التضخُّم والعجز: ما الذي تكشفه موازنة العام الإيراني الجديد عن وضع إيران الاقتصادي؟

قدَّمت حكومة إبراهيم رئيسي مشروع موازنة العام الإيراني الجديد الذي يبدأ في منتصف مارس 2023، وهو ثاني مشروع موازنة تقدمه حكومة المحافظين بعد فوزهم في انتخابات 2021. واحتدم الجدل بين الحكومة والبرلمان الإيراني بشأن التأخير في تقديم مشروع الموازنة، ومشروع البرنامج الخماسي السابع. وأكد أكثر من نائب من نواب البرلمان أن مشروع الموازنة الذي قدمته الحكومة يعاني من نقاط ضعف واضحة.

 

الورقة الحاليّة هي الأولى ضمن مشروع بحثي لدراسة الموازنة العامّة الإيرانية للعام الإيراني الجديد 1402 هـ.ش (21 مارس 2023 – 21 مارس 2024).

 

الموازنة العامة الإيرانية: الأهميّة، والأرقام الأساسية

لا يمكن اعتبار الاقتصاد الإيراني حكوميّاً، بسبب تأثُره بتوجُّهات وقرارات مؤسسات اقتصادية كبرى تقع خارج سيطرة الحكومة. وتُسيطر المؤسسات التابعة لجهات سياديّة غير حكوميّة (الحرس الثوري، وبيت القائد) على نحو ثلثي النشاط الاقتصادي في البلاد. ومع ذلك، تبقى الموازنة العامة التي تقدمها الحكومة في كُلِّ عام، عاملاً رئيساً في رسم ملامح النشاط الاقتصادي في البلاد؛ فهي تُمثّلُ نشاط قطاعٍ مهمّ يستحوذ على ثلث حجم الاقتصاد الإيراني تقريباً. وفيما تُحَاطُ معظم أنشطة المؤسسات الاقتصادية السياديّة وخططها الاستراتيجية بالسريّة التامّة، يُعتبرُ مشروع الموازنة الوثيقة الوحيدة المُعلنة التي يمكن من خلالها قراءة توجُّهات الاقتصاد الإيراني وأدائه. ويمكن اعتباره عينة لفاعلية جميع القطاعات الأخرى التي تغيب عن أعين المراقبين. ويمكن القول إن الأرقام الواردة في الموازنة  تحمل إلى حدٍّ بعيد، دلالات حقيقية على اتجاهات الاقتصاد، والتضخم، وأسعار النفط، باعتباره البضاعة التي لا تزال الحكومة تمسك بزمام الجزء الأكبر منه حتى الآن.

 

وتتضمن الموازنة العامة الإيرانية أرقاماً أساسيّة، تُشكل العمود الفقري لها، ومن خلال هذه الأرقام يمكن  دراسة طبيعتها، وتوجهات صانع القرار الإيراني للاقتصاد في العام الجديد. إذ يبلغ حجم الموازنة العامة الإيرانية للعام الإيراني الجديد 1402 هـ.ش، نحو 1984 ألف مليار تومان (إلى جانب 180 ألف مليار تومان إيرادات الوزارات التابعة للحكومة)، مما يعني أن الموازنة ستشهد ارتفاعاً قدره 44.6%، مقارنة بموازنة العام الإيراني المنقضي التي استقرت عند 1372 ألف مليار تومان. ورغم  الارتفاع الظاهر الذي يدل في النظرة الأولى على سياسات حكومية تعتمد التوسع في الإنفاق، إلا أن الواقع لا يبدو كذلك؛ إذا أخذنا بالحسبان معدلات التضخم السنوية التي بلغت في شهر فبراير 51.3%، لتكون النتيجة انكماشاً بواقع 6.7% في القيمة الحقيقية للموازنة العامة. وفي حال استندنا على القيمة العالمية للموازنة العامة الإيرانية من خلال مقارنتها بأسعار الدولار، فإن الموازنة العامة ستشهد انكماشاً أكبر؛ إذ بينما بلغت قيمة الموازنة العامة للعام المنقضي نحو 53.6 مليار دولار، فإن قيمة موازنة العام الجديد ستكون عند 43.6 مليار دولار، بما يعني انكماشاً بنسبة 18.6% في حجم الموازنة حسب الأسعار العالمية. ولمدى أبعد، وبينما تشير الأرقام إلى أن حجم الموازنة ارتفع بواقع 512% منذ 2018، فإن القيمة الحقيقية للموازنة شهدت انكماشاً قوياً بلغ 44% خلال هذه الأعوام الستة.

