الحشد الشعبي .. المضمار السياسي الجديد للانتخابات القادمة

بهاء النجار

من أبرز الصفات التي يتمتع بها السياسيون عموماً والعراقيون خصوصاً هو التأقلم مع كل الظروف ، ولديهم الإمكانيات والوسائل التي تمكّنهم من الاستفادة من أي حادثة تقع في البلاد لصالحهم ولصالح أحزابهم ، ويخططون لاستغلال تلك الأحداث أمثل استغلال في المواسم الانتخابية باعتبارها هي التي تقرر سطوة ونفوذ كل حزب ، وحتى يكون الكلام منصفاً ليس كل الأحزاب تتخذ من الأحداث سلماً لها لارتقاء أعلى المناصب وتحقيق غاياتهم الحزبية والسياسية ولكن أغلبها كذلك .
والمشكلة أن بعض طرق خداع المواطنين مكشوفة ومفهومة من قبل الواعين من ابناء الشعب إلا أنها تنطلي على الكثيرين ، وكلما كان الواعون أكثر نسبة كانت الحيل والطرق الماكرة لاستغلال الناس أقل تأثيراً ، عندها يحتاج السياسيون لطرق استغلال أذكى وأرقى تمرر حتى على الواعين ، وهنا يأتي دور المثقفين ومنظمات المجتمع المدني ومن له تأثير في الساحة العراقية مثل المرجعيات الدينية لبيان الصالح من الطالح بل وبيان الأصلح من الصالح ، وأن لا تترك الأمور مشوشة للمواطن البسيط بحيث يصبح ألعوبة بيد الماكرين من السياسيين .
ورغم ما يتمتع به السياسيون من سمعة وتاريخ سيئين وتجارب حافلة بالفشل والخداع والفساد إلا أن هناك بعض الأحداث تكون طريقاً سهلاً لمسح تلك الذاكرة من اذهان العراقيين ، فبعد تجربة تجاوزت العشر سنين من حكم الأحزاب السياسية المعروفة حالياً على الساحة العراقية بعد سقوط صدام المباد ورغم أن دخول داعش وإسقاط أربع محافظات عراقية وما تلاها ورافقها من ضحايا أبرياء ومجازر بشعة ونزوح مئات الالاف من المواطنين نتيجة ذلك العدو الأهوج ، رغم كل ذلك ورغم أن التقصير والفشل واضح بسبب قيادة سياسية فاشلة للعراق إلا أن هذه الأحزاب عرفت اللعبة الجديدة وعرفت كيفية إتقان لعبها كي تمرر على السذج أكاذيبها الجديدة وتمحو من ذاكرة المواطن تلك المآسي التي لا يمكن ان يناسها حر شريف .
ما إن تشكلت أفواج وألوية وسرايا وكتائب الحشد الشعبي لمقاتلة داعش بعد ضعف الجيش العراقي من التصدي له بسبب خيانة القيادات الميدانية العسكرية وتقصير الحكومة في دعمه الدعم اللازم والفساد المستشري الذي نتج عنه فضائيون بلغوا الخمسين الف جندي في الموصل وحدها ، بعد هذا قامت الأحزاب وخصوصاً الدينية الشيعية باستغلال دعوة المرجعية للتطوع – أو فتوى المرجعية كما يحلو للبعض تسميتها – لمقاتلة داعش ومنعها من التوغل في باقي الأراضي العراقية فضمّت المتطوعين الى صفوف فصائلها المسلحة ، وهي بذلك تخرق توصيات المرجعية التي اشترطت أن يكون التطوع ضمن مؤسسات الدولة العسكرية الرسمية ورفضت تشكيل مليشيات – على حد قول معتمد المرجع السيستاني في كربلاء – خارج القانون .
ومنعاً لهذا الإحراج شكّلوا هيأة الحشد الشعبي ضمن مستشارية الأمن الوطني – أو بالأحرى استغلوا وجود هذه الهيأة التي تم تشكيلها قبل سقوط الموصل – حتى يعطوا سمة رسمية لفصائلهم التي في الحقيقة لا ترجع في قرارتهم وقيادتها للحكومة ولا للقائد العام للقوات المسلحة .
واصبح التباري على قدم وساق ، فكل فصيل ينشر صور الشهداء الذين استغلت دماؤهم لإبراز قادة تلك الفصائل حتى يبين أنه الأقوى والأبرز في ساحة القتال بحيث كانت نتيجة (جهاده) تلك الكوكبة الطاهرة من الشهداء الذين حاولوا أن يبرئوا ذمتهم ويدافعوا عن مقدساتهم وارضهم ، كما أن قادة تلك الفصائل تمكنّوا من تسليط الإعلام على إنجازاتهم وكان على حساب الجيش العراقي ، لأن الأخير يعتبر ندٌ لهم ، فجيش قوي سيسحب البساط من تحت أقدامهم وسوف لن يكون لفصائلهم معنى .
وإذا استطلعنا الراي العام نجده منجذباً لأبطال الحشد الشعبي من المتطوعين لأنهم بحق مفخرة لنا ولشعبنا وأجيالنا ، ولكن المشكلة هذا الانجذاب انتقل تكتيكياً الى قادة الحشد الذين أرادوا ركوب موجة انتصارات الحشد ومتطوعيه كي يسوّقوا للناس أنهم هم قادة الانتصارات ، وهذه النتيجة ستتحقق تلقائياً بحكم تأثيرات العقل الباطن ، فسعى المسيطرون على قرارات الحشد الى التوغل الى مصادر قرارات الحشد ، فبعض سيطر على رئاسة هيأة الحشد الشعبي أو أحد حوارييها ، وبعض ناطق بإسم الهيأة وهكذا .
وبالفعل أثمرت هذه الجهود في إفهام الناس أن قادة تلك الفصائل هم الذين أذاقوا داعش حر السيف ، وهم وإن كانوا قد شاركوا في الانتصارات ضد داعش إلا أن تخطيطهم الذي بدأوه بمخالفة توجيهات المرجعية الدينية تثير الغرابة ، وبالتالي يكون من الحكمة عدم التصديق بهم وبنواياهم وإتّباعهم حتى لا نصل الى يوم نصوّت لهم وننتخبهم وتعاد المأساة من جديد .
ويبدو أمر داعش والله العالم أنه سيستمر الى الانتخابات القادمة ، وإن لم يستمر الى 2018 حيث الانتخابات البرلمانية فإنه سيبقى الى الانتخابات المحلية عام 2017 ، وإذا كتب الله النصر مبكراً فبالتأكيد ارتدادات هذا النصر سيتأثر بها الناخبون في كلتا الانتخابات ، خاصة وأن إدارة أوباما صرّحت بأن مقاتلة داعش تستمر لثلاث سنوات أو أكثر وذلك بعد سقوط الموصل في حزيران 2014 .
من هنا لا بد للعراقيين أن ينتبهوا لما يجري في البلد وأن لا يسمحوا للانتهازيين أن يصلوا للحكم مرة أخرى مستغلين الحشد الشعبي راكبين موجات انتصاراته ، لأننا جرّبنا هذه الوجوه الكالحة التي لم نر الخير من بعد توليهم زمام الأمور منذ 2003 ورغم الدعم الذي تلقوه من الداخل والخارج ورغم صرف ما يقارب الترليون دولار !!!

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M