الربط الكهربائي بين مصر والسعودية.. خطوة تاريخية نحو مشروع عملاق للطاقة

د. أحمد سلطان

 

تضع الدول العربية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي بهدف الحفاظ على أمن الطاقة وتأمين معدلات التغذية الكهربائية للمنطقة، وخلال الفترة الماضية برزت جهود كبيرة لتنفيذ مشروعات عديدة، أهمها الربط الكهربائي المصري السعودي، والربط الكهربائي المصري الثلاثي والربط الكهربائي الثماني، وغيرها من مشروعات الربط الكهربائي.

تأتي هذه الجهود ضمن الخطة الكبرى التي تهدف إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة الكهربائية تضم خبرات جميع الدول العربية وتؤمن جميع الاحتياجات للمنطقة العربية، وعليه يمكن القول بأن الملف الاقتصادي ظل حاضرًا وبقوة في جميع القمم العربية خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى ملف استكمال مشروعات الربط الكهربائي التي أصبحت ضرورة في الوقت الراهن، بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على إمدادات الطاقة، وحدوث الكثير من الأزمات التي تسببت في ارتباك المشهد العالمي في أسواق الطاقة العالمية.

واستكمالًا لما سبق على مستوى الدول العربیة، یتوقف أثر التطورات الراهنة على طبيعة تأثيراتها في معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية المصدرة للنفط (التي تُسهم بنحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول العربية بالأسعار الثابتة)، مقابل تأثيراتها في معدل نمو الدول العربية المستوردة للنفط التي تُسهم بنحو 30% من الناتج الإجمالي بالأسعار الثابتة)، والتي تواجه تحديات ارتفاع مستويات العجز الداخلية والخارجية ومن ثم ضعف قدرتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو مقارنة بالدول المصدرة للنفط.

هذا بالإضافة إلى أن هذه الحرب قد أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا والتي تُشكل المكون الرئيس من سلة السلع المكونة للرقم القياسي للأسعار، علاوة على تأثر المستوى العام للأسعار بارتفاع أسعار المحروقات، بجانب ارتفاع أسعار بعض الخدمات مثل الكهرباء والمیاه التي تتأثر بارتفاع أسعار الطاقة. وبشكل عام، لدى العديد من الدول العربية مشكلة في تأمين التغذية الكاملة للكهرباء، في ضوء ارتفاع الطلب بشكل كبير ويتزايد لدى بعض الدول بصورة سنوية، حتى أن بعضها يزيد المحطات الكهربائية بمعدل حوالي 10% سنويًا، وهو معدل مرتفع للغاية يفوق المعدل العالمي الذي يُقدر بحوالي من 0.5 إلى 5%، ولذلك فإن مستويات ارتفاع الطلب على الكهرباء يُمثل حاجز وعائق للعديد من الدول العربية، ومن بينها لبنان وسوريا وفلسطين.

مصر محور للربط الكهربائي العربي

تضع الدولة المصرية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي بهدف تحقيق حلم التحول إلى مركز عالمي لتجارة وتداول الطاقة. وصاغت مصر توجهاتها وأهدافها من خلال استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وبالأخص في قطاع الطاقة والتي كانت من ضمن أهدافها الرئيسة تحويل البلاد لتكون مركزًا محوريًا للطاقة، حيث تتصدر أولويات قطاع الكهرباء المصري في الفترة الحالية، واستكمال الإجراءات الخاصة بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، ومنها المملكة العربية السعودية والأردن ومنها للعراق، وليبيا، وكذلك الربط أوروبيًا مع قبرص واليونان كما موضح في الشكل التالي.

ووفقًا لما سبق، بدأت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية في تطوير وتوسعة شبكات نقل الكهرباء وتوزيعها، وذلك حتى تتمكن من استيعاب القدرات المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة، وكذلك تبادل الكهرباء مع دول الجوار، وسعت إلى تدعيم وتطوير الشبكة القومية الموحدة لدعم مشروعات الربط الإقليمي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان، وكذلك مشروعات الربط المخطط تنفيذها مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وهيئة الربط الخليجي.

