الحرب على طرابلس وإرهاصات الصراع المصري التركي

لقد شكل عدوان حفتر على طرابلس مرحلة جديدة وخطيرة في الصراع الليبي ، وبعد ان كنا نتابع وقائع صراع فرنسي ايطالي على النفوذ في ليبيا ،  بدأنا نرى إرهاصات لصراع مصري تركي ، هنا تصبح الأرض الليبية ساحة لصراع دولي وإقليمي ينذر بتعقيدات أكثر تعرقل الوصول إلى حل للازمة، في هذه الورقة نحاول أن نضع تصور للسيناريوهات المتوقعة في المشهد السياسي الليبي نتيجة هذا الصراع ، لن نكتفي فقط برصد وقائع هذا الصراع في حاضرنا  بل نغوص بعمق في أحداث التاريخ لنقف على الحقائق التي تساعدنا في فهم هذا الصراع الجديد على الأرض الليبية. كما أننا نعطي أهمية للمصالح الاقتصادية التي تؤثر في كثير من سياسات الدول،  وأيضا لموازين القوة العسكرية .

المقدمة.

كثيرة هي المؤشرات الدالة على وجود صراع مصري تركي على الأرض الليبية ، وهو صراع محتدم على النفوذ والمصالح في دولة تمزقها الحرب والصراعات ، وغابت فيها الثقة بين الفرقاء السياسيين . قد لا يبدو هذا الصراع المصري التركي ظاهرا بشكل واضح بعد نجاح الثورة الليبية في عام 2011م ، أو بعد انطلاق عملية الكرامة في مايو عام 2014م ، وهي مشروع للثورة المضادة يستهدف إجهاض الثورة الليبية التي على رأسها قوى الإسلام السياسي حلفاء تركيا.  الصراع المصري التركي بات أكثر وضوحا عندما بدا العدوان على طرابلس وفشل حفتر في ضرب خصومه من قوى الثورة واجتياح طرابلس ، وبعد الضربة القاسمة التي تلقاها حفتر في غريان وانسحاب قواته مهزومة منها بدا أنصاره في تصعيد لهجة العداء ضد تركيا ، وسخروا كل إمكانياتهم الإعلامية في محاولة لتجييش الشارع الليبي ضد تركيا ، ووصل الأمر إلى حد اعتقال مواطنين أتراك في مدينة اجدابيا شرق ليبيا في يونيو عام 2019م  وهو اعتقال لم يدم طويلا بعد تهديد تركيا  بقصف قوات حفتر إذا لم يطلق سراح المواطنين الأتراك ، هذه الحادثة تثبت عجز حفتر عن مواجهة تركيا ، وان الحملة العدائية التي تشنها قنواته الإعلامية تخفي ورائها مخطط أخر ، هناك نوايا مبيتة لان تفتعل مبررات للتدخل المصري عسكريا في ليبيا بشكل اكبر مما سبق ، إنها الورقة الأخيرة بيد اللواء المتقاعد المهزوم على أطراف طرابلس .

الصراع المصري التركي . الأبعاد والخفايا 

لقد سمح اللاعبون الكبار على الساحة الدولية لبعض الدول الإقليمية بان تتدخل في ليبيا ، كان نتيجة ذلك بان تفجر صراع إقليمي على النفوذ والمصالح ، وهو صراع أطال أمد الأزمة الليبية، ودفعها الى تعقيدات كبرى  . سمح لمصر والإمارات والسعودية بان تدعم حفتر وتؤجج الصراع ، وبدعم فرنسي ، ثم دخلت روسيا على خط الأزمة الليبية لتقدم دعم لوجستي وامني لحفتر . ألان يبدو واضحا بان مصر ستكون في الواجهة لتتخذ من التدخل التركي في ليبيا ذريعة للتدخل عسكريا بشكل مباشر لإنقاذ مشروع حفتر الذي اثبت فشله على أطراف طرابلس .

1-الخلافات السياسية.

هناك خلافات سياسية عميقة وجوهرية بين النظام المصري وتركيا ، وهي خلافات ألقت بظلالها على المشهد الليبي ، لقد كانت حادثة إطاحة الجيش المصري بالرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو عام 2013م بداية لتوتر كبير في العلاقات المصرية التركية. الإسلاميون في تركيا بقيادة اردوغان يعتبرون محمد مرسي حليفا لهم ، وأيضا قوى الإسلام السياسي في ليبيا التي تتصدر المشهد منذ نجاح ثورة 17 فبراير في عام 2011م .

في الوقت الذي ترى  فيه تركيا وجود الإسلاميين في السلطة في مصر وليبيا حليفا مهما لتوسيع نفوذها وتحقيق مصالحها،  يرى نظام عبد الفتاح السيسي في مصر بان الإسلاميين هم ألد أعدائه ، وخطرا على نظام حكمه ، ليس فقط لأنه اغتصب منهم السلطة في انقلاب يوليو عام 2013م ، بل لان نظام عبد الفتاح السيسي جزء من محور تحالفات لدول عربية ترفض وجود الإسلاميين في السلطة ، يستمد السيسي شرعيته من رفع شعار   مكافحة الإرهاب هو الذي  طلب تفويض الشعب له بذلك ، إلا انه في حقيقة الأمر استخدم الحرب على الإرهاب للقضاء على خصومه السياسيين من الإسلاميين ، وبالتالي النظام المصري لا يقبل بوجود الإسلاميين ، ليس في مصر فقط ، بل حتى في دول الجوار ليبيا مثلا، فهو يري في وجودهم تهديد لنظامه. لذا فان الصدام بين مصر وتركيا وتعارض المصالح في ليبيا أمر طبيعي .