 

 

وعلى صعيد الأرقام الأساسيّة، اعتمدت الموازنة العامة للعام الجديد 26 ألف تومان سعراً لصرف الدولار مع اعتماد السعر السوقي في محاسبة ضريبة الواردات. وبينما لا يشكل السعر المعتمد الجديد فارقاً كبيراً مقارنة بالسعر المتعمد خلال موازنة العام المنقضي (23 ألف تومان)، فإن اعتماد السعر السوقي لضرائب الواردات يرفع إيرادات الحكومة من ضرائب الواردات، والحقوق الجمركية بنحو 130% مقارنة بالعام المنقضي.

 

وباعتبار الاقتصاد الإيراني اقتصاداً نفطياً بالدرجة الأولى، فإن الأرقام التي تتناول الإيرادات النفطية تحمل معاني اقتصادية كبيرة، وتدل على توقعات النظام السياسي الإيراني لعلاقاته الاقتصادية مع العالم خلال العام الجديد. وفي سياق التوقعات النفطية، توقَّع مشروع الموازنة مبيعات نفطية بحجم 1.4 مليون برميل في اليوم، وتوقَّع أسعار للنفط عند 85 دولاراً للبرميل الواحد، ممّا أثار حفيظة رئيس البرلمان الإيراني، الذي أكد أن الأرقام متفائلة في ضوء تطورات الأسعار العالمية للنفط. وستحصل الحكومة على 45.5% من مجموع الإيرادات النفطية مقابل 40% تذهب إلى صندوق التنمية القومي، و14.5% للشركة الوطنية للنفط لقاء تكاليف استخراج النفط. وإلى جانب ذلك، رصدت الموازنة العامة 4.5 مليار يورو من مبيعات النفط خارج جسد الحكومة على أن تمنح بعض المؤسسات العسكرية وغير العسكرية (مثل العتبة الرضوية) حق صادرات النفط بشكل محدود.

 

وفي سياق الأرقام، فإن الحد الأدنى من راتب موظفي الحكومة شهد ارتفاعاً بنسبة 25% في مشروع الموازنة من 5.6 مليون في العام المنقضي إلى 7 ملايين تومان في العام الجديد؛ فيما توقعت الموازنة العامة للعام الجديد معدل تضخم بنسبة 40% بشكل مبدئي، كما توقعت عجزاً مبدئياً بنحو 476 ألف مليار تومان، أي بنسبة 24%، على الحكومة أن تسدّه عبر خفض الإنفاق وصادرات النفط.

 

أهم مصادر الموازنة في العام الجديد

تتكون مصادر الموازنة العامة الإيرانية عادة من الضرائب، والنفط، وبيع الأوراق، وإيرادات الشركات الحكومية. وتلجأ الحكومة إلى صندوق التنمية القومي، لسد العجز في الموازنة. وعلى هذا الأساس فإن أهم مصادر الموازنة في العام الجديد ستكون التالية:

 

  • الضرائب: تُشكِّل الضرائب العمود الفقري للموازنة العامة بواقع 836 ألف مليار تومان، من ضمنها 140 ألف مليار تومان ضرائب جمركية تعول الحكومة على تحصيلها. وتشهد الضرائب ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بموازنة العام الإيراني المنقضي، حيث تجرب ارتفاعاً سنوياً مقداره 57.1% مقارنة بنحو 532 ألف مليار تومان، من ضمنها 60 ألف مليار تومان ضرائب جمركية رصدتها موازنة العام المنقضي. كما أن حصتها من إجمالي الموازنة العامة ارتفع من 38% من حجم الموازنة خلال العام المنقضي إلى 42.1% من إجمالي موازنة العام الجديد.

