السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية خلال الفترة ٢٠١١ – ٢٠٢١م

إعـــداد : بلال محمد محمد مقلد , سناء السعيد حسن عوض , محمد نبيل صبحي البنا , نهى ماهر سيد عامر  , نورا صابر على محمد  – إشــراف : د. عبد الرحمن عبد العال – كلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف – مصر

 

الملخص :

تناولت هذه الدراسة موضوع السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية خلال الفترة الممتدة من 2011م إلى ٢٠٢١م ، حيث شهدت العلاقات بين تركيا وسوريا في هذه الفترة تدهورا كبيرا إلى حد القطيعة .

وقد تناولت الدراسة تاريخ العلاقات التركية السورية، التي غالباً ما اتسمت خلال المراحل التاريخية بالتوتر، الذي زال بتوقيع اتفاقية أضنه، لتبدأ بعدها تركيا مرحلة جديدة في علاقاتها، ثم التحول الكبير في السياسة الخارجية التركية بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، ورؤية الحزب أن تركيا ليست دولة طرفية، كما كان ينظر إليها أيام الحرب الباردة، لكنها دولة مركزية لديها القدرة على توفير الأمن والاستقرار ليس لنفسها فقط بل ولجيراتها في المحيط الأوسع .

لذا، رسمت ترکیا مبادئ سياساتها الخارجية بما يتوافق مع الأهداف التي تسعى وراءها في منطقة الشرق الأوسط من أجل زعامة الإقليم، ولتحسين علاقاتها مع دول الإقليم، لكن وصول موجة الربيع العربي لسوريا، عرقل مساعي تركيا في تحقيق أهدافها، إنطلاقا من توتر العلاقات بين البلدين والتي أدت إلى إحداث تحولات في السياسة الخارجية التركية في المنطقة، إبتداءاً مــن تـوتر العلاقات بين بعض الدول الإقليمية مثل إيران والعراق وروسيا إلى الإعتماد على سياسة الأحلاف والمحاور في سبيل إدارة الأزمة السورية، والتخلي عن بعض مبادئ سياستها الخارجية مثل مبدأ صفر مشاكل مع الجيران .

كما أن تركيا تسعى للعب دور إقليمي في المنطقة عبر البوابة السورية، من خلال تأييد المعارضة ضد النظام القائم بغية تأكيد دورها في رسم معالم المنطقة، في مرحلـــة مــا بعـد الرئيس بشار الأسد، لكن هذا الرهان لم تتضح ملامحه بعد مرور خمس سنوات من بداية الأزمة في سوريا، وذلك لاتجاهها نحو التصعيد والتعقيد أكثر نتيجة دخول أطراف أخرى في الأزمة لها رؤى مغايرة للرؤى التركية .

وقد استخدمت الدراسة منهج تحليل النظم لبريتشر، الذي يحل السياسة الخارجية تحليلاً نظمياً، من منطلق أنها تصاغ بالاعتماد على نوعين من العوامل الخارجية والداخلية ضمن فكرة التأثير والتأثر والتغذية الراجعة بينهما مع الاستعانة بمنهج المصلحة الوطنية .

وخلصت الدراسة إلى أن تركيا تحاول لعب دوراً مركزياً في المنطقة، لتجعل من نفسها الدولة الإقليمية الرئيسية بانفتاحها في علاقاتها على الجميع، والاقتراب من الجميع دون الالتفات للخلف، لكن هذا الطريق ليس سهلاً بالمطلق بل تعترضه الكثير من المصاعب .

Abstract

This study has to do with the external Turkish politics towards the Syrian crisis in the period that starts from two thousand and eleven until nowadays, when the relationship between the two countries has seen a great gap in terms of misunderstanding to the extent of stopping the relationships between each other .

Turkey set its’ external relationships with what suits its goals to which it tries hard to realize them in the Middle East in order to govern this area, as to ameliorate its relationships with the aforementioned area’s countries, but the advent of the Arabian spring has prevented Turkey from realizing its goals starting from the unsettled relationships between the two countries which led to set changes in the Turkish external politics in the area beginning from the unsettled relationships with some countries such as: Russia Iraq, and Iran to the reliance on the politics of the supporters and the greatest countries in order to manage the Syrian crisis, forgetting about some of Turkey’s external relationships principles such as the Zero problems with the neighboring countries .

As turkey tries to play an important role in the middle east area through the Syrian gate through supporting the objection against the current government in Syria in order to emphasize its role in drawing the characteristics of the area in the after president Bachar Al Assad phase, but this risk did not result in any outcomes after five years from the beginning of the crisis in Syria, as this tends to be the result of the Turkish adoption of the complication and raising the tension, because of the interference of other countries in the crisis, which in turn have a totally different points to the Turkish point of views .

The study used the systems analysis approach of Bretcher, which looks at foreign policy in a systemic analysis, on the grounds that it is formulated based on two types of external and internal factors within the idea of ​​influence, vulnerability and feedback between them, with the help of the national interest approach.

مقدمة :

لم تشهد ثورة من ثورات الربيع العربي حاله من التصعيد كما حدث في سوريا، فقد تطورت الإحداث في سوريا في ظل واقع استراتيجي معقد تمثل في جمود البنية السياسية وعدم الرضا عن النظام وصياغة سياسته ،وكبت الحريات ومنع التعددية الحزبية وانتشار الفقر والبطالة والفساد وحرمان الأكراد من حقوقهم وتمتع الأقلية بالامتيازات وحرمان جموع الشعب ، وكانت المطالب السورية محدودة في البداية تتمثل في إجراء مجموعة من الإصلاحات في النظام ،ولكن سرعان ما تطورت وطالبت بإسقاط النظام نفسه وحدث صراع بين الجيش والمعارضة وتورطت أطراف إقليمية ودولية عملت على زيادة حدة الأزمة . (١)

وشهدت سوريا حالة من التصعيد الدولي والإقليمي ويرجع ذلك لأهمية سوريا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وتحكمها في موازين قوى ومصالح دولية  إقليمية عملت على زيادة حدة النزاع من خلال تضارب المصالح وتعارضها ،فالقوى الإقليمية الأكثر تأثيراً تمثلت في تركيا وإيران ،الدولتان التي عملت على التنافس على النفوذ والسيطرة على الشرق الأوسط من خلال لعب دور محوري وبارز في قضايا الشرق الأوسط . (٢)

عملت تركيا على لعب دور بارز من خلال حزب العدالة والتنمية الذي حرص منذ وصوله إلى الحكم في عام 2002 على تغييرعلاقات تركيا مع جيرانها وخاصة الدول العربية والإسلامية ، وأكد وزير الخارجية أحمد داود أوغلو أن مكانة تركيا دولياً مرتبط بوضعها في محيطها الجغرافي ودورها الإقليمي . (٣)

_________________________________

(١) احمد نوري النعيمي وآخرون، العلاقات العربية التركية، حوار مستقبلي، ط١، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ٢٠٠٦، ص٨٤ .

(٢) خورشيد دللي، الازمة السورية وآفاق التصعيد التركي، مجلة الوحدة الإسلامية، السنة ١١، العدد ١٢١، يناير ٢٠١٢م.

(٣) عوني عبد الرحمن السبعاوي، العلاقات التركية السورية (المحددات والآفاق) في مجموعة مؤلفين، العلاقات العربية التركية، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، ١٩٨٥، ص٨٥ .

كانت تركيا كغيرها من الدول لم تكن سياستها الخارجية تجاه سوريا على وتيرة واحدة ،بل تغيرت مواقفها من النزاع حسب تغير الموقف الداخلي وردود الفعل الدولية وكانت تركيا داعمة للمعارضة السورية منذ البداية، ولكن مع زيادة حدة الأزمة زادت صور الدعم إلى المالي والعسكري وغيره ،وكانت هذه الأزمة تشكل تهديداً للأمن القومي في تركيا ، وذلك طبقاً للمشروع الكردي السياسي على حدودها الجنوبية وهو ما جعلها تتدخل في النزاع وتعمل على توجيهه بشكل يحقق مصالحها . (١)

المشكلة البحثية

تكمن المشكلة في تذبذب العلاقات التركية السورية ما بين التأزم تارة ، حيث كادت تقترب من المواجهة العسكرية والصدام بينهما ، وتارة أخرى شهدت تطورا ملموسا ظهر واضحا في اتفاقية آضنة عام ١٩٩٨م ، بالإضافة إلى سعي تركيا إلى تحقيق مكانتها كقوة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط من خلال المشاركة في قضاياه المهمة والعمل على التأثير في هذه القضايا وتوجيهها بما يخدم المصالح التركية ويحقق أهداف السياسة الخارجية التركية ويزيد من نفوذها وسيطرتها على الشرق الأوسط (٢) ، وبالتالي ترتكز إشكالية هذه الدراسة حول تساؤل رئيسي هو ” إلى أي مدى قامت تركيا بتوظيف الأزمة السورية في عام 2011 لتحقيق اطماعها في سوريا ودعم دورها الإقليمي في المنطقة العربية ؟

(١) احمد نوري النعيمي، العلاقات العربية التركية، مرجع سابق، ص٢٧ .

(٢) محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا ٢٠٠٢ – ٢٠٠٨م، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، غزة، ٢٠١١م .

تساؤلات الدراسة

يندرج تحت إشكالية هذه الدراسة عدة تساؤلات فرعية وهي كالتالي :-

  • ما هي محددات السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية ؟
  • ما هي أهداف السياسة الخارجية التركية من الأزمة السورية ؟
  • ما هي أهم الوسائل والأدوات التي استخدمتها تركيا في التعامل مع الأزمة السورية ؟
  • ما هو موقف تركيا من التدخلات الدولية (الأمريكية – الأوروبية – الروسية) في الأزمة السورية ؟
  • ما هو موقف تركيا من التدخلات الإقليمية (الإيرانية – الإسرائيلية) في الأزمة السورية؟
  • ما هو موقف تركيا من نظام حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا في عام 2011 ؟

حدود الدراسة

– الحدود الزمنية : تغطي هذه الدراسة الفترة من مارس 2011 بداية انطلاق الثورة السورية وثورات الربيع العربي حتى عام 2021 حيث شهدت هذه الفترة العديد من ردود الأفعال الدولية المختلفة والتطورات في الأزمة سواء على الصعيدين الداخلي أو الدولي .

– الحدود المكانية : تقتصر هذه الدراسة على تحليل الأزمة السورية على المستوى الداخلي والخارجي وعلى تحليل السياسات والمواقف التركية والاستراتيجيات التركية تجاه سوريا .

– الحدود الموضوعية : محصورة في السياسة الخارجية التركية والأزمة السورية .

مبررات اختيار الدراسة

انطلق اختيار الموضوع من عدة أسباب ذاتية وموضوعية كالتالي :-

اولا : الأسباب الذاتية:

الرغبة في دراسة قضية مهمة تشغل تفكير كل مواطن عربي وهي الأزمة السورية .

معرفة التطورات وأسباب تصاعد الأزمة السورية .

تحليل التنافس الإقليمي وكيف أثر في توجيه الأزمة السورية .

معرفة سياسة ومواقف تركيا باعتبارها قوة إقليمية كبرى تسعى للهيمنة على الشرق الأوسط .

ثانيا : الأسباب الموضوعية:

تمثلت الأسباب الموضوعية لاختيار الموضوع في أهمية سوريا بالنسبة للأمن القومي العربي.

أهمية الدراسة

تظهر أهمية الدراسة في توضيح العلاقات التركية السورية التي إتسمت بالتوتر الشديد بعدما كانت قد تحسنت في عديد من المجالات والعلاقات بين البلدين وبالتحديد عند وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا عام 2002 فعادت لتنهار بعد حدوث الأزمة السورية عام 2011.

كما تهتم الدراسة بتحليل أهم الأحداث التي عاشها البلدان من عام 2011 حتي عام 2021 حيث تلقي الضوء علي أهم ما زاد من توتر العلاقات وتدهورها والعوامل التي ساهمت في ذلك لإيضاح مسار العلاقات الإقتصادية والسياسية بين البلدين وأثرها علي المجال المحيط وفهم الوضع الحالي بناءاً علي الدراسة المستفيضة لرؤية أفضل لما هو الحال عليه الآن بين البلدين .

أهداف الدراسة

تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق العديد من الأهداف ولعل أهمها :-

    • توضيح العلاقات السورية التركية من خلال إستعراض أهم الأحداث التي مرت بها البلدان منذ عام 2011 وحتي عام 2021 .
    • إلقاء الضوء علي أهم القضايا التي أحدثت الخلاف بين البلدين والمشاكل الدولية المرتبطة بالمنطقة والتي أثرت علي صفو العلاقات بينهم .

    • توضيح النقاط المشتركة بين البلدين وفي سياسة كل منهما من ناحية التقارب والنزاع .

  • تحليل الأزمة السورية علي مسار العلاقات السورية التركية .
  • بيان دور الضغوط الدولية والموقع الجغرافي في التأثير علي العلاقات بين الدول .
  • الإستفادة من تجارب الماضي بين البلدين والعمل علي الإستفادة من مواطن الضعف في سياسة كل منهما .

منهج الدراسة

اعتمدت الدراسة على مناهج أساسية وهي منهج المصلحة الوطنية ومنهج تحليل        النظم . (١)

منهج المصلحة الوطنية : ويتختص هذا المنهج بالأهتمام  بأهداف الدولة وطموحاتها سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو ثقافية وهو من أهم المناهج  حيث تسعى كل دولة لتحقيق المصلحة الوطنية الخاصة وتتعد أوجه المصلحة الوطنية لكن الأساس هو الحفاظ علي أمن الدولة  وبعد ذلك يأتي السعي وراء الثروة والنمو الاقتصادي والقوة وفي هذه الدراسة ركزت تركيا علي مصالحها الوطنية والحفاظ علي أمنها القومي فعتمدت علي هذا المنهج وقامت بإستخدامه لتحقيق عدة أهداف تحقق لها سلامها القومي ومصلحتها الوطنية .

منهج تحليل النظم : حيث إن منهج تحليل النظم لبريتشر يحلل السياسة الخارجية تحليلا نظميا ، من منطلق أنها تصاغ بالاعتماد على نوعين من العوامل ( الخارجية والداخلية ) ضمن فكرة التأثير والتأثر والتغذية الراجعة بينهما ، فنظام السياسة الخارجية حسب مايكل بريتشر يتكون من مجموعة متغيرات هي البيئة ، ومجموعة فاعلين ، ومكونات النظام ، وتبدأ السياسة الخارجية بقرارات استجابة لتحديات وعمليات تدعم ، أو تؤجل تدفق المطالب .

(١) كمال المنوفي، مقدمة في مناهج وطرق البحث في علم السياسة، وكالة المطبوعات، القاهرة  ، ١٩٨٥، ص٣٤ – ٣٥ .

الدراسات السابقة

  1. رسالة ماجستير لبحر الدين مسعودي (2019) بعنوان ” الأزمة السورية في السياسة الخارجية الروسية والتركية من (2011 – 2019)”،جامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر .

يسلط موضوع الدراسة الضوء على الأزمة السورية في السياسية الخارجية الروسية والتركية في الفترة الممتدة مابين 2011_2019،وجاء الاهتمام بالأزمة الدائرة في سوريا من زاوية التداعيات التي خلفتها الأزمة على العلاقات الدولية،وتعد روسيا وتركيا من بين أبرز الأطراف المحركة للأحداث في سوريا حاليا فالأبعاد الأمنية والسياسية والاقتصادية للأزمة السورية تدفع بكل من تركيا وروسيا التدخل حفاظا على مصالحهم الأساسية. فإن السلوك الخارجي لكل من تركيا وروسيا اتجاه الأزمة نابعا من الأهمية الجيواستراتيجية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط،ويتضح من خلال الأزمة أنه هنالك عودة لروسيا كلاعب دولي في التوازنات الدولية في حين تعرف تركيا اضطرابات في سياستها الإقليمية اتجاه الشرق الأوسط فهي تسعى لتفعيل هذا الدور الإقليمي في المشهد السوري . (١)

وكانت إشكالية الدراسة تتمحور حول سؤال مركزي وهو إلى أي مدى أثر تطور الأزمة السورية على مسار السياسة الخارجية الروسية والتركية على الصعيد الإقليمي والدولي؟ وتفرغ عنها عده أسئلة فرعية وهي :-

  • فيما تتمثل محددات الاستراتيجية الروسية التركية تجاه الأزمة السورية ؟
  • ما هي الأهداف الرئيسية وراء التدخل العسكري والتركي في الأزمة السورية ؟
  • إلى أي مدى يمكن اعتبار الأزمة السورية تمثل تهديدا للأمن الاستراتيجي الروسي والتركي في المنطقة ؟

(١) بحر الدين مسعودي، الأزمة السورية في السياسة الخارجية الروسية والتركية (٢٠١١ – ٢٠١٩)، رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، ٢٠١٩ .

وتمثلت فرضية الدراسة في فرضية مركزية وهي إن زيادة الدور الأمريكي في القضية السورية دفع بكل من روسيا وتركيا إلى اتباع مجموعة من السلوكيات تهدف للحفاظ على مصالحهما الحيوية في المنطقة وفرضية ثانوية وهي إن العامل الجغرافي الذي يربط بين كل من سوريا وتركيا يلعب دورا مهما في تحديد توجه السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية .

وهدفت هذه الدراسة إلى تحليل الأزمة السورية في ظل التحولات الخارجية والإقليمية الراهنة كما هدفت إلى الوقوف على أبعاد السياسة الخارجية التركية .

واعتمدت هذه الدراسة علي المنهج التاريخي حيث يساعد هذا المنهج على نقل وتناول الوقائع التاريخية والشواهد والأحداث التي حدثت خلال فترة زمنية في فهم الظروف والأحداث السياسية المعاصرة  بالعودة إلى الجذور التاريخية التي أدت إلى حدوث الأزمة السورية وتطورها ومدى تأثير التغيرات على النظام الإقليمي والدولي  واعتمدت أيضا على المنهج المقارن حيث يتم من خلال هذه الدراسة المقارنة بين متغيرات الأزمة السورية في بديتها الأولى وبين التحول الذي عرفته الأزمة بسبب دخول مجموعة من الفواعل الإقليمية والدولية .

وتوصلت الدراسة إلى أن الهدف من التدخل التركي العسكري في سوريا هو البعد الأمني للدولة التركية خاصة فيما يتعلق بالمسألة الكردية ومصلحة تركيا هو ألا تقام دولة كردية لذلك فإن سوريا تمثل الموقع الأكثر حساسية لدى تركيا لعدة اعتبارات جيواستراتجية في المنطقة .

  1. رسالة ماجستير لمحمد عبد العاطي التلوي (2011) بعنوان “السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا من (2002 – ٢٠٠٨)” ، ماجستير دراسات الشرق الأوسط،كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهر، غزة . (١)

موضوع هذه الدراسة هو السياسة الخارجية لتركيا تجاه سوريا في الفترة من ۲۰۰۲ حتی ۲۰۰۸ ، وهي فترة تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا ، بعد فوزه في انتخابات عام ۲۰۰۲ . وقد تناولت الدراسة تاريخ العلاقات التركية السورية ، التي غالباً ما اتسمت خلال المراحل التاريخية بالتوتر ، الذي زال بتوقيع اتفاقية أضنه ، لتبدأ بعدها تركيا مرحلة جديدة في علاقاتها ، ثم مجئ التحول الكبير في السياسة الخارجية التركية بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا ، ورؤية الحزب أن تركيا ليست دولة طرفية ، كما كان ينظر إليها أيام الحرب الباردة ، لكنها دولة مركزية لديها القدرة على توفير الأمن والاستقرار ، ليس لنفسها فقط بل ولجيرانها ايضا .

تكمن المشكلة في تذبذب العلاقات التركية السورية ما بين التأزم تارة وكادت أن تقترب من المواجهة العسكرية والصداع بينهما وتارة أخرى شهدت تحسنا ملموسا وعليه فإن الإشكالية تتمحور حول تأثير البنية الداخلية والمتغيرات الإقليمية والدولية في التوجهات الخارجية الجديدة لتركيا تجاه سوريا وحاولت الدراسة تغطية مواضيعها من خلال طرح التساؤل الرئيسي وهو ما مدى تأثير السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا في العلاقات التركية السورية؟ ومن ثم هناك مجموعة من الأسئلة الفرعية تتفرغ عن التساؤل الرئيسي وهي :-

  • كيف تطورت السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا في فترة 1945 إلى ٢٠٠٢ ؟
  • ما هي محددات السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا ؟
  • ما هي الأدوات التي استخدمها تركيا في سياستها الخارجية تجاه سوريا ؟

وهدفت الدراسة إلى تتبع تطور السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا واستعراض محددات السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا وتحديد ادوات تنفيذ السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا .

(١) محمد التلولي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا ۲۰۰۲ – ۲۰۰۸م، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، غزة، ٢٠١١م .

اعتمدت الدراسة على منهج التحليل النظمي لبريتشر حيث إن منهج تحليل النظم لبريتشر يحلل السياسة الخارجية تحليلا نظميا ، من منطلق أنها تصاغ بالاعتماد على نوعين من العوامل ( الخارجية والداخلية ) ضمن فكرة التأثير والتأثر والتغذية الراجعة بينهما . فنظام السياسة الخارجية حسب مايكل بريتشر يتكون من مجموعة متغيرات هي البيئة ، ومجموعة فاعلين ، ومكونات النظام . ثم إن نظام السياسة الخارجية يبدأ بقرارات استجابة لتحديات وعمليات تدعم ، أو تؤجل تدفق المطالب واعتمدت أيضا على نظرية التحالفات من منطلق المنفعة المتبادلة والذي يتم الاستعانة به إلى جانب المنهج الأساسي المستخدم لهذه الدراسة ، حيث أن العلاقات الدولية تستند لمنهج المنفعة المتبادلة بين الدول .

وتوصلت هذه الدراسة إلى إن الأهداف التي تسعى السياسة الخارجية التركية لتحقيقها هي أهداف مشروعة ، فهي تريد حماية أمنها القومي ، الذي يعتبر أسمى الأهداف وربما توظف الدولة كثير من الأدوات لتحقيقه ، وهو من الأهداف السياسية ، وبدونه لا تعتبر الدولة نفسها قد حققت باقي الأهداف إلا في جوانب محدودة طالما تم تهديد الأمن القومي للدولة .

  1. رسالة ماجستير لأحمد خنفوف (2016) بعنوان “السياسة الخارجية التركية والإيرانية تجاه النزاع في سوريا” ، قسم العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر .

تعتبر كل من إيران وتركيا دولتان محوريتان في نظامهما الإقليمي المشترك، ويعود هذا إلى الموقع الجغرافي والموروث التاريخي والثقافي التي تربطهما بدول الشرق الأوسط كما عملتا على توظيف هذه العوامل من اجل التأثير والسيطرة على الإقليم من خلال تقديم نفسهما كنموذج يحتذى من هذه الدول، ويتجلى هذا الدور أكثر في قضايا المنطقة الأخيرة خاصة القضية السورية وما لها من تداعيات على موقفهما وإستراتيجياتهما المتبعة لذلك تحاول هذه الدراسة البحث في السياسة الخارجية التركية الإيرانية تجاه النزاع السوري . (١)

(١) احمد خنفوف، السياسة الخارجية التركية والإيرانية تجاه النزاع في سوريا، رسالة ماجستير، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر، ٢٠١٦ .

وارتكانا لما سبق فإنه ما يبعث على هذا التساؤل في هذا السياق هو ما مدى تأثير تفاعلات القوى الإقليمية إيران وتركيا في توجيه النزاع السوري ؟ ويتفرع عن هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعية وهي :-

  • ما هي محددات السياسة الخارجية لإيران وتركيا ؟
  • كيف يساهم صدام المصالح الإستراتيجي بين إيران وتركيا في تأجيج النزاع السوري ؟
  • ما هي فعالية الإستراتيجيات المتبعة من قبل إيران وتركيا في إحتواء النزاع السوري ؟

وتكمن فرضيات الدراسة في الآني :-

  • من شأن الأهمية الإستراتيجية لسوريا أن تساهم في صدام القوى الإقليمية إيران وتركيا الأمر الذي سينعكس بالسلب على النزاع السوري .
  • من شأن تغيير ميزان القوى بين القوى الإقليمية إيران وتركيا في إحتواء النزاع وذلك حسب مصالح الطرف المسيطر على الوضع .

واعتمدت هذه الدراسة علي المنهج الوصفي حيث تم الإعتماد عليه من أجل وصف محددات السياسة الخارجية لكل من إيران وتركيا خاصة المتعلقة بالجانب البوليتيكي والعلاقات التي تربطها بالفواعل الأخرى والمنهج التاريخي من أجل سرد الوقائع التاريخية المتعلقة بالعلاقات الإيرانية التركية بالفواعل الدولية وكذا التتبع التاريخي لكل من طبيعة النزاع السوري والمواقف واستراتيجيات التركية والإيرانية تجاه الأزمة السورية والمنهج المقارن من أجل مقارنة المواقف والإستراتيجيات لكل من إيران وتركيا .

أما بالنسبة للأهداف المتواخاة من الدراسة فإنها ترسى بالأساس إلى إستعراض محددات السياسة الخارجية الإيرانية والتركية وإبراز كيفية تعامل القوى الإقليمية والدولية مع الأزمة السورية ، والكشف عن الأهداف المباشرة وغير المباشرة في النزاع السوري واستعراض وتحليل المواقف والإستراتيجيات الإيرانية والتركية حيال الأزمة السورية .

وتوصلت هذه الدراسة إلى أن كل من إيران وتركيا دور كبير ومحوري في الشرق الأوسط وذلك لعدة اعتبارات منها ما هو جغرافي ومنها ما هو تاريخي وثقافي وان لكل من محددات السياسة الخارجية التركية والإيرانية دور كبير في تحديد موقفها تجاه النزاع السوري وان كل من إيران وتركيا يعملان على تجسيد نفوذهما في سوريا من خلال دعمهما لأطراف النزاع وهو ما أبرز التنافس الإيراني والتركي بشكل واضح .

  1. رسالة دكتوراة لطالبي اسيا (2017) بعنوان “ابعاد الموقف التركي تجاه الثورات العربية دراسة حالة سوريا خلال الفترة من 2011 إلى 2017” ، قسم الدراسات الدولية، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، الجزائر . (١)

تناولت الدراسة أبعاد الموقف التركي تجاه الثورات العربية ، دراسة حالة سوريا ، خلال الفترة 2010 . 2017 ، إذ شهدت هذه الفترة حراك عربي لبعض الدول العربية بداية من تونس ، ليبيا ، مصر ، البحرين ، اليمن وصولا إلى سورية . وركزت الدراسة على الموقف التركي حيال الثورات العربية ، إذ تبنت مواقف مختلفة بشأن دعم هذه الثورات .

تكمن إشكالية الدراسة في إن دراسة موضوع أبعاد الموقف التركي تجاه الثورات العربية دراسة حالة سوريا – يركز بالدرجة الأولى حول إبراز مواقف تركيا المتعلقة بالثورات العربية وبالأخص موقفها من الأزمة السورية ، لأن سورية تعتبر دولة ذات حدود ملتصقة بتركيا واستنادا إلى ما تقدم تتمحور الدراسة حول تساؤل رئيسيوهو ما مدى تأثير الموقف التركي على الثورات العربية من خلال الأزمة السورية ؟

وارتبطت الإشكالية بمجموعة من التساؤلات الفرعية  وهي :-

  • ما هي محددات الموقف التركي تجاه الثورات العربية وخاصة ما تعلق بالأزمة السورية؟
  • لماذا تهتم تركيا بكل ما يحدث على الساحة العربية ؟
  • هل أثرت الثورات العربية على الأمن القومي التركي مع تأزم الوضع أكثر في سوريا ؟
  • ما هي السيناريوهات المحتملة لحل الأزمة السورية ؟

تكمن فرضيات الموضوع كالأتي :-

  • كلما كان هناك استقرار في المنطقة العربية كلما ساعد ذلك تركيا على إبراز دورها ومكانتها على الساحة الإقليمية الدولية .
  • من مصلحة تركيا استقرار سورية ذلك أن سورية تعتبر حليف سياسي وشريك إقتصادي مهم لها ، وأي تأزم في إدارة الأزمة السورية يؤثر ذلك سلبا على أمن تركيا .

(١) طالبي اسيا، ابعاد الموقف التركي تجاه الثورات العربية دراسة حالة سوريا خلال الفترة من 2011 إلى 2017، رسالة دكتوراة ، جامعة الجزائر، ٢٠١٧ .

اعتمدت الدراسة على منهج دراسة الحالة حيث يعتمد هذا المنهج على التعمق في دراسة المعلومات الخاصة بمرحلة معينة من تاريخ هذه الوحدة أو دراسة جميع المراحل التي مرت بها ، ويتم فحص واختبار الموقف المركب أو مجموعة العوامل التي تتصل بسلوك معين في هذه الوحدة ، بغرض الكشف عن العوامل التي تؤثر فيها ، ثم الوصول إلى تعميمات علمية متعلقة بها وبغيرها من الوحدات المشابهة بالإضافة إلى الاعتماد على المنهج التاريخي .

هدفت هذه الدراسة إلى إبراز ملامح الموقف التركي من الثورات العربية وبالأخص موقفها من الأزمة السورية وهنا تبرز تركيا دورها في محاولتها إيجاد حل لهذه الثورات العربية.

وقد خلصت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن تركيا تسعى للعب دور إقليمي في المنطقة العربية ، من خلال الوقوف إلى جانب الشعوب العربية التي تسعى إلى تغيير النظام القائم وهذا بغية تأكيد تركيا لرسم معالم سياستها الخارجية القائمة على مبدأ تصفير المشكلات .

  1. کتاب عقیل سعید محفوض ( ۲۰۰۹ ) : سوريا وتركيا … الواقع الراهن واحتمالات المستقبل ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت . (١)

وقد تناول الكتاب دراسة العلاقات بين سوريا وتركيا : عوامل التجاذب وعوامل التنافر ، بصورة تتأسس على مكونات رئيسية تخص الجانب المنهجي والتاريخي والإمكانات الداخلية ، والسياسات الخارجية ، والواقع الراهن ، وأخيراً احتمالات المستقبل وهي دراسة تتكون من إحدى عشر فصلاً ، تناولت العلاقات العربية التركية ، واهتمامات البلدين في الشؤون الإقليمية والدولية وقد تناول الكاتب موضوعاته بطرح آلية التجاذب والتنافر على افتراض أن كل مفردة من مفردات العلاقات بين سوريا وتركيا تنطوي على بعد تقاربي ، كما تنطوي على بعد تنافري .

اما المنهج المستخدم ، فقد اعتمد بشكل أساسي على النظرية العامة للنظم ، ومداخل فرعية وسيطة ، مثل : الجغرافيا السياسية ، والقومية ، والقوة ، والاعتماد المتبادل ، وتحليل السياسة الخارجية ، والدراسات المستقبلية .

(١) عقیل سعید محفوض، سوريا وتركيا … الواقع الراهن واحتمالات المستقبل ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، ٢٠٠٩ .

وهدفت الدراسة إلى تحقيق أهداف عدة أهمها بيان الخلفية التاريخية للعلاقات بين الدولتين، بما هي جزء من التكوين السيكولوجي والذاكرة السياسية لديهما، وتقديم منهجية مقترحة في دراسة العلاقات الدولية للطرفين، واختبار تدخلات منهجية تقوم على جدلية، أو مفهوم “التجاذب – التنافر”، ودراسة السياسة الخارجية السورية وتركيا في أبعادها العامة، والبحث في تأثير البيئة الدولية والإقليمية والبينية والدولتية في العلاقات موضوع الدراسة، واستشراف احتمالات المستقبل .

وقد خلص الكاتب إلى أن العلاقة بين البلدين قابلة للانتكاس ما لم تؤسس على التغيير والتحديد في النظر إلى الآخر ، وتفهمه والتفاعل المباشر في سوريا .

  1. رسالة ماجستير للباحثتين نور الشريعي وعلا منصور (2017) بعنوان “الدور التركي في الأزمة السورية” ، مركز دمشق للأبحاث والدراسات ، أكتوبر ٢٠١٧ .  