ويبدو واضحا من خلال تصريحات الساسة المصريين والأتراك حدة الخلافات حول ليبيا ، خاصة بعد تصعيد لهجة العداء من قبل حفتر تجاه تركيا .

 في ابريل عام 2019م أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن  بلاده ستُسخّر كل إمكاناتها لإفشال ما أسماه بتحويل ليبيا إلى سوريا جديدة.

وقال أردوغان في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التركية الرسمية  الأناضول : ”  إن الوضع في ليبيا بات يهدد بسيناريوهات مظلمة  يمتد خطرها لأمن المنطقة ، ليبيا فيها  حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ودكتاتور مدعوم من أوروبا وبعض الدول العربية”.

في يونيوعام  2019م قال الفريق محمود حجازي مسؤول اللجنة المصرية المعنية بمتابعة الملف الليبي في تصريحات صحفية : “ إن تركيا تهدد المصالح المصرية في ليبيا، وأضاف أن تركيا تعمل عليها منذ عام 2014م ،  والتي تم التعهد مع السلطات الليبية في الشرق كعقود النفط والطاقة، وإعادة الأعمار، والعمالة وغيرها. (1)

وأشار حجازي  إلى أن أردوغان يدعم بشكل علني مباشر السلطات في طرابلس، والمتمثلة في رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري. وأبدى الفريق حجازي في ذات الوقت استغرابه من تصريحات الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري وتهديده لأي طائرة مدنية تركية تخرج من وإلى تركيا عبر ليبيا.

وأضاف حجازي : ”  أن الجانب المصري نصح المشير حفتر باتخاذ رد فعل ضد تركيا ولكن الخطوة التي اتخذها المشير ليست في محلها وأن تهديدات المسماري قد تصنف كتهديدات إرهابية، وأن مثل هذه التصريحات تحرج الجانب المصري الداعم للقيادة العامة “. (2)

إن الصراع المصري التركي على النفوذ والمصالح في ليبيا لا يمكن عزله عن مناطق أخرى في الشرق الأوسط حيث تتضارب مصالح مصر وتركيا ، مثلا الصراع في شرق البحر المتوسط على حقول النفط والغاز ، وتحالف مصر مع قبرص واليونان ضد تركيا .

2-البعد التاريخي .

لا يمكن لأحداث ووقائع التاريخ وان كانت من الماضي أن لا تحدث أثرا في الحاضر والمستقبل ، بعض الأحداث التاريخية قد تتكرر ، كما أن صانع القرار السياسي أو المفكر الاستراتيجي لابد  وان يتأثر بالتاريخ . من هذا المنطلق نجد من الأهمية أن نتطرق الى تاريخ الصراع بين مصر في عهد محمد علي باشا لوالي الطموح لإقامة إمبراطورية عربية  والدولة العثمانية التي رأت في طموحات الوالي المصري تهديدا لمصالحها . وسنرى في استعراض وقائع ذلك الصراع كيف تعاملت الدول الأوروبية بمكر ودهاء مع ذلك الصراع ، وكيف وجهت الأحداث الى مصلحتها .

الحرب المصرية العثمانية.

ساءت العلاقات بين السلطان العثماني  محمود الثاني ومحمد علي باشا، وعملت الدول الأوروبية على إذكاء روح هذا العداء فكانت فرنسا تشجع محمد علي على إعلان الاستقلال التام عن الدولة العثمانية، والمناداة بأن الخلافة من حق العرب أولا، أما الإنجليز فكانوا ينقلون إلى السلطان العثماني رغبة محمد علي في الاستقلال، ووضعوا أسطولهم القوي في خدمة العثمانيين لاستخدامه ضد مصر ،  لأنهم رأوا في مصر القوية تهديدا لطرق تجارتهم مع الهند. (3)

الحرب بين العثمانيين ومحمد علي باشا.

سعت الدول الأوروبية وبخاصة إنجلترا إلى إثارة الحرب والصراع بين العثمانيين ومحمد علي، وسعت أيضا إلى إطالة أمد هذه الحرب بين الجانبين لإضعافهما واستنزاف قوتهما المالية والبشرية حتى تتحقق الأطماع الأوروبية الاستعمارية في اقتسام تركة الرجل الأوروبي المريض. (4)

 وكانت بداية الحرب بين الدول العثمانية ومصر  عندما منح السلطان العثماني جزيرة كريت لمحمد علي كتعويض عما فقدته مصر في الحرب اليونانية، لكن هذا التعويض لم يكن ذا قيمة، ورأى محمد علي أن يضم بلاد الشام إلى دولته الشابة حتى يظفر بمواردها من الخشب والفحم والنحاس، ويجنّد شبابها في جيشه فيزداد بهم قوة، وساعده على ذلك ضعف الدولة العثمانية بعد الحرب اليونانية، ثم الحرب الروسية في عام 1829م  وكثرة الثورات والاضطرابات داخل الدولة المترامية الأطراف، وانتشار الفوضى داخل الجيش العثماني بعد إلغاء فرقة الإنكشارية  في عام 1826م التي كانت قوام الجيش العثماني، يضاف إلى ذلك أن محمد علي استطاع أن يجذب إليه الأمير بشير الشهابي كبير أمراء لبنان، وبذلك لم يخش مقاومة الشاميين للجيش المصري.(5)

