الحشد الشعبي وإضعاف الجيش العراقي

أصبح الحشد الشعبي الذي تشكل بعد سقوط الموصل رقماً لا يمكن الاستهانة به ، فقد أصبح عنواناً لكل انتصار ضد داعش الإرهابي ، بل ولا يمكننا أن نتصور أن يتحقق انتصار من دون وجود الحشد الشعبي ، وربما الأسباب كثيرة لانفراد الحشد بهذه الانتصارات ولكن – من وجهة نظري – أن أهم سبب هو الإخلاص والإيمان والعقيدة التي يحملها متطوعو الحشد الشعبي ، فداعش عصابة عقائدية لا يمكن أن تُدحر إلا بوجود قوة عقائدية تفوقها ، بعدها يمكن أن تُدعم هذه القوة بالطائرات او الاستخبارات وغيرها من مستلزمات الانتصار .
ولكن مما يلاحظ أن سطوع نجم الحشد الشعبي كان يقابله هبوط لنجم الجيش العراقي الرسمي ، فهل هناك ترابط بين الحالتين ؟! بمعنى هل صعود (الحشد الشعبي) كان على حساب إضعاف الجيش العراقي ؟ وهل هذا الصعود والهبوط كانا مدروسين ومخطط لهما ؟ أم هما جاءا نتيجة وتحصيل حاصل ما يجري على أرض الواقع ؟
من يتابع حلقات تأسيس الحشد الشعبي يجد أن تأسيسه جاء بعد دعوة المرجعية للتطوع لقتال داعش ، وبالتالي لولا هذه الدعوة لما كان للحشد هذا الصدى الإعلامي والتأييد الشعبي ، ويبدو أن المرجعية الدينية كانت متخوفة من إضعاف الجيش الرسمي لذلك دعت الى تشكيل (الجيش الرديف) الذي يكون جنباً الى جنب القوات المسلحة الرسمية ويأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة (1) ، كما أكدت المرجعية في مناسبة أخرى (2) على ضرورة حصر السلاح بيد الحكومة وأنّها لا تؤيّد أي تنظيم مسلّح غير مرخّص فيه بموجب القانون ، لأن دعوة المرجعية للإنخراط في القوّات الأمنية الرسمية وليس لتشكيل مليشيات مسلّحة خارج إطار القانون .
لذا نفهم من توجيهات المرجعيات الدينية أنها تدعم الجيش العراقي الرسمي وتريد إسناده بالطلائع الشبابية العقائدية كي يتمكن من الانتصار على الزمر الإرهابية ، لا أن يُشكل جيش آخر خارج إطار الدولة والأسس القانونية ، وقد يسأل سائل : وهل ينطبق على الحشد الشعبي ما تخوفت منه المرجعية ؟ قبل أن أجيب على هذا السؤال علينا أن نفرّق بين الحشد الشعبي كمتطوعين والحشد الشعبي كفصائل مسلحة وقيادات ميدانية ، فمن تطوع من الحشد الشعبي ضمن مؤسسات الدولة فهذا قد طبّق دعوة المرجعية للتطوع ، أما من تطوّع لفصيل مسلح يعمل خارج إطار الدولة فهذا قد تطوع ضمن مليشيات لم ترغب المرجعية بالتطوع فيها ، إلا أن يكون التطوع ضمن رؤى مرجعية أخرى .
إن أغلب الفصائل المسلحة من الحشد الشعبي تشكلت بغير ما أرادته المرجعية الدينية في العراق وهناك قرائن يمكن الاستدلال بها :-
1) إن هذه الفصائل لا ترجع للقائد العام للقوات المسلحة كما أرادت ذلك المرجعية ، فمن الناحية الشكلية صحيح أن أغلب الفصائل أو قل جميعها منضوية تحت هيأة الحشد الشعبي ولكن هذا لا يعني أن قادة تلك الفصائل هم جنود وبيادق بيد القائد العام للقوات المسلحة ، بل هم في مستوى واحد مع القيادة العامة للقوات المسلحة ، لذلك نجد بعض قادة الفصائل (3) ينتقدون العبادي وقرارته ويحذرونه ، ولو كانوا تحت إمرته حقاً لما استطاعوا أن يقوموا بهذا الأمر لأنه وفق التسلسل الهرمي للمؤسسة الأمنية أعلى منهم ، وهذا الانتقاد بمجرده هو استضعاف للجيش العراقي لأنه صادر من الأدنى الى الأعلى – كما يفترض – وعبر وسائل الإعلام ، وهذا التصريح ليس الوحيد واكنه مثال يمكن الاستشهاد به .
2) لم نسمع يوماً ما أن فصائل الحشد الشعبي هذه عانت من قلة العتاد والأسلحة أو الرواتب والتجهيزات بل نجد تجهيزاتهم أرقى التجهيزات وأسلحتهم ومعداتهم أفضل من أسلحة ومعدات الجيش العراقي النظامي ، وبالتالي فإنهم لا يحتاجون الى دعم الحكومة لا مالياً ولا تعبوياً ولا إعلامياً ولا من حيث الذخيرة ، أو سمع أحدنا أن داعش حاصرت مجموعة من عناصر تلك الفصائل وذهبت ضحاياها بالعشرات ، ووفق قول أمير المؤمنين عليه السلام (استغني عمن شئت تكن نظيره) فهم نظراء للحكومة لأنهم مستغنون عنها .
نعم هناك من يعاني من قلة الرواتب والتجهيز والأسلحة أولئك الذين طبّقوا دعوات المرجعيات الدينية وانضووا تحت ألوية الجيش العراقي الرسمي فشملتهم المعاناة التي يعانيها أفراد الجيش العراقي .
3) لم تكن جميع تدريبات الفصائل تلك ضمن مراكز تدريب الجيش العراقي وإنما كانت لهم تدريبات خاصة وكثير منها خارج العراق وتحديداً في إيران .
4) لم تلتزم هذه الفصائل المسلحة من الحشد الشعبي بالأطر الدبلوماسية والاتفاقات السياسية مع المجتمع الدولي كما يلتزم قادة الجيش وضباطه ، فنجد قنواتهم الإعلامية والناطقة بإسمهم تناغم الدبلوماسية الإيرانية وليس العراقية.