تركز هذه الدراسة في المحور الأول على طبيعة حكومة “حزب العدالة والتنمية” وعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ويستعرض المحور الثاني الصور الأولى للتدخل التركي في الأزمة السورية، عبر عقد مؤتمرات ل المعارضات السورية” وتمويلها والسيطرة عليها، ودعم الجماعات المسلحة المختلفة بما فيها المدرجة على قائمة الإرهاب الدولي، إضافة لمحاولة الحكومة التركية استخدام ورقة حماية التركمان السوريين كذريعة لتدخلها في الحدث السوري، أما المحور الثالث فيتناول العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش الإرهابي، ويوضح الدور التركي في تزويده بالسلاح و تجليد وتدريب مقاتليه وتأمين المساعدات اللوجستية والرعاية الطبية، إضافة لدعمه ماليا عن طريق شراء النفط، وصولاً إلى القتال إلى جانبه في بعض المعارك . (1)

تدور إشكالية الدراسة حول ما علاقة تركيا بسوريا والتدخل التركي في سوريا بحجة حماية التركمان السوريون والأتراك . وتفرع عن هذه الإشكالية عده تساؤلات فرعية وهي :-

  • ما حجم التدخل التى فعلته تركيا داخل الدولة السورية .
  • وهل استعانت الدولة التركية بجماعات أخرى غير نظامية في حربها في سوريا .
  • وما مدى دعم تركيا للمعارضة في سوريا .

(١) نور الشريعي وعلا منصور، الدور التركي في الأزمة السورية، رسالة ماجستير، مركز دمشق للأبحاث والدراسات ، أكتوبر، ٢٠١٧ .

اما المنهج المستخدم فاعتمد الباحثتان على المنهج التحليلي لسرد كل الأخطاء التي حدثت من التدخل التركي في سوريا وسردها من اولها التدخل التركي في سوريا ووجود داعش ودعم تركيا للمعارضة السورية والجيش الحر .

تسعى هذه الدراسة إلى توضيح الدور التركي في الأزمة السورية منذ أيامها الأولى، وتبين أن التدخل التركي الواضح والصريح يعكس الأطماع التركية، القديمة المتجددة في المنطقة، إذ كانت التصريحات والتهديدات التي أطلقها المسؤولون الأتراك والخارجة عن أصول الدبلوماسية، بمثابة بداية التدخل في مجريات الأزمة السورية .

تحاول الدراسة تتبع مراحل التدخل التركي في الأزمة السورية، الذي ترجم ميدانياً عبر تأسيس ودعم وتدريب تنظيمات مسلحة، تتبني الفكر الإخواني وما يشابهه، وعلى رأسها ما سمي “الجيش السوري الحر” الذي أعلن تأسيسه من داخل تركيا، والتي أسنت له الحماية والمال والسلاح والمعلومات وسهولة الحركة انطلاقاً من أراضيها، لتتحول تركيا بذلك إلى دولة معادية لسوريا .

تشير الدراسة إلى علاقات الحكومة التركية مع التنظيمات السلفية الجهادية الإرهابية والتي ارتكبت جرائم مروعة بحق الشعب السوري، وتكشف تورط الحكومة التركية في إنشاء تحالفات قوية مع “أحرار الشام” و”نور الدين الزنكي”وغيرهم ممن سمتهم لاحقاً “درع الفرات”، والسيطرة على المعابر الحدودية الشمالية وتأمينها، بهدف ضمان وصول “المجاهدين” والإعداد والتسليح والعلاج واستخدامهم في تنفيذ أغراضها الخاصة، كقتال الأكراد في العديد من الحالات وتشير الدراسة إلى أن الحكومة التركية لم توفر أية وسيلة لتصعد من تعقيد الحدث السوري .

تخلص الدراسة إلى أن الحكومة التركية لعبت دورا هداما في الأزمة السورية، أجج النزاع وزاد من حدثه، وحول الأزمة السورية إلى حرب مفتوحة على الشعب السوري عبر تسهيل ظهور التنظيمات الإرهابية والسماح بتزايد أعدادها وقوتها، مع ادعاء الحكومة التركية، في الوقت نفسه بوقوفها مع الشعب السوري في محنته محاولة اخفاء مطامعها في المنطقة، والسعي لتحقيق الحلم الإمبراطوري العثماني الإسلامي .

  1. رسالة ماجستير للباحث ابراهيم احمد حسن ناصر (2015)، “بعنوان الدور التركي في الازمه السورية” ، مجلة تكريت للعلوم السياسية ، 2015 .

هذه الدراسة مقسمه الى اربعة مباحث وتناولت في المبحث الاول مفهوم الدور ووصفته الدراسة بان له بعد اجتماعي سيكولوجي بالدرجة الاولى وهو امر يتعلق بالفرد كما عرفته بانه نمط من الدوافع والاتجاهات والسلوك التي يتوقع اعضاء الجماعة رؤيتها كردود افعال اتجاه ما يجرى من احداث سياسية واقتصادية او اجتماعية . (١)

اما المبحث الثاني فقد تناولت فيه دراسة السلوك السياسي التركي تجاه الازمة السورية حيث اكدت الدراسة على ان العلاقات التركية السورية مرت بحقبة طويلة من الخلاف والتوتر وانتهى ذلك التأزم بالتوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجية بين البلدين ولكن اندلاع الازمة السورية وضعت تركيا امام حسابات مختلفة وذلك نظرا الى اهمية سورية الخاصة بالنسبة لتركيا فضلا عن محاذاتها الجغرافية المباشر وقد ادى ذلك الى الرجوع الى ما كانت عليه الاحداث من توتر .

اما المبحث الثالث فقد تناولت الدراسة فيه السلوك الانساني متمثلا في اللاجئين السوريين والمطالبة التركية بإقامه مناطق امنه في الشمال السوري وكيفيه تبني تركيا منذ البداية موقف ايجابي تجاه اللاجئين السوريين، اما المبحث الرابع فقط تناول السلوك العسكري التركي تجاه الازمه السورية من دعم المعارضة السورية الى التدخل العسكري المباشر في سوريا .

تنبع اهمية هذه الدراسة بان موضوع الدور التركي تجاه الازمة السورية بات من المواضيع المهمة وخاصة بعد تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 وما يسمى بالربيع العربي وحاولت في هذه الدراسة النظر في اهمية دور تركيا تجاه الازمة السورية بصفها واحده من الدول الإقليمية المؤثرة في هذه الازمة التي نشبت في عام 2011 والتي لها تأثير كبير في السياسة التركية ودورها الاقليمي وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية .

لقد اعتمد في هذه الدراسة على عدد من المناهج منها المنهج التحليل الوصفي إضافة الى المنهج التاريخي بهدف التعرف على الدور التركي تجاه الازمة السورية .

(1) ابراهيم احمد حسن ناصر، الدور التركي في الازمة السورية، رسالة ماجستير، مجلة تكريت للعلوم السياسية، 2015 .

خطة الدراسة

الفصل الأول :  التطور التاريخي للعلاقات التركية السورية

المبحث الأول : الخصائص المميزة للعلاقات التركية السورية في مرحلة ما بعد استقلال سوريا

المبحث الأول : الخصائص المميزة للعلاقات التركية السورية في مرحلة ما بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا (2002 – ٢٠١٢)

الفصل الثاني : محددات وأهداف السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية

المبحث الأول : محددات السياسة الخارجية التركية من الأزمة السورية

المبحث الثاني : أهداف السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا

الفصل الثالث : الموقف التركي من الأزمة السورية

المبحث الأول : موقف تركيا من نظام حكم الرئيس بشار الأسد

المبحث الثاني : موقف تركيا من القوى السياسية السورية المعارضة

المبحث الثالث : التدخل العسكري التركي في سوريا

الفصل الرابع : الموقف التركي من التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا

المبحث الأول : موقف تركيا من التدخل الأمريكي والأوروبي والروسي في سوريا

المبحث الثاني : موقف تركيا من التدخل الإيراني في سوريا

المبحث الثالث : موقف تركيا من التدخل الإسرائيلي في سوريا

الخاتمة والنتائج 

السيناريوهات المستقبلية للعلاقات التركية السورية

التوصيات

المصادر والمراجع

الفصل الاول

التطور التاريخي للعلاقات التركية السورية

تمهيد

بعد انهيار الدولة العثمانية أسس مصطفي كمال دولة تركيا الحديثة، وقد أظهر عداءً للعرب أثر من جديد على العلاقات العربية التركية، وقد تم سلخ لواء الإسكندرونة عام 1939م ليبقى سبباً رئيساً لتوتر العلاقات التركية السورية والذي يظل حاضرا في كل المحطات .

وقد أخذت تركيا تُولى المنطقة العربية اهتماماً بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وزاد هذا الاهتمام حينما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتجه بدورها إلى تلك المنطقة منذ عام 1946م. وكان لاعتراف تركيا بإسرائيل عام 1949م، ثم تبادل العلاقات الدبلوماسية معها على مستوى السفراء سبباً جديداً لتوتر العلاقات العربية التركية حيث أن تركيا قد اشتركت مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا عام 1951م في تأسيس منظمة قيادة الشرق الأوسط، إلا أن هذا المشروع لم يدخل حيز التنفيذ نتيجة رفض الأقطار العربية له، وعلى الرغم من ذلك فقد استطاع الغرب بلورة مشروع قيادة الشرق الأوسط عام 1955م، وذلك عن طريق تأسيس حلف بغداد وقد كان لانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي أثرا على العلاقات التركية السورية التي وصلت إلى حافة الهاوية عام 1957م . (١)

وقد طرأت تغيرات جذرية على السياسة الخارجية التركية نحو الوطن العربي منذ عام 1946م، وذلك نتيجة الأزمة القبرصية ولأسباب اقتصادية وانتخابية داخلية مع الوطن العربي، إذ أدرك القادة الأتراك أن توطيد أواصر الصداقة مع الوطن العربي يخدم المصالح التركية القومية، إلا أن تركيا من جانب آخر، قدمت كل التسهيلات الدفاعية للتحالف الأطلسي الأمريكي ضد العراق عام 1990م، وبذلك تكون تركيا فقدت مصدراً اقتصادياً مهماً نتيجة سياسة الحصار على العراق وفي الوقت نفسه اتجهت تركيا نحو الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى للتعويض من الضرر الذي لحقها أثناء العدوان على العراق، فضلاً عن ذالك فإن تركيا منهمكة في قضايا دولية أخرى مثل قبرص وبلغاريا والبوسنة والهرسك . (١)

(١) عقيل سعيد محفوض، سوريا وتركيا ….. الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، مركز دراسات الوحدة العربية، ط١، بيروت، أكتوبر، ٢٠٠٩م .

وقد هدأت حدة التوترات في فترة الستينات والسبعينات إلى أن عادت في الثمانينات حينما بدأت تركيا مشروع تطوير جنوب شرق الأناضول فيما سمي بمشروع الغاب، وأثر هذا المشروع على تدفق مياة الفرات باتجاه سوريا والعراق، وقد أصبح مشكلة مركزية بين كل من تركيا من جهة، وسوريا والعراق من جهة أخرى في عقد التسعينات، ثم بدأت مشكلة حزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبدالله أوجلان . (٢)

اما في الفترة ما بين 1994 – 1997م، فقد كانت بدايات التحالف الأمني مع إسرائيل في عام 1994م، ثم العسكري والاستراتيجي في عام 1996م، وتوقيع الاتفاقيات الأمنية وصولاً إلى المناورات البحرية والجوية المشتركة التي امتدت إلى ما بعد عام 1997م، وذلك ما أثر على العلاقات العربية التركية عموماً، والسورية التركية خصوصاً، وقد وصلت التوترات إلى ذروتها في عام 1998م وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الطرفين، إلى أن تم توقيع اتفاقية آضنة، التي اعتبرت كبداية لمرحلة التطبيع الكامل بين الدولتين، وتوج ذلك بحضور الرئيس التركي أحمد سيزر مراسم جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد في يونيو 2000م، وقد كانت هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس تركي منذ زيارة عدنان مندريس قبل تنحيته عام 1961م . (٣)

(١) محمد نور الدين، الفصل الرابع (الشرق الأوسط في السياسة الخارجية التركية) من كتاب : العرب والأتراك في عالم متغير، ط٢، بيروت، ١٩٩٣م، ص١١٨- ١١٩ .

(٢) عقيل سعيد محفوض، مرجع سابق، ص٨٦-٨٧ .

(٣) احمد نوري النعيمي وآخرون، مرجع سابق، ص٢٧ .

ثم بدأت هذه العلاقات تشهد تقدماً حثيثاً، حيث فاز حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002م، وبعدها توالت الزيارات للمسئولين من كلا البلدين، وتعمقت العلاقات بينهما حتى باتت تركيا تلعب دور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل (١)، وهذا ما سيتناوله الفصل الأول من خلال مبحثين :-

المبحث الأول : الخصائص المميزة للعلاقات التركية السورية في مرحلة ما بعد

استقلال سوريا .

المبحث الثاني : الخصائص المميزة للعلاقات التركية السورية في مرحلة ما بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا (2002 – ٢٠١٢) .

(١) محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، مرجع سابق، ص٢٧ .

المبحث الأول : العلاقات التركية السورية في مرحلة ما بعد استقلال سوريا

لم تكن العلاقات التركية السورية ودية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، فقد أثارت السنوات الأولى لظهور القومية العربية المشاعر ضد الأتراك وخاصة في سوريا وليس من الغرابة أن تقف سوريا إزاء تركيا موقفا متشددا وصلبا لان ما هو حاصل بين الدولتين من مشاكل وتوترات كثيرة، أهمها استلاب تركيا للواء الاسكندرونة العربي ، وبدء من اتفاقية أنقرة عام 1926 اعترفت فرنسا لتركيا بحق السيطرة على اللواء مقابل امتيازات في مناجم الحديد والفضة والمرافئ والأنهر، إذ عمل الأتراك على محو هوية اللواء العربية عبر تكثيف الهجرة التركية إليه ، ومنع التكلم باللغة العربية، وبعد وفاة أتاتورك عام 1938م تسلم السلطة في تركيا عصمت اينونو وما لبث أن تفاقم الخلاف مع سوريا بسبب لواء لاسكندرونة واجراء انتخابات نيابية في اللواء التي تم تزويرها من قبل فرنسا وتركيا . (١)

اتسمت العلاقات التركية السورية طوال عهد عصمت اینونو (1938 – 1973) ، بالتأزم والعداء بسبب سياسات اينونو التعسفية كما انتابت العلاقات منذ استقلال سوريا عام 1946 حالات من التوتر وعدم الاستقرار بسبب محاولات تركيا للضغط على سوريا لإدخالها في مشاريع الأحلاف الغربية في عقد الخمسينات، وان هذا التأزم جاء أيضا بسبب اتجاه تركيا نحو الدول الغربية وبالمقابل عززت سوريا علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي.(٢)

وفي عقد الستينات من القرن العشرين بدأت تركيا تعيد سياساتها تجاه الدول العربية بسبب وقوف حلفاء تركيا الغربيين إلى جانب اليونان أثناء عرض مشكلة قبرص في الأمم المتحدة، مما دفع تركيا للتصويت لصالح الدول العربية في حرب العرب وإسرائيل، وقد تمكنت سوريا وتركيا في عقد السبعينات حل الكثير من مشاكل الحدود ، وزيادة حجم الاتصالات الثنائية الرسمية لكبار مسؤولي البلدين وحدث انفراج في علاقات البلدين، إذ قدمت تركيا لسوريا عن طريق الصليب الأحمر شحنات كبيرة من مصل الدم كإشارة للتعاطف مع سوريا والعرب والسماح للاتحاد السوفيتي بإعادة تزويد الجيش السوري والمصري بالسلاح عن طريق المرور فوق مجالها الجوي .

_______________________________

(١) حامد محمد طة، العلاقات التركية السورية ١٩٩٨ – ٢٠١١، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، العراق، ٢٠١٢م، ص٣ .

(٢) محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، مرجع سابق، ص١٥.

ولم تمض سنوات قليلة حتى ظهرت عوامل أدت إلى توتر العلاقات من جديد حيث قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م الأمر الذي اقلق تركيا، وتمثل في تربص تركيا ودخولها المتخفي على خط سياسة الاحتواء تجاه سوريا . وقد أعدت رئاسة الأركان التركية تقريرا جاء فيه : ( إن الخطر قادم من الجنوب وان العدو الأكبر لتركيا هو سوريا ) ، ويعتبر التقرير مسالة الاسكندرونة بؤرة التفجير في العلاقات التركية السورية ويرى التقرير أيضا إن سوريا تحرض المجموعات الاثنية في جنوب شرق الأناضول ضد الحكومة التركية . (١)

وجرت محاولات لتطبيع العلاقات الثنائية من خلال التقليل من أزمة الإرهاب، ففي عام 1980م قام نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام بزيارة إلى تركيا أعقبتها زيارة وزير الخارجية التركي آنذاك إلى دمشق لتبادل المعلومات بشأن الأمن . أما في عام1998م أقدمت تركيا على خطوة مفاجئة بحشد قواتها العسكرية على الحدود السورية بحجة أن صواريخ ( سام ) الموجودة في سوريا تشكل تهديدا للأمن التركي إذ سارعت تركيا إلى عقد اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية لنصب صواريخ ( بيرشنغ ) الأمريكية لمواجهة الصواريخ السوفيتية في الأراضي السورية . (٢)

في السبعينيات بـدا حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان حركته المسلحة في تركيا بالهجوم على مدن شيرناك واروخ وشيروان في ولاية سیرت وقصبة شمدينني في ولاية حكاري فكان هذا الهجوم المسلح بداية لحرب طويلة الأمد حيث إن المتتبع للعلاقات التركية السورية المعاصرة وموقف سوريا من الحركة الكردية المسلحة في تركيا منذ عام ١٩٨٤م له انعكاسات خطيرة على علاقات البلدين، إذ تشير المصادر التركية الرسمية إن العمليات التي يشنها حزب العمال الكردستاني هي بدعم من سوريا متهمة إياها بتدريب وايواء حزب العمال الكردستاني في معسكرات سورية وفي سهل البقاع في لبنان ومن بين أهداف سوريا من ذالك هو عرقلة تنفيذ مشروع الغاب فضلا عن مشكلة المياه إذ بدأت تركيا ببناء سدود عديدة على نهر الفرات وروافده في تركيا ضمن إطار مشروع الغاب دون تشاور مع سوريا والعراق وتتطلع تركيـا مـن خـلال هذا المشروع التنموي إلى تحقيق عدد من الأهداف والمكاسب السياسية والاقتصادية .

_________________________________

(١) احمد نوري النعيمي، العلاقات العربية التركية، مرجع سابق، ص٣٣٣ .

(٢) حامد محمد طة، العلاقات التركية السورية ١٩٩٨-٢٠١١، مرجع سابق، ص٤ .

ولكن سرعان ما عاد التوتر في العلاقات بين البلدين بعد اتهام سوريا بالضلوع بمحاولات تخريبية داخل تركيا واكتشاف مؤامرة لتدمير موقع بناء سد أتاتورك على يد مجموعة من عناصر حزب العمال الكردستاني بدعم وتحريض من سوريا ومما خفف من حدة التوتر زيارة الرئيس التركي توركوت اوزال إلى سوريا في يوليو 1987م، إذ ابرم اتفاقية لتزويد سوريا بمياه نهر الفرات إلا أن تركيا لم تلتزم بمستوى تدفق المياه مما أثار الخلاف مجددا، كما تحدث اوزال في مدينة فيلادليفيا قائلا : ( إن هناك عاملا مهما في الشرق الأوسط هو أن كمية المياه محدودة في تلك المناطق وأن مصدر الماء أكثر ما ينبع من تركيا ونحن نسعى لحل مشكلة المياه مع جيراننا ) . (١)

وقد أثارت عملية السلام العربية الإسرائيلية في مدريد في أكتوبر 1991م قلق تركيا وخاصة في الشأن السوري إذ افترضت إن سوريا بعد السلام ستتفرغ للملف التركي إلا أن فشل عملية السلام بين سوريا واسرائيل هو ما أتاح لتركيا فرصة تقوية علاقاتها مع إسرائيل والمضي في تحالف متسارع يتيح لكل من تركيا واسرائيل الضغط على سوريا، وفي عام 1993م قام الرئيس التركي سليمان ديميريل بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مسعى لتحديد الدور التركي وصرح قائلا ( إن تركيا دولة أوربية وبلقانية وغرب أسيوية وشرق أوسطية ومتوسطة )   ، ولكن سرعان ما عاد التوتر في العلاقات بسبب قضيتي الأمن والمياه .(٢)

واثناء قيام تركيا بعملية الفولاذ عام ١٩٩٥م ضد حزب العمال الكردستاني ادعت رئاسة الأركان التركية ان سوريا زودت حزب العمال الكردستاني بصواريخ سام ولكن سوريا نفت الاتهامات التركية ووصل مستوى العلاقات إلى ذروة التوتر والتأزم ووصل التصعيد العسكري إلى مواجهة محتملة بين البلدين (٣)

(١) عقيل سعيد محفوض، مرجع سابق، ص٨٣-٨٤ .

(٢) حامد محمد طة، العلاقات التركية السورية ١٩٩٨-٢٠١١، مرجع سابق، ص٥ .

(٣) بشيري زهدي الروسان، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا (١٩٩٠-١٩٩٩)، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، ٢٠٠٤ ، ص ٣٥ .

لاريب أن تاريخ العلاقات التركية العربية يعود لقرون طويلة كانت فيها سوريا جزءًا من الإمبراطورية العثمانية لأكثر من أربعة قرون متتالية، انتهى الحكم العثماني بإنهيار الإمبراطورية وتأسيس الجمهورية التركية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانتهى نفوذ العثمانيين بشكل كامل في سوريا عام 1920م مع دخول قوات الانتداب الفرنسي وفقًا لاتفاقية سايكس بيكو مع الإنجليز 1916م ومنذ ذلك الحين حتى نهاية القرن الماضي، سيطرت عدة قضايا رئيسية على على مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي : قضية هاتاي (لواء إسكندرون)، قضية المياه العابرة للحدود، وقضية حزب العمال الكردستاني . (١)

المطلب الأول : قضية هاتاي (لواء إسكندرون)

كانت قضية لواء إسكندرون من أهم المحطات في سياسة أتاتورك الخارجية وعلى الرغم من أن إقليم إسكندرون، المعروف حاليًا باسم هاتاي في تركيا، كان داخل حدود الميثاق الوطني الذي رسم حدود الدولة التركية، فقد تُرك لإدارة الانتداب الفرنسي في سوريا نتيجة لاتفاقية أنقرة الموقعة مع فرنسا في 20 أكتوبر 1921، التي أعطت الإقليم حق الإدارة الذاتية في إطار المعاهدة وفي عام 1921، أُنشئت إدارة خاصة لإقليم إسكندرون تتبع ولاية حلب وفي عام 1925 أُدرجت اللغة التركية كلغة رسمية في الإقليم إلى جانب العربية والفرنسية وفي عام 1926، وقعت فرنسا مع تركيا اتفاقية حسن الصداقة والجوار نيابة عن سوريا، وتم تأكيد بنود اتفاقية أنقرة مرة أخرى وبفضل هذا الاتفاق، الذي أخذ العلاقات خطوة إلى الأمام، توصل الطرفان إلى تسوية بشأن وضع هاتاي لفترة وجيزة، وتزامن ذلك مع رفض الحكومة السورية هذا الاتفاق، بحجة أن لواء إسكندرون جزء من التراب السوري وقد غيرت فرنسا اسم حكومة إسكندرون الذاتية، التي شكلت في ظل الانتداب الفرنسي، عام 1926، إلى حكومة شمال سوريا، لأن الاسم الأول لاقى معارضة من طرف الحكومة السورية، ولذلك قبلت فرنسا بربطه بحكومة سورية العاملة في ظل الانتداب الفرنسي غير أن الضغوط التي مارسها الأتراك على الفرنسيين والسوريين أدت إلى قبول الحكومة السورية بمنح وضع خاص لإقليم إسكندرون عام 1928 . (٢)

________________________________

(١) محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، مرجع سابق، ص١٧.

(٢) محمود خليل يوسف، العلاقات السياسية التركية السورية في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية ٢٠٠٨ – ٢٠١٤، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الأدب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهر، غزة، 2013، ص 102 .

بدأت العلاقات السورية التركية في التدهور بسبب اقتراح تركي على فرنسا بمنح إقليم إسكندرون حق الاستقلال وأثمرت جهود فرنسا لنشر العداء التركي في سورية، وحاولت الحكومات المحلية الخاضعة للانتداب غرس هذا العداء، خاصة بين الشباب ونقلت تركيا قضية لواء الإسكندرون إلى عصبة الأمم مطالبة بمناقشة النزاع التركي الفرنسي حول لواء إسكندرون وفي اجتماع مجلس عصبة الأمم، الذي عقد في 27 يناير 1937، اتضح أن إسكندرون سيكون كيانًا منفصلًا ، وسيتم إعداد دستور لهذا الإقليم الذي سيظل مستقلًا في الشؤون الداخلية ؛ في حين تدار شؤونه الخارجية من قبل الدولة السورية، ولكن لا يمكن لسورية أن تتخذ قرارات تضر بمكانة الإقليم من دون إذن من مجلس عصبة الأمم وقد نسفت الحرب العالمية الثانية الوضع الأمني في أوروبا برمته، وهذا انعكس إيجابًا لصالح تركيا في مسألة إسكندرون، فخففت فرنسا موقفها تجاهها وأُجريت انتخابات لمجلس هاتاي تحت إشراف مشترك من كلتا الدولتين، وحصل الأتراك على الأغلبية في التصويت وانتُخب طيفور سوكمان رئيسًا للإقليم الذي حصل رسميًا على استقلاله، واتخذ اسم جمهورية هاتاي، في 2 سبتمبر 1938، رسميًا اسمًا لهذه الدولة الناشئة . (١)

تسببت العلاقة الوثيقة بين تركيا وهاتاي في إثارة مخاوف الجانبين الفرنسي والسوري اللذين أغلقا الحدود السورية في وجه هاتاي للتضييق عليها، ما دفعها لمحاولة الانضمام إلى تركيا في عام 1939م وقبلت فرنسا، التي كانت بحاجة إلى تركيا في أجواء الحرب العالمية الثانية المتوترة ، مطالب الجانب التركي ووقعت على اتفاق الحل النهائي للمشكلة الإقليمية بين تركيا وسوريا في 23 يونيو 1939، وأعلنت عدم ممانعتها تقرير هاتاي لمصيره ووافق مجلس هاتاي بالإجماع على الانضمام إلى تركيا، وأقرت الجمعية الوطنية التركية الكبرى قانون ضم هاتاي لتكون أخيرًا مقاطعة داخل حدود تركيا، ولكن في واقع الأمر، أصرت سوريا على عدم الاعتراف بضم لواء إسكندرون لتركيا، واصفة الحدث بالاتفاق غير القانوني بين فرنسا وتركيا، حتى أنها استمرت في إظهار هاتاي داخل حدودها الوطنية في خرائطها الرسمية، ومن ثم ظلت قضية هاتاي مسألة خلافية بين البلدين الجارين حتى هذه اللحظة . (٢)

____________________________________

(١) سعيد الحاج، محددات السياسة الخارجية التركية ازاء سوريا، مركز ادراك للدراسات والاستشارات، 2016، ص٣ .

(٢) المرجع السابق، ص٤ .

المطلب الثاني : قضية المياه العابرة للحدود: (نهرا دجلة والفرات)

أدت الحاجة المتزايدة لموارد المياه في القرن العشرين بسبب تنامي حجم السكان وخطر ندرة المياه إلى اتخاذ الدول إجراءات احتياطية للحفاظ على أمنها المائي وتسببت هذه الإجراءات في مشكلات حادة بين دول الشرق الأوسط، فقد كان نهرا دجلة والفرات، النابعان من جبال شرق وجنوب شرق الأناضول في تركيا، مصدرا لسلسلة من المشكلات بين تركيا وسوريا والعراق، بسبب تخطيط كل من هذه الدول الثلاث لإطلاق مشاريع وطنية تعتمد على مياه هذين النهرين، وعلى الرغم من استمرار المفاوضات بين تركيا والعراق في إطار اتفاقية الصداقة وحسن الجوار في عام 1946، وبين تركيا وسوريا من جهة أخرى، إلا انها لم تُحرز أي تقدم يذكر . (١)

وتزايد التوتر بين هذه الدول بشكل متصاعد بعد بناء تركيا سد كيبان على نهر الفرات في الستينيات، ثم سد آخر على نهر دجلة في الثمانينات، وإطلاقها مشروعًا ضخمًا وهو مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) سنة 1977، الذي يهدف إلى تحسين البنى الاقتصادية والظروف الاجتماعية للمنطقة وزيادة الاستثمار فيها حيث بدأت تركيا في تنفيذ مشروعها الكبير الذي أثار ردتي فعل سوريا والعراق، والذي سيقلل حصة سوريا من نهر الفرات بنسبة 40 في المائة، وحصة العراق بنسبة 80 في المائة، وذلك بعد تنفيذ خطة المشروع بالكامل، ويهدف إلى بناء 21 سدًا صغيرًا وكبيرًا ، والعديد من أنظمة الري وازداد قلق العراق وسوريا في عام 1990 حين بدأت المياه التي تتدفق لهذين البلدين في الانحسار بعد بناء سد أتاتورك الذي يُعد أكبر سد في مشروع “GAP”، وهذا ما دفع البلدين إلى نقل انشغالهما للساحة الدولية، غير أنهما لم يحظيا بنتائج تذكر حينها، ويعود السبب الرئيسي لمشكلة المياه بين العراق وسوريا وتركيا إلى رؤية تركيا لنهري دجلة والفرات كمياه وطنية تقع ضمن حقوقها السيادية المطلقة، بينما تنظر العراق وسوريا لمياه النهرين كمياه دولية لهما حق مكتسب من الاستفادة منها . (٢)

(١) داليا إسماعيل محمد، المياه والعلاقات الدولية، دراسة في أثر أزمة المياه على طبيعة ونمط العلاقات العربية التركية، مكتبة مدبولي، ط ١، القاهرة، ٢٠٠٦، ص٧٠ .

(٢) المرجع السابق، ص٧٤ .

لذلك، قررت القيادة السورية استخدام بطاقة حزب العمال الكردستاني للحصول على المياه التي تطلبها في نطاق المياه العابرة للحدود، وأعطت تنظيم حزب العمال الكردستاني الحق في إنشاء قواعد له في سورية، ما زاد من قوة التنظيم، وضاعف الحوادث الإرهابية في تركيا بشكل ملحوظ في الثمانينيات، وحاولت الحكومة التركية حينها التخفيف من حدة النزاع، من خلال زيارة رئيس الوزراء، تورغوت أوزال المنتخب حديثًا حينها لدمشق في عام 1987، ووقع مع الجانب السوري اتفاقيتين تتعلقان بتعاون اقتصادي وأمني شامل بين البلدين، وكان أهم بنود الاتفاق الأمني هو تعهد الطرفان بعدم السماح لمنظمات إرهابية بممارسة أنشطة داخل أراضيها ضد الطرف الآخر، وتسليم الأشخاص المرتبطين بالإرهاب، أما الاتفاق الاقتصادي، فينص على إعطاء سوريا 500 متر مكعب من المياه في الثانية، وفي عام 1990، واصلت سوريا والعراق حديثهما في المحافل الدولية عن أن تركيا تحرمهما من حقوقهم الكاملة في المياه، وتستخدمها كوسيلة للضغط على جيرانها، وحدثت بعض المبادرات لحل القضية، مثل قيادة تركيا لمؤتمر الشرق الأوسط للمياه عام 1991، غير أنه لم يلق ترحيبا عربيًا، ومن ثم ما يزال عدم اليقين والخلاف بين هذه البلدان (تركيا، سوريا، العراق) بشأن تقاسم المياه العابرة للحدود دون حل. (١)

المطلب الثالث : قضية حزب العمال الكردستاني (٢)

لاشك أن المسألة الكردية من أعقد المسائل في الشرق الأوسط وأقدمها أيضًا، فهي لا ترتبط تمامًا بظهور حزب العمال الكردستاني الذي أُسس على يد عبد الله أوجلان في عام 1978، إنما تعود لسنوات تأسيس الجمهورية التركية التي وافقت على طلبات الإنجليز والفرنسيين بإعطاء الأكراد حق إنشاء دولة تبعًا لمعاهدة سيفر 1920، ثم تراجعت عن هذه الخطوة تمامًا في اتفاقية لوزان عام 1923، وبدأ حزب العمال الكردستاني في التمرد على الدولة التركية من خلال شن هجمات مسلحة طويلة الأمد في منطقة جنوب شرق الأناضول عام 1984، وذلك بهدف إقامة دولة مستقلة للأكراد، مُتبعًا إستراتيجية حرب العصابات، ووجد هذا التنظيم الدعم الذي كان يسعى

__________________________________

(١) اميرة اسماعيل العبيدي، إشكاليات السياسة المائية بين سوريا وتركيا مجلة التربية والعلم، العدد رقم 2، الموصل، 2010، ص3 .