واستغل محمد علي إيواء والي صيدا  عبد الله باشا لعدد من الفلاحين المصريين الهاربين من الضرائب والخدمة العسكرية، ليجرد حملة عسكرية لتأديبه بقياده ابنه إبراهيم باشا في جمادى في  أكتوبر عام  1831م  وقد سانده الأسطول المصري بقيادة اللواء إبراهيم يكن، الذي حط في يافا. واستطاعت القوات المصرية أن تحقق انتصارات عظيمة في بلاد الشام، فسيطرت على غزة ويافا وحيفا، وصور وصيدا وبيروت وطرابلس والقدس، وفشلت محاولات الدولة العثمانية في وقف الزحف المصري لذا حشد العثمانيون عشرين ألف مقاتل وزحفوا لملاقاة المصريين، والتقى الجمعان في سهل الزراعة  قرب حمص في  إبريل 1832م وانتصر المصريون، ثم فتحوا مدينة عكا الحصينة، ثم دمشق، وانتصروا على العثمانيين في موقعة حمص  في يوليو عام  1832م ، وكانت خسائر الجيش العثماني في هذه المعركة  2000 قتيل و2500 أسير، ولم تزد خسائر الجيش المصري عن 102 قتيل . (6)

وبعد هذه المعركة تقدم الجيش المصري فاحتل حماة وحلب، وانتصر على العثمانيين في موقعة بيلان جنوبي الإسكندرونة، واجتاز حدود سوريا الشمالية، ودخل إبراهيم باشا بقواته ولاية أدنه في بلاد الأناضول، وعبر نهري جيحون وسيحون، ودخل طرطوس وأوروفا، وعينتاب ومرعش وقيصرية. كانت ولاية أدنه مفتاح الأناضول  وصلة المواصلات البحرية بين مصر وجيشهالم تنكسر عزيمة السلطان محمود أمام الهزائم التي حاقت بجيشه، وأعد جيشا جديدا بقيادة الصدر الأعظم  محمد رشيد باشا ، وبلغ قوام  هذا الجيش 53 ألف مقاتل، ونشبت معارك شرسة بين الفريقين  انتصر فيها المصريون، وكان أهمها موقعة قونية  في 21  ديسمبر 1832م  التي فتحت الطريق أمام المصريين إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، التي لا تبعد عنهم سوى مسيرة ستة أيام من البوسفور، في طريق ليس به جيش ولا مقاومة.(7)

الموقف الأوروبي .

استفادت الدول الأوروبية من حالة العداء بين الدولة العثمانية ومحمد علي باشا، فلم يبد الإنجليز في البداية رغبة في مقاومة الفتوحات المصرية السريعة، بل زودوا المصريين بالذخيرة، أما فرنسا فكانت مرتاحة لاحتلال محمد علي لسوريا، بل حضته على إعلان الاستقلال والانفصال وتشكيل نظام سياسي وثيق الصلة بها، ولم تتدخل أية دولة أوروبية في هذا الصراع  فالكل كان في حالة انتظار وترقب. ولما استحكم الأمر وظهرت القوة المصرية المتنامية أصبحت الدول الأوروبية موضوعيا في صف الدولة العثمانية، حتى إن قيصر روسيا العدو اللدود للعثمانيين عرض على الباب العالي تقديم مساعدة عسكرية لقتال محمد علي .

أما السلطان العثماني فسعى إلى نقض اتفاقية كوتاهية ، لأنه رأى أن الخطر الذي يهدد سلطانه يأتي من ناحية مصر.(8)

الحرب العثمانية المصرية “1839م–1841م

بدأت الحرب بين الطرفين بهجوم عثماني في 24 يونيو عام  1839م على مواقع الجيش المصري في نصيبين  وانهزم العثمانيون بعد ساعتين من بدء المعركة، وكانت خسائرهم فادحة فقد قُتل وجرح آلاف، وأسر حوالي 15 ألف ، وقضت هذه المعركة على قوة العثمانيين الحربية،وكانت أكبر انتصار لمحمد علي باشا.(9)

في  1839م انضمت جميع وحدات الأسطول العثماني إلى محمد علي باشا في الإسكندرية، وفي الوقت نفسه احتل الجيش المصري ميناء البصرة وتقدم باتجاه الإحساء والقطيف، فأحدث هذا الأمر إرباكا في السياسة الدولية للدول الاستعمارية الكبرى، ورأت أن تتدخل بقوة وحزم قبل أن تفلت أزمّة الأمور من يديها، لذلك وجهوا إنذارا إلى محمد علي وعقدوا تحالفا أوروبيا ضده، قابله محمد علي باستنكار شديد، خاصة بعد ترحيب الأستانة بهذا التحالف. وانتهى الأمر بإبرام معاهدة  لندن  في  15 يوليو عام  1840م  بين إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا، والتي خولت لمحمد علي وخلفائه من بعده حكم مصر حكما وراثيا.(10)

يمكن القول  بان الصراع التاريخي بين مصر والدولة العثمانية على النفوذ والمصالح في في أوائل القرن التاسع عشر سوف ينعكس على الساحة الليبية ألان ، مصر دولة لديها مصالح في ليبيا وتريد أن تكون قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا  ، وتركيا وريثة الدولة العثمانية هي الأخرى لديها مصالح في ليبيا وهي إحدى أهم دول الجوار العربي الطامحة لان يكون لها دور إقليمي فاعل ومؤثر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. سوف نشهد صدام وتصارع السياسات  والاستراتيجيات ولعبة المصالح والنفوذ في ليبيا المضطربة الغارقة في وحل الحرب الأهلية.

