الجنيه المصري في مواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية

بسنت جمال

 

بدأ عام 2022 باندلاع أزمة جيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا والمستمرة على مدار عشرة أشهر، فلم يستطع العالم أن يستكمل تعافيه من جائحة كورونا وما ترتب عليها من اضطرابات شديدة في النشاط الاقتصادي بكل نواحيه وسلاسل الإمداد والتوريد حتى جاءت الحرب الأوكرانية لتنذر بوضع اقتصادي أكثر اضطرابًا انطلاقًا من مكانة الدولتين المتحاربتين في الأسواق العالمية للغذاء والطاقة.

وقد تأثر الاقتصاد المصري جراء تلك الأزمة مثله مثل كافة الاقتصادات حول العالم نظرًا للعالم المعولم اقتصاديًا والمنفتح تجاريًا، وكان سعر الصرف من أبرز القنوات التي شهدت تأثرًا شديدًا بسبب الحرب؛ إذ تخطى سعر صرف الجنيه المصري حاجز الـ 24 جنيهًا مقابل الدولار حتى العشرين من ديسمبر في ظل ارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية والوقود ونزوح الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة واضطراب حركة السياحة، وهي كلها أمور تثقل كاهل الاحتياطي من العملات الأجنبية وتؤثر سلبًا على سعر صرف الجنيه.

إدارة سعر الصرف خلال 2022

شهد الاقتصاد العالمي ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع الأساسية كالغذاء والطاقة مدفوعة باضطراب حركة الشحن والنقل، وتراجع الإمدادات وتقييد المعروض من السلع سواء بسبب تبني الدول المنتجة للغذاء سياسات القومية الغذائية التي تتسم بفرض قيود على صادراتها من الغذاء، أو بسبب فرض الدول الفاعلة في الحرب عقوبات تصاعدية تخص قطاع الطاقة ساهمت في حدوث موجة من الاضطرابات في أسواق النفط والغاز الطبيعي. وقد دفع هذا المشهد كبرى البنوك المركزية لاتباع سياسة نقدية تشددية عن طريق رفع أسعار الفائدة أو بيع السندات بالسوق أو تقليص مشتريات الأصول المالية من أجل تعزيز قدرة اقتصاداتها على الصمود أمام الأزمة.

وقد استجاب البنك المركزي المصري للأزمة الاقتصادية الحالية برفع سعر الفائدة بنحو 100 نقطة أساس في مارس 2022 ليصبح سعر الفائدة على الإيداع عند 9.25% ونظيره على الإقراض عند 10.25%، مع السماح للجنيه المصري للانخفاض من 15.7 جنيه مقابل الدولار الواحد إلى 19.7 جنيه للدولار، وطرح شهادة ادخار بمعدل فائدة تبلغ 18%، وقد أعقب هذه الخطوة رفع آخر لسعر الفائدة بنحو 200 نقطة أساس في مايو 2022 ليسجل سعر الفائدة على الإيداع والإقراض نحو 11.25% و12.25% على الترتيب، ومن ثم اتبع البنك المركزي سياسة تثبيت الفائدة حتى اجتماع السابع والعشرين من أكتوبر والذي شهد رفعًا آخر في سعر الفائدة لتصبح عند مستويات تُقدر بنحو 13.25% للإيداع و14.25% للإقراض مع السماح من جديد لقيمة العملة المحلية بالانخفاض بنحو 14% لتسجل حوالي 24.1 جنيه مقابل الدولار بحلول الثلاثين من أكتوبر، لينهي اجتماعات العام الحالي برفع آخر قدره 300 نقطة أساس (3%) في الثاني والعشرين من ديسمبر، وفيما يلي عرضًا أداء الجنيه المصري خلال عام 2022:

الشكل (1) تطور سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال 2022

المصدر: البنك المركزي المصري.

واستهدف البنك المركزي المصري بهذه القرارات تحقيق أربعة أهداف رئيسية، يتمثل الأول في احتواء الموجة التضخمية الناجمة عن جانب الطلب وارتفاع معدل نمو السيولة المحلية والآثار الثانوية لصدمات العرض، ويشير الثاني إلى الرغبة في تعزيز تنافسية الصادرات المصرية في الأسواق الخارجية مما يدعم المصنعين المحليين بطريقة تتماشى مع هدف الحكومة المصرية الرامي لتطوير قطاع الصناعة، فيما يتضمن الهدف الثالث السعي لإدارة الواردات والتخلص من البنود غير الضرورية في فاتورة الواردات مع تشجيع سياسة الإحلال محل الواردات، أما عن الهدف الرابع فيتمثل في جذب المزيد من الاستثمارات غير المباشرة أو الاستثمارات في أدوات الدين المحلي.

