأن وسائله الحدیثة قد بلغت غایات بعیدة في عمق الأثر وقوة التوجیه وشدة الخطورة أدت إلى تحولات جوهریة في دور الإعلام، وجعلت منه محوراً أساسیاً في منظومة المجتمع.[2]

وأضحى المجتمع مفتوحًا ومتاحًا للجميع حتى لغير المتخصصين والدارسين لهذا المجال مما تطلب بذل مزيدًا من الجهد في التفكير الناقد حيث غيرت هذه الوسائل التكنولوجية كل نواحي الحياة وخلقت أنشطة جديدة للأفراد والمجتمعات وتتمثل أهمية الإعلام في الآثار التي يحدثها من قيم وأفكار ومعتقدات فوسائل الإعلام هي مصدر المعلومات ومع التطور التكنولوجي أصبح مصدر المعلومة في وضع خطر فلا ندري ما مصدر المعلومة الصحيح وكيف نتعامل معه .[3]

وتعد أهمية دراسة الإعلام الجديد نابعة من مدى وقوة تأثيره في الآونة الأخيرة على الواقع الاجتماعي والسياسي والأمني والثقافي وأيضًا لحداثة المجال فنتيجة لذلك اتجهت الأدبيات النظرية والدراسات لتتناول هذا المجال الجديد الذي فرض نفسه على الواقع وأصبح منافسًا للوسائل الأخرى بجدارة مما يستدعي تحول الأنظار إليه .

وهذه الدراسة تسعى للبحث في ماهية الإعلام الجديد بجدالات هذا المفهوم وما هي أنماط التغير التي طرأت على الإعلام بشكله التقليدي ليتحول إلى الإعلام الجديد وما هي الإشكاليات التي طرحها هذا المفهوم في واقعنا الاجتماعي والسياسي المعيش.

نشأة الإعلام الجديد:

ظهرت وسائل الإعلام الجديد كمصطلح واسع النطاق في الجزء الأخير من القرن العشرين ليشمل دمج وسائل الإعلام التقليدية مثل الأفلام والصور والموسيقى والكلمة المنطوقة والمطبوعة، مع القدرة التفاعلية للكمبيوتر وتكنولوجيا الاتصالات، وتطبيقات الثورة العلمية التي شهدها مجال الاتصال والإعلام، حيث ساهمت الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال في التغلب على الحيز الجغرافي والحدود السياسية، والتي أحدثت تغييرا بنيويا في نوعية الكم والكيف في وسائل الإعلام. والمقصود بوسائل الإعلام الجديدة ببساطة هي وسائل الإعلام الرقمية وذلك لتفريقها عن التفاعلية والشبكية.[4]

مفهوم الإعلام الجديد:

الإعلام الاجتماعي شأنه شأن مفاهيم العلوم الاجتماعية ليس هناك مفهوم شامل جامع ولكن تتعد التعريفات والأطروحات التي تناولت المفهوم  وتعددت صور المفهوم فبعض يسميه بالإعلام الشبكي وبعض بالإعلام الإلكتروني وآخرون بالإعلام الرقمي في حين يطلق عليها  أحيانًا بالإعلام الشبكي أو إعلام المجتمع و رغم الجذور التاريخية للإعلام الجديد كمضمون إلا أن مصطلح الإعلام الجديد  قد ظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة مع الثورة التكنولوجية ووسائل الاتصال ولقد تعددت الدراسات التي تناولت مفهوم الإعلام الجديد وانقسمت إلى محورين يركز أولهما على إدماج الإعلام التقليدي بالوسائل الحديثة (الكمبيوتر) والشبكة المعلوماتية بينما ينصب الثاني على تقنيات الاتصال الرقمي بالأساس والتي أدت حتمًا إلى ظهور أنماط جديدة من الاتصال الإعلامي والجماهيري.[5]