 

  • الإيرادات النفطية: تُشكِّل المحور الثاني من مصادر الموازنة العامة للعام الجديد. إذ توقع مشروع الموازنة إيرادات بنحو 603 آلاف مليار تومان من بيع النفط والغاز (بمعزل عن 4.5 مليار يورو من الإيرادات النفطية خارج حجم الموازنة). وبذلك فإن حجم الإيرادات النفطية سيشهد ارتفاعاً سنوياً قدره 24.6% مقارنة بالإيرادات النفطية التي توقعتها موازنة العام المنقضي عند 484 ألف مليار تومان؛ لكن حصة الإيرادات النفطية من إجمالي الموازنة يشهد انخفاضاً من 35.2% في موازنة العام المنقضي إلى 30.4% خلال موازنة العام الجديد، وسط شكوك في أن تستطيع الحكومة تحقيق هذه الإيرادات بعد عجز بنسبة 44% في تحقيقها خلال العام المنقضي وفق مركز أبحاث البرلمان.

 

  • بيع الأوراق والسندات المالية: يشكِّل المصدر الثالث من مصادر الموازنة العامة للعام الجديد؛ إذ تعول الحكومة في هذا المجال على بيع 185 ألف مليار تومان من الأوراق والسندات المالية، ليسهم هذا المصدر بنحو 9.4% من إجمالي الموازنة العامة للعام الجديد. ويشهد هذا المجال ارتفاعاً سنوياً بنحو 48% مقارنة بنحو 125 ألف مليار تومان توقعتها موازنة العام المنقضي عن الأوراق المالية. ولم تستطع الحكومة تحقيق 41% مما توقعته الحكومة خلال هذا العام، مما يعني أن تحقيق كامل إيرادات بيع الأوراق المالية سيكون تحدياً حقيقياً للحكومة خلال العام الجديد.

 

  • بيع الأصول الحكومية: وفق مشروع الموازنة تعوّل الحكومة على بيع 106 آلاف مليار تومان من مؤسساتها وحصصها في الشركات خلال العام الجديد مقابل 71 ألف مليار تومان، توقعتها موازنة العام المنقضي، بما يعني ارتفاعاً سنوياً بنحو 50% في التوقعات. وتطمح الحكومةالإيرانية ضمن مشروع مثير للجدل إلى تحقيق نحو 108 آلاف مليار تومان من بيع أراض حكومية تمتلكها المؤسسات التابعة لها، والوزارات لسد جزء من الموازنة. وبذلك فإن حصة بيع الممتلكات الحكومية ستشكل 10.8% من إجمالي الموازنة بواقع 214 ألف مليار تومان. وفي حين أن الحكومة الإيرانية  لم تحقق إلا 17% مما خططت له من بيع الشركات الحكومية خلال موازنة العام المنقضي، لذا تحقيق هذا المصدر كاملاً سيكون هو الآخر تحدياً من تحديات الحكومة في العام الإيراني الجديد.

 

  • صندوق التنمية القومي: خلافاً للتوقعات، لم يُخطِّط مشروع الموازنة العامة للعام الجديد للحصول على أية إيرادات من مصادر صندوق التنمية القومي، وهو تطور لافت، إذْ كان مشروع الموازنة السابق قد خطط للحصول على 137 ألف مليار تومان من الصندوق في موازنة العام المنقضي؛ ما كان يشكل نحو 10% من إجمالي موازنة هذا العام. وفي ضوء احتمال عدم تحقيق كامل الإيرادات الناجمة عن المصادر الأخرى، فمن المرجح أن تلجأ الحكومة نحو إصلاح في مشروع الموازنة، عبر اللجوء إلى مصادر الصندوق لسد جزء من العجز في موازنة العام الجديد.

 

  • مصادر أخرى: تخطط الحكومة للحصول على نحو 146 ألف مليار تومان من إجمالي موازنتها للعام الجديد من مصادر شتى، من ضمنها بيع الخدمات الحكومية، وبيع بعض المنتجات، بما يعني تعويلاً على هذه المحاور في تحقيق 7.3% من إجمالي موازنة هذا العام.

