هل أنهت الحرب الروسية الأوكرانية أطروحات “حروب الأجيال”؟

علي عاطف

 

حتى يوم 23 فبراير 2022، كان أغلب المحللين والمراقبين يذهبون إلى أن الحرب العسكرية المباشرة بين الجيوش النظامية قد انتهت إلى الأبد وحلت محلها حروب جديدة توظّف الأبعاد الاقتصادية والثقافية، أو حتى النفسية، من أجل تحقيق أهدافها. واندرج ذلك الأخيرُ تحت ما يُعرف باسم أجيال الحروب من الأول وحتى السادس. ولكن، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية صبيحة اليوم التالي من الشهر نفسه، بدأت الآراء تتغير لترى أن أطروحات حروب الأجيال أصبحت غير ملائمة، وأن الحرب العسكرية النظامية المباشرة عادت من جديد (أو أنها لم تنتهِ على الأقل).

ولعل لهذه الآراء وجاهتُها؛ إذ إن موسكو قد شنت هجماتٍ عسكرية مباشرة وموسعة ضد أوكرانيا صبيحة 24 فبراير ولاقت خلالها على أي حال مقاومة من الجيش الأوكراني حتى لو كانت ضعيفة للغاية، فضلًا عن مواجهات بين بعض المواطنين الأوكرانيين والجيش الروسي. أي أن هذه الحرب الروسية الأوكرانية كانت ما بين دولتين لدى كل منهما جيش نظامي خاص بها.

لكن وجهة النظر الأخيرة هذه القائلة بأن أطروحات حروب الأجيال، خاصة الحروب الحديثة التي تقوم على إعادة تطويع الأبعاد الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لم تعد مناسبة بعد يوم 24 فبراير (انطلاق الهجوم الروسي) لا تُعد دقيقة بذاتها؛ لأن الجيش الروسي قد استخدم في هجومه ضد أوكرانيا بشكل عام القوات العسكرية النظامية، علاوة على توظيفه لأدوات حروب الأجيال الحديثة من حيث الإعلام والفضاء الإلكتروني.

“الحرب الهجينة”: لماذا لم تُنهِ الحربُ الروسية الأوكرانية أطروحة “حروب الأجيال”؟

إن الوصف الدقيق للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هو أنها تندرج ضمن ما يُعرف بـ “الحرب الهجينة”، تلك التي تجمع ما بين الحروب التقليدية والحروب غير النظامية، علاوة على الحرب السيبرانية، أي أنها تعتمد على التكنولوجيا الحديثة للغاية. إذًا، لماذا تُعد حرب أوكرانيا “هجينة”؟

يمكننا الاستدلال على هذا الأمر من خلال مؤشرين:

  • أولًا: توافر الشق العسكري التقليدي:

فقد أطلق الجيش النظامي الروسي منذ أيام قلائل حملة عسكرية واسعة جوًا وبرًا وبحرًا ضد أوكرانيا كان قد قام قبلها بأسابيع بحشد عشرات الآلاف من الجنود النظاميين على الحدود مع أوكرانيا بلغ حسب أغلب التقارير من 100- 150 ألف جندي. ولقد أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل الهجوم العسكري بوقت قصير عن عزم بلاده شن عملية عسكرية واسعة داخل أوكرانيا، معللًا ذلك بأنه يعود إلى “التهديد المستمر من جانب أوكرانيا الحديثة”.

لقد قصف الجيش الروسي عن طريق الجو أولًا المطارات والمقرات العسكرية في مناطق مختلفة داخل أوكرانيا، ثم نزلت الدبابات الروسية وقامت بالتوغل داخل ذلك البلد بدءًا من مدينة “خاركيف” شرقًا، وذلك بعد وصول قواته إلى مناطق لوهانسك ودونيتسك بإقليم دونباس، ووصولًا إلى بعض المناطق المحيطة بالعاصمة كييف.

إن تاريخ العمليات الروسية النظامية الهجينة في أوكرانيا يعود إلى عام 2014 حينما بدأ بعض الموالين لموسكو ينشطون عسكريًا شرقي أوكرانيا. وحينها وصفتهم تقاريرُ غربية في البداية بأنهم “رجال خضر صغار”. ولاحقًا، ازداد نشاط الموالين لموسكو شرقي أوكرانيا فيما باتوا يمثلون ورقة ضغط فاعلة هناك كانت في الواقع إحدى الأسس التي شكلت لاحقًا جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك بعد اعتراف موسكو باستقلالهما في 21 فبراير 2022.

  • ثانيًا: شن هجمات في الفضاء الافتراضي (السيبراني):
كيف فشلت إستراتيجية "الدفاع للأمام" في حماية أميركا من الهجمات السيبرانية؟  | أخبار سياسة | الجزيرة نت

لقد سَبَقَ وتزامن وأعقب الهجماتِ الروسية ضد أوكرانيا هجماتٌ أخرى سيبرانية واسعة استهدفت مواقع إلكترونية حكومية في موسكو كان من بينها موقع وزارة الدفاع الأوكرانية الإكتروني وأكبر مؤسستين ائتمانيتين في أوكرانيا وهما “بريفات بانك” و”أوشاد بانك”. بل إن العديد من المواقع الحكومية والمهمة الأخرى داخل أوكرانيا قد تم استهدافها. وعلى الرغم من أن روسيا لم تعلن عن تبنيها لهذه الهجمات، إلا أن تقارير قد ألقت باللوم عليها في إطار صراعها مع كييف.