ومن أبرز التعريفات المطروحة تعريف (لوجان) حيث يشير فيه إلى استخدام الوسائل الرقمية والتي تتميز بالفاعلية وثنائية الاتجاه في مقابل الوسائل التقليدية والتي تعتمد على الاتجاه الأحادي مثل التليفزيون والراديو والتي لم تتطلب في عملها أية تقنية والعديد من وسائل الإعلام الجديد نشأت عن طريق استخدام وسيلة قديمة والتطوير فيها على سبيل المثال ظهر التليفزيون عام 1948 وكان يعد إعلامًا جديدًا آنذاك لكنه لم يعد يصلح الآن هكذا, ولكن بإدماج التليفزيون مع الكمبيوتر من خلال تسجيل الفيديو الرقمي (نظام TiVo  ( يصبح إعلامًا جديدًا [6].

كما أن الإعلام الجديد يوصف بأنه العملية الاتصالية الناتجة من اندماج ثلاثة عناصر هي الكمبيوتر والشبكات والوسائل المتعددة.

ونستنتج من خلال العرض السابق للتعريفات أن هناك حالتين تفرقان الإعلام الجديد من القديم حول الكيفية التي يتم بها بث مادة الإعلام الجديد والكيفية التي يتم من خلالها الوصول إلى خدماته، فهو يعتمد على اندماج النص والصورة والفيديو والصوت مع بعضها البعض فضلاً عن استخدام الكمبيوتر كآلية رئيسية له في عملية الإنتاج والعرض، أما التفاعلية فهي تمثل الفارق الرئيس التي تميزه وهي أهم سماته.

كما أن فكرة الجدة يمكن استقراؤها من أن الإعلام الجديد يشير إلى حالة من التنوع في الأشكال والتكنولوجيا والخصائص التي حملتها الوسائل المستحدثة عن التقليدية، خاصة فيما يتعلق بإعلاء حالات الفردية والتخصيص، وهما تأتيان كنتيجة لميزة رئيسية هي (التفاعلية).[7]

ومن خلال هذا العرض ننتقل إلى تبيان أوضح للفروق بين الإعلام الجديد والقديم.

مقارنة الإعلام الجديد بالإعلام القديم:

هناك اتفاق في صفوف الباحثين أن أهم ما يميز الإعلام الجديد هو التفاعلية والقدرة على دمج المحتويات الإعلامية ومعالجتها وتنسيقها وإرسالها واستقبالها وتخزينها بمرونة عالية، وهناك عدة جوانب في الإعلام الجديد تميزه عن الإعلام القديم وتجعله منافسا قويا وبديلا له في الكثير من الأحيان، وقد ناقش ماكويل McQauil  أوجه المقارنة بين الإعلام الجديد والإعلام القديم من أربعة جوانب رئيسية هي كالتالي:[8]

أولا : من حيث النفوذ وعدم التكافؤ: حيث يختلف الإعلام الجديد عن الإعلام التقليدي بأنه أكثر انفتاحا وأقل احتكارا فتمكين الوصول إلى الإعلام الجديد أسهل وأسرع منه في الإعلام التقليدي كما أن المعلومات فيه لا تتدفق من مركز واحد إلى الأطراف ولا من الأعلى إلى الأسفل فقط، فحركة المعلومات في الإعلام الجديد تصدر من عدة اتجاهات، وتستقبل في عدة اتجاهات أيضا كما أنه من المعروف أن الحكومات لا تتحكم بالأنترنت ووسائل الإعلام الجديد ولا تضع لها التشريعات والأنظمة بنفس القدر الذي تضعه للإعلام الجماهيري التقليدي.[9]

ثانيا: من حيث التلاحم الاجتماعي والهوية الثقافية: نظرا للاستخدامات المتنوعة للإعلام الجديد والتنوع الكبير في المستخدمين من حيث هوياتهم وأماكن تواجدهم وثقافتهم المتعددة فإنه يمكن الاستنتاج بأن الإنترنت والإعلام الجديد يؤدي إلى زيادة في التفكك والتشتت الاجتماعي، ولكن بالمقابل الإعلام الجديد يتيح ظهور أنواع جديدة من العلاقات الاجتماعية ويساعد على تشكيل جماعات وشبكات من الأفراد الذين تربطهم اهتمامات وأهداف مشتركة بطريقة لم تكن متوفرة في الماضي.[10]

