الحل السياسي في النيجر: السياقات الداخلية والخارجية والآفاق المستقبلية

  • يُشكِّل قرار قمة ايكواس المنعقدة في أبوجا يوم 10 ديسمبر 2023 تتويجاً للخط الذي يتمثَّل في تغليب الخيار الدبلوماسي والتعامل بواقعية مع التحولات التي حدثت في النيجر.
  • تحظى السلطات العسكرية الحاكمة في النيجر بتفهُّم من القوتين السياستيين الفاعلتين الأبرز: الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية، والحركة الديمقراطية النيجرية للفيدرالية الأفريقية، إلا أن هذا التفهم يظل هشاً ولا يصل إلى حد الدعم السياسي.
  • يبدو أن السلطة العسكرية ستشرع في تنظيم حوار جامع مع القوى السياسية بخصوص مدة وآليات إدارة المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى انتخابات عامة ستُحدِّد طبيعة ومستقبل التوازنات السياسية الداخلية في النيجر.

طرحت قمة دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (ايكواس) في أبوجا في 10 ديسمبر 2023 لأول مرة خيار التوافق مع السلطات العسكرية الانقلابية ضمن شروط العودة السريعة للنظام الدستوري الانتخابي، متخلية ضمنياً عن اشتراط عودة الرئيس السابق محمد بازوم للسلطة وعن خيار التدخل العسكري لعودة النظام المدني. وبرز الموقف الجديد في إطار سلسلة من التحركات الإقليمية والدولية لحل الأزمة السياسية النيجرية.

 

ايكواس والأزمة السياسية النيجرية

بعد انقلاب 26 يوليو 2023 في النيجر، قرَّرت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا منذ 30 يوليو عدم الاعتراف بالانقلاب ومنحت السلطات العسكرية مهلة 10 أيام لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم للسلطة مع التهديد بالتدخل العسكري المباشر لإفشال الحركة الانقلابية. وفي 10 أغسطس 2023 اجتمع قادة ايكواس في مدينة أبوجا من أجل تنسيق عملية التدخل العسكري التي كان من المقرر أن تتمحور حول قوات خاصة من نيجريا وساحل العاج وبنين ،مع دعم فرنسي صريح.

 

لكن التطورات اللاحقة قوّضت احتمالات العمل العسكري، نتيجة عدة عواملمن بينها رفض القيادات الدينية والأهلية في شمال نيجريا التدخل المسلح ، واعتراض الكونغو على العملية العسكرية، فضلاً عن قيام محور دفاعي ثلاثي من بوركينا فاسو ومالي والنيجر هدَّد بالوقوف مع السلطات الانقلابية في نيامي ضد أي حرب مفروضة من ايكواس.

 

وهكذا يشكل قرار قمة ايكواس الأخيرة المنعقدة في أبوجا يوم 10 ديسمبر تتويجاً لهذا الخط الذي يتمثل في تغليب الخيار الدبلوماسي والتعامل بواقعية مع التحولات التي حدثت في النيجر.

 

وفي البيان الصادر يوم 14 ديسمبر عن مجموعة ايكواس- كما نشرته الصحافة النيجرية – اعتراف بواقع الانقلاب العسكري الذي حدث يوم 26 يوليو، مع تعليق عضوية النيجر في كل مؤسسات ايكواس بداية من يوم 10 ديسمبر إلى حد العودة للشرعية الدستورية التي طالبت المجموعة بأن تكون في مدة قصيرة حتى يتم تعليق العقوبات المفروضة على النيجر.

 

وحسب المعلومات التي سربتها صحيفة “جون أفريك“، قاطع رؤساء ساحل العاج والسنغال وبنين الاجتماع وبعثوا ممثلين عنهم لحضور القمة، احتجاجاً على التخلي عن استراتيجية العمل المسلح التي غدت خياراً بعيداً إثر تخلّي نيجريا عنها.

