تعهدت الولايات المتحدة بالدعم المطلق والقوي لإسرائيل، مقدمًة لها كافة صور الدعم السياسي والدبلوماسي بحشد المجتمع الدولي لاسيما الدول الغربية لتبني وجهة النظر الإسرائيلية، ودعمها في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، والتصويت لصالحها في مجلس الأمن، هذا إلى جانب الاتصالات والزيارات المستمرة من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته ووزير الدفاع وباقي أعضاء الإدارة الأمريكية مع الاحتلال الإسرائيلي.
ولم تكتفِ واشنطن بهذا الدعم السياسي؛ إذ عززت تعهداتها بحماية ودعم إسرائيل بإرسال العديد من المساعدات العسكرية لها، إلى جانب تعزيز تموضع قواتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، مما عدّه البعض مشاركة مباشرة لواشنطن في هذه الحرب، وليس فقط تقديم الدعم لإسرائيل، وهو ما ترتب عليه تعرض القوات الأمريكية لهجمات في العراق وسوريا. وعلى الرغم من محدودية هذه الهجمات، فإنها تسهم في تصاعد مخاوف تمدد الحرب خارج نطاق غزة لحرب شاملة في المنطقة، مما يدعو للتساؤل بشأن حجم وصور الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، وهل يؤدي هذا الدعم للحيلولة دون توسع هذه الحرب أم قد يحدث عكس ذلك؟
طبيعة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل
في أعقاب عملية طوفان الأقصى وحتى الآن، يشدد الرئيس الأمريكي جو بايدن ومسؤولي إدارته على الدعم الأمريكي العسكري المطلق لجيش الاحتلال الإسرائيلي من ناحية، ومن ناحية أخرى اتخذت واشنطن خطوات لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة لثلاثة أهداف: أولها، تقديم الدعم العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ من خلال تزويده بالأسلحة المختلفة، وتقديم المشورة العسكرية، ومساعدة إسرائيل في رد أي عدوان محتمل عليها من أي جبهة في المنطقة، وتقديم الدعم النفسي لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد الإخفاق الذي مُني به إثر عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر الماضي.
أما الهدف الثاني فهو استعراض القوة والردع لتجنب اتساع رقعة الصراع؛ إذ تسعى الولايات المتحدة إلى ردع الأعمال العدائية ضد إسرائيل، والتهديد بالتدخل المحتمل لردع أي طرف إقليمي من التدخل في الحرب لاسيما إيران وحزب الله، في ظل تزايد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وتبادل جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله إطلاق الصواريخ والقذائف منذ بداية الحرب. أما الهدف الثالث فيتعلق بالداخل الأمريكي، وقرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ إذ يحرص الرئيس الأمريكي جو بايدن على الحفاظ على دعم اللوبي اليهودي له في هذه الانتخابات المزمع عقدها في نوفمبر 2024 .
ويتضح الدعم العسكري الأمريكي الهائل لإسرائيل فيما يلي:
● توفير الحكومة الأمريكية حزمة من المساعدات الأمنية والعسكرية العاجلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تتضمن: الذخائر، والصواريخ الاعتراضية لتحديث القبة الحديدية، وعددًا من المعدات والموارد الإضافية دون توضيح ماهية هذه المساعدات والمعدات.
● تعزيز القدرات العسكرية الأمريكية ووضع القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة حاملة الطائرات المقاتلة “جيرالد ر. فورد” إلى شرق البحر المتوسط، وهي أكبر مجموعة من حاملات الطائرات في العالم، وتشتمل هذه المجموعة على حاملة طائرات البحرية الأمريكية جيرالد ر. فور(CVN-78)، وطراد الصواريخ الموجهة من فئة “تيكونديروجا يو إس أس نورماندي”(CG 60)، بالإضافة إلى مدمرات الصواريخ الموجهة من فئة “أرلي-بورك يو إس أس توماس هودنر” (DDG 116)، ويو إس أس راماج (DDG 61) ويو إس أس كارني (DDG 64) ويو إس أس روزفلت (DDG 80)، هذا إلى جانب زيادة عدد أسراب الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الأمريكي من طراز إف-35 وإف-15 وإف-16 وآي-10.