ثالثا: من حيث القدرة على إحداث التغييرات الاجتماعية والمساهمة في مشاريع التنمية: من زاوية النظر التقليدية فإن حملات التنمية والتغيير الاجتماعي تحتاج إلى تخطيط مركزي وتنظيم ذو اتجاه واحد ومجهودات جماعية مركزية بالإضافة إلى ميزانيات ضخمة في أغلب الأحيان، هذه الخصائص هذه الخصائص غير موجودة في الإعلام الجديد، حيث يغلب عليه طابع اللامركزية وتعتمد كثيرا على المجهودات الفردية أو الجماعية المصغرة، ولكن أدوات ومضامين الإعلام الجديد قد تتفوق في هذا المجال نظرا لتنوعها وجاذبيتها لدى الجمهور وخواصها التفاعلية، كما أن الجمهور يتفاعل معها بطريقة اختيارية أو تطوعية وهي طريقة أكثر فاعلية من طريقة الإلقاء من طرف واحد.

رابعا: التعامل مع المكان والزمان: فيما يتعلق بتخطي حواجز المكان والزمان نجد أن الإعلام التقليدي في الواقع وصل إلى مرحلة من القدرة على تخطي حواجز المكان قبل ظهور وانتشار الإعلام الجديد، فالتلفزيون يصل إلى أي منطقة في العالم بالبث الحي عبر الأقمار الصناعية ويتخطى حواجز الدول والبلدان وحقق بذلك تفوقا ملحوظا على وسائل النقل التقليدي التي سبقته مثل السيارات والقطارات والطائرات.

لكن انتشار الإعلام الجديد ضاعف من هذه القدرة وخفف من أعباء الإرسال التقليدي الذي يتطلب تجهيزات وميزانيات ضخمة لتشغيله، كما أن الإعلام الجديد تحرر من قيود المكان التي تفرض على الإعلام التقليدي التواجد في مراكز بث محددة وأماكن استقبال محددة، فالرسائل الإعلامية في عصر الإعلام الجديد تصدر من أي مكان إلى مكان آخر في العالم بسرعة فائقة.[11]

ولكن من جانب العوائق الثقافية والاجتماعية، لا نستطيع القول أن الإعلام الجديد قد تغلب عليها جميعا أو تجاوزها بالكامل، فالملاحظ أن معظم الشركات الكبرى المسيطرة تقنيا وفنيا على مضامين الإعلام الجديد متمركزة في أمريكا وأوروبا كما أن اللغة الإنجليزية هي لغة التخاطب الأولى على الإنترنت.

أما من حيث التحكم بالوقت نجد أن الإعلام الجديد يتفوق على الإعلام التقليدي من حيث سرعة إرسال واستقبال الرسائل الإعلامية بطرق متعددة منها مواقع مخصصة للأخبار ومواقع الشبكات الاجتماعية علاوة على مواقع المحادثات والدردشة، كما أن أدوات الإعلام الجديد توفر خاصية الأرشفة لاسترجاع المضامين من فترة زمنية سابقة قد تكون بعيدة جدا فيمكن استرجاع الأعداد القديمة من الصحف في أي زمن مضى من تاريخ صدور الجريدة ويمكن كذلك استرجاع البرامج الإذاعية والتلفزيونية القديمة وإعادة الاستماع لها ومشاهدتها بطريقة يصعب على الإعلام التقليدي توفيرها.[12]

الإعلام الجديد والمشاركة السياسية وتشكيل الرأي العام :

منذ ظهور وسائل الاتصال الجماهيري التقليدي (الصحافة والإذاعة والتلفزيون) وهي تقوم بأدوار عامة ساهمت بدرجات متفاوتة في دعم الأوضاع السياسية للدول. وفي المجتمعات الغربية تعد وسائل الإعلام التقليدية ضرورة لا غنى عنها في دعم المسيرة الديموقراطية لتلك الدول، فهي تنشر الأخبار والمعلومات عن القضايا العامة والأحداث السياسية التي تهم الجمهور، وهي كذلك تطلع قادة الحكومات وأعضاء الأحزاب السياسية على وجهات نظر الجمهور واتجاهات الرأي العام.