المصالح المصرية في ليبيا.

لا يمكن لأي دولة أن تتدخل سياسيا أو عسكريا في شؤون دولة أخرى ، أو تقيم معها علاقات دبلوماسية ، إلا وهناك مصالح تفرض نفسها ، وللاقتصاد دور كبير في ذلك . فوراء الاقتصاد تسير السياسية ، وهما وجهان لعملة واحدة .

العلاقات الليبية المصرية. نبذة تاريخية

بين ليبيا ومصر علاقات تاريخية وثيقة ، هناك محطات تاريخية هامة لا يمكن إغفالها جسدت الترابط ووحدة المصير  بين الشعبين الليبي والمصري ، لم تكن للحدود المصطنعة بين ليبيا ومصر البالغة 1150كم قيمة أمام قوة العلاقات التاريخية.

في عام 1798م قام نابليون بونابرت بحملته الشهيرة على مصر ، نزلت القوات الفرنسية على التراب المصري وبدأت حرب طاحنة بين الشعب المصري المدافع عن أرضه وبين الغزاة الفرنسيين. لم يقف الشعب الليبي متفرجا على تلك الحرب ، وعم نداء الجهاد في برقة شرق ليبيا لنصرة الأشقاء في مصر ، وانطلق محمد المهدي الدرناوي من مدينة درنة ومعه عدد كبير من المجاهدين الى مصر للمشاركة في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي ، وسجل التاريخ معارك وبطولات مشرفة للمجاهد محمد الدرناوي ورفاقه  . وكان لموقف أهل درنة البطولي في مواجهة سفن القائد الفرنسي جانتيوم قبالة ساحل درنة في عام 1898م  ومنعها من التزود بالمؤن وإكمال طريقها الى مصر لدعم القوات الفرنسية دور كبير في هزيمة الفرنسيين في مصر .

في فترة الاحتلال الايطالي كان لمصر دور تاريخي في إيواء الليبيين الفارين من بطش الايطاليين ، موقف جسد التلاحم والترابط بين الليبيين والمصريين ،  وكان عمر المختار ورفاقه المجاهدين يتلقون الدعم من الأسلحة والمؤن من مصر عبر الحدود الليبية المصرية ، ودعمت بعض الشخصيات المصرية البارزة نضال الليبيين  مثل الأمير عمر طوسون ، كما دعمت الصحافة المصرية المجاهدين الليبيين  في مقارعتهم للاحتلال الايطالي ، ودعمت القضية الليبية .

في أثناء فترة الإدارة البريطانية لليبيا والتي بدأت بعد دخول القوات البريطانية الى ليبيا وطرد الايطاليين  في عام 1942م  ، لم تكن السياسة المصرية غائبة عن ليبيا ، وبقدر ما كانت هناك مواقف داعمة للقضية الليبية وحق الشعب الليبي في الاستقلال ، كانت هناك مواقف وسياسات مصرية تعبر عن أطماع في الأراضي الليبية.

اهتمت مصر بالقضية الليبية، وقامت بتقديم مذكرات إلى مؤتمر وزراء الخارجية، وإلى مؤتمر الصلح فيما بعد. ولقد انحصر موقف مصر في القول بأنه إذا لم تكن الدول الأربع على استعداد لمنح ليبيا استقلالها على الفور، فإن مصر تطلب أن يعهد إليها بإدارتها بوصاية من الأمم المتحدة، وطلبت مصر منح الليبيين خيار الانضمام إلى المملكة المصرية، وخصت بالذكر منطقة برقة. وقد استمرت مطالبة مصر (والجامعة العربية أيضا) بوضع ليبيا تحت الوصاية العربية حتى عام 1947م  حيث ابتدأ هذا المطلب يخفت تدريجيا أمام تقدم القضية الليبية. أما مطالبة مصر بتعديلات حدودية فقد استمرت حتى بعد أن قررت الأمم المتحدة منح ليبيا الاستقلال. وقد بثت الأمم المتحدة في المطالب المصرية بإحالتها إلى لجان خاصة لدراستها الأمر الذي دفع بمصر إلى التوقف عن تلك المطالب بعد أن لمست حدة ردود الأفعال من طرف الشعب الليبي وخاصة احتجاج السيد إدريس لدى السيد أدريان بلت وإعلامه إياه أنه لن يقبل أية تعديلات في الحدود تتم قبل استقلال ليبيا.(11)

وكانت مصر قد قدمت مذكرات إلى مؤتمرات وزراء خارجية الدول الكبرى وإلى، مؤتمر الصلح، وإلى دورات الجمعية العامة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة مطالبة بضم هضبة السلوم حتى تصبح مدينة البردية ضمن الحدود المصرية بحيث يبدأ خط الحدود إلى الغرب من البردية متجها إلى الجنوب الغربي ثم إلى الجنوب ضاما شريطا عريضا يحتوي على واحة  الجغبوب، وبوصول خط الحدود إلى أعماق الجنوب يتوسع ليشكل مثلثا كبيرا رؤوس أضلاعه (معطن سارة – أركينو – العوينات) بحيث تقع هذه الواحات كلها في الأراضي المصرية. وقد قدمت الوفود المصرية خرائط تحتوي المناطق المطلوب ضمها. وقد انتهت هذه المسالة نهائيا بعد استقلال ليبيا. (12)

المصالح الاقتصادية.

