الجيش الإسرائيلي بين التنازع الإثني والاندماج الاجتماعي

أ. د. وليد عبد الحي

 

يشكل التعدد الإثني Ethnicity أحد السمات المشتركة بين أغلب المجتمعات الاستيطانية، وتكاد “إسرائيل” والولايات المتحدة تمثلان النموذج الأكثر وضوحاً في هذا الجانب، فالمجتمع الإسرائيلي مكون من إثنيات تنتمي في أصولها التاريخية إلى أكثر من مئة دولة، ناهيك عن التناقض الاستراتيجي مع المجتمع الأصلي؛ وهو المجتمع الفلسطيني في حالتنا هذه.

وتشكل الإثنية أحد معضلات بناء الدولة وتحديد هويتها من ناحية، وبناء التماسك أو التضامن المجتمعي من ناحية أخرى، فتحديد الهوية الثقافية للدولة، طبقاً لتعريف الموسوعة البريطانية، يواجه في حالة الدولة الاستيطانية مشكلة التنازع بين “الهوية المشتركة” والهوية الخصوصية (لكل تنوع إثني). أما في حالة المجتمع الاستيطاني، فتبدو المشكلة في كيفية التوفيق بين منظومات متباينة دينياً أو عرقياً أو لغوياً أو متباينة في منظوماتها القيمية والفنية وأنماط حياتها.[1]

وتشكل نظرية إميل دوركهايم Emile Durkheim الخاصة بتقسيم العمل،[2] النظرية التي نرى أنها الأكثر تعبيراً عن مشكلة بناء الدولة وبناء المجتمع، حيث يقسم دوركهايم التضامن أو الولاء الاجتماعي إلى نمطين: التضامن الآلي Mechanical؛ القائم على الروابط التقليدية، مثل اللغة والعرق والدِّين والثقافة واللون ونمط الحياة…إلخ، وهناك التضامن العضوي Organic؛ وهو التضامن الناتج عن الترابط الوظيفي Functional والمصلحي. ويرى دوركهايم في استنتاجاته النهائية أنه كلما تطور المجتمع وظيفياً كلما تراجع التضامن الآلي، وعليه تصبح مهمة الدولة هي تطوير التضامن العضوي على حساب الآلي، وهنا يثور التساؤل: ما هي أدوات تطوير التضامن العضوي؟

وللإجابة عن هذا التساؤل، تستخدم الدول عدداً من الأدوات لإيجاد التجانس والتضامن، ومن بين هذه الأدوات؛ المؤسسات العسكرية، ولعل “إسرائيل” هي الدولة الأبرز في هذا المجال، وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه.

أولاً: المنظور الإسرائيلي لوظيفة الجيش في التكامل الاجتماعي:

يقوم المنظور الإسرائيلي في هذا الجانب على أساس:[3]

1. تعزيز فكرة المخاطر الأمنية على الدولة والمجتمع لتعزيز التضامن بين أفراد المجتمع، ولكنه يعمق بالمقابل مشاعر الكراهية تجاه الأقلية العربية، بالإضافة إلى أن جزءاً مهماً من النخبة الفكرية الإسرائيلية تميل إلى أن حدة الشعور بالخطر الخارجي من قبل الإسرائيليين تراجعت منذ سنة 2009، وهو ما يضعف هذه الآلية.

2. ارتفاع معدل الإنفاق العسكري إلى إجمالي الناتج المحلي في “إسرائيل”، ينعكس على مستويات الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الأخرى التي هي مصدر شكوى الأقليات الفقيرة، وهو ما يوجِد شعوراً بعدم التضامن من قبل هذه الأقليات مع المؤسسة العسكرية.

3. ثمة نقاش في الدوائر الأكاديمية الإسرائيلية حول دور المؤسسة العسكرية والالتحاق بالجيش في تعزيز أو إضعاف النزعة القومية. فهناك من يرى أن الخدمة العسكرية تعزز الشعور القومي وبالتالي توجِد نزعة الحساسية تجاه الأقليات في المجتمع، وهناك من يرى أن الالتحاق بالجيش يقود إلى تطوير قيم مشتركة، وبالتالي يعزز “الاحترام المتبادل” بين الثقافات الفرعية في المجتمع وإيجاد نموذج “الوطنية البناءة Constructive Patriotism”.

وتقارن دراسة ميدانية على عينة من الجنود الإسرائيليين السابقين ومن طلاب المدارس العليا، ممن لم يلتحقوا بعد بالجيش، الفروق بين مشاعر الإحساس بالخطر وتعزيز قيم القوة لدى الشريحتين، وتصل للنتائج التالية:[4]


جدول رقم 1: قياس مستوى القلق الأمني في المجتمع الإسرائيلي، مقارنة بين المدني والعسكري باستخدام نموذج ليكرت Likert Scale (6 درجات)

الموضوع جنود سابقين طلاب مدارس عليا الفارق[5]
لن يوجد الشعب اليهودي بدون ”إسرائيل“ 3.9 4 0.1
يجب أن نعيش بقوة السيف 3.5 3.8 0.3
تخفيض الإنفاق الدفاعي لتحسين الخدمات 4.1 3.7 0.4
الدولة الفلسطينية تهديد وجودي لـ”إسرائيل“ 3.5 4 0.5
لدي مخاوف من حرب خلال العامين القادمين 4.9 5 0.1
لدي مخاوف من إصابتي في عمل ”إرهابي“ 3.9 4.5 0.6
مستوى معاداة السامية في العالم يخيفني 3.8 4.2 0.4

ويشير الجدول رقم 1 في توجهه العام إلى ما يلي:

1. إن مشاعر القلق بين من لم يخدموا في الجيش أعلى منها لدى من خاضوا التجربة العسكرية، وهو ما يوحي بأن دور الالتحاق بالجيش في تعزيز التضامن استناداً إلى “القلق الأمني” لا يتسق مع هذه النتائج، لكن الحقيقة هي أن معدل الشعور بالقلق الأمني لدى الشريحتين يتجاوز 50%، على الرغم من أن المعدل لدى المدنيين أعلى، وهي نتيجة مختلفة عن بقية دول العالم.