 

 

أهم تكاليف الموازنة

رصدت الموازنة العامة نحو 20.5% من المصادر المتوقعة لصرف رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، بواقع 405 آلاف مليار تومان، وبزيادة سنوية قدرها 44.6% مقارنة بالعام المنقضي، وتتوزع وتتداخل في عدة حقول فيما بينها أحياناً. ومن ضمن أهم الحقول التي تُشكل محاور الإنفاق في العام الجديد يمكن الإشارة إلى الآتي:

 

  • قطاع العمران ومشاريع تطوير البنية التحتية: سيحصل في موازنة العام الجديد على 328 ألف مليار تومان من إجمالي الموازنة، بزيادة سنوية بنسبة 26.1% مقارنة بالعام المالي المنقضي، حيث كانت قد استقرت موازنة القطاع عند 260 ألف مليار تومان. وكان قد حصل قطاع العمران ومشاريع البنية التحتية خلال على 19% من إجمالي موازنة العام المنصرم، إلا أن حصته تقلصت إلى 16.3% في دلالة على انخفاض اهتمام الحكومة بالمشاريع العمرانية على حساب الأجور والتكاليف الأخرى.

 

  • قطاع التعليم: سيحصل على 295 ألف مليار تومان من خلال موازنة العام الجديد، تشمل 200 ألف مليار لوزارة التربية، و95 ألف مليار للتعليم العالي، بزيادة سنوية مرتفعة عند 66% مقارنة بالعام المالي السابق الذي حصل فيه على 177 ألف مليار تومان. وتشكل موازنة هذا القطاع نحو 14.9% من إجمالي الموازنة، في حين كانت تشكل نحو 12.9% في موازنة العام المنصرم. واللافت أن موازنة وزارة التعليم شهدت ارتفاعاً بنحو 71% في مشروع موازنة العام الجديد مقارنة بالموازنة السابقة في مؤشر على نزول الحكومة عند مطالبات المعلمين برفع الحد الأدنى من الأجور.

 

  • القطاع العسكري: ستكون حصته نحو 255 ألف مليار تومان من إجمالي الموازنة في العام الجديد وتشكل نحو 12.9% من إجمالي الموازنة. إذ شهدت موازنة القطاع العسكري ارتفاعاً بنسبة 28.8% مقارنة بالعام المالي المنصرم الذي استقرت فيه الموازنة العسكرية عند 198 ألف مليار تومان، إلا أن نسبة الموازنة العامة من إجمالي الميزانية تقلصت إلى 12.9% في مشروع العام الجديد بعد أن كانت عند 14.5 في العام المنصرم. وإلى جانب هذه الحصة، سيحصل القطاع على نحو 3 مليارات يورو من الدعم المالي المنفصل عن الموازنة على غرار العام السابق لتنمية القوة العسكرية حسب ما ذكر نص مشروع الموازنة العامة.

 

 

 

  • قطاعات الرفاهية: ستحصل خلال العام الإيراني الجديد على 545 ألف مليار تومان مُتمثله بـ 27.5% من إجمالي الموازنة. وبذلك فإن الموازنة ستشهد ارتفاعاً سنوياً بنحو 49.3% مقارنة بنحو 365 ألف مليار تومان رصدتها موازنة العام الإيراني المنقضي للقطاعات. ومن ضمن هذه الموازنة سيكون 128 ألف مليار تومان مخصصاً لمشاريع الدعم النقدي الذي تقدمه الحكومة من خلال حزمة دعم مختلفة، بزيادة سنوية بنسبة 20% مقارنة بالعام المالي المنتهي. ورصدت الموازنة نحو 400 ألف مليار تومان من موازنة القطاعات الرفاهية لأغراض التأمين والضمان، من ضمنها 351 ألف مليار تومان لدعم صناديق التقاعد التي يشارف أغلبها على الإفلاس ولا يستطيع الصمود إلا استناداً على الإعانات التي تقدمها الحكومة. حيث يُشكل الدعم الحكومي المقدم لسبعة صناديق تقاعد نحو 18% من إجمالي موازنة العام الجديد، وهو ارتفاع سنوي بنحو 64% مقارنة بواقع 214 ألف مليار تومان رصد لذلك في موازنة العام المنقضي.

