الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة

يستعرض هذا القسم التشريعات المنظّمة لحق تأسيس مؤسسات المجتمع المدني، كجمعيات النفع العام أو الجمعيات الأهلية، بحسب ما تتنوع التشريعات الخليجية في تسميتها، من دون التوسع في تناول حرية التجمع بالنسبة إلى التنظيمات السياسية أو النقابات، كونهما موضوعين سبق أن نوقشا في الإصدار السابق. وتأتي أهمية مناقشة المجتمع المدني في دول مجلس التعاون من كونه ذلك الفضاء من المؤسسات غير الربحية، وغير الحكومية، والتطوعية الواقعة في وسط المجتمع، أي بين السلطة والشعب. يعتبر مجال المجتمع المدني واسع إلى درجة أنه يشمل مختلف القطاعات الحقوقية والمطلبية، بما فيها النقابات والجمعيات التعاونية والهيئات الخيرية والأندية الثقافية والرياضية.

ويرى الكثير من الباحثين[1] في مجال علم الإجتماع أن طبيعة المجتمع المدني تستلزم إخراج التنظيمات السياسية من دائرته، كونها تسعى إلى الوصول إلى الحكم في ظل الأنظمة الديمقراطية القائمة على التداول السلمي للسلطة، وهي بذلك تحل محل الحزب القديم لتمارس دور الحزب الحاكم، وبالتالي تنتفي عنها صفة “المدنية”. ويثير إستثناء التجمعات السياسية من نطاق المجتمع المدني تساؤلات حول طبيعة التجمعات السياسية، إن وجدت، في الخليج العربي، حيث الأنظمة السياسية قائمة على الوراثة، ولا تعترف، في أغلبها، بالإنتخابات الحرة والديمقراطية حتى على مستوى العمل البلدي.[2]

وتعود بدايات عمل المجتمع المدني في الخليج إلى العشرينيات من القرن الماضي. وقد كانت بدايات خجولةً، ويغلب عليها الطابع الثقافي والخيري، مثل الجمعية الخيرية العربية التي تأسست في الكويت عام 1913، والنادي الأدبي الذي تأسس في البحرين عام 1919، وفي الكويت عام 1922.

والبحث في المجتمع المدني في دول الخليج العربي، يُحتم علينا الغوص في القوانين والتشريعات التي تُنظم عمله للوقوف على المساحة التي ينشط فيها، وذلك بالإحتكام إلى ما تنص عليه المعايير الدولية في هذا الإطار، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في شطري المادة العشرين منه ينص على أنه “لكل شخص حق في حرية الإشتراك في الإجتماعات والجمعيات السلمية”، و”لا يجوز إرغام أحد على الإنتماء إلى جمعية ما.”

فيما تأتي نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية موضحة لما جاء في المادة الآنفة الذكر، حيث تنص المادة 21 منه على: “يكون الحق في التجمع السلمي معترفًا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقًا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”. وتضيف المادة 22 أنه:

1.     لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين (…) والإنضمام إليها من أجل حماية مصالحه،

2.     لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.”

ومما هو جدير بالتنبيه إليه، قبل الشروع في النظر في وضعية القوانين المتعلقة بالمجتمع المدني في الخليج، هو أن التفاوت في الحجم “الكمّي” لكل دولة من دول المجلس في هذا القسم ليس نتاج قوة الحراك في تأسيس الجمعيات أو أفضلية المجتمع المدني في هذه الدولة عن تلك الدولة، بل يعود الأمر إلى وفرة المصادر وسهولة الوصول إليها. فعلى سبيل المثال، لا توجد التشريعات المنظمة لتأسيس الجمعيات حتى على مواقع الوزارات المعنية بالقانون.

الإمارات العربية المتحدة

يُقر الدستور الإماراتي في المادة 33 منه بحرية الإجتماع وتكوين الجمعيات، إلا إنه يُحيل تنظيم هذا الحق إلى القانون. وبالنظر في القانون، يتضح أنه يتضمّن تقييدًا لعمل الجمعيات، ومنح الجهات الإدارية سلطات واسعة يمكن معها إفراغ هذا الحق من محتواه، لا سيما في مجتمع صُنّف في السنوات الـ 15 الماضية بأنه مجتمع غير حر من قبل بعض المؤسسات الدولية.[3]

وقد صدر في الإمارات قانونان لتنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني، الأول عام 1974، والثاني عام 2008 لا يزال ساريًا لغاية كتابة هذه السطور في منتصف 2014. وبموجب هذا القانون،[4] فإن عدد المؤسسين يجب ألا يقل عن عشرين شخصًا يحملون الجنسية الإماراتية، وممن بلغوا الثامنة عشرة. وقد أجاز القانون أن يقل عدد المؤسسين إلى خمسة أشخاص، شرط موافقة الوزير المختص. لكنه لم يبيّن المعايير التي يستند الوزير إليها للموافقة على تقليص العدد، الأمر الذي يمنحه سلطة مطلقة في التقدير.

وتُصدر الجهة الإدارية المختصة بتسجيل الجمعيات، خلال ستين يومًا من تاريخ تقديم الطلب، قرارًا بالموافقة أو رفض إشهار الجمعية، أو بالطلب من المؤسسين إدخال “ما تراه مناسبًا من التعديلات في النظام الأساسي للجمعية، أو بإحالة الطلب إلى جهات الإختصاص الأخرى”.[5] ويبدو غريبًا النص في القانون على إحالة طلب التأسيس إلى جهات أخرى من دون تسميتها، الأمر الذي يبخس المؤسسين حقهم في متابعة الجهة التي تتولى دراسة طلب التأسيس.

وينظّم القانون إجراءات التظلم من قرار رفض التسجيل على مرحلتين، الأولى بتظلم إداري خلال 180 يومًا من تسلم قرار الرفض صراحة أو ضمنًا، والثانية بالطعن في القرار أمام القضاء. لكن القانون لم يحدّد المحكمة التي يلجأ إليها المؤسسون للطعن في القرار.

ويحظر القانون على الجمعيات الخروج عن الأغراض التي تأسست من أجلها وتم تحديدها في النظام الأساسي، كما يحظر عليها وعلى أعضائها التدخل في السياسة أو في الأمور التي تمس أمن الدولة ونظام الحكم فيها أو إثارة المنازعات الطائفية أو العنصرية أو الدينية.[6]

ولا يسمح للجمعيات بالمشاركة في مؤتمرات خارجية أو الإنضمام إلى منظمات أو إتحادات خارجية من دون موافقة الجهة الإدارية المختصة، كما ليس في إستطاعتها دعوة شخصيات من خارج الإمارات للمشاركة في ندواتها إلا بعد أخذ الموافقة من الوزارة المشرفة على عمل الجمعيات. وتمارس الوزارة دور الرقابة على الجمعيات لجهة الأمور الإدارية والمالية، لا سيما ما إذا كانت الجمعية ملتزمة بنظامها الأساسي أم لا.

ولا يجوز للجمعيات جمع التبرعات إلا بترخيص مسبق من الوزارة، كما لا يجوز لها – من دون ترخيص – قبول هبات أو وصايا أو إعانات أو جمع تبرعات من أي شخص أو جهة من خارج الدولة. إلا أن القانون أعفى هذه المنظمات من أي رسوم أو ضرائب مقررة لصالح الدولة، بما فيها تكاليف الكهرباء والماء إذا كانت الحكومة هي المزود لها.

ويجيز القانون للوزير المختص حل الجمعية إداريًا إذا ما خالفت بنود القانون، وذلك بعد تشكيل لجنة برئاسة وكيل الوزارة وعضوية أحد كبار موظفيها وممثل عن وزارة العدل وعضوين من أعضاء الجمعيات ذات النفع العام من غير أعضاء الجمعية محل النظر في حلها وتصفيتها يختارهما الوزير. ويحق لخمسة من أعضاء الجمعية الطعن في قرار الحل أمام القضاء. وكانت السلطات الإماراتية قد حلت جمعيتين خلال عام 2011،[7] هما جمعية المعلمين وجمعية الحقوقيين، وتم إعتقال عدد من الناشطين بتهم الإنتماء إلى تنظيمات محظورة لها إرتباطات بالخارج.

إذاً ليس بالأمر المستغرب أن المجتمع المدني في الإمارات مهمش ولا يعمل إلا في إطار توجهات السلطة، فضلًا عن تقييد الموافقة على تأسيس الجمعيات، الأمر الذي يشير إلى محدودية نشاط هذه المؤسسات. كما تكشف الإحصائيات الرسمية بأن أغلب الجمعيات تنشط في مجالات الثقافة والتراث والمسارح.[8] ورغم ذلك، تؤكّد وزيرة الشؤون الاجتماعية بأن عدد الجمعيات الأهلية في تصاعد، إذ بلغ عددها 145 عام 2013.[9]

مملكة البحرين

صدر أول قانون لتنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني في 24 فبراير 1959 تحت مسمّى قانون الترخيص للجمعيات والنوادي في البحرين،[10] متضمنًا 15 مادة في جلّها أوامر ونواهٍ. ومُنحت الحكومة بموجب ذلك القانون سلطات واسعة في الموافقة على تأسيس الجمعيات والأندية وحلّها بموجب قرارات إدارية لا تخضع لرقابة القضاء.

وكان التصريح بإنشاء الجمعية، أو النادي، خاضعًا لسلطة مطلقة للجهات الإدارية، ولا مُعقب على قرارات رفض إنشاء الجمعية أو النادي من قبل القضاء. ولا يتيح القانون أية إجراءات إدارية للتظلّم، كما جاءت صياغة مواده مطلقة من دون ضبط للمفاهيم. ومثال ذلك المادة 11 التي نصت في فقرتيها (د، هـ) على جواز حل الجمعية إذا تم تسيير عملها “على غير نظام أو بطريقة تتنافى والمصلحة العامة”، أو إدارة النادي “بنية غير حسنة أو إستعمالها عادة لغرض من الأغراض الغير مشروعة.”

ومما هو معلوم بأن هذا القانون جاء بعد سنوات قليلة من إعتقال قيادات هيئة الإتحاد الوطني ونفيها،[11] الأمر الذي قد يفسر التشدد في إجراءات تأسيس الأندية والجمعيات وإطلاق يد السلطة الإدارية في مراقبة هذه المؤسسات.

والجدير بالذكر، في إطار هذا القانون، أنه إستثنى من نطاق أحكامه الجمعيات والنوادي التي يكون ثلاثة أرباع أعضائها أو أكثر من الأشخاص غير الخاضعين لسلطة البحرين[12]، أي الأجانب، وهي مسألة غير مستغربة في ظل تحكم ما يسمى بالمستشار أو المقيم السياسي البريطاني بمفاصل البلاد آنذاك، الأمر الذي منح الأجانب حرية تشكيل مؤسساتهم وتنظيمها من دون أن يكونوا خاضعين للتشريعات الوطنية.

واستمر العمل بذلك القانون حتى عام 1989، عندما تم إصدار المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1989 في شأن قانون الجمعيات والأندية الإجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة،[13] والذي تُعد أحكامه نافذة لغاية منتصف عام 2014 وقت كتابة هذه السطور[14].

وجاء إصدار القانون أعلاه بعد عقدين تقريبًا من صدور أول دستور لدولة البحرين آنذاك، والذي نص في مادته 27 على “حرية تكون الجمعيات والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية مكفولة (…) ولا يجوز إجبار أحد على الإنضمام إلى أي جمعية أو نقابة أو الإستمرار فيها”. وقد جاء دستور 2002 بذات رقم المادة بنص أضاف شرطين هما “وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، وبشرط عدم المساس بأسس الدين والنظام العام.”[15]

وينظم القانون الجديد عمل جميع ما يقع في الفضاء “الجمعوي”، كما يُطلق عليه في المغرب العربي، فأحكامه تنطبق على الجمعيات والنوادي الثقافية والإجتماعية، الهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة، والمؤسسات الخاصة التي يعرف المرسوم بقانون في مادته الثانية بأنها كل “مال مخصص لمدة غير معينة لعمل ذي صفة إنسانية أو خيرية أو علمية أو فنية أو لأي عمل آخر من أعمال البر والرعاية الإجتماعية أو النفع العام دون قصد إلى ربح مادي سواء كان العمل في داخل البحرين أو خارجها”.[16] وتثبت الشخصية الإعتبارية للجمعية من تاريخ نشر تسجيلها في الجريدة الرسمية، إلا أن هذا النشر لا يتم إلا بعد تنفيذ خطوات طويلة نسبيًا.

فمن حيث المبدأ تمنع المادة الثالثة من القانون تأسيس أي جمعية مخالفـــة للنظام العام أو للآداب أو لسبب أو غرض غير مشروع، أو أن يكون الغـرض منها المساس بسلامة الدولة أو بشكل الحكومة أو نظامها الإجتماعي. ويحظر أن تتضمن برامج الجمعيات ما يمس أسس العقيدة الإسلامية أو وحدة الشعب أو ما يثير الفرقة أو الطائفية.

ومن الملاحظ في صياغة هذه المادة بأنها جاءت واسعة إلى درجة غياب أي ضابط، مما جعل تفسير ما هي المخالفات للنظام العام والآداب أو الأسباب غير المشروعة أو المساس بالنظام الإجتماعي، حكرًا على تقدير السلطة الإدارية، ومن خلفها القضاء، وهو أمر يُمكّن السلطات الإدارية من التعسف بتفسير النص، لا سيما في مجتمع تصنفه الكثير من المؤسسات على مدى السنوات الخمس الماضية على أنه غير حر.[17]

وتحظر المادة 18 من القانون على الجمعيات الإشتغال بالسياسة. إلا إنه تم التغاضي عن هذا الشرط حينما سمحت الحكومة عام 2003 بتأسيس جمعيات سياسية بموجب هذا القانون، وقبل صدور قانون الجمعيات السياسية.

ويوجب القانون، لتأسيس الجمعية، ألا يقل عد المؤسسين عن عشرة أشخاص، شريطة ألا يكون من بينهم من حكم عليه في “جريمة مخلّة بالشرف أو الأمانة إلا إذا رُد إليه إعتباره”,[18] وهذا الحكم ينسحب أيضًا على من ينتمي إلى عضوية الجمعية لاحقًا، كما لا يمنع القانون غير البحرينيين من تأسيس الجمعيات أو الإنضمام لها، فيما لم يحدد سنًا معينة للمؤسسين، إلا إنه يُفترض أن يكون قد بلغ المؤسسون سن 18 عامًا وهو سن بلوغ الأهلية الكاملة.

وبموجب التعديل الذي أدخل على القانون عام 2010، من خلال مرسوم بقانون، يحظر القانون الجمع بين عضوية أكثر من جمعية، حتى وإن اختلفت في نشاطها، إلا بموافقة الوزير المختص.[19] وقد لاقى هذا التعديل معارضة شديدة من قبل مجلس الشورى، حيث اعتبر الموافقة عليه “وصمة عار”،[20] فيما وافق عليه مجلس النواب.[21]

وللسلطة الإدارية حق رفض تسجيل الجـمعية إذا كان “المجتمع في غير حاجة لخدماتها أو لوجود جمعية أو جمعيات أخرى تسد حاجة المجتمع في ميدان النشاط المطلوب أو إذا كان إنشاؤها لا يتفق مع أمن الدولة أو مصلحتها أو لعدم صلاحية مقر الجمعية أو مكان ممارسة نشاطها من الناحية الصحية أو الإجتماعية أو تكون الجمعية قد أنشئت بقصد إحياء جمعية أخرى سبق حلها”.[22]

وقد كفل القانون حق المؤسسين في إعتراضهم على قرار رفض التسجيل من ناحيتين، الأولى عبر تظلم إداري يرفع إلى الجهة التي رفضت التسجيل رفضًا صريحًا بالرد كتابيًا على المؤسسين خلال ستين يومًا، أو رفض التسجيل ضمنيًا، أي إمتناع الجهة المختصة عن الرد في المدة الآنفة الذكر.