لا شك بان مصر لديها مصالح اقتصادية  في ليبيا ، وهي مصالح تعززها الجغرافيا حيث الحدود المشتركة بين ليبيا ومصر بطول 1150كم . وفي الوقت الذي وهبت فيه الجغرافيا لمصر نهر النيل كما يقول هيرودتس ” مصر هبة النيل ” ، فان الجغرافيا قد وهبت لليبيا موقع استراتيجي كبوابة لإفريقيا ، وثروة هائلة من النفط والغاز ، اكبر احتياطي للنفط في إفريقيا يبلغ 74 مليار برميل ، واحتياطي من الغاز يبلغ 178 ترليون قدم مكعب ، إنها ثروة لا يمكن لأي دولة في عالم القرن الواحد والعشرين أن تضعها خارج حساباتها الإستراتيجية، كما أن ليبيا ومنذ عهد معمر ألقذافي كانت تستقبل أعداد كبيرة من العمال المصريين وفي ذلك منفعة للاقتصاد المصري ، بالإضافة الى أهمية السوق الليبي للمنتجات المصرية ، ففي الوقت الذي تنشط وتزدهر فيه الصناعة في مصر فان ليبيا تستورد غالبية احتياجاتها من الخارج ، ومصر تريد أن تكون لها حصة معتبرة من الواردات الليبية.

 في أكتوبر عام 2018م صرح  ناصر بيان  رئيس الجمعية المصرية الليبية لصحيفة صدى البلد قائلا : ”   أن حجم التبادل التجاري بين مصر وليبيا شهدت تطورا خلال العام الجارى، على الرغم من انخفاضه بنسبة 57% خلال عام  2015م  ليعاود الارتفاع الطفيف مرة أخرى في عام 2017م  لتصل إلى 103 ملايين دولار، وتحقق مصر فائضا في للميزان التجاري المشترك لصالحها “. (13)
وأضاف بيان بقوله: “إن التبادل التجاري بين البلدين عاود الانخفاض مرة أخرى بنسبة 9.5% خلال الـأشهر من عام  2018م  لتبلغ صادرات مصر للسوق الليبي  نحو 94.167 مليون دولار، وسجلت حجم واردات ليبيا للسوق المصري  قيمة 11.326 مليون دولار، لتحقق مصر فائضا في  الميزان التجاري لصالحها مع بقيمة 82.841 مليون دولار خلال العام الجاري”. (14)

قد لا يعي الكثيرون من الليبيين والمصريين بأنه وراء التدخل المصري في الأزمة الليبية تكمن أهداف خفية غير معلنة ، وان برر النظام المصري تدخله في ليبيا بحجة مكافحة الإرهاب والخطر الذي يهدد الأمن القومي المصري من جهة ليبيا ، فانه للحقيقة وجه أخر ، ففي ظل ارتفاع معدلات النمو السكاني في مصر يصبح هناك ضغط هائل على الموارد الاقتصادية ، في عام 2017م بلغ تعداد سكان مصر 104 مليون نسمة ، هنا تظهر حاجة مصر لمزيد من الموارد لإنعاش الاقتصاد المصري وتحقيق معدلات تنموية تواكب الزيادة الضخمة في عدد  السكان ، أمام الحكومة المصرية العديد من البدائل لتحقيق التنمية وحماية الاقتصاد من الأزمات التي تنعكس على الأوضاع المعيشية للشعب وبالتالي قد تؤدي الى حدوث اضطرابات اجتماعية  وقلاقل تهدد النظام السياسي الحاكم ، إلا انه يحدث أن يفكر أصحاب الأمر في الدولة في حلول أخرى ، مثل التوسع في دول الجوار للبحث عن موارد جديدة وبمعنى اصح الاستيلاء على أراضي جديدة  وموارد جديدة ، هنا يمكن القول بوضوح بان تدخل مصر في ليبيا ودعم حفتر هو بدوافع كثيرة من أهمها العامل الاقتصادي ، تريد مصر أن تحل مشاكلها الاقتصادية على حساب الدولة الليبية.

في تصريح للسيد احمد المسلماني  المستشار الإعلامي للرئيس المصري قال فيه : ” بأن  الجهة الغربية عند ليبيا في عصر معمر ألقذافي تم حرمان مصر من ثروة طائلة كانت على أطراف أيادينا جهة الغرب ، لكن معمر ألقذافي بدعم غربي كامل حرم مصر من تلك الثروة الطائلة أن تدخل في الاقتصاديات المصرية ، واليوم وبعد أن سقط معمر ألقذافي  لدينا أغنى دولة تقريبا في المنطقة ولن نسمح أن تضيع منا هذه الثروات مرة أخرى “.