 

  • سداد الديون: تُشكِّل تأدية ديون الأوراق التي بلغت أجلها عبئاً آخر على عاتق الحكومة التي رصدت لهذا الغرض نحو 174 ألف مليار تومان، بنسبة ارتفاع عند 43.8% مقارنة بنحو 121 ألف مليار تومان رصدتها له موازنة العام المنقضي. ويشكل هذا العبء نحو 8.6% من إجمالي الموازنة. وتُشير نظرة فاحصة إلى أن الحكومة خصصت نحو 94% من الأوراق التي تبيعها خلال العام الجديد (185 ألف مليار تومان) لتأدية ديون الأوراق التي بلغ أجلها وأرباحها. ويُنذر ذلك بمشكلة كبيرة، كان قد أشار إليها أكثر من عالم من علماء الاقتصاد خلال السنوات الماضية، والتي بدأت الحكومات خلالها بالتعويل على بيع الأوراق لسد العجز في الموازنات.

 

  • قطاع الصحة: حصل في موازنة العام الجديد على موازنة قدرها 190 ألف مليار تومان؛ مما أثار حفيظة وزير الصحة الذي أكد أن هذه الموازنة تعاني من عجز لا يقل عن 65 ألف مليار تومان، وأن ذلك سيؤدي إلى أزمة في توفير الدواء بأسعار مدعومة خلال العام الإيراني الجديد. وشهدت موازنة القطاع الصحي ارتفاعاً بأقل من 9% مقارنة بموازنة القطاع في العام المنقضي، والتي استقرت عند 174 ألف مليار تومان.

 

  • قطاعات أخرى: رصدت الموازنة العامة نحو 49 ألف مليار تومان لتغطية تكاليف القطاع القضائي. ورصدت نحو 31.5 ألف مليار تومان لدعم القطاعات الثقافية والسياحية، في حين ذهب نحو 116 ألف مليار تومان منها لتغطية قطاعات ثانوية أخرى.

 

 

استنتاجات

قال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إن مشروع الموازنة للعام الإيراني الجديد يعاني من تفاؤل مفرط في تحقيق بعض المصادر. وأعلن رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان أن الموازنة في شكلها الراهن ستعمل على رفع مستويات التضخم، وتفشل في تحقيق مستوى النمو الاقتصادي المطلوب الذي تقدره مراكز مقربة من الحكومة بأكثر من 4%.

 

وعلى صعيد العجز، فإن مشروع الموازنة يؤكد بشكل حرفي على عجز مبدئي قدره 470 ألف مليار تومان، يجب سداده عبر بيع ممتلكات حكومية، ومزيد من بيع النفط. لكن بشكل عام، فإن دراسة أرقام الموازنة العامة تشير إلى عجز يتراوح بين 300 و400 ألف مليار تومان، وهو ما أكدته مراكز أبحاث ورصد اقتصادية منها الذراع الاقتصادي لمركز أبحاث البرلمان. ويأتي جزء من هذا العجز بفعل عدم تحقيق الإيرادات الناجمة عن بيع الأوراق، والتي تعول الموازنة على بيع 185 ألف مليار منها. وتشير التجربة إلى فشل الحكومة في تحقيق الإيرادات الناجمة عن بيع الأوراق؛ إذ تؤكد المعطيات أن نسبة تحقيق بيع الأوراق في الأشهر الثمانية الأولى من العام المنقضي لم تتجاوز 40% وسط توقعات ألا تتجاوز هذه النسبة 60% مع نهاية العام الإيراني المنقضي. ورغم أن دراسة المنحى التاريخي لبيع الأوراق تظهر انخفاضاً مطرداً في نسبة تحقيقها خلال الأعوام الفائتة، إلا أن وحتى مع الأخذ بالحسبان تحقيق 60% من هذه الإيرادات فإن الموازنة ستعاني من عجز بمقدار 60 ألف مليار تومان من هذا المصدر فقط.