وفي حال أصرت الجهة الإدارية على موقفها، جاز للمؤسسين الطعن في القرار أمام المحكمة المدنية الكبرى خلال ستين يومًا. وتُطبق الأحكام نفسها على أي تعديل في نظام الجمعية. ويحق للجهة الإدارية الإطلاع على محاضر ومكاتبات الجمعية وميزانياتها وحساباتها البنكية عن طريق موظفين تنتدبهم لهذا الشأن، إضافة إلى ولاية ديوان الرقابة المالية في التدقيق على حسابات الجمعيات. وسعيًا إلى المزيد من إحكام السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني، لا يحق للجمعيات الإنتساب أو الإنضمام إلى أي منظمة أو إتحاد مقره خارج البحرين إلا بإذن مسبق من الجهة الإدارية.

ويمنع القانون على الجمعيات قبول أي أموال من شخص أجنبي أو جهة أجنبية، أو إرسال أموال إلى أشخاص أو منظمات في الخارج، أو جمع تبرعات في دور العبادة أو الأماكن العامة إلا بإذن من الجهة الإدارية المختصة. وإشترطت وزارة التنمية الإجتماعية لعملية جمع التبرعات قرارًا وزاريًا،[23] تضمّن العديد من المواد التي تُقيّد حصول مؤسسات المجتمع المدني على التبرعات والهبات.

وجدير بالذكر أن وزارة التنمية، رغم التضييق على موضوع جمع التبرعات والهبات، أطلقت عام 2005 صندوقًا هو الأول من نوعه في دول مجلس التعاون تحت عنوان صندوق العمل الإجتماعي الأهلي، يقوم على تقديم منح مالية لمؤسسات المجتمع المدني بناءً على المشاريع التي تتقدم بها.[24] ولا يزال هذا البرنامج قائمًا.

ومن جملة المواد الفضفاضة في مدلولاتها تلك التي منحت الوزير المختص صلاحية تعيين مجلس إدارة مؤقت للجمعية في حال إرتكابها “من المخالفات ما يستوجب هذا الإجراء ولم ير الوزير حلها”،[25] إضافة إلى “حرمان من تثبت مسئوليتهم من أعضاء مجلس الإدارة القديم عن وقوع المخالفات التي دعت إلى تعيين مدير أو مجلس إدارة مؤقت من ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس الإدارة الجديد لمدة أقصاها ثلاث سنوات”. وقد إستخدمت وزارة التنمية سلطتها في تعيين مجالس إدارة مؤقتة تجاه العديد من الجمعيات،[26] كجمعية الأطباء البحرينية، وجمعية المحامين وغيرهما.[27]

علاوة على ذلك، يُجيز القانون للجهة الإدارية حل الجمعية إجباريًا أو إغلاقها لمدة لا تزيد على 45 يومًا إذا ما خالفت جملة من الشروط التي أوردتها، وأكثرها عمومية “إذا ارتكبت مخالفة جسيمة للقانون أو إذا خالفت النظام العام أو الآداب.”

يتنوع المجتمع المدني في البحرين من حيث نشاطه، لا سيما بعد عام 2002 وبدء حالة من الإنفراج الأمني والسياسي في البلاد، حيث تشكلت العديد من الجمعيات العاملة في
المجال الحقوقي والشبابي والسياسي أو في ما يتعلق بالمرأة، الأمر الذي إنعكس على زيادة أعداد الجمعيات،[28] منها ما كان فاعلًا حقيقيًا في المجتمع، ومنها من كان واجهةً للقوى السياسية التي بدأت في تنظيم نفسها. ومارست الدولة النهج ذاته بدعم تأسيس بعض مؤسسات المجتمع المدني أو ما يُطلق عليه (GONGO).[29]

وقد بدا هذا النهج أكثر إنكشافًاً بصدور تقرير المستشار لدى الحكومة صلاح البندر، حيث أوضح في تقريره شبكة الدعم التي تقدمها أطراف في الحكم لمؤسسات شُكلت بهدف منافسة الجمعيات التي كانت، ولا تزال، تعمل على الأرض بشكل أقرب إلى المهنية من غيرها.[30]

وقد سعت الحكومة في منتصف عام 2013 إلى إصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية، وصفته وزيرة التنمية الإجتماعية بالمتطور، إلا أنه قوبل بالرفض من قبل العديد من مؤسسات المجتمع المدني، ودفع بعضها إلى تأسيس تكتل باسم “المجموعة البيضاء” للمطالبة بقانون عصري ومتقدم للجمعيات.[31]

وقد اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن مسودة القانون تعرّض حرية تكوين الجمعيات إلى تهديد أكبر يرجع جزئيًا إلى مشروع قانون أشد تقييدًا حتى من قانون الجمعيات الحالي (رقم 21/1989)، الذي تستغله السلطات في التدخل والتقييد ومحاولة الهيمنة على أنشطة المنظمات المدنية.[32]

المملكة العربية السعودية

يخلو النظام الأساسي في السعودية من أي إشارة إلى حق تأسيس الجمعيات والنقابات. ورغم ذلك، أصدر مجلس الوزراء عام 1990 قرارًا ينظم عمل “الجمعـيات والمـؤسسات الخـيرية”. ومن خلال التسمية التي أطلقت على اللائحة التي تنظم عمل مؤسسات المجتمع المدني، قد يتبادر إلى الذهن بأن تأسيس الجمعيات محصور في الإطار الخيري، إلا إنه من خلال الأهداف التي جاءت بها اللائحة للجمعيات الخيرية، نرى بأن نشاطها يمتد إلى أبعد من ذلك، حيث تعدد المادة 2 من اللائحة أهداف ونشاط الجمعية الخيرية بأنها “تقديم الخدمات الإجتِماعية – نقدًا أو عينًا – والخدمات التعليمية أو الثقافية أو الصحية، مما له علاقة بالخدمات الإنسانية”. ورغم ذلك، يُعد حصر النشاطات التي تقوم بها الجمعيات بموجب القانون تقييدًا لحرية المؤسسين في تحديد نشاط الجمعية. وتُحدد اللائحة حدًا أدنى من المؤسسين للجمعية بواقع عشرين سعوديًا، ممن بلغوا سن الثامنة عشرة، ما يعني عدم جواز أن يكون من بين المؤسسين من لا ينتمي إلى الجنسية السعودية.

إلا أن ما قد يعد غريبًا في اللائحة هو إشتراط تقديم طلب التأسيس بعد موافقة وزارة الشؤون الإجتماعية على إنشائها، وهذا ما تذهب إليه المادة بقولها “تُنشأ الجمعية الخيرية إذا تقدم بطلب تأسيسِها عشرون شخصًا (…) وذلك بعد موافقة وزارة العمل والشؤون الإجتِماعية على إنشائها”. فمن المعروف أن طلب التأسيس يُقدّم ثم يُعرض على الجهة المختصة بإصدار التراخيص أو الموافقات. وفي الحالة السعودية، يعني ذلك وجود إجراءات تسبق تقديم الطلب الرسمي، لكن اللائحة لم تحددها ولم تحدد إجراءات التظلم الإداري والقضائي في حال رفض تلك الجهة تأسيس الجمعية قبل التقدم بالطلب الرسمي.

وما يؤكد هذا الإستغراب خلو اللائحة من أية إجراءات لسير طلب التأسيس، ولا لآلية التظلم في حال رفض الجهة المختصة الطلب، ما يمنح السلطات الإدارية سلطة مُطلقة في الموافقة أو رفض تأسيس جمعيةً ما.

وكحال باقي القوانين في المنطقة، تورد اللائحة حكمًا عامًا واسعًا وغير محدد النطاق، لا يمكن بموجبه تأسيس الجمعية في حال “تضمن النِظام الأساسي للجمعية أحكامًا تتعارض مع هذه اللائحة أو الأنظِمة الأُخرى، أو تُخالِف النِظام العام أو تتنافى مع الآداب العامة للمُجتمع”،[33] كما تضيف حكمًا تقييديًا إضافيًا في ما يتعلق بحرية الجمعية في تأسيس فروع لها في باقي مناطق المملكة، إذ تشترط موافقة الوزارة مسبقًا.

وتتدخل السلطات الإدارية حتى في المرشحين لعضوية مجلس إدارة الجمعية. إذ توجب اللائحة أن تسلم أسماء المرشحين للوزارة المختصة قبل تسعين يومًا من تاريخ الإنتخاب، ولها أن تتحفظ على أي منهم خلال الفترة الممتدة من تاريخ تسليم الأسماء إلى ما قبل ثلاثين يومًا من موعد الإنتخاب.[34] كما أن الجمعية ملزمة بضرورة إبلاغ الوزارة بصورة من محضر اجتِماع كُل جلسة مِن جلسات مجلِس الإدارة، وما اتُخِذ فيه من قرارات خِلال عشرة أيام من تاريخ صدورِها. وللوزارة حق الإعتِراض على تلك القرارات خِلال عشرين يومًا من تاريخ إبلاغِها.[35] وللجهة الإدارية المعنية إنتداب من تراه من موظفيها لحضور أعمال الجمعية العمومية، على أن يسبق ذلك تسليمها جميع الوثائق التي ستعرض على أعمال الجمعية العمومية.[36] ويجوز للوزير، بموجب المادة التاسعة من اللائحة، أنَّ يُعيِّن مجلِس إدارة مؤقتًا للجمعية في الحالات التي تقتضيها مصلحة الجمعية وأهدافها، من دون أن تحدد ماهية المصلحة تلك.

وفي ما يتعلق بحل الجمعية، فرغم تنظيم اللائحة إجراءات حلّها بموجب قرار من الجمعية العمومية للجمعية، إلا أنه يجوز للوزير المختص حل الجمعية بقرار منه، إذا قل عدَّد أعضائها عن عشرين شخصًا، أو إذا خرجت عن أهدافِها، أو إرتكبت مُخالفة جسيمة لنِظامِها الأساسي، أو إذا أصبحت عاجزة عن الوفاء بالتِزاماتِها المالية، أو إذا تصرفت في أموالِها في غير الأوجه المُحدَّدة لها، أو إذا خالفت النِظام العام، أو الآداب العامة، أو التقاليد المرعية في المملكة، أو إذا أخلت بالأحكام المُبينة في هذه اللائحة.[37]

وتختتم اللائحة بجملة من الأحكام التقييدية في المادة 17، إذ تنص على أحقية الجهة الإدارية في الإطلاع ومراقبة كافة أنشطة الجمعية الإدارية والمالية، وحق الوزير المختص في وقف أي قرار تصدره الهيئات القائمة على شؤون الجمعية، إذا اعتبره مخالفًا للائحة أو للنظام الأساسي. وتمنح الحكومة “معونة” للجمعيات المؤسسة وفقًا لأحكام هذه اللائحة، إلا أن قيودًا أخرى على عملية جمع التبرعات والتصرف في الأموال تفرضها اللائحة نفسها. ويغلب على نشاط 591 جمعية في السعودية الجانب الرعوي والخيري، عدا نزر يسير من الجمعيات المُصنفة في إطار الجمعيات المهنية.[38]

وفي عام 2008، أقر مجلس الشورى السعودي مشروع نظام جديد للجمعيات تحت اسم “نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية،” لا يزال في أروقة مجلس الوزراء ولم يتم إصداره. ورغم أن هذا المشروع متطور قليلًا عن سابقه، إلا أن أصواتا سعودية طالبت بعدم إقراره بالصورة التي هي عليه الآن، داعية إلى سد الثغرات التي تمنح “الهيئة الوطنية للجمعيات والمؤسسات الأهلية”، التي ستشرف على عمل الجمعيات بعد إقرار النظام، صلاحيات واسعة.[39]

عمان

نظمت المادة 33 من النظام الأساسي لسلطنة عمان حق تأسيس الجمعيات، إلا أنها اشترطت أن يكون تأسيسها على “أسس وطـنية ولأهداف مشروعة وبـوسائل سلمية وبما لا يتعـارض مع نصوص وأهـداف النظـام الأساسي”، ووفقًا للإجراءات التي يبينها القانون.[40]

ويحظر النظام الأساسي إنشـاء جمعيات يكون نشاطهـا “معاديًا لنظام المجتمع أو سريًـا أو ذا طابع عسكـري”، وهي فقرة تميز بها الدستور العماني عن باقي التشريعات في دول الخليج. والجدير بالملاحظة أن عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي نصت في الدستور على عدم جواز تشكيل جمعيات “ذات طابع عسكري”، وقد يكون مردّ ذلك النزاع المسلح الذي دار بين الحكومة وبين قوى سياسية في مطلع السبعينيات.

وفي تاريخ السلطنة، صدر قانونان لتنظيم عمل المجتمع المدني، الأول عام 1972، والثاني، وهو الساري المفعول حاليًا، عام 2000.[41] وينطلق القانون في المادة الرابعة بتحديد مجالات عمل الجمعيات في خمسة مجالات هي رعاية الأيتام، رعاية الطفولة والأمومة، الخدمات النسائية، رعاية المسنين ورعاية “المعوقين” والفئات الخاصة. ومنح القانون الوزير المختص صلاحية إضافة مجالات أخرى شريطة موافقة مجلس الوزراء. ويمنع القانون الجمعية من أن تنشط في أكثر من مجال.

وبذلك يكون القانون قد قيّد حق تأسيس الجمعيات وفقًا لما تراه السلطة الإدارية من نشاطات يجب أن تعمل فيها تلك المؤسسات، وهو حق مطلق كما ورد في نص القانون. كما يحظر على الجمعيات “الإشتغال بالسياسة أو تكوين الأحزاب أو التدخل في الأمور الدينية، وعليها أن تنأى عن التكتلات القبلية والفئوية.”

وتتسع قائمة المحظورات، كما توردها المادة الخامسة، لتشمل عدم ممارسة أي نشاط غير تلك الواردة في النظام الأساسي للجمعية، وعدم الإنتساب أو الإشتراك في هيئة خارج السلطة، أو إيفاد أو استقبال وفود من الخارج إلا بموافقة الوزير، كما لا يجوز لها إقامة الحفلات العامة أو المهرجانات أو المحاضرات إلا بعد الحصول على ترخيص. وبطبيعة الحال لا يجوز لها تحويل أموال إلا عن طريق هيئة رسمية هي الهيئة العمانية للأعمال الخيرية.

وقد أجاز القانون، بموجب تعديل عام 2001، لمجلس الوزراء، بعد عرض الوزير المختص، الموافقة على تأسيس جمعية من دون أن تنطبق عليها الشروط المذكورة. والقانون العماني لا يميز بين المواطن والمقيم، إذ يُجيز لكليهما تأسيس الجمعيات، شرط بلوغ سن الثامنة عشرة، من خلال طلب تأسيس يقدمه أربعون شخصًا، مرفقًا بالعديد من المتطلبات، لعل أهمها شهادة من “الجهات المختصة” بعدم الإعتراض على أي من المؤسسين. وكلمة “الجهات المختصة” في عمومها غير واضحة المعالم ولا تحدد ماهية الجهة التي تُطلب منها الشهادة، علماً بأن القانون القديم قد نص بشكل واضح على أن تلك الشهادة تصدر من قبل وزارة الداخلية.

ويعتبر هذا الشرط، إضافة إلى المتطلبات الأخرى، عائقًا إضافيًا على تأسيس الجمعيات، كما يُترك للجهة الإدارية المسؤولة عن إصدار شهادة عدم الممانعة على المؤسسين، ولنفترض أنها وزارة الداخلية في هذه الحالة، حرية التقرير بمدى صلاحية أو عدم صلاحية هذا المؤسس أو ذاك، من دون أن يحدد القانون آلية واضحة للتظلم من هذا الرفض في حال حصوله.