(٢) وليد رضوان ، العلاقات العربية التركية : دور اليهود والتحالفات الدولية والإقليمية وpkk في العلاقات العربية – التركية، العلاقات السورية التركية نموذجا، بيروت، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، 2006، ص231 .

له من سوريا، وتسبب في تمزيق السياسة التركية الداخلية والخارجية بشكل كبير ويمكن تفسير دعم سوريا لهذا التنظيم بثلاثة أسباب أولها استخدام التنظيم كورقة ضغط ضد تركيا في قضية المياه المتنازع عليها؛ والثاني إظهار ردة فعل رافضة لإلحاق هاتاي بتركيا عام 1939؛ والأخير الرد على التقارب التركي الإسرائيلي .

مع تزايد الأنشطة الإرهابية في تركيا منذ عام 1984م، وقعت تركيا بقيادة الرئيس كنعان إيفرين مع سوريا بقيادة حافظ الأسد، في عام 1985، على بروتوكول أمن الحدود، وهو اتفاقية تنص على التعاون في مكافحة الإرهاب، غير أن الجانب السوري لم يلتزم بالاتفاق تمامًا، واستمر بتقديم الدعم المالي واللوجستي والإسكاني لتنظيم حزب العمال الكردستاني وكان الجانب السوري قلق من استكمال تركيا بناء سد كاراكايا في عام 1987، الذي سيسبب خفض حصتهما من المياه بنسبة 27 في المائة، لذا، احتجتا على هذه الخطوة التركية، وفي الفترة نفسها، كانت هناك زيادة في أنشطة التنظيمات الإرهابية في تركيا، لهذا السبب قام رئيس وزراء تلك الفترة، تورغوت أوزال، بزيارة دمشق وتم التوقيع على بروتوكولين وفقًا للبروتوكول الخاص بالأمن، لن تسمح الأطراف بالقيام بأنشطة إرهابية ضد الطرف الآخر داخل أراضيها، وسيتم تسليم الأشخاص المرتبطين بالإرهاب وبحسب بروتوكول التعاون الاقتصادي، ستمنح تركيا 500 متر مكعب من المياه لسوريا في الثانية ومع ذلك، وعلى الرغم من البروتوكولات الموقعة، استمرت سوريا في التسامح مع انتقال مسلحي الكردستاني إلى تركيا ولم تُعد الأشخاص المعنيين إلى تركيا . (١)

وفي أعقاب نهاية الحرب الباردة، بعد حرب الخليج ( 1990-1991 ) ، تسبب فراغ السلطة الذي حدث في العراق في قيام منظمة حزب العمال الكردستاني بتحويل مركز قوتها من سوريا إلى العراق ولأن تشكيل دولة كردية محتملة في العراق يسبب تهديدًا لسوريا التي بدأت تفقد سيطرتها على حزب العمال الكردستاني، وقعت اتفاقية أمنية مع تركيا لإنهاء تنظيم حزب العمال الكردستاني بشكل عام، وتدمير معسكراته، وعلى الرغم من قبول سوريا تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية في عام 1992 . (٢)

_____________________________

(١) وليد رضوان، العلاقات العربية التركية، مرجع سابق، ص٢٣٢ .

(٢) عيسى السيد دسوقي، التوجهات الإقليمية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، دار الأحمدي للنشر والتوزيع ، القاهرة، ٢٠٠٩، ص٨٣ .

تسارعت الأحداث مع التقارب بين سوريا واليونان في محاولة لبناء تحالف معها ضد تركيا، كما تقربت الأخيرة من إسرائيل التي تعتبر على نزاع تاريخي مع سوريا، وتزامن ذلك مع زيادة تنظيم حزب العمال الكردستاني لأنشطته في إقليم هاتاي، وهذا ما دفع تركيا إلى حشد قوات عسكرية ضخمة على حدودها مع سوريا، وبذلك بلغ التوتر حدته في هذه المرحلة بين تركيا وسوريا .

وقد تبنت بعض الدول، أبرزها مصر وإيران، دور الوساطة، وبدؤوا في البحث عن حلول دبلوماسية لهذه العملية المعروفة بأزمة أكتوبر حيث زار كلا من الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية الإيراني كمال خرازي أنقرة ودمشق لإنهاء الأزمة وتوصل الطرفين التركي والسوري لتفاهم من خلال القنوات الدبلوماسية، نتيجة للمفاوضات التي عقدت، في 20 أكتوبر 1998، والتي سميت لاحقًا باتفاقية أضنة، حيث أعلنت الحكومة السورية أن أوجلان لم يعد داخل حدود سوريا، وأنها تتعهد بمنعه من الدخول في الوقت نفسه وتم الإعلان عن إغلاق جميع مراكز حزب العمال الكردستاني، ومنعه من إقامة معسكرات في سورية مرة أخرى . (١)

وبالتالي شكلت اتفاقية أضنة نقطة تحول كبيرة في العلاقات بين الدولتين، لكونها فتحت أفقًا لحل الأزمة بين البلدين قبل أن تتحول إلى حرب، ومع تراجع قضية حزب العمال الكردستاني في العلاقات الثنائية، ساد التعاون والمصالحة بين البلدين عوضًا عن التوتر المتزايد الذي سيطر على العلاقات منذ الثمانينات .

(١) جلال عبد الله معوض: صناعة القرار في تركيا والعلاقات العربية التركية، ط ١ ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ۱۹۹۸، ص١٩٧ .

(٢) محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، مرجع سابق، ص٢٧ .

المبحث الثاني : العلاقات التركية السورية في مرحلة ما بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا (2002 – ٢٠١٢)

يبحث هذا المبحث تطور العلاقات السياسية التركية – السورية من خلال عدة اتجاهات حيث يعرض الاتجاه الأول تطور العلاقات السياسية بين البلدين منذ عام ۱۹۹۸ وهو العام الذي تم فيه توقيع إتفاق أضنة الأمني بين البلدين، إلى عام ۲۰۰۷ وهو العام الذي شهد تولي حزب العدالة والتنمية فترته الثانية في الحكم ثم يعرض الاتجاه الثاني العلاقات السياسية بين الدولتين منذ العام ۲۰۰۷ ولغاية عام ۲۰۱۰ وهي الفترة التي تميزت بالتقارب والتعاون على كافة المستويات، أما الاتجاه الثالث فيتعرض إلى الفترة من عام ۲۰۱۱ – الي عام ٢٠١٢، وهي الفترة التي شهدت تباعداً وخلافاً شديداً بين البلدين خاصة مع تطور الأحداث في سوريا .

المطلب الأول : تطور العلاقات السياسية منذ إتفاق أضنة ۱۹۹۸ حتى عام ۲۰۰۷         (عودة العلاقات الطبيعية)

إن انتهاء فترة الحرب الباردة وما ارتبط بها من نظام ثنائي القطبية وقيام نظام عالمي جديد يرتكز على هيمنة قطب واحد يتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، قد خلق نوعاً من التقارب السوري التركي ، لا سيما وأن حالة التأزم والعداء في العلاقات بين البلدين جاءت نتيجة إتجاه كل دولة من الدولتين إلى قطب معادٍ للآخر، فاختارت تركيا التوجهات الأطلسية الغربية، بينما انحازت أغلب الحكومات السورية إلى التوجه في المسار السوفيتي . (١)

أيضاً اختارت سوريا حتى السنوات الأخيرة توثيق علاقات تحالفية، ولكن غير عسكرية  مع دول مثل مصر والسعودية، فضلاً عن استمرار تحالفها مع إيران التي تملك خبرة إمداد عسكري وتجارب تصنيع هامة، ولكنها تفتقر لتحالفات مع دول بمستوى الولايات المتحدة . (٢)

(١) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مجلة شؤون عربية، ٢٠١٢م، العدد ١٥٢، ص١٦٩.

(٢) عقيل سعيد محفوض، سوريا وتركيا …. الزاقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص ۲۰۹ .

دخلت العلاقات بين تركيا وسوريا، منذ اتفاق أضنه في أكتوبر ۱۹۹۸، وربما حتى عام ٢٠٠٠- ٢٠٠١ مرحلة من التقارب الحذر فيه قدر من التوتر والتردد، تخللها تنسيق محدود في بعض المسائل، حيث أن بناء الثقة لم يكن ممكناً بالتواتر المطلوب بعد عقود طويلة من العداء والاستهداف المتبادل مادياً ومعنوياً ورمزياً، لكن هذا التردد لم يمنع التبادل والتفاعل الاجتماعي والثقافي والإعلامي على نطاق أخذ يتسع شيئاً فشيئاً، فقد أنهى اتفاق أضنه معادلة المياه والأكراد لتبدأ مرحلة جديدة تخلصت فيها تركيا من الكابوس الأكبر الذي كان يتهددها، وبادرت في المقابل إلى خطوات تاريخية أهمها مشاركة الرئيس التركي السابق أحمد نجدت سيزر في تشبيع الرئيس الراحل حافظ الأسد في يونيو عام ۲۰۰۰م، الذي تواكب مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة في سوريا، ورغبته العميقة في تحسين العلاقات مع أنقرة . (١)

وقد شهدت السنوات التالية تعاوناً متبادلاً على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية وفتح الحدود، كما أن علاقات التحالف العسكري مع إسرائيل لم تتأثر كثيراً بتطور العلاقات الثنائية مع سوريا، ويبدو أن الكثير من التقارب الحاصل لم يكتسب بعد قوة الدفع والاستقرار بصورة يمكن معها التأثير في ارتباطات تركيا التقليدية المعادية لسوريا، ولكن ذلك لا يعني أن الأتراك قطعوا نهائياً مع إمكان أن تتطور علاقاتهم مع سوريا إلى درجة تكتسب أولوية نسبية على علاقاتهم مع إسرائيل .

لم يكن اتجاه التقارب بين تركيا وسوريا عبارة عن تطبيع للعلاقات بعد نزاع طويل، حتى إن اتفاق أضنة ۱۹۹۸ ، على الرغم من أهميته ورمزيته، إلا أنه لم يكن اتفاق تسوية ولا اتفاق سلام بل إنه كان إعلان نوايا في المقام الأول ، ولكن التطورات اللاحقة أعطته أهمية كبيرة نسبياً، وعدته حدثاً مؤسساً ونقطة تحول في العلاقات التركية السورية، إذ تبعته أحداث ووقائع وتفاعلات بيئية واتفاقات وغيرها غيرت مجري العلاقات بين البلدين . (٢)

(١) محفوض، سوريا وتركيا …. الزاقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص ٨٦ – ٨٧  .

(٢) عقيل سعيد محفوض، سوريا وتركيا نقطة تحول ام رهان تاريخي، دراسة بحثية، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ٢٠١٢ .

لقد كان تشابك ملفات السياسة الداخلية والإقليمية سبباً في تأزم العلاقات بين البلدين، وعرقلة إمكانية التفاهم والاتفاق بشأن كثير من الأزمات التي وقعت بينهما خصوصاً أن تركيا استفادت كثيراً من الظروف الدولية ومن الانقسامية الجديدة بين الأقطار العربية في الضغط على سوريا ومحاولة استثمار اللحظة السياسية وشعور سوريا بالإستهداف الإقليمي والدولي بعد أحداث ١١ سبتمبر ۲۰۰۱ في الولايات المتحدة، وهو أمر أحسن الأتراك توظيفه لعقود طويلة . (١)

لقد أدى حدثا ۱۱ سبتمبر ۲۰۰۱، وغزو العراق ٢٠٠٣ ، دوراً مهما في صوغ الوعي التركي الطبيعة المرحلة المقبلة من جانب وفي التقارب الشديد بين تركيا وسوريا نظراً للهواجس المشتركة، فقد كان واضحاً أن المحافظين الجدد يسعون إلى استغلال أحداث ١١ سبتمبر لا للانقضاض على القاعدة، بل لتفتيت العالم الإسلامي والعربي خدمة لأمن إسرائيل، والسيطرة على منابع النفط للتحكم بها مباشرة، وأيضاً جعل تركيا إحدى الدول المستهدفة في مرحلة لاحقة من ترسيخ النزعات العرقية والدينية والمذهبية ( الكردية التركية – السنية – العلوية )، لذا كان غزو العراق مفصلياً في اكتمال النظرة التركية إلى خطورة السياسة الأمريكية من خلال التهديدات الأمريكية لسوريا وإيران التي كانت تدق ناقوس الخطر بالنسبة لتركيا وبات واضحاً السعي الأمريكي لتوريط تركيا في عدوان واشنطن على سوريا وإيران من خلال الضغط لاستخدام أراضيها قاعدة للعدوان على هذين البلدين . (٢)

لم يمنع التردد التركي بصدد التقارب من الاستمرار بإجراءات التبادل بين البلدين على كافة المستويات، فقد كان عام ٢٠٠٠م، مناسبة لتوسيع وتدعيم التفاعلات البينية والزيارات الرسمية حيث قام عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري انذاك بزيارة إلى أنقرة مطلع نوفمبر عام ۲۰۰۰م، كأول زيارة مهمة وعلى مستوى عال، وفي محادثاته القادة الأتراك تعهدت سوريا وتركيا بالعمل على صياغة اتفاق ( إعلان مبادئ ) يساعد على توجيه العلاقات بينهما في المستقبل، وفي ۱۹ يونيو ۲۰۰۲، زار رئيس الأركان السوري انذاك العماد حسن توركماني تركيا، ووقع اتفاقاً للتعاون

(١) محفوض ، سوريا وتركيا …. الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص ٨٧ .

(٢) محمد نور الدين، تركيا الصيغة والدور، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، ٢٠٠٨، ص٢٩٥ – ٢٩٦ .

الأمني تضمن تبادل المعلومات والتكنولوجيا والتدريب، وإمكان إجراء مناورات عسكرية مشتركة، وبعد هذا الاتفاق العسكري التركي السوري، جاء الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية ليعطي العلاقات التركية السورية زخماً وقوة لم تشهدها من قبل . (١)

وقد شهدت العلاقات التركية السورية تطورا كبيرا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا ويدخل تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين في سياق تفاهم الحكومتين التركية والسورية حول إعادة تعريف كل دولة لوزنها ودورها الإقليمي في المنطقة، ففي تركيا هناك إجماع على انه في مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣م تقف البلاد وسط متغيرات جيوسياسية واستراتيجية جديدة، ومن جهتها تدرك سوريا إنها لا تملك أسباب القوة السياسية والاقتصادية والإستراتيجية التي تملكها وبالتالي فان المطلوب منها هو تغيير النهج والتوجهات بما يتوافق والمستجدات الجديدة في المنطقة وبما يعود إلى تعزيز الجانب السوري وتحصينه من التدخلات والضغوط الخارجية . (٢)

إن العامل الجوهري في تبدلات السياسة الخارجية التركية في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية ومنها سياسة تركيا تجاه سوريا يكمن في محاولة تركيا الخروج من واقع الحصار الإقليمي الذي وصلت إليه في ظل ارتباط سياساتها بالولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وكلتاهما لم تنفع في تقوية تركيا ولا في جعلها تتغلب على مشاكلها الاقتصادية الأمر الذي رسخ القناعة لدى الأتراك بضرورة التخفيف من حدة القيد الأمريكي والإسرائيلي وتفعيل علاقات تركيا بدول الجوار ومنها سوريا، ففي عام ٢٠٠٢م، زار رئيس الأركان السوري العماد حسن توركماني تركيا ووقع اتفاقا للتعاون الأمني تضمن تبادل المعلومات والتكنولوجيا والتدريب وامكان إجراء مناورات عسكرية مشتركة، ولقد تقرر التقارب التركي السوري بصورة نهائية عام ٢٠٠٨م (٣)

(١) محمد التلولي، مرجع سابق، ص ۳۲ – ٣٣ .

(٢) شريف تغيان، الشيخ الرئيس رجب طيب أردوغان ” مؤذن اسطنبول ومحطم الصنم الاتاتوركي “، دار الكتاب العربي، دمشق – القاهرة ، ٢٠١٢ .

(٣) حامد محمد طة السوداني، العلاقات التركية السورية ١٩٩٨ – ٢٠١١، دراسة إقليمية، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، العراق، العراق، ٢٠١٢ .

أدرك السوريون بعد ذلك بأن لهم صديقا في تركيا اثر رفض أردوغان دعوة من رئيس الوزراء الإسرائيلي اربيل شارون لزيارة إسرائيل وبدلا من ذلك وبعد مدة قصيرة قام أردوغان باستقبال وفد من حماس برئاسة خالد مشعل وفي وقت لاحق خفض أردوغان لقاءاته مع وزير العمل والتجارة الإسرائيلي أيهود اولمرت إلى مستوى ادنى .

خطوة سورية أخرى ساهمت في إحداث نقلة نوعية للعلاقات التركية السورية، قام الرئيس السوري بشار الأسد الذي تولى السلطة في سوريا عام ٢٠٠٠م بعد وفاة والده بزيارة رسمية إلى تركيا وهي أول زيارة لرئيس سوري منذ عام ١٩٤٦م واستقبل بترحيب كبير من قبل المسؤولين الأتراك والإعلام التركي، فقد وصف دبلوماسي تركي هذه الزيارة بأنها بداية جديدة ستعيد العلاقات بين البلدين إلى مسارها واعتبر الرئيس السوري إن العلاقات تتحسن لتصل إلى أفضل مستوياتها رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة وأكد الأسد انه يجب على تركيا وسوريا التعاون معا لتحقيق الاستقرار في المنطقة .

وصرح مراقبون سياسيون بأن المحادثات  التركية السورية أظهرت أن نقاط الاتفاق أكثر من نقاط الاختلاف في أراء البلدين حول الشرق الأوسط، إذ وقع البلدين خلال هذه الزيارة اتفاقيتين اقتصاديتين هدفتا إلى تطوير التجارة والسياحة والاستثمارات بينهما وبعد زيارة الأسد لتركيا حققت التجارة بين البلدين نموا كبيرا إذ وصلت إلى ٧٩٦ مليون دولار عام ٢٠٠٦م وبحث الجانبان في زيادة تبادلهما التجاري إلى مليار دولار مستقبلا وفضلا عن التعاون الأمني بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وتسليم المجرمين والهجرة غير الشرعية شكلا أساس تطور التعاون في المجالات الأخرى . (١)

وقد تجسد آخر مظاهر التعاون الأمني في قضية تسليم سوريا ٢٢ مشتبها بهم بتفجيرات اسطنبول وهو الأمر الذي لاقى ارتياحا كبيرا في أنقرة التي بادرت إلى إرسال عدد من أعضاء برلمانها إلى دمشق لشكر الحكومة السورية على تعاونها .

(١) عقيل محفوض، العلاقات السورية – التركية التحولات والرهانات، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ٢٠١١.

إن من أهم التحولات النوعية في العلاقات السياسية لسوريا تجاه تركيا في السنوات الأخيرة أنها لم ترهن تطوير علاقاتها معها بوقف علاقة تركيا بإسرائيل، ما دامت العلاقة التركية الإسرائيلية لا تستهدف مباشرة الأمن السوري. وعلى هذا كانت الخطوات التاريخية للعلاقات السياسية بين البلدين تتحقق من خلال الزيارات المتكررة للرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال الفترة من ۲۰۰٤ – ۲۰۰٧ ولقد انعكس هذا التطور في العلاقات السياسية بين البلدين على جميع المستويات: (١)

فمن الناحية الاجتماعية، مع توقيع اتفاق أضنة الأمني في عام ۱۹۹۸ ، وما تم ذكره سابقاً عن تردد تركيا بصدد التقارب، كون سنوات من القطيعة لا يمكن أن يمحوها اتفاق كهذا بسرعة، ولكن يحتاج إلى وقت لكي تبدأ عملية بناء الثقة من جديد، ولكن بالرغم من ذلك التردد لم يمنع من التبادل والتفاعل الاجتماعي والثقافي والإعلامي على نطاق واسع حيث كانت أعياد الميلاد ورأس السنة عام ۲۰۰۰ مناسبة لتوسيع وتدعيم التفاعلات البينية والزيارات الرسمية بأن سمح الطرفان بالزيارات بين الأقارب على جانبي الحدود دون جوازات سفر .

لقد تجلت العلاقات الاجتماعية بين البلدين في المشاريع العديدة التي قامت تركيا ببنائها على جانبي الحدود، خاصة على نهر العاصي، حيث قال رئيس الوزراء السوري الأسبق محمد ناجي العطري عندما سئل عن دلالة هذه المشاريع على سكان لواء الإسكندرونة خصيصاً إن الهدف هو إقامة عملية تنموية شاملة يستفيد منها المواطنون الأتراك والسوريون على حد سواء، فالحدود السابقة كانت حدود طرد، أما الآن فان مشروع السد على نهر العاصي يخدم مواطني سوريا وتركيا، فليكن هذا المشروع معبراً عن العلاقات النموذجية بين البلدين الشقيقين . (٢)

وقد لعب الموروث الثقافي والعلاقات الاجتماعية والثقافية والتاريخية الكبيرة بين البلدين إلى توطيد العلاقة بين الشعبين السوري والتركي، إضافة إلى وجود بعض المواقع الأثرية التي تعد موروثاً ثقافياً من الماضي يتم ترميمها بمساهمة تركية بالتعاون مع الحكومة السورية . (٣)

(١)  محمد نور الدين، تركيا الصيغة والدور، مرجع سابق، ص٢٩٧ .

(٢) محفوظ ، سوريا وتركيا ….. الزاقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص ٢٧١ .

(٣) شريف تغيان، مرجع سابق، ص ٢٠٤ .

أما الناحية الاقتصادية، كانت تركيا تحضر في النشاط الاقتصادي والتجاري في سوريا على نحو يفوق حضور أي قطر آخر، حتى من الأقطار العربية، لكن ذلك لا يعني أن طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين قائمة على أساس متين من التوافق، ذلك أن مفردات العلاقة بينهما لم تتغير، ولم يحدث بشأنها أي اتفاق حاسم ونهائي، مثل المياه والحدود وغير ذلك، وهذا ما جعل العلاقة بينهما على المحك، حتى أن ما حدث في سوريا من اضطرابات أخيرة أعاد هذه العلاقة إلى نقطة الصفر . (١)

إن وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى السلطة عام ۲۰۰۲ كان بمثابة علامة فارقة في التحول الاقتصادي بين البلدين حيث اتجهت العلاقة بينهما نحو التفاهم والتعاون في جميع المجالات خاصة الاقتصادية والتجارية، وقد تمثلت أبرز مؤشرات هذا التعاون في توقيع الاتفاق الخاص بإقامة منطقة تجارية حرة  بين البلدين في ديسمبر ٢٠٠٤، حيث أثمر توقيع هذا الاتفاق عن إنجاز العديد من المشاريع الصناعية ومشاريع البنى التحتية والخدماتية وتدفق البضائع بين الجانبين، وقد هدفت الاتفاقية إلى زيادة وتعزيز التعاون الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة لشعبي البلدين والتخلص التدريجي من الصعوبات والقيود على تجارة السلع بما في ذلك المنتجات الزراعية وتوسيع التجارة البيئية وخلق ظروف لمزيد من تشجيع الاستثمارات، حيث نصت الاتفاقية على النقاط التالية : (٢)

  • تخضع الرسوم الجمركية المطبقة على الواردات من المنتجات المنشأة في تركيا لبرنامج تنفيذي حيث تلغى كل الرسوم البالغة 1% و 1.5 و 1.7% و 3% % و 3.5 % بتاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ .
  • تلغى الرسوم البالغة 5 % و 7% خلال ثلاث سنوات من تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ .
  • إلغاء الرسوم الجمركية المطبقة على الصادرات إلى تركيا من المنتجات المنشأة في سورية بدخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ .

___________________________________

(١) عقيل محفوض، سوريا وتركيا … الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص٨٧ .

(٢) عهد غزالة، تطور العلاقات الاقتصادية بين سوريا ودول الجوار، جمعية العلوم الاقتصادية السورية، دمشق، ٢٠٠٥، ص٨-٩ .

  • يشمل تطبيق الأحكام المتعلقة بإلغاء الرسوم الجمركية على الواردات الرسوم الجمركية ذات الطبيعة الضريبية .

وقد توثقت العلاقة بين البلدين على المستوى الاقتصادي، وذلك بإقرار الحكومة السورية ما يزيد عن ٣٠ مشروع استثمار تركي في سوريا بين عامي ٢٠٠٥ – ٢٠٠٧م بقيمة ١٥٠ مليون دولار ، وكذلك بتأسيس شركة للتنقيب عن النفط في عام ٢٠٠٦ . (١)

أما من الناحية العسكرية والأمنية، فإن السياسة الخارجية للدول تتأثر بشكل كبير بالقدرات العسكرية للدولة، حيث تتعلق هذه القدرات بتحديد القرارات التي يتخذها صناع القرار فيما يتعلق بتحقيق الأهداف المختلفة التي تنشدها الدولة، أما الدبلوماسية فلا تستطيع تحقيق ما تصبو إليه الدولة من مكانة ودور دون الاعتماد علي القوة العسكرية التي تعتبر عاملاً من أهم عوامل السياسة الخارجية، فعندما تفشل القوة السياسية في حل المشكلات التي تواجه الدولة، فإنها تلجأ إلى استخدام حلول قسرية بديلة، حيث أن اللجوء إلى القوة أمر وارد في الدفاع والهجوم للتأثير في سلوك الدول الأخرى للوصول إلى أفضل المواقف في حل المشاكل المعنية بها الأطراف الدولية المختلفة . (٢)

يعتبر الجيش التركي ثاني أكبر الجيوش من حيث العدد في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فالحقيقة أن العلاقات العسكرية بين البلدين اتسمت بالتوتر والعداء منذ سنوات عديدة، بدأت عام ١٩٥٧ بعد تأسيس حلف بغداد وانضمام سوريا إلى مصر في معارضة هذا الحلف وإدانة سياساته، وإتباع سياسة تقدمية كانت معادية للنفوذ الأمريكي المتنامي في المنطقة بعد تراجع النفوذين الفرنسي والبريطاني، مما زاد التحالف السياسي المصري – السوري قوة، ويرى البعض أن هذه التهديدات سارعت في قيام الوحدة السورية المصرية تفادياً لأي غزو محتمل لسوريا، أما المرة الثانية فقد حدثت عام ۱۹۹۸ عندما حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية ، وأعلنت عزمها اجتياح الأراضي السورية، حيث تم احتواء الأزمة سريعاً بتوقيع اتفاقات أمنية في أضنة في ۲۰ أكتوبر ۱۹۹۸ ومنذ توقيع هذا الاتفاق بدأت العلاقات العسكرية بين البلدين تدخل في مرحلة

________________________________

(١) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مرجع سابق ، ص ۱۷۲ .

(٢) فتحي محمد مصيلحي، خريطة القوى السياسية وتخطيط الأمن القومي بالشرق الأوسط والمنطقة العربية، ط ۲ ، القاهرة، ٢٠٠١م .

جديدة من التفاعلات البينية التعاونية التي اتسمت بالحذر، حيث لم يكن من السهل بناء الثقة بين البلدين بعد عقود طويلة من العداء والتوتر . (١)

ففي ۱۹ يونيو ۲۰۰۲ ، زار رئيس الأركان السوري آنذاك العماد حسن توركماني تركيا، ووقع اتفاقاً للتعاون الأمني تضمن تبادل المعلومات والتكنولوجيا والتدريب، وإمكان إجراء مناورات عسكرية مشتركة وبعد هذا الاتفاق العسكري التركي – السوري جاء الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية ليعطي العلاقات التركية – السورية زخماً وقوة لم تشهدها من قبل . (١)

وفي إطار الجهود الثنائية المشتركة لإعطاء دفعة قوية للتعاون قبلت سوريا أيضاً أن تتولى مساعدة تركيا في حربها ضد حزب العمال الكردستاني التركي، وبدت مؤيدة للعمليات العسكرية التي تقوم بها أنقرة في شمال العراق، معتبرة تلك العمليات حقاً مشروعاً لتركيا في حربها ضد الإرهاب .

ويعد النموذج التركي – السوري مثالاً على نمط ناجح لإدارة العلاقات الدولية والثنائية في ذلك الوقت، فكثير من صانعي السياسة الخارجية التركية باتوا يدركون عند الحديث عن الأزمة العراقية أن سوريا أقرب بكثير لبلادهم من الولايات المتحدة، لأن هناك نقطة التقاء، بل ومصلحة واضحة بين سوريا وتركيا في إبقاء العراق موحداً دون أي تغيير في حدوده الراهنة .(٢)

(١) قاباتي، العلاقات السورية التركية بين التوافق والتوتر، شبكة الاخبار العربية ANN، للتفاصيل انظر: ‏http://anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=1AYYA‏

(٢) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مرجع سابق ، ص ١٦١ .

(٣) محمد التلولي، مرجع سابق، ص ۳٤ .

المطلب الثاني : تطور العلاقات السياسية الثنائية منذ عام ٢٠٠٨ حتى عام ٢٠١٠      (التقارب في العلاقات السياسية)

لقد حرص الجانبان التركي والسوري إلى مأسسة العلاقات البينية، أي وضع إطار مؤسسي لتنظيم العلاقات بينهما، وذلك من خلال التوقيع على الإعلان السياسي المشترك، والذي تم بمقتضاه تأسيس مجلس رفيع المستوى للتعاون الإستراتيجي، حيث تم تأسيس هذا المجلس خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لتركيا في عام ۲۰۰۹ ويتألف هذا المجلس من رئيسي حكومتي البلدين والوزراء الأساسيين في الحكومتين، ويجتمع مرتين في العام ، وتتمثل أبرز إنجازاته في إلغاء تأشيرات الدخول أمام مواطني البلدين وذلك في أكتوبر عام ۲۰۰۹، إضافة لتوقيع العديد من مذكرات التفاهم المشتركة في المجالات السياسية والدبلوماسية وغيرها . (١)

كانت هناك هواجس تطارد السوريين من إمكانية تحول السياسة التركية وتأثرها بالعلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل وقد كانت الإنتخابات البرلمانية في تركيا في عام ۲۰۰۷ ، والتي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بأغلبية مكنته من تشكيل حكومة بمفرده، حدثاً مهماً بالنسبة لسوريا التي أملت أن تنعكس بصورة إيجابية على علاقاتها مع تركيا لتشهد دفعاً أكبر وأقوى من السابق، خاصة مع تولي حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية . (٢)

وهكذا انتقلت العلاقات التركية السورية خلال الأعوام الأخيرة من بناء الأسس وتحديد مجالات التعاون الشامل، إلى البعد الإستراتيجي والرؤية الواسعة لمستقبل البلدين وسبل تعزيز التعاون المشترك في كافة المجالات خاصة السياسية والدبلوماسية، والتي اعتبرت من أزهى فترات العلاقات بينهما .

وقد انعكست العلاقات السياسية بين البلدين على الجوانب المختلفة مثل الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والأمنية:

 

 

_________________________________

(١) محمد التلولي، مرجع سابق، ص ٣٤.

(٢) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مرجع سابق، ص ١٦١.

فمن الناحية الإجتماعية، أدى إلغاء تأشيرات الدخول لحاملي جوازات سفر البلدين الذين يرغبون في زيارة البلد الآخر بصفتها حدوداً مصطنعة على حد تعبير وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والذي بدأ تنفيذه في ١٨ سبتمبر ۲۰۰۹ إلى تنامي الزيارات بين مواطني البلدين بنسب كبيرة عكست عناصر اللحمة الاجتماعية الموجودة بين الشعبين والتي تتجسد في الالتقاء الديني والتاريخي والعرقي والذي بدوره زاد من الروابط الاجتماعية بين البلدين . (1)

وفي إطار تعزيز العلاقات الاجتماعية بين البلدين تم إنشاء خط سكة حديد يربط بين مدينة حلب السورية القريبة من الحدود مع تركيا وبين مقاطعة مرسين جنوبي تركيا ، حيث أن هذه الخدمة يمكن من خلالها نقل ٥٦ ألف شخص سنوياً بين البلدين .

وتسهم اللقاءات الأسرية المتبادلة بين السوريين والأتراك وصلات القربى بين الشعبين في توسيع قنوات التواصل الاجتماعي والأسري بشكل ينعكس إيجاباً على علاقات التبادل التجاري والسياحي والاقتصادي وتوفر مناخاً ملائماً لعلاقات أكثر تميزاً يعززها وحدة الموقف السياسي والتطابق في وجهات النظر والتنسيق المشترك في المحافل الدولية بما يعكس إرادة الجماهير من كلا البلدين . (2)

أما من الناحية العسكرية، فإن التعاون العسكري قد وصل بين البلدين إلى مستوى كبير حيث أنه في عام ۲۰۰۹، وبدلاً من المناورات العسكرية التركية – الإسرائيلية المشتركة في إطار تدريبات حلف شمال الأطلسي التي تحمل اسم ” صقر الأناضول ” في مدينة قونيا التركية، أعلن عن إجراء مناورات عسكرية تركية – سورية، على الحدود التركية والعراقية والسورية، التي تقع علي مرسي حجر من العمق الإسرائيلي . (٣)

(1) محفوض، سوريا وتركيا …. الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص ۸۹ .