 

أما العجز الأكبر فسيأتي بفعل العجز المتوقع في الإيرادات النفطية؛ إذ تتوقع الموازنة بيع 1.4 مليون برميل من النفط يوميا إلى جانب مبادرة منح حقوق بيع 145 ألف برميل لبعض المؤسسات العسكرية وغير العسكرية بما يجعل المجموع 1.55 مليون برميل في اليوم. هذا في حين أن الأرقام الصادرة عن مراكز رسمية مثل مركز أبحاث البرلمان تشير إلى أن إيران لم تحقق مبيعات بأكثر من 850 ألف برميل في أفضل الحالات خلال العام المنقضي. وإذا اعتبرنا استمرار هذا الواقع (وهو توقع صعب إذا أخذنا بالحسبان تحرك الإدارة الأمريكية نحو إعادة ضبط العقوبات النفطية الإيرانية) فإن النتيجة ستكون عجزاً بما لا يقل عن 40% في حجم المبيعات. وإلى ذلك يجب أن نضيف العجز الناتج عن عدم تحقيق توقعات السعر. ففي حين توقع مشروع الموازنة سعراً بنحو 85 دولاراً للبرميل، فإن حسابات بيع النفط في ضوء العقوبات ستجعل العدد خارجاً عن الإمكان؛ إذ تشير دراسات إلى أن السعر الذي حصلت عليه إيران لقاء بيع نفطها في عام 2022 (وهو عام شهد ارتفاعاً في أسعار النفط) لم يتجاوز 67 دولاراً بإزاء البرميل نتيجة أكثر من 25% من كلفة بيع النفط في ضوء العقوبات على القطاع النفطي، وعلى القطاع النقدي. وفي ضوء حسابات السعر، فإن العجز المتوقع في الإيرادات النفطية سيتجاوز 50% على أقل تقدير، بما يعني أن الموازنة ستعاني من عجز بحوالي 300 ألف مليار تومان في قطاع المبيعات النفطية فقط.

 

أخيراً، فإن الإيرادات التي تعول عليها موازنة العام الإيراني الجديد عبر بيع الأصول والشركات الحكومية تبدو غير واقعية في ضوء التجربة القائمة في هذا المجال؛ إذ تشير تقارير ديوان المحاسبات عن نسبة تحقيق موازنة العام المنقضي خلال الثلث الأول من العام أن الحكومة استطاعت تحقيق 2% فقط مما كانت تخطط لتحقيقه خلال أربعة شهور على صعيد بيع الأصول والشركات، فيما تشير تجربة الأعوام الثلاثة الماضية إلى أن نسبة التحقيق في هذا المجال لا تتجاوز 40%. وحتى إذا اعتبرنا نسبة تحقيق بأكثر من 50% فإن العجز الناجم عن عدم تحقيق 50% من إيرادات بيع الأصول والشركات الحكومية سيعني عجزاً بأكثر من 50 ألف مليار تومان.

 

وفي حين تُشير الحسابات المذكورة إلى أن العجز الميداني سيبلغ خلال موازنة العام الجديد نحو 410 آلاف مليار تومان، بما يعني عدم تحقيق 20.1% من مصادر الموازنة العامة (وهو قريب مما توقعته بعض مراكز الرصد الإيرانية)، فإن الحكومة ستكون أمام عدة طرق لسد هذا العجز من بينها التوجه نحو خفض الإنفاق العام، والذي تظهر التجربة أن قطاع العمران والبنية التحتية سيكون أهم ضحاياه. وإلى جانب ذلك فإن من المفترض أن تلجأ الحكومة نحو طرق أخرى لسد هذا العجز، أهمّها:

 