● اصدار توجيهات لكافة القوات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم أن تكون على أهبة الاستعداد للانتقال إلى المنطقة إذا لزم الأمر؛ لتعزيز وضعية الردع هذه في حال دعت الحاجة لذلك.
● إرسال حاملة طائرات أخرى “يو إس إس أيزنهاور”، ومجموعة السفن الحربية التابعة لها، إلى شرق البحر المتوسط، وتشمل طراد الصواريخ الموجهة USS Philippine Sea (CG 58)، ومدمرات الصواريخ الموجهة USS Gravely (DDG 107) ويو إس إس ماسون (DDG 87)، وجناح الناقل الجوي 3، مع تسعة أسراب من الطائرات، وطاقم المقر الرئيس البالغ 3200 ضابط وبحار، و2400 طيار، وتتمتع بقدرة حمولة لنحو90 طائرة حربية وهليكوبتر. وتعد هذه المرة الأولى التي تنشر فيها الولايات المتحدة حاملتي طائرات في البحر المتوسط منذ الحرب العالمية الثانية.
● إرسال طائرات السرب المقاتلة الاستكشافية طراز F-15E Strike Eagle إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم“؛ لتعزيز التمركز الأمريكي وتعزيز العمليات الجوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
● إرسال قوة للرد السريع من مشاة البحرية الأمريكية إلى المياه قبالة سواحل إسرائيل، وهي وحدة المشاة البحرية السادسة والعشرون “MEU”، وتتألف من 2000 من مشاة البحرية الأمريكية والبحارة، وهي جزء من مجموعة يو إس إس باتان “USS Bataan” الهجومية البرمائية الموجودة منذ أغسطس الماضي في خليج عمان كجزء من محاولة لردع العدوان الإيراني في الممرات المائية الحيوية حول المنطقة، بما في ذلك خليج عمان ومضيق هرمز. وتتخصص هذه الوحدة البحرية في مهام مثل: العمليات البرمائية، والاستجابة للأزمات، والمساعدة الإنسانية، وبعض العمليات الخاصة، والدعم اللوجستي، لاسيما المساعدة في إجلاء المدنيين من المنطقة.
● تقديم الدعم العسكري والأمني والاستخباراتي والمشورة العسكرية التي قد تصل للتخطيط للعمليات العسكرية البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة بهدف القضاء على حماس والإفراج عن المحتجزين لديها، حيث أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية الجنرال جيمس جلين القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة لقوات مشاة البحرية الأمريكية، هذا إلى جانب إرسال العديد من المستشارين والضباط العسكريين الأمريكيين لإسرائيل، ويتمتع هؤلاء المستشارون بخبرات سابقة في حرب المدن، لاسيما معركتي الفلوجة والموصل بالعراق.
● إرسال نظامين من أقوى أنظمة الدفاع الصاروخي إلى الشرق الأوسط، وهما بطاريات “ثاد” و”باتريوت”.
● إرسال 900 جندي أمريكي لمنطقة الشرق الأوسط، وتشمل هذه القوات عناصر من الدفاع الجوي وبطاريات “باتريوت” و”أفينجر”.
● طرح رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون مشروع قرار يدعم إسرائيل في أول تحرك له عقب توليه منصبه، وأيد مجلس النواب القرار بأغلبية 412 صوتًا مقابل رفض عشرة مع امتناع ستة عن التصويت مما يعكس دعم الكونجرس القوي التقليدي لإسرائيل.
● إعلان الكونجرس الأمريكي عزمه طرح مشروع قانون لتقديم مساعدات إضافية لإسرائيل، وأكد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي “ان تعزيز الدعم لإسرائيل يتعين أن يتصدر أجندة الأمن القومي الأمريكي”.
● موافقة مجلس النواب الأمريكي في 2 نوفمبر الجاري على مشروع قانون لتقديم حزمة مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 14.5 مليار دولار.