(٢) بدء خدمة نقل الركاب بين تركيا وسوريا موقع أخبار العالم للتفاصيل انظر:

http://www.akhbaralaalam.net/index.php?aType-    .

(٣) وكالة سانا للانباء العلاقات السورية التركية، ١٤ أيار / مايو ۲۰۰۹م للتفاصيل انظر: http://sana.sy/ara/۲۰٦/٢٠٠٩/٠٥/١٤/٢٢٦٣٦٨.htm .

وبالتالي تحولت تركيا وإسرائيل إلى غرباء عن بعضهما في ظل تلاسن دائم بين قيادتي البلدين، بسبب حدة الهجوم التركي على السياسات الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين، وبسبب القلق الإسرائيلي الدائم من الشراكة التركية – السورية، والخوف من نقل أسرار الآلة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية للقيادة السورية، فانهارت اتفاقات التعاون والتدريب العسكري مع إسرائيل مع حرمان الأخيرة من الاشتراك في مناورات “صقر الأناضول ” لعامين متواليين، هذا غير المناورات الأخرى، وخصوصاً حرمان الطيارين الإسرائيليين من التدريب والمناورة في قاعدة قونيا الجوية، وهي خسارة فادحة بالنسبة لهم، في المقابل تطلب تركيا من سوريا مشاركتها في إحدى المناورات، وهو ما شكل كارثة للإسرائيليين . (١)

وفي نهاية شهر مارس ۲۰۱۰ زاد التعاون التركي – السوري من الناحيتين العسكرية والأمنية بقيام مناورات عسكرية أخرى وذلك لجعل التعاون الأمني الحدودي على أرض الواقع، وهذا ما أقلق إسرائيل التي أرسلت بدورها رسالة استياء من إمكانية تهديد أمنها الإقليمي جزاء هذه المناورات، خاصة بعد استبدال المناورات التركية التي كانت تقوم بين تركيا وإسرائيل، فاستبدلتها تركيا بمناورات مع سوريا، وذلك بعد تأزم الموقف التركي من الجرائم التي اقترفتها إسرائيل في قطاع غزة . (٢)

(١) شريف تغيان، مرجع سابق، ص٢٠١ .

(٢) شريف تغيان، مرجع سابق، ص٢٠٤ .

المطلب الثالث : تطور العلاقات السياسية الثنائية منذ عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠١٢      (التباعد والخلاف الشديد)

وهكذا بعد ما انتقلت العلاقات التركية – السورية خلال الأعوام الأخيرة من بناء الأمس وتحديد مجالات التعاون الشامل، إلى البعد الإستراتيجي والرؤية الواسعة لمستقبل البلدين وسبل تعزيز التعاون المشترك في كافة المجالات خاصة السياسية والدبلوماسية والتي اعتبرت من أزهى فترات العلاقات بينهما .

اما فيما يتعلق بالتطور السريع للأحداث في سوريا “الربيع العربي” ، والتي انطلقت شرارتها في مارس ۲۰۱۱ ، فقد تأثرت العلاقات التركية السورية تأثراً بالغاً بهذه الأحداث، حيث وصف المتابعون العلاقة بين البلدين منذ ذلك الوقت بأنها الأسوأ في تاريخهما، ومن هنا فإن تركيا تواجه في سوريا اختباراً عسيراً يختلف عن موقفها من كافة الأحداث المتزامنة مع أحداث سوريا في كثير من الدول العربية، وذلك نتيجة عدة تفسيرات أولها خشية تركيا من تفاقم الوضع في سوريا وتحوله من ثورة إلى حرب أهلية، وعليه فهي تسعى إلى نزع فتيل الحرب الطائفية بالضغط على النظام للقيام بإصلاحات، وذلك باستضافة القوي المعارضة للنظام على أراضيها، أما ثاني هذه التفسيرات فيكمن في تتابع وتدافع المؤسسات التركية التي تشير بالنظام السوري في كل مكان وتنذر بأنها سوف تتعاون مع أي نظام بديل الذي قد يكون الإخوان المسلمين، وثالث هذه التفسيرات أن صانعي القرار في تركيا وقعوا في رهانات غير دقيقة، في كيفية التعامل مع الأحداث في سوريا . (١)

هناك تفسيرات أخرى كانت وراء التأثر الكبير للعلاقات التركية مع النظام السوري أكثر من تأثرها من الأنظمة العربية الأخرى التي لاقت المصير نفسه من اضطرابات وأحداث دامية في الأونة الأخيرة، وهي أن الروابط الجغرافية التي تربط بين الدولتين ، والحدود المتداخلة بينهما كلواء الإسكندرونة مثلاً، أو الحدود المائية التي يمكن لأنقرة أن تستخدمها كوسيلة ضغط مستقبلاً لو رأت أن تلك الموجة المتسارعة يمكن أن تؤثر سلباً على أمنها القومي، وبالتالي فإن تأثر الأتراك من الاضطرابات في سوريا ينبع في الأساس من تقارب جغرافي بينهما يمكن أن تكون له انعكاسات

__________________________________

(١) رائد مصباح أبو داير، إستراتيجية تركيا شرق أوسطياً ودولياً في ضوء علاقتها بإسرائيل من ٢٠٠٠ – ۲۰۱۱م، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الجنان، لبنان، ٢٠١٢ .

سلبية في المستقبل، خاصة وأن هذا التقارب ياتي مع تدافع آلاف من اللاجئين السوريين نحو الحدود التركية هرباً من الأحداث الدامية في بلادهم، وهو ما تخشاه تركيا من إغراقها باللاجئين السوريين الذين سيشكلون عبنا عليها من ناحية، ومن ناحية أخرى سيتأجج الشارع التركي في ظل التضامن الشعبي مع سوريا .

لقد حرصت أنقرة منذ بداية الأحداث في الدول العربية أن تقدم نفسها كزعيم إقليمي داعم للتوجهات الديمقراطية، باعتبار أن تجربتها الإصلاحية تجربة رائدة تصلح لأن تقدم لكثير من بلدان الشرق الأوسط، وعليه سعى رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان إلى دعم القوى المعارضة في بعض الدول العربية والتي أطاحت بعروش حكامها مثل مصر وليبيا وتونس (١)

اما فيما يخص الأزمة السورية فقد أبدت أنقرة اهتمامها بما يحدث في سوريا دون استباق الأحداث حتى لا يتم الوصول إلى نهايات سريعة وغير مدروسة .

لقد حرصت أنقرة منذ بداية الأزمة السورية على إجراء سلسلة من الاتصالات مع القيادة السورية لحثها على ضرورة القيام بإصلاحات داخلية، وعليه فقد أرسلت أنقرة مبعوثين سياسيين وأمنيين وإداريين إلى دمشق من بينهم وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو ورئيس الاستخبارات العامة حقان فيدان، والذين قاموا بدورهم بتقديم ما يشبه خارطة طريق، والتي ارتكزت بالأساس على ضرورة وقف الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، والقيام بإصلاحات داخلية والموافقة على تأسيس أحزاب، وإطلاق العنان لحرية الرأي والتعبير، وإعادة تأسيس الحياة السياسية والاجتماعية على أساس عقد اجتماعي وسياسي جديد، لكن الحكومة السورية تجاهلت التحذيرات التركية وزادت من حدة التوتر في سوريا، مما جعل اللغة التركية تنتقل من النصح والإرشاد إلى لغة النقد والتحذير، بل في بعض الأحيان وصلت إلى لغة التهديد، حيث جاء في أحد خطابات رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان القول بأن إذا اندلع حريق في سوريا فإنه سيعم المنطقة بأكملها . (٢)

_____________________________________

(١) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مجلة شؤون عربية، العدد ١٥٢، شتاء ٢٠١٢ .

(٢) وليد رضوان، العلاقات التركية، مرجع سابق، ص٣٧٨ .

عند اندلاع الأحداث في سوريا، سارعت وزارة الخارجية التركية إلى التعليق على الأحداث ببيان أعربت فيه عن أساها لما نتج عن هذه الأحداث من وفيات أو إصابات، ودعت الضرورة محاسبة المتورطين في الأحداث، وتقديمهم للعدالة، وإطلاق سراح المعتقلين، ومتمنية الاستجابة المطالب الشعب المشروعة من دون تأخير ومبدية استعدادها لتقديم كل أشكال العون لإنجاز ذلك وكان مضمون هذا البيان هو محور جميع الاتصالات التي أجرتها أنقرها مع الجانب السوري بعد ذلك، فاتصل أردوغان بالرئيس بشار الأسد مرتين خلال ثلاثة أيام، معبراً عن المضمون نفسه، وفي مقابلة تلفزيونية عام ۲۰۱۱، حذر أردوغان الأسد من عواقب قتل المدنين وارتكاب مجازر كما حصل في مجزرة حماة ،۱۹۸۲، منبهاً إلى أن سوريا لن تنهض مرة أخرى إن وقعت فيها مثل هذه المذابح، لأن مثل هذه الأمور استمرت قد تدفع المجتمع الدولي بتشديد الضغوط على سوريا، واتخاذ موقف حاد منها، وفي هذه الحالة ستكون تركيا مضطرة إلى القيام بما يجب عليها أن تفعله، وأن تنهض بمسؤوليتها تجاه هذه الأحداث . (١)

أما تركيا فإنها من خلال عدة وسائل قد واجهت الأحداث الجارية في سوريا ” الربيع العربي ” بعدة وسائل منها :-

١. استضافة اللاجئين : فقد تسببت المأساة الإنسانية في سوريا في نزوح الآلاف من اللاجئين على الحدود، حتى أضحت تركيا الآن موطنا لنحو ٢٥٠٠٠ من السوريين المقيمين في عدة مخيمات أقيمت في ثلاث محافظات، وقد أكد أردوغان أن بلاده لن تغلق أبوابها للشعب السوري، حتى لو وصل هذا العدد إلى مائة ألف منتقداً موقف النظام السوري الذي يطلق النار على الفارين، حتى إن كانوا من النساء والأطفال، وإن دعت أنقرة في المقابل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تكثيف جهودهما لمساعدة اللاجئين السوريين الذين كلفوا خزانة الدولة التركية نحو عشرات الملايين من الدولارات، وأيضاً ارتأت الحكومة التركية إقامة معسكر عبر الهلال الأحمر التركي يقع على مسافة عدة كيلو مترات داخل الأراضي التركية، وأكنت أنها قامت بذلك انطلاقاً من مبدأ حسن الجيرة بين الشعبين وانطلاقاً من واجبها الإنساني . (٢)

____________________________________

(١)  إيمان أحمد عبد الحليم، المعضلة الكردية : الخيارات المحتملة لتركيا لمواجهة الأزمة السورية، مجلة السياسة الدولية، ٢٠١٢ .

(٢) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مرجع سابق، ص ١٧٧ .

  1. مصادرة الأسلحة : منذ بداية الأحداث الجارية في سوريا شددت أنقرة الرقابة على جميع معابرها الحدودية البرية والجوية والبحرية وذلك لمنع تهريب أي الأسلحة والعتاد للنظام السوري من مناصريه، وقد أوقفت السلطات التركية الكثير من شحنات الأسلحة المهربة من إيران إلى سوريا عبر تركيا، ففي مارس ٢٠١١، أجبرت السلطات التركية من الطائرات الإيرانية المتجهة إلى دمشق على الهبوط لتفتيشها، وقد أوقفت السلطات التركية إحدى هذه الطائرات وصادرت حمولتها واعتقلت طاقمها، وصادرت حمولتها المخالفة للقوانين والتي تضم شحنة من الأسلحة كانت متجهة لدعم النظام السوري، وأيضاً قامت مقاتلتان حربيتان تركيتان بإجبار طائرة سورية قادمة من العاصمة الروسية موسكو، على الهبوط في مطار أسن بوغا بالعاصمة أنقرة، حيث تم مصادرة جزء من شحنة الطائرة في تركيا، وذكرت محطة أن تي في الإخبارية ووسائل إعلام تركية أخرى نقلاً عن مسؤولين أتراك أن الطائرة كانت تنقل أجزاء من أنظمة صواريخ . (١)

وعلى الحدود البرية أوقفت السلطات التركية شحنة أسلحة إيرانية قادمة إلى دمشق ففي أغسطس ۲۰۱۱، احتجزت سلطات الأمن التركية سفينة نقل أسلحة من إيران إلى سوريا، علماً بأن وسائل إعلام كثيرة أشارت إلى نفي هذه الحادثة، أما في المجال البحري فقد صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده اعترضت إحدى السفن التي تحمل العلم السوري وهي محملة بالأسلحة والذخائر . (٢)

(١) علي حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية : المازق الحالي والسيناريوهات المتوقعة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ۲۰۱۲، ص ١٥ .

(٢) المرجع السابق ، ص١٥ .

  1. فرض العقوبات : بعد قيام النظام السوري باستخدام العنف ضد المتظاهرين أعلنت أنقرة عن مجموعة من العقوبات ضد النظام السوري والمسئولين الذي ارتكبوا من وجهة النظر التركية جرائم ضد الإنسانية، كان من أبرزها فرض حظر على الأسلحة القادمة لسوريا وإغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية للمجال السوري، وأيضاً أعلن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو عن مجموعة من العقوبات المالية ضد النظام السوري كان من أبرزها تعليق أعمال مجلس التعاون الإستراتيجي بين الدولتين . (١)
  2. استضافة مؤتمرات المعارضة السورية : لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن واقع جديد تمثل في حالة التقارب التركي الإخواني الذي بموجبه قامت تركيا بإجراءات علنية وصريحة تجاه الإخوان، حيث تمثلت حالة التقارب في عقد مؤتمر الإخوان المسلمين في تركيا، وكذلك وجود المشرف العام للإخوان المسلمين في تركيا، واطلاقه تصريحات معادية للنظام في سوريا، وقيادته عمليات أو مشاركات الإخوان في أحداث سوريا . (٢)

لقد وفرت تركيا المناخ المناسب لاستضافة المعارضين السوريين وتم عقد عدة مؤتمرات مثل مؤتمر أنطاليا تحت اسم المؤتمر السوري للتغيير وكان من أهم قراراته دعم الثورة السورية والدعوة لإسقاط النظام، ثم عقد مؤتمر إنقاذ الشعب السوري، ثم مؤتمر اسطنبول، حيث دعا لإنشاء المجلس الوطني السوري المعارض الذي هو الإطار الموحد للمعارضة السورية، ويضم الأطياف السياسية في الداخل والخارج لدعم المعارضة وإسقاط النظام بكافة أركانه . (٣)

انعكست هذه الفترة بصورة واضحة وكبيرة على العلاقات بين البلدين من كافة النواحي وهذه المرة اتجهت العلاقات إلى الاتجاه السلبي والذي بدوره انعكس على جميع المجالات المختلفة.

(١) علي حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية، مرجع سابق، ص١٦ .

(٣) عقيل محفوض، سوريا وتركيا نقطة تحول أم رهان تاريخي، مرجع سابق، ص٥٤ .

(٣) علي حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية، مرجع سابق، ص١٤ .

فمن الناحية الاجتماعية، نرى اللاجئين السوريين يملكون الأراضي التركية، الزيارات بين البلدين توقفت ، تبادل وتراشق الاتهامات تسمع صداه يوماً بعد يوم، وبدأت رائحة السنوات العجاف بين البلدين تملأ المكان بعدما سيطرت السنوات السمان علي العلاقات بينهما لسنوات، وتبدلت نبرات النصح والتعاون التركية لدمشق إلى نبرات التهديد . (١)

ومع اندلاع الأحداث الأخيرة بين النظام السوري وبين المعارضة دخلت سوريا فيما يشبه الحرب الأهلية التي عصفت بالجميع، سواء مقاتلين من الطرفين أو سكان مدنيين ، حيث أصبح الأهالي بين نارين نار التشرد والتهجير نتيجة الحرب التي لا يعرف لها نهاية، وبين نار البقاء والموت تحت أنقاض لهيب الحرب وقد اختار الكثير منهم اللجوء إلى الدول المجاورة حتى تنتهى الحرب كالعراق والأردن ولبنان أما القسم الأكبر فاختار اللجوء إلى تركيا والإقامة المؤقتة بها . (٢)

لقد تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى مخيمات على الحدود من الجارة تركيا التي بدورها قامت ببناء عشرات الخيام المؤقتة التي تأوي هؤلاء الأهالي الذين هربوا من الأحداث الدامية في بلادهم ومنذ بداية تدفقهم قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان زيارتهم للاطمئنان عليهم وتحقيق مطالبهم وتقديم المساعدات الضرورية التي تكفيهم إلى أن تنتهي ازمتهم.

أما من الناحية الإقتصادية، ففي ضوء ما تشهده العلاقات الثنائية من تدهور مستمر بعد الأحداث الدامية في سوريا التي انطلقت شرارتها في مارس ۲۰۱۱، فقد كثفت تركيا جهودها في احتواء هذه الأحداث، ولكن مع عدم استجابة النظام السوري للجهود التركية، فرضت الأخيرة عقوبات أحادية الجانب على دمشق حيث حظرت بيع السلاح لها، وحظرت أيضاً الأراضي التركية والجو التركي لأي دولة تقوم ببيع أو تقديم الأسلحة لدمشق هذا بالإضافة إلى تجميد جميع التعاملات الاقتصادية التركية في سوريا، وتجميد أموال أي مسئول سوري مرفوع عليه قضايا دولية، ووقف جميع المعاملات مع البنك المركزي السوري، ومن ثم قامت أنقرة بتعليق التعاون الاقتصادي مع دمشق في مجال الطاقة، والتهديد بوقف تزويدها بالكهرباء . (٣)

_________________________________

(١) محمد التلوي، العلاقات التركية السورية ٢٠٠٢ – ٢٠٠٨، مرجع سابق ١٠٠-١٠٣ .

(٢) سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مرجع سابق، ص ١٧٩ .

(٣)  سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مرجع سابق، ص ١٨٠ .

وهكذا يبدو أن تركيا دخلت في رهان جديد لجهة التخلي عن النظام السوري التي ظلت لعقد كامل من الزمن في شراكة تاريخية معه لم يسبق لها مثيل في المنطقة كلها، حيث رأت تركيا أنه من الممكن أن تجد ضالتها في نظام جديد يمكن أن تبني سياستها الاقتصادية معه من نقطة الصفر، أو مواصلة ما بدأته مع نظام بشار الأسد ولكن ما يجب أن تدركه تركيا في تلك العلاقة أنه يجب عليها انتظار عقد جديد من الزمن حتى يمكنها الوصول لما وصلت إليه من علاقة سابقة لما يعرف بالربيع العربي .

أما الناحية العسكرية، بقيت العلاقات التعاونية قائمة بين البلدين منذ اتفاق أضنة حتى قيام الأحداث الأخيرة في سوريا، والتي شكلت منعطفاً خطيراً في تحول العلاقات إلى مرحلة جديدة قائمة على العداء والتهديدات التركية بإمكانية الدخول في حرب عسكرية ضد سوريا للحفاظ علي أمنها وحدودها . (١)

خاتمة الفصل

نستخلص من خلال هذا الفصل أن العلاقات التركية – السورية لم تكن جيدة منذ إستقلال سوريا عن الإنتداب الفرنسي عام 1946م، وذلك بسبب ضـــــم تركيا لمنطقة الإسكندرونة قبل إستقلال سوريا والتي تعرف حاليا “هاتاي ” في تركيا، كما قد وصلت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة عالية من التأزم عام 1998م حيث هددت تركيا باحتياج سوريا عسكريا، بسبب المشكلة الكردية ودعم سوريا للأكراد، وبعد نهاية هذه الأزمة بوساطة دولية وتغير القيادات السياسية في البلدين، دخلت العلاقات بينهما مرحلة جديدة تميزت بالتقارب والتعاون في جميع الأصعدة، خاصة بعد صعود الإسلاميين في تركيا إلى الحكم عام 2002م، وقد إستمرت هذه العلاقات الجيدة بين البلدين حتى بداية الإنتفاضات الشعبية في سوريا عام 2011م والتي كانت في سياق الربيع العربي، وهذا ما أدى إلى تحول تدريجي في العلاقات بين البلدين من السيئ إلى الأسوأ إلى حد القطيعة التامة .

(٢) عقيل محفوض، سوريا وتركيا نقطة تحول أم رهان تاريخي، مرجع سابق، ص ٤٦ – ٤٨ .

الفصل الثاني

محددات وأهداف السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية

تمهيد

تميز تركيا مجموعة من الخصائص المتنوعة الثابتة والمتغيرة وتتمثل في العوامل الطبيعية والبشرية، والتي تشكل مدخلات على شكل فرص وقيود للنظام السياسي التركي وتحدد مخرجاته في سياسته الخارجية، وهذا ما يمكن ملاحظته في مبادئ وتوجهات السياسة الخارجية التركية .

المبحث الأول : محددات السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا

يعتبر توفر الدول على موارد طبيعية وافرة وحجم إقليم كبير ووجودها في موقع جغرافي متميز واستراتيجي ، بالإضافة إلى المقدرات الوطنية الأخرى ( الإمكانات الاقتصادية والبشرية والعسكرية ) ، عاملا كافيا لقوة الدولة ويمكنها من القيام بدور فاعل في النسق الدولي . (١)

المطلب الأول : محددات السياسة الخارجية التركية الداخلية

1- الموقع الجيوستراتيجي

لعب الموقع الجغرافي الجوستراتيجي لتركيا دورا مهما في تبلور سياستها الخارجية عبر عدة قرون وتغير الأوضاع الدولية وتبلغ مساحة تركيا حوالي 780567 كم ، ويبلغ طول حدودها 2753 كم ، وتتوفر على سواحل بطول 8333 كم، كما يتمتع موقعها ببعض المميزات التي لعبت ولا تزال تلعب دورا كبيرا في العلاقات الدولية كمضايق البوسفور والدردنيل التي تربط مياه البحر الأسود بمياه البحر المتوسط عبر بحر مرمرة ، وتفصل طرف أوروبا في جنوبها الشرقي عن طرف أسيا الغربي وتركيا قسمان ، الأول في آسيا الغربية ، ويحده البحر الأسود وأرمينيا شمالا والمضايق وبحر مرمرة وبحر ايجة غربا ، وسوريا ( 877 كم) والبحر التوسط والعراق ( 330 كم ) جنوبا وإيران ( 454 كم ) شرقا ، ويقع القسم الثاني في أوروبا وتحده من جهة اليابسة أراضي اليونان وبلغاريا ( 269 كم ) ومن الغرب بحار ايجة ، مرمره والأسود . (٢)

___________________________________

(١) محمد صالح العجيلي، متغير المياه في العلاقات العربية التركية، مجلة الفكر السياسية، السنة 03 العدد 08 شتاء، 2000، ص258، متحصل عليه ٢٢ / ١٢ / ٢٠٢٢ http://www.awu-dam.org/index.html .

(٢) المرجع السابق ، ص 263 .

كما الموقع الجغرافي المتميز لتركيا جعلها تقوم بدور فاعل أثناء الحرب الباردة، كما خولها بالقيام بدور فعال في حرب الخليج الثانية ، كما كان لها موقف مهم من الحرب على العراق .

تتمتع تركيا بموقع استراتيجي متميز حيث تعد همزة وصل بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط ، وبالتالي فإن سياستها الخارجية تؤثر وتتأثر بالدول المجاورة لها ، وهو ما يوضح كيف ، فتركيا تقع في قارة آسيا وأوروبا وتنقسم إلى الأناضول تركيا الآسيوية ، أما تركيا الأوروبية وتتضح أن معظم حدود تركيا بحرية وتملك سواحل على البحر وتملك حدود برية طويلة ،ويعتبر موقعها منطقة جذب ونفوذ ،لاشرافها على بحار هامة وتتحكم في مضق البسفور . (١)

لجأت حكومة حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 إلى اعتماد رؤية جديدة لدور تركيا في المنطقة بالإعتماد على الفكر الجيوبولتيكي وتغيرت التوجهات الأساسية للنخب السياسية حول دور تركيا في المنطقة من كونها هامشاً أو حاجزاً أو جسراً بين الشرق والغرب إلى دولة مركزية ، أما فيما يخص الجوار فقد غيرت من استراتيجيتها كمصدر لتهديد الدول الاخرى إلى عمق استراتيجي لهم يمكن أن تؤثر على استراتيجيته البعيدة المدى . (٢)

على الرغم من فقدان تركيا دورها في حلف الأطلسي أثناء الحقبة الباردة حيث فقدت ورقة الضغط على الغرب ولكن مازالت تحتفظ بأهميتها بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي، فهي دولة وسطية وهو ماجعل منها فاعل أساسي في أي وضع يطرئ على السياسة الدولية وكذلك الإقليمية ، طبقا للنظرية الواقعية الهجومية فإن الوضع المثالي لدولة أن تكون مهيمنة إقليمياً ،فتركيا تعمل على أن تكون قوى إقليمية ولا يهيمن غيرها على الإقليم لذلك تسعى إلى تعظيم قوتها النسبية ، وهو لا يعني زيادة القوة العسكرية بل الحكمة في التعامل مع القضايا والتهديدات في الدول المجاورة وتحسين علاقة الجوار السياسي على المستوى الاستراتيجي وقد شرح الدكتور أحمد داود أوغلو هذا التصور الاستراتيجي حيث ربط تحليلاته بالعمق الاستراتيجي . (٣)

________________________________

(١) محمد صالح العجيلي، متغير المياه في العلاقات العربية التركية ، مرجع سابق، ص 264 .

(٢) علي حسين باكير، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، مركز الجزيرة للدراسات ، الدار العربية لعلوم الناشرين، بيروت، ط١، 2009، ص 29.

(٣) المرجع السابق، ص ٣٢ – ٣٣ .

وقد اعتبر تركيا دولة مركزية فاستغل الوضع المثالي لدولة مركزية على خلاف الدول الاخرى حيث تقوم تركيا على وضع استراتيجية توفر الأمن لها ولجيرانها في مناطق نفوذها وتتضمن أمنها القومي واستقرارها ، فاتبعت تركيا صفر مشاكل مع دول الجوار مثل سوريا والعراق وإيران وروسيا، فهذا التحول يعتبر استراتيجية خاصة في ظل بقاء المشكلات السابقة المتمثلة في قضية قبرص والاكراد وقضية اللاجئين في أوروبا التي اشتعلت مع زيادة التنافس مع إيران . (١)

2– الموارد المائية

تعتبر المياه أحد المحددات الأساسية للسياسة الخارجية للدول خاصة في العصر الحالي ، وذلك لما تمتلكه الدولة من قوة عند توفرها على منابع الأنهار بالإضافة إلى شاطئها مع البحار والمحيطات وتوفرها على مضايق إقليمية ودولية وكل هذه العناصر توفر للدولة قوة تجعلها تتبنى سياسة خارجية مميزة وفاعلة .

كما ساهمت الموارد المائية في توجيه السياسة الخارجية التركية ، وذالك لأن تركيا تعتبر من أغنى دول العالم بالموارد المائية ، مما جعلها تستخدم هذه الموارد كورقة ضغط على الدول العربية المجاورة لها والتي لديها معها أنهار مشتركة بهدف إضعاف هذه الدول وإذعانها لما يخدم المصالح التركية ويحقق أهدافها وهذا ما جعل العلاقات التركية مع سوريا والعراق تتميز بالتوتر منذ أواخر الثمانينات ، وازدادت حدة هذا التوتر عندما لجأت تركيا خلافا للاتفاق المعقود بينها وبين كل من العراق وسوريا عام 1946 إلى تنفيذ مشروع جنوب شرق الأناضول . (٢)

(١) علي حسين باكير، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، مرجع سابق، ص٣٣ .

(٢) عبد العزيز شحادة المنصور: المسألة المانية في السياسة السورية تجاه تركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، ۲۰۰۰ .

تعتبر عملية تحكم تركيا في الموارد المائية لنهري دجلة والفرات من المحددات الأساسية للسياسة الخارجية التركية تجاه كل من سوريا والعراق ، ولازالت تركيا تصرح بين الحين والآخر فرئيس الحكومة الأسبق للجمهورية التركية السيد سليمان ديميرل صرح في مايو 1990 بإن لتركيا السيادة التامة على مواردها المائية ولا يجب أن تخلق السدود التي تشيدها على نهري دجلة والفرات أي مشكلة دولية ويجب أن يدرك الجميع أن نهري دجلة والفرات هما نهران تركيان حتى النقطة التي يغادران فيها الإقليم التركي، هذا التصريح أكد على أهمية الموارد المائية في السياسة الخارجية التركية ، وذالك من خلال استغلالها للضغط على سوريا والعراق ومساومتهما خاصة فيما تعلق باتهامها لسوريا ولبنان بدعمهما لقيادات حزب العمال الكردستاني ( pkk ) المتمرد ،عملت تركيا على تحقيق مجموعة أهداف من هذا التسييس . (١)

يمكن حصر أهداف هذا التسييس في النقاط التالية :- (٢)

١. استخدام المياه كورقة ضغط ضد سوريا مما يقضي إلى إضعافها واستجابتها لمطالب الكيان الصهيوني بشان القضية الفلسطينية ولبنان والأراضي السورية المحتلة ، لينسجم ذالك مع الاتفاق الأمني والعسكري بين تركيا وإسرائيل والذي يرمي إلى خلق محور استراتيجي واقتصادي شرق أوسطي ، وبما يتلاءم مع مصالحهما في المنطقة .

٢. استخدام الموارد المائية كورقة ابتزاز ضد دول الجوار النقطية وخاصة العراق لتحقيق هدفها الاستراتيجي المعلن في معادلة المياه النفط فضلا عن الحصول على النفط الخليجي ، مستغلة بذالك قلة الموارد المائية في تلك الدول .

٣. رغبة تركيا بأن تصبح قوة إقليمية فاعلة في المنطقة ، وكذلك لإنعاش اقتصادها المتدهور في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، وكذلك السياسة المائية تحسن الاقتصاد التركي بعد إقامة مشروعات التعاون الإقليمي حيث اقترحت مشاركة الكيان الصهيوني في هذه المشاريع وربطه بتحقيق السلام في المنطقة .

_____________________________________

(١) عبد الناصر محمد سرور، التعاون الإسرائيلي التركي في السياسة المائية خلال عقد التسعينات، بحث منشور، سلسلة الدراسات الإستشارية، المجلد السادس عشر، العدد الأول، يناير 2008 .

(٢) عقيل محفوظ، جلديات المجتمع والدولة في تركيا، المؤسسة العسكرية، مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، ط١، 2008، ص 62 .

٤. تحقيق الإستراتيجية المشتركة بين تركيا وإسرائيل والتي تقضي باستغلال المسألة المائية لتهديد الأمن المائي العربي وفقا لتصورات وخطط إسرائيلية هيأت مكانة خاصة لتركيا في إطار عدة مشاريع إقليمية ، كمشروع الشرق أوسطية ، ومشروع الشراكة الأورومتوسطية والمشروع الأخير الاتحاد من أجل المتوسط ، وذالك لربط إسرائيل بالدول العربية عبر تركيا سواء استعملت تركيا المسألة المائية كورقة ضغط على العرب أو استعملتها كورقة تعاونية تدخل بها إسرائيل في حالة تطبيع غير مباشر مع الدول العربية . (١)

كما أن الموارد المائية التركية في بداية التسعينات ساهمت بشكل كبير في حل مشكلة نقص المياة في إسرائيل وذالك على حساب القضايا العربية المركزية وأهم مشروع مياه قدمته تركيا هو مشروع مياه السلام  الذي يهدف إلى نقل نحو ستة ملايين متر مكعب يوميا من مياه نهري سيحان وجيحان التركيان عبر أنبوبين إلى دول الخليج وسوريا والأردن والضفة الغربية وإسرائيل، ويبلغ طولهما نحو خمسة آلاف كيلومتر وهذا المشروع يهدف إلى بيع المياه إلى الدول العربية المجاورة مقابل حصول تركيا على مكاسب على هيئة نفط خام وغاز طبيعي بأسعار تفضيلية وقروض واستثمارات عربية وخليجية ميسرة ، أما بالنسبة لإسرائيل فإنها تقدم صفقات أسلحة مناسبة لتركيا كما تدعمها بالتقنيات والخبراء العسكريين لتحديث الجيش التركي على جميع الأصعدة . (٢)

 3- المقدرات الاقتصادية

تتميز تركيا باقتصاد قوي وذالك منذ منتصف التسعينات ، واحتلت منذ 2002 المرتبة السادسة عشر عالميا ، وبلغ الدخل القومي الإجمالي 410 بليون دولار ، وساهمت في التجارة العالمية بنحو 66 مليار دولار ، كما انه يعد أكبر اقتصاد في البلقان والشرق الأوسط، حيث بلغ الناتج القومي عام 2008 نحو ٧٥٠ مليار دولار كما ارتفع متوسط معدل النمو الاقتصادي الى 6.8 % ، كما ارتفع معدل الدخل الفردي في الفترة بين 2002 الي ٢٠٠٨ من 3300 الى 10000 دولار ، واستمر انخفاض معدل التضخم ، وقابلها زيادة متسارعة في حجم الاستثمارات ، وبفضل هذه المكانة الاقتصادية انتهجت سياسة خارجية فعالة ومنفتحة على جميع الدول .