مزايا استخدامات الإعلام الجديد في المجال السياسي :

بعد انتشار الإعلام الجديد في السنوات الأخيرة أصبح استخدامه في عدة مجلات من بين الخيارات المطروحة خاصة وأنه يتيح خصائص جديدة مثل السرعة والوصول إلى أعداد كبيرة من الناس إضافة إلى ميزة التفاعلية، وهنا سنحاول تعداد مزايا استخدام هذا النوع من الإعلام في المجال السياسي:

  • يمكن أن يكون الاتصال تفاعلياً من جهتين، ويمكن أن يكون أحادياً أيضا وذلك بحسب الغرض المطلوب.
  • أيضاً يمكن أن يكون الاتصال أفقياً بين أطراف متساوية أو عمودياً بين المركز والأطراف.
  • تقليص دور الإعلام التقليدي كوسيط بين المواطن والسلطة السياسية[13]
  • تخفيض التكاليف في الإرسال والاستقبال مقارنة بتكاليف الإعلام التقليدي.
  • الفورية في الاتصال وسرعة تبادل المعلومات والآراء.
  • تقليص الحواجز والعوائق المادية والاجتماعية التي تعيق التواصل في الإعلام التقليدي.[14]

مساوئ الإعلام الجديد:

وتتمثل مساوئ الإعلام الجديد في عدم تمحيص المواد المنشورة، وعدم الثقة بالإخبار والمواد الموجودة. حيث إن أهم تحديين يواجههما الإعلام الجديد هما جودة المحتوى والتكنولوجيا التي يمكن بها عرض هذا المحتوى

وأما عن أشكال المخاطر الأمنية المتأتية عن الإعلام الجديد فهي: مخاطر متعلقة بالفكر الإرهابي ونشر ثقافة العنف، مخاطر متعلقة بإشاعة الفوضى ونشر ثقافة إسقاط الأنظمة، مخاطر متعلقة بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية، ومخاطر متعلقة بالجريمة الجنائية الرقمية.[15]

سلبيات الإعلام الجديد:

  • صعوبة الوثوق والتحقق من صحة وصدقية العديد من البيانات والمعلومات التي تحويها بعض المواقع في ظل الحاجة إلى التعزيز المتواصل للقدرات الثقافية والتعليمية للمتلقي.
  • ضعف ضبط الضوابط الضرورية لضمان عدم المساس بالقيم الدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات.[16]
  • ضعف ضوابط السيطرة على نشر العنف والتطرف والارهاب.
  • عدم التوازن بين حجم ونوعية الرسائل الإعلامية الموجهة وبين استعداد المتلقي لهما فيما يتعلق بالرأي والرأي الآخر.
  • تفتيت دائرة المتلقي، والتركيز على مخاطبة الأفراد والجماعات الصغيرة وفق الميول والاحتياجات الفردية.
  • انتهاك حقوق النشر والملكية الفردية.
  • ارتكاب الجرائم الالكترونية باستخدام التقنيات الحديثة.

الإشكاليات المتمخضة عن الإعلام الجديد

تحمل وسائل الإعلام الجديد في ثناياها العديد من الإشكاليات والتي إن كانت موجودة من قبل لكن هذه الوسائل حفزت من ظهورها بشكل واضح وزادت من اختناقاتها وتأزمها وتتعدد هذه الإشكاليات لكن سوف تركز هذه الدراسة على بعض منها كالهوية والأمن القومي والمعلوماتي إضافة للثقافة السياسية وسنتناول ذلك بشيء من التفصيل كل منهم على حدى.