إلى جانب الأهداف السابقة، يسعى البنك المركزي إلى إيقاف النزيف الذي شهده رصيده من العملات الأجنبية في ظل الظروف الاقتصادية المضطربة مع تأمين مستوى كافٍ لتلبية الاحتياجات الأساسية للاقتصاد المصري، ويُبين الشكل الآتي انعكاسات الأزمة الحالية على مستوى الاحتياطي النقدي:

الشكل (2) تطور الاحتياطي النقدي المصري (مليار دولار)

المصدر: البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.

يوضح الشكل السابق تراجع الاحتياطي النقدي بشكل عام منذ يناير 2021 وحتى نوفمبر 2022 بنسبة 16.3% من 40.101 مليار دولار إلى 33.532 مليار دولار، إلا أنه ينبغي الإشارة أنه سجل زيادة طفيفة منذ أغسطس 2022 وحتى نوفمبر 2022 بعد التراجع المستمر المسجل منذ بداية العام.

انعكاسات ملموسة

يُمكن الاستعانة بالنقاط الآتية للوقوف على تداعيات قرارات السياسة النقدية، وتراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال عام 2022: 

• الميزان التجاري: استطاع الميزان التجاري البترولي أن يحقق فائضًا بلغ نحو 4.4 مليار دولار خلال العام المالي 2021/2022 مدفوعًا بتصاعد الصادرات البترولية بنحو 9.4 مليار دولار بسبب ارتفاع قيمة الصادرات من الغاز الطبيعي وزيادة الكميات المصدرة منه في ظل فتح أسواق جديدة في أوروبا وعلى رأسها تركيا وإيطاليا وفرنسا، وإسبانيا، وكرواتيا، واليونان. بينما ارتفع العجز في الميزان التجاري غير البترولي بمعدل 13.7% ليصل إلى نحو 47.8 مليار دولار مقابل نحو 42.1 مليار دولار نتيجة لارتفاع المدفوعات السلعية غير البترولية بما يفوق الزيادة في المتحصلات من الصادرات السلعية غير البترولية.

وقد تركزت الزيادة في الواردات في مستلزمات الإنتاج، والمحاصيل الزراعية كفول الصويا والذرة والقمح، فضلًا عن الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، فيما تمثلت زيادة الصادرات في السلع تامة الصنع على رأسها الأسمدة الفوسفاتية أو المعدنية وأجهزة إرسال واستقبال الإذاعة والتليفزيون، والملابس الجاهزة، والأجهزة الكهربائية.

• التضخم: ارتفعت معدلات التضخم في إجمالي الجمهورية بنسبة 19.2% خلال نوفمبر مقابل 16.3% في الشهر السابق، ويرجع ذلك إلى زيادة الأسعار في عدة قطاعات كالطعام والمشروبات التي شهدت أسعارها زيادة بنسبة 30.9%، والرعاية الصحية بواقع 12.4%، والنقل والمواصلات بنسبة 16.6%، ويُبين الرسم التالي تطور مؤشر أسعار المستهلكين شهريًا:

الشكل (3) مؤشر أسعار المستهلكين شهريًا (نقطة)

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، النشرة الشهرية لمؤشر أسعار المستهلكين.

يتبين من الرسم السابق ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بوتيرة مستمرة منذ بداية عام 2021 وحتى نهاية عام 2022 بسبب ما يُعرف بالتضخم المستورد حيث يعتمد الاقتصاد المصري على الخارج في تأمين احتياجاته من السلع الغذائية. كما يُمكن تفسير معدلات التضخم الحالية باتجاه كبرى الشركات والمؤسسات العاملة بالسوق المصرية بتسعير منتجاتها بسعر صرف جنيه مقابل الدولار أعلى من السعر المتداول في السوق الرسمية والمعلن من جانب البنك المركزي المصري والبنوك العاملة بالسوق المصرية، فعادة ما يميل التجار إلى اتخاذ قرارات تسعير منتجاتهم بناء على توقعاتهم تجاه سعر الصرف وليس سعر الصرف الحالي.

• الاستثمارات الأجنبية: تحول الاستثمارات بمحفظة الأوراق المالية في مصر من صافي تدفق للداخل بلغ 18.7 مليار دولار إلى صافي تدفق للخارج بلغ نحو 21 مليار دولار، وذلك على الرغم من رفع سعر الفائدة، إلا أن هذا الاتجاه جاء مدفوعًا بالسياسات النقدية الانكماشية التي ينتهجها الفيدرالي الأمريكي والتي تؤدي بدروها إلى نزوح الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة. أما عن الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية فقد شهد ارتفاعًا بنحو 5.2 مليار دولار ليسجل صافي تدفق للداخل بلغ نحو 11.6 مليار دولار (منها نحو 7.2 مليار دولار خلال الفترة بين يناير ويونيو 2022.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31944/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M