الدور الصيني في المصالحة السعودية – الايرانية

بقلم : أ.د.  هاني الحديثي , استاذ السياسة الخارجية والعلاقات الدولية ومتخصص في شؤون اسيا

 

تعد المصالحة السعودية – الايرانية برعاية صينية الحدث الابرز في عالم العلاقات الدولية منذ عقود , يعود ذلك لاهمية ودور كل منهما في العلاقات الدولية فضلا عن اهمية وتعاظم الدور الصيني عالميا .

الاشكالية التي تطرحها هذه المصالحة تكمن في مدى مصداقية  ايران في التمسك بما يتم الاتفاق عليه بسبب تكرار نكث العهود السابقة مع عدة اطراف اقليمية ودولية ,فضلا عن مدى أمكانية الصين في ضمان التطبيق لما اتفق عليه برعايتها .

الفرضية الاساسية في هذه الصفحة , أن الصين لاتستطيع المضي في مشروعها الاستراتيجي ( الحزام والطريق ) بدون التنسيق والتعاون استراتيجيا مع بلدان اقليم الخليج العربي كون المشروع يمر بطريقيه البري والبحري عبر أيران وبلدان الخليج العربي والذي يشكل عقدة جيو استراتيجية ليس للصين ومشروعها حسب , أنما لمجمل العلاقات وتبادل المصالح الدولية وخاصة موضوع الطاقة .

وفي ضل استمرار الصراع العربي (السعودي) – الايراني , فان الصين ستجد صعوبة جدية تقطع عليها الطريق نحو اوروبا وافريقيا والعالم .فضلا عن  التوظيف الاستراتيجي للولايات المتحدة لهذه الخلافات  الجدية باتجاهات متعددة  منها دفع بلدان الخليج العربي وبلدان الجوار العربي الى تكريس التطبيع مع اسرائيل تحت شعار مواجهة استراتيجية للتهديدات الايرانية , ومنع  تقدم الصين في منطقة الشرق الاوسط لملىء الفراغ الذي تتحدث الولايات المتحدة عنه وهو الامر الذي يشكل متغيرا فاصلا نحو تحول النظام الدولي الى  نظام تعددي الاقطاب وفق ماتسعى له الصين وروسيا ومعها شعوب العالم المتضررة من سياسات الهيمنة الامريكية على امتداد العقود اللاحقة للحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر.

أن المتغيرات الاساسية التي شهدتها بلدان الاقليم الخليجي والعربي وخاصة خلال السنة الاخيرة ,ان الصين استطاعت ان تنجز اتفاقيات شراكات استراتيجية مع  بلدان الخليج العربي فضلا عن بلدان المحيط الاقليمي لها مثل مصر بالتوازي مع اتفاقيات مماثلة مع ايران والعراق , وهو الامر الذي يمهد الطريق نحو استكمال حلقة محورية في مشروعها الاستراتيجي , بيد ان ذلك يظل متعثرا مع استمرار الصراع العربي – الايراني حيث تمركز المشكلات المعقدة في التوظيف العرقي والمذهبي في الصراعات بين الطرفين والتي نتجت عن تغول ايران في عموم محيطها الاقليمي والعربي بشكل خاص .

من جانب ايران فانها تجد نفسها تحت ضغوط دولية ناتجة عن انسداد في مفاوضاتها مع الغرب حول برنامجها النووي ,  وداخلية تتمثل في صعوبات اقتصادية جادة ناتجة عما تتعرض له من انهيار اقتصادي وانهيار العملة الوطنية بفعل الحصار الغربي الذي تتعرض له والمترافقة مع تصاعد موجات الغضب والاحتجاجات الداخلية المتطلعة نحو تغييرات جذرية في النظام السياسي وفلسفته العقائدية ووسائله في السياسة الخارجية.

من جانب اخر فان المملكة العربية السعودية وشقيقاتها من بلدان الخليج والجوار العربي تجد نفسها في حالة من القلق المستمر بسبب التمدد الايراني في الوطن العربي وخاصة بلدان المشرق  حيث العراق وسوريا ولبنان فضلا عن قضية اليمن التي باتت تشكل مستنقع لبلدان الخليج يصعب الخروج منه بسبب الدعم الايراني اولا وازدواجية اللعب مع هذه القضايا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها حيث السعي المستمر لارغام البلدان العربية على الخضوع للاملائات الامريكية في قضايا اساسية ومركزية منها قضية التطبيع مع اسرائيل والهيمنة على اسواق الطاقة وسعر الصرف المقرر بل والسعي نحو تجنيد المواقف لصالحها في حرب اوكرانيا بالضد من روسيا ذات الصلات الاستراتيجية مع الصين وايران من جهة, والبلدان العربية من جهة اخرى , وهو الامر الذي يعقد المعادلات ويجعلها في حالة من اللاتوازن في عموم الشرق الاوسط .