1– إشكالية الهُوية

لفظ الهُوية ليس واضحًا فهو مفهوم أيديولوجي أكثر منه مستندًا على أسس علمية وإن كان التعبير عن الهُوية يتم من خلال خصائص تشترك فيها الجماعة الواحدة كالدين واللغة والتاريخ والمعتقدات والثقافة الواحدة, وقد أصبحت الهُوية في وضع بالغ الصعوبة اليوم نظرًا للتطور التكنولوجي الذي اختزل بشدة العلاقة بين المجتمعات وخلق لغة خاصة وهُوية مختلفة تسلك طريقًا آخر غير الذي اعتادت عليه ومن ثم أصبح من اليسير أن يخسر الفرد هُويته وشخصيته ويصبح الفرد في هذه البيئة الجديدة بدون هُوية أو ثقافة مميزة له بل أصبح يتحدث باللغة العالمية, وللهُوية مستويان الأول شخصي والآخر جماعي ويخلق الأول التنوع بين الأفراد داخل المجتمع الواحد أما الآخر فيخلق التنوع بين الجماعات والمجتمعات المتعددة.[17]

وكان للإعلام الجديد بصمته  الواضحة على الهُوية حيث أدت هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة إلى خلق مجتمعات افتراضية بشكل ضخم إلى حد لا يمكن الإلمام به وتقييده وبالتالي كان لذلك تداعيات واضحة على تغيير نمط تفكير الأفراد والجماعات وأصبحت المسافات والحدود الجغرافية أشكال وهمية لا تستطيع إيقاف هذا الغزو التكنولوجي الافتراضي وأضحت هذه المجتمعات الافتراضية هي الواقع الجديد الذي يُشكل حياة الأفراد وأصبحوا مرتبطين إلى حد كبير بالأجهزة الحديثة كالحاسوب والهاتف المحمول والأدوات الأخرى وذلك  أنتج ما يُسمى ” بالفرد الحاسوب”  وذلك إشارة لكونه أصبح مبرمجًا وأفرز نوعًا جديدًا من الهُوية لم يكن موجودًا ولا يتم تحديده فهو خليط ناتج عن مزيد من الانفتاحات والتداخل وتظهر الهُوية الافتراضية أو فضاء السايبر Cyber Space والذي يجعل الأفراد أشخاص ” أنترنتية” تنزوي في ثقافات غيرها حتى وإن كان على حساب هُويتها وإن كان هذا قد يشبع رغبات وحاجات نفسية لدى الأفراد إلا أنه يخلق قلق الانتماء لكونهم متشرذم في ثقافات وأفكار وهُويات مختلفة غير قادرين على تحديد ذاتهم الأصيلة التي يجب الانتماء لها .[18]

والحديث عن إشكالية الهُوية لا ينفصل عن اللغة فلا نجد جماعة من البشر لها نفس الهُوية إلا ولها نفس اللغة وفي كثير من الأحيان تسعى لفرض لغتها هذه ولعل النموذج الشهير على ذلك الكرد فرغم أنهم يتوزعون على أكثر من دولة إلا أنهم ينتمون فقط لقوميتهم وهويتهم ويتحدثون لغة واحدة رغم اختلافها عن باقي أقاليم الدول المتواجدين فيها , فاللغة هي التي تصون وتحمي الهوية وهى تحيا بالاستعمال والتداول ونتيجة للوسائل التكنولوجية الحديثة هذه تبعثرت الهُويات ليسود نموذج ثقافي وحيد ويصيح هو المركز وهو ما يُعرف باسم المثاقفة حيث انحسار الهويات المختلفة في ثوب جديد وهذا بالتأكيد سلبي حيث ما هو إلا قضاء على ثقافة لصالح أخرى ومثال على ذلك نجد ضعف اللغة العربية بسبب هيمنة اللغة الإنجليزية على الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) .[19]

2– إشكالية الأمن المعلوماتي والأمن القومي

سابقًا كان مفهوم الأمن القومي مرتبط بشكل كبير بمدى القدرة على السيطرة على حدود الدولة وامتلاك أجهزة استخبارات قوية وأدوات عسكرية كبيرة ولكن في الوقت الحاضر ظهر مصطلح الأمن المعلوماتي  والأمن السيبراني محوريًا في الدراسات الأمنية والاستراتيجية لما له من مركز ثقل وتأثير فأصبحت الوسائل التكنولوجية هي لغة الحرب المتعارف عليها وأصبحت حماية الأجهزة التكنولوجية ومعلومات الدولة أمرًا لا يقل شأنًا عن حماية الحدود الأرضية للدولة بل يعلوه خطورة.[20]

