السلطة السادسة … المرجعية الدينية

بهاء النجار

في الأنظمة الديمقراطية هناك بعض الملامح التي تميزها عن غيرها من الأنظمة بل وتعتبر معايير للنظام الديمقراطي المتقدم مثل الانتخابات النزيهة والإعلام الحر ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها ، فالأنظمة السياسية بلا هذه المعايير لا يمكن أن توصف بأنها ديمقراطية ، وقد تكون هذه المعايير شكلية أو بدرجة معينة من الشكلية فتكون الديمقراطية في تلك البلدان شكلية أيضاً ، فالنظام الديمقراطي يتقوم بسلطة تنفيذية وتشريعية قوية نابعة من إرادة الشعب عبر انتخابات نزيهة وحرة ، وبدستور رصين يحفظ وحدة البلاد مصان من قبل سلطة قضائية قوية قادرة على أن تحل أي مشكلة سياسية يمكن تُسحب على القانون وتؤثر عليه .

ولم تكتفِ الأنظمة الديمقراطية بهذه السلطات لأن تمثيل الشعب فيها ما يزال محدوداً ويمكن أن تتفق السلطات الثلاثة مجتمعة ضد الشعب فبرز دور الإعلام كآلية من آليات الضغط على المتصدين لإدارة البلاد وكشف الفساد للرأي العام وكان للإعلام دور مهم وضاغط لخدمة الشعب حتى سميت بالسلطة الرابعة الى جنب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ، ومع كل هذا جاءت الحاجة لظهور مؤسسات تقوم بسد ما عجزت الدولة وقصّرت عن سده وخصوصاً الحاجات المعنوية وهي مؤسسات المجتمع المدني وبذلك ولّدت ضغطاً على الدولة لأنها تبين تقصير الحكومة والدولة عموماً بحق المواطن لذا اعتبرت هذه المؤسسات سلطة خامسة في الدولة الديمقراطية .

وفي العراق الديمقراطي ما زالت السلطات ثلاثة وربما يمكن اقتصارها بالسلطة التنفيذية ، ولكن هذا لا يعني أن السلطتين القضائية والتشريعية لا تمتلك دوراً في النظام السياسي الجديد في العراق ولكن دورها أضعف مما هو مطلوب في الأنظمة الديمقراطية وقد يكون ذلك نتيجة ضعف الثقافة الديمقراطية في العراق وحداثة التجربة فيه ، أما السلطتان الرابعة والخامسة فهي أضعف بكثير من السلطات الثلاث – وخصوصاً السلطة التنفيذية – لكنهما موجودتان بكل تأكيد ودورهما بدأ يتنامى ويتطور وينمو ولكن لا تزال هاتان السلطتان دون مستوى الطموح ، فما زالتا غير قادرتين على صنع القرار السياسي أو تغييره أو خلق رأي عام ضاغط على السياسيين وأوضح مسألة تمكّن السياسيون من فرض رغبتهم على السلطتين الرابعة والخامسة هي قانون الأحزاب فلم تستطع هاتان السلطتان على الضغط على السياسيين لتشريع قانون الأحزاب بينما نجد الكتل السياسية قامت بتشريع قوانين تنظم عمل الإعلام – السلطة الرابعة – ومؤسسات المجتمع المدني – السلطة الخامسة – .

وكان التركيز على هذه السلطات الخمسة كونها معروفة في النظم الديمقراطية في العالم ، ولكن هناك سلطات أخرى ولكنها غير معروفة في تلك الدول ومن هذه السلطات (المرجعية الدينية) في العراق ، فالمرجعية الدينية لها سطوة روحية على المجتمع العراقي ولكن لكونها غير موجودة في تلك الدول فلم تستخدم كسلطة ، بل إن للمرجعية الدينية في العراق نفوذاً وسلطة تفوق بعض السلطات وخصوصاً السلطتين الرابعة والخامسة ، والسنوات العشر الماضية أثبتت هذا الدور الكبير للمرجعية إلا أن البعض من الخارج والداخل يحاول أن يهمش دور المرجعية ويجعلها استشارية إن أراد السياسيون أن يأخذوا برأيها أخذوا وإلا فلا ، والبعض يحاول أن يجعلها حيادية باعتبارها منقبة ولا يعلم أن الحيادية بالنسبة للمرجعية الدينية مثلبة لأنها مبدأية ولا تقبل بالمساومة والمداهنة ، والبعض يحاول أن يركب المد الجماهيري للمرجعية ليحقق مكاسبه ومآربه .

وفي كل دولة من دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية هناك مجاميع للضغط تؤثر على القرار السياسي في تلك الدول وأغلب مجاميع الضغط هم تجار النفط والسلاح واصحاب رؤوس الأموال بحيث يحافظون على الخط العام للدولة يتماشى مع إستراتيجاتهم ومصالحهم ، وأسلوب الضغط هذا يمكن أن تمارسه المرجعيات الدينية كي تحافظ على المصالح العليا للبلاد وتمنع العملاء من تنفيذ أجندات أسيادهم وتدعم الصالحين من السياسيين وتمنع المفسدين من الدخول الى مقار صناعة القرار السياسي في البلاد ، وبذلك تسير الأمور وفق منهج سليم وقويم الى بر الأمان .

ولكن المشكلة أنه لا توجد من المرجعيات الدينية المعروفة من لها مشروع سياسي يمكنّها من أن تقوم بهذه المهمة الإستراتيجية وتخرج البلد من عنق الزجاجة – كما يعبرون – ولذلك نرى البلاد ما إن تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمة أتعس منها وكل الأمور بيد ناس فاسدين مفسدين لا يفكرون إلا بمصالحهم الشخصية ، وإزاء ذلك المستوى المتدني من الصلاح نجد مواقف للمرجعيات الدينية المعروفة لا تتناسب وذلك المستوى الضعيف من الصلاح ، ولا نجد آليات عمل تضعها المرجعيات الدينية المعروفة بحيث تضع المتنفذين وأصحاب القرار السياسي في وضع إما أن يطيعوا فيه المرجعية – وتفشل خططهم الإفسادية – كي يحافظوا على جمهورهم المطيع لمرجعياته أو أن يخالفوا المرجعية ويخسروا جماهيرهم .

بل في بعض الأحيان نجد مواقف لبعض المرجعيات الدينية يستفيد منها المفسدون على حساب المصلحين مثل الوقوف على مسافة واحدة والحيادية ، فهذه المواقف استفاد منها أصحاب المشاريع الفاسدة لأنهم بالظاهر مصلحين ومع ما يمتلكونه من عناصر دعم مثل النفوذ السياسي والأموال والإعلام يستطيع أن يصل عدة مرات الى سدة الحكم ، بينما السياسي الصالح وخصوصاً غير المعروف فإنه يعاني من ضعف الإمكانيات المادية والإعلامية فإذا أضيفت لها مساواته – أمام المرجعية وأتباعها – بغيره من السياسيين الفاسدين فإنه سيكون أول وأكبر الخاسرين .

لذا نرى بعض المرجعيات الدينية رغم أن صوتها غير مسموع مقارنة بغيرها إلا أنها اتخذت مواقف دعمت فيها جهات تعتقد بأن في انتخابها صلاح للوضع السياسي وتحملت مسوؤلية وتبعات صعود تلك الجهات أمام الله وأمام الناس ، في حين أن من لم يتخذ موقفاً داعماً للصالحين من الجهات والشخصيات السياسية أخلى مسؤوليته أمام الناس من أي فساد أو انحراف ، ولكن تبقى مسؤوليته أمام الله قائمة .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M