انه بلا شك تصريح يوضح الأهداف والأطماع الخفية لمصر في ليبيا والتي تمكن ورائها دوافع اقتصادية. نحن في ليبيا نؤمن بالتكامل الاقتصادي بين ليبيا ومصر  ، ونرحب بالتعاون المثمر ، ونرى في مصر دولة مواجهة مع إسرائيل ونحن جناحها الغربي وواجب علينا دعمها سياسيا واقتصاديا ، إلا أن بعض رموز  النخبة المصرية المرتبطة اليوم بنظام عبد الفتاح السيسي لا تريد أي تعاون مبني على الاحترام المتبادل ، والندية ، هناك نظرة استعلاء ، وتصريحات غير مسؤولة تفوح منها رائحة المكر. وانه في مصر هناك من يفكر في استغلال الظرف الصعب الذي تمر به ليبيا لتحقيق أجندات مشبوهة تتنكر للعلاقات التاريخية بين الشعبين في ليبيا ومصر.

قيمة الواردات حسب أهم الدول المستورد منها خلال عامي 2016م ،2017م

ر.م

الدول المستورد منها

قيمة الواردات (بالاف الدنانير )

النسبة المئوية

2017

2016

2017

2016

1

ايطاليا

1710679

1819156

13.3

12.5

2

الصين

1428875

1646588

11.1

11.3

3

تركيا

1224203

1259705

9.5

8.7

4

الإمارات

927899

1275662

7.2

8.8

5

اسبانيا

849037

516823

6.6

3.6

6

مصر

574270

808447

4.5

5.6

7

تونس

547130

615365

4.2

4.2

8

المانيا

473454

470117

3.7

3.2

9

قبرص

421078

204632

3.3

1.4

10

اليونان

419094

509384

3.3

3.5

11

كوريا ج

389390

996920

3.0

6.9

12

بريطانيا

334340

293755

2.6

2.0

13

هولندا

313867

239190

2.4

1.6

14

أوكرانيا

287797

344495

2.2

2.4

15

فرنسا

253566

270965

2.0

1.9

16

رومانيا

229042

293547

1.8

2.0

مجموع الدول

10383721

11564751

80.7

79.6

دول أخرى

2479075

2959031

19.3

20.4

المجموع الكلي

12862796

14523782

100.0

100.0

المصدر: مصلحة الإحصاء والتعداد / وزارة التخطيط

يتضح من خلال الجدول :

بان تركيا تتفوق على مصر في استحواذها على حصة معتبرة من السوق الليبي في عامي 2016م -2017م ، حيث تظهر في الجدول واردات ليبيا من تركيا 1224203 ألف في عام 2016م ، و1259705 ألف  في عام 2017م ، بينما مصر 574270 ألف في عام 2016م ، 808447 ألف في عام 2017م .

أزمة الاقتصاد المصري .

كما اشرنا هناك دوافع اقتصادية تحرك السياسة المصرية تجاه ليبيا ، لمصر مصالح اقتصادية في ليبيا خاصة في ظل ما تعانيه مصر من مشكلات اقتصادية تجعلها بحاجة الى الاستفادة   من ثروة ليبيا والفرص التي يوفرها الاقتصاد الليبي .

في مقال نشره وزير الاستثمار المصري الأسبق يحيى حامد  في مجلة فورين بوليسي تحدث فيه عن انهيار الاقتصاد المصري، سنجد كثيرا من الحقائق عن الاقتصاد المصري والأزمة التي يعاني منها .
وقال حامد :  إذا ما استمر الوضع الحالي في الاتجاه نفسه، فإن مصر سرعان ما ستفلس ، مؤكدا أن فرضية صندوق النقد الدولي  التي تعتمد على أن زيادة النمو إلى أقصى حد وتقليص العجز إلى أدنى مستوى، سيفضي إلى أفضل النتائج الممكنة بالنسبة للبلد ولمن يعيشون فيه  تمثل فرضية غاية في السذاجة.(15)
يحيى  حامد عن  التفاقم المتزايد في أزمة المديونية المصرية  خلال الأعوام  الست الماضية، والتي وصلت إلى 96 مليار دولار دينا خارجيا  في نهاية عام  2018م ،  و4.1 تريليون جنيه  دينا محليا  في ديسمبر عام 2018م  أي بزيادة 53 مليار دولار في حجم الدين الخارجي، و2.7 تريليون جنيه في حجم الدين المحلي، مقارنة بشهر  يونيو عام  2013م .(16)
واعتبر يحيى حامد أن هذه الزيادة الكبيرة في حجم المديونية المصرية خلال أعوام  قليلة، تهدد الاقتصاد بالإفلاس، إذا استمرت على هذا النحو، خاصة مع استحواذ أعباء الديون (فوائد+أقساطعلى نحو 83%  من إجمالي الإيرادات العامة في موازنة 2019/ 2020  وزيادة معدلات الفقر إلى 60% وفقا لتقرير البنك الدولي.(17)
ووفقا لمعايير الاتحاد الأوروبي  تتراوح الحدود الآمنة لنسبة الديون المحلية من الناتج المحلي الإجمالي بين 65 و75 % ، وفي مصر تجاوزت الديون المحلية نسبة 100%  من الناتج المحلي، وتستهدف الحكومة تخفيض تلك النسبة خلال الفترة المقبلة، وسط شكوك في قدرتها على ذلك خلال وقت قصير في ظل التوجه الحكومي بإعادة تدوير القروض.(18)

إن الانتقادات كثيرة لأداء الاقتصاد المصري ، والأزمة ليست خافية على احد مهما حاول النظام المصري إخفائها . في مقالة للخبير الاقتصادي المصري مصطفى عبد السلام نشرت في صحيفة العربي الجديد بتاريخ 3 يناير عام 2019م  نجد حقائق مهمة عن وضع  الاقتصاد المصري .