وتضيف المادة 11 من القانون على صلاحية السلطة الإدارية في تقييد حق التأسيس، حينما منحتها حق رفض تأسيس الجمعية في حال “عدم حاجة المجتمع لخدماتها، أو لوجود جمعية أخرى تسد حاجة المجتمع، أو لتعارض تأسيسها مع أمن الدولة أو مصلحتها”، ولم تكتف بذلك، بل أضافت “أو لأية أسباب أخرى تقدرها الوزارة.”

وهذه المادة تنسف القانون من أساساته. فإطلاق يد الجهة الإدارية بهذه الصورة يُعتبر إلغاءً لحق المؤسسين في تأسيس الجمعيات التي تلبي احتياجاتهم. فمؤسسات المجتمع المدني تنشأ لتعبر عن إحتياجات المؤسسين التي يقدرونها هم لا الجهة الإدارية، خصوصًا أن التظلم من قرارات الرفض لا يُنظر من جهة مستقلة، كالقضاء على سبيل المثال، بل من قبل الوزير نفسه الذي أصدر قرار رفض التأسيس، ولا مُعقب على رأيه، إذ يُعد قراره في الردّ على التظلم نهائيًا.

وبهدف “ضبط” عمل الجمعيات، تنتدب الوزارة المعنية موظفين لهم صفة الضبط القضائي في مراقبة أعمال الجمعية والإطلاع على دفاترها وحساباتها ومحاضرها بهدف “التحقق من الإلتزام بالنظام الأساسي والقوانين.”

وحتى الحقوق التي منحها القانون للجمعية العمومية بحل الجمعية أو دمجها، فإنها لا تكون سارية المفعول إلا بقرار من الوزير المختص. كما تُلزم الجمعية بإرسال نسخة من محاضر الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة إلى الوزارة، وللأخيرة أن تنتدب من تراه لحضور إجتماع مجلس الإدارة لمناقشة موضوع ترى الوزارة “مصلحة” في مناقشته مع مجلس الإدارة.

ويجوز للوزير أن يعيّن مجلس إدارة مؤقتًا للجمعية لمدة لا تزيد على سنتين إذا قام المجلس بمخالفات من دون أن يعدّلها بعد توجيه إنذار إليه، أو إذا لم ينعقد لمدة عامين من دون سبب توافق عليه الوزارة، أو إذا أصبح عدد أعضائه غير كاف لإنعقاده. كما يحق له دمج جمعية أو أكثر إذا ما رأى بأن الدمج “كفيل بتحقيق الجمعيات الأغراض التي أنشئت من أجلها”، من دون أن يوفر ضمانات لأعضاء الجمعيات تمكنهم من الطعن في القرار.

وكحال بقية القوانين في دول المجلس، يحق للوزير أن يحل الجمعية إذا رأى أنها “إرتكبت مخالفات جسيمة للقانون أو خالفت النظام العام والآداب”. ويحظر القانون على من تثبت مسؤوليتهم من أعضاء مجلس إدارة الجمعية عن المخالفات التي أدت إلى صدور قرار إداري بحلها، من الترشح لعضوية أي جمعية أخرى لمدة 5 سنوات.

قطر

تُقر المادة 45 من الدستور الدائم لدولة قطر بـ “حرية تكوين الجمعيات”، إلا أنها اشترطت ممارسة هذا الحق وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. وقد صدر أول قانون لتنظيم مؤسسات المجتمع المدني في قطر عام 1974، وتلاه قانون عام 2004،[42] وكلاهما فرّغا حق تأسيس الجمعيات الوارد في الدستور من محتواه، ووضعا قيودًا لا تقل عن تلك الموجودة في قوانين بقية دول الخليج العربي.

فمن حيث المبدأ، يشترط القانون لتأسيس الجمعية أن يتقدم ما لا يقل عن عشرين قطريًا بطلب التأسيس إلى السلطة الإدارية، شريطة أن يكونوا قد بلغوا سن الثامنة عشرة، مع رسم يقدر بألف ريال قطري للجمعية الخيرية، وخمسين ألفًا لتأسيس الجمعية المهنية، مع عشرة آلاف ريال سنوياً لتجديد الترخيص. ويجوز إستثناء شرط جنسية المؤسسين وعددهم بقرار من مجلس الوزراء “عند الضرورة، وفقًا لمقتضيات المصلحة العامة، وبناءً على اقتراح الوزير”. ومن شروط تأسيس الجمعيات أن يقدم المؤسسون ما يثبت بأن لديهم عقدًا لمقر للجمعية أو إقرارًا بأنهم سيوفرون مقرًا لها في حال تأسيسها.

ويعتبر عدم رد الوزارة على طلب التأسيس خلال ثلاثين يومًا بمثابة رفض ضمني للطلب، كما يحق للوزارة أن تطلب إدخال “ما تراه” من تعديلات على النظام الأساسي. ولا ينظم القانون إجراءات التظلم في وجه رفض الوزارة إلا بالتظلم الإداري، أي لدى الجهة المُصدرة لقرار الرفض، وهي الوزارة. ويرفع الوزير التظلم إلى مجلس الوزراء خلال ثلاثين يومًا، ويكون قرار مجلس الوزراء نهائيًا، ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء. ويجوز للجهة الإدارية تعطيل إجتماع الجمعية العمومية إذا ما رأت ذلك، من دون أن يوضح القانون الأسباب الواضحة لطلب التأجيل.

ويحق للجمعية، من أجل تنمية مواردها، إستثمار الفوائض المالية لديها، كما يجوز لها جمع التبرعات بعد موافقة الجهة الإدارية. كذلك يحق لمجلس الوزراء، بناء على إقتراح الوزير، منح الجمعية إعانة مالية، أو قرضًا، وإعفاؤها من أي ضرائب أو رسوم لمعاونتها على تحقيق أغراضها. ولم ينظم القانون إجراءات وشروط صرف الإعانة والقروض. وهو يمنع الجمعيات من الإنضمام إلى أي جهة خارجية أو المشاركة معها من دون موافقة الوزير المختص. وينطبق الحكم ذاته على إرسال الأموال خارج قطر.

وللوزير حق حل الجمعية إداريًا، من دون حق اللجوء إلى القضاء للتظلم من القرار، إذا ما قلّ عدد أعضائها عن عشرين عضوًا، أو إذا خالفت أحكام القانون أو نظامها الأساسي، أو اشتغلت بالأمور السياسية، كما يجوز له، بدلًا من حل الجمعية، وقف مجلس إدارتها عن العمل وتعيين مجلس إدارة مؤقت لمدة لا تتجاوز سنة.

ويغلب النشاط الخيري والدعوي الديني على الجمعيات الأهلية في قطر، إضافة إلى عدد من الجمعيات المهنية التي لا يتجاوز عددها الخمس.[43] وتشير دراسة مسحيّة أعدها معهد البحوث الإجتماعية والإقتصادية المسحيّة في جامعة قطر، إلى أن نسبة كبيرة من مؤسسات المجتمع المدني تصنف نفسها على أنها جمعيات خدمية،[44] وبالتالي فهي بعيدة عن الجانب التنموي والحقوقي وباقي الأنشطة التي يضطلع بها المجتمع المدني.

الكويت

أكد دستور دولة الكويت في المادة 43 منه على حق تكوين الجمعيات، وإشترط في تأسيسها أن تكون على “أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون”.[45] ومن اللافت، في التجربة الكويتية، أن قانون تنظيم المجتمع المدني صدر قبل صدور الدستور بثلاثة شهور، ونوقش من قبل المجلس التأسيسي كما تُشير إلى ذلك ديباجته.[46]

وصدور القانون لا يعني عدم وجود جمعيات قائمة قبل ذلك، بل على العكس تمامًا. فالقانون، في مواده الأخيرة، طالب الجمعيات القائمة بتعديل أوضاعها وفقًا لمواده، وإلا اعتبرت مُنحلة. ويبدأ القانون بتحديد نشاطات الجمعيات الأهلية أو جمعيات النفع العام، كما يسميها، وحصرها في تلك التي تهدف إلى نشاط إجتماعي أو ثقافي أو ديني أو رياضي.

ولكل عشرة كويتيين، ممن بلغوا سن الحادية والعشرين، تقديم طلب بتأسيس جمعية. ويُفهم من ذلك منع الأجانب من تأسيس الجمعيات إذ حصرها المشرّع في المواطنين فقط، ولكن يمكنهم الإنضمام كأعضاء منتسبين من دون أن يكون لهم حق المناقشة في الجمعية العمومية أو الترشح لمجلس الإدارة. كما يلاحظ أن تحديد سن المؤسسين بـ21 عامًا قد يمثّل عقبة أمام المؤسسين، لا سيما في ظل إتسام المجتمع الكويتي بالفتوة، أي غلبة الشباب على مكوّناته، وبالتالي إعاقة طاقات شبابية عن الإنخراط في العمل الإجتماعي حتى سن متأخرة نسبيًا.

ويوجب القانون إستيفاء بعض الإجراءات الشكلية في تأسيس الجمعيات كضرورة وجود النظام الأساسي الذي يتضمّن أهداف الجمعية وكيفية إدارتها وأجهزتها، وتقديم الطلب إلى الوزارة المعنية، مصحوبة بشهادة من وزارة الداخلية تبين فيها عدم إعتراضها على أي من المؤسسين.

ويمنع القانون الجمعيات من السعي إلى تحقيق أي غرض غير مشروع، أو مناف للآداب، أو لا يدخل في الأغراض المنصوص عليها في النظام الأساسي لكل منها. كما يحظر عليها التدخل في السياسة أو المنازعات الدينية، أو إثارة العصبيات والطائفية والعنصرية.

ويمنح القانون الجهة الإدارية وقتًا طويلًا يصل إلى 90 يومًا للنظر في طلب تأسيس الجمعية. ويعتبر فوات هذا الموعد رفضًا ضمنيًا لتأسيسها. ويجوز للمؤسسين الطعن في القرار الوزاري أمام مجلس الوزراء الذي يعد قراره نهائيًا وباتًا لا يجوز الطعن فيه أمام القضاء.

وفي ما يتعلق بجمع التبرعات، أجاز القانون للجمعية جمعها بعد تصريح من الوزارة المختصة، على ألا يتجاوز ذلك تصريحًا واحدًا في كل عام. إلا أن القانون ينصّ أيضًا على ضرورة تخصيص إعانة للجمعيات من ميزانية الوزارة المختصة، وفق شروط أوضحتها المادة 25 من القانون.[47]

ويجوز حل الجمعية بقرار إداري. ولكن المشرع الكويتي خرج عن كل قوانين دول المجلس، حينما أحال هذا الحق إلى مجلس الوزراء وليس للوزير المختص. إلا أن ذلك لا ينفي السلطة المطلقة للجهة الإدارية بحل الجمعية إذا ما رأت أنها “خالفت أحكام القانون أو النظام الأساسي أو قامت بأعمال تخرج عن أهدافها (…) إذا اقتضت دواعي المصلحة العامة أو الأمن العام ذلك.”

ومن جملة الصلاحيات المطلقة للوزارة، حق الوزير في حلّ مجلس إدارة الجمعية وتعيين مجلس إدارة مؤقت لمدة “محددة قابلة للتجديد”. ولم يحدد القانون تلك المدة، ما يجعل الأمر في يد الوزارة المعنية.

خلاصة

تصف مؤسسة فريدم هاوس، وهي مؤسسة معنية بنسبة الحريات في دول العالم وتدعمها ماديًا حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، جميع دول الخليج العربي، بإستثناء الكويت، بأنها مجتمعات غير حرة، حيث تنعدم فيها، على حسب تعبير المؤسسة، أسس الديمقراطية التي على أساسها يعتبر العهد الدولي لحقوق الإنسان أي قيود واردة على حق التجمع “مقبولة”.[48]

جدول 2.1: مؤشر الحرية في دول الخليج العربي للأعوام الثلاثة الماضية وفقًا لفريدوم هاوس

وبالنظر إلى القيود الواردة في التشريعات الخليجية حول حق التجمع بالنسبة إلى مؤسسات المجتمع المدني، يبدو واضحًا إنعدام الحق في التجمع، أو تقييده في إطار ترغب السلطة بأن يلعب هذا القطاع أدواره في المجتمع من ضمنه.

وعلى هذا الأساس يمكن إستخلاص جملة من النقاط نوردها في الآتي:

1. رغم النص في أغلب دساتير دول الخليج العربي على أحقية تأسيس الجمعيات وحق التجمع، إلا أنها جميعها أحالت تنظيم هذا الحق إلى قانون قيّد هذا الحق وأفرغه من محتواه. علمًا أن سلطة إصدار التشريعات في أغلب دول الخليج، عدا الكويت، لا تتم من خلال مجالس نيابية منتخبة انتخابًا حرًا ومباشرًا، ولا يحق للمعنيين الطعن مباشرة في القوانين الصادرة عن السلطات التنفيذية أمام المحاكم في دستورية تلك القوانين التي تنقض حقًا كرّسه الدستور.

2. توجب المعايير الدولية في تأسيس منظمات المجتمع المدني إبلاغ السلطات الإدارية بتأسيس الجمعيات من منطلق “العلم والخبر”، وليس من منطلق الموافقة على التأسيس، انطلاقًا من أن حق التجمع حق طبيعي لا يمكن تقييده إلا في نطاق محدود. أما التشريعات الخليجية، فجميعها تؤكد على ضرورة أخذ الموافقة المسبقة، وتترافق هذه الموافقة مع تعقيدات في إجراءات التأسيس فضلًا عن الشروط العامة والواسعة المعاني التي لا يمكن معها ضبط قصد المشرع، الأمر الذي يجعل من سلطات الإدارة واسعة، فضلًا عن عدم جواز الطعن في القرار الإداري برفض تسجيل الجمعية، عدا البحرين والإمارات، وتكتفي بالتظلم الإداري الذي يكون قراره نهائيًا.

3. إقتصار حق تأسيس الجمعيات، في بعض قوانين دول المجلس، على المواطنين دون الأجانب، وهي مسألة يرى كثيرون أنها تتناقض مع المواثيق الدولية التي تؤكد على أحقية كل إنسان في التجمع والتعبير عن مصالحه. كما تشترط بعض القوانين (الكويت وعمان) حصول المؤسسين على شهادة عدم ممانعة من وزارات الداخلية.

4. تدخل السلطات الإدارية في عمل الجمعيات كبير وواضح، إلى درجة أن بعض القوانين نصّ على أحقية ممثلي الجهات الإدارية في حضور إجتماعات مجلس إدارة الجمعية وإمكانية نقض القرارات الصادرة عنه من قبل الوزير المختص إذا ما رأى أن تلك القرارات تتناقض والنظام الأساسي للجمعية أو القانون.

5. تحصر بعض القوانين، في عمان والسعودية على سبيل المثال، نطاق عمل الجمعيات في نشاطات محددة، ويتعدى هذا الحصر إلى إمكانية قيام الوزير المختص بدمج جمعيتين أو أكثر يرى نشاطها متشابهًا، من دون قرار بذلك من الجمعيات العمومية للجمعيات.

6. تصل سلطة الإدارة إلى حل الجمعيات إداريًا بناءً على أسباب غير محددة، خصوصًا النص على “مخالفة الآداب العام والنظام العام”. فرغم نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على جواز تقييد حق التجمع وفقًا لتلك الظروف، إلا أنه إشترط أن تكون المجتمعات التي تقيد ذلك الحق مجتمعات ديمقراطية.

7. درجت كل التشريعات الخليجية على تجريم الإنضمام إلى إتحادات أو جهات “دولية/ أجنبية”، إلا بعد موافقة السلطات الإدارية، وينسحب هذا الحكم على قضية التبرعات.

8. الأصل في التشريعات التي تنظم الحقوق والحريات العامة ألا تفرض عقوبات جزائية، والإتجاهات الحديثة، كما تراها منظمة العفو الدولية،[49] أن يُترك تحديد أركان الجريمة إلى قانون العقوبات. إلا أن الملاحظ أن قوانين دول الخليج تأخذ بمبدأ الإزدواجية في التجريم، حيث تتضمن أحكامًا جزائية يجرمها القانون العام، كما تنص بدورها على جرائم إضافية.