2. إن الجنود الذين قضوا مع بعضهم 3 سنوات وبمعدل خمسة أيام في الأسبوع، كانوا أميل للتسامح مع الثقافات الأخرى خلال الخدمة العسكرية، بينما تؤكد تصريحات منسوبة لضباط كبار في المؤسسة العسكرية أن المخاطر “الداخلية في المجتمع” هي الأخطر من تلك الناتجة عن التهديد الوجودي للدولة.[6] ولعل رفض بعض الوحدات أو الأفراد العسكريين المشاركة في إخلاء بعض المواقع الاستيطانية في الضفة الغربية مؤشر على إشكالية العلاقة بين المتدينين في المؤسسة العسكرية والسلطة الحكومية، كأحد مظاهر التنازع الإثني.

3. عدم جاذبية العمل في الجيش للشباب: تشير التقارير الإسرائيلية الرسمية أن الخدمة العسكرية والالتحاق بالجيش لم تعد مصدر جذب للشباب الإسرائيلي، وهو أمر يضعف من دور الجيش في تأهيل هؤلاء الشباب لمزيد من الاندماج في المجتمع، فقد تبين من التقارير الرسمية ما يلي: [7]

أ. 47.9% من الرجال في الجيش الإسرائيلي لم يكملوا فترات خدمتهم العسكرية.

ب. أن نسبة الالتحاق بالوحدات القتالية بين الشباب خلال السنوات الثلاث 2015-2018 انخفضت من 81% إلى 65%.

ج. تزايد تقديم الأعذار الطبية (الجسدية والنفسية) أو غيرها من الأعذار للحصول على إعفاء من الالتحاق بالجيش، أو إكمال الخدمة العسكرية. وقد ارتفعت النسبة خلال الفترة من 2018-2020 بنسبة 49% بين المتدينين، وبنسبة 29% بين العلمانيين.

د. تزايد نسبة عدم التسجيل للالتحاق بالجيش، فقد ارتفعت من 25% سنة 2007 إلى 26.9% سنة 2015، ثم 30% سنة 2019 لتصل إلى 32.9% سنة 2020.

ثانياً: البنية الإثنية وانعكاسها في الجيش الإسرائيلي:

يتشكل المجتمع الإسرائيلي طبقاً للتنوع الإثني من عدد كبير من الإثنيات، كما يتضح من الجدول رقم 2، ويتصدر التقسيم الإثني التقسيم الديني؛ يهود، ومسلمون، ومسيحيون، وطوائف متنوعة، وجنسيات تعود لأكثر من 100 دولة، وتنوع لغوي، وعرقي، وطبقاً للون…إلخ.


جدول رقم 2: التركيبة الاثنية في “إسرائيل” سنة 2019[8] 

الأصول الإثنية النسبة المئوية الكلية في المجتمع/ النسبة من إجمالي كل إثنية
أولاً: اليهود: 74.3
مواليد ”إسرائيل“ (هو أو والديه) 42
روسيا والاتحاد السوفييتي سابقاً 20
رومانيا 2.2
بولندا 2.05
فرنسا 1.5
ألمانيا والنمسا 1.17
هنغاريا والتشيك وسلوفاكيا 0.9
بريطانيا 0.74
بلغاريا واليونان 0.65
بقية أوروبا 0.87
المغرب 6.17
الجزائر وتونس 2.8
إثيوبيا Beta Israel 2.2
ليبيا 0.9
مصر 0.74
بقية الدول الإفريقية 0.47
العراق 2.5
إيران 2.3
اليمن 2.8
تركيا 1
الهند وباكستان 0.7
سورية ولبنان 0.5
بقية الدول الآسيوية 0.27
أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا 2.8
الأرجنتين 1
بقية أمريكا اللاتينية 0.77
ثانياً: يهود شرق/ غرب:
أشكنازيم 34.7
سفارديم 43.2
هجين 6.1
سود: سود أفارقة – سود أمريكيون 2
روس (أو من الاتحاد السوفييتي) 14
ثالثاً: التقسيمات الدينية بين اليهود:
العلمانيون Hilonim 45
التقليديون Masorti 35
المتدينون Dati 10
المتشددون Hardi 10
رابعاً: يهود ”إسرائيل“ حسب مكان ولادته هو (لا والديه):
”إسرائيل“ 75.2
خارج ”إسرائيل“ 24.8
خامساً: الفلسطينيون[**]: 21
مسلمون 17.2
مسيحيون 1.9
دروز 1.6
سادساً: آخرون 4.7
سابعاً: الالتحاق بالجيش الإسرائيلي:
اليهود إلزامي باستثناء بعض الإعفاءات لأسباب دينية أو صحية
الدروز إلزامي للرجال فقط
الشركس إلزامي للرجال فقط
العرب طوعي شريطة أن لا يشمل سلاح الجو أو الأجهزة الاستخبارية

[**] بمن فيهم فلسطينيو شرقي القدس.


ويوضح الجدول أن الالتحاق بالجيش تنظمه شبكة من القوانين والإجراءات التي تنم عن “تمايز” في العلاقة مع المؤسسة العسكرية، إذ تسري أشكال من أنماط الالتحاق بالجيش، وينطوي كل منها على استثناءات، فهناك التحاق إلزامي يطبق على اليهود مع استثناءات لأسباب دينية أو استثناءات جندرية (الدروز والشركس)، وهناك التحاق طوعي يطبق على العرب مع استثناء التحاقهم بوحدات معينة؛ مثل سلاح الجو أو الأجهزة الأمنية العسكرية.