أولاً- الأمن المعلوماتي

وفي ظل الإعلام التقليدي نستطيع أن نضع الحدود الفاصلة بين كل من المعلومات المتاحة والأمن القومي والأمن المعلوماتي للدولة وبالتالي إمكانية إحجام المخاطر المحيطة ولكن تحت مظلة الإعلام الجديد أو الرقمي يختلف الأمر جملة وتفصيلًا حيث تسقط كل الجدارات الأمنية وتتلاشى كل الحدود الفاصلة وتصبح المعلومات متاحة بشكل ضخم مع عدم القدرة لمعرفة منبعها الأصلي هذا جنبًا إلى سيطرة الميول والمعتقدات في الحكم على حيثيات الحوادث القائمة فهو إعلام للفرد لا للمؤسسات يغلبه الطابع الأيدولوجي والعقائدي مما يجعل لكل فرد حرية في أن يسلك طريقًا يختلف عن الباقية نتيجة لاتجاهاته وميوله وهنا نتنج مشكلة وهى أن وقت الأزمات لا تُتاح الصورة بشكل كامل للأفراد ولكنه بناء على الأجزاء التي يراها وميوله وأيديولوجيته يبدأ في تشكيل رأي ووجهة نظر ربما تكون صائبة وربما لا ويبدأ في التعبير عنها عبر وسائل مواقع التواصل الاجتماعي وتتداخل آراء الأفراد ويحدث جدال مما يسبب اختناقات اجتماعية وبالتالي يصبح الرأي العام الإلكتروني مكشوفًا للجميع ويتم استغلال ذلك وبالتالي هو إعلام رأي وأيدولوجيا .[21]

ثانيًا – الأمن القومي

يتم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في إجراء بعد العمليات المهددة لسلامة وأمن المواطنين كنشر صور مخيفة أو بث لأعمال إجرامية مما تثير القلق لدى الأفراد ومن هذه العمليات:-

أ-انتشار الجرائم الإلكترونية : حيث تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في التهديد والابتزاز الإلكتروني والقرصنة (الهاكر) والتهديد بإتاحة البيانات الشخصية للأفراد ونشرها  وذلك للمساومة بمقابل مادي هذا إضافة إلى عمليات السرقة والقتل عن طريق الفيسبوك والإرهاب الإلكتروني .[22]

ب- تهديد الجرائم الإلكترونية :- الأمن الاجتماعي جزء لا ينفصل عن الأمن القومي بشكل عام وكان لوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الواضح على الأمن الاجتماعي حيث بث الأفكار التي تحفز على الرغبات الانفصالية وبث الكراهية بين الأفراد مما يهدد الانسجام والتواصل الاجتماعي

وبالتالي يعد عامل التوعية الإلكترونية وآليات الاستخدام الصحيح هى الحل الأمثل للتعامل مع هذه الهجمات الثقافية ومؤخرًا اتجهت الكثير من الدول من إنشاء وحدات تُسمى (وحدات الأمن السيبراني ) وذلك للتعامل بشكل سليم مع هذه العمليات الإلكترونية .[23]

3إشكالية الوعي والثقافة

بداية لا ننكر أن الوعي لدى الأفراد ليس بنفس الدرجة بل مختلف من شخص لآخر نتيجة لعوامل عديدة وهذا الوعي هو الذي يُشكل ثقافته بشكل عام وثقافته السياسية بشكل خاص وهى عملية متداخلة فكما أن وسائل الإعلام تعمل على المتغيرات النفسية والاجتماعية والعمرية لدى الأفراد فإن في الوقت نفسه يتجه الأفراد للمادة الاتصالية التي تتناسب مع فكره واتجاهاته .[24]

وتتعدد الوسائل التي تعمل عل تشكيل الوعي لدى الأفراد ويكون للإعلام الاستحواذ الأكبر لما يزوده من معلومات للأفراد  وتشكيل الرأي العام وهنا تظهر إشكالية المعلومات المغلوطة التي يتم نشرها عن طريق وسائل الإعلام الجديد وهذا الغرق المعلوماتي التي لا نستطيع التحقق بشكل قاطع من مصداقيته , ومن ضمن الأساليب المتاحة لتكوين الثقافة السياسية للأفراد الصحف الإلكترونية وما فيها من حرية الممارسات بمعنى تدفق الأخبار  وفي الآونة الأخيرة ازداد عدد الأفراد المستخدمين لهذه المواقع.