من خلال ما سبق يتضح أن هناك نوايا مباشرة أو غير مباشرة لإضعاف الجيش العراقي ، ونجد أن ذلك انعكس على الشارع العراقي ، فأغلب الناس تشيد ببطولات الحشد الشعبي ولكنها لا تعترف بأي إنجاز للجيش العراقي ، وحتى الإنجازات الخاصة بالجيش العراقي تنسب الى الحشد الشعبي ، والغاية من هذا الإضعاف مقابل دعم بعض فصائل الحشد الشعبي هو السيطرة على العراق في المستقبل البعيد والقريب ، فبعد مخططات التقسيم التي بانت معالمها فإن كل دويلة جديدة ستسيطر عليها دولة إقليمية متنفذة تستخدمها كدرع ضد الأطراف الإقليمية ، فالإقليم السني سيكون من نصيب السعودية وباقي دول الخليج فلا بد من السيطرة على الإقليم الشيعي من قبل إيران ، ولا تتم هذه السيطرة إلا بالسيطرة العسكرية التي قدمناها مجاناً للغير ، ويا ليت المسيطرون الجدد سيعوضوننا حرمان المسيطرين القدماء ، ولكن يبدو أننا سنبقى ساحة تصفية الحسابات مع باقي القوى الإقليمية والدولية .

————————————————————————–
(1) موقع المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (سقوط الموصل … رب ضارة نافعة ) بتاريخ 11/حزيران/2014
http://yaqoobi.com/arabic/index.php/news/5072.html

(2) خطبة الجمعة التي كانت بإمامة السيد أحمد الصافي بتاريخ ( 20/حزيران/2014 الموافق لـ 21 شعبان 1435هـ )
http://www.sistani.org/arabic/archive/24915/

(3) قيس الخزعلي زعيم (عصائب أهل الحق) يهدد حكومة حيدر العبادي بالإنقلاب عليها والثورة ضده

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M