ثالثاً: مظاهر التمييز الإثني في الجيش الإسرائيلي:[9]

سعى التخطيط الصهيوني من البداية إلى جعل أحد وظائف الجيش إلى جانب وظيفته التقليدية أن يكون تكراراً للنظرية الأمريكية “بوتقة للصهر[10] Melting Pot من خلال المشاركة في قطاعات التعليم، وبناء المستوطنات، واستيعاب المهاجرين والتعليم المهني إلى جانب تكريس العقيدة القتالية لكافة المقاتلين لإيجاد منظومة قيم مشتركة باتجاه التحويل التدريجي للترابط الآلي نحو الترابط العضوي، لكن التشارك والتفاعل بين الإثنيات داخل المؤسسة العسكرية يقود من منظور مقابل إلى التعرف على الذات من خلال المقارنة مع الإثنية الأخرى وكيفية التفاعل بينهما، وتزداد أهمية المقارنة دلالة من خلال المقارنة بين الإثنيات استناداً لمعيار توزيع مواقع النفوذ والسلطة بين مختلف الإثنيات إلى جانب المقارنة السلوكية، وكل ذلك يتغذى على طبيعة العلاقة التاريخية بين هذه الإثنيات سلبية أم إيجابية، والتي اعتبرتها دراسة سابقة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) معياراً مركزياً في تحديد نظرة المجتمعات أو الثقافات الفرعية لبعضها البعض.[11]

وعند نقل التجربة الإسرائيلية في الوظيفة الاندماجية للجيش، نجد أن أبرز أشكال التمييز بين الإثنيات داخل الجيش الإسرائيلي تتجسد في المظاهر التالية:

1. التمييز على أساس الدِّين:

يتبين من دراسات ميدانية حول دور الدِّين في الجيش الإسرائيلي أن “اليهودية كدين” تقدم للجندي الإسرائيلي بطريقة يؤدي بعضها للاندماج وبعضها الآخر يؤدي نتيجة عكسية، إذ يقدم الدِّين للجندي بصفته تعبير عن “مجموعة إثنية” من ناحية، ولكنه يقدم ثانية له كتعبير عن “مفهوم لاهوتي Theology” من ناحية أخرى، فالجانب الأول يجعل من الدِّين أداة تنازعية لأنه يوجِد ثلاثة أشكال من التنازع هي:

أ. تنازع بين اليهودية وغيرها من الأديان في المجتمع (الإسلام والمسيحية).

ب. تنازع بين الطوائف اليهودية ذاتها، وهو ما يتضح في تعدد الأحزاب الدينية اليهودية استناداً لتنوعات ثقافية إثنية وتصورات لاهوتية.

ج. تنازع بين المتدينين اليهود والعلمانيين اليهود.

واللافت للنظر أن نزعة “تديين Theocratization” الجيش الإسرائيلي تزايدت منذ سبعينيات القرن العشرين من خلال أربعة إجراءات:[12]

أ. تزايد الإجراءات التنظيمية والقانونية التي تيسر التحاق المتدينين في الجيش.

ب. تزايد واضح في عدد الجنود المتدينين المعفيين من الخدمة العسكرية في الوحدات العسكرية المختلفة.

ج. اتخاذ الحكومة الإسرائيلية إجراءات تقيد صلاحيات القادة العسكريين في تنظيم وضبط القطاع الديني داخل الوحدات العسكرية.

د. تقييد تدخل القيادات العسكرية في مهام “ملتبسة” دينياً في المجتمع.

وقد أدت هذه السياسات إلى ارتفاع نسبة الضباط المتدينين اليهود خلال الفترة 1990-2008 من 2.5% إلى 26% ثم إلى 35% سنة 2016،[13] وتصل نسبة الضباط المتدينين في بعض الوحدات القتالية إلى 50%.[14] أما النساء فنسبتهن الإجمالية تصل إلى 40% من إجمالي العسكريين، و18% من الوحدات القتالية.[15] وهي نسب تعارضها تيارات دينية يهودية، وهو ما يفسح المجال أمام بروز تدريجي وموازِ لأنماط النزاعات الثلاثة التي أشرنا إليها، مما يقلص من فرص النجاح في الوظيفة التكاملية بسبب تنازع الولاءات، وظهور ما يسمى في دراسات التكامل أو التضامن الاجتماعي Integration،نموذج التجزؤ الهرمي Pyramidal segmentary،أ[16]حيث تواجه الجماعات الإثنية مشكلة التنازع بين الولاء الأعلى للثقافة الجامعة، وبين الولاء الأدنى للثقافة الفرعية، وفي حالة التنازع بين الولاءين، فإن الفرد ينشد غالباً لولائه الأدنى خصوصاً في المجتمعات التقليدية. ولما كانت نسبة المتدينين تتزايد بثقافاتهم الفرعية المتعددة (الطوائف والمذاهب الدينية مثل الحريديم، والحسيديم، والسمرة، والقرائين، واليهود اليسوعيين…إلخ) تتزايد احتمالات التنازع بين الولاءات الأعلى والأدنى.

ومن الضروري التذكير في مسألة الدِّين في الجيش الإسرائيلي بأنه كان يخصص وحدة في الجيش الإسرائيلي تسمى “كتيبة السيف Sword Battalion” أو الوحدة 300، تقتصر جنودها على الأقليات من غير اليهود وخصوصاً الدروز. فمنذ 1957، بدأ الدروز ينخرطون في الجيش الإسرائيلي بعد قبول “إسرائيل” بهم كإثنية منفصلة. وفي سنة 1975، تمّ إنشاء وحدة عسكرية باسم “السيف” منفصلة للدروز الذين يشكلون 1.6% من المجتمع،[17] وهم الأعلى بين شرائح الأقليات التحاقاً بالجيش قياساً لنسبتهم السكانية، ويعمل 39% منهم في الوحدات القتالية، بينما 18% يُختارون لمساقات “نوعية”، و17% في وحدات فنية أو تقنية، ويتوزع الباقي على قطاعات أخرى مهنية وغيرها. وخلال ستين عاماً من التحاق الدروز في الجيش الإسرائيلي، لم يصل لهيئة الأركان إلا ضابط واحد منهم. وفي سنة 2015 جاء رئيس الأركان غادي آيزنكوت Gadi Eisenkot، وحلّ هذه الوحدة بعد تأسيسها بأربعين عاماً على أساس “الاستجابة لرغبة الأغلبية للعمل في كل الوحدات، بما فيها وحدات النخبة وفي المراكز التقنية العليا، وهناك كذلك توجه لحل الوحدة البدوية في الجيش.[18] ويبدو أن حلّ الوحدة الدرزية والتوجه لحل الوحدة البدوية مؤشر على الرغبة في تقليص الوحدات القائمة على الإثنية الدينية.