وفي هذا السياق نجد أن الإعلام الجديد قد جعل تشكيل الوعي والثقافة في أزمة فلا نعد نستطيع تحديد  بشكل دقيق هل يكون الإغراق المعلوماتي على مواقع التواصل الاجتماعي وتعدد الآراء الدارجة يكون وعي الأفراد أم الاعتقادات والأيديولوجيات المعتنقة لدى الأفراد هى التي توجههم لإنتهاج اعتقاد فكري معين وبالتالي المشاركة بمواد اتصالية معينة وأطروحة أخرى وهى هل هذه الآراء المتعددة تخلق مزيدًا من التناقضات الفكرية وإثراء الحوار المجتمعي واستغلال هذه الوسائل على تدعيم احترام وجهات النظر وجعلها طريقًا ممهدًا للسلام  الاجتماعي  أم أنها ترسخ مفهوم عدم التقبل والنقد الهدام .[25]

قائمة المراجع :

  • أبو عيشة، فيصل، 2010، “الإعلام الإلكتروني”، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع.
  • الزين أميمة سميح، 2016، “التحول للعصر الرقمي” المؤتمر الدولي التعلم في عصر التكنولوجيا، لبنان.
  • السيد عبد المعطي، نها 2015، صحافة المواطن نحو نمط اتصالي جديد، الإمارات العربية المتحدة، دار الكتاب الجامعي.
  • اللحام محمود عزت، صلاح، مروى عصام، 2015، “الاتجاهات الإعلامية الحديثة في الصحافة الدولية ، عمان، دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع.
  • زاهر الغريب، 2010، ” مستويات التعليم الإلكتروني”، مجلة التعليم الإلكتروني، جامعة المنصورة.
  • زيان محمد سيد، 2012، “الإعلام الجديد”، القاهرة، مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع.
  • صادق عباس مصطفى، 2008،” الإعلام الجديد المفاهيم والوسائل والتطبيقات”، عمان دار الشروق للنشر والتوزيع.
  • عبود حارث العاني مزهر، 2015، “الإعلام والهجرة إلى العصر الرقمي”، عمان، دار الحامد للنشر والتوزيع.
  • ليفرو ليا، 2016، ” وسائل الإعلام الجديدة البديلة والناشطة”، ترجمة: هبة ربيع، القاهرة، المركز القومي للترجمة.
  • هتيمي حسين محمود،2015،”العلاقات العامة وشبكات التواصل الاجتماعي”، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع.
  • رشاد شحاتة أبوريد، 1999، “مسؤولية الإعلام الإسلامي” ،القاهرة، دار الفكر العربي.
  • إبراهيم إمام، 1981،” العلاقات العامة والمجتمع”، القاهرة، مكتب الانجلو.
  • أحمد عبدالعزيز المبارك، 1977، “أجهزة الإعلام ودورها في توجيه المجتمع”، أبوظبي، دائرة القضاء الشرعي.
  • يوسف أزروال، 2014، ” الإعلام الجديد وموجة التغير العربي”، صحيفة الرؤية، العدد 647.
  • أسد عبيد،1999 ،” الإعلام العربي بين قرنين إخفاق في تحول الفكر إلى ثقافة عامة”، دمشق، مجلة الفكر السياسي، العدد السابع.
  • عزمي بشارة،2010 ” أفكار من الإعلام والإصلاح”، الندوة السنوية للمنظمة العربية لمكافحة الفساد، بيروت.
  • عيسى عبد الباقي، 2012،” وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في الدول العربية إشكالية الدور وآليات التعزيز”، مؤتمر مستقبل الإعلام في مصر، القاهرة.
  • محمد كامل النجحا، 1984، ” دور الإعلام في بناء الإنسان المثالي، دار العلم للطباعة والنشر، جدة.
  • برهان غليون، 1993، ” االمحنة العربية الدولة ضد الأمة”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
  • نفين عبد المنعم مسعد،1993، “التحولات الدمقراطية في الوطن العربي”، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، ط1.