_____________________________________

(١) بسام جابر وآخرون، مشكلة المياء في الشرق الأوسط ، ج ۲، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق ، بيروت ، ١٩٩٤ ، ص ۲۰۹ .

(٢) عبد الناصر محمد سرور، التعاون الإسرائيلي التركي في السياسة المائية ، مرجع سابق، ص١٨٩ .

٤- النخب السياسية الحاكمة

لطالما كانت مسألة الهوية مثار جدل كبير بين النخب في المجتمع التركي خاصة بعد عودة التيار الإسلامي إلى الحياة السياسية في تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي ، وكان للصراع بين النخب الإسلامية والنخب العلمانية انعكاس واضح على السياسة الخارجية التركية .

فالعلمانيون منذ تأسيس الجمهورية التركية 1923 أبحروا بتركيا إلى الشاطئ الأوروبي والغربي مبتعدين بها عن المرفأ الشرقي الإسلامي على وجه الخصوص الذي رست فيه أكثر من أربعة قرون ، واشتد الصراع بين العلمانيين والإسلاميين في منتصف التسعينات عندما أعلن نجم الدین زعيم التيار الإسلامي في تركيا في أول تصريحاته بعد تولية رئاسة الحكومة التركية عام 1997 ، أن حكومته ستدعم علاقاتها بالدول الإسلامية ، ووعد بتحسين العلاقات مع كل من إيران وسوريا وليبيا ، وانه سيقوم بمراجعة الاتفاق العسكري التركي الإسرائيلي ، وإجراء تعديلات في اتفاق الاتحاد الجمركي مع أوروبا، وبأنه سيطالب برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق ، وإنهاء عمل قوات المطرقة الأمريكية البريطانية الفرنسية في شمال العراق ، معتبرا أنها قوات صليبية هدفها تقسيم العراق والإضرار بالمصلحة التركية بإقامة دولة كردية . (١)

 5- المقدرات العسكرية (٢)

تعتبر تركيا ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي ، ويعتبر من أقوى الجيوش حجما وكفاءة ، وتقدر القوة العددية للقوات المسلحة التركية بنحو 1.206.700 جندي منهم 639 ألف من القوات العاملة و 387 الف في الاحتياطي و 180 ألف من القوات شبه عسكرية و 30 الف جندي في قبرص الشمالية ، واكتسب تركيا هذه القوة العسكرية المميزة اثر تحالفها الاستراتيجي مع الولايات الأمريكية وإسرائيل خاصة خلال فترة الحرب الباردة وما كان لتركيا من دور أساسي في ردع المد الشيوعي إلى الشرق الأوسط  وقد استعملت تركيا جيشها في خدمة سياستها الخارجية خاصة بعد توجهها نحو الغرب، فانضمت إلى الحلف الأطلسي، والذي أصبحت أحد أهم أركانه .

____________________________________

(١) رضا هلال ، السيف والهلال تركيا من أتاتورك إلى أربكان الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي بيروت، دار الشروق للنشر والتوزيع ، ط1، ٢٠٠٨، ص ١٦٦ .

(٢) المرجع السابق، ص١٦٨ .

المطلب الثاني : محددات السياسة الخارجية التركية الخارجية

 1- النظرة السلبية المتبادلة بين العرب والأتراك

وذالك بسبب التأصيل لمبادئ العلمانية في تركيا منذ قيام الجمهورية العلمانية واستبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني ، وهذا لم يسر العرب ، ما جعلهم ينظرون إليها بشيء من الريبة بالإضافة إلى التحالف الاستراتيجي بين تركيا واسرائيل ( العدو التاريخي للعرب ) .

ومن ناحية الأتراك فإنهم ينظرون إلى العرب على أنهم خانوهم وتأمروا عليهم مع الغرب إبان الحكم العثماني ما أدى إلى تفكيك الإمبراطورية العثمانية 1923 م ، إلا أن هذا المحدد ليس ثابت وهو نسبي ، إذ يتغير حسب المصالح الوطنية لكلا الطرفين وذلك ما يلاحظ في التغير الواضح في السياسة التركية تجاه القضايا العربية خلال العشر سنوات الأخيرة . (١)

 2- العلاقات التركية الإسرائيلية

تعتبر العلاقات التركية الإسرائيلية أحد أهم محددات السياسة الخارجية التركية تجاه الدول الإسلامية والعربية منها خاصة ، وذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ إعلان قيام دولة إسرائيل ، إذ تعتبر تركيا أول من اعترف بإسرائيل في المنطقة عام 1949 مباشرة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بها ومنذ ذلك الحين عرفت العلاقات التركية الإسرائيلية نوعا من التقارب وصل إلى حد التحالف والتعاون في الكثير من المجالات خاصة قبل مرحلة التسعينات من القرن الماضي وتأصل التحالف في أواخر التسعينات ، وكانت البداية منذ توقيع تركيا وإسرائيل الحلف العسكري السري بينهما في شهر أغسطس 1958 م ، ردا على قيام الوحدة العربية بين مصر وسوريا ( 1958-1961 ) . (٢)

(١) عيسى السيد دسوقي، توجهات القوى الإقليمية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، دار الأحمدي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008، ص 77.

(٢) علي حسين باكير، تركيا في طور استعادة دور تاريخي في المنطقة، صحيفة الخليج الإماراتية،  ١٧/٨/٢٠٠٧

وأهم ميادين التعاون التركي الإسرائيلي هو الميدان العسكري والأمني إذ شمل الاتفاق الموقع عام 1958 التعاون الشامل بين المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) والمخابرات التركية والذي تطور إلى اتفاق ثلاثي باسم ترايدنت ، بانضمام المخابرات الإيرانية ( السافك ) إلى هذا الاتفاق وذالك رغم بعض الومضات الايجابية التي اتخذتها تركيا تجاه العرب في بعض المواقف خاصة الحرب الإسرائيلية العربية 1967 التي أدانت فيها تركيا إسرائيل، ونظرا لرغبة تركيا في الانفتاح على الغرب والانخراط في المنظومة الأوروبية بالإضافة إلى مشاكلها مع كل من سوريا والعراق ولبنان فيما يخص قضية الأكراد وتوزيع مياه دجلة والفرات ، وطدت علاقاتها مع إسرائيل بشكل كبير خلال تمركز العلمانيون في السلطة وتحكم المؤسسة العسكرية في زمام الأمور في تركيا، فقد وقع الطرفيين اتفاق للتعاون العسكري في عام 1996 وأكد رئيس الوزراء الأسبق نتنياهو في 13 مايو 1997 أثناء زيارة وزير الدفاع التركي لإسرائيل على أهمية التعاون العسكري بين البلدين من اجل مواجهة التهديد الإرهابي وتأمين استقرار المنطقة كلها ، وفي مارس 1996 وقع الطرفان اتفاقية للتجارة الحرة ثم اتفاق للنقل البري الذي وقع في أنقرة في سبتمبر 1997 وفي فترة التسعينات من القرن الماضي كان التوجه التركي للتعاون مع الكيان الصهيوني محددا أساسيا للسياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية والتي كانت تتسم بالتصعيد في أغلب الأحيان وعدم الوضوح  . (١)

3- المشاكل الحدودية مع الدول العربية المجاورة (٢)

والمقصود هنا مشکلتان حدودیتان رئیسیتان الأولى تتمثل في الحدود بين تركيا والعراق حول وضع الموصل والثانية تتمثل بين تركيا وسوريا وتركزت حول منطقة لواء اسكندرونة .

  • الموصل : منذ خسارة تركيا قضية دمج الموصل ضمن أراضيها بحجة أن أكثرية سكانها أكراد أمام المملكة المتحدة المنتدبة على العراق آنذاك بتوقيعها معاهدة التسوية في عام 1926 م ودمج الموصل ضمن العراق تحت الانتداب البريطاني، لازالت مشاعر الندم تطفو على القادة الأتراك منذ ذالك الحين ، فقد أشار رئيس الوزراء التركي الأسبق تور

________________________

(١) عوني عبد الرحمن البعاوي وعبد الجبار مصطفى النعيمي ، العلاقات الخليجية التركية معطيات الواقع وأفاق المستقبل، مجلة دراسات إستراتيجية، العدد 1043، ٢٠١٠ م .

(٢) معتز سلامة، الجيش والسياسة في تركيا، مجلة السياسة الدولية، السنة 34، العدد 131 يناير1998، ص 123 .

غوت أوزال في اكتوبر 1986 في معرض النفي بأن لدى بلاده أي مطامع بخصوص كركوك ، وأن أنقرة باستطاعتها أن تعتمد نهجا أكثر فعالية إذا ما تعرض أمنها للخطر وهنا الإشارة ضمنيا بالتهديد بالمطالبة بالموصل مثل هذه الخطابات العنيفة وخاصة عند التدقيق في توقيتها الزمني وظروفها كالحرب بين العراق وإيران ، وغزو العراق للكويت وبعده ضرب الحلفاء للعراق وما نتج عن كل ذالك من تفكك للعراق ولو بشكل غير رسمي ، إنما تدل على مشاعر الرغبة في التدخل في المراة و سقوط نظام حسين بشكل مباشر أو سري ، ويتضح ذلك جليا من خلال الزيارات الرسمية لوزراء أتراك لمناطق مختلفة شمال العراق ، رغم أن تركيا وقفت الموقف المشرف مقارنة ببعض مواقف الدول العربية تجاه الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 .

  • لواء اسكندرونة : وبمنفذها الصالح للعمل على ساحل البحر المتوسط ، وبذالك دمج إقليم اسكندرونة ضمن أقاليم تركيا سنة 1939 باسم هاتاي رفضت سوريا القبول بخسارة الاسكندرونة ، وهذه القضية ولدت لدي القوميون العرب السوريون شعور قوي بالرغبة في استعادة هذا الإقليم ، ويبقى هذا الإقليم يشكل سببا الاستياء العرب من تركيا إلا أنه بعد تطور العلاقات التركية السورية وانتقالها إلى مستوى الصداقة والتعاون في بداية القرن الحالي ، لم تعد هناك رغبة لدى النخبة الحاكمة في سوريا في إثارة مسألة استرجاع لواء اسكندرونة ، وذلك ما ساهم في امتصاص تلك النظرة السلبية المتراكمة تجاه تركيا لدى العرب منذ العقد الثاني من القرن العشرين . (١)

 4- المؤسسات الإقليمية والدولية

إن انضمام تركيا للعديد من المنظمات الدولية والإقليمية واكتسابها فيها مكانة هامة تجعلها تقوم بدور فاعل على مستوى سياستها الخارجية ، إذ تنتمي تركيا إلى حلف شمال الأطلسي ، كما أنها أصبحت عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي وعضوا مراقبا في جامعة الدول العربية ، وهذا ساعد تركيا في تحقيق توجهها الجديد في سياستها الخارجية  . (٢)

___________________________________

(١) معتز سلامة، الجيش والسياسة في تركيا، مرجع سابق، ص ١٢٧ .

(٢) محمد عبد الملك ، البعد الإقليمي للسياسة الخارجية التركية في ظل المعطيات الأمنية الجديدة، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة الحاج خضر باتنه ، 2009، ص ١٣٣ .

اولا : على المستوى الإقليمي

تعرض صناع القرار في تركيا لضغوطات كبيرة بسبب المحيط الإقليمي والجغرافي الذي تنتمي إليه تركيا ويعتبر المؤثر والمحدد المباشر لكونها جزء من سياستها الخارجية التي يجب أن تكون بعيدة عن الأخطاء وهذا بسبب العديد من القضايا المحيطة بتركيا والتي أصبح لها طابع دولي أكثر منه إقليمي .

فعلى المستوى الإقليمي نجد أن تركيا ورغم علاقتها المتوترة مع بعض جيرانها أنتجت سياسات عملت على تحسين علاقاتها ومواقفها الإقليمية ، وتعتبر العلاقات التركية الإيرانية من أهم العلاقات التي تحظي باهتمام كبير من صانع القرار التركي ، بسبب قدم هذه العلاقة التي تميزت بالصراع على النفوذ في المنطقة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وظهور تركيا وتخوف إيران من تهديد الدولة العثمانية لها واستقرت حدودها وعادت الخلافات والتوتر بعد الثورة الإسلامية رغم الدعم التركي لها ، لتخوف تركيا من تصدير إيران الثورة إليها . (١)

بعد أحداث 11 سبتمبر بدأت العلاقات تتحسن تدريجياً وخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وتخوف البلدين من انشاء دولة كردية وهذا ما دفعهم إلى توثيق علاقتهم وخاصة بعد فوز حزب العدالة والتنمية فشهدت هذه الفترة حالة من التعاون والاستقرار في المجالات المختلفة وخاصة الاقتصادية والعسكرية ، وعلى الرغم من تخوف تركيا من الملف النووي إلا أنها ترفض فرض أي عقوبات على إيران وترفض إستخدام اراضيها في اي عمليات عسكرية ضد إيران .

أما العلاقات التركية العربية فلها جذور تاريخية تعود إلى الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على معظم المنطقة العربية، وشهدت العلاقات التركية العربية مرحلة خاصة فكان اهتمام تركيا انشاء دولة علمانية ديمقراطية وبعد الأزمة  1979 عملت تركيا على توثيق العلاقات مع العرب وحصلت تغيرات جذرية بعد حرب الخليج الثانية ، وعملت على تقسيم الوطن العربي وتفكيك العلاقات مع العراق عن طريق غلق أنابيب الغاز والنفط العراقية . (٢)

(١) صبري سيار، تركيا والشرق الأوسط في التسعينات، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد ٣١، بيروت، صيف ۱۹۹۷، ص۳۰ .

(٢) محمد عبد الملك ، البعد الإقليمي للسياسة الخارجية التركية في ظل المعطيات الأمنية الجديدة، مرجع سابق، ص ١٣٦.

فمع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة حصلت تحولات على السياسة الخارجية التركية خاصة فيما يتعلق العلاقات العربية التركية وهذا على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني ،فالحرب يرى أنه من المهم إعادة تأسيس العلاقات العربية التركية على مبدأ الدين والإقليمية وتبني توجهات منها بناء علاقات اوروبية عربية وهذه التوجهات لم تكن معادية للإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة .

ثانيا : على المستوى الدولي

– العلاقات التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية : مرت بمراحل مختلفة ما بين الثبات والتوتر على حسب المتغيرات الدولية ،فازدهرت العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية وإعلان مبدأ ترومان وسياسة الاحتواء الأمريكية، وبعد فترة الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة الأراضي التركية في انشاء قواعد عسكرية ومحطات تنصت ورداد وفي المقابل حظيت تركيا بالجزء الأكبر من المساعدات في حلف الأطلسي من المساعدات العسكرية والاقتصادية . (١)

لقد كان للأزمة القبرصية دور في تأزم العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية ولكن في عام 1980 عقد معاهدة التعاون الإقتصادي والدفاعي وعادت العلاقات مرة آخرى .

وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة ظهرت الولايات المتحدة كقوى عظمى مهيمنة على النظام العالمي ، وظهرت تركيا بحكم موقعها الاستراتيجي تمثل أهمية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة خصوصمها والتحكم في مرور الطاقة من الشرق إلى الغرب ، ومن خلال السيطرة على بحر قزوين واسيا الوسطى ، كانت تركيا تمثل دور محوري للولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب ، ولكن توترت العلاقات بسبب غزو العراق ورفض الشعب التركي إستخدام أراضيه في ضرب العراق .

لكن زاد توتر العلاقات بوصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم الذي عمل على إصلاح الدولة التركية من الداخل والخارج ،وتعزيز علاقتها مع دول الجوار وتستخدم الولايات كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي لقبولها عضو فيها والتمتع بمزيد العضوية

(١) زيد لطيف صادق، العلاقات الأمريكية التركية في ظل حزب العدالة والتنمية (2003،2011) ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة الشرق الأوسط،  2012، ص 143.

– العلاقات التركية مع الإتحاد الأوروبي : قام كمال اتاتورك بإسقاط الدولة العثمانية وتأسيس دولة تركيا وانتهج العلمانية والدستور العربي وعمل على الاندماج مع أوروبا شكلاً ومضموناً ، وكانت علاقة تركيا مقصورة في الإنضمام إلى الإتحاد السوفيتي وتحقيق طفرة اقتصادية وتحسين مستويات المعيشة والتطور الاقتصادي ولقد كانت فترة مت بين الحربين لها دور في اقتراب تركيا من الإنضمام للإتحاد الأوروبي حيث اتخذها الإتحاد كحائط صد للشيوعية . (١)

أهم عائق يقف أمام الإنضمام في معاهدة ماسترخيت التي تضع معايير وقوانين تحتم على الدولة أن تستجيب لها لكي يعترف المفوضية الأوروبية بأهلية هذه الدولة للانضمام وتقضي تكييف الدولة مع هياكل الإتحاد ومؤسساته ، وكان وصول حزب العدالة والتنمية للحكم دورا في توطيد العلاقات التركية الأوروبية واقتراب الوصول إلى عضوية الإتحاد الأوروبي لما قام به الحزب من إصلاحات على الجانب السياسي والاقتصادي واحترام حقوق الإنسان وتطبيق نصوص معاهدة كوبنهاجن لكن العامل العقائد والحضاري وقف دون انضامها للإتحاد الأوروبي.

– العلاقات التركية الروسية : اتسمت بالتوتر والتأزم في عهد الإمبراطورية العثمانية ولكن منذ الحرب الباردة وتفكك الإتحاد السوفيتي بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن تدريجياً وكانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بروسيا الاتحادية . (٢)

عندما وصل حزب العدالة والتنمية الحكم عمل على صنع قرار وتحسين العلاقات مع روسيا وكان للأزمات الإقليمية دور في اختلاف وتعارض الرؤى على المستوى الدولي . (٣)

(١) حيدر جاسم محمد محمود، واقع السياسة الخارجية التركية حيال الإتحاد الأوروبي ومستقبلها، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، جامعة دمشق ، 2014، ص 43 .

(٢) محفوض، سوريا وتركيا الواقع الراهن واحتمالات المستقبل، مرجع سابق، ص ١۸۹ .

(٣) محمد التلوي، مرجع سابق، ص ٨٨ .

٥- القضية الكردية

تعتبر المشكلة الكردية من أهم القضايا التي انهكت تركيا حيث يشكل اكراد تركيا البالغ عددهم حوالي 15 مليون نسمة أي 20 % من مجمل سكان تركيا، ونصف تعداد الأكراد في العالم عددهم حوالي ثلاثين مليون نسمة واما عدد الأكراد في العراق فيقدر عددهم ب 4.5 مليون نسمة من سكان العراق واما عدد الاكراد ایران فعددهم يفوق اكراد العراق بقليل، واما اكراد سوريا فيقدر عددهم بأكثر من 1 مليون نسمة، ونظرا لوجود الكثير من الفوارق القبلية والدينية واللغوية والعشائرية بين الاكراد ظلت أصولهم العرقية ومدى تماسكهم من المسائل الغامضة فلم ينصهروا حتى الآن في أي فئة عرقية أخرى رغم وجودهم في المناطق الجبلية المتاخمة لدول تركيا وايران والعراق وسوريا .

وأصبحت المشكلة الكردية ملف دائم التوتر في العلاقات التركية الخارجية ليس مع سوريا والعراق وايران فحسب بل مع ارمينيا وروسيا واليونان وقبرص واضافة الى الاتحاد الأوروبي حيث تصر انقرة على ان المشكلة هي من صنع الخارج ، والى وقت قريب كانت تنكر هذه الحقيقة التي كانت تهدف من ورائها الى تحييد اكراد العراق ازاء المشكلة الكردية في تركيا بل وتأيدهم ضد حزب العمال الكردستاني خاصة في ضوء الخلافات العميقة بينهم وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني وبدأت المشكلة الكردية تهدد الوحدة التركية مع بروز عمليات تفجيرية من طرف حزب العمال الكردستاني . (١)

يتضح ان الاستراتيجية الامنية التركية فيما يتعلق بمسالة الاكراد اعتمدت على مقولة الاحتواء التقليدي التي ترتكز على تفكيك مصادر الدعم والتأييد الخارجي المباشر وغير المباشر وحرمان حزب العمال الكردستاني من بيئة الدعم والإسناد الكردية والإقليمية ، حيث تمكنت بهذا الخصوص الى التوصل الى توافقات متفاوتة مع عدد من الدول على مكافحة الارهاب في المقابل المزيد من الانخراط التركي في الاستراتيجيات الاقليمية والدولية تحت عناوين مختلفة مثل تصفير المشكلات والعمق الاستراتيجي  .

_____________________________________

(١) أحمد سعيد نوفل وأخرون، أزمة السياسة الخارجية التركية وانعكاسها على العلاقات العربية التركية ودور تركيا الإقليمي ، مركز دراسات الشرق الأوسط الأردن، عدد 12، 2016، ص١٧ .

وفي منتصف 2015 عندما عادت الحرب مجددا تضمنت الحكومة التركية نهجا جديدا لمواجهة حزب العمال الكردستاني وقد اتخذ الخيار الأخير منحى عملي بمحاولة حزب العدالة والتنمية وحكومته ايجاد بديل كردي ، وقد تزامن انهيار العملية السلمية مع مرحلة سياسية صعبة واجهها حزب العدالة والتنمية اذ حدث متغيران جوهريان :- (١)

١. وصول حزب كردي لأول مرة في تاريخ البرلمان بعد تجاوزه العتبة البرلمانية .

٢. حرمان حزب العدالة والتنمية لأول مرة من تحقيق الاغلبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده .

ونتيجة لهذين المتغيرين وتفاقم الوضع الامني ، بدأت حكومة بن علي يلدم في عام 2016 سياسة جديدة وشاملة ازاء القضية الكردية وذلك من خلال ثلاث مقاربات :- (٢)

  • الأولى : تكريس فكرة غياب المحاور الكردي الذي يتمتع بمصداقية وينشد للسلام مما يعني التخلي عن فكرة التفاوض مع حزبي الشعب الديمقراطي والعمال الكردستاني .
  • الثانية : اتباع مواجهة جديدة عسكرية وأمنية تجاه حزب العمال الكردستاني ونهج صارم لتقويض حزب الشعب الديمقراطي .
  • الثالثة : الانفتاح على الاحزاب والحركات الكردية الاخرى التي تنبذ العنف وتسعى لحل القضية الكردية في نطاق الحقوق المتساوية داخل الدولة التركية وخلق بديل كردي من خلالها .

بعد سنوات من التهدئة وسير العملية السياسية ورغم تدهورها لايزال العمل السياسي هو المخرج الوحيد والمفضل ، فضلا عن انه خيار الدولة التركية والمرحلة المقبلة لتركيا هو البحث عن سبيل العودة لطاولة المفاوضات بعد تأمين شروط نجاحها وتحقيق المأمول منها بالنسبة للطرفين، وتأمين شروط نجاحها وتحقيق المأمول منها بالنسبة للطرفين وفي ديسمبر 2021، ثار الخلاف حول مطالبة سوريا بالواء الإسكندونة ثانيا .

(١) أحمد سعيد نوفل وأخرون، أزمة السياسة الخارجية التركية وانعكاسها على العلاقات العربية التركية ودور تركيا الإقليمي، مرجع سابق، ص١٨ .

(٢) محمد عبد الملك ، البعد الإقليمي للسياسة الخارجية التركية في ظل المعطيات الأمنية الجديدة، مرجع سابق، ص١٤٠ .

بالإضافة إلى مشاكلها مع كل من سوريا والعراق ولبنان فيما يخص قضية الأكراد وتوزيع مياه دجلة والفرات ، وطدت علاقاتها مع إسرائيل بشكل كبير خلال تمركز العلمانيون في السلطة وتحكم المؤسسة العسكرية في زمام الأمور في تركيا، فقد وقع الطرفيين اتفاق للتعاون العسكري  1996، وأكد رئيس الوزراء الأسبق نتنياهو في 13 مايو 1997 أثناء زيارة وزير الدفاع التركي لإسرائيل على أهمية التعاون العسكري بين البلدين من اجل مواجهة التهديد الإرهابي وتأمين استقرار المنطقة كلها وفي مارس 1996 وقع الطرفان اتفاقية للتجارة الحرة، ثم اتفاق للنقل البري الذي وقع في أنقرة في سبتمبر 1997 وفي فترة التسعينات من القرن الماضي كان التوجه التركي للتعاون مع الكيان الصهيوني محددا أساسيا للسياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية والتي كانت تتسم بالتصعيد في أغلب الأحيان وعدم الوضوح .

٦- الإرهاب

الارهاب في الفترة الحالية التهديد العابر للحدود ، والتهديد المتحرك لكل السياسات الامنية الدولية ، ومنذ سقوط العراق 2003 وأحداث سبتمبر ، تطور هذا الخطر خاصة في منطقة الشرق الاوسط وتعاظمت المخاوف التركية بعد ظهور الدولة الاسلامية ( داعش ) في العراق وسوريا حيث يعتبر تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) في العراق والشام من أكبر التنظيمات التي تشكل خطرا على استقرار منطقة الشرق الأوسط عامة وتركيا خاصة ، لما يمتلكه من امكانيات قتالية ولوجستية ( اسلحة ومعدات وافراد ) ، وقد ظهر تنظيم ( داعش ) للمرة الأولى في أبريل 2013 وقدم على أنه نتيجة اندماج بين دولة العراق الاسلامية التابع لتنظيم٦ للقاعدة وجبهة النصرة السورية ، الا ان هذه الأخيرة رفضت الاندماج ، ما تسبب في اندلاع معارك بين الطرفين في 2014، وأبدت تركيا قلقها من امتداد نشاط هذه المنظمة الارهابية الى أرضيها ، وبعد سقوط  كوياني السورية المتاخمة لحدودها  قامت الحكومة التركية بسن مذكرة برئاسة الوزراء التركي ” أوغلو ” للبرلمان التركي بشأن سوريا والعراق حيث ركزت المذكرة على ابراز مدى خطورة التهديدات المحدقة بالأمن القومي التركي في ظل التطورات التي تشهدها دولتا الجوار سوريا والعراق ، حيث جاء في مجملها حماية المصالح التركية العليا  . (١)

____________________________________

(١) على حسين بأكير، محددات الموقف التركي من الازمة السورية، مرجع سابق، ص ٥٠ .

قضية إدلب (١)

لم تكن سياسة تركيا تجاه سوريا بارزة في عام 2020 باستثناء جولة القتال في إدلب في فبراير 2020، والتي انتهت بالتفاهم على وقف إطلاق النار مع روسيا، حيث هيمنت قضايا شرق المتوسط وليبيا وأزمة كورونا على السياسة الخارجية التركية .

وبالإضافة إلى كونه الحدث الأبرز لتركيا في سوريا فإن تركيا تعتبر وقف إطلاق النار الأخير في 5 مارس 2020 بعد جولة من القتال في إدلب نقطة فاصلة، وقد أكد على هذا عدد من الباحثين الأتراك في تقرير المشهد الأمني لتركيا لعام 2020 والذي صدر في يناير 2021 عن مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيتا) حيث تميزت الفترة السابقة لوقف إطلاق النار بعناوين القتال في إدلب والأزمات الإنسانية والهجرة الجماعية وعملية درع الربيع، أما الفترة التي تلت وقف إطلاق النار فقد تميزت بالهدوء النسبي في سوريا والمباحثات الدبلوماسية حول مساعدات الأمم المتحدة وغيرها .

فقبل وقف إطلاق النار وصلت الأمور إلى مستوى تصعيد كبير بعد مقتل 34 جنديا تركيا في غارة جوية لنظام الأسد استدعت ردا تركيا دمرت فيه تركيا 3 طائرات حربية و3 طائرات بدون طيار و8 طائرات هيلوكبتر و151 دبابة و8 أنظمة دفاع جوي و99 مدفع هاوتزر ومنشأة للأسلحة الكيماوية غيرها إضافة لمقتل المئات من أتباع النظام .

وبعد هذه الفترة راقبت تركيا تشتت النظام من التوتر في درعا والذي ما زال مستمرا حتى الآن، والمواجهات المستمرة أيضا بين النظام وتنظيم “الدولة” في البادية السورية وتدهور اقتصاد النظام وانهيار الليرة السورية خاصة بعد الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى جانب العقوبات الأميركية على النظام وأمام كل هذا المشهد كانت عين تركيا بدرجة أساسية مركزة على خطر قيام كيان دولة كردية على حدودها الجنوبية فقد بقي هذا الخطر قائما من وجهة نظر تركيا حيث استمرت وحدات حماية الشعب في تقوية نفسها وفي تلقي الدعم الخارجي من جهة وفي تطوير خطاب وتكتيكات جديدة لإضفاء الشرعية على نفسها، وعملت على استغلال زيارات الوفود الأجنبية لتقديم أجندتها السياسية .

__________________________________

(١) محمد عبد القادر، تحولات السياسة الخارجية في ظل حزب العدالة والتنمية، العرب وتركيا : تحديات الحاضر ورهانات المستقبل، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة،2012، ص 603.

ولهذا ما زالت تركيا تلوح حتى الآن بإمكانية تنفيذ عملية عسكرية وقد قام وزير الدفاع خلوصي أكار برفقة كبار قادة الجيش بزيارة تفقدية للقوات المرابطة على الحدود مع سوريا في 30 ديسمبر ٢٠٢٠ .

أما بعد خطر قيام كيان جديد شمال سوريا فقد حل اهتمام تركيا باستقرار إدلب في الدرجة الثانية تقريبا فهي آخر المعاقل الكبيرة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وقد تمكنت تركيا من منع هجرة جماعية كبيرة من إدلب من جهة وعملت على تحقيق تمركز عسكري مقبول من جهة أخرى، وفيما تعمل تركيا على المساهمة في إعادة تصميم الجماعات المعارضة في إدلب بشكل يخدم الاستقرار من وجهة نظرها فما زالت الأمور غير واضحة بالرغم من عدد من الخطوات مثل تفكيك بعض الجماعات القريبة من القاعدة لتحقيق الاستقرار، وبالتالي فإن قدرات تركيا على التأثير في إدلب لاحقا ستعتمد على إعادة هيكلة الجماعات المسلحة في إدلب .

لعل الخيط الذي ينظم كل هذه القضايا والتي تهتم بها تركيا بشكل خاص هو موقف الإدارة الأمريكية الجديدة فبالرغم من أن سوريا في حد ذاتها لن تكون من ضمن أولويات إدارة بايدن من وجهة نظر تركيا فإن أي تغيير في سياسة الإدارة سيكون مهما جدا بالنسبة لاستراتيجية تركيا في سوريا، كما أن إدارة بايدن ستكون معنية بشكل خاص بتحجيم الدور الروسي في المنطقة عموما، لذلك يعتبر موقف إدارة بايدن حاسما فهل ستلجأ إلى سلبية إدارة أوباما ودعم وحدات بي واي دي أم ستعمل على احتواء إيران، كما أن علاقاتها مع تركيا ستكون مهمة فهل ستتعامل مع تركيا كحليف في الناتو أم ستتجاهل ذلك وتحاول ضخ مزيد من الدعم لوحدات الحماية، فكل واحد من هذه الخيارات سيكون له تأثيره على استراتيجية عمل تركيا . (١)

تعتقد تركيا أن تنظيم بي واي دي سيحاول خلال عام 2021 الحفاظ على الدعم الأمريكي بينما سيعمل على تأمين حماية روسية من جانب آخر، كما ستستمر وحدات الحماية في كسب المزيد من الشرعية عبر إعادة تعريف نفسها والتأكيد على الانفصال عن حزب العمال الكردستاني وأيضا من المحتمل أن يقوم التنظيم بمحاولة التوسع مما قد يفتح معركة مع النظام .

___________________________________

(١) عماد يوسف قدورة، مسألة التغير في السياسة الخارجية التركية: المراجعات والاتجاهات : تحليل سياسات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2015، ص٤٣ .