2. التمييز على أساس ثنائية يهودي شرقي/ يهودي غربي:

كما أشرنا في البداية، تعود جذور اليهود في الكيان الإسرائيلي بصفته مجتمع استيطاني إلى أكثر من مئة دولة، ويلاحظ أن الروس أو مهاجري الاتحاد السوفييتي السابق هم الأعلى نسبة سكانية (انظر الجدول رقم 2)، يليهم يهود المغرب، أما إذا تمّ التقسيم على أساس يهود الشرق (السفارديم أو المزراحي)، ويهود الغرب (الأشكينازيم)، فإن المجموعة الأولى هي الأكبر.

وللتعرف على انعكاس هذا الأمر داخل المؤسسة العسكرية، نشير إلى مقارنة ذات دلالة مهمة تؤكد على ما توصلت له دراسة اليونسكو، التي أشار لها الكاتب سابقاً في هذه الدراسة، عن نظرة المجتمعات من خلفيات ثقافية متباينة لبعضها البعض نتيجة انخراطها في تفاعلات يومية، وتتمثل هذه المقارنة في دراسة عن العلاقة بين المزراحي وبين الأشكناز من خلال دراسة لوحدتين عسكريتين هما: وحدة المظليين، ووحدة النخبة “جولاني Golani”، وتصل الدراسة الميدانية والقائمة على المقابلات إلى عدد من النتائج تتمثل في الآتي:[19]

أ. في الوظائف المهنية داخل الجيش، نجد أن أغلب ذوي الياقات البيضاء من الأشكناز، بينما أغلب ذوي الياقات الزرقاء من المزراحي أو اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفييتي.

ب. في المقابلات والمقارنة بين وحدات المظليين ولواء جولاني، يميزون بين بعضهم بالأسماء؛ فمن يكن في اسمه “بن” مثل بن عامي، فذلك يعني أنه مزراحي.

ج. يتداول العاملون في الوحدتين ألفاظاً محددة ومتداولة بشكل واضح لوصف بعضهم البعض، فالمظليون يصفون العاملين في لواء جولاني “بالعرب”، من باب النظرة الدونية، أو لأن منشأهم الأصلي في دول عربية، أو تجاوروا مع العرب، بينما يصف العاملون في جولاني المظليين بأنهم “الصُّفْر Yellow”.

د. عندما يصف المظليون عناصر جولاني فإنهم يستخدمون أوصافاً سلوكية تعكس تماماً نظرية الصور المتقابلة Miror–Image Perception،أ[20] مثلالفوضى أو العجز أو نقص الذكاء، بينما يصفون أنفسهم بأوصاف ذات دلالة عملية مثل الإنجاز، والانضباط، والنجاح، والتميز في الأداء، وهو ما يعكس الشعور بالتفوق على الطرف الآخر. وعناصر جولاني (الملقبون بالعرب) عندما يتحدثون عن أنفسهم، يتم الوصف على أساس المقارنة مع المظليين، والعكس صحيح. وتظهر المقارنة بين “عرب والصُّفْر”، أو في نطاق سمات عامة مثل: أن جولاني يملأون الأماكن التي يتواجدون فيها بالضجيج والغناء والموسيقى بصوت عال، بينما يتمتع المظليون بالهدوء والرزانة، بل ويقارنون الموسيقى التي يؤديها كل منهم لا على أساس المقارنة الطبيعية، بل على أساس تكريس ثنائية الأعلى والأدنى. ويتم تفسير ضجيج أفراد جولاني على أنه تعبير ضمني عن احتجاج اللا وعي الجمعي لديهم على التمييز ضدهم، ويتعزز ذلك بمشاركة ضباط جولاني في الغناء مع جنودهم بينما يحجم ضباط المظليين عن ذلك، خصوصاً أن المظليين (الصُّفر الأشكناز) يغنون أغانٍ يعتبرونها إسرائيلية، بينما يغني المزراحيون في جولاني أغانٍ غير إسرائيلية.

هـ. التباين في المظهر الخارجي لكل من جولاني والمظليين: ويتمثل المظهر الخارجي في اللباس والقبعة العسكرية والحذاء وطريقة ارتداء اللباس، مع التنبيه إلى أن ذلك يتم من خلال أوامر انضباطية تأتي من السلطة العسكرية، وعليه فهو زيّ اجباري وليس استجابة لذوق الفرد. ويظهر تباين الفارق في اللباس عند المظليين في أنهم يرتدون القبعة الحمراء والحذاء الأحمر ويجعلون القميص فوق البنطال، خلافاً للوحدات الأخرى، بالمقابل يرتدي أفراد جولاني البنطال الساحل، ويقصرون طول حزام السلاح إلى أقصى درجة، بشكل يجعلك قادراً على رؤية سلاحه فوق رأسه، وهي سلوكيات مخالفة للتعليمات، مما يعني “أنه تمرد قادم من اللا وعي الذي يختزن إحساساً بالدونية، نتيجة الصورة الذهنية العامة عن الذات وعن الصورة المتداولة من الطرف الآخر عنه”.

وتكشف هذه الدراسة الميدانية أن محاولة تطوير “الثقافة المزراحية التقليدية المحافظة” باتجاه ثقافة “أشكنازية صفراء مستنيرة”، تنم عن تراتبية ثقافية تمثل امتداداً للتراتبية الموجودة في البنية الثقافية في المجتمع المدني، والتي يستشعرها الجندي بمجرد خروجه من معسكره. وعليه، فإن الثقافة المدنية والصور الذهنية المتقابلة بين الإثنيات[21] تغذي الهوية الثقافية الذاتية بين العسكريين بدلاً من العكس، مما يجعل الوظيفة التكاملية الاندماجية للجيش أقل فاعلية.