  • ثالثًا: توافر الشق الإعلامي:

وهنا، لا تُعد الهجمات السيبرانية والهجوم العسكري فقط دلائل على أن الهجوم الروسي ضد أوكرانيا حرب هجينة؛ إذ إن خطاب الرئيس بوتين صبيحة 24 فبراير يُعد بذاته دعاية إعلامية تندرج تحت مفهوم الحرب الهجينة، فقد تحدث عن الهجوم ضد أوكرانيا، محاولًا إقناع الداخل الروسي والخارج بالحملة والوقوف إلى جانبه.

ولذا، فإن الهجوم العسكري النظامي والدعاية الإعلامية وتوظيف القدرات السيبرانية من أجل شن هجمات في الفضاء الإلكتروني جميعها تندرج تحت إطار حروب الأجيال الجديدة أو بشكل أكثر دقة الحرب الهجينة. فالحرب الروسية الأوكرانية قد حققت بذلك، ليس فقط مع انطلاقها منذ أيام ولكن مع بدء إرهاصاتها الأولى بدايات عام 2014، طرفي معادلة الحرب الهجينة الممثلة في الحرب التقليدية وغير النظامية والحرب الإلكترونية.

هل سبق لروسيا الانخراط في حرب هجينة من قبل؟

إن حرب أوكرانيا لا تُعد أولى الحروب الهجينة التي تنخرط فيها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن الماضي؛ إذ تندرج حرب الشيشان أيضًا، التي وقعت منتصف العقد الأخير من القرن الماضي، تحت إطار الحرب الهجينة. فقد واجه الاتحاد الروسي جماعات مسلحة متمردة دفعته إلى القيام بهجمات عسكرية واسعة ضد الشيشان ردًا على هجمات استهدفت مدينة “جروزني” آنذاك، عاصمة الشيشان، ومحاولتهم إعلانها دولة مستقلة، وهو ما حدث بالفعل خلال “الحرب الشيشانية الأولى”. واستطاع الجيش الروسي في وقت لاحق تحرير المدينة خلال الحرب الشيشانية الثانية التي بدأت أواخر عام 1999 واستمرت لسنوات بعد مطلع القرن الجديد.

ومن زاوية أخرى، كان لدى الجيش الروسي وخلال فترة السنوات العشر الماضية تجارب جزئية بشأن الحرب الهجينة، جرت في مناطق مختلفة. فعلى سبيل المثال، تواجد الجيش الروسي جوًا وبرًا وبحرًا – ولا يزال- في سوريا وحارب جماعات مختلفة مناوئة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد.

وإلى جانب ذلك، شهدت الساحة الدولية نموًا كبيرًا مطردًا فيما يخص العمليات والهجمات السيبرانية المضادة، وكان من أبرز هذه القوى التي تملك تلك القدرات السيبرانية الولايات المتحدة وروسيا، علاوة على حضور فاعلين إقليميين في هذا الصدد مثل إيران وإسرائيل.

“الحرب الهجينة مقابل الحرب الهجينة”: كيف كان رد الفعل الأوكراني؟

لقد كان تعامل السلطات الأوكرانية مع الهجوم الروسي مثالًا واضحًا على توظيف الحرب الهجينة. فقد ردت كييف في نفس يوم الهجوم الروسي بإعلانها تسليح من يريد الاشتراك في القتال، بل وصرّحت رسميًا بأنها تعتزم استقدام عناصر مقاتلة من الخارج للمشاركة في هذا الأمر. وأعلن الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، بنفسه عن نية السلطات تسليح من يريد المشاركة في القتال.

الرئيس الأوكراني يغادر كييف متوجها إلى مدينة لفوف - 26.02.2022, سبوتنيك عربي

وأكد زيلينسكي أن كييف بصدد تشكيل “فيلق أجنبي من المتطوعين من الخارج” للقتال في أوكرانيا. ويتطابق هذا الأخير حرفيًا مع ما يُسمّى بالحرب غير النظامية التي تشارك بها جماعات غير نظامية. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن روسيا لديها خبرة سابقة في القتال ضد هذه الجماعات، سواء في أفغانستان ثمانينات القرن الماضي، أو في الشيشان أواخر القرن الماضي، أو حتى في سوريا خلال الآونة الأخيرة.

ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد؛ إذ إنه تم استخدام تكتيكات الحرب الإلكترونية ضد روسيا أيضًا بعد الهجوم العسكري ضد أوكرانيا. فقد أُعلن يوم 24 فبراير، نفس يوم الهجوم، عن استهداف عدد من المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة في روسيا، كان من بينها موقع البرلمان. ولكن، لم يتبنّْ أي طرف هذه الهجمات الإلكترونية.

وعلى المنوال نفسه، أقام الرئيس الأوكراني زيلينسكي حملة إعلامية كبيرة لدعوة مختلف الدول للوقوف إلى جانبه بعد الهجوم الروسي، داعيًا الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم المساعدات له.

الاستنتاج

على النقيض من الاعتقاد بأن الحرب الروسية الأوكرانية قد أعادت إلى الأذهان من جديد ذاكرة الحروب التقليدية المباشرة، فإن هذه الحرب تُعد في الواقع مزيجًا ما بين الحرب التقليدية والأخرى غير النمطية التي تنتمي إلى حروب الجيل السادس على وجه الخصوص. فإلى جانب استخدام الجيش، وظّفت هذه الحرب واحدة من أكثر الأسلحة حداثة ألا وهي الحرب السيبرانية التي استُخْدِمت على نطاق واسع في تطوراتها خلال الأيام الماضية. لذا، فإن الحرب في أوكرانيا تُعد هجينة بامتياز.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67796/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M