الربط الكهربائي بين مصر والسعودية 

اتفقت القاهرة والرياض على تنفيذ مشروع للربط الكهربائي بين البلدين لتبادل قدرات كهربائية تبلغ حوالي 3 آلاف ميجاوات، وبتمويل من صناديق ومصارف عربية، وتبلغ القدرات الكهربائية المنتجة في البلدين أكثر من حوالي 150 جيجاوات. إذ تصل القدرات الكهربائية المولدة في المملكة إلى حوالي 90 جيجاوات، بينما تصل القدرات الكهربائية المنتجة في مصر إلى حوالي 60 جيجاوات، ويبلغ إجمالي أطوال شبكات النقل الكهربائي بين البلدين قرابة حوالي 140 ألف كيلومتر، ويصل إجمالي أطوال شبكات النقل الدائري في مصر إلى حوالي 51 ألف كيلومتر، بينما تبلغ أطوال شبكات النقل الدائري في المملكة حوالي 89 ألف كيلومتر كما موضح في الشكل التالي.

واستكمالًا لما سبق، يتضمن الخط 3 محطات تحويل جهد عالٍ، وهي محطة شرق المدينة المنورة ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة، حيث يُعد المشروع البداية لإنشاء خط الربط الكهربائي العربي المشترك، وسوف يعزز من قدرات الكهرباء في المنطقة العربية، ومن المقرر كذلك تشغيل المرحلة الأولى بحلول عام 2024 بقدرة تبلغ حوالي 1500 ميجاوات.

وبدأت الشركة المصرية لنقل الكهرباء في صب القواعد الخرسانية الخاصة بأبراج نقل الكهرباء لمشروع الربط بين مصر والسعودية، وانتهت من  تجارب التشغيل لجميع الأبراج الخاصة بمشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، والتي يبلغ عددها ما يقرب من 1300 برج، بالإضافة إلى أنه تم التأكد من نجاح التجارب بنسبة 100% كما هو موضح في الشكل التالي، ومن المتوقع أن يتم البدء في تركيب أبراج النقل خلال يونيو المقبل، وجاري البدء في أعمال الصبة الخرسانية الخاصة بأول محطة محولات بمدينة بدر. وفيما يخص الجانب السعودي تم البدء في تركيب الأبراج الخاصة بخط الربط على الأراضي السعودية، ويبلغ طول خط الربط على أرض مصر 300 كيلو متر، بينما يصل إلى ألف كيلو بالمملكة العربية السعودية.

فوائد الربط الكهربائي بين مصر والسعودية 

وقعت مصر والسعودية اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي بين البلدين ويهدف الربط الكهربائي المصري السعودي، سعيًا إلى أن يكون محور أساسي في الربط الكهربائي العربي الذي يهدف لإنشاء بنية أساسية لتجارة الكهرباء بين الدول العربية. ولذلك يُعد المشروع تتويجًا لعمق العلاقات المصرية السعودية عبر التاريخ، وحرص قيادات الدولتين على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي، حيث يُشكل نواة لربط عربي مشترك، وكذلك يأتي مكملًا لرؤية البلدين للتنمية حتى عام 2030. ومن هنا يجب الإشارة إلى أبرز الفوائد المترتبة على مشروع الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية والتي تتلخص في النقاط التالية:

  • يهدف الربط الكهربائي المصري السعودي إلى أن يكون محور أساسي في الربط الكهربائي العربي الذي يهدف لإنشاء بنية أساسية لتجارة الكهرباء بين الدول العربية تمهيدًا لإنشاء سوق مشتركة للكهرباء.
  • يبلغ معدل العائد من الاستثمار أكثر من حوالي 13% عند استخدام الرابط فقط للمشاركة في احتياطي توليد الكهرباء للبلدين مع مدة استرداد للتكاليف قدرها 8 سنوات، فيما يبلغ معدل العائد من الاستثمار حوالي 20% عند استخدام الخط الرابط للمشاركة في احتياطي التوليد ولتبادل الطاقة بين البلدين في فترات الذروة لكل بلد بحد أعلى 3000 ميجاوات، إضافة إلى استخداماته الأخرى للتبادل التجاري للكهرباء خاصة في الشتاء الذي سيتيح للمملكة تصدير الكهرباء الفائضة في منظومتها إلى مصر.
  • سيتم تبادل 3 آلاف ميجا وات في أوقات الذروة بين البلدين التي تختلف بفارق 3 ساعات بين البلدين.
  • هناك فائدة اقتصادية للربط تتمثل بالاعتماد عليه بدل ما يسمى بالاحتياطي التوليدي الدوار الذي يتطلب وجود تشغيل زائد احتياطي على مدار الساعة تحسبًا لخروج إحدى أو مجموعة وحدات توليد.
  • تحول مصر والسعودية إلى مركزين عالميين للطاقة لتبادل التيار الكهربائي بين دول أوروبا وأفريقيا وآسيا، مما يُسهم في توفير عملات صعبة ومكاسب اقتصادية وسياسية تجنيها القاهرة والرياض خلال السنوات المقبلة، حيث إن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيتيح لمصر إمكانية الربط الكهربائي مع دول الخليج، والاستفادة من الاحتياطي اليومي بالشبكة القومية للكهرباء والذي يصل إلى حوالي أكثر من 21 ألف ميجا وات.
  • المشروع سيؤدي إلى خفض القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة وتخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب وتقليل كلفة إنتاج الطاقة ما ينعكس إيجابًا على أسعار بيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين والسماح بتصدير أو استيراد الطاقة الفائضة بحسب وقت الذروة في كل دولة والتقليل من مخاطر توقف الطاقة المنتجة من محطات الطاقة المتجددة. حيث إن توسعة الربط الكهربائي مع شبكات دول الجوار يوفر فرصًا لتبادل الطاقة الكهربائية بأسعار أقل ويعزز استقرار هذه الشبكات.