كما أن تركيا لديها نقطة تهديد جوهرية تتمثل في إنشاء كيان شمال سوريا بدعم أمريكي ، كما أن لديها نقطة خلاف أخرى مع روسيا حول الترتيبات في إدلب، بمعنى أن التعقيدات التي واجهت تركيا في وقوف قوتين عظميين إزاء أهدافها ستبقى مستمرة وستعمل تركيا على عدم المواجهة مع الطرفين في آن واحد وعلى التنسيق مع أحدهما لتحقيق الحد الأدنى من أهدافها ومع أن تركيا ما زالت تفضل العمل مع واشنطن بدرجة أساسية فإن مواقف أعضاء فريق بايدن لا تبشر بتوافق تركي أمريكي . (١)

أما بالنسبة لروسيا فإن الوضع غير مرض لها في إدلب وهي في حالة ضغط مستمر على تركيا، حيث يعتبر الجناح البراغماتي في هيئة تحرير الشام أصبح أقوى من الجناح المتشدد بعد تفكيك بعض التشكيلات المتشددة مما أعطى تركيا إمكانية عمل أفضل لإيجاد حل وزاد من فرص تمكين المعارضة الأكثر اعتدالا في إدلب .

وبالتالي ستعمل تركيا على إعادة حساباتها في سياق سياساتها الداخلية وفي سياق حسابات مصالحها في الملفات المتعددة الممتدة من القوقاز ومرورا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى شرق أفريقيا، وستكون سياساتها العامة متأثرة بذلك لكن سياستها بتركيا ستكون محكومة بالبعد الأمني بالدرجة الأولى . (٢)

(١) عماد يوسف قدورة، مسألة التغير في السياسة الخارجية التركية، مرجع سابق، ص ٦٠٥ .

(٢) محمد عبد القادر، تحولات السياسة الخارجية في ظل حزب العدالة والتنمية، مرجع سابق، ص ٢٠ .

المبحث الثاني : أهداف السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا

تسعى الدولة من خلال سياستها الخارجية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي يحددها صانعو السياسة الخارجية في الدولة بناء على عوامل مختلفة منها الداخلية ، ومنها الخارجية ، ولتحقيق هذه الأهداف تستخدم الدولة العديد من الأدوات ، التي أحياناً تكون ( الأداة ) منفردة ، وأحياناً مجتمعة مع الأدوات الأخرى وعند البحث في السياسة الخارجية لتركيا تجاه سوريا ، فإنه يتضح أن أهداف السياسة الخارجية التركية متنوعة ، وهي تكون أهداف سياسية ، وتكون اقتصادية ، وأيضاً عسكرية وتستخدم تركيا العديد من الأدوات لتحقيق أهداف سياستها الخارجية ، مثل الأداة الدبلوماسية ، والأداة الاقتصادية ، والأداة الإعلامية ، وأداة توظيف المنظمات الدولية والإقليمية وسيتم من خلال هذا المبحث بحث أهداف السياسة الخارجية التركية من خلال تناول مجموعة من الأهداف للسياسة الخارجية التركية تجاه سوريا

المطلب الأول : الأهداف السياسية

يقصد بالأهداف السياسية تلك الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها والتي تريد من خلالها التأثير في مواقف الدول الأخرى والعلاقات بينهما ، وتنتظم التفاعلات السياسية الخارجية في إطار تحقيق مجموعة من الأهداف التي تتمثل في  حماية الأمن القومي ، والتكامل الداخلي ، والمكانة الإقليمية ( إحياء الدور الإقليمي ) . (١)

  1. حماية الأمن القومي : إن مفهوم الأمن القومي هو مفهوم مركب ، وتلخيص مركب لمجمل العلاقات التي تدخلها دولة ما ، أو مجموعة من الدول ، انطلاقاً من حماية مصالحها وللأمن القومي مكانة مركزية وأساسية في البعد الاستراتيجي سياسيا أو عسكريا ، وذلك لكونه محور السياسة الخارجية لأية دولة ، انطلاقاً من تفسير مفهوم السياسة الخارجية على أنها سلوك الدولة في محيطها الخارجي اعتماداً على مفهومها لأمنها القومي وحرصا على صونه وهذا ما دفع كثيراً من الدارسين إلى التأكيد على أن العلاقات الدولية كافة تبني أساساً على ضرورات الأمن القومي للدول وعلى قدرتها أو عدم قدرتها على المحافظة على ذلك ، إضافة إلى أن تحديد إستراتيجية أي عمل قومي على مستوى التنمية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية يفترض أن يبنى على مفهوم واضح ونظرية بيئة للأمن القومي .

_________________________________

(1) Grill Abdullah, Yeni Yuzyilda Turk Dis Politikasini Ufukari Horizons of Turkish Foreign Policy in the New Country, 2007, P.279. From: www.mfa.gov.tr/dats BAKANLIK BAKANLAR AbdullahGul_Kitap.pdf .

فالدولة تسعى من خلال سياستها الخارجية إلى حماية أمنها القومي الذي يعتبر هدفا رئيسيا للسياسات العامة للدولة داخلياً وخارجياً ، والذي تسعى لتحقيقه بكل الوسائل والأدوات والإمكانات المتاحة حتى لو اضطرت أن تخوض حروباً للحفاظ على مصالحها الحيوية ، وحماية الدولة من أي اعتداءات خارجي وبالنسبة لتركيا ، فإن مفهوم الأمن القومي ، مركب ومتعدد المعاني ، ولا يقتصر على القضايا المباشرة الخاصة بأمن الدولة ، بل يتسع ليشمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية ، وحتى القضايا الرمزية والسلوكية والثقافية المختلفة .   

وقد حدد قانون الأمن القومي في سبتمبر ۱۹۸۳ ، مفهوم الأمن القومي بالدفاع عن وحماية الدولة ضد أي نوع من التهديدات الخارجية والداخلية للنظام الدستوري ، والكيان الوطني ، والوحدة ، وكل المصالح والحقوق التعاقدية في البيئة الدولية على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وهذا ما يجعل مثلاً من مشكلة الأكراد في تركيا تدخل في سياق الأمن القومي التركي .

وقد اقتضت المصلحة القومية أن تتجه تركيا إلى التحالف العسكري الاستراتيجي مع الغرب وإسرائيل ، لاحتواء بعض مصادر التهديد الداخلية مثل المسألة الكردية والقوى اليسارية والإسلام السياسي ، إذ أنه ليس فقط التهديد الخارجي وحده الذي يشكل مصدر خطر على أمن الدولة إنما التهديد الداخلي أيضاً من مصادر هذا الخطر ، مما يجعل تركيا على الدوام قاب قوسين أو أدنى من تدخل المؤسسة العسكرية تدخلاً مباشراً في السياسة العامة ، ومن ذلك مثلاً ما حدث في ۲٧ ابریل ۲۰۰۷ ، عندما وجه الجيش إنذاراً إلى حكومة حزب العدالة والتنمية بشأن الانتخابات الرئاسية ، حتى أن الأتراك أحسوا بقرب وثوب الجيش إلى السلطة . (٢)

(١) عمر الحضرمي، العلاقات العربية التركية تاريخها واقعها ونظرة في مستقبلها، دار جرير للنشر والتوزيع، ط1، عمان، ۲۰۱۰ .

(٢) محمد نور الدين، تركيا : متى الانقلاب العسكري، ١ / ٢ /٢٠٠٢ .

تعمل سياسات الأمن القومي في تركيا على تحقيق مجموعة من النقاط أهمها :- (٢)

  • التحالف مع الغرب ، والمشاركة النشطة في سياساته واستراتيجياته الأمنية في المنطقة .
  • التفاعل مع دول الجوار الجغرافي للحد من طموحات الأكراد السياسية والانقسامية ، وذلك بهدف احتواء النزعة الاستقلالية لدى أكراد تركيا .
  • بناء سياسات واستراتيجيات أمنية تهدف إلى تكوين إمكانات عسكرية قوية وقادرة على حماية الوحدة الجغرافية للدولة ، وتتضمن اقامة تفاعلات سياسية، وتقدم لها ضمانات دفاعية في مواجهة المطالب الجغرافية المحتملة لدول الجوار الجغرافي .

وثيقة الأمن القومي التركي (٣)

في أواخر شهر أكتوبر عام ٢٠٠٥ ، أقر مجلس الأمن القومي وثيقة سياسة الأمن القومي ، التي حددت المبادئ الأساسية لهذه السياسة ، والأخطار التي تهددها وسيل مواجهتها وكشفت صحيفة ” جمهوريت ” العلمانية اليسارية النص الكامل لهذه الوثيقة التي تضمنت ثلاثة أقسام يتعلق القسم الأول منها بالجوانب الداخلية وهي تعتبر أن سياسة تركيا تقوم بالأساس على مبدأ أتاتورك السلام في الوطن ، سلام في العالم، أما القسم الثاني ، يتناول موضوعات التهديد الخارجي ، وتم التطرق لسوريا بأنها لم تتخل بالكامل عن سياستها تجاه الإسكندرونة رغم دخولها في علاقات جيدة مع تركيا ، وتذكر الوثيقة أنه لا مفر من سياسة خارجية متعددة الأبعاد في علاقاتها الخارجية .

وبالنسبة للقسم الثالث ، فقد أعطى الولايات المتحدة الأمريكية جانباً منه ، حيث أكد أن العلاقات معها تاريخية ومتشعبة واستراتيجية وفيها مصلحة لتركيا ، لكنها ليست بديلاً عن علاقات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي التي تذكر الوثيقة أن العضوية الكاملة فيه هدف أساسي لتركيا ولكن لا بد من حماية دور تركيا في حلف شمال الأطلسي وموضوع المياه ، وترى الوثيقة أن العمل مع دول المنطقة يجب أن يكون على اعتبار نهري دجلة والفرات على أنهما نهران اثنان بحوض واحد، وفيما يتعلق بالشرق الأوسط ، ترى تركيا أنه عليها أن تفيد دول الشرق الأوسط بتجاربها ، حيث أنه من مصلحة تركيا تطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق في بلدان الجوار .

(٢) عقل سعيد محفوظ، سوريا وتركيا …. الواقع الراهن واحتمالات المستقبل ، مرجع سابق، ص ١٧٨ .

(٣) محمد نور الدين، تركيا الصيغة والدور ، مرجع سابق ، ص ۳۰۱- ۳۰٢ .

يتضح هنا أن سوريا دائماً تكون حاضرة في السياسة التركية ، ففي الجانب الأمني ، فإن وثيقة الأمن القومي التركية قد أشارت إلى أن تحسن العلاقات مع سوريا لا يعني التخلي عن السياسة التي تتبعها تركيا في منطقة الإسكندرونة ، ورغم أن الوثيقة لم تعد تعتبر أن سوريا عدواً لتركيا أو تهديداً إقليميا لها إلا أن الإشارة للواء الإسكندرونة يعني أن سوريا هي التي تسجل نقطة لصالحها يتغاضيها عن نقاط الخلاف مع تركيا .

٢. التكامل الداخلي : يعتبر التكامل الداخلي هدفاً من أهداف سياسة الأمن القومي ، والسياسة الخارجية تعزز ذلك من خلال زيادة تفاعلاتها الخارجية بهدف الحفاظ على وحدة تركيا من ناحية جغرافية ومن ناحية اجتماعية ، فالتخوف من أي انقسامات في التكوينات الاجتماعية يشكل هاجساً لدى صانعي السياسة التركية الخارجية خاصة في ظل وجود مشكلة الأكراد ومطالبهم بالانفصال وتحقيق التكامل الداخلي في تركيا يتطلب تبني إصلاحات سياسية واقتصادية ، وتوسيع خيارات التنمية البشرية والثقافية ، ويحتاج إلى تعاون إقليمي لحل المشكلات الإثنية والمياه والإرهاب والهجرة

والتكامل الداخلي في تركيا عامل من مهم في العلاقات التركية السورية ، حيث أن المشكلة الكردية كانت مصدر توتر وخلاف بين البلدين ، حيث أن تركيا كانت دائما تتهم سوريا بتغذية المشكلة الكردية واستغلالها لصالح قضية المياه وتسببت المشكلة الكردية في توترات أدت في مرحلة من المراحل إلى حشد الجيوش على الحدود بين البلدين .

٣. إحياء الدور الإقليمي ( المكانة الإقليمية ) (١)

إن أهم هدف من أهداف السياسة التركية هو اعتبار تركيا دولة أنموذجا للبناء السياسي ، خاصة أنها تقع في منطقة متوسطة ما بين الشرق والغرب ويرى أحمد داود أوغلو أن تاريخ تركيا شهد تحولها من دولة جناح خلال الحرب الباردة ، ثم دولة ممزقة أو طرفية بعد هذه الحرب ، أي الدولة التي تواجه صراعات مستمرة ، فعند انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي عقب الحرب العالمية الثانية أصبحت جزء من الجناح الجنوب شرقي لحلف شمال الأطلسي ، وتم بلورة سياسة تركيا الخارجية حسب هذا الوضع الجديد ، وبعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة ثم النظر إلى تركيا.

___________________________________

(١) محمد نور الدين، حوار أحمد داود أوغلو” : الإستراتيجية التركية الجديدة في شئون الأوسط ، مركز الدراسات الإستراتيجية، بيروت، العدد ١١٦، خريف ٢٠٠٤ .

كما يشير بعض الكتاب مثل هانتنغتون ، على سبيل المثال ، على أنها دولة أطراف ، أي دولة ممزقة توجد على أطراف الغرب من جهة وعلى أطراف الشرق من جهة أخرى ، فهي تمثل أطراف أوروبا ، كما تمثل أطراف العالم الإسلامي، ويركز الساسة في تركيا على اعتبارها دولة ديمقراطية لتبدو أنموذجاً ، وفي ذلك رسالة مزدوجة موجهة أولا إلى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وغيرها كبديل للنماذج السائدة لديها أو المقترحة محليا ، أما الوجهة الثانية ، فهي نحو الغرب الذي يرى ضرورة ماسة للتغيير الشامل في المنطقة الإسلامية ويبدو أن الأتراك يصدقون كون بلدهم نموذجاً وهم يجدون مضمون هدفهم أو مقولتهم من خلال الاتجاهين التاليين :- (١)

  • تركيا دولة أنموذج للشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الاتجاه نحو الغرب ، ذلك أن الدول المعنية ترى في تركيا حالة يمكن دراستها والإفادة من تجاربها ، والسير على خطاها ، على الرغم من إدراكها لمحدودية الانجاز التركي على هذا الصعيد حتى الآن .
  • تركيا دولة أنموذج للغرب تجاه الشرق ، ذلك أن الغرب يعتبرها الدولة المسلمة الوحيدة التي تشهد تجربة ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة ، وانفتاح ثقافي تكنولوجي وإعلامي على الغرب ولذلك يفترض الأتراك أن يحافظ الغرب على دعم التجربة التركية مقابل شرق أوسط وآسيا وسطى إسلاميين ومتخلفين ويعانيان الاضطراب السياسي والاجتماعي والانغلاق الثقافي والاتجاهات المتزايدة للعنف .

ولعله من الواضح أن تركيا سعت بكل جد واجتهاد أن تقوم بدور إقليمي مميز لإحياء دورها الإقليمي ، وذلك بالتوسط في مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل وهذا الدور الذي تقوم به يعتبر من الأدوار الهامة جدا لتركيا حيث أنه لو قدر لهذه المهمة أن تنجح ، فإن تركيا ستحصل على أدوار إقليمية أكثر وستعتبر لاعب أساسي في المنطقة ، وهذا ما يفسر الاهتمام التركي المتزايد تجاه سوريا ، حيث أن تركيا تعتبر سوريا بوابتها للدخول في المنطقة العربية ، وبالتالي الدخول للشرق الأوسط . (٢)

(١) عقيل سعيد محفوض، مرجع سابق، ص ۱۸۰ .

(٢) عقيل سعيد محفوض، مرجع سابق، ص ١٨١ .

المطلب الثاني : الأهداف الاقتصادية (١)

عندما نسلط الضوء على تجربة حزب العدالة والتنمية في السلطة منذ توليه الحكم في نوفمبر عام ۲۰۰۲ نجد اهتماماً مركزياً بالوضع الاقتصادي مقابل تراجع كبير لسطوة الايدولوجيا ، فثمة إحساس بالتغير الذي يشهده العالم كله بالاتجاه صوب الواقعية العملية والاقتصاد هو قلب هذه الواقعية وحتى قبل توليه السلطة ، فقد أفرد الحزب في برنامجه للاقتصاد مساحة كبيرة  .

وتقوم السياسة الخارجية التركية بتحقيق أهداف ذات طابع اقتصادي ، تتمثل بالتفاعلات السياسية التي تضمن للدولة التركية الحصول على الربوع الاقتصادية المتمثلة في القروض، والاستثمارات الخارجية والمساعدات الاقتصادية والتسهيلات المالية بشروط خاصة .

وقد تميزت السياسة الخارجية التركية بفك الارتباط بين السياسة والاقتصاد لجهة أن التوتر في العلاقات السياسية لم يكن ينعكس على العلاقات الاقتصادية ، وهو ما لوحظ في العلاقات بين تركيا وسوريا خلال عقود النزاع الطويل بينهما ، وهو ما استمر أيضاً في فترات التقارب بينهما ، حيث شهدت العلاقات بين تركيا وسوريا تطوراً كبيراً على الصعيد الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة ( بعد الاتفاقات الأمنية والسياسية بعد عام ١٩٩٨ ) ، فقد وقعت الدولتان اتفاقاً للتجارة الحرة بينهما في ٢٢ ديسمبر عام ٢٠٠٤ ، كما وقعت شركتا النفط والصناعات البترولية ( توبراش وبتكيم ) التركيتان مع شركة النفط ( سيترول ) السورية اتفاقاً للتسويق والصناعات البتروكيماوية في ٢٥ أغسطس عام ٢٠٠٤ .

وثمة ربط مباشر في الخطاب التركي بين حل الصراعات وبناء السلام في المنطقة من ناحية ، وتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي ( بمعنى ربط اقتصاديات المنطقة ببعضها البعض ، وبالاقتصاد العالمي ) حيث تشكل تنمية الاعتماد الاقتصادي المتبادل مكوناً أساسياً في رؤية الحكومة التركية إزاء الشرق الأوسط ، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط إذا استمرت سيطرة الطابع الانعزالي على علاقات اقتصاديات المنطقة ببعضها البعض  .

__________________________________

‏(1) Ahmet Davutoglu: “Turkey’s Foreign Policy Vision: an assessment of 2007 Insight Turkey, 2008, p85.‏

فالحكومة التركية الحالية أقرب إلى تبني الاقتراب الوظيفي  في تعاملها مع قضايا السياسة الخارجية والأمنية ، حيث تعطي الأولوية لتطوير العلاقات الاقتصادية مع الأطراف الأخرى ، لخلق أساس متين يشكل مقدمة لتطوير العلاقات الثنائية السياسية والأمنية وإفساح المجال لمعالجة النزاعات بالأساليب الدبلوماسية ، بل وتعزيز قدرات تركيا واطلاق قدراتها الكامنة المعطلة بما يدعم مكانتها الإقليمية ، وقد ظهرت تطبيقات هذا المبدأ في حرص حكومة حزب العدالة والتنمية على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية لتركيا مع دول الجوار وغيرها . (١)

ويعتقد خبير الشئون التركية إبراهيم إقبال أنه بعد الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية ، ووصول عبد الله غول للرئاسة ، فإن التطور الاقتصادي سيكون مضاعفاً ، لأن حكومة العدالة والتنمية الأولى أثبتت أنها ركيزة الاستقرار في تركيا والضامن لها ، ويشير إلى أنه يتوقع أن تزيد بقوة الاستثمارات الأجنبية داخل تركيا ، وكذلك سيشجع رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار داخل بلادهم بعد أن كانوا يخشون على أموالهم وأعمالهم من المناخ السياسي الذي لم يكن مستقراً تماماً في تركيا ، ويتفق معه خبير الشئون التركية سفر توران الذي يرى أن الناخب التركي صوت للاستقرار الاقتصادي للبلاد الذي حققته حكومة حزب العدالة والتنمية . (٢)

رأي الناخبين الأتراكان  العدالة والتنمية أدار البلاد اقتصادياً بشكل أرضى طموحاتهم ، وأعطاهم الأمل في غد مشرق ، ولذا توقع توران أن يستمر الانتعاش الاقتصادي على يد حكومة العدالة والتنمية ، حيث أن الاقتصاد التركي قد مر بعملية تحول كبيرة طيلة السبع سنوات الواقعة في الفترة ما بين الأزمة الاقتصادية الداخلية سنة ٢٠٠١ ، والأزمة الاقتصادية العالمية سنة  ٢٠٠٨ .

(١) علي جلال عبد الله معوض، الدور الإقليمي لتركيا في منطقة الشرق الأوسط ۲۰۰۲ ۲۰۰۷، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، القاهرة، ۲۰۰۹، ص١١٥ .

(٢) إبراهيم اوزتور، التحولات الاقتصادية التركية بين عامي ٢٠٠٢-٢٠٠٨، في تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، مركز الجزيرة للدراسات، ٢٠١٠ .

وكان من نتيجة هذا التحول أن زاد الناتج القومي بين عامي ۲۰۰۲ – ۲۰۰۸ من ۳۰۰ مليار دولار إلى 750 مليار دولار ، بمعدل نمو بلغ في المتوسط 6،8 % ، وارتفع معدل الدخل الفردي للمواطن التركي في نفس الفترة من 3300 دولار إلى ۱۰۰۰۰ دولار ، فضلاً عن الانخفاض المستمر في معدلات التضخم ، والزيادة المضطردة في حجم الاستثمارات ، وبذلك احتلت تركيا المرتبة السادسة عشرة في ترتيب أكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي ، وأصبح ترتيبها السادس على المستوى الأوروبي ، وضاقت الفجوة ، ولأول مرة بين معدلات التنمية التركية ومعدلات التنمية الأوروبية .

وكذلك ركزت سوريا منذ عام ٢٠٠٠ على إعادة تعريف السياسة الخارجية من أجل مزيد من الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والتنموية ، إلى جانب السياسة الأمنية ، وأخذت سوريا تربط السياسة بالاقتصاد في علاقاتها الدولية ، ومن ذلك توقيع اتفاق التجارة الحرة مع تركيا بالتوافق مع الاتفاقات الأمنية ، ويؤثر النظام الاقتصادي العالمي في الاقتصادين السوري والتركي من خلال فرضه أنماطأ من التفاعلات الجديدة التي تركز على الانفتاح الاقتصادي والسياسي ، ولكن البيئة الدولية الراهنة أكثر مواءمة لتركيا منها لسوريا ، وتبدو تركيا أكثر ثقة بالخيار الاقتصادي الذي اتخذته كنموذج ، إذ نجح عالمياً . (١)

وهذا يعني أنه قد يحقق لها تقدما أفضل في المستقبل، ولكن مخاوفها تتأتى من أن التغيرات الدولية ستجعل الحماسة الأمريكية لمساعدتها أقل حتى لو واصلت دورها الاستراتيجي السابق ، وهذا يعني أن الإسناد الاقتصادي المستقبلي لن يكون حتميا أو أكيداً وهكذا فإن الدولتين ، سوريا وتركيا ، تريدان ركوب موجة التحولات الاقتصادية ولكن بصيغة خاصة بكل منهما، الأولى في الإطار العربي ومن ثم الأطر الأخرى كالإطار المتوسطي ، وأما الثانية ففي الإطار الشرق الأوسطي ، ولكن بكيفية تتبع أو توازي مسارها الأوروبي وهذا يعني أنهما لا تتجهان وجهة واحدة أو متقاربة ، فتتعاكس سياساتهما الاقتصادية وتفترق تصوراتهما وتزيد فرص واحتمالات التباعد بينهما . (٢)

___________________________________

(١) إبراهيم اوزتور، التحولات الاقتصادية التركية بين عامي ٢٠٠٢-٢٠٠٨، مرجع سابق، ص ١٧ .

(٢) عقيل سعيد محفوض، مرجع سابق، ص ٢١٦ .

وإنه ليتضح جلياً أن تركيا تستخدم الجانب الاقتصادي في علاقاتها مع سوريا لتحقيق التعاون بين البلدين ، رغم كل مظاهر التباعد التي قد تبدو في الأفق القريب أو البعيد ، لكن تركيا تسعى من خلال الاقتصاد لتعزيز أهميتها لدى سوريا التي هي بحاجة لتحسين وضعها الاقتصادي الذي يعاني من الانهيار، ورغم كل التفوق التركي في الاقتصاد وانفتاح الأسواق الاقتصادية، إلا أنها أيضا تحتاج للبوابة العربية لاقتصادها والمتمثل بجارتها سوريا صاحبة أطول حدود برية معها.

 المطلب الثالث : الأهداف العسكرية

تعمل كل دولة على الحفاظ على أمن وتكامل الإقليم الخاص بالدولة أو حلفائها والمتعاونين معها ، وتحاول أن تمتلك القدرات العسكرية التي تمكنها من مواجهة التهديدات ، أو إعاقة جهود أعداء الدولة ، وترتبط قوة الدولة بالدور الذي تلعبه في محيطها الإقليمي والعالمي .

وتركز عقيدة تركيا الأمنية على إقامة تفاعلات وتحالفات سياسية وإستراتيجية تضمن لها موقفاً أفضل تجاه مصادر التهديد الداخلية والخارجية ويرى الساسة الأتراك أن تركيا تتمتع بموقع جيواستراتيجي هام بالنسبة إلى الأمن والاستراتيجيات الأمريكية والأوروبية ، وقد دخل الطرفان      ( تركيا والغرب ) في علاقة تضمن تقديم خدمات أمنية متبادلة ، وهكذا ، مثلت تركيا قاعدة أمنية متقدمة للغرب بمواجهة الاتحاد السوفيتي واحتواء التحديات السياسية والإستراتيجية لأمن أوروبا في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والبلقان ، بفعل وضعها الجغرافي المميز على تخوم أقاليم متفجرة تاريخياً . (١)

وقد ركزت الدراسات العثمانية على مقولة الأساس العسكري للدولة العثمانية منذ تشكلها القبلي وحتى انهيارها عام 1918، وقد ورثت الجمهورية وضعاً أساسياً للعسكر في التكوين الاجتماعي والدولتي ، وفي صنع السياسة العامة ، كما ورثت مؤسسة عسكرية لديها إحساس قوي بالذات والهوية والدور ، ولكنها ورثت مع كل هذا هواجس ومخاوف أمنية ثقيلة ، ولذا قامت المؤسسة العسكرية بعدد من الانقلابات العسكرية والمدنية أو السلمية كإجراء أمني للحفاظ على الدولة وسلامة مبادئ أتاتورك المقدسة . (٢)

__________________________________

(١) عقيل محفوظ، جلديات المجتمع والدولة في تركيا، مرجع سابق، ص ٦٤ .

(٢) مصطفى كامل محمد، تركيا القدرة والتوجه والدور، كدراسات إستراتيجية، العدد ٤٧، القاهرة، سنة ١٩٩٦.

وتتميز المؤسسة العسكرية في تركيا بالتماسك والشعور القوي بالهوية والدور الرسالي التحديثي ، وقد رأسها – عدا مؤسسها مصطفى كمال – ستة وعشرون رئيساً للأركان كما تهتم المؤسسة العسكرية بزيادة قدراتها العسكرية ، إذ بلغت قيمة واردات السلاح التركية حوالي ١٢٥٠ مليون دولار عام 1994 ، وحوالي 504 مليون دولار في عام ٢٠٠٣ ، وارتفعت إلى 746 مليون عام ٢٠٠٥ ، وقد بلغت نسبة الإنفاق على القطاع العسكري 1،3 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام ٢٠٠٤ ، حسب تقديرات تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠٠٦  .

وقد حددت المؤسسة العسكرية لنفسها مجموعة أهداف تتمثل بالاستجابة الفعالة ضد التحديات الأمنية والأزمات والأوضاع المتغيرة على الصعيد العالمي ، وضمان أمن تركيا ضد المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية ، وتقع على عاتق المؤسسة العسكرية مجموعة من المهام ، وأبرزها  :- (١)

(٣) الردع ، وتحليل مجال نطاق و الأمن ، وإدارة الأزمات ، وعمليات الانتشار المحدودة للقوات المسلحة ، فضلاً عن عمليات الحرب التقليدية الردع عبر الحفاظ على قدرات تركيا العسكرية ، وتأمين تقدمها في هذا المجال بشكل يؤمن قوة ردع في قلب المنطقة التي تعتبر بيئة خصبة لعدم الاستقرار والمخاطر المحيطة بتركيا ، بمعنى آخر تأمين الناحية الدفاعية بشكل يمنع الآخرين من اعتماد الهجوم .

  • تحليل مجال ونطاق الأمن ويعني القدرة على تشخيص المخاطر مبكرا ، والعمل على تحديد التحرك العدواني المرتقب ضد الدولة التركية وضد قدرتها على المشاركة في حفظ الأمن والسلم الدوليين ، وايقافه .
  • إدارة الأزمات ، وحلها عبر المساهمة العسكرية إذ تعتبر هذه المهمة من المهمات الأساسية في الجيش التركي ، وهي تعطي نموذجاً عن الجيش الذي يعمل على نشر الأمن والاستقرار وتأمين السلام ، وهو دور تفتقده معظم جيوش العالم ، لذلك ترى تركيا من أكثر الدول مساهمة في عمليات حفظ السلام أو حل النزاعات عبر الأمم المتحدة أو الناتو .

___________________________________

(١) موقع هيئة الأركان العامة التركية على شبكة الإنترنت :

konular/gorevi him – www.tsk.mil.tr/eng/ssn1

واعتماداً على هذه العقيدة ، يعمل الجيش التركي على وضع استراتيجيات عسكرية ودفاعية تتضمن :- (١)

  • أن تتحول تركيا إلى دولة منتجة لاستراتيجيات ومبادرات تؤمن الأمن والاستقرار في المنطقة وتحد من تأثير الاستراتيجيات الموجهة نحوها ونحو المنطقة .
  • أن تتحول إلى عنصر قوة وتوازن في المنطقة .
  • أن تعمل على استغلال كل فرصة وتأخذ المبادرة في تحقيق التعاون والتفاهم وتطوير العلاقات الايجابية مع الدول المحيطة .

مما يعني أن تركيا الدولة قد استوفت مقومات القوة التي تؤهلها لأن تلعب دوراً فاعلاً في النظام الدولي عبر إحاطتها بالعناصر الجيوسياسية اللازمة للقيام بهذا الدور ، وعبر النموذج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي شكل عامل جذب يزيد من قوتها الناعمة المطلوبة لتحفيزه ، فالقوة الناعمة التركية تعتمد على الجذب والاستقطاب الايجابي الذي يعتمد على الإقناع ، وقد استخدمت تركيا القوة الناعمة منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم الذي انتهج الدبلوماسية ، مما جعله وسيطاً في كثير من القضايا الإقليمية .

أما تبني تركيا لفهم الأمن التنسيقي لا يتعارض على الإطلاق مع حرية تركيا في التحرك الانفرادي من أجل تحقيق أمنها فالإستراتيجية الأمنية التركية تعتمد في ركنها الأساسي الأول على امتلاك قوات مسلحة رادعة من أجل حماية مصالح تركيا القومية والتوازنات الموجودة ضد التهديدات الموجهة من حول تركيا، كما تسعى تركيا في بعض خطابات المسئولين إلى اعتمادها على نفسها في حماية أمنها في فترات تصاعد الأزمات في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف الخارجية الأخرى التي تدخل معها في تحالفات أو ترتيبات للأمن المشترك ، وقد ظهر ذلك في قرارات البرلمان التركي في أكتوبر ۲۰۰۷ ، و ۲۰۰۸ ، بتفويض الحكومة والجيش سلطة إرسال قوات تركية إلى شمال العراق لتعقب مقاتلي حزب العمال الكردستاني . (٢)

_____________________________________

(1) The Republic of Turkey Center of Strategic and International Studies, (CSIS), Turkey Report, ‏CSIS Files, No.6 September 2007, p.50-51.‏

(٢) لقمان عمر محمود النعيمي، مستقبل تركيا وسياستها الخارجية بعد انتخاب غول رئيساً للجمهورية، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستشارية، لندن، 2007، ص ٨ .

وإلى جانب القوة الناعمة فقد حافظت تركيا على قوتها العسكرية التي تشكل عامل أمان وضمان لها ، فيأتي صعودها الإقليمي والدولي بذلك منسجماً مع تاريخها وقدراتها الكامنة ، إضافة إلى قدرتها على التأثير في مجرى العلاقات الدولية . (١)

ويمكن النظر إلى تأثير اتجاهات القوة في العلاقات التركية السورية وفق ما يلي :- (٢)

تعتمد تركيا في الإمداد العسكري على الولايات المتحدة ودول أخرى مثل ألمانيا وإسرائيل ، إلا أن حرص الولايات المتحدة على الحفاظ على نسق قوى متوازن في المنطقة باستثناء إسرائيل ، جعل الولايات المتحدة ودول حلف الناتو ، تسعى إلى ضبط مستوى القوة العسكرية لدى تركيا ، كما اشترط عليها عدم استخدام أسلحة بعينها تجاه الأكراد ، وهذا لا يرضي تركيا التي تريد أن تكون أكثر قوة .