أن مخرجات الزيارة الاستراتيجية للرئيس شي جين بينغ  الصيني الاخيرة الى روسيا الاتحادية وما ترشح عن الاجتماعات المكثفة  مع الرئيس فلاديمير بوتين  من نتائج , تعزز المسيرة المشتركة باتجاه تغيير معادلات النظام الدولي نحو التعددية في مراكز الاستقطاب , والمتزامن مع التصعيد في ازمة العلاقة بين الصين  من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة اخرى والمتمثلة في تصاعد الاستفزازات الامنية في بحر الصين الجنوبي وبحر محيط تايوان بالتوازي مع تصعيد التنسيق الغربي – الياباني مع اوكرانيا , كل ذلك يصب في صالح فرز المواقف في منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي حيث تتحول المواقع الجيو استراتيجية في الخليج العربي وبحر الصين الجنوبي فضلا عن المحيط الهندي والهادي مواقع حاسمة وفاصلة في مستقبل النظام الدولي برمته ,والمتفاعل مع مايجري في اوكرانيا مع روسيا , فضلا عما يجري في اوراسيا حيث وسط اسيا وتغلغل النفوذ الصيني- الروسي.

تاسيسا على ماتقدم فان فتح ملف الحوار الايراني – السعودي برعاية صينية يكتسب اهمية حيوية في حال استمرارها وفق اسس جديدة بضمانات صينية بعيدا عن الحسابات الانية تحت ضغط الظروف المحيطة بايران .

السؤال المهم هنا : هل تستطيع ايران مغادرة منهجها العقائدي الذي يشكل فلسفة النظام ومنهجه لتتجه نحو خيارات وحلول جدية تفضي الى استقرار السلام والامن في الشرق الاوسط وهو ماتسعى له الصين في مبادرتها للاعتبارات انفة الذكر .

الجواب عندي ان مؤشرات( ايجابية ) حذرة تبدو في الافق منها:

1-تصاعد شبكة الشراكات الاستراتيجية بين بلدان الخليج العربي و أيران مع الصين وبشكل مشترك يوحي بادارك مشترك لدور متعاظم للصين وروسيا في قيادة النظام الدولي .

2-تصاعد ردود الفعل سلبا ( انظمة وشعوب )من الادوار الامريكية في العالم العربي والاسلامي فضلا عن الفضاء الاسيوي ,وتراجع الدور الامريكي بسبب السياسات الخاطئة التي اعتمدت من قبل الادارات الامركية المتلاحقة كما حصل في بلدان الشرق الاوسط وافغانستان .

في مواجهة هذا الواقع فان الولايات المتحدة تسحب معها الغرب او قوى رئيسية فيه خلفها نحو تشكيل اقواس من التحالفات الجيواستراتيجية لمنع الصين وروسيا من تنفيذ مشاريعهما اتجاه التغيير في النظام الدولي , وهو مايتم متابعته في بحر الصين الجنوبي والخليج العربي فضلا عن المحيط الهادي والهندي .

في ضوء ذلك يبدو الانفتاح معقولا .

لكن من ناحية اخرى فان ماأسلفنا ذكره من التزام عقائدي لدى ايران وتاطيراتها الفلسفية للنظام السياسي وعملية صنع القرار السياسي في مؤسسات النظام , الى جانب تاريخ من التراجعات التكتيكية ثم العودة بقوة لحدود المواجهة مع الاخرين انطلاقا من ذات العناوين العقائدية تجعل المصداقية لدى النظام السياسي الايراني امر لايمكن تجاوز التفكير به او مسايرته الا عبر اجراءات تكتيكية مقابلة .

هنا لابد ان نستذكر ان التدخل بالشان الداخلي من قبل ايران  للدول المجاورة وقلب الانظمة بل والتعاون مع القوى الدولية لتحقيق ذلك( كما حصل في التنسيق الايراني مع الولايات المتحدة في غزو واحتلال العراق) رغم العداء المعلن بينهما , واشاعة القلق والصراعات الفئوية وعلى اسس اثنية هو مسار يعتمد استراتيجية بعيدة المدى تفضي الى اعادة بناء مجد بلاد فارس شرقا وغربا لتشمل جميع بلدان المشرق العربي فضلا عن بلدان شمال افريقيا ووسطها وهو امر تم التاكيد عليه من مختلف القيادات الايرانية معتبرة اياه واجبا مقدسا . وان مجمل ذلك يكتسب شرعيته من نصوص الدستور الايراني المبني على فلسفة ولاية الفقيه الايرانية ( مبدأ تصدير الثورة). ولاجله يصبح من غير الممكن التوثق من مقاصد ايران الحقيقية رغم توفر الوسيط المحايد والفاعل مثل الصين.

وفي ضوئه فان المملكة السعودية يمكنها  هذا الاتفاق  ان تحقق هدفا جزئيا يتمثل في تحقيق الاستقرار السياسي الخليجي وهو محيطها الطبيعي عبرتحقيق تسوية مقبولة في اليمن . بيد ان الامال لاينبغي ان تذهب ابعد من ذلك حيث تشكل العراق وسوريا ولبنان المحيط الاستراتيجي لايران والذي عملت عليه منذ اعلان الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الخميني ضمن خطة خمسينية تذهب الى تحقيق دولة العدل الألاهي بقيادة ايرانية رافضة الاعتراف بالحدود الوطنية للبلدان التي تشهد تدخلات صريحة لايران فيها ,ومن السذاجة الاعتقاد بأمكانها قبولها لتسويات تصب لصالح انهاء نفوذها الاقليمي الاستراتيجي  والذي تراهن عليه في مستقبل علاقاتها الاقليمية والدولية  دون فعل داخلي من هذه البلدان , وهو امر لايتم دون دعم خارجي لطبيعة التداخلات العميقة الناتجة عن سلسلة التدخلات الاجنبية في البلاد العربية ..

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=88843

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M