3. التمييز على أساس اللون:

يشير قدر كافٍ من الدراسات الإسرائيلية إلى أن نحو 40% من الجنود اليهود من أصول إفريقية، حيث هناك نسبة قليلة جداً من اليهود السود من أصول أمريكية، واجهوا معاناة في التكيف مع المجتمع الإسرائيلي بعد الخروج من الجيش، مما يعني الفشل في الوظيفة الإدماجية للجيش.[22] ولتدليل على صعوبة صهر الولاء الأدنى في بوتقة الولاء الأعلى، وتكريس الشخصية العصابية لدى أفراد الجيش الإسرائيلي من الأثيوبيين الذين يمثلون الشريحة الأساسية للسود في الجيش، نشير إلى أن العسكريين الأثيوبيين هم الأكثر عرضة للظواهر التالية:[23]

أ. الطرد المهين من الخدمة العسكرية.

ب. الإقدام على الانتحار بسلاحه الذي زودته به وحدته العسكرية.

ج. التعرض للحجز والسجن في السجون العسكرية.

د. الهروب من الوحدات العسكرية.

هـ. تحصيل أدنى العلامات في امتحانات الكفاءة العسكرية للترقي والانتقال لوحدات النخبة.

إن هذه الممارسات هي انعكاس لبنية عسكرية تنطوي على مظاهر تمييز حادة ضدهم مثل:

• يشكل الأثيوبيون ما معدله أقل من 1% من الجيش الإسرائيلي، وإن نسبة التحاق الإناث الأثيوبيات بالجيش أعلى من التحاق الذكور بنحو 50%، طبقاً لإحصاءات رابطة الأثيوبيين اليهود التي ترى في ذلك تمييزاً ضدّ رجالهم.

• إن ثلث الجنود من أصول أثيوبية يرتكبون مخالفاتهم، خصوصاً التغيب عن معسكراتهم، بهدف الحصول على أموال تساعدهم في مواجهة أوضاعهم المعيشية الصعبة.

• أول طيار حربي من الأثيوبيين كان سنة 2018، وأول أثيوبي يحمل رتبة عقيد كانت سنة 2016، على الرغم من أن الأثيوبيين بدأوا بالهجرة إلى فلسطين المحتلة مع بداية الستينيات من القرن العشرين، مع تزايد ملحوظ خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.

• إن بعض الجنود الأثيوبيين هددوا سنة 2016 في رسالة للسلطات الإسرائيلية بعدم العودة للخدمة في ظلّ تصريحات مسؤولين عن ضرورة التزامهم بواجباتهم دون الحديث عن حقوقهم، وقد بلغت نسبة الأثيوبيين من العسكريين الذين لم يكملوا مدة خدمتهم 22.8%.

• نسبة الضباط من إجمالي العسكريين الأثيوبيين حتى 2014 كانت 2.3%، علماً أن نسبة الضباط في إجمالي الجيش الإسرائيلي هي 9.8%، أي أن نسبة الإثنية الأثيوبية بين الضباط لا تتجاوز من نسبة الضباط للإثنيات الأخرى 23.46%.

• القوانين الجديدة التي وضعت للتجنيد من قبل دائرة القوى البشرية لتطبيقها ابتداء من أول تشرين الأول/ أكتوبر 2021، والتي يُطلق عليها “نقاط النوعية Quality Score” تعتمد على القدرات المعرفية والقدرات الإدارية وقدرات التكيف ومستويات الذكاء ومستوى التعليم، وهي قدرات منحازة لليهود الغربيين (الأشكنازيم)، وينظر إليها اليهود الشرقيون (السفارديم) بريبة تامة.

• على الرغم من أن اليهود الأثيوبيين يشكلون أقل من 1% من الجيش الإسرائيلي، إلا أن تقريراً أمميا تمت مناقشته في لجنة تصفية التمييز العنصري، كشف أن نسبة الانتحار بينهم تشكل 10% من المنتحرين العسكريين، وهو دليل على أن تعرضهم للضغوط النفسية عالية بشكل واضح، إذ إن نسبة انتحارهم تعادل عشرة أضعاف نسبتهم الإجمالية.[24] ولعل الاضطرابات العرقية التي نشبت بين البوليس الإسرائيلي واليهود الأثيوبيين سنة 2015 في تل أبيب، والتي بدأت باعتقال الأمن الإسرائيلي جنديا إسرائيلياً من أصول أثيوبية، كانت مؤشراً على الفجوة بين قطاع من المجتمع الإسرائيلي وسلطات الدولة، وهو ما دفع الإثيوبيين إلى إنشاء جماعات ضغط لهم لمواجهة التمييز ضدهم.[25]

4. الأقلية الروسية/ السوفييتية:

تدل أغلب دراسات علماء الاجتماع الإسرائيليين على تباين واضح في تحليل بنية وتوجهات الروس/ السوفييت الذين هاجروا إلى “إسرائيل” على فترات مختلفة منذ انشاء “إسرائيل”، وفي السبعينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ويشكلون حالياً نحو 20% من يهود “إسرائيل”، بل إن تعبير “القبيلة الروسية أو الشارع الروسي أو الروس الإسرائيليين” هي التعبيرات الأكثر تداولاً عند الإشارة لهم في الأدبيات الإسرائيلية. ويمكن تحديد درجة اندماج هذه المجموعة في المجتمع الإسرائيلي من خلال عرض نتائج البحوث الإسرائيلية لموضوع آليات الاندماج المدنية والعسكرية على النحو التالي:[26]

أ. إن صورتهم في الذهن الشعبي الإسرائيلي بأنهم مثيرو شغب، وتجار مخدرات، ومدمنو كحول، والأكثر اتجاراً بالجنس، وأن ثقافتهم تغلب عليها قيم القوة والاستبداد.

ب. علاقاتهم بالمؤسسة الدينية اليهودية مضطربة لا سيّما أن هذه المؤسسة تشكك في يهوديتهم، بل إن بعض الحاخامات (مثل إسحق بيريتز Yitzhak Peretz) طالبوا بوقف هجرتهم لأنهم طبقاً للشريعة اليهودية Halachic ليسوا يهوداً، وأن أغلبهم من أمهات غير يهوديات بشكل خاص، أو أن أحد الوالدين ليس يهودياً بشكل عام، وأنهم لم يهاجروا إلى “إسرائيل” إلا بعد انهيار امبراطوريتهم السوفييتية، أي بعد أكثر من أربعة عقود على إنشاء “إسرائيل”.