● إرسال 300 جندي إضافي لمنطقة الشرق الأوسط، مهمتهم الأساسية تقديم الدعم في مجالات تفكيك العبوات الناسفة والاتصالات؛ بهدف دعم جهود الردع الإقليمية، ومواصلة تعزيز قدرات حماية القوات الأمريكية بالمنطقة، مع التأكيد أن هذه القوات لن تذهب لإسرائيل.
● الإعلان عن خطط أمريكية لإرسال قنابل دقيقة التوجيه لإسرائيل بقيمة 320 مليون دولار.
● إرسال غواصة نووية من طراز “أوهايو” للشرق الأوسط لحماية القوات الأمريكية في المنطقة وردع التصعيد في المنطقة. وتعد هذه الغواصة من أكبر غواصات الصواريخ الباليستية في العالم، إذ تحمل 24 صاروخ ترايدنت النووي، كل صاروخ يحتوي على ثمانية رؤوس نووية.
الهجمات على القوات الأمريكية وتصاعد مخاطر توسع الحرب
وسط تصاعد الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في ظل ما ترتكبه من حرب وحشية انتقامية وإبادة جماعية لأهالي قطاع غزة، ومع طول أمد هذه الحرب الدموية؛ قد يؤدي هذا الأمر إلى اتساع رقعة الصراع على عكس مساعي واشنطن بالحيلولة دون توسعه، وعدم رغبة إيران وكذلك حزب الله في دخول حرب مباشرة مع أمريكا أو إسرائيل.
فقد تنضوي بعض المناوشات والهجمات المحدودة صغيرة النطاق على القوات الأمريكية بالمنطقة على حسابات خاطئة، أو يقوم أي طرف من الجماعات المسلحة بالمنطقة منفردًا باستهداف كبير للقوات الأمريكية، على غرار تفجير مقر قوات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، مما قد يسفر عن سقوط عدد كبير من القوات الأمريكية ويدفع بالولايات المتحدة مرغمة إلى الانخراط في الحرب برد قوي على الهجوم على قواتها. وهو ما حذر منه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، قائلًا “ما نراه هو احتمال حدوث تصعيد كبير للهجمات على قواتنا وشعبنا في جميع أنحاء المنطقة.. لدينا القدرة على الرد والدفاع عن أنفسنا.. لن نتردد في اتخاذ الإجراء المناسب”.
فكلما طال أمد الحرب تتزايد الهجمات على القوات الأمريكية بالمنطقة، وكذلك يتنامى تعزيز الجيش الأمريكي لقواته بالمنطقة، وهو ما قد ينذر باحتمالية انفلات الوضع المتأزم، ويدفع بانخراط واشنطن في حرب في المنطقة حال توسع الحرب أو استهداف قواتها بشكل مباشر؛ فعلى الرغم من إشارة واشنطن إلى أن الهجمات على قواتها ليست مرتبطة بحرب إسرائيل على قطاع غزة، والإشارة بأن إيران سعت منذ فترة طويلة إلى إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب من المنطقة، تشدد إيران على أن هذه الهجمات نتيجة “السياسات الأمريكية غير البناءة”، بما في ذلك دعمها المطلق لإسرائيل.
ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، تعرضت القوات الأمريكية في العراق وسوريا لنحو 38 هجومًا منذ 17 أكتوبر، مما أسفر عن إصابة نحو 45 جنديًا وموظفًا. وتوزعت الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا في كل من قاعدة حقل العمر بدير الزور، وقاعدة خراب الجير شرقي الحسكة، وشمال شرقي سوريا، وقاعدة التنف جنوب شرقي سوريا، هذا إلى جانب القيام بتفجير خط أنابيب الغاز التابع لحقل “كونيكو” بريف دير الزور شمال شرق سوريا في منطقة سيطرة الأكراد. وفي العراق، استهدفت الهجمات قواعد عسكرية أمريكية مختلفة أبرزها قاعدة “عين الأسد” الجوية، وقاعدة حرير شمال العراق.
على الرغم من اتهام المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي “الحرس الثوري الإيراني” بالوقوف وراء تلك الهجمات على القوات الأمريكية، فإن واشنطن عندما قصفت منشآت للأسلحة والذخيرة تابعة لإيران في شمال شرقي سوريا يوم 27 أكتوبر، أعلنت أن هذا القصف للدفاع عن النفس ردًا على الهجمات المتكررة لقواعدها في سوريا والعراق، وأنه منفصل عن الأحداث الجارية في قطاع غزة.