  • صندوق التنمية القومي: في حين تجاهل مشروع الموازنة مصادر صندوق التنمية القومي على الرغم من تكرار لجوء الحكومات إليه في موازنات الأعوام السابقة، من المفترض أن تسعى الحكومة الإيرانية نحو إقناع القائد الأعلى، أو البرلمان باقتطاع نصف مستحقات الصندوق خلال العام الجديد، لصرفها على محاولات سد العجز، بما يعني نحو 100 حتى 150 ألف مليار تومان. إلا أن اللجوء إلى هذا الحل لن يكون سهلاً، وسيحمل معه عدة تداعيات منها وجود قوانين بضرورة إعادة القروض التي اقتطعتها الحكومة في الموازنات السابقة إلى الصندوق.
  • بيع الدولارات النفطية: تشير التجربة إلى أن الحكومة تلجأ خلال النصف الثاني من العام الإيراني على وجه التحديد، إلى صرف الدولارات النفطية بأسعار السوق التي ترتفع الآن بنحو 75% عن السعر المعتمد خلال موازنة العام الجديد (26 ألف تومان). وتؤكد تجربة الأعوام الماضية أن الحكومة تستطيع سد ما لا يقل عن 20% من العجز عبر صرف مخزونها من الدولار بالأسعار السوقية مستفيدة من ارتفاع أسعار الدولار. إلا أن استراتيجية الحكومة في استغلال ارتفاع أسعار الدولار لسد العجز سيضغط على أسعار الدولار في الأسواق ويعزز مسار ارتفاع الأسعار بشكل واضح، بما يعمل بدوره على ارتفاع أسعار البضائع في الأسواق.
  • طباعة النقد الإلزامي: من المرجح أن تستند عليه الحكومة في محاولاتها لسد العجز في الموازنة. وتشير تجربة 2022 إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي لجأت إلى ذلك بشكل لافت ليرتفع حجم النقد في الأسواق بنحو 25.6% في ديسمبر 2022 مقارنة بديسمبر 2021، بينما لم يجرب الاقتصاد الإيراني نمواً بأكثر من 2% خلال هذه الفترة. ويعني ذلك أن الحكومة قامت بزيادة غير مدعومة في النقد بحوالي 23%، أي بنحو 120 ألف مليار تومان. ومن المتوقع وفق المعطيات في هذا المجال أن تستمر الحكومة خلال 2023 في طباعة النقد الإلزامي بما لا يقل عن 120 ألف مليار تومان لسد العجز في الموازنة.

 

وستعمل مجموعة الطرق التي تلجأ الحكومة إليها لسد العجز في الموازنة خلال العام الجديد على تعزيز مسار التضخم الذي تتوقعه المؤسسات الدولية عند 40% خلال 2023. ومع افتراض استقراره عند نفس النسبة، فإن ذلك يعني استقرار أسعار الدولار في نهاية العام الإيراني الجديد (مارس 2024) عند 63 ألف تومان، وهو قريب مما توقعته تقارير صادرة عن منظمة التخطيط والموازنة في وقت سابق. وسيكون التضخم مرشحاً للزيادة بفعل الضغوط الناجمة عن سياسات طباعة النقد الإلزامي، ولجوء الحكومة إلى رفع أسعار الخدمات والطاقة خلال العام الجديد، وبفعل ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق الحرة نتيجة انخفاض حجمه بفعل العقوبات، ونتيجة رغبة الحكومة في صرف مخزونها من الدولار بأسعار أعلى لسد العجز. وفيما سينعكس ارتفاع أسعار الدولار على أسعار البضائع في الأسواق، وخصوصاً تلك المستوردة، فإن سياسات الحكومة في الموازنة العامة ستعمل على رفع أسعار البضائع المستوردة عبر اعتماد السعر السوقي للدولار في ضرائب الاستيراد، كما ستعمل على ارتفاع أسعار الدواء من خلال إلغاء استيراده بالدولار المدعوم، ما يعني -حسب مراكز رصد اقتصادية إيرانية- استقرار التضخم المعيشي فوق 60%، واستقرار التضخم العام فوق 50% خلال 2023.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/altdkhkhum-walajz-ma-aladhi-takshifuh-muazanat-alam-al-irani-aljadid-ean-wade-iran-alaiqtisadi

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M