وفي نسق القوة الراهن ، تتقلص خيارات سوريا لجهة التسلح والإعداد الأمني ، فهي لا تدخل في عضوية أي منظمة أمنية إقليمية أو دولية وفي ما يخص مصادر التهديد يبدو أن تركيا تخلصت من الخطر السوفيتي ، إلا أنها لم تدرأ مخاطر أخرى كثيرة ، إذ يستمر النزاع في دول الإرث السوفيتي ( آسيا الوسطى القفقاس ) ، ويتصاعد كفاح الأكراد من أجل حقوقهم القومية .

ولذا تصوغ تركيا وسوريا سياسيات أمنية وتسليحية تعويضية ، فقد اختارت تركيا الولاء لحلف الناتو ، والاندماج في علاقات أكثر تحالفية مع الولايات المتحدة ، وإنعاش سياسة التحالفات الإقليمية ، وهو ما يعني إدماجها في المنظومة الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية بكيفية تجعل سياستها وأمنها تابعين لها ، فلا تملك خياراً لو افترقت سياساتهما ، وأما سوريا ، فتركز على خيارات الكفاية الأمنية وتزويد الجيش بقدرات دفاعية قادرة على ردع أي اعتداءات مفترضة ، وتجتهد في سبيل تكوين علاقات شبه تحالفية مع دول في الإقليم كمصر والسعودية وإيران ، ودول أخرى خارجة كروسيا الاتحادية والصين ..الخ . (٣)

________________________________

(١) نبيل سليمان، مشكلة المياه في سوريا والشرق الأوسط، ج٢، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ١٩٩٤ .

(٢) علي حسين باكير ، مرجع سابق، ص ٣٩ .

(٣) عقل سعيد محفوض، سوريا وتركيا ، مرجع سابق، ص ٢١٩ .

خاتمة الفصل

من خلال ما سبق يتضح أن محددات السياسة الخارجية كانت متنوعة ما بين الداخلية والخارجية، والتي عملت كلا منها على توجيه تركيا في سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية بشكل عام وسوريا بشكل خاص، وهذه المحددات بعضها كان يمثل قضايا مهمة منذ بداية الأزمة في 2011 ، وحتى وقتنا هذا، منها قضية الأكراد التي تُثار من وقت للآخر وتسبب أزمة تجعل تركيا تغير سياستها الخارجية والداخلية للتعامل مع هذه الأزمة، وأيضاً لواء الإسكندرونة الذي يُعد أبرز محددات السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، ونقطة النزاع الأساسية في العلاقات بين البلدين ومازالت مشكلة لواء الإسكندرونة مصدر للتوتر بين الدولتين، ففي ديسمبر 2021، طالبت سوريا بعودة منطقة لواء الإسكندرونة تحت لواء الدولة السورية، وهو ما سبب توتر بين الدولتين بعد أن كانت العلاقات في مرحلة من التعاون لحل الأزمة، وصرحت الخارجية التركية أن مطالبة سوريا بلواء الإسكندرونة يعتبر استفزاز للدولة التركية وأثارت الشكول حول نوايا سوريا من هذا المطلب ، وأيضاً قضية أدلب التي مازالت مصدر نزاع مُنذ 2011 .

وأيضاً العلاقات مع إسرائيل كانت من أبرز محددات السياسة الخارجية التركية، حيث عملت تركيا على التقريب بين سوريا وإسرائيل بما يخدم مصالحها وباعتبارها القوى الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط ولكن هذه النقطة كانت محورية بسبب رفض سوريا إلا في حالة اعتراف إسرائيل بأن الجولان كاملة سورية تحت حكم وإدارة دولة سوريا .

وقد تعددت أهداف تركيا من التدخل في الأزمة السورية ما بين الأمنية وحماية الأمن القومي التركي من أثر النزاعات في سوريا والتي بإمكانها زعزعة الأمن والنظام والاستقرار الداخلي في تركيا، وبين تخوفها من قيام دولة كردية في شمال سوريا بما يؤثر عليها وعلى الأقلية الكردية فيها والتي قد تنادي أيضا بحركات انفصالية مشابهة ويتم على أثرها تفكك الدولة التركية .

أما الأهداف الاقتصادية من التدخل في الأزمة السورية فقد كانت واضحة، فتدخلت تركيا منذ 2011 ، وذلك لتأمين أسواق لها في سوريا وتأمين النفط والغاز، وتدخلت في 2017 بعد تدهور الوضع الاقتصادي فيها وخصوصا ارتفع سعر العملة التركية ثلاثة أضعاف، فتدخلت تركيا لفتح أسواق جديدة في سوريا وخلق مصدر لبيع السلع والخدمات .

وكانت هناك أهداف عسكرية تمثلت في قدرة تركيا على الاستجابة لمصادر التهديد الداخلي والخارجي ومواجهة الأزمات وأن يكون لها دور فاعل في حل الأزمات، وحفظ الأمن والاستقرار .

الفصل االثالث

الموقف التركي من الأزمة السورية

تمهيد

ترتبط تركيا وسوريا ارتباطا جغرافيا وتعتبر الحدود البرية التركية السورية الاطول لسوريا بحوالي 900 كيلو متر وعلى هذا هناك اهمية خاصة لسوريا بالنسبة للسياسة الخارجية التركية واهم ما يميز العلاقات التركية السورية هو كثرة الازمات التي كانت تمر بها منها قضية المياه والقضية الكردية ولكن مع وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم كان هناك تغير ملحوظ على مستوى العلاقات السورية التركية .

المبحث الاول : موقف تركيا من نظام حكم الرئيس بشار الاسد

وضح الموقف التركي بعد الازمة السورية تباينا واضحا مقارنة بموقفها مع باقي ثورات الربيع العربي فبينما ساعدت تركيا ثورات الربيع العربي مساعدة دبلوماسية انسانية فقط وقد ساعدت الثورة السورية مساعدة عسكرية ولوجستية وكان لتركيا عده اهداف من موقفها هذا منها :- (١)

  • الرغبة في الحصول على موقع القوى الإقليمية الرائدة بشكل سريع فقد ظنت تركيا انها مع اسقاط النظام السوري سوف تكسب نفوز واسع وعمليه ترويج افضل واسرع لمشروعها في الحصول على موقع القوى الإقليمية الرائدة .
  • البعد الجغرافي حيث تبلغ طول الحدود السورية التركية ما يقارب 911 كيلو متر واي تطور غير متناغم مع طموحها في سوريا سينعكس على استقرارها ويهدد امنها القومي.

المطلب الأول : صور الدعم التركي للثورة السورية

  • اتباع سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين السوريين بما فيهم المعارضين السياسيين .
  • السماح للقوات المعارضة بتأسيس المكتب السياسي لها في اسطنبول مثل مكتب المجلس الوطني السوري ومهاجمة شديدة للرئيس الاسد لشخصه ونظامه أيضا .
  • بذل جهودها لتجميع القوى الدولية صوب نظام بشار الاسد والمراد من ذلك اسقاطه .

___________________________________

(١) على حسين بأكير، محددات الموقف التركي من الازمة السورية : الأبعاد الانية والانعكاسات المستقبلة، بحث نشر في المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يونيو 2011، ص٨ .

بالرغم من ان موقف الحكومة التركية تجاه الثورة السورية اتسم في البداية بالتوازن ولكن مع استخدام بشار الاسد القوه المفرطة بدات تركيا تعبر عن رفضها الشديد ودعت المنظمات الدولية للتعامل مع الجرائم السورية المتمثلة في حكم الرئيس بشار الاسد وفي 2011 وخاطب اردوغان النظام السوري قائلا ” انا لا احب الثرثرة الفارغة اريد ان اقول شيئا من القلب البحر ينفذ والطريق التي تم سلقها طريق ليست لها نهاية ،الدم المسكوب يقطع الرابط بينكم وبين شعبكم كل قطرة دم تدفع المجتمع الدولي لاتخاذ اجراءات احترازيه ضدكم” وتوقع اردوغان الرد الايجابي من الرئيس الاسد ولكن ما حدث انه لم يقابله باي رد فعل .

المطلب الثاني : العقوبات التي فرضتها تركيا علي حكم بشار الأسد (١)

رغم ان الموقف التركي كان متذبذبا طول فتره الازمة خوفا من تركيا على المصالح الاقتصادية كالتصريح بان تركيا لن تسمح بشن اي هجوم على سوريا من اراضيها الى ان تركيا استمرت في استضافة المجموعات العسكرية التي هربت من سوريا .

كما هددت السلطات التركية على لسان وزير الاقتصاد التركي ظفر جان غليان بإيقاف الصادرات السورية اليها نتيجة وقف سوريا للصادرات التركية اليها علما بان الصادرات السورية الى تركيا تصل ما بين 700 الى 800 مليون دولار والتركية الى السورية تصل حوالي 300 مليون دولار سنويا .

وقد صرح داود اغلو في 2011 بان الحديث مع النظام السوري انتهى كما اخذت تركيا ايضا في خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري والاتجاه نحو سياسة البحث عن سبل لمعاقبه نظام الرئيس بشار الاسد وكان من ضمن الاجراءات التي اتخذتها تركيا في حق النظام السوري هو انها اعلنت عن حظر استخدام اجواءها السيادية امام الطيران الذي ينقل المساعدات العسكرية لصالح نظام الرئيس بشار الاسد ومن الأمثلة على ذلك ايقاف احدى الطائرات السورية الميدانية التي كانت في طريقها من موسكو الى دمشق في 2012 بزريعة نقلها اسلحه للنظام السوري .

____________________________________

(١) محمد خلف البياتي وإبراهيم احمد حسن ناصر الجبوري، الدور التركي في الأزمة السورية، مجلة تكريت للعلوم السياسية، المجلد الثاني ، السنة الثانية ، العدد الرابع، كانون الأول 2015، ص 10 .

والامر الذي جعل تركيا تتمسك بهذا الحصار هو اصدار قرار جامعة الدول العربية في عام 2011 بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الرئيس بشار الاسد وايضا زاد الحماس التركي عقب اعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الكامل ضد نظام الرئيس بشار الاسد مما ادى الى اعلان داود اغلو برنامج ضد نظام الرئيس بشار الاسد تكون بنوده كالتالي :- (١)

  • إيقاف آلية التعاون الاستراتيجي حتى يتسلم السلطة نظام شرعي محترم لشعبه .
  • تجميد ممتلكات الأشخاص المقربين من شخص الأسد، والذين يثبت عليهم ضلوعهم في الأعمال الإجرامية ضد الشعب، ومنعهم من الولوج إلى تركيا، وإدراج رجال الأعمال المقربين والداعمين لنظام الأسد في ذات القائمة .
  • إيقاف بيع ونقل جميع أنواع المواد العسكرية لنظام الأسد .
  • منع أي عملية دولية لنقل أسلحة إلى النظام السوري عبر الجو والمياة الإقليمية والأرض التركية، على أن يتم مراعاة القانون الدولي في عملية المنع .
  • إيقاف الأنشطة التداولية والتجارية مع البنك المركزي السوري .
  • تجميد الممتلكات المالية للحكومة السورية في تركيا وإيقاف عمليات الاقتراض المتبادل بين تركيا وسوريا .
  • تعليق العمل باتفاقية تمويل بنك إيكسيم التركي الحكومي لمشاريع البنية التحتية في سوريا.

ويتضح من هذه البنود ان السلطات التركية تسعى للطريق على حكم الرئيس بشار الاسد دون الاضرار بالمواطنين السوريين او تعرضهم لأي اذى ولكن اتت الرياح بما لا تشتهي السفن فكان للقرار التركي السياسي تكاليف اقتصادية كبيرة فقد تعرض الاقتصاد التركي لضربة قوية هزت كيانه انعكست كالآتي :- (٢)

  • خسارة رجال الأعمال الأتراك للكثير من الاستثمارات الضخمة في سوريا .
  • تعرض اقتصاد المدن التركية المحاذية لسوريا لتدني شديد، لاسيما مدينة غازي عنتاب التي كانت تشكل المغذي الصناعي الأساسي لسوريا والدول المجاورة لها .
  • اضطرار تركيا للاتجاه نحو البحث عن بديل لسوريا لنقل سلعها نحو الشرق الأوسط .

____________________________________

(١) على حسين بأكير، محددات الموقف التركي من الازمة السورية، مرجع سابق، ص ٩ .

(٢) محمد خلف البياتي وإبراهيم احمد حسن ناصر الجبوري، مرجع سابق، ص ٢١ .

استمرت تركيا حتى عام ٢٠١٤ في الطموح بأنشاء تحالف دولي يقض علي حكم الرئيس بشار الأسد واخذت تركيا تبذل جهود كثيرة لإقناع المجتمع الدولي بضرورة هذه الخطوة ولكن دون فائدة، وبناء عليه قامت تركيا بالأخذ في اغلاق معابرها الحدودية مع سوريا وتطبيق سياسات اكثر صرامة على اللاجئين اليها وفي هذه الفترة فضلت تركيا التدخل المباشر في سوريا لكي تحافظ على نفسها من الوقوع في مخاطر المنظمات الإرهابية فكان تحول هذه المرحلة من التدخل التركي الغير مباشر الى التدخل المباشر عن طريق ارسال قوات برية الى الحدود السورية.

المطلب الثالث : الأسباب التى دفعت تركيا إلى تبني التدخل المباشر في سوريا (١)

وهناك العديد من الاسباب الميدانية والسياسية التي دفعت تركيا لاختيار طريق التدخل المباشر في سوريا بدلا من التدخل الغير مباشر وتتجسد اهم هذه الاسباب في الآتي :-

  • المماطلة الأمريكية والغربية في اسقاط نظام بشار الاسد حيث ظلت تركيا تدعم الثورة السورية املا في تكريمها على انها دولة داعمة للإنسانية وبالتالي تستحق التكريم من قبل المجتمع الغربي المتبني للإنسانية ولكن ذهبت هذه الآمال بلا جدوى للأسباب الآتية :–
    • ظهور المنظمات الإرهابية التي نتجت عن ضعف نظام بشار الاسد .
    • حصول الولايات المتحدة على موطئ قدم في شمال شرق سوريا الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي .
    • رغبة الإدارة الأمريكية في التواصل الى اتفاق مع ايران يمكنها من تفكيك التكتل الروسي الصيني الايراني .
    • تزايد المخاطر المهددة للنظام الاسرائيلي التي دفعت الولايات المتحدة بضرورة الابقاء على نظام الرئيس بشار الاسد .
    • تغير اولويات الولايات المتحدة واتجاهها الى الشرق بسبب تنامي قوة الصين السياسية والاقتصادية وتدهور مكانه الشرق الاوسط لانخفاض سعر البترول .
  • اخفاق جماعة الاخوان في السيطرة السياسية .
  • اتساع الرقع الجغرافية المسيطرة عليها من قوات الحماية الكردية دون وجود رادع لها .

_____________________________________

(١) رشاد العشري، أهداف السياسة التوسعية التركية في شمال سوريا، مقال منشور في موقع السياسة ، بتاريخ 2017 متاح على الربط التالي: http://www.siyassa.org.eg/News/15207.aspx

المبحث الثاني : موقف تركيا من القوى السياسية السورية المعارضة

بعد أن فقدت تركيا إمكانات الضغط على النظام إثر القطيعة الدبلوماسية الكاملة بينهما بعد سحب السفيرين فضلا عن تقدم فصائل المعارضة ميدانيا في مواجهة النظام، صعدت تركيا من لهجتها أكثر واعتبرت أن نظام الأسد فاقد للشرعية باعتباره نظاما قاتلا لشعبه، ونادت بضرورة إسقاطه، فقدمت أنقرة خلال هذه المرحلة الطويلة الدعم للمعارضة المسلحة على عدة مستويات منها الإعلامي، السياسي، الإغاثة واللوجستيكي وحتى العسكري إن لم يتم الاعتراف بذلك علنا واستضافت تركيا معظم القيادات السياسية للمعارضة السورية وأغلب مؤتمراتها كما تحدثت باسمها في مختلف المحافل الدولية .

المطلب الأول : اطراف المعارضة السورية (١)

تتشكل المعارضة السورية من عدة مجموعات والتي تشكلت إما خلال النزاع أو أتت من الخارج، ويتم تمويلها من قبل المملكة العربية السعودية بما يقدر بـ 700 مليون دولار سنويا وتتمركز المعارضة في المنطقة الشمالية الغربية لسوريا وتضم هذه المعارضة العديد من الفصائل منها :-

  • الجيش السوري الحر : تم تشكيله والإعلان عنه في عام 2011 من قبل ضباط الجيش السوري المنشقين والذي كان هدفه الأساسي الدفاع عن المتظاهرين المدنيين ضد عنف الدولة، وكذالك إسقاط النظام والتي تلقت الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية .
  • الجبهة الإسلامية التحريرية السورية : والتي تحتوي على 35000 من المحاربية السلفيين ويتم تمويلها من خلال التقاء سبع قوات إسلامية سنية مقاتلة في سوريا وهي أحرار الشام وجيش الإسلام، وصقور الشام ولواء التوحيد، ولواء الحق وأنصار الشام والجبهة الإسلامية الكردية، حيث أن هدفها هو إسقاط نظام الأسد وبناء دولة إسلامية  .
  • جبهة النصرة : تشكلت في أواخر عام 2011، ويتضمن هدفها في إسقاط نظام الأسد، وتعتبر من أبرز المنظمات الثائرة في سوريا، تتلقى تمويلها من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، فقد عملت على مهاجمة الحكومة السورية والجماعات الموالية لها وتتجلى هذه الهجمات في أدلب التي سيرت عليها في ٢٠١٥ .

_______________________________________

(١) مركز الجزيرة للدراسات، حول حرب استنزاف طويلة في سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ۲۰۱٠ .

المطلب الثاني : استضافة تركيا المعارضة السورية

كشفت الأحداث في سوريا عن واقع جديد تمثل في اتخاذ الحكومة التركية مواقف حازمة من النظام السوري، وخاصة بعد ان اخفقت في اقناع القادة السوريين بضرورة تنفيذ اصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى نظام حكم تعددي ديمقراطي في نهاية المطاف، وتمثلت هذا المواقف والاجراءات في دعم واحتضان المعارضة السورية، وخاصة تنظيم الاخوان المسلمين وقوى المعارضة السورية الأخرى، وقد اتخذت الحكومة التركية هذه المواقف من زاويتين هما :- (١)

– الأولى : الدعوة إلى تخلي الرئيس بشار الأسد عن الحكم .

– الثانية : تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري للمعارضة السورية، فعلى الجانب الدبلوماسي، اُعلن في 2 أكتوبر 2011 في مدينة اسطنبول عن تأسيس المجلس الوطني السوري، كما ساهمت تركيا في انشاء مجموعة (أصدقاء سورية)، وهي تجمع يهدف إلى دعم الانتفاضة السورية ومواصلة الضغط على السلطة الحاكمة فيها .

وفي عام 2012، استضافت تركيا مؤتمر أصدقاء سورية الثاني، حيث أكد وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو على مجموعة من الثوابت منها دعم المجلس الوطني السوري، وإنشاء صندوق للمساعدات الانسانية، وفي 11نوفمبر 2012 أعلن في العاصمة القطرية الدوحة الاتفاق النهائي على توحيد صفوف المعارضة السورية تحت لواء كيان جديد هو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وخلال حضور وزير الخارجية التركي اجتماعاً وزارياً لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جيوتي في 14 نوفمبر 2014، صرح بأن تركيا خيبت أمالهم ، في الوقت ذاته، اعتبرت سوريا، أن المطلب التركي يندرج في سياق التدخل في شأنها الداخلي، وهذا مرفوض ومع التطور السريع للأحداث ، تأثرت العلاقات التركية السورية تأثراً بالغاً، وبدأت تأخذ شكلاً ونمطاً متباعداً، أي سلوكاً انقلابيا وجذرياً في العلاقات الثنائية . (٢)

(١) عقيل سعيد محفوض، سوريا وتركيا نقطة تحول ام رهان تاريخي، مرجع سابق، ص٥٣ .

(٢) غادة شكري، الجيش السوري الحر ينفذ هجمات ضد قوات الأسد بدعم تركي، العربية نت، ٢٨  أكتوبرhttps://www.alarabiya.nes/anicles/2011/10/28/174176html5-13

لذلك وصف المتابعين العلاقة بين البلدين حينها، بأنها الأسوأ في التاريخ العلاقات بين الدولتين ومن هنا بدأت تركيا تواجه اختباراً صعباً في سوريا يختلف عن بقية الاختبارات في الدول الأخرى التي شهدت أحداثاً وذلك نتيجة لعدة تفسيرات، اهمها :- (١)

  • خشية تركيا من تفاقم الوضع في سوريا، وتحوله من ثورة شعبية إلى حرب أهلية، وعليه فهي تسعى إلى نزع فتيل الحرب بالضغط علي النظام الحاكم للقيام بإصلاحات، وذلك باستضافة القوي المعارضة له علي أراضيها .
  • تتابع وتدافع المؤسسات السياسية والاعلامية التركية في التشهير بالنظام السوري في كل مكان، ووصفه بأبشع الأوصاف، وكانت تنذر بأن الحكومة التركية سوف تتعاون مع أي نظام بديل عن النظام السوري القائم وبمعنى أدق وظفت تركيا أداتها الاعلامية والدعائية للنيل من سمعة سورية ومكانتها .

اتضح أن الدولة السورية لن تستجيب بشكل بناء للتوجهات التركية، بضرورة إجراء اصلاحات جذرية في مجال الحرية وحقوق الانسان واعترفت بالائتلاف بوصفه ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، ودعا دول المنظمة إلى الاعتراف به ، وفي الجانب العسكري، بدأ دعم تركيا للمعارضة السورية المسلحة واضحا في السماح لقيادة الجيش الحر بالتمركز فوق أراضيها ، لذلك اضطلعت تركيا في بديات الأزمة بدور الوسيط بين النظام السوري وقوى المعارضة الرئيسية، خصوصاً حركة الإخوان المسلمين .

بيد أن المقاربة السورية التي ساوت بين حركة الإخوان بالنسبة لدمشق، وحزب العمال الكردستان بالنسبة لأنقرة، ورفض إتباع الحلول السياسية كاستراتيجية وليس كمناورة للقضاء على الثورة، كانت دفعاً للحكومة التركية وفي سياق التنسيق مع المواقف الإقليمية والدولية، إلى الاضطلاع بدور القوى الداعمة لتيارات وأحزاب المعارضة السورية التي ارتبط بذلك أن تركيا التي تخوفت من تداعيات الأحداث السورية على أمنها القومي هدفت من ناحية أخرى تقوية المعارضة لتفادي كارثة حرب، وربما تفضي إلى تقسيم الدولة التي يقطنها 22 مليون نسمة ومن ناحية أخرى، سعت إلى تجنب التداعيات الأمنية التي قد تضر بمصالحها، لاسيما حال تفاقم الأزمة في شقها

______________________________________

(١) على حسين بأكير، محددات الموقف التركي من الازمة السورية، مرجع سابق، ص ١١ .

الطائفي والعرقي لذلك، تحولت تركيا مع مرور الوقت إلى مركز رئيسي لتنظيم مؤتمرات المعارضة السورية كالمجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، المكون بصفة أساسية من المنشقين السنة عن الجيش . (١)

لو نظرنا إلى طبيعة المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح، ستجد أنها عبارة عن خليط سياسي، غريب عن التوجهات والأهداف والبرامج الوطنية، مما زاد الأمور تعقيداً أمام تركيا، التي تسعى من خلال سياستها التحكم في أوراق اللعبة السياسية السورية، وذلك من خلال الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع قوى المعارضة المختلفة، لكي تؤثر على قرارات المعارضة، وتمثل قيدا غير مباشر على طموحات الأكراد .

فمن الواضح أن تركيا تخشى من تأثير سقوط النظام السوري على وضع الأكراد لديها، والذين يشكلون ما يزيد عن ٢٠% من سكانها، وبالتالي ازدیاد طموحهم الانفصالي، وتقوية موقف الأكراد في العراق، وربما تطبيق نموذجهم الفيدرالي في سوريا، بما يؤثر مستقبلاً على الوحدة الإقليمية للأراضي التركية، وهو ما ظهر في زيارة وزير الخارجية التركي السابق أوغلو في أغسطس 2012، لكردستان العراق للتنسيق المشرك ضد نشاط حزب العمال الكردستاني والخوف من استخدامه إيرانياً وسورياً ،للتأثير على الموقف التركي من الأزمة السورية . (٢)

ومما لا شك فيه أن الأزمة السورية أدت إلى تزايد قوة أكراد العراق تجاه تركيا، الذي يدعم إنشاء منطقة كردية بإدارة ذاتية سورية، الأمر الذي يؤدي إلى التحقيق المطالب الكردية بالحصول على حكم ذاتي داخل تركيا نفسها .

وفيما يتعلق بالموقف التركي تجاه إيران ومواقفها الداعمة للنظام السوري، اعتقد وزير الخارجية التركي ياشار ياكيش أن إيران لا يمكنها تحقيق هدفها في نشر النفوذ الشيعي والسياسي في المنطقة العربية من دون المرور بالحلقة السورية الملاصقة لحزب الله في لبنان، وبالتالي الوصول إلى البحر المتوسط، والتأثير السياسي في مسار التفاعلات الداخلية والخارجية .

_________________________________

(١) عماد قدورة، تركيا ومسألة التدخل العسكري بين الضغوط والقيود ، بحث نشرفي المركز العربي للابحاث والدراسات، الدوحة، 2014، ص 7 .

(٢) رمزى المنياوي، الفوضي الخلافة : الربيع العربي بين الثورة والفوضي ، دار الكتاب العربي للنشر، دمشق – القاهرة ، ۲۰۱۲، ص۲۰۳ .

إن الموقف التركي، يعكس حالة الصراع والتنافس بين القوتين الاقليمية تجاه المنطقة العربية وأن الساحة السورية وما يدور فيها من صراع إقليمي إيراني تركي، يمكن اعتباره شكلاً من أشكال الحروب بالوكالة، وبالنسبة لإيران، فإن سقوط النظام السوري سيعتبر كارثة لإيران أو كما زلزال چيوبلیتیکی سينهي النفوذ الإيراني في المنطقة، وسيكون له تداعيات حلمية على بنية المشروع الإيراني برحمته، فسقوط النظام السوري حسب الاعتبارات الإيرانية سيؤثر على علاقة إيران بحلفائها في لبنان وفلسطين وخصوصاً أن سوريا تمثل حلقة الوصل المحورية بين الطرفين.(١)

المطلب الثالث : ضعف قوى المعارضة السورية وتعدد ولاءاتها

تواجه المعارضة السورية الكثير من المشاكل منها الضعف والتشتت، وهو حصيلة تراكمية أدت بتفاعلاتها الداخلية والخارجية والبنيوية، إلى وضعية لا تحسد عليها والعامل الأهم هو افتقار المعارضة إلى أحزاب قوية كان من المفروض أن ترسم الخط السياسي ، وتقدم رؤيتها المطمئنة السورية ومستقبلها، وتضع الاستراتيجيات والتكتيكات للتعامل مع مختلف التحديات، وفي المقابل، لم تتمكن القوى الثورية الشبابية من بناء الأطر السياسية الناضجة المستقرة التي كانت تسد الفراغ إلى حد ما، أضف إلى ذلك، الأخطاء التي ارتكبها المجلس الأعلى للثورة السورية بسبب غياب الخبرة السياسية المطلوبة لمواجهة تعقيدات المرحلة، وصعوبة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وعدم وجود آلية واضحة للمتابعة والمحاسبة والمسائلة في هذه العوامل، وغيرها، إلى أخطاء استراتيجية في التقديرات والأداء فكانت أخطاء المعارضة السورية مؤثرة، عندما اعتقدت أن الأمور لن تأخذ سوى أشهر عدة، وربما سنة على أكثر تقدير لتحقق أهدافها . (٢)

أيضاً، لم تستطع المعارضة السورية قراءة المواقف الدولية والإقليمية كما ينبغي ولم تتوقف عند موقع النظام السوري من المعادلات الإقليمية وتفاعلاتها الدولية، ولم تستوعب أبعاد الاستراتيجية التي اتبعها النظام في مواجهة قوى المعارضة، وكان محورها منذ مارس 2011 الربط بين الثورة والإرهاب، وبذل المستحيل لحصر المعركة بين النظام والإسلام السياسي .

_____________________________________

(١) على حسين باكير، الابعاد الجيوسيتراتيجية للسياستين الايرانية والتركية حيال سوريا، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، مارس 2013 .

(٢) د. حسين إبراهيم قطريب، الشراكة الإستراتيجية بين تركيا وسورية الثورة والمستقبل، بحث نشر في المركز السوري للعلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية، 2017 .

عموماً، فإن التدخل الخارجي المتعدد على الصعيد السياسي والعسكري أفضى حالة من الفوضى وعدم التوازن وما نتج عنه من تعدد وانشطار كبير في صفوف المعارضة المسلحة وأصبحت مراكز القوى المتعددة سبباً في ظهور خلافات جدية وواقعية وعميقة على الأرض أدت إلى تعدد ولاءات كل فريق، تبعاً للدولة التي تمده بالتنظير الأيديولوجي والمال والسلاح والعون المادي والإعلامي وينفذ ما لها من أجندات على الساحة السورية وهذا ما أدى إلى ضعفها وتشتتها.

المبحث الثالث : التدخل العسكري التركي في سوريا

شكلت ثورات الربيع العربي في عام ٢٠١١ تحديا كبيرا أمام تطبيق الاستراتيجية السياسية التركية وحائلا كبيرا امام تطبيق مبدا صفر مشاكل مع دول الجوار خاصة سوريا لما لها من اهمية قصوى في الجوار التركي ولكن بفعل تنامي نشاط حزب العمال الكردستاني والدولة الإسلامية والجماعة الداعشية في كل من سوريا والعراق شكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي لدولة تركيا وهي العوامل التي شكلت انتقال تركيا من التدخل الغير مباشر الى تفعيل القوة العسكرية والتداخل المباشر في سوريا لتحقيق اهداف وسياساتها الخارجية . (١)

المطلب الأول : التحول في العلاقات التركية السورية

شهدت العلاقات السورية التركية تحولا جذريا عام 2011 ومرت هذه العلاقات بعده مراحل اهم هذه المراحل هي مرحلة الانتقال من المبادرة الى الدفاع حيث ان تركيا فقدت فيها الامل في احداث اختراق كبير في اوضاع سوريا فيما يتعلق بأسقاط نظام الرئيس بشار الاسد مما ادى الى ان اصبح دور تركيا هو حماية حدودها والدفاع عن امنها القومي من التطورات في الازمة السورية

المطلب الثاني : القوة الصلبة في العلاقات التركية السورية (٢)

١. مرحلة ما قبل استخدام القوى العسكرية : هي تلك المرحلة التي بدات فيها وجود بوادر توجه تركيا نحو استخدام القوى العسكرية المباشرة تجاه الازمة السورية لحماية امنها القومي .

__________________________________

(١) اسامة ابو راشد ، التدخل العسكري التركي بسوريا حصاد الفشل الأمريكي، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، أكتوبر 2016، قطر، على الرابط :www.dohainstitute.‏

(٢) سعيد الحاج، محددات السياسة الخارجية التركية ازاء سوريا، مرجع سابق، ص 10 .

ففي عام 2015 سجلت اول رد فعل مباشر من الجيش التركي ضد الانفصاليين الاقراض الذين حاولوا عبور نهر الفرات حيث قصفت الطائرات التركية زوارق تابعة لوحدات الحماية وهي تحاول عبور الفرات باتجاه مدينة جرابلس وكانت هذه العملية اول اختبار لرد فعل انقرة تجاه اخر خطوطها الحمراء التي حددتها سوريا .

٢. مرحلة استخدام القوة العسكرية استخداما مباشرا : حسمت تركيا قرارها باستخدام القوى العسكرية تجاه سوريا لحماية امنها القومي وتحقيق اهداف سياستها الخارجية ويظهر التدخل  العسكري في سوريا من خلال عمليتين عسكريتين وهما عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون.

  • عملية درع الفرات : بدات عملية درع الفرات في عام 2016 بعملية عسكرية تركية بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي لتوفير الدعم لمجموعة من الجيش السوري من اجل انهاء سيطرة تنظيم داعش في شمال سوريا .