فيما يتعلق بالاحتياطي الأجنبي فإننا أمام رقم يقول إن قيمته بلغت 44.5 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر عام  2018م ،  وهو رقم مريح للاقتصاد المصري  سواء على مستوى سداد أقساط وأعباء الديون الخارجية، أو سداد فاتورة الواردات، أو صد أي عمليات مضاربة تستهدف العملة المصرية، لكن في المقابل يظلّ رقم الاحتياطي غير حقيقي بل قد يساوي الرقم الحقيقي نحو 16 مليار دولار فقط ، لأن الجزء الأكبر من الاحتياطي عبارة عن قروض خارجية، ويجب أن تخصم من الرقم قيمة الالتزامات المستحقة على البنك المركزي من ديون وودائع مساندة وسندات وغيرها. (19)
وحسب أرقام البنك المركزي نفسه فإن صافي الأصول الأجنبية لديه تراجع إلى 15.361 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر عام  2018 م مقابل 15.994 مليار دولار بنهاية أكتوبر ، وجاء التراجع نتيجة ارتفاع الالتزامات على البنك المركزي بالعملات الأجنبية إلى 28.314 مليار دولار بنهاية نوفمبر مقابل 27.676 مليار دولار بنهاية أكتوبر ، وإذا ما خصمنا حجم الالتزامات على البنك المركزي من رقم الاحتياطي فإن الرقم يتراجع لأقل من النصف، بل ويتراجع لأقل من ذلك إذا ما خصمنا منه قيمة الذهب المدرج ضمن الاحتياطي . (20)
وحسب توقعات المجموعة المالية هيرميس وهي من أكبر بنوك الاستثمار في المنطقة، فإن الديون الخارجية لمصر سترتفع بنحو 10 مليارات دولار في عام 2019م ،  كما توقع بنك الاستثمار بلتون في تقريره السنوي أن يواصل الدين الخارجي ارتفاعه ليصل إلى 107 مليارات دولار بنهاية العام المالي الحالي، مقابل 92 مليار دولار في العام المالي السابق، لتمويل فجوة تمويلية تبلغ 11.3 مليار دولار.(21)
وربما يتجاوز الاقتراض الخارجي خلال العام الجاري رقم هيرمس مع إعلان الحكومة عن اقتراض مليارات دولار في الربع الأول من العام الجاري، والحصول على شريحتين من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة مليارات دولار في يناير  ويوليو ، بالإضافة إلى القرض السعودي المخصص لتمويل شراء لمشتقات البترولية، وكذا الحصول على قروض مباشرة من البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية وصناديق عربية وغيرها.

مع زيادة القروض الخارجية للبلاد فإن الإيرادات العامة تصبح رهينة للمؤسسات المالية الدولية، وبدلاً من أن توجه إيرادات الدولة لتمويل مشروعات خدمية واستثمارية تعود بالنفع على المواطن والاقتصاد، فإنها توجّه لسداد أعباء الديون ومستحقات الدائنين، وهنا يتم تخيير المواطن بين سداد هذه الأعباء أو خفض الأسعار وبناء المدارس. (23)
بدءاً من منتصف العام الماضي يسجل مستوى صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي المصري عجزاً متواصلاً كما كان عليه الحال قبل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر عام  2016م ، وتشير الأرقام إلى أن البنوك غطت خروج نحو مليارات دولار من استثمارات الأجانب  خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما أدى إلى عجز في أصولها الأجنبية بقيمة 3.9 مليار دولار في سبتمبر فقط . (24)
وبنظرة لأرقام البنك المركزي نجد أن البنوك حققت عجزاً متواصلاً طوال 16 شهراً منذ نوفمبر عام  2015م  وحتى إبريل عام  2017 م لأسباب تتعلّق بخروج نحو 11 مليار دولار أموالاً ساخنة من السوق المصرية في الفترة من مارس  وحتى نوفمبر الماضيين.(25)
وبنظرة لأحدث أرقام صادرة عن البنك المركزي المصري نجد أن عجز الأصول الأجنبية لدى البنوك ارتفع بشكل متواصل  ليصل إلى 7.322 مليارات دولار بنهاية نوفمبر الماضي مقابل نحو 5.5 مليارات دولار بنهاية أكتوبر ،  بزيادة 1.822 مليار دولار. ومقابل العجز في الأصول لم تستطع البنوك جذب موارد دولارية ضخمة من عملائها لتغطيته، فقد سجلت ودائع العملات الأجنبية بالبنوك نحو 40.939 مليار دولار بنهاية نوفمبر مقابل 40.892 مليار دولار بنهاية أكتوبر ، بزيادة 47 مليون دولار فقط، وهذا الرقم يقلّ عن أسعار الفائدة الممنوحة على هذه الودائع، أي أن الودائع الدولارية تتناقص، بل وأظهر تقرير حديث للبنك المركزي تراجع الودائع الجارية بالعملات الأجنبية لتسجل 8.176 مليارات دولار مقابل 8.264 مليارات بنهاية أكتوبر. (26)
ورغم زيادة الاقتراض المحلي والخارجي وارتفاع الإيرادات العامة وفرض الحكومة مزيداً من الضرائب والرسوم ووعود متواصلة بخفض هذا العجز إلا أن الأرقام تشير إلى أن العجز يتفاقم يوماً بعد يوم. مثلاً توقع بنك الاستثمار بلتون مؤخراً ارتفاع فاتورة خدمة الدين لتبلغ 631 مليار جنيه في العام المالي الحالي، وهو ما يشكّل عبئاً شديداً على إيرادات الدولة، نظراً لارتفاعه بنحو 193 مليار جنيه عن العام الماضي، وزيادته عن المبلغ المقرر في الموازنة العامة عند 541 مليار جنيه.(27)
وكشف تقرير الأداء المالي للموازنة العامة المصرية  عن زيادة الإنفاق على فوائد الديون لتصل إلى 178.2 مليار جنيه “9.9 مليارات دولار، خلال الفترة من أول يوليو  وحتى نهاية نوفمبر من عام 2018م . (28)
وهنا يصبح هدف خفض عجز الميزانية بشكل عام والذي وعدت به الحكومات مرات أمر صعب المنال، وتصبح إيرادات الموازنة رهينة للديون لا لخدمة المواطن. على الرغم من تراجع معدل التضخم السنوي إلى 15.6% خلال شهر نوفمبر الماضي، إلا أن المعدل لا يزال أعلى من معدل ما قبل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر عام  2016م ،  ويشكل التضخم الحالي تحديا أمام صانع السياسة النقدية والمالية والاقتصادية، فهو لا يشجع على خفض أسعار الفائدة وخفض الدين العام، ولا يشجع على جذب استثمارات خارجية. (29)