[1] أبو عيشة، فيصل، 2010، “الإعلام الإلكتروني”، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، ص24.

[2] الزين أميمة سميح، 2016، “التحول للعصر الرقمي” المؤتمر الدولي التعلم في عصر التكنولوجيا، لبنان ص13.

[3] السيد عبد المعطي، نها 2015، صحافة المواطن نحو نمط اتصالي جديد، الإمارات العربية المتحدة، دار الكتاب الجامعي، ص33.

[4]  اللحام محمود عزت، صلاح، مروى عصام، 2015، “الاتجاهات الإعلامية الحديثة في الصحافة الدولية ، عمان، دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع ص17.

[5]  زاهر الغريب، 2010، ” مستويات التعليم الإلكتروني”، مجلة التعليم الإلكتروني، جامعة المنصورة، ص35.

[6] زيان محمد سيد، 2012، “الإعلام الجديد”، القاهرة، مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع، ص9.

[7] صادق عباس مصطفى، 2008،” الإعلام الجديد المفاهيم والوسائل والتطبيقات”، عمان دار الشروق للنشر والتوزيع، ص55.

[8] عبود حارث العاني مزهر، 2015، “الإعلام والهجرة إلى العصر الرقمي”، عمان، دار الحامد للنشر والتوزيع، ص12.

[9]  نفس المرجع، ص14.

[10] ليفرو ليا، 2016، ” وسائل الإعلام الجديدة البديلة والناشطة”، ترجمة: هبة ربيع، القاهرة، المركز القومي للترجمة، ص31.

[11]   هتيمي حسين محمود،2015،”العلاقات العامة وشبكات التواصل الاجتماعي”، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، ص54.

[12]  رشاد شحاتة أبوريد، 1999، “مسؤولية الإعلام الإسلامي” ،القاهرة، دار الفكر العربي، ص9.

[13]  إبراهيم إمام، 1981،” العلاقات العامة والمجتمع”، القاهرة، مكتب الانجلو، ص253.

[14]  نفس المرجع، ص254.

[15] أحمد عبدالعزيز المبارك، 1977، “أجهزة الإعلام ودورها في توجيه المجتمع”، أبوظبي، دائرة القضاء الشرعي، ص70.

[16] يوسف أزروال، 2014، ” الإعلام الجديد وموجة التغير العربي”، صحيفة الرؤية، العدد 647.

[17]  أسد عبيد،1999 ،” الإعلام العربي بين قرنين إخفاق في تحول الفكر إلى ثقافة عامة”، دمشق، مجلة الفكر السياسي، العدد السابع، ص15.

[18]  نفس المرجع، ص17.

[19] عزمي بشارة،2010 ” أفكار من الإعلام والإصلاح”، الندوة السنوية للمنظمة العربية لمكافحة الفساد، بيروت، ص7.

[20] عيسى عبد الباقي، 2012،” وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي في الدول العربية إشكالية الدور وآليات التعزيز”، مؤتمر مستقبل الإعلام في مصر، القاهرة، ص14.

[21]  نفس المرجع، ص6.

[22] محمد كامل النجحا، 1984، ” دور الإعلام في بناء الإنسان المثالي، دار العلم للطباعة والنشر، جدة، ص25.

[23]  نفس المرجع، ص27.

[24] برهان غليون، 1993، ” االمحنة العربية الدولة ضد الأمة”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص13.

[25] نفين عبد المنعم مسعد،1993، “التحولات الدمقراطية في الوطن العربي”، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، ط1، ص23.

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M