 

وتزامنت هذه التطورات مع الحكم الصادر عن محكمة ايكواس في 15 ديسمبر المتضمن إطلاق سراح الرئيس المخلوع محمد بازوم وأفراد أسرته فوراً وإعادته للحكم، رداً على الشكوى التي تقدم بها محامو بازوم في منتصف سبتمبر الماضي. ولا يبدو أن لهذا الحكم آثاراً جدية.

 

ورفضت السلطات الاتقلاببة قرارات قمة ايكواس وحكم محكمتها. وفي خطاب ألقاه الفريق عبدالرحمن تياني رئيس المجلس العسكري الحاكم في 18 ديسمبر، بمناسبة ذكرى إعلان الجمهورية، تم التأكيد على رفض التعامل مع ايكواس، والتشبث بالحلف الثلاثي مع مالي وبوركينا فاسو، ما يعني الانخراط في مسار انتقالي سيادي ضمن سقف الحوار الوطني الجامع.

 

السياق الإقليمي والدولي لمبادرات تسوية الأزمة النيجرية

تقدمت الجزائر في سبتمبر 2023 بمبادرة للحل السياسي في النيجر تتضمن على الخصوص تحديد مدة انتقالية لا تتجاوز 6 أشهر، والاتفاق مع القوى السياسية على شخصية توافقية تقود المرحلة الانتقالية. وبعد أن أعلنت الحكومة الجزائرية في بداية أكتوبر أن السلطات الانقلابية في نيامي وافقت على المبادرة، تبيّن أن الموقف الفعلي كان مختلفاً، ما أدّى نهاية المطاف بالجزائر لسحب مبادرتها.

 

إلا أن التوغو واصلت جهودها للحل السياسي في النيجر من خلال بعض المقترحات التي يبدو أنها حظيت بقبول السلطات الانقلابية في نيامي. وصرّح روبرت دساي وزير الخارجية التوغولي يوم 15 ديسمبر، إثر جولة مفاوضات مع رئيس الوزراء النيجري ووزير الخارجية في نيامي، أنه توصل مع الجهات الحاكمة في النيجر إلى مضمون الحل السياسي ومرحليته الزمنية وسيُقدِّم الصيغة المقترحة لقادة دول غرب أفريقيا، بما يفتح المجال لرفع العقوبات عن النيجر ومواكبة مسارها الانتقالي.

 

وكانت حكومة النيجر طلبت من السلطات التوغولية في 6 نوفمبر القيام بوساطة بينها والمجموعة الدولية للخروج من المأزق السياسي الحالي. ومع أن تفاصيل المبادرة التوغولية غير معروفة، إلا أن بعض الجهات المطلعة ذكرت أن من بين بنودها الأساسية:

 

1) تنظيم حوار وطني جامع وشامل في بداية عام 2024 يفضي إلى تحديد مدة المرحلة الانتقالية على ألّا تزيد على ثلاث سنوات حسب مقترح المجلس العسكري.

 

2) إطلاق سراح الرئيس المخلوع بازوم، ومنحه حق السفر إلى الخارج ووقف الملاحقات القضائية ضده.

 

3) إعطاء الضمانات الكاملة لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة ونزيهة تخرج البلاد نهائياً من مأزق عدم الاستقرار السياسي.

 

وفق المصدر ذاته، تتبنّى الولايات المتحدة الأمريكية خط الحوار مع السلطات العسكرية، والتوصل معها إلى توافقات مرحلية تضمن إبقاءها بعيداً عن النفوذ الروسي المتزايد في منطقة الساحل. وهنا تجدر الإشارة إلى زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية “مولي في” للنيجر ولقائها رئيس الحكومة مهمان لمين زين بعد أن مشاركتها في قمة أبوجا في 10 ديسمبر. ووفق المسؤولة الأمريكية عبّرت الولايات المتحدة عن استعدادها استئناف تعاونها مع النيجر بشرط تحديد مدة انتقالية قصيرة تتلوها انتخابات ديمقراطية حرة. وقدمت السفيرة الأمريكية الجديدة في نيامي كاتلين فيتزغيبون أوراق اعتمادها لوزير الخارجية النيجري، في ما يشكل اعترافاً ضمنياً بالحكومة العسكرية الحاكمة.