9. تنفرد قطر، دون باقي دول مجلس الخليج، بتحديد رسم لتسجيل الجمعيات، وهو ألف ريال قطري في حال الجمعية الخيرية وخمسون ألفًا في حال الجمعيات المهنية. ويعد هذا الرسم عاليًا بالنظر إلى الإمكانات المادية لأغلب مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم على جهود شخصية وذاتيه، لا سيما في ظل تقييد حق جمع الأموال أو التبرعات.

10. تنتشر ظاهرة مؤسسات المجتمع المدني “الحكومية”، والتي تسمى بالـ GONGO، والتي توسعت وتيرة تأسيسها خلال السنوات الثلاث الماضية.


[1] للمزيد أنظر: عدنان القرشي و آخرون، الـمـجـتـمـع الـمـدنـي في دول مـجـلـس الـتـعـاون، مـفـاهـيـمـه و مـؤسـسـاتـه و أدواره الـمـنـتـظـرة، سلسلة الدراسات الإجتماعية والعمالي رقم 43 (2006).

[2] لن تتم مناقشة العمل السياسي والنقابي في هذا الإصدار، كونهما موضوعين سبق أن تمت مناقشتهما في الإصدار السابق.

[3] Freedom House, 2014 Freedom in the World <http://www.freedomhouse.org/report-types/freedom-world#.Uz8lOfl_vX6>

[4] قانون إتحادي رقم 2 في شأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام <http://www.elaws.gov.ae/ArLegislations.aspx>

[5] المادة (7) من المصدر نفسه.

[6] المادة (16) من المصدر نفسه.

[7] “الإمارات العربية المتحدة: حل مجلس المديرين المنتخب لجمعية المعلمين،” منظمة فرونت لاين. <http://www.frontlinedefenders.org/ar/node/15268>

[8] دليل الجمعيات ذات النفع العام <http://www.msa.gov.ae/SiteCollectionDocuments/Org_Index.pdf>

[9] “«الشؤون»: ارتفاع عدد الجمعيات ذات النفع العام إلى 145،” الإمارات اليوم، 2 مارس 2013. <http://www.emaratalyoum.com/local-section/other/2013-03-02-1.554036>

[10] قانون تعديل قانون ترخيص الجمعيات والنوادي في البحرين ، الجريدة الرسمية رقم (297) (24 فبراير 1959) <http://www.legalaffairs.gov.bh/LegislationSearchDetails.aspx?id=781#.Uzwl8fl_vX4>

[11] تعد هيئة الإتحاد الوطني قائدة أحد أبرز الحركات المطلبية في تاريخ البحرين، وإستطاعت أن توحد صفوف طائفتي السنة والشيعة في كيان واحد دعا إلى مشاركة حقيقية في إدارة البلاد. وأطلق عددًا من الإضرابات العامة التي شلت حركة البحرين آنذاك، وتشكلت الهيئة القيادية من شخصيات وطنية من كلا الطائفتين، وإستمرت من عام 1954 ولغاية عام 1956 حيث تم إعتقال قادة الحركة ونفي بعضهم إلى جزيرة سانت هيلانه، فيما قبع آخرون في معتقل جزيرة جِدَة الشهير في البحرين.

[12] المادة (3) الفقرة (ب) من قانون الترخيص للجمعيات والنوادي في البحرين 1959

[13] مرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1989 بإصدار قانون الجمعيات والأندية الإجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاضعة، الجريدة الرسمية رقم (1882) <http://www.legalaffairs.gov.bh/LegislationSearchDetails.aspx?id=4041>

[14] أدخلت على هذا القانون ثلاثة تعديلات في الاعوام 2002، 2009 و2010.

[15] دستور مملكة البحرين لعام 2002 <http://www.ppb.gov.bh/assets/BhcConstitution2002.pdf>

[16] سيتم التركيز في هذا القسم على الجمعيات والنوادي الثقافية والإجتماعية، وبالتالي لن يتم التطرق إلى الهيئات العاملة في مجال الشباب والرياضة إلا بالقدر الذي لا يخل ببنية الدراسة.

[17] أنظر كمثال: Freedom House, 2014 Freedom in the World

<http://www.freedomhouse.org/report-types/freedom-world#.Uz8lOfl_vX6>

[18] المادة (4) من قانون الجمعيات الصادر عام 1989.

[19] مرسوم بقانون رقم (50) لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون الجمعيات والأندية الإجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة الصادر بالمرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1989 <http://tinyurl.com/pe5scjr>

[20] “شوريون يشنون هجوماً على «مرسوم» منع الجمع بين عضوية أكثر من جمعية،” صحيفة الوسط، 26 نوفمبر 2013. <http://www.alwasatnews.com/4098/news/read/832011/1.html>

[21] “الشورى مخالفاً­ النواب: رفض «منع ازدواجية عضوية الجمعيات الأهلية مع الأندية»،” صحيفة الأيام،26 نوفمبر 2013. <http://www.alayam.com/News/alayam/Parliament/199168>

[22] المادة (11) من قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثـقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة (21/1989) <http://tinyurl.com/k6unxsn>

[23] قرار رقم (65) لسنة 2012 بشأن نظام الترخيص بجمع المال للجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية الخاضعة لإشراف وزارة التنمية الاجتماعية <http://www.legalaffairs.gov.bh/LegislationSearchDetails.aspx?id=8290#.Uz7B4qiSyhE>

[24] برنامج المنح المالية للمنظمات الأهلية بمملكة البحرين 2010 – 2006 خمس سنوات مضيئة، وزارة التنمية الإجتماعية <http://www.social.gov.bh/sites/default/files/img/files/NGO-financial-support.pdf>

[25] المادة (50) من قانون الجمعيات والأندية الاجتماعيةوالثـقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة ( 21 / 1989 )<http://tinyurl.com/k6unxsn>

[26] “«التنمية» حلَّت جمعيتين ونادياً و8 مجالس إدارات جمعيات خلال شهرين،” صحيفة الوسط، 17 مارس 2013. <http://www.alwasatnews.com/3844/news/read/752912/1.html>

[27] “4 جمعيات معيات مهنية يتقاذفها المصير المجهول والانقسامات الطائفية والقضاء،” صحيفة الوسط، 8 يوليو 2012. <http://www.alwasatnews.com/3592/news/read/686371/1.html>

[28] يفوق عدد الجمعيات المؤسسة في إطار القانون 300 جمعية أغلبها تأسس بعد عام 2005. انظر دليل الجمعيات على موقع وزارة التنمية الإجتماعية: <http://www.social.gov.bh/ngos/ngos_directory>

[29] يشير مصطلحGONGO إلى “Government Organized Non-Governmental Organization“، أي المنظمات غير الحكومية المنظَّمة حكومياً. انظر: عادل مرزوق، “قانونا «المزاحمة» و«الاختباء» في جمعيات الغونغو البحرينية،” صحيفة الوسط، 5 سبتمبر 2006. <http://www.alwasatnews.com/1460/news/read/648990/1.html>

[30] انظر: تقرير البندر: خطط التغيير الديموغرافي وآليات الإقصاء <www.bahrainrights.org/ar/node/175>

[31] “مجموعة من الجمعيات تطالب بتعديل القانون الجديد للجمعيات الأهلية،” صحيفة أخبار الخليج، 2 فبراير 2013.<http://www.akhbar-alkhaleej.com/12734/article/5682.html>

[32] “قانون الجمعيات الجديد يقنن القمع، منظمة هيومن رايتس ووتش. <http://www.hrw.org/ar/news/2013/06/20>

[33] المادة (1) من لائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية <http://www.boe.gov.sa/printsystem.aspx?lang=ar&systemid=180&versionid=195>

[34] المادة (8) الفقرة (3) من المصدر السابق.

[35] المادة (8) الفقرة (4) من المصدر السابق.

[36] المادة (7) الفقرة (3) من المصدر السابق.

[37] المادة (15) من المصدر السابق.

[38] انظر: باب الجمعيات الخيرية في موقع وزارة الشؤون الإجتماعية <http://mosa.gov.sa/portal/modules/smartsection/item.php?itemid=6M>

[39] انظر الدكتور متروك الفالح، “لا مجتمع مدني (أهلي) فاعل مستقل بدون حقوق وحريات وضمانات دستورية.. قراءة نقدية في مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في السعودية”

<http://abujoori.files.wordpress.com/2008/01/dr-faleh-on-civil-society.doc>

[40] مرسوم سـلطاني رقــم 96/101 بإصدار النظام الأساسي للدولة <http://www.mola.gov.om/basicstatute.aspx>

[41]قانون الجمعيات الأهلية: <http://www.fiu.gov.om/files/Arabic/qm/qm.pdf>

[42] قانون رقم (12) لسنة 2004 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة، والقوانين المعدلة له <http://www.molsa.gov.qa/Arabic/Department/EnterpriseDept/Pages/g.aspx>

[43] الجمعيات والمؤسسات الخاصة المشهرة حسب نوع النشاط والأهداف <http://www.molsa.gov.qa/Arabic/Department/EnterpriseDept/Pages/PrivateAssInst.aspx>

[44] اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، مسح منظمات المجتمع المدني في دولة قطر 2013

<http://www.nhrc-qa.org/wp-content/uploads/2013/12/Civil-Society-Report.pdf>

[45] دستور دولة الكويت لسنة 1962 <http://kna.kw/clt/run.asp?id=6#sthash.D1RosQzV.dpbs>

[46] صدر دستور الكويت في 11 نوفمبر 1962، بينما صدر قانون الأندية وجمعيات النفع العام في 6 أغسطس 1962م.

[47] تنص المادة على “يجوز لوزارة الشئون الإجتماعية والعمل أن تساهم في تمويل الجمعيات والأندية بالشروط التي تضعها اللجنة المختصة بالوزارة على أن يكون من بين أسس منح الإعانات الحكومية: 1- قيام الجمعية أو النادي بمزاولة نشاط يسد فراغًا في وجوه الرعايا الإجتماعية أو الثقافية للنهوض بالمجتمع. 2- نشاط الجمعية في تحقيق أهدافها وزيادة عدد الأعضاء فيها وتسديدهم لإشتراكاتهم. 3- إذا أقدمت على تنفيذ مشروع إجتماعي مبتكر يخدم الأهداف الإجتماعية في الكويت. 4- خدمة المجتمع المحلي من النواحي الإجتماعية أو الثقافية أو الرياضية أو الدينية. 5- التقارير الدورية التي تعدها وزارة الشئون الإجتماعية والعمل عن نشاط النادي أو الجمعية.

[48] المادة (21) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تؤكد على أن “الحق في التجمع السلمي معترف به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقًا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”. والمادة (22) التي تنص على أنه “2. لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم…”.

[49] “حق تأسيس الجمعيات والتجمع السلمي في التشريعات العربية،” منظمة العفو الدولية. <http://www.amnestymena.org/ar/Magazine/Issue17/righttofreedomofassociationarablegislation.aspx?media=print>

2.3 الشقاق المجتمعي في دول مجلس التعاون: الطائفية نموذجًا

قد يكون من أبرز ملامح مرحلة ما بعد عام 2011، في العالم العربي، إحتدام حالة الشقاق المجتمعي، والذي ينبني على الإنتماء المذهبي أو القبلي أو الإثني أو غيرها من الإنقسامات. ويكاد المشهد السياسي أن يعُفينا عن ذكر أمثلة على هذه الإنشقاقات، في وقت تعجّ العناوين الإخبارية بإشارات لهذه الطائفة أو تلك القبيلة. بل يعجز المرء عن إحصاء أو محاولة تقدير حجم الكلفة البشرية التي تتكبّدها المجتمعات العربية في الوقت الراهن جرّاء هذه الصراعات الأهلية. ويكفي أن تقسيم دول عديدة على أسس طائفية وإثنية، كالعراق وسوريا واليمن، بات من الإحتمالات الواردة، ناهيك عن إنقسام السودان الذي جرى بالفعل. ولن يكون مستغربًا أن نشهد ظهور نزعات مماثلة في دول أخرى بمجرد تزعزع الأمن فيها.

ومن جهة أخرى، علّقت كثير من القوى المحتجّة والمنادية بالتغيير آمالها على المواطنة المتساوية والمشاركة السياسية كمفتاح لحلّ مشكلات مجتمعاتها. فكيف لنا أن نفهم التناقض بين هذه الأهداف التي أزهقت في سبيلها أرواح عديدة، وواقع إنقسام بعض المجتمعات العربية على نفسها؟ ألا تصطدم فكرة الدولة المدنية، التي ينادي بها كثير من القوى السياسية العربية، إسلامية كانت أم مدنية، والتي تقوم أساسًا على المساواة السياسية بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، مع ما نشهده من صراع فئوي على الدولة ومصادرها؟ وكيف لنا أن نفسّر حالات الشقاق المجتمعي في سياق مراهنة جموع غفيرة على إحداث تغيير على غرار ما قام به أشقاؤهم وشقيقاتهم في مصر وتونس في 2011؟ أي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة لا بد أن تعير الإنتباه إلى حالة الشقاق المجتمعي بإعتبارها عقبة كبيرة في وجه المحاولات الإصلاحية في بلدان عدة.

قد لا تكون حدّة الشقاق المجتمعي في دول مجلس التعاون بلغت الدرجة التي وصلت إليها في دول أخرى في العالم العربي. لكن شبح بروز هذه الظاهرة في مجتمعات دول المجلس يدعو إلى دراسة هذه الظاهرة بشكلِ عاجل لفهمها في شكل أفضل والتصدي لها. ولا شك في أن الشقاق المجتمعي لا يقتصر على الشقاق الطائفي فقط، فهناك توترات بين جماعات من مواطني دول المجلس مبنية على الإنتماء القبلي والإثني والمناطقي والجنس والطبقة، و إن تفاوتت حدّة بعض الإنقسامات من بلد إلى آخر، مما يؤكد أهمية الإنتباه إلى خصوصية كل منها ووضع صراعاتها الداخلية في سياقها التاريخي والمكاني. لذلك، لا ندّعي بأن الشقاق الطائفي يفوق حالات الشقاق الأخرى حدّة أو أهمية، فالحقيقة هي أن هناك تفاوتًا كبيرًا بين خطورة كل حالة من حالات الشقاق، كما ستبيّن نتائج الإستطلاع الذي أجريناه لمواطني أربع من دول المجلس (المملكة العربية السعودية والبحرين وعمان والكويت).

طرحنا نموذج الطائفية على عدد من المشاركين من هذه الدول لتقديم لمحة عن آرائهم حول مدى عمق الإنقسام الطائفي وتباين حدّته بين دولة وأخرى حسب الظروف المحلية لكل منها، آملين أن نقدّم إستنتاجات أولية حول ماهية هذه الظاهرة وسبل التصدي لها. ولكن، قبل الدخول في نتائج الإستطلاع، سنتطرّق أولًا إلى أهمية دراسة حالة الشقاق الطائفي في دول المجلس، ومن ثم سنستعرض منهجية هذه الدراسة بالتفصيل. وأخيرًا، سنستهلّ النتائج بتقديم بعض التعريفات السائدة لمفهوم الطائفية، ووضعها في السياق النظري الخاص بدول المجلس، بهدف تزويد القارئ بأدوات تحليلية قد تساعده على الإستفادة من نتائج الإستطلاع في شكل أكبر.

لماذا الحديث عن الشقاق المجتمعي؟

هناك أسباب عدة قد تدفع البعض إلى تجنّب الحديث في هذا الموضوع الشائك والحسّاس. فقد يخشى البعض، على سبيل المثال، من إضفاء شرعية أكاديمية على هذه الإنقسامات ومن ترسيخها في أذهان القراء، وبالتالي المساهمة في تعميق المشكلة. وقد يذهب رأي مماثل إلى أن نقاشًا كهذا يعدّ بمثابة فضح لإنقسامات شعوبنا، مما يجعلنا أكثر عرضة لتدخلات خارجية، الأمر الذي طالما عانت منه شعوب المنطقة. وربما يعترض آخرون على مُسلّمات هذه الدراسة بإعتبار أن حالة الشقاق المجتمعي ليست بالسوء الذي تصوّره وسائل الإعلام.