وحتى الآن، يوضح الرد الأمريكي على الهجمات على قواتها ممارستها لضبط النفس لتجنب اتساع رقعة الصراع، ومنع الانزلاق في حرب موسعة في المنطقة، لذا اقتصر ردها على شن عدد من الضربات المحدودة والدقيقة؛ إذ نفذت ثلاث ضربات على أهدف مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في سوريا، ردًا على الهجمات التي استهدفت القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وحتى الآن لم تنفذ أي ضربات في العراق الذي تعرضت قواتها فيه لعدد من الهجمات أيضًا.
ومع ذلك قد يؤدي تكثيف الهجمات الصاروخية والمسيرات على القوات الأمريكية إلى تزايد مخاطر وقوع أمر غير محسوب النتائج وخارج عن المسار يجر المنطقة إلى حرب إقليمية موسعة، سواء كانت هذه الهجمات بتوجيهات من إيران، أو بتحركات منفردة من وكلائها في المنطقة، فما بين ضبط النفس والرد للردع قد يتسبب الأمر في الدخول في دوامة التصعيد.
إيران وتغليب المصالح
تحاول إيران الموازنة بين المصالح المباشرة وقيمتها الاستراتيجية، فعلى الرغم من عدم وضوح المدى الذي ترغب إيران للوصول له وماهية أهدافها، فإن الواضح من تحركاتها حتى الآن أن استراتيجيتها تتمحور حول الموازنة بين مصالحها المباشرة والحفاظ على النظام والأمن الإيراني بعدم الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة ومن ورائها حلفائها بحلف الناتو، وبين قيمتها الاستراتيجية بترك وكلائها للقيام بعمليات محدودة على أهداف أمريكية وإسرائيلية، مع تجنب أي تصعيد كبير قد يجر إيران لأي تصعيد مباشر .
لذا تدفع إيران إلى التهدئة مع استمرار حزب الله في لبنان في تنفيذ ضربات محدودة في الشمال للتخفيف عن حركة حماس والمقاومة في قطاع غزة. وقد تنصلت قبل ذلك إيران من أي مسئولية أو صلة لها بعملية طوفان الأقصى، وكذلك الهجمات التي تشنها بعض الجماعات بالمنطقة، وأكدت أن هذه الجماعات قرارها مستقل.
ذلك مع الاستمرار في إطلاق “حرب كلامية ونفسية” من خلال التصريحات وخطابات التهديد والتحذير لإسرائيل وأمريكا والدعم لفلسطين، ومن أبرزها تهديدات إيران لإسرائيل من الحرب البرية على غزة، وإعلان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي صراحة أن “إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء بتكثيف هجماتها على غزة، وهذا سيدفع أي طرف لاتخاذ خطوات انتقامية.. واشنطن تطلب منا عدم التدخل والوقوف مكتوفي الأيدي، في حين تواصل هي بدورها تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل”.
لذا يعد سيناريو مبادرة إيران بالمشاركة في هذه الحرب بشكل مباشر أمرًا غير مرجح حتى الآن؛ حتى لا يتعرض الأمن القومي الإيراني ومصالحها للتهديد بشكل مباشر. وحتى الآن، لم يتعد موقفها سوى إطلاق التصريحات والتحذيرات والتهديدات، بل وأكدت أنها لا تهدف إلى توسع الحرب. وعلى الجانب الأخر، تشير واشنطن إلى عدم وجود أدلة لديها حول وجود صلة مباشرة لإيران بعملية طوفان الأقصى، وهو ما فُسّر بأنه محاولة أمريكية لإيجاد مخرج لإيران لعدم الدخول في حرب مباشرة معها، ومنع توسع الحرب لما هو أوسع من الساحة الفلسطينية.