 الحدود الليبية المصرية. نوايا التوسع  والتمدد غربا

يفترض بان الحدود الليبية المصرية قد حسم امرها وفق اتفاقية عام 1925م التي وقعتها كلا من بريطانيا وايطاليا ، الا أن بعض رموز النخبة المصرية يرفضون تلك الاتفاقية ويعتبرونها مجحفة في حق مصر ، وأنها تمثل تواطؤ بريطاني ايطاليا اضر بمصر ، وبغض النظر عن اتفاقية 1925م وكل الاتفاقيات الموقعة بين ليبيا ومصر بشأن ترسيم الحدود ، وبغض النظر عن الطابع السياسي لمسالة الحدود ، فإننا نرى بان إثارة الأشقاء في مصر لقضية الحدود ألان تخفي ورائها أطماع في الأراضي الليبية ذات بعد اقتصادي . أي أن الأشقاء في مصر يريدون تعديل الحدود والتوسع والتمدد  غربا بدوافع اقتصادية للاستفادة من ثروات ليبيا .

خريطة الحدود الليبية المصرية

يتضح من خلال الخريطة موقع مدينة الجغبوب ، وأيضا ميناء  البردي على البحر المتوسط التي تتحدث هاديدي فاروق عنه ، وعن ارتباطه بممر ارضي يصل  إلى السلوم

وفي حوارها مع الوطن   قالت المستشارة هايدي فاروق عبدالحميد : ”  إنه خلافا للزعم المتواتر القائل بأننا تنازلنا عن كامل واحتنا المصرية “الجغبوب”، بموجب اتفاق تم بين كل من بريطانيا وإيطاليا، فإن الوثائق التي توصلت إليها تكشف، لأول مرة بالدليل القاطع، أن خط الحدود الغربي لمصر قد اتُفق عليه، بشكل نهائي مؤرخ في السادس من ديسمبر عام 1925م بين مصر وإيطاليا، ويقضي بمرور خط الحدود بتلك الواحة، بعد أن تنازلت مصر لليبيا عن القسم الغربي منها، نظير تنازل ليبيا لمصر عن بئر الرملة، المعروف الآن بميناء بردية، وممر أرضي يكفي لإيصال الرملة بشمال السلوم “. (30)
وقالت الخبيرة المصرية : ”  إن هذه الأرض تحديدا هي التي كانت وراء موافقتنا على التنازل عن جزء غير يسير من واحة الجغبوب، ومع ذلك فإن الأرض التي من المفترض أننا تسلمناها من ليبيا شمال بئر الرملة نظير تنازلنا عما يساوي نحو ثلثي مساحة الجغبوب الغنية بالبترول، قد أُخذت منا وضُمت إلى الشمال الليبي، فلا نحن احتفظنا بواحتنا المصرية “الجغبوب، ولا نحن احتفظنا بما أعطته لنا ليبيا نظير هذا التنازل، على حد وصفها”. (31)

في يوليو عام 2018م رفع محامي مصري اسمه علي أيوب قضية أمام المحاكم المصرية للمطالبة بإعادة مدينة الجغبوب الى مصر .

مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية

هي مؤسسة بحثية تغطي مجالا إقليميا واسع النطاق ، يشمل دول المغرب العربي والفضاء الإفريقي والمجال المتوسطي، مع الاهتمام بالشأن التونسي، وللمركز مقران رئيسيان بلندن وتونس… ويعمل المركز على تقديم مساهمات جادة في مجال البحوث الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.

 

رابط المصدر:

https://www.politics-dz.com/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b7%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d9%84%d8%b3-%d9%88%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%b5%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M