ولكن هل في تجنّب مناقشة ما يهدّد مجتمعاتنا ما هو نافع لها ولإستقرارها؟ شبّه الباحث الإجتماعي نادر كاظم، عندما أقدم على تبرير حاجته إلى طرح الموضوع نفسه في السياق البحريني، المجتمع المبُتلى بالطائفية بالمريض الذي يحتاج إلى تشخيص طبي لمرضه حرصًا على صحته وسلامته.[1] إضافة إلى ذلك، علينا الإشارة إلى أن أمراض مجتمعاتنا هي موضوع بحث ونقاش لعديد من المنظمات الغربية المهتمة بشؤون دول مجلس التعاون، والتي تصدر تقريرًا تلو الآخر في هذا الشأن، حيث يتم التطرق إلى الظاهرة من منطلق مصالح الدول الغربية، و على رأسها الولايات المتحدة، باعتبار الانقسامات الإجتماعية هذه قد تمثّل تهديدًا لها تارة وسندا تارة أخرى.[2] وتتضاعف الحاجة إلى البحث في قضية إنقسام شعوب المنطقة عند إستيعابنا أن مصالح الدول الغربية، كغيرها، لا تتطابق بالضرورة مع مصالح شعوب المنطقة.[3]

أليس حريًا بنا، إذن، أن نبحث في مشكلاتنا من أجل مصالح شعوب دول المجلس بدلًا من تسليم القضية إلى جهات خارجية تخاطب مصالح حكوماتها؟ من وجهة نظر أكاديمية بحتة، الجواب لا بد أن يأتي بالإيجاب، فالعلوم الإجتماعية تهتم بكل الظواهر الإجتماعية وفي مقدمتها، في الفترة الراهنة، سؤال الهوية. لكن مسؤولية الكاتب، هنا، أكثر من أكاديمية، وهذا يتطلب منا تبيان أهداف هذه الورقة ومنهجيتها.

الأهداف والمنهجية

تهدف هذه الورقة إلى طرح مسألة الشقاق المجتمعي على طاولة الحوار ليتسنّى لشعوب المنطقة تدارك الأزمات الناتجة عن هذا الشقاق بإعتباره عقبة أمام تحقيق المواطنة الكاملة ومشروع إكمال بناء الدولة الحديثة. وكما أشرنا سابقًا، سنناقش الطائفية بالتحديد في أربع دول، هي المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وعمان، آملين أن نثير نقاشًا بنّاءً حول هذه الظاهرة وكيفية التصدي لها من قبل المواطنين، أكانوا من المثقفين أو الناشطين أو الحقوقيين أو صُناع القرار أو عامة الشعب.

بالنسبة إلى منهجية الورقة، فإنها تنقسم إلى قسمين رئيسيين، يُعنى الأول بتقديم تعريف للطائفية عبر إستخدام أدوات نظرية تهيئ القارئ لتحليل نتائج الإستطلاع التي سنستعرضها في القسم الثاني. وفي ما يخص الإستطلاع، فقد قمنا بطرح مجموعة من الأسئلة على عيّنة عشوائية(random sample) من مستخدمي الإنترنت حول عدة محاور، تتمركز حول القضايا الإقليمية والمحلية (أي داخل كل بلد على حدى)، إضافة إلى تجربة المشاركين الشخصية مع الطائفية. وقمنا بتقسيم العيّنة إلى شريحتين رئيسيتين، بناءً على جنسية المشارك وطائفته، حتى نتعرف إلى تطلعات المشاركين وآرائهم حول عدة قضايا مهمة تواجه المنطقة، بما فيها الشقاق الطائفي.

وهنا علينا أن ننوّه بأن العينة ليست بالضرورة متناسبة تمامًا مع التوزيع الديمغرافي أو التركيبة الإجتماعية في الدول المعنية. بل إن هناك إعتبارات جندرية وطبقية وإثنية ومناطقية وغيرها يجب مراعاتها عند إجراء دراسة كمية. ولكن الطريق نحو دراسة كهذه محفوف بالعقبات، من أهمها غياب المعلومات السكانية الأساسية التي عادة ما تقوم عليها دراسات كهذه، مما يعني أننا لا نعرف الحجم السكاني للإثنيات أو الطوائف المختلفة بشكل دقيق و علمي، بعيدًا عمّا هو متداول شعبيًا وإعلاميًا. النتيجة، إذن، هي إستحالة القيام بدراسة كمية متكاملة ومتناسبة مع الواقع الديمغرافي. إضافة إلى ذلك، ليس الهدف من الدراسة إجراء إستطلاعpoll يعكس النسبة الدقيقة لتوجهات مواطني الدولة في ثمة فترة زمنية، بل الهدف هو إجراء مسح لعينة ذات حجم وتركيبة متنوعة ووافية، و التي بإمكانها أن تعكس أهم المجموعات والآراء الموجودة في البلد، وتسمح بتحليل آراء هذه العينة وتطلعاتها. وهنا علينا أن نشدّد على أن النتائج تعكس آراء هذه العينة فقط.

وفي المقابل، راعينا نسب وأحجام الفئات المختلفة في كل بلد بحسب ما هو متداول بصفة غير رسمية. أما من الجانب التحليلي، فقد ركّزنا على النتائج التي أبرزت تباينات حادّة أو حالات توافق شبه تامة، نظرًا إلى أن هذه النتائج هي الأكثر نفاذًا للبصيرة في التحليل. وقد إخترنا الدول الأربع (السعودية والبحرين وعمان والكويت) نظرًا إلى توافر عيّنة مناسبة من حيث الحجم. فعدد المشاركين في كل دولة هو 902 و268 و292 و127 على التوالي حيث كان مجموع المشاركين 1689 شخصًا. وتم نشر هذا الإستطلاع عبر موقعنا الإلكتروني www.gulfpolicies.com في الفترة ما بين نوفمبر 2013 و يناير 2014.

تعريف الطائفية

في الأساس، تتميّز كل طائفة دينية بالأسس الفقهية الخاصة بها. ومن البديهي أن نعتبر تعدّد الطوائف تمامًا كتعدّد الثقافات، أي كميزة من مميزات المجتمعات البشرية المتنوعة بطبيعتها. وقد نضيف أن الإنتماء للطائفة يمثّل محددًا ثقافيًا واحدًا من بين محدّدات عِدة كاللغة والإنتماء القومي والعلاقات الإجتماعية العائلية والطبقة الإجتماعية والإنتماء المناطقي الخ، مما يجعل للإنتماء إلى الطائفة خصوصية قُطرية ومناطقية وطبقية، تلازمًا مع محددات الهوية الأخرى لدى الفرد والجماعة. ولذلك من الصعب تعميم عبارات عن “السنة” أو “الشيعة” أو غيرهم، من دون التطرق إلى إعتبارات ثقافية أخرى قد تكون أكثر عرضة للتسييس من الإنتماء للطائفة. فهناك نماذج لا تعدّ من تفوّق إنتماءات أخرى على الإنتماء الطائفي كالمحدد الثقافي الأهم. وقد طرح توفيق السيف نماذج كهذه:

لو لم يكن لدينا مذاهب لظهرت النزاعات نفسها ولكن تحت عناوين بديلة. كمثال على ذلك، فإن الأكراد العراقيين (السنة) حلفاء للشيعة العرب وليس للسنة العرب، كما أن الجماعات السلفية المتطرفة في الجزائر تقاتل الجزائريين السنة وليس الشيعة. وفي السودان تحالف مقاتلو دارفور المسلمون مع الجنوبيين المسيحيين أو الوثنيين ضد المسلمين الحاكمين في الخرطوم. واتخذت باكستان وكثير من الدول الإسلامية موقفًا مؤيدًا أو متغاضيًا عن الإجتياح الأطلسي (المسيحي) لأفغانستان ضد طالبان (المسلمة)…[4]

في الدرجة الأولى، إذن، ما يعنينا هنا ليس الإنتماء للطائفة بالمعنى الديني/ الفقهي بحد ذاته، ولكن تسييس هذا الإنتماء. والدلالة الأبرز على تسييس الإنتماء الطائفي هو تطابق الموقف السياسي مع هذا الإنتماء، فعندها نستطيع القول للإنسان في مجتمع يعاني من تسييس الطائفة: “قل لي طائفتك وسأقول لك موقفك السياسي”. ولكن لماذا تسيّيس الطائفة في بعض الأحيان دون غيرها؟ ما هي شروط ظهور حالات تسييس الطائفة؟ قدّم توفيق السيف ثلاثة تعريفات مفيدة وموجزة للطائفية المجتمعية (وهو ما يميزها عن طائفية الدولة التي سنتطرق إليها لاحقًا):[5]

1.     خلاف ديني بحت تقوم عليه أطراف دينية بدعوة الناس إلى معتقداتهم الدينية عن طريق الهجوم على معتقدات “الآخر”.

2.     خلاف إجتماعي ناتج عن تزاحم ما بين “دائرتي مصالح متمايزتين”، أي عند محاولة طرف ما إختراق دائرة المجال الإجتماعي الخاص بطائفة أخرى بالتبشير المذهبي، فتثير عندها ردة فعل دفاعية.

3.     إعتقاد جماعة بتواجد مظلومية خاصة بها ناتجة عن غياب العدالة الإجتماعية كتكافؤ الفرص الحياتية والمساواة السياسية وتوزيع موارد المجتمع في شكل عادل. وعادة ما تأتي ردة الفعل في شكل تمرد جمعي “هادئ” أو “نشط” في ظل غياب الآليات الديمقراطية لتفريغ بعض من هذه المظالم، وربما ترجمتها إلى إجراءات تصحيحية في حال نجاحها ديمقراطيًا.[6]

النموذج الأول من الطائفية يقوم على إدعاءات كل طرف بأحقيته “للحق” بالمعنى الديني، لا الدنيوي. ولكن هذا الأمر لا يعنينا بشكل مباشر كما أشرنا سابقًا. فلا تخلو الثقافات البشرية، وربما على رأسها الهويات الوطنية والذكريات والقصص المرتبطة بها، من إدعاءات مشابهة لتُبرز أفضلية أعضاء جماعة على غيرها. الخطر الحقيقي يكمن حين تذهب الجماعة إلى ترجمة أحقية جماعتها، حسب تصورها، إلى إقصاء طائفة أخرى وحرمانها من الوطن وموارده. بتعبير آخر، على الرغم من أن الإقصاء الطائفي يقوم على تبريرات دينية ـ طائفية، أي بالضرورة الأخذ بالشكل الأول من الطائفية (والتي تقوم على إختلافات فقهية بحتة). إلا أن المكونات الأخرى، كالتزاحم أو الحرمان النسبي، هي وحدها كفيلة بتضخيم الخلاف الفقهي بشكل فادح. الأسئلة التي يجب أن تطرح، إذن، هي مدى اقتراب حالة الشقاق المجتمعي من فرضية “تزاحم دائرتي مصالح متمايزتين”، أو حرمان ثمة جماعة نسبيا (بالنسبة إلى الجماعات الأخرى) من موارد المجتمع المادية و الملموسة، كتوزيع ثروة البلاد، و الموارد المعنوية، كالحصول على الإحترام و الكرامة من قِبل الدولة و المجتمع.

دور الدولة على الصعيد الإقليمي

لا شك أن للدولة دورًا مركزيًا في التعاطي مع المسألة الطائفية، خاصة في مجتمعاتنا حيث تتمتع بنفوذ خارق وسقف رفيع لحرية الإنفراد في التصرف. ولكن مدى إعتماد الدولة على حالات الشقاق المجتمعي كالطائفية (ولو ضمنيًا) يعتمد على أيديولوجيا صنّاع القرار، إضافة إلى الظروف السياسية المحيطة بهم. كان المشهد السياسي الإقليمي في منتصف القرن العشرين منقسمًا بين المعسكر السعودي المتحالف مع الغرب من جهة، والمعسكر المصري المتحالف مع الاتحاد السوفييتي. غاب الإنتماء الطائفي من حسابات الأطراف المشاركة في الصراع الإقليمي آنذاك، فمثّل الطرف الأول الإسلام لأسباب ليس أقلها أن السعودية تعتبر نفسها حامية للحرمين الشريفين، فيما حمل الجانب المصري راية القومية العربية والإشتراكية. أما في الدول التي طالها نفوذ مصر دون السعودية، كالعراق، فكان الصراع علمانيًا ـ علمانيًا، مما أبرز الإختلاف الأيديولوجي بين القومية والشيوعية اللتين نشط تحت راياتهما الكثير من أعضاء الطوائف المختلفة.[7]

يكاد المشهد السياسي الإقليمي يختلف اختلافًا تامًا اليوم، حيث إنتقلت بؤرة الصراع من السعودية – مصر إلى السعودية ـ إيران. إذ يجمع الطرفان الأخيران على محورية الهوية الإسلامية، مما أبرز الطائفة التي يمثلها كل طرف كتعبير ثقافي لتفسير تضارب مصالحهما. وقد إحتدّ الصراع بين هذين الطرفين بعدما أخلّت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011، بتوازن القوى في المنطقة عبر خلق فراغ سياسي في العراق، ليتنافس الطرفان على مسار هذا البلد وتحالفاته، في وقت كانت قواه المحلية تتصارع على الدولة ومواردها. ومع إندلاع الحرب الأهلية، شهد العراق تضافرًا سرديًا بين الصراع الداخلي على الدولة والصراع الإقليمي، فتوجه بعض من كل طائفة إلى “حاميها الإقليمي” مع إنهيار الدولة المركزية وإندلاع الفوضى. هكذا، تم تثبيت سرديات الدول المتصارعة إقليميًا في العراق، وأصبح نموذج العراق يمثل هاجسًا للدول التي تشبهه من ناحية التركيبة الإجتماعية والسياسية مثل سوريا والبحرين.

تقول النظرية السائدة في مجال العلاقات الدولية إن الدول تتصرف بعقلانية حيال مصالحها، وتسارع إلى ملء الفراغات السياسية خوفًا من أن تسبقها الدول المنافسة إلى ذلك[8]. فمع تزعزع الإستقرار الأمني في المنطقة جرّاء تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، بات الأخير ساحة من ساحات الصراع الإقليمي الذي يتبع منطق لعبة صفرية النتائج، حيث يعني تقدّم فريق معين، بالضرورة، تراجعًا للفريق الآخر. وبحسب هذه النظرية، للدول المتنفذة سبل مختلفة لبسط الهيمنة، منها الإكراه/القسر و الإحتواء والاستئجار من جهة (“القوة الخشنة”، أو إستراتيجية “العصا والجزرة”)، والإقناع والإستقطاب (أي القوة الناعمة) من جهة أخرى. ويقول صاحب هذه النظرية إن الطريقة المثلى لضمان إستمرارية النفوذ لا تعتمد على إستراتيجية العصا والجزرة فقط، بل على إكتساب تعاطف وتضامن، أي على إقناع اللاعبين السياسيين بضرورة خدمة مصالح الدولة[9]. وفي سياق الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط اليوم، يمثل الإنتماء الطائفي شكلًا من أشكال القوة الناعمة، حيث يرعى الطرف السعودي المصالح السُنية في المنطقة ضد الطرف الإيراني الراعي للشيعة، بحسب السرد الطائفي.[10] ولكن علينا الإشارة إلى أن القوة الناعمة لا تستدعي بالضرورة تغريض الثقافة لخدمة أهداف سياسية بشكل متعمّد وواع، بل ربما لا يشارك صنّاع القرار في صياغة السردية الطائفية، إلا أنهم قد يستفيدون من وجودها لأنها تقدم تبريرات ثقافية تحاكي واقع عامة الناس من جهة، وتخدم مصالح الدولة من جهة أخرى.