حزب الله ما بين التهديد والهجمات المحدودة
يشكل حزب الله في لبنان تهديدًا كبيرًا على إسرائيل لامتلاكه ترسانة ضخمة من الصواريخ تفوق نحو 150 الف صاروخ يصل مدارها للداخل الإسرائيلي، هذا إلى جانب قواته وقدراته العسكرية الأخرى. ومع ذلك، فإن نسبة توقع سيناريو انخراط حزب الله في الحرب بشكل موسع ضئيلة جدًا؛ إذ نأى حزب الله بنفسه عن أي صلة بعملية طوفان الأقصى. وعلى الرغم من التصريحات والخطابات الرنانة للحزب الله، فإنها تظل في إطار التصريحات والخطب الدعائية، بما يخدم مصالح حزب الله وإيران.
فقد اكتفى حزب الله بتنفيذ عمليات محدودة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية حتى يثبت وجوده ويحافظ على شعبيته وينفي عن نفسه تهمة التخلي عن المقاومة الفلسطينية عبر القيام بتلك العمليات المحدودة والتي تتزايد وتيرتها مع طول أمد الحرب لمحاولة لتخفيف عن حركة حماس والمقاومة في قطاع غزة، دون أن يتخطى قواعد الاشتباك الضمنية مع إسرائيل التي وُضعت بعد حرب عام 2006، أو ينخرط بشكل مباشر في الحرب، بما يجعله في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية مما قد يؤدي إلى خسارته قدراته العسكرية وموقعه الاستراتيجي في لبنان ويؤثر بشكل سلبي للغاية على لبنان التي تعاني بالفعل من تدهور أوضاعها.
ومع ذلك، تظل احتمالية تزايد التصعيد بين حزب الله وإسرائيل واردة وإن كانت مستبعدة، فهذه المشاركة المحسوبة يمكن أن تتغير في أي لحظة وتمتد إلى حرب واسعة النطاق بسبب الحسابات الخاطئة أو تغير في رؤى وتقييمات حزب الله أو إسرائيل، فعقب إعلان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطابه الثاني ارتقاء العمليات عبر جنوب لبنان “كما ونوعًا وعمقًا”، تصاعدت حدة المواجهات بين حزب الله وإسرائيل بصورة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في غزة.
وعكف جيش الاحتلال على إعادة الانتشار وتركيب أجهزة تجسس على الحدود، فضلًا عن القصف الإسرائيلي المتكرر لجنوب لبنان في القطاعين الشرقي والأوسط، مما استدعى الرد من جانب حزب الله على أهدف إسرائيلية، والرد المقابل من جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي حمّل حكومة لبنان واللبنانيين المسؤولية عن أفعال حزب الله، مع تصاعد حدة تهديدات المسئولين الإسرائيلية لحزب الله، حيث هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي حزب الله بأن “إسرائيل سترد في الشمال بنيران أقوى بكثير، وأن من يعتقد أن بإمكانه توسيع الهجمات ضد إسرائيل في الشمال فإنه يلعب بالنار”.
وفي السياق نفسه، قد يؤدي توسع إسرائيل في قصفها للجنوب اللبناني إلى استفزاز حزب الله، وخلق ذريعة لحرب أوسع في لبنان، مما يصاعد مخاطر توسع الحرب وانجرار حزب الله في الحرب بشكل مباشر. وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى تحذير إسرائيل من مغبة استفزاز حزب الله، وخطورة تزايد التوتر العسكري على الحدود بين إسرائيل ولبنان، وحثت إسرائيل على ضرورة احتواء الصراع في غزة وتجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله.
هجمات الحوثيين في اليمن
بعد أيام من إعلان إسرائيل الحرب على قطاع غزة، أطلق زعيم حركة أنصار الله “الحوثيين” عبد الملك الحوثي تهديدات باستهداف إسرائيل بصواريخ وطائرات مسيرة، في حال التدخل العسكري الأمريكي المباشر في الحرب. ومع الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، أعلنت الحركة مسؤوليتها عن نحو أربع عمليات نوعية باتجاه إسرائيل مستخدمة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، متوعدة بمواصلة إطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل لتوقف عدوانها على قطاع غزة.