 

وحسب المعلومات المؤكدة، أصبحت منظمة الأمم المتحدة تعترف بشرعية السلطة العسكرية الحاكمة في نيامي وتعتبرها الممثل الفعلي لدولة النيجر، بعد أن عقدت اجتماعاً لهذا الغرض للجنة التحقق من السلطات المكلفة بتحديد شرعية الأنظمة الممثلة للبلدان الأعضاء.

 

وعلى المستوى الأوروبي، لُوحظ تغير نوعي في الموقف من السلطات العسكرية، تمثل مؤخراً في زيارة وزير الدفاع الألماني بوريس بوستريوس لنيامي يُرجح أن تكون بداية عملية لعودة الاتحاد الأوروبي للساحة النيجرية ودفع التعاون الاستراتيجي والعسكري معها رغم معارضة فرنسا لهذه الخطوة الانفتاحية.

 

آفاق الحل السياسي في النيجر

تحظى السلطات العسكرية الحاكمة بتفهُّم من القوتين السياستيين الفاعلتين الأبرز: الحزب النيجري للديمقراطية والاشتراكية الذي أسسه الرئيس السابق محمدو اسوفو الذي يُعتقد أنه على علاقة وثيقة بقائد الانقلاب الأخير الفريق عبد الرحمن تياني، والحركة الديمقراطية النيجرية للفيدرالية الأفريقية التي يقودها رئيس الوزراء السابق حمة آمادو الذي رجع للبلاد بعد الانقلاب من منفاه الفرنسي. إلا أن هذا التفهم يظل هشاً ولا يصل إلى حد الدعم السياسي، ومن ثم فإنه من الممكن الوقوف على ثلاث سيناريوهات مختلفة في المستقبل، بحسب المعطيات الراهنة المعرضة للتغير.

 

1) سيناريو استمرار القيادات العسكرية في الحكم بترشُّح قائد المجلس العسكري الحاكم الفريق عبدالرحمن تياني أو أحد كبار ضباط المؤسسة العسكرية في الانتخابات القادمة، بما سيؤدي إلى تعميق الشرخ بين الجيش والقوى السياسية الرئيسية.

 

2) سيناريو استمرار التحالف بين القيادات العسكرية والحزب الحاكم سابقاً الذي أسسه الرئيس السابق محمدو اسوفو، مع إزاحة الجناح الداعم للرئيس المخلوع محمد بازوم، بما سيسمح بترشيح شخصية منحدرة من صفوف النظام السابق مع احتفاظ المؤسسة العسكرية بدور فاعل في القرار العمومي.

 

3) سيناريو تنظيم انتخابات شفافة وحرة تفتح الباب لقائد المعارضة التقليدي حمة آمادو من أجل الوصول إلى السلطة، بما يعني إحداث تغيير نوعي في المشهد السياسي النيجري.

 

وليس من السهل حسم هذه السيناريوهات، لكن السيناريو الثاني هو الأقوى حالياً بحسب معطيات الوضع الراهن.

 

خلاصة واستنتاجات

برزت مؤخراً عدة مؤشرات ملموسة على خروج النظام العسكري الحاكم في النيجر من مأزق المقاطعة الإقليمية والدولية، بتخلّي مجموعة ايكواس عن مقاربة التدخل العسكري لإعادة النظام المخلوع، وقبولها عملياً التعامل مع النظام الجديد، وبوادر نجاح المبادرة التوغولية للحل السياسي في الإطار الإقليمي، بالإضافة إلى خطوات الانفتاح السياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية الفاعلة، واعتراف هيئة الأمم المتحدة بشرعية النظام الحاكم في نيامي.

 

ويبدو من متابعة الوضع الداخلي في النيجر، أن السلطة ستشرع في تنظيم حوار جامع مع القوى السياسية بخصوص مدة وآليات إدارة المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى انتخابات عامة ستُحدد طبيعة ومستقبل التوازنات السياسية الداخلية في جمهورية النيجر.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/alhl-alsaiasai-fi-alnijr-alsaiaqat-aldakhalaiah-walkharjih-walafaq-alamstuqblaiah

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M