دور الدولة على الصعيد المحلي

تعتبر دول مجلس التعاون دولًا ريعية بإمتياز، إذ أنها تعتمد أساسًا على توزيع ريع النفط لتصريف أمورها، وبالتالي تنظيم وصيانة العلاقات الإجتماعية السائدة. تقول نظرية الدولة الريعية إن توزيع الحُكام لريع النفط، أي عبر تقديم مختلف الخدمات والتسهيلات، إضافة إلى التوظيف الحكومي غير المرتبط بإنتاجية الموظف، وعدم إقتطاع ضرائب من المواطنين، يؤدّي بالتالي إلى قبول المواطنين بإستبعادهم عن عملية صُنع القرار وتحديد مسار مجتمعاتهم[11]. وقد تم تعديل نظرية الدولة الريعية لجمودها وعدم تمكنها من تفسير حالات التغيير المستمر، ناهيك عن حالات عدم الرضا التي تنتُج منها حركات إحتجاجية في بعض الأحيان. فجاءت التعديلات لتطرح فكرة أن توزيع ريع النفط كمكرمة أبوية لعامة الناس قد تولّد حالة من الإستياء لدى البعض، خاصة لدى الجماعات التي لم تندمج داخل منظومة الدولة وإقتصادها الريعي بشكل عادل ومتكافئ.[12] وتنشط هنا الجماعات التي يرى أعضاؤها أنهم مواطنون من “درجة ثانية”، أو أنهم محرومون نسبيًا من توزيع الريع في شكل أكثر عدلًا، فيما يذهب آخرون إلى المطالبة بمراجعة العقد الإجتماعي الريعي وفتح المجال للمشاركة السياسية.

أما عن كيفية تنظيم الدولة للعلاقات الإجتماعية، فهي عادة ما تقوم على إدماج أو إحتواء الجماعات المختلفة (ومنها الطوائف) من خلال كيانات إجتماعية سُميت بالتضامنيات، وهي عبارة عن جماعات قائمة على أساس التضامن الإجتماعي بين أفراد الجماعة group solidarity)) لعدة أسباب، وتشمل ما أسماه ابن خلدون بالعصبية. ويصنف خلدون النقيب التضامنيات غير الرسمية (أي غير تلك التابعة للعوائل الحاكمة) في مجتمعات شبه الجزيرة العربية على النحو التالي: المؤسسة القبلية والمؤسسة الطائفية والمؤسسة الدينية والطبقات الوسطى والتجار والعمال (المُمَثلين في نقاباتهم، إن وجدت).[13] ويذهب نزيه أيوبي في تحليله للتضامنيات بأن بعضها يميل إلى التقارب والتعاون مع الدولة على أساس إلتقاء المصالح، كالقبائل المتحالفة مع الدولة والتي قد تشكّل الحجر الأساس للبنية العسكرية أو الحرس الوطني في بعض الدول، فيما تميل تضامنيات أخرى إلى عدم الإنسجام مع الدولة ومصالحها، وبذلك يصبح أعضاؤها عرضة للقسر والإخضاع.[14]

قد يفسر هذا الإطار النظري التعبيرات المختلفة لحالات عدم الرضا أو الإستياء، إن وجدت، في ظل إنعدام أو محدودية المشاركة السياسية، فنجد أن بعضًا من هذه التضامنيات يميل إلى أخذ موقف معارض للدولة في شكل شبه تلقائي، وبالتالي يميل إلى الدفع لمراجعة المنظومة الإجتماعية القائمة برمّتها، في حين أن التضامنيات “المندمجة”، أو القريبة من السلطة السياسية، تعبّر عن استيائها داخل سياق المنظومة، كالمطالبة بحصة أكبر من ريع النفط كبديل للإصلاح السياسي. و بإمكاننا رصد إمتداد لمنطق “القوة الناعمة” بين التضامنيات المندمجة، فالتضامنيات المندمجة داخل الأجهزة والمؤسسات الحيوية ملتزمة بشرعية المنظومة الإجتماعية عن قناعة، وليس عن طريق القسر، بخلاف التضامنيات التي تعتبر نفسها مهمّشة نسبيًا. وبإمكاننا أيضًا أن نلاحظ وجه شبه آخر لما يجري من صراع على الصعيد الإقليمي، ألا وهو منطق لعبة صفرية النتائج ــ أي أن مكاسب فريق تعني بالضرورة خسارة لفريق آخر ــ كما توحي لنا الحالة التنافسية القائمة بين الطوائف في بعض المجالات، حين يُفتح المجال للمنافسة عبر الإنتخابات أو التوظيف أو حتى ما يُسمى بالفضاء العام، على سبيل المثال.[15]

ولا شك في أن أي محاولة لتطبيق هذه الأطروحات النظرية على دول مجلس التعاون وتعديلها لملاءمة خصوصية كل دولة تتطلّب دراسة معمّقة لكل حالة على حدى، والتركيز على مفاصل الإلتقاء بين الصراع الإقليمي من جهة وصراع التضامنيات من جهة أخرى، إضافة إلى مدى تطابق السرديات على هذين المستويين. وفي ما يلي نصبّ تركيزنا على محاولة أولية لرصد بعض ملامح حالة الإنقسام الطائفي في دول مجلس التعاون عبر سرد نتائج إستطلاع لعيّنة من أربع دول تستشفّ آراءهم حول الحالة الطائفية في دول مجلس التعاون.

نتائج الإستطلاع

يبيّن الجدول التالي نسب الإنتماء إلى الطوائف المختلفة بين المشاركين في الإستطلاع من الدول الأربع:[16]

يبيّن الرسم البياني التالي نسب المنتمين إلى الطوائف السنية والشيعية والأباضية في الدول الأربع.[17] على الرغم من إختلافات العيّنة، والتي سنناقشها بالتفصيل لاحقًا، إلا أن هناك ركائز أساسية يتفق عليها المشاركون، بغضّ النظر عن إنتماءاتهم القُطرية والطائفية. فقد وجدت نتائج الإستطلاع بأن هناك شبه إجماع على محورية الهويتين العربية والإسلامية، بإعتبارهما الأهم بين الهويات التي عرضناها عليهم، كالهوية المبنية على الإثنية/العرقية والطبقية والمناطقية والقُطرية. وقد أتت في المركز الثالث الهوية القُطرية أو الوطنية. وقد تأتي هذه النتيجة مفاجأة لبعض المراقبين بحكم الإنقسامات الكثيرة التي تعاني منها المجتمعات العربية، وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى القول إن مشروع القومية العربية قد فشل، نتيجة غياب وعي قومي حقيقي. ولكن تشبث المشاركين بهذه الهويات، يوحي بأن القاعدة الثقافية لمشاريع وطنية وقومية لا زالت رصينة إلى حد ما.

وفي إمكاننا أيضًا النظر إلى إهتمامات العيّنة وأولوياتها للتعرف إلى أهمية مسألة الشقاق المجتمعي بالنسبة للمشاركين، مقارنة بالمشاكل الأخرى التي تواجه مجتمعاتهم. وكما تُبين الرسوم البيانية التالية، هناك حالة إجماع تام بين مختلف فئات العيّنة على أن الشقاق المجتمعي ليس القضية الأهم بين القضايا التي طرحناها[18]، فقد برزت مسألة الفساد كأكبر مصدر للقلق لديهم. أما بالنسبة إلى الشقاق المجتمعي، فتختلف الإجابة في شكل كبير من فئة إلى أخرى، إذ أنها ثاني أهم مسألة بالنسبة إلى المشاركين السنّة البحرينيين والشيعة السعوديين والكويتيين. وفي المقابل، يُلاحظ بأن الشقاق المجتمعي يُعتبر رابع أهم مسألة بالنسبة إلى المشاركين البحرينيين الشيعة والسعوديين السنة، في حين وضع المشاركون الكويتيون السنّة مسألة الشقاق في المرتبة الثالثة بين بقية القضايا المطروحة. أما بالنسبة إلى المشاركين العمانيين، فتقل أهمية الشقاق بالنسبة إليهم في المتوسط، إذ أنها في المرتبة الرابعة بالنسبة إلى الشيعة والأباضيين، وفي المرتبة السابعة الأخيرة بالنسبة إلى السنة.

وقد برزت قضايا أخرى بين المشاركين، خاصة مسألة الخلل الإقتصادي الذي عرّفناه للمشاركين بإعتماد دولهم على ريع النفط كمصدر أساسي للدخل. فتبوأت هذه المسألة المرتبة الثانية لدى المشاركين الكويتيين والسعوديين السنة والعمانيين بكافة فئاتهم، والمرتبة الثالثة لدى المشاركين البحرينيين السنة والكويتيين الشيعة. من ناحية أخرى، تُعتبر محدودية المشاركة السياسية مسألة ذات أهمية كبيرة نسبيًا للمشاركين، فهي الثانية لدى البحرينيين الشيعة والثالثة لدى المشاركين السعوديين، سنة وشيعة.

القضايا الإقليمية

يتفق المشاركون، بغالبية ساحقة، في أن العلاقة بين الطوائف في الوطن العربي قد ساءت منذ مطلع الألفية الثالثة (أنظر الرسم البياني 2.10). وهذا متوقع نظرًا إلى نشوب حروب وحركات إحتجاج كان من شأنها أن تقسم الرأي العام العربي على أساس الإنتماء الطائفي. و لكن العيّنة تنقسم حول الأطراف التي تساندها في هذه الأحداث، مما يوحي بأن هناك عصبية مبنية على الطائفة وعابرة للحدود القُطرية. ولإختبار مدى صحة هذا التشخيص، والتعرف على أنماط إنقسام العيّنة، إخترنا قضيتين شائكتين عادة ما تُصوران على أنهما صراع ذو بعد طائفي، هما حركة الإحتجاجات في البحرين والحرب الأهلية في سوريا.

لاحظ أوجه الشبه بين هاتين الحالتين: أولًا، ينقسم المشهد السياسي داخل هذه الدول في شكل رئيسي على أساس الإنتماء للطائفة. فمن المعروف أن الشيعة البحرينيين والسنّة السوريين يشكلان أغلبية داخل صفوف المعارضة السياسية في دولهما. ثانيًا، في السياق الإقليمي، تمثل هاتان القضيتان جزءًا من “الحرب الباردة”، إن صح التعبير، بين المحور الإيراني والمحور السعودي اللذين يدعمان نقيضي الطرف في البحرين وسوريا.[19] بتعبير آخر، يتوافر في القضيتين السورية والبحرينية التضافر بين سردية الصراع الإقليمي والمحلي، ويعزز كل منهما الآخر.

من ناحية، لن يُفاجأ القارئ عندما يجد أن هناك مؤشرات واضحة، في الرسوم البيانية التالية، على تطابق الإنتماء للطائفة والموقف السياسي في عيّنتنا، وبالتحديد نعني الأغلبية من المشاركين السنة الذين قالوا إنهم يساندون المعارضة في سوريا، في حين أن المشاركين الشيعة يساندون المتظاهرين في البحرين. وتؤكد هذه النتائج بأن هناك اصطفافًا طائفيًا حيال القضايا الإقليمية، يمكن الافتراض بأنه نتيجة الصراع الإقليمي الذي يقوم بالإستقطاب الطائفي.

ولكن الإنقسام ليس بالحدّة التي قد يتصورها البعض. فنادرا ما نجد أغلبية من المشاركين على طرفي النقيض في أي من الدول الأربع. بل على عكس السرد السائد (وربما المبسط)، وجدنا أن المشاركين السنة، بما في ذلك المشاركون السنة البحرينيون، إختاروا أن يختلفوا مع الطرفين المتنازعين في البحرين بدلًا من مساندتهم للحكومة هناك. ووجدنا نتيجة مماثلة في موقف المشاركين الشيعة من القضية السورية التي لم تتبع، هي أيضًا، المنطق الطائفي إلى حده الأبعد. وكما يبيّن الرسم البياني في الأسفل، قالت هذه الفئة من العيّنة إنها تختلف مع الطرفين المتصارعين في سوريا. وقد نفسّر هذه النتيجة بأنه في حين أن هناك تضامنًا طائفيًا عابرًا للحدود القُطرية، إلا أن حالة التضامن هذه تقتصر على المستوى الشعبي إلى حد كبير، فيتضامن المشاركون الشيعة مع المعارضة البحرينية وليس مع الحكومة السورية، ومن جهة أخرى يتضامن المشاركون السنة مع المعارضة السورية وليس مع الحكومة البحرينية.

يتكرر نمط الإنقسام عند طرحنا مسألة العراق على العينة، حيث وجدنا ان المشاركين السنة (بالإضافة إالى الإباضيين في عمان) يميلون للقول بأن نظام صدام كان اكثر عدلاً تجاه الطوائف و الإثنيات المختلفة، اما المشاركين الشيعة، ففضلوا النظام الحالي نسبياً. و تنفرد فئة السنة الكويتيين من العينة، حيث لم تقييم هذه الفئة نظام صدام حسين بشكل إيجابي كما فعل البعض من المشاركين السنة من الدول الاخرى. وجدنا ايضاً أنه يتفق قسم لا بأس به من العينة على أن “كلاهما” – أي نظامي صدام و الحالي – سيء و غير عادل.

يبرز الإنقسام النسبي، مرة أخرى، لدى معاينة آراء المشاركين حول أثر سياسات الدول الإقليمية على العلاقة بين الطوائف. فاعتبر المشاركون السنة أن لحكومة إيران الوقع الأسوأ على الإطلاق على العلاقة بين الطوائف في المنطقة، فيما وجه المشاركون الشيعة التهمة ذاتها إلى السعودية. ولكن، في الوقت ذاته، ليس هناك توافق واضح بين أعضاء الطوائف على دعم الطرف الراعي الإقليمي لمصالحهم، حسب السرد الطائفي للصراع الإقليمي. بل على العكس، فقد ذهب قسم غير صغير من المشاركين السنة والشيعة إلى توجيه الإتهام نفسه إلى “الراعي الإقليمي.” مما قد يعني بأن المشاركين السنة والشيعة يشعرون بالتهديد من السياسات الإيرانية والسعودية (بالترتيب)، ولكن لم تدفع هذه المخاوف المشاركين في هذه الدراسة إلى أحضان الطرف النقيض الذي يُفترض به أن يلعب دور “الراعي” و”الحامي”. وكما هي الحال مع الرؤية النقدية للمشاركين السنة البحرينيين لحكومة بلادهم، نجد هنا أن المشاركين السعوديين السنة كانوا أيضًا ناقدين لسياسات بلادهم. ومن ناحية أخرى، يتفق المشاركون جميعًا في نظرتهم السلبية إلى السياسات الخارجية الأمريكية التي ساهمت في إندلاع عدة حروب في المنطقة.

كما تطرّقنا في القسم النظري، يرتبط السرد الطائفي بمصالح الدول الإقليمية المتصارعة. ويبرز هنا دور الإعلاميين في القنوات الفضائية الإخبارية الواسعة الإنتشار، إذ أن لديهم قدرة مميزة على تأطير القضايا الإقليمية داخل سياقات ثقافية، بما فيها السرد الطائفي. لذا، فقد إخترنا قناتين إخباريتين مملوكتين سعوديًا (قناة العربية) وإيرانيًا (قناة العالم). وكما هي الحال في تقييم العينة لدور الدول الإقليمية، إتسمت ردود المشاركين السنّة بالسلبية تجاه الطرف الإيراني في شكله الإعلامي، أي قناة العالم،[20] في حين قالت أغلبية ساحقة من المشاركين الشيعة إن دور قناة العربية سلبي. ومن اللافت أن الردود على القنوات الفضائية مشابهة إلى حد كبير لردود العيّنة على دور الدول الإقليمية، مما يوحي بأن المشاركين، بشكل عام، يدركون الصلة التي تربط هاتين القناتين، ووجهات نظر مالكيها بشكل جيد. ومن المثير للإهتمام هنا أن المشاركين السنة، أيضًا، قالوا إن لدور قناة العربية تبعات سلبية، تمامًا كما أشار المشاركون الشيعة بأغلبيتهم (عدا عمان) إلى سلبية دور قناة العالم.