وحتى الآن، تعد الهجمات التي يشنها الحوثيون محدودة وغير مؤثرة، ولعل هذا الأمر بسبب سعي جماعة الحوثيين إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية، وإظهار مكانتها كمحور للمقاومة وكذراع لإيران في المنطقة، مع تشتيت إسرائيل عن عملية الاجتياح البري الشامل لقطاع غزة.
ومع ذلك يظل تصعيد الحوثيين لعملياتهم النوعية مرهونًا إلى حد كبير بتحركات وتوجهات إيران في هذا الشأن على الرغم من إشارة إيران إلى أن تحركات المقاومة بالمنطقة مستقلة عنها، وكما سبقت الإشارة تشير كافة تحركات إيران حتى الآن إلى عدم سعيها للمواجهة المباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، لذا تنخفض احتمالية تفعيل جبهة الحوثيين في اليمن على نحو مكثف.
لكن هذا الأمر لا ينفي احتمالية أن تصبح هجمات الحوثيين مقامرة غير محسوبة تنذر بتمدد الصراع في أي وقت حال قررت الحركة منفردة استهداف إسرائيل بوابل من الصواريخ والطائرات المسيرة، أو قامت إسرائيل بتحرك استباقي لاستهداف قوات الحوثيين لردعهم عن استهدافها. ومع ذلك تظل هذه الاحتمالية ضعيفة؛ في ظل السعي الأمريكي لمنع توسع حرب غزة، وعدم فتح جبهات أخرى. لذا ستعمل على ثني إسرائيل عن أي استهداف استباقي لقوات الحوثيين، فضلًا عن استمرار جهودها لتعزيز الدفاع الإسرائيلي وصد هجمات الحوثيين وتأمين غطاء جوي أكبر من خلال إسقاط الصواريخ الباليستية التي تستهدف إسرائيل، دون توجيه رد مباشر على قوات الحوثيين في اليمن قد يسفر عن توسع رقعة الصراع.
خاتمة:
سارعت واشنطن إلى حشد قواتها تباعًا في المنطقة بشكل استباقي لاستعراض القوة والردع؛ لمنع تشكل جبهة قتال أخرى بين إسرائيل وإيران ووكلائها بالمنطقة، حيث تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية أن قواتها في المنطقة ليست بهدف الاشتراك بشكل مباشر في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بل لردع دخول أي لاعبين أخرين في هذه الحرب، لاسيما إيران وحلفاؤها بالمنطقة، ومن الجانب الأخر تظل احتمالية اشتراك إيران وحزب الله في الحرب بشكل مباشر مستبعدة.
إلا أن استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم كافة سبل الدعم العسكري لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، غير عابئة بما تقوم به إسرائيل من إبادة جماعية لأهالي قطاع غزة، مغضة الطرف عما تقوم به إسرائيل من انتهاك للقوانين الدولية، وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية وقصف المستشفيات ودور العبادة، وفرض حصار قاتل على أهالي قطاع غزة؛ يؤزم ويعقد المشهد، مما قد يصاعد مخاطر توسع الحرب وتورط الولايات المتحدة في حرب موسعة بالمنطقة لا سيّما مع الهجمات التي تتعرض لها قواتها في المنطقة واحتمال تصاعدها لعمل غير محسوب يستلزم ردًا حاسمًا. ولكن يظل ذلك غير مرجح في ظل السعي الأمريكي بشتى السبل لمنع تمدد رقعة هذا الصراع، ومحاولة تحييد مواقف حزب الله وإيران ووكلائها بالمنطقة.
لذا تحمل الأيام القادمة الكثير من التعقيدات في ظل التعنت الذي يواجه الدفع بمسار التهدئة، واستمرار إسرائيل في حربها الوحشية، بما يجعل الرؤية ضبابية حتى الآن بشأن أي مسار ستقود إليه هذه الحرب، إذا لم يتم التحرك سريعًا للتهدئة ووقف إطلاق النار وبدء مسار سياسي حقيقي للسلام وإقامة حل الدولتين على حدود عام 1967 لإقامة دولة فلسطينية عاصمة القدس الشرقية، مما يرسى السلام والأمن في المنطقة ويحول دون تأجج الصراع مرة أخرى.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/79863/