ج. يشكك المستوطنون في الضفة الغربية في ولائهم للصهيونية، ويبرز ذلك بشكل واضح في المستوطنات التي يسيطر عليها المتدينون اليهود.

د. يرفض الروس اليهود نسبتهم إلى أي من الشريحتين الأكبر (أشكنازيم أو سفارديم)، بل يميلون إلى تسمية ذاتهم بـ”الروس”.

هـ. إن عرب فلسطين المحتلة سنة 1948 يحتفظون لهم بصورة سلبية بشكل واضح نظراً لأن الحكومة الإسرائيلية تعطيهم أراضٍ ووظائف وخدمات مختلفة على حساب ما يتم تقديمه للعرب، كما أنهم الأكثر معارضة لقيام دولة فلسطينية.

و. يكرههم السفارديم لأنهم أصبحوا “الأقلية الأكبر” في المجتمع الإسرائيلي، ويكرههم الأشكناز لأن نسبة عالية من اليهود الروس مؤهلون وبدأوا يزاحمون النخبة الأشكنازية المسيطرة، بل إن بعض الباحثين الإسرائيليين يرى أن اليهود الروس هم من سيقرر مستقبل “إسرائيل”.

ز. استمرار تعلقهم بلغتهم “الروسية” في حياتهم اليومية، وتواصلهم مع المجتمع الروسي، وتكريس ثقافتهم في أدبياتهم ووسائل إعلامهم.

ح. شعورهم بضآلة حجم “إسرائيل” مقارنة بالإمبراطوية التي عاشوا فيها، مما جعلهم متشبثين بصورة الاتحاد السوفييتي، بل إن الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز Shimon Peres قال واصفاً اليهود الروس في “إسرائيل” أنهم “ما زالوا ينظرون لنهر الاردن كأنه فولغا آخر”.

ط. إنشاؤهم أحزاباً سياسية يغلب عليها العنصر الروسي، وكأنها أحزاباً “قبلية” (“إسرائيل بيتنا” وغيره)، كما أن 86% منهم ينتسبون لأحزاب يغلب عليها الروس، بل ويطالبون بتكريس احتفالات إسرائيلية في ذكرى الحرب العالمية الثانية تمجيداً لقتلى الجيش الأحمر الذين ماتوا من أجل “حماية اليهود من هتلر”.

واستناداً لما سبق، تصبح مهمة الجيش في دمجهم في المجتمع أكثر تعقيداً لا سيّما مع نسبتهم السكانية العالية، لكن الملاحظة التي تستحق التنبه لها هي ارتفاع نسبة التحاقهم بالجيش مقارنة بغيرهم من الإثنيات التي تميل في معظمها للعزوف عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، كما أشرنا في بداية هذه الدراسة، إذ تشير نسبة التحاقهم مقارنة بغيرهم من الإثنيات إلى أنها أعلى بـ 10%، وهو ما يوفر للجيش فرصة تأهيل أكبر لهم، ولكن الصورة السابقة لهم لدى الجمهور الإسرائيلي تجعل عملية “أسرلتهم Israelization” أعقد من غيرهم.

5. فلسطينيو 1948:

لسنا بحاجة لتحليل وضعهم كأصحاب الأرض، وكأقلية هي الأكثر عرضة للتمييز، وهم النقيض التاريخي للاستيطان، ما نود الإشارة له هو أن الاحتلال قسمهم من حيث الالتحاق بالجيش الإسرائيلي إلى قسمين: الأول غير ملزمين بالخدمة؛ وهم المسلمون والمسيحيون مع جواز تطوعهم، والقسم الثاني ملزمون بها؛ وهم الدروز والشركس. وتقدر نسبة العرب العاملين في الجيش الإسرائيلي 1% من العرب (أغلبهم من الدروز والبدو، وعدد محدود من المسيحيين)، مع حظر التحاقهم بوحدات معينة مثل سلاح الجو والاستخبارات العسكرية.[27]

إن طرح فكرة “يهودية الدولة” يعني بشكل مباشر أن الجيش الإسرائيلي غير معني بهذه الشريحة في جهوده لتحقيق التكامل والاندماج الاجتماعي، بل يتضمن استبعاد وعزل هذه الفئة على الرغم من أنها تشكل 21% من السكان.

وتغلب نظرة الشك لدى اليهود في ولاء العربي لـ”الدولة الإسرائيلية” بسبب تعاطفه مع مجتمعه الفلسطيني في مختلف المناطق، وولائه لأمته، وهو ما اتضح بشكل حاد بعد معركة سيف القدس في سنة 2021، وهذه ظاهرة تستحق التنبه لها خصوصاً في توصيف ازدواجية المعايير الصهيونية، فـ”إسرائيل” تطالب اليهودي في العالم كله أن يفك ولاءه من دولته التي يقيم فيها ليتوجه لـ”إسرائيل”، بينما تريد من الفلسطيني أن يهجر ولاءه لشعبه ووطنه ليتحول إلى ولاء من يستعمره أو يغادر إلى المنفى.[28]

ذلك يعني أن وظيفة التكامل الاجتماعي للجيش منعدمة مع هذه الشريحة تماماً، بل يتجه الجيش إلى عزلها نظراً للتناقض الاستراتيجي معها.

6. الشرائح الأخرى في برامج الاندماج العسكرية:

ثمة شريحتان ممن يلتحقون بالجيش الإسرائيلي يجب التوقف عندهما:[29]

أ. يهود الخارج: حيث يتم التحاق يهود الخارج بالجيش عبر برامج محدودة تستهدف ربطهم بـ”إسرائيل” وتشجيع عودتهم لها مثل:

• برنامج “المتطوعين القدامى” ممن كانوا قد شاركوا في حروب “إسرائيل” الأولى ثم غادروا للخارج Mahal.