وقد عرضنا على المشاركين خيارًا ثالثًا هو القنوات الرسمية في دولهم (كقناة البحرين الفضائيةBTV بالنسبة للبحرينيين، مثلًا) للتعرف على مدى تسييس الطائفة رسميًا (من وجهة نظر العيًنة). وقد وجدنا تباينًا واسعًا بين كل حالة.[21] إذ يتسم أداء القنوات الرسمية العمانية بالإيجابية أو الحيادية تجاه المسألة الطائفية، من وجهة نظر المشاركين العمانيين. وترى غالبية المشاركين الكويتيين أن ليس للقنوات الرسمية الكويتية تأثير على العلاقة بين الطوائف، كما هي الحال في إجابات المشاركين السعوديين السنّة حول قنوات بلدهم. ولكن هذه القاعدة – أي حيادية القنوات الرسمية من منظور العيّنة – لا تنطبق على حالة البحرين، حيث يتفق المشاركون البحرينيون على سلبية دور قنواتهم الرسمية (وإن تباينت النسب بين أعضاء الطائفتين)، إضافة إلى وجهة نظر المشاركين السعوديين الشيعة التي إتسمت أيضًا بالسلبية النسبية.

ويوحي التباين الواضح بين الردود حول أداء القنوات الفضائية الرسمية بإختلاف السياسات الرسمية للدول الأربع. وإذا كان هذا التشخيص صحيحًا، فلا بد أن الجانب الإعلامي لكل دولة يعبّر عن حالة مجتمعية – أو سياسة حكومية، على أقل تقدير- في كل من الدول الأربع. لننتقص هذه النقطة، إذن، برصد ما جاءنا من ردود حول الشأن الداخلي في هذه الدول.

الجانب الداخلي

يجمع المشاركون عمومًا على أن أوضاع مجتمعاتهم ومجتمعات دول المنطقة، بما فيها دول المجلس، بعيدة عن تجاوز الإنقسام الطائفي وتبعاته السلبية. وأكد المشاركون هذا الإستنتاج في سؤال آخر طرحنا فيه تقييم العلاقة بين الطوائف منذ عام 2000، على المستوى الإقليمي والخليجي والمحلي. إذ قالت جميع الشرائح من الدول الأربع، بأغلبية تتراوح بين 65% و90%، إن العلاقة ساءت على المستوى الإقليمي والخليجي. محليًا، توافق المشاركون على نظرتهم السلبية، أي أن التوتر الطائفي في بلادهم آخذ في التفاقم. إلا أن حالة عمان تشذّ عن هذه القاعدة في شكل ملحوظ، فالعلاقة بين الطوائف تحسّنت لدى البعض، ولم تتغير لدى آخرين من المشاركين العمانيين بمختلف إنتماءاتهم الطائفية.

وبما أن شريحة واسعة تتفق على سوء العلاقة بين الطوائف في بلادها (عدا عمان)، فما هي إذن العوامل المحلية التي تساهم في التأزيم الطائفي؟ عند تقييم المشاركين لعدد من المؤسسات المحلية، تبيّن بأن هناك حالة من عدم الرضا تجاه دور المؤسسات الدينية والنظام التعليمي حيال الوضع الطائفي. ولكن هذا التقييم يرتبط بإنتماءات المشاركين إلى حدِ ما. ففي كل من الدول الأربع، نجد أن نسبة الإجابات السلبية تزيد لدى سؤالنا للمشاركين عن المؤسسات الدينية التابعة للطائفة “الأخرى” (كمثال، عند سؤال المشاركين السنة عن المؤسسات الدينية الشيعية، والعكس صحيح أيضًا). ولكن، في الوقت ذاته، نجد أن الإنتقادات قد طالت المؤسسات التي قد ينتمي إليها المشارك، خاصة في حالة المشاركين السنة في الدول الأربع والأباضيين في عمان. أما ردود المشاركين الشيعة فكانت متحفظة نسبيًا، حيث عادة ما ينقسم هؤلاء بين مؤيد وناقد للمؤسسة الدينية الشيعية في بلدهم، بخلاف المشاركين السنة الأكثر نقدًا “ذاتيًا”، إن صح التعبير (عدا حالة عمان). وقد يصعب علينا الخروج بتفسير قاطع لتوزيع الردود بهذا الشكل. ولكن، بخلاف ما قد تصوّره بعض وسائل الإعلام من وجود فئات متجانسة داخليًا ومتضادة في ما بينها تحت عنوان “السنة” و”الشيعة”، فإن الحقيقة أنه توجد داخل الطرفين تيارات مختلفة يقوم بعضها بنقد ذاته تمامًا كما ينقد غيره.

أما بالنسبة إلى المؤسسات الأخرى، فقد أجمع المشاركون على سلبية دور وسائل الإعلام. ولكن لا يمكننا قراءة هذه النتيجة بمعزل عن موقف المشاركين من وسائل الإعلام هذه، فكما تطرقنا في الأعلى، ما يمثّله الإعلام المحلي للمشارك البحريني ونظيره العماني، على سبيل المثال، يختلف بدرجة كبيرة. من ناحية أخرى، يشتكي المشاركون الشيعة – عدا العمانيين منهم – من أنظمة التعليم في بلدانهم. وكما هي الحال في ردود المشاركين على الأسئلة المتعلقة بالإعلام والصراعات الإقليمية وغيرها من القضايا التي طرحناها في الأعلى، نجد هنا أن غالبية المشاركين السنة (وإلى حد ما المشاركين الأباضيين من عمان) يتفقون مع المشاركين الشيعة في تشخيصهم السلبي، هذه المرة حيال دور الأنظمة التعليمية، وإن كانت أعداد الناقدين من هذه الفئة أقل نسبيًا.

وقد سألنا المشاركين أيضًا عن مدى إتفاقهم مع العبارة التالية: “أرى أن الهوية الثقافية الرسمية للدولة (الممثلة في برامج التلفزيون والمتاحف وكتب المدرسة الخ…) تعكس هويتي”. ويعنى هذا السؤال بمدى إندماج الدولة، بشخصيتها الثقافية، مع مختلف مكونات المجتمع. وقد تفاوتت ردود المشاركين السنة والشيعة والأباضيين. فالأغلبية من المشاركين السنة من عمان والكويت والبحرين تعتقد بأن هوية الدولة تعكس هويتها، في حين قال المشاركون الشيعة، وبغالبية ساحقة في حالة البحرينيين والسعوديين منهم، بأن هوياتهم غير ممثلة.

سؤال آخر طرح على المشاركين حول مسألة التمييز الطائفي، وهو: “هل تعتقد أن التمييز الطائفي قد أثر على فرصك لتحقيق أهم أهدافك في الحياة؟”. وتبرز هنا ردود البحرينيين والسعوديين بالأخص، حيث رد المشاركون الشيعة بأغلبية ساحقة بالإيجاب. ويتفق المشاركون الشيعة في الكويت مع العبارة أيضًا، ولكن بدرجة أقل. أما الحالة العمانية فقد كانت شاذة عن القاعدة بإمتياز. فعلى الرغم من حالة الإغتراب التي يكاد أن يشكو منها المشاركون الشيعة في باقي الدول، وعلى الرغم من إنقسام العمانيين حول قضايا عديدة، بالتوازي مع الصراع الإقليمي، إلا أن الغالبية الساحقة هنا قالت إنها لا تشعر بتأثير طائفي على تحقيق الأهداف الحياتية. و تؤكدّ هذه النتيجة على الإنتباه للعوامل الإجتماعية المحيطة بكل فئة بدلاَ من إضفاء تعميمات عليهم بشكل عام و قاطع.

علاقة الطائفية بالتيارات السياسية السائدة

ركّزنا حتى الآن على إبراز الآراء المتعلقة بالإنتماء المذهبي. لكن نتائج الإستطلاع تبين أن للانتماء القُطري دورًا مهمًا أيضًا، حيث تزيد حدّة الإختلافات بين أعضاء الطوائف المختلفة من المشاركين في بعض الدول، في حين تكاد تنعدم في حالات أخرى. وعلى وجه الخصوص، وجدنا أن العلاقة بين الطوائف في البحرين والسعودية يشوبها التوتر (حسب آراء المشاركين)، بينما تعاني الكويت من الإنقسامات نفسها، ولكن بدرجة أقلّ نسبيًا. إلا أن نتائج المشاركين العمانيين جاءت لتبرهن على أهمية السياق المحلي مرة أخرى. فعلى الرغم من حدّة التوترات الطائفية في دول المجلس والعالم العربي، بحسب ما أجمع عليه المشاركون، إلا أن المشاركين العمانيين لا يشكون من توترات طائفية في بلدهم. على سبيل المثال (أنظر الرسم البياني 2.21).

وكما تطرقنا في الأعلى، تقول شريحة واسعة من العينة إن الإنتماء للطائفة ليس المحدّد الثقافي الأهم بالنسبة إليها. هل يقتصر التخندق الطائفي، إذن، على من يؤمن بأهمية هذا الإنتماء؟ يعيدنا هذا السؤال إلى نقاشنا حول طبيعة الطائفية: إما أن الطائفية ظاهرة ناتجة عن وعي وفَكر سياسي منتشر بين أفراد وجماعات، مما يجعلها منهجًا واعيًا لتسييس الإنتماء الطائفي وتكريس الإيمان بأهمية هذا الإنتماء (تمامًا كما يفعل القوميون مع الإنتماء القومي والماركسيون مع الإنتماء الطبقي مثلًا)، أو أن الطائفية هي من أعراض إنقسامات كامنة ومتجذرة في بنية المجتمع نفسه، مما قد يعني أنها تتجاوز وعي الفرد والجماعة وإدراكهما، وقد تؤثر حتى على من يعرّف نفسه بأنه لا يعير للطائفية أهمية كبيرة في آرائه وتطلعاته السياسية.

ولعل الإختبار الأمثل لهاتين الفرضيتين هو تحليل العيّنة على أساس الإنتماءات السياسية، سواء كانت مبنية على الطائفة أم لا. فمن جهة، يؤمن المنتمون إلى تيارات الإسلام السياسي بأن للمعتقدات الدينية أهمية سياسية، أو بمعنى آخر، يقوم الإسلاميون، عامة، بتسييس الإنتماء الديني. بل أكثر من هذا، تقوم تحزّبات الإسلام السياسي بالإنتماء (العلني أو الضمني) لطائفة ما، لتصبح هذه التحزّبات هي الجهات الرئيسية التي تعطي تعبيرًا، في المشهد السياسي، للإنتماءات المبنية على الطائفة، كجماعة الإخوان المسلمين وجماعات السلفية في الشق السني، أو جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين والتحالف الإسلامي الوطني في الكويت في الشق الشيعي.

ومن جهة أخرى، تشترك التيارات الليبرالية واليسارية والقومية – التي تختلف إختلافًا جوهريًا فيما بينها – في رفضها لتسييس الإنتماء الطائفي أو حتى الديني، من ناحية المبدأ. فماذا إذا أضفنا إلى تحليلنا للعيّنة، القائم على أساس الإنتماء المبني على الطائفة في كل بلد، تقسيمًا سياسيًا بين من قال إنه ينتمي إلى فكر الإسلام السياسي، أو أحد التيارات “المدنية” (أي الليبرالية أو اليسارية أو القومية)، إن صح التعبير؟[22]

كما يبيّن الرسم البياني 2.3،[23] عيّنتنا متوازنة بعض الشيء بين الإسلاميين والمدنيين. ولتقصّي مدى تأثير الإنتماء السياسي بين هذين الطرفين (أي الإسلام السياسي والتيارات المدنية)، سنتطرق إلى الأسئلة التي أبرزت إختلافات مبنية على الطائفة، خصوصًا حول المواقف السياسية من الحرب الأهلية في سوريا وحول حركة الإحتجاجات في البحرين. وسنتطرق أيضًا إلى آراء عيّنتنا حيال المؤسسات الدينية في بلدان المستطلَعين للغرض نفسه.

عند تحليل آراء المشاركين على أساس التقسيم القائم على الإنتماء السياسي والإنتماء إلى الطائفة في آن واحد، وجدنا أنه يزداد إحتمال معارضة المشارك المدني، سنيًا كان أم شيعيًا، للطرفين المتحاربين في سوريا من قوات نظامية ومتمردين. أما الإسلاميون، فنجد أنهم اكثر إرتباطًا بالموقف السياسي الخاص بطائفتهم، إن صحّ التعبير. فالمشاركون الإسلاميون السنة (جميعهم، أي البحرينيون والسعوديون والكويتيون) هم أكثر دعمًا للمتمردين في سوريا، أما المشاركون الإسلاميون الشيعة (من الدول الثلاث أيضًا) فهم أكثر دعمًا لنظام الأسد من نظرائهم المدنيين الشيعة.

ويتكرر هذا النمط عند تحليل مواقف المشاركين من حركة الإحتجاجات في البحرين. كما رأينا في القسم الأعلى، يساند المشاركون الشيعة في شكل عام المحتجين في البحرين، في حين ينقسم المشاركون السنة بين داعم للحكومة البحرينية ومعارض للطرفين المتنازعين. ويقلّ دعم المشاركين السنة لحكومة البحرين لصالح المعارضة عند المدنيين مقارنة بالإسلاميين، كما يزيد إحتمال معارضة المشاركين الشيعة نسبيًا عند المدنيين أيضًا. ولكن من الملاحظ أن الإختلافات بين المشاركين الشيعة المدنيين والإسلاميين صغيرة نسبيًا مقارنة بتلك التي بين المشاركين السنة.

لنأخذ آراء المشاركين حول دور المؤسسات الدينية في بلدانهم لتقصّي الإختلافات الطائفية في شكل مختلف. فمن المعقول التكهن بأن المنتمين إلى التيارات المدنية هم من الناقدين لمؤسسات طائفتهم، وأن الإنتماء إلى الطائفة ليس على درجة من الأهمية لهم. ولكن، هل هناك أي تحيزات ضد مؤسسات الطائفة “الأخرى”؟ ببساطة، الإجابة على هذا السؤال هو: نعم. الإستثناء الواضح في هذه القاعدة هم المشاركون السنّة الكويتيون والسعوديون من المنتمين إلى التيارات المدنية، فهم ناقدون، بأغلبية ساحقة، للمؤسسات الدينية التابعة للطائفتين. أما المشاركون البحرينيون السنة من المدنيين، فعلى الرغم من نظرتهم السلبية إلى المؤسسات الدينية السنية، إلا أنهم ينظرون إلى المؤسسات الشيعية بسلبية اكثر نسبيًا. في حين أن المشاركون الشيعة، في الدول الثلاث، إتفقوا على أن المؤسسات السنية تلعب دورًا سلبيًا، ولكن يبرز الإختلاف بين المدنيين والإسلاميين في نظرتهم إلى المؤسسات الشيعية. وكما هي الحال مع المشاركين الإسلاميين السنة، ينظر المشاركون الإسلاميون الشيعة إلى مؤسساتهم الدينية بإيجابية نسبية. ولعل المفاجأة، هنا، هي في ردود المشاركين المدنيين الشيعة، إذ أن رأيهم في المؤسسات الدينية الشيعية كان إيجابيًا، مقارنة برأي نظرائهم المدنيين السنة في المؤسسات الدينية السنية، والذي إتسم بالسلبية إلى حد بعيد.