واستكمالًا لما سبق، يُشكل المشروع نواة نحو إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء والذي تُمثل حلمًا سعت الدول العربية إلى تحقيقه خلال السنوات الماضية، حيث عُقدت العديد من المناقشات بهدف الوصول إلى قرار بشأن مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية. وتطلب قيام السوق العربية المشتركة للكهرباء إجراء حزمة من الأطر التشريعية والقانونية بهدف إعداد وثائق الحوكمة، إذ وُقعت مذكرة تفاهم مع حوالي 16 دولة عربية ودخلت حيز التنفيذ في أبريل من عام 2017، كما موضح في الشكل التالي.

إشادات وتوقعات المؤسسات الدولية لمشروعات الربط الكهربائي

ووفقًا لما سبق، نالت مشروعات الربط الكهربائي التي تقوم بها مصر إشادات وتوقعات العديد من المؤسسات الدولية ومنها:

بلومبرج: أشادت بتنفيذ مصر عدة مشروعات للربط الكهربائي والتي تسمح من خلالها بإقامة نظام لمشاركة الطاقة مع جيرانها بالمنطقة، وعلى رأس تلك المشروعات ربط شبكة الكهرباء مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وباقي الدول الأوروبية.

مجموعة أكسفورد للأعمال: خططت مصر للحفاظ على فائض بقدرات توليد الطاقة مما يمكنها من زيادة صادراتها للبلدان المجاورة، حيث تم بالفعل إبرام عدة اتفاقات للربط مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان والسودان.

الإيكونوميست: تؤكد أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والدول سيدعم النمو الاقتصادي والطموحات المصرية في زيادة صادراتها من الطاقة.

الوكالة الدولية للطاقة المتجددة: مصر استغلت الفرص التي توفرها موارد الطاقة المتجددة لتحويل استراتيجيتها للطاقة المستدامة 2035 إلى واقع ملموس، وكذلك أشادت بتكريس مصر جهودها لتنفيذ العديد من مشروعات الربط للسماح بتبادل الكهرباء المولدة على المستوى الإقليمي والدولي.

فيتش: مصر ستصبح واحدة من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية نموًا في المنطقة خلال السنوات القادمة، فضلًا عن أن زيادة القدرة على تصدير الكهرباء وإمكانات الطاقة الشمسية الطبيعية وطاقة الرياح ستجذب استثمارات واسعة النطاق طوال العقد المقبل كما هو موضح في الشكل التالي.

مجمل القول، تتميز العلاقات المصرية السعودية بالقوة والتعاون المشترك في مختلف القطاعات، ويحدها تاريخ طويل من المواقف المشرفة والمصالح المشتركة، والعمل على توفير مستقبل مشرق قائم على الشراكة الاستراتيجية من خلال الاتفاقيات والبروتوكولات في كافة المجالات، وعلى رأسها تعزيز أمن الطاقة. لذلك يتصدر مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية اهتمامات البلدين الشقيقين في الآونة الحالية، إلى جانب تعزيز التعاون في قطاع الطاقة بصفة عامة. وعليه يمكن القول بأن مشروعات الربط الكهربائي العربي هي خارطة طريق للسوق المشتركة للكهرباء، وتعمل على تمكين الدول العربية من تنويع وزيادة حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتوفرة من النفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة المتاحة فيه، وكذلك لتنمية الحلقات بين دول الربط الكهربائي وتطويرها في قطاعات إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول الربط، فتُشكل مشاريع الربط الكهربائي أحد الحلول التي تعول عليها الدول في إيجاد حلول نقص الإمدادات، حيث تأتي هذه المشروعات كخطوة حيوية لزيادة الثقل السياسي والاقتصادي العربي، وكجزء من طموحات الدولة المصرية لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة ومصدرًا للطاقة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76530/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M