• برنامج “خدمة “إسرائيل””، لربط يهود الخارج بالمجتمع الإسرائيلي Sar EI.

• برنامج “بذور الصابرا”، لتسهيل العمل مع الجيش ممن يعيش والديه في الخارجGarin Tzabar.

• برامج “التعريف أو التوضيح”، وهو تدريب عسكري لفترات قصيرة للتعريف بالحياة العسكرية Marva.

• برامج الربط بالثقافة الإسرائيلية Lev LaChayal.

ب. الشاذون جنسياً: في سنة 1983، تمّ السماح لليهود الشاذين جنسياً بالالتحاق بالجيش مع حظر عملهم في الوحدات الحساسة أو الاستخبارية، وبقي الأمر كذلك حتى سنة 1993، حين تمّ رفع الحظر التام على إثر نقاش حاد في الكنيست قاده أحد الأساتذة الجامعيين ممن خدموا في الجيش. كما تمّ في سنة 2006 تطبيق الالتحاق بالجندية على الصم أو ممن لديهم صعوبة في السمع.[30]

الخلاصة:

يمكن القول بأن الجيش الإسرائيلي في وظيفته للتكامل الاجتماعي لم يتمكن من لجم تداعيات التمييز داخل المجتمع المدني على مشاعر التمييز داخل الثكنات العسكرية، كما أن بعض مظاهر التمييز داخل الجيش تُغذِّي بشكل صامت بعض مظاهر التمييز في المجتمع.

إن جوانب التمييز المركزية (الدِّين، القومية، اللون، الخلفيات الثقافية والاجتماعية) متأصلة في المجتمع الإسرائيلي، ويبدو أن آليات الدمج الاجتماعي في المجتمع اليهودي الإسرائيلي وجيشه عاجزة عن التحول لـ”بوتقة صهر”، خصوصاً أن برنامج “يهودية الدولة” يشكل خروجاً على التطور المدني في المجتمعات المعاصرة، والمتجه نحو منظور إنساني في إطار آليات عولمة كاسحة.

ويبدو لنا أن تكلُّس التراتبية الاجتماعية في بنية المجتمع الإسرائيلي وعمق التجزؤ الهرمي في البنية الإثنية يغذيان الصور المتقابلة وتعدد الولاءات، ويفتحان المجال أمام تشققات قد تمتد إذا ترافقت مع ضغط إقليمي أو دولي أو أزمات اقتصادية حادة لفترة زمنية كافية، إلى الجيش الإسرائيلي نفسه.