الخلاصة، إذن، هي أن الإنتماءات السياسية يجب ألا تُهمل، إذ أن لها أثرًا نسبيًا على آراء المشاركين. فعندما يُعرّف المشارك نفسه كمنتمٍ لأحد التيارات المدنية، فإن هذا يزيد من إحتمال إبتعاده النسبي عن الرأي السائد بين أعضاء طائفته. ولكن النمط الأكثر بروزًا في هذا القسم من النتائج هو التشابه الكبير بين ردود أعضاء الطائفة الواحدة، أكانوا مدنيين أم إسلاميين. وبهذا، تتقارب آراء الإسلاميين والمدنيين الشيعة في مقابل تقارب آراء الإسلاميين والمدنيين السنة (وإن كانت نسبة التقارب أقل في المجموعة الثانية)، مما قد يوحي بأن للإنتماءات الطائفية دورًا هامًا حتى وسط المنتمين إلى التيارات غير الدينية.

تدلّ هذه النتائج على أنه، على الرغم من دور قوى الإسلام السياسي في تسييس الإنتماء الطائفي وحشد جماهيرها سياسيًا على هذا الأساس في بعض الحالات، إلا أن الإسلام السياسي ليس المسؤول الوحيد عن إنقسام عيّنتنا على أساس طائفي، وإنما هناك ركائز مجتمعية أخرى، كبنية المنظومة المجتمعية نفسها، التي تعيد إنتاج التخندق الطائفي بين شريحة واسعة، لتشمل المنتمين إلى مختلف التيارات السياسية، بما فيها تلك التي لا تعرف نفسها بناء على الهوية الدينية. وقد تدلّ النتائج على أن الطائفية قد تلعب دورًا، حتى وإن غاب وعي وإدراك المتأثرين بها.

الخاتمة: الشقاق المجتمعي وتناقضاته

لا بد أن النتائج التي توصّلنا إليها قد تركت القارئ حائرًا بين التفاؤل والتشاؤم بهذه النتائج، إذ جاء بعضها مقلقًا حيث تستقطب الأطراف السياسية المتصارعة، إقليميًا ومحليًا، عواطف وولاءات المشاركين تجاه الطائفة. ولكن، في الوقت ذاته، جاءت بعض النتائج مطمئنةً بأن الأرضية الوطنية لا تزال رصينة، ربما بشكل كافٍ للمّ شتات الأطراف المختلفة تحت مظلة ثقافية واحدة وعنوان الوطن الواحد. ولعلنا نجد أفضل تعبير عن هذا التناقض في آخر سؤالين سنعرضهما للقارئ، الأول حول ما إذا كان المشاركون يتفقون مع عبارة “مصالح أعضاء جميع الطوائف متشابهة إلى حد بعيد”، والثاني نصّه: “يتشارك أعضاء الطوائف الأخرى مع دول إقليمية أكثر من باقي أبناء بلدهم”.

 من ناحية، أجمعت جميع فئات العيّنة على تشابه مصالح طوائفها مع الطوائف الأخرى، مما قد يعكس قدرًا من الوعي الوطني في نماذجنا الأربعة. ومن ناحية أخرى، إتفقت العينة (عدا المشاركين الشيعة من عمان) مع العبارة الثانية التي تربط الطوائف الأخرى مع دول إقليمية بدلًا من الوطن، مما يناقض إجابة العيّنة على السؤال الأول على ما يبدو. ماذا يعني أن يعتبر المشارك أن أعضاء الطوائف الأخرى يشاركونه في المصالح نفسها – أي الإقرار بوجود مصلحة وطنية مشتركة – وأن يتهم، في الوقت ذاته، الطائفة “الأخرى” بمشاركة دول إقليمية في المصالح؟

يصعب تقديم تفسير حازم لهذا التناقض الواضح. ولكن لعل من دلالاته التناقض الكامن بين منطق بناء الوطن، الذي يتطلّب إعترافًا صريحًا بأحقية جميع المواطنين فيه، ومنطق الصراع الطائفي من جهة أخرى عبر الكيانات الإجتماعية والسياسية (“التضامنية”) المتنافسة فيما بينها حسب منطق لعبة صفرية النتائج. فعلى الرغم من أنه يستحيل على الفئة أن تطابق هوية المجتمع التعددي مع هويتها الخاصة أو إحتكار موارده لنفسها، إلا أن إستحالة هذه الغاية لا تمنع “التضامنيات”، كما أسميناها، من النزوع في إتجاه تحقيقها في بعض الحالات. وبذلك، فقد تنبع هذه المواقف المتناقضة من إعتقاد المشارك بوحدة مصير أبناء الوطن نظريًا، إلا أنه في الوقت ذاته يشكّك في مدى إلتزام أعضاء الطائفة “الأخرى” بواجباتهم الوطنية في ظل الإستقطاب الطائفي إقليميًا ومحليا.

كشفت لنا النتائج أن هناك الكثير مما يجمع المواطنين المشاركين، كقلقهم المشترك من الفساد، على سبيل المثال، بل وحتى كيفية تعريفهم لأنفسهم كعرب ومسلمين فوق كل إعتبار. ومع ذلك يبدو أن الفروقات الطائفية تلعب دورًا مهمًا أيضًا. ومن ناحية أخرى، تشير النتائج إلى تفاوت ظاهرة الطائفية من سياق إجتماعي إلى آخر، حيث تدفع ظروف معيّنة، على ما يبدو، إلى تسييس الطائفة في بعض السياقات أكثر من غيرها. فردود المشاركين من الدول الأربع تشير إلى احتدام التوتر بين الطوائف في البحرين والسعودية بشكل خاص، فيما العلاقة بين الطوائف تبدو أقل توترًا في عمان. وأثبتت الطائفية قدرتها على إختراق مختلف الجماعات السياسية، فوجدنا أن للتيارات السياسية المدنية العابرة للطوائف والرافضة لتسييسها نظرياً، تأثيرًا واضحاً ولكن محدودًا في الحد من تفشي هذه الظاهرة بين المواطنين.

يدعو كل هذا إلى إجراء دراسات إضافية للبحث في العوامل التي تدفع إلى تسييس طائفة ما، في بعض السياقات، أكثر من غيرها، كالمظالم الفئوية وأزمات الثقة. ولعل العامل الأهم هو دور الدولة في تحفيز هذه النعرات الطائفية أو إخمادها. فالدولة معنية هنا بالدرجة الأولى، نظرًا إلى مدى إختراقها للمجتمع عبر آليات توزيع الريع وشبكات المحسوبية، وهذا ما دفع بعض المحللين الناقدين إلى إتهام الدولة بإتباع سياسات “التشطير العمودي” لإدارة كل طائفة على حدة في البحرين، على سبيل المثال.[24] وإضافة إلى دراسة دور سياسات الدولة، تستدعي الحالة الطائفية أيضًا النظر في مدى وعي اللاعبين السياسيين بالحساسيات الطائفية من حولهم ومدى تأثيرهم عليها (إيجابًا أم سلبًا).

وقد هدفت هذه الدراسة إلى وضع موضوع الشقاق المجتمعي على طاولة النقاش لمواطني دول المجلس، بمختلف فئاتهم، عن طريق محاولة رصد وتشخيص نموذج منه – أي نموذج الطائفية – من وجهة نظر عينة عشوائية (random sample)، لتعطينا لمحة عن حجم هذا المرض الإجتماعي وطبيعته ومدى تغلغله في مجتمعاتنا. وبالطبع، ليس هذا المجهود إلا خطوة أولية في سبيل معالجة الإحتقان الطائفي. فلا شك في أن آفاق هذا الموضوع واسعة، خصوصًا في ظل خطورة إحتدام خطر الإنقسام الداخلي، إضافة إلى كون حالات الشقاق المجتمعي عقبة كبيرة في الطريق إلى بناء دولة المواطنة المتساوية وتحقيق المشاركة السياسية الفاعلة.

* ملاحظة: تم تصحيح خطأ في نسبة المشاركين السنة من عمان الذين قالوا انهم يؤيدون النظام السوري في الرسم البياني 2.11. النسبة التي ادلت بهذا الرأي هي 5% و ليست 37%.

 


[1] انظر المقدمة في نادر كاظم، طبائع الإستملاك: قراءة في أمراض الحالة البحرينية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، 2007).

[2] لأمثلة على هذا انظر: Geneive Abdo, “The New Sectarianism: The Arab Uprisings and the Rebirth of the Shi’a-Sunni Divide,” The Brookings Institution, April 2013 <http://www.brookings.edu/~/media/research/files/papers/2013/04/sunni%20shia%20abdo/sunni%20shia%20abdo>;

Barah Mikail, “Sectarianism after the Arab spring: an exaggerated spectre,” FRIDE, June 2012. <http://www.fride.org/publication/1033/sectarianism-after-the-arab-spring:-an-exaggerated-spectre>;

Human Rights First, Plan B for Bahrain: What the United States Government Should Do Next, November 2013. <http://www.humanrightsfirst.org/uploads/pdfs/HRF-Plan-B-Bahrain-rep.pdf>

[3] وكمثال صارخ على هذا التضارب، راجع الفيلم الوثائقي لجريدة الغارديان البريطانية الذي رفع الستار عن السياسة الأمريكية لإستغلال الشقاق الطائفي في العراق للتغلب على ردة الفعل العنيفة التي فاجأت قوات الإحتلال في 2003. أنظر: James Steele: America’s mystery man in Iraq <http://www.youtube.com/watch?v=_ca1HsC6MH0>

Nir Rosen, Aftermath: Following the Bloodshed of America’s Wars in the Muslim World (New York: Nation Books, 2010).

[4] توفيق السيف، المسألة الطائفية: بحثاً عن تفسير خارج الصندوق المذهبي، 14 يونيو 2008. <http://www.gulfpolicies.com/index.php?option=com_content&view=article&id=177:2011-07-20-21-29-45&catid=145:2011-04-09-07-47-04>

[5] المصدر نفسه.

[6] المصدر نفسه.

[7] Hanna Batatu, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq: a Study of Iraq’s Old Landed and Commercial Classes and of its Communists, Ba’thists, and Free Officers (Beirut: Saqi, 2004).

[8] المدرسة المشار إليها هنا هي “الواقعية السياسية”. للمزيد حول مفهوم القوة الناعمة انظر: Joseph Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics (New York: Public Affairs, 2004).

[9] يُذكرأبان مسؤولا سعوديا، حسب تقرير رسمي مسرب من قبل ويكيليكس، قال لنظيره الأمريكي بان الوسائل الإعلامية السعودية كقنوات MBC هي أكثر نجاحا و فاعلية من القنوات الأمريكية “البروباغاندا” أو المغرضة سياسيا كالقناة الحرة (المدعومة أمريكيا) لجذب الشباب السعودي للثقافة الغربية و بالتالي لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة. من منظور نظري، كان المسؤول السعودي يناقش عن القوة الناعمة الأمريكية. أنظر: “US embassy cables: Desperate Housewives and Letterman more effective than US propaganda,” The Guardian, 7 December 2010. <http://www.theguardian.com/world/us-embassy-cables-documents/206346>

[10] كمثال على استخدام مفهوم القوة الناعمة في سياق الصراع الإقليمي، انظر: “Salafi ‘smart power’ of Saudi Arabia,” Press TV, 6 January 2014.

<http://www.presstv.com/detail/2014/01/06/343951/salafi-smart-power-of-saudi-arabia>

أيضًا انظر:”Iran’s state TV tries ‘soft power’ to win hearts and minds,” The Guardian, 22 November 2013. <http://www.theguardian.com/world/2013/nov/22/iran-state-tv-versus>

[11] Hazem Beblawi and Giacomo Luciani, “The Rentier State in the Arab World,” in G. Luciani, The Arab State (London: Routledge, 1990).

[12] Gwenn Orkuhlik, “Rentier Wealth, Unruly Law, and the Rise of Opposition: The Political Economy of Oil States,” Comparative Politics, Vol. 31, no. 3 (1998), 295-315.

[13] خلدون النقيب، المجتمع و الدولة في الخليج و الجزيرة العربية (من منظور مختلف) (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1987)، ص 149.

[14] Nazih Ayubi, Overstating the Arab State: Politics and Society in the Middle East (London: I. B. Tauris, 1996), 33-34.

[15]للمزيد عن الصراع حول الفضاء العام، أنظر: نادر كاظم، طبائع الإستملاك: قراءة في أمراض الحالة البحرينية.

[16] وتتوزع العينة على إنتماءات أخرى ما بين الجنسين والمدن والقرى المختلفة والطبقات الإجتماعية بالإضافة إلى تنوع الإنتماءات السياسية. للنظر في هذه التقسيمات الأخرى، يرجى زيارة موقعنا الإلكتروني لتحميل بيانات العينة كاملة.

[17] لقد إخترنا التركيز على هذه الطوائف الثلاث نظرًا إلى أحجامها الكبيرة في الدول الأربع. أشارت بعض الردود إلى إنتماءات أخرى منها “مختلط” و”آخر”، إلا أن هذه الفئات صغيرة نسبيًا.

[18] في هذا السؤال طلبنا من المشاركين أن يُرتبوا عددًا من القضايا حيث مثل الترتيب رقم (1) الأهمية الأعلى والترتيب رقم (7) الأهمية الأقل. لإستعراض نتائج هذا السؤال بشكل واضح، قمنا بأخذ قيمة المتوسط من إجابات كل فئة، مما يعني دلالة القيمة الأقل على الأهمية الأكبر بالنسبة للفئة المعنية، والعكس صحيح حيث تدل قيمة المتوسط الأكبر على الاهمية الأقل.

[19] للتوضيح، يأخذ الدعم السعودي طابعًا عسكريًا و إقتصاديًا في حالتي الحكومة البحرينية وأطراف من المعارضة السورية، في حين أن الدعم الإيراني مشابه في حالة الحكومة السورية، ولكنه يقتصر على الدعم الإعلامي في حالة البحرين. فكما إستنتج تقرير ما يُعرف بـ”تقرير البسيوني” لتقصي الحقائق، والذي إنطلق على خلفية مبادرة من عاهل البلاد، لا توجد هناك أية أدلة على تدخلات إيرانية على الساحة البحرينية. ولكن من جهة أخرى، تقوم إيران بدعم المعارضة البحرينية على الساحة الدبلوماسية الدولية وعلى المستوى الإعلامي.

[20] نص السؤال هو “كيف تقيم أثر القنوات الفضائية التالية على العلاقة ما بين الطوائف؟” و تنقسم فئة “غيره” إلى اجاباتين وهما “لا أعرف” و”لم تؤثر” (على العلاقة ما بين الطوائف). في حالة إجابة المشاركين السنة على سؤالنا حول دور قناة العالم، تميل فئة “غيره” الكبيرة نسبيا إلى مكوّن “لا أعرف” – هذا عدا السنة في البحرين حيث تطغى الإجابة “سلبي”، و ربما يعود هذا لتغطية قناة العالم للأزمة السياسية في البحرين و دعمها الإعلامي للمعارضة.

[21] تبرز فئة “غيره” هنا بوضوح في جميع الحالات، بدرجات متفاوتة، عدا حالة البحرين. ومن بين المكونين لفئة “غيره” – أي “لا أعرف” و”لم تؤثر” – قالت الأغلبية ممن أجاب بـ”غيره” إن قنوات دولهم الرسمية لم تؤثر على العلاقة ما بين الطوائف.

[22] لم يشمل هذا التحليل المشاركين العمانيين بسبب عدم بروز الإختلافات الطائفية في ما بينهم مقارنة بالبقية.

[23] ملاحظة: إختار بعض المشاركين أكثر من إجابة واحدة (كمثال: هناك من إختار “إسلامي سني” و”قومي” معًا)، ولذلك قد يفوق مجموع الإجابات لدى الشريحة الواحدة النسبة المئوية الكاملة (100%). اما بالنسبة لأعداد هذه العينة فهي تتألف من الأرقام التالية: إسلاميون سعوديون (418)، مدنيون سعوديون (330)، إسلاميون كويتيون (41)، مدنيون كويتيون (55)، إسلاميون بحرينيون (115)، مدنيون بحرينيون (128).

[24] عبدالهادي خلف، بناء الدولة في البحرين: المهمة غير المنجزة، ترجمة عبدالنبي العكري (بيروت: لبنان، 2004).

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M