[*] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المُحكّمة.
[1] تعرف الموسوعة البريطانية الإثنية بأنها “أي خصوصية ثقافية متصورة لدى مجموعة بشرية تعيش في نطاق اجتماعي أوسع منها. ويُعتقد أن هذه الخصوصية تتمثل في اللغة، والموسيقى، والقيم، والفن، والأساليب، والأدب، والحياة الأسرية، والدين، والطقوس، والطعام، والتسمية واللون، والحياة العامة، والثقافة المادية. انظر التفاصيل في:
Ethnicity, site of Britannica, https://www.britannica.com/topic/ethnicity
[2] Emile Durkheim, The Division of Labor in Society, translated by George Simpson, 4th Printing (Glencoe: The Free Press of Glencoe, 1960), pp. 70–120.
[3] Ronen Itsik, “Compulsory military service as a social integrator,” Security Defence Quarterly, Poland, War Studies University, vol. 30, Sep. 2020, pp. 66–75.
[4] Ibid., p. 70.
[5] النتائج على مقياس ليكرت المكون من 6 مستويات (أي أن النتيجة من 6).
[6] Ibid., pp. 73–74.
[7] Anna Ahronheim, A third of Israeli youth do not enlist in IDF, The Jerusalem Post newspaper, 19/1/2020, https://www.jpost.com/israel-news/half-of-israeli-youth-do-not-enlist-in-idf-614604
[8] Noah Lewin-Epstein and Yinon Cohen, “Ethnic origin and identity in the Jewish population of Israel,” Journal of Ethnic and Migration Studies, Taylor & Francis, no. 11, vol. 45, 2019, pp. 2118-2137; People of Israel, Britannica, https://www.britannica.com/place/Israel/People; Michael Lipka, 7 key findings about religion and politics in Israel, site of Pew Research Center, 8/3/2016, https://www.pewresearch.org/fact-tank/2016/03/08/key-findings-religion-politics-israel; and “World Directory of Minorities and Indigenous Peoples – Israel,” Minority Rights Group International, August 2018, https://www.refworld.org/docid/4954ce50c.html
[9] The Times of Israel newspaper, 13/6/2019, https://www.timesofisrael.com/with-1-in-15-soldiers-jailed-last-year-idf-rethinks-its-rules-of-incarceration; The Times of Israel, 18/12/2018, https://www.timesofisrael.com/lt-yod-to-become-first-ethiopian-israeli-air-force-pilot; The Times of Israel, 2/9/2016, https://www.timesofisrael.com/top-cop-apologizes-for-ethiopian-comments-insists-he-was-misunderstood; and Haaretz newspaper, 28/9/2014, https://www.haaretz.com/.premium-1-in-4-ethiopians-didn-t-complete-idf-in-2013-1.5308452
[10] Dana Kachtan, “The Construction of Ethnic Identity in the Military—From the Bottom Up,” Israel Studies, Indiana University Press, vol. 17, no. 3, Fall 2012, pp. 150–175.
انظر التفاصيل أيضاً في:
Amos Harel, How the Israeli Army’s Racist System Harmed Hundreds of Thousands of Mizrahim, Haaretz, 1/4/2021, https://www.haaretz.com/israel-news/.premium.HIGHLIGHT.MAGAZINE-how-israeli-army-s-racist-system-harmed-hundreds-of-thousands-of-mizrahim-1.9674734
[11] William Buchanan and Hadley Cantril, How nations see each other, a study in public opinion (UNISCO, 1972), passim.
[12] Hanne Eggen Røislien, “Religion and Military Conscription: The Case of the Israel Defense Forces,” Armed Forces & Society journal, SAGE Publications, issue 2, vol. 39, 2013, pp. 213–232.
[12] Yagil Levy, “The Theocratization of the Israeli Military,” Armed Forces & Society, issue 2, vol. 40, 2014, pp. 280–288.
[13] Maayan Lubell, Israeli military struggles with rising influence of Religious-Zionists, Reuters News Agency, 15/4/2016, https://www.reuters.com/investigates/special-report/israel-military-religion; “Israel’s army is recruiting ever more religious officers,” The Economist newspaper, 20/5/2017, https://www.economist.com/special-report/2017/05/18/israels-army-is-recruiting-ever-more-religious-officers; Idit Shafran Gittleman, “Women’s Service in the Israel Defense Forces,” site of Jewish Women’s Archive, 23/6/2021, https://jwa.org/encyclopedia/article/israel-defense-forces
[14] Christa Case Bryant, In Israel’s army, more officers are now religious. What that means, site of The Christian Science Monitor, 17/4/2015, https://www.csmonitor.com/World/Middle-East/2015/0417/In-Israel-s-army-more-officers-are-now-religious.-What-that-means
[15] Amos Harel, How the Israeli Army’s Racist System Harmed Hundreds of Thousands of Mizrahim, Haaretz, 1/4/2021; Anna Ahronheim, IDF changing the way it recruits soldiers, The Jerusalem Post, 11/8/2021, https://www.jpost.com/israel-news/idf-changing-the-way-it-recruits-soldiers-676422; Dan Williams, Insight: In Israeli military, a growing orthodoxy, Reuters, 5/3/2012, https://www.reuters.com/article/us-israel-religion-idf-idUSTRE8240G720120305
[16] Raimo Vayrynen (ed.), New Directions in Conflict Theory (California: Sage Publications, 1991), pp. 34–35.
[17] People of Israel, Britannica, https://www.britannica.com/place/Israel/People
[18] Barbara Opall-Rome, IDF To Integrate Druze Across Ranks, site of Defense News, 19/5/2015, https://www.defensenews.com/land/2015/05/18/idf-to-integrate-druze-across-ranks; Haaretz, 19/5/2015, https://www.haaretz.com/.premium-idf-to-disband-druze-battalion-1.5363658
[19] Dana Kachtan, “The Construction of Ethnic Identity in the Military—From the Bottom Up,” Israel Studies, Indiana University Press, vol. 17, no. 3, Fall 2012, pp. 150–175.
[20] Abdul Haque and Edwin D. Lawson, “The mirror-image phenomenon in the Context of the Arab-Israeli conflict,” International Journal of Intercultural Relations, vol. 4, no. 1, January 1980, https://www.researchgate.net/publication/267338160_The_mirror-image_phenomenon_in_the_Context_of_the_Arab-Israeli_conflict
[21] سبق لنا أن ناقشنا هذه المسالة في ورقة بحثية عن الانحراف الاجتماعي وانعكاساته على السلوك السياسي في المجتمع الإسرائيلي، انظر: وليد عبد الحي، “ورقة علمية: الترابط بين الانحراف الاجتماعي والعنف السياسي في مجتمعات الاستعمار الاستيطاني: ”إسرائيل“ نموذجاً،” مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2/12/2020، في: https://www.alzaytouna.net/
[22] Andrew Esensten, “Yah’s Exemplary Soldiers: African Hebrew Israelites in The Israel Defense Forces,” Religions, site of MDPI, Nov. 2019.
Hana Rosenfeld, “Being Israeli: The IDF as a Mechanism for the Assimilation of Ethiopian Immigrants,” Undergraduate Thesis, University of California, 2016, pp. 5, 9, 20 and 24.
[24] Committee on the Elimination of Racial Discrimination, Fifty-second session, Summary Record of the 1251st Meeting, Geneva, 5/3/1998, https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-179619
[25] Luke Baker, Ethiopian protests draw attention to racism in Israel, Reuters, 4/5/2015, https://www.reuters.com/article/us-israel-racism-idUSKBN0NP0ZK20150504
[26] Lily Galili, The Other Tribe: Israli’s Russian Speaking Community and How It is Changing The Country (Washington: Brooking, 2020), pp. 9–11; Majid Ibrahim Al-Haj, The Russians in Israel: A New Ethnic Group in A Tribal Society (Routledge, 2019), chapter 3; and Izabella Tabarovsky, Russian-Speaking Israelis Go to the Polls, site of Wilson Center, 4/4/2019, https://www.wilsoncenter.org/blog-post/russian-speaking-israelis-go-to-the-polls
[27] Site of British Broadcasting Corporation (BBC), 8/11/2016, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-37895021; site of ynet news, 8/2/2007, https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3362505,00.html; Michal Yaakov Yitzhaki, An Officer And A Muslim Zionist, site of The Israel Forever Foundation, https://israelforever.org/people/officer_muslim_zionist_israel_hayom; The Jerusalem Post, 31/1/2006, https://www.jpost.com/Israel/IDF-enables-diabetes-victims-deaf-to-be-drafted; and OECD Economic Survey of Israel March 2018, pp. 10 and 16.
[28] حول مظاهر الشكوك الإسرائيلية، انظر:
“Back to Basics: Israel’s Arab Minority and the Israeli-Palestinian Conflict,” International Crisis Group, Report No. 119, 14/3/2012.
[29] للتفاصيل حول كل برنامج انظر:
Haaretz, 15/6/2012, https://www.haaretz.com/.premium-putting-the-limelight-on-the-foreigners-1.5179180; History of Sar-El, https://www.sar-el.org/history-of-sar-el; The Scouts Lone Soldiers Program: Garin Tzabar, site of Friends of Israel Scouts, https://www.israelscouts.org/about-garin-tzabar; and site of Team Lev LaChayal, https://www.mightycause.com/story/0j2drf
[30] Alon Einhorn, IDF move to accommodate recruits from LGBT homes enrages rabbis, The Jerusalem Post, 21/5/2019, https://www.jpost.com/israel-news/idf-move-to-accommodate-lgbt-recruits-enrages-rabbis-590260

 

.

رابط المصدر:

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M