وقد اعلن الرئيس التركي رجب اردوغان ان العملية تهدف الي وضع حل مجدي للهجمات المتكررة على المناطق الحدودية مع سوريا موضحا انها ستهدف تنظيم الدولة الإسلامية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا واستخدمت تركيا في هذه العملية المدافع ورجمات الصواريخ بالإضافة الى غارات جوية بالطائرات وقد مرت هذه العملية بثلاث مراحل :-

– المرحلة الأولى : استطاعت فيها قوات درع الفرات السيطرة على مدينه جرابلس وريفها .

– المرحلة الثانية : استطاعت تركيا في هذه المرحلة ان تنهي وجود داعش من على حدودها الجنوبية مع سوريا بشكل تام .

– المرحلة الثالثة : استطاعت القوات التركية السيطرة على مدينة الباب بعد ان قامت بطرد داعش من المنطقة المتبقية بين تركمان ومارع .

  • عملية غصن الزيتون : اعلنت القوات التركية المسلحة بدء التقدم في عمليه غصن الزيتون في عام 2018 والهدف من هذه العملية حسب ما جاء في تقرير رئاسة الوزراء التركية هو ان هذه العملية لا تستهدف الا الارهابيين وما يتعلق بأماكن تحصينهم ومواقعهم واماكن الأسلحة التابعة لهم . (١)

___________________________________

(١) سعيد الحجاج، الوجهات المحتملة للعملية التركية في سوريا، المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، 11 أوت 2017، ص1٨.

وتكونت عملية غصن الزيتون من اربعة مراحل تهدف الي إنشاء مناطق آمنة بعمق 30 كم وكان لهذه العملية عده اهداف اهمها :-

١. انهاء سيطرة وحدات الحماية الكردية على منطقه عفرين .

٢. ادت فكرة التواصل الجغرافي بين العرب في الشرق وعفرين في الغرب .

٣. انهاء امكانية وصول مناطق النفوذ الكردي في سوريا الى البحر المتوسط مستقبلا .

٤. ضبط تهريب العناصر المسلحة من عفرين الى تركيا عبر البحر المتوسط .

ورات سوريا في عملية غصن الزيتون انها عدوان تركي غاشم على ارضها وطالبت سوريا المجتمع الدولي بالتصدي لهذا العدوان واتخاذ اجراءات واقعية بوقفه فورا .

المطلب الثالث : دوافع واسباب التدخل العسكري التركى في سوريا

مع بداية عام 2013 حدثت صدمة بين بعض الكتائب الاسلامية ووحدات حماية الشعب وازدادت شرعية وحدات حماية الشعب داخل المجتمعات الكردية باعتبارها تقوم بحماية الاقليات الكرديةووازدادت شرعية وحدات حماية الشعب مع هجوم الدولة على مدينة عين العرب ذات الاغلبية الكردية . (٢)

وامتدت ايضا سيطرة حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري لأجزاء كبيرة من الحدود التركية في كل من سوريا والعراق مع وجود عسكري نسبيا لحزب العمال داخل المحافظات التركية ذات الاغلبية الكردية، الامر الذي ادى الى تقوية حزب العمال الكردستاني عسكريا لوجود طرق الامداد بالاسلحة من خلال التهريب عبر الحدود الطويلة التي اصبح يسيطر عليها .

ويبدو ان تقدم وحدات الحماية في سوريا قد ساهم في تصلب مواقف حزب العمال في تركيا مما دفعه لإعلان استئناف العمل العسكري ضد السلطات الشرعية في عام 2015، وبناء على ذلك بقيت مسالة السيطرة على المنطقة الاستراتيجية الواقعة غرب الفرات كخطوة اخيرة لاستكمال تحقيق الاتصال الجغرافي وهو الامر الذي اعلنته انكرك خط احمر والجدير بالذكر ان هدف انقرة جعل المنطقه غرب نهر الفرات منطقة آمنة وخالية من الارهاب بكل صوره .

____________________________________

(١) احمد نصار، خمسة اسباب لتدخل تركيا عسكرياً في سوريا، موقع العربية، 28 يوليو 2015، متاح على الربط : http://t.arabi21.com/story/847868/%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9

وبالتالي فإن ان الهدف الاستراتيجي الابرز من عملية درع الفرات هو منع وحدات حمايه الشعب الانفصالية من استعمال مشروعها وفرض الامر الواقع في الشمال السوري ويتحقق ذلك الهدف من خلال العمل على تنظيف منطقه غرب الفرات من تنظيم الدولة ومن وحدات الحماية.

لا شك ان تنظيف المنطقة مع اقامة منطقة منعزلة عن الاراضي التركية يساهم في تعزيز الأمن الداخلي التركي الذي استهدفه تنظيم الدولة بالعديد من العمليات الإرهابية كتفجير غازي  عنتاب الاخير وتفجيرات مطار اتاتورك الانتحارية وتفجير السلطان احمد في اسطنبول .

المطلب الرابع : تحديات التدخل العسكري التركي في سوريا (١)

واجهت السياسة الخارجية التركية عده تحديات وعقبات للتدخل في الازمة السورية منها :-

  • تفوق روسيا عسكريا عليها بالمقارنة بين الجيشين وبالسيطرة التامة على الأجواء السورية.
  • الموقف الامريكي الذي لم يتغير حتى الان فيما يتعلق بخطوطه الحمراء خاصة اذا سقط الدعم المقدم للمعارضة السورية وخصوصا مضادات الطيران فضلا عن التدخل المباشر في سوريا .
  • خذلان حلف الناتو لتركيا وصدور عده تصريحات من قياداته تحذر من اي خطوة قد تجعل منها معتدية على روسيا في سوريا .
  • وجود معارضة في تركيا لأي تورط للجيش في سوريا يتزعمه حزب الشعب الجمهوري اكبر احزاب المعارضة المعروف بتوجهاته الداعمة للرئيس بشار الأسد .
  • الصعوبات اللوجستية والعسكرية المتعلقة بالتدخل المفترض خصوصا في ظل تقاعس الناتو ورفض الولايات المتحدة .
  • حالة التصعيد الداخلي التي يقودها حزب العمال الكردستاني في احياء مدن الجنوب ذات الأغلبية الكردية وهو ما سيعقد اي قرار تركي مفترض يفتح جبهة ثابتة احد اهم مكوناتها من الأفراد .
  • الموقف الرسمي العربي الرافد لأي تدخل مفترض لتركيا في سوريا .

(١) محمد الكيلاني، التدخل العسكري التركي في سوريا : الأسباب والأهداف والتحديات، بحث نشر في مركز برق للابحاث والدراسات، ١٣/ ٩ /٢٠١٣، متاح على الربط التالي: http://www.mergab.org/2016/09

خاتمة الفصل

وفقا لما تم ذكره في هذا الفصل من شرح الموقف التركي من الازمه السورية فان من الممكن قوله ان الموقف التركي تجاه سوريا تميز بالتباين الواضح فبالرغم من انه اتسم في البداية بالتوازن ولكن كل هذا اختلف مع استخدام الرئيس السوري بشار الاسد القوه المفرطة في نظام حكمه حيث بدات تركيا تعلن معارضتها لهذا النظام وتدعو المنظمات الدولية للتصدي لمثل هذه الاعمال الإجرامية المتمثلة في حكم الرئيس السوري بشار الاسد كما هددت السلطات التركية بإيقاف الصادرات السورية اليها واخذت ايضا في خفض علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية السورية وحرصت تركيا على فرض هذه العقوبات على بشار ونظامه فقط دون الاضرار بالمواطن السوري.

لم تبين تركيا موقف من حكم بشار الاسد فقط بل ايضا القوي السياسية السورية المعارضة لحكم الرئيس بشار الاسد حيث قدمت تركيا الدعم الكامل للمعارضة المسلحة في عده مستويات منها المستوى السياسي والمستوى الاعلامي والمستوى العسكري ايضا فقد احتضنت تركيا كل قوى المعارضة السورية وخاصه تنظيم الاخوان المسلمين .

بعد تطور الامر بين البلدين بشكل كبير بدات تركيا نحو استخدام القوى العسكرية المباشرة مبرره ذلك انها تحمي امنها القومي وكان ذلك ضروريا بالنسبة لتركيا بعد قيام تنظيم الدولة بالعديد من العمليات الإرهابية كتفجير غازي عنتاب وتفجيرات مطار اتاتورك ويبدو ان هذا التدخل العسكري كان العامل الرئيسي في تدهور العلاقات بين البلدين.

الفصل الرابع

الموقف التركي من التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا

تمهيد

يتسم النظام الدولي بالحضور بقوة في تحديد السياسة الداخلية والخارجية للدول، خاصة الدول الصغيرة التي تأسست في الأصل بإيعاز من هذا النظام أو وفق آلية عامة يقوم بتحديده لها وتسير هذه الدول وفق أجندة يقررها النظام الدولي له مسبقاً (١)

وبالتالي يبحث هذا الفصل المواقف الإقليمية والدولية التي تحكم العلاقات السياسية التركية – السورية مثل دور تركيا الإقليمي وعلاقتها ببعض الدول المؤثرة إقليمياً مثل التنافس التركي الإيراني في مناطق النفوذ العربية، ويتطرق الفصل أيضا إلى المواقف الدولية التي تحكم العلاقات السياسية التركية – السورية مثل موقف تركيا من التدخل الأمريكي والأوربي والروسي في سوريا .

المبحث الأول : موقف تركيا من التدخل الأمريكي والأوروبي والروسي في سوريا

في أعقاب المتغيرات الدولية والإقليمية التي خلفتها الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفيتي ومن ثم حرب الخليج وعمليات التسوية السياسية العربية – الإسرائيلية التي انطلقت في مدريد وجدت تركيا نفسها في قلب أوضاع تتشكل من جديد أمنياً واقتصاديا وسياسياً، وبدأت تفكر في لعب دور محوري في هذه المناطق .

المطلب الأول : موقف تركيا من التدخل الأمريكي في سوريا (٢)

لقد جتهدت الإدارة الأمريكية علي تجديد أهدافها تجاه المنطقة  حيث عملت علي خلق واقع سياسي واستراتيجي وإعادة صياغة الخريطة السياسية في المنطقة ، ويرى الكثير من الباحثين أن ما يجري في سوريا وبعض الدول العربية ما هو الا إعادة تقسيم جديد للمنطقة تحت ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الجديد “ أو “ سايكس بيكو الجديد “ وفقاً للمنظور الأمريكي حيث يقوم  على تقسيم المنطقة على أساس الهوية العرقية والدينية والطائفية الى دويلات  وإمارات متحاربة .

__________________________________

(١) محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، مرجع سابق، ص٧٩ .

(٢) حاكم خليد، صراع القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط من 2001 – 2015، مذكرة ماستر في العلوم السياسية، جامعة سعيدة، قسم العلوم السياسية، 2014 – ٢٠١٥، ص 83 .

جاء مشروع الشرق الأوسط كبديل لمشروع الشرق الأوسط الكبير وتوقف لمدة من الوقت نتيجة لعدم توفر الظروف الملائمة ، لكنها إستفادت مما كان يحدث في سياق أحداث الربيع العربي مما أتاح للولايات المتحدة فرصة تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد من خلاله تقسيم سوريا العربي إلى أربع كيانات أو دويلات صغيرة وهي : ( الدولة العلوية، الدولة الكردية، الدولة السنية، دولة دروز) .

ولقد عملت الولايات المتحدة علي تطبيق نظرية الفوضى البناءة وذلك بهدف إعادة رسم الخارطة الجغرافية والسياسية في سوريا والشرق الاوسط ككل حيث تسعى الولايات المتحدة في سوريا الي حظر وصول السلاح لمن تعتبرهم ارهابين (حزب الله ، حماس) وتحريك توازنات في المنطقة خاصة في سوريا وكبح هذا النفوذ المتزايد لقوى الشرق (روسيا ، الصين) .

لقد عكرت الأزمة السورية العلاقات بين الطرفين التركي ، والأمريكي فعلاوة على تشكيلها الاطار السياسي التركي المحلي بشكل ملحوظ  فقد أثرت الأزمة السورية أيضا في سياسية تركيا الخارجية وهيكلتها التحالفية ، فأصبحت هوية تركيا وتحالفها الطويل الاجل مع الولايات المتحدة ومكانتها في حلف شمال الاطلسي (الناتو) مثيرة للجدل ويتعارض تعاون تركيا الزائد مع روسيا ، وايران ، مع هويتها في حلف شمال الاطلسي وهويتها التي ترتكز على الغرب والهوية الأمنية بالمجمل في حين تعتبر الأزمة السورية عائقا ثابتا في العلاقات الأمريكية واختلفت طبيعة شكاوى تركيا تجاه الولايات المتحدة من خلال مراحل الأزمة السورية . (١)

في بداية الأزمة كان التركيز بشكل حصري على الاطاحة بنظام الاسد وإرتبطت شكاوي تركيا تجاه الولايات المتحدة بغياب عزم ادارة اوباما على نظام الأسد واستمرت هذه الحالة حتى أواخر عام 2014 الى أوائل عام ٢٠١٥ .

كما تساهلت في عملية مرور المقاتلين المتطرفين عبر حدودها الى داخل سوريا وفي ذلك الوقت كانت الولايات قد أعطت الأولوية على القضاء على الارهاب على حساب تغيير النظام في دمشق غير أن الولايات المتحدة لم تكن الجهة الفاعلة الوحيدة التي أعادت ضبط سياستها المتمحورة حول نظام الأسد وأصبحت تتمحور حول حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب .

__________________________________

(١) حاكم خليد، صراع القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط من 2001 – 2015، مرجع سابق، ص ٨٤ .

اعتمدت تركيا بشكل تزايد على سياسة مكافحة التمرد في سوريا وعملت مع تركيا والولايات المتحدة الأمريكية مع حلفاء محليين او وسطاء لتحقيق اهدافها ولكن لم تثق بحلفائهما المحليين او حتى اعتبرتهم إرهابيين بشكل صريح مما أدى الى توترات كبيرة في العلاقات الثنائية ، وفيما أشرفت حرب الولايات المتحدة على الدولة الاسلامية المزعومة على الانتهاء ، كما باشرت تركيا سياساتها القائمة على المواجهة المباشرة وغير المباشرة مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب ونفذت هذه السياسة في مراحل متعددة .

وقد مر تطور العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا بأزمات عديدة على مدار عدة سنوات مضت لكن التفاهم الثابت كل مرة كان في التهدئة واحتواء الأزمات فمثلا ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية إحتفظت تركيا بإستقلالية في سياساتها الخارجية وعلاقاتها مع الطرفين الروسي والأوكراني ولم تظهر إنحيازا واضحا، بعكس ما تريده واشنطن فتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومدت أوكرانيا بالطائرات المسيرة التي تعتبر حاسمة في مسار القتال لكنها إحتفظت بعلاقات سياسية ودبلوماسية قوية مع موسكو التي ابتاعتها نظام الدفاع الصاروخي إس-400 فائق التطور وأمام تمسك تركيا باستقلاليتها ، إضطرت واشنطن لقبول توجهات أنقرة، لكن عدم الرضا الأمريكي كان يبدو بين وقت وآخر . (١)

كانت أحدث تلك الشواهد التي وجهت بها أنقرة ضربة للحليف الأمريكي في التقارب الأخير بين تركيا وسوريا وبالتالي فإن نجاح جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إقناع أردوغان بالتقارب مع حكومة الأسد سبب إحباطاً للولايات المتحدة التي تعادي الرئيس السوري وتعمل على تسليح قوات المعارضة وقبل مده ليست ببعيدة ، بدا التوتر متصاعداً بين الحليفين التقليدين، أنقرة وواشنطن .

وكان الطلب التركي بشراء المقاتلات قد تعثر في السنة الأولى من رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية، بدت واشنطن في مساع لترميم العلاقات مع كل دول الناتو، ومع سعيها لإتمام إنضمام كل من السويد وفنلندا للتحالف العسكري دون عقبات .

________________________________

(١) نبيل حيدري، ،تركيا دراسة في السياسة الخارجية منذ عام ١٩٤٥، دار صبرا للطباعة والنشر، دمشق ١٩٨١م، ص ١٦٥ .

وفى قمة الحلف في يونيو لعام 2021 ، صرح بايدن عن رغبته في موافقة الكونغرس على بيع مقاتلات F-16 إلى أنقرة، وفى اللقاء ذاته، أعلن أردوغان أن بلاده سحبت تحفظاتها على إنضمام السويد وفنلندا للحلف ولكن أمريكا لم تقتصر على المماطلة في إتمام بيع المقاتلات، بل وصدر تصريح من الخارجية الأمريكية يؤكد على حقوق قبرص في التنقيب عن الغاز وهو ملف يسبب إزعاجا لأنقرة . (١)

كما عملت أنقرة بالفعل على توطيد تفاهماتها مع روسيا في عدد من الملفات الإقليمية وعلى رأسها الأزمة السورية بما يتفق مع المصالح التركية لكنه يخالف أهواء واشنطن فمن بين أهم أهداف التقارب مع دمشق، هو إيجاد حل شامل للقضاء على القوات الكردية، التي بالفعل تم تسليحها من جانب أمريكا ضمن قوات سوريا الديمقراطية

إن مكانة واشنطن في عموم الشرق الأوسط، قد تتهدد في حال قضت تركيا على قوات سوريا الديمقراطية والجماعات المعارضة التي تسلحها واشنطن وتتمركز في منطقة التنف، حيث توجد قاعدة أمريكية في دير الزور وسيكون ذلك رسالة جديدة لحلفاء واشنطن مفادها أن التحالف مع واشنطن غير مؤمن، وسيدفع قوات سوريا الديمقراطية والجماعات المعارضة في التنف إلى التفكير في حلول بديلة عن اعتمادهم الرئيسي على التحالف على واشنطن وحيث يري الكثيرون أن الولايات المتحدة لم تعد تملك مفاتيح الحلول للأزمات في الشرق الأوسط أو أن واشنطن ستضحي بحلفائها الصغار مقابل تحقيق مكاسب من حلفائها الأكبر. (٢)

(١) محمود سالم السامرائي، المساومة في السياسة الخارجية التركية، المجلة العربية للعلوم السياسية : العدد 13، شتاء 2007م ، ص 77.

(٢) محمد نور الدين، تركيا الجمهورية الحائرة : مقاربات في الدين والسياسة والعلاقات الخارجية، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ١٩٩٨، ص ٣٧-٤٤ .

المطلب الثاني : موقف تركيا من التدخل الروسي في سوريا (١)

لقد شكل الصراع السوري عامل تأثير مهم في العلاقات بين روسيا وتركيا ، فلقد  كان سببا في توتر هذه العلاقات من جهة ودعاها للتقارب فيها بينها من جهة أخرى، وذلك بحسب المصالح المتضاربة للدولتين خاصة بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا بحيث كان الموقف الروسي منه إيجابي من النظام التركي القائم، وعلى أثره استأنف الطرفان علاقتهما خلال هذه المرحلة وتحسنت العلاقات من جديد وظهر هذا التقارب في الملف السوري لرسم الآفاق المستقبلية في المنطقة ومبادرات الحل للأزمة .

لقد إنتعشت العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا خلال فترة الأزمة السورية عن طريق التنافس علي المصالح الامنية أو الأقتصادية أو حتي السياسية وذلك نظرا للأهمية الإستراتيجية التي تحتلها المنطقة ، حيث سعت  كلاً من أنقرة وموسكو للبحث عن حل للأزمة السورية بما يحفظ مصالحهما .

تسعى تركيا لعرقلة تحول الأراضي السورية إلى قاعدة للتنظيمات الإرهابية وقد أربك التدخل الروسي في سوريا السياسات الخارجية لتركيا، على مستويات عدة لأنها كانت تعمل لإطاحة الأسد وإسقاط نظامه، وباتت فكرة إنشاء منطقة آمنة جنوبيي تركيا وجعلها منطقة حظر طيران أيضا أصبحت فكرة صعبة .

ولذلك يمكن القول أن التعاون التركي الروسي وأيضا التعاون التركي الإيراني يأتي إنطلاقاً من أن التعاون الأول حتمي لإن روسيا هي من تمتلك مفاتيح الملف السوري بالإضافة إلى ذلك ان روسيا تستخدم ورقة تركيا كورقة ضغط على الأكراد لإجبارهم للعودة للمفاوضات والمباحثات السياسية مع دمشق، ومن ثم فإن التعاون الثاني يأتي نتيجة للتهديد وهو نفسه الذي يواجه أنقرة وهو تهديد إنفصال الكرد سواء في إيران او في تركيا. ولابد أن لا ننسى أن إيران شنت هجوما على قاعدة تابعة لجماعة معارضة كردية إيرانية في شمال العراق في سبتمبر 2018، مما أسفر عن مقتل 11 شخصا على الأقل وإصابة العشرات .

(١) عبد الرزاق بوزيدي، التنافس الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط دراسة حالة الأزمة السورية 2010 – ٢٠١٤، مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة بسكرة، قسم العلوم السياسية، 2014/ ٢٠١٥ .

وإن إسقاط تركيا الطائرة الروسية في أكتوبر 2015 كانت هي المرحلة الأكثر توترا بين الطرفين على المستوى الدبلوماسي في الملف السوري وقد أدت إلى ضرب روسيا للمرة الأولى مناطق على المعابر التركية المباشرة وتقدم يد المساعدة لقوات الحماية الكردية في عفرين على الجبهة التي يبدو أنها قد فتحت في مواجهة المعارضة التي تدعمها تركيا وتسببت أزمة المقاتلة الروسية في تحول الشرق الأوسط إلى مسرح جديد من المواجهات بين أنقرة وموسكو ونشرت روسيا منظومة الدفاع الجوي المتطورة (إس400) التي تمتلكها في قاعدة حميميم الجوية، وبذلك أغلقت المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية . (١)

وبالتالي فإن الأزمة السورية حولت منطقة الشرق الأوسط الي مسرحا للمواجهة العسكرية واستعراض للأسلحة الجديدة وتجمدت العلاقات الإستراتيجية بين كل من تركيا وروسيا على إثر أزمة إسقاط الطائرة، ولكن عادت العلاقات التركية الروسية بعد عدة أشهر من جديد عندما قدم أردوغان خطابا لبوتين يعبر فيه عن أسفه ورغبته في استئناف العلاقات بينهم وتقابل الزعيمان بعد أسبوعين من محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا، وكان دعم بوتين الصريح للحكومة التركية المنتخبة ديمقراطيا ضد محاولة الانقلاب محل تقدير شديد من جانب أنقرة عندما كانت ردود الأفعال القادمة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر ترددا وانتقادا للحكومة التركية.

وجاء اتفاق أنقرة متوجا للتقارب الروسي التركي مع بداية عام 2016 وسار بخطوات متسارعة فمنح الطرفين استقرار في علاقتهما الثنائية وتوافقا في نظرتهم تجاه الأزمة السورية وهو الأمر الذي تمخض عنه قمة سانت بطرسبرغ التي جمعت بوتين وأردوغان في عام 2016 ، بحيث تشير بعض التقارير إلى أن هذه القمة قد شهدت توقيع معاهدة عدم اعتداء بين الطرفين فضلا عن الاتفاق على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ وقد اتضح أن التقارب الروسي التركي بشأن سوريا قد أخذ منحنى متقدم، خاصة مع تراجع أردوغان عن موقفه، الذي قال فيه أن القوات التركية دخلت لإنهاء حكم الأسد موضحا أن العملية العسكرية التي تجريها تركيا دعما لمقاتلي المعارضة في شمال سوريا وتستهدف التنظيمات الإرهابية . (٢)

__________________________________

(١) نورهان الشيخ، الموقف الروسي من الثورات العربية رؤية تحليلية تقرير استراتيجي، ص 284،282 .

(٢) وليد عبد الحي، محددات السياستين الروسية والصينية تجاه الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 2002م، ص ٤ .

لم يمنع وجود قضايا مختلف عليها في الملف السوري أن يتم التقاء روسيا وتركيا حول نقاط ضمن هذا الملف فالالتقاء مدفوعا بإدراك روسيا بأهمية دور تركيا في إيجاد حل للأزمة السورية يحقق مصالحهما ، كما تسعى روسيا إلى كسب تركيا إلى جانبها في الشرق الأوسط، لإدراكها أهمية التأثير التركي على الجماعات والفصائل المسلحة الفاعلة في الساحة السورية وبالمقابل جاء التوجه التركي موافقا في تسوية الخلافات مع روسيا .

وتسعى كلا من روسيا وتركيا إلى البحث عن مسارات في الحرب تتناسب مع مصالحهم الخاصة، ومن ناحية أخرى أصبحت روسيا الطرف الأكثر تأثيرا في الساحة السورية، وتبتغي ضمان مصالحها العسكرية وتواجدها في المنطقة واستمرار فعاليتها في الملف السوري واستثماره في قضايا المنطقة ، بينما ترى تركيا أن حل الأزمة يتطلب إقامة نظام ديمقراطي في سوريا يكون لحلفائها دورا مؤثر فيه وعدم السماح للأكراد بالانفصال ومعالجة قضية عودة اللاجئين السوريين والقضاء على الإرهاب .

ولقد كانت هناك عدة مبادرات للحل التركي الروسي للأزمة السورية حيث شهدت سوريا منذ بداية الأحداث فيها سنة 2011، الكثير من المبادرات لحل هذه الأزمة، والتي عكست مصالح الدول التي بادرت بتقديم الحلول بحيث جاءت هذه المبادرات على مستويات عدة ، وفيما يلي سوف نستعرض أهم هذه المبادرات بما فيها التي قدمت من الجانب التركي والروسي :- (١)

  • المبادرة العربية

وكانت المبادرة العربية الأولى التي حملها الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في 10 سبتمبر 2011 والتي تضمنت خطة للانتقال إلى نظام ديمقراطي، لكن النظام السوري لم يتجاوب ، وطرحت أيضا الجامعة العربية في عام 2012 مبادراتها الثانية والتي نصت على تسليم الأسد صلاحياته إلى نائبه وهو الأمر الذي رفضه النظام السوري، ودعمت تركيا هذه المبادرة العربية، وأما روسيا فقد عارضت بشدة مقترح تأيد مجلس الأمن لهذه المبادرة .

(١) سهام فتحي سليمان ابو مصطفى، الأزمة السورية في ظل تحول التوازنات الاقليمية والدولية ٢٠١١- ٢٠١٣، مذكرة ماجستير في دراسات الشرق، جامعة غزة، 2018، ص 107 .

  • مؤتمر جنيف

في ٣٠ يونيو  2012 عقد مؤتمر جنيف ١ واتفقت مجموعة من الدول والتي ضمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا ، وتركيا، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي في جنيف على مبادئ العملية الانتقالية في سوريا ونصت الخطة وقتها على تشكيل حكومة انتقالية  دون تحديد مصير الأسد لكن الأطراف المعنية بالنزاع اختلفت حول تفسير هذه المبادئ وبعد هذا الإجماع اعتبرت أمريكا أن الاتفاق يفسح المجال أمام مرحلة ما بعد الأسد في حين أكدت روسيا والصين أن الأمر يعود إلى السوريين في تقرير مصير رئيسهم، ويعتبر مؤتمر جنيف ١ المرجع الأول للقضية السورية ويمثل القرار 218 والصادر في 2013/9/21 عن هيئة الأمم المتحدة أحد أهم مراجع العملية السياسية في هذه المفاوضات التي استند إليها الأمين العام كوفي أنان في خطته . (١)

وجاء مؤتمر جنيف 2 في 2014/1/22 بناءا على دعوة من الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى سوريا، وكان المؤتمر قد جمع الطرف الروسي والأمريكي والذي أنتهي إلى نزع السلاح الكيميائي بعد المجزرة التي قام بها النظام السوري في غوطة دمشق .

  • محادثات فيينا

في نوفمبر 2015 تم تشكيل مجموعة دعم دولية لسوريا في فيينا تضم 23 قوة دولية وإقليمية، ومنظمات متعددة الأطراف من بينها الولايات المتحدة وروسيا، والسعودية، وإيران وتركيا ، وأعدت هذه المجموعة خارطة طريق للعملية الانتقالية ولإجراء انتخابات وعقد مباحثات بين الحكومة والمعارضة ، دون الاتفاق على مصير الأسد، وفي 18 ديسمبر 2015 تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع وللمرة الأولى منذ بدء النزاع قرار استنادا إلى محادثات فيينا يحدد خارطة طريق تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة، وينص على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات . (٢)

________________________________________

(١) مريم محمود، مؤتمر جنيف الأول للسلام من اجل سوريا، المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العالم، على الرابط : .www.syrianside.come تاريخ الاطلاع : ٢ / ٣ /٢٠٢٣ .

(٢) رضا غنيم، مؤتمرات انهاء الحرب السورية تنتهي للاشئ، صحيفة المصري اليوم تاريخ النشر : ١٠ /٧ /٢٠١٧، على الرابط : https:// www. almasryalyoum.com ، تاريخ الاطلاع : ٢ / ٣ / ٢٠٢٣ .

وفي مطلع 2016 عقدت ثلاث جولات من المفاوضات غير المباشرة بين النظام والمعارضة في جنيف ، برعاية مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا دي ميستورا ، والتي اصطدمت بأساليب المرحلة الانتقالية والخروقات للهدنة، أما في مارس 2017 إلى حتي  يوليو نظمت أربع جولات أخرى من المفاوضات غير المباشرة التي لم تثمر شيئا .

المطلب الثالث : موقف تركيا من التدخل الأوروبي في سوريا

إن الأحداث التي تدور في سوريا وضحت اوجه تشابه بين الموقفين التركي والأوربي  فكلاهما يدين العنف الذي يستخدمه النظام الحاكم في التعامل مع المتظاهرين، فمن ناحية الأتراك فإنهم هددوا أكثر من مرة بتدخل عسكري محدود أو تدخل كامل لأن بقاء الرئيس بشار الأسد هو مسألة وقت من وجهة النظر التركية، وعند الضرورة سيتم التدخل العسكري المرهون بقرار من مجلس الأمن الدولي  .

أما موقف الإتحاد الأوروبي من الأزمة السورية فيتحدد في تقديم معونات سواء اقتصادية أو عسكرية للمعارضة في سوريا، وإدانة للقصف السوري في الأراضي التركية أكثر من مرة ووجوب دفاع تركيا عن نفسها والرد علي انتهاك النظام السوري لأراضيها ، و تركيا استطاعت بنجاح أن تبقي علي تواصل مع أوروبا من ناحية وفي نفس الوقت تفتح آفاقاً واسعة من العلاقات مع الدول العربية . (١)

فبالنسبة لعلاقتها أوروبا تستمر تركيا في مساعيها للوصول إلى منظومة الإتحاد الأوروبي دون توقف من ناحية، وعقد لقاءات تركية – أوروبية مشتركة لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل مسألة الإرهاب والعلاقات الاقتصادية وغيرها ، أما تحسين علاقتها مع الدول العربية فقد تمثلت في تعميق دورها في جامعة الدول العربية من خلال إمكانية مساهمتها بدور كبير فيها، وتعزيز علاقتها السياسية والأمنية والاقتصادية بالعالم العربي . (٢)

(١) محمد نور الدين، تركيا والاتحاد الأوروبي: مسألة الهوية والرهانات والشرق الأوسط، مجلة شؤون الأوسط، مركز الدراسات الإستراتيجية ، بيروت، العدد ١١٦ ، خريف ٢٠٠٤، ص ٦٧٠٦٦ .

(٢) محمد نور الدين، تركيا الصيغة والدور ، مرجع سابق، ص ۲۰۹ .

المبحث الثانى : الموقف التركى من التدخل الإيراني

يبدو الوضع أكثر وضوحا عند الحديث عن الثورة السورية ويضع النظام السياسي الإيراني كل ثقله وراء النظام السوري ويقدم تفسيرًا مشابهًا لما قدمه النظام السوري ، بأن الحركة السورية الداخلية قد تكون شرعية ، لكن من يسيء استخدامها لتصفية حسابات مع النظام السوري ، تلك تسوية الحسابات وهي مرتبطة بالسياسة التي تنتهجها سوريا ، لا سيما تلك المتعلقة بدعم حركات المقاومة المسلحة مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وتحاول إيران اتخاذ موقف غير بعيد عن الموقف الرسمي السوري الداعي إلى ضرورة الإصلاح في سوريا ، وأن النظام جاء للقيام بهذه الإصلاحات وربما تحاول إيران التواصل مع الإسلاميين السوريين لتخفيف الضغط عن النظام السوري ولم يلقَ أذناً صاغية، بل ربما يكون قد أثار غضب النظام السوري الذي يعتقد أنه لا يوجد لقاء مع الإسلاميين ، وهذا يعني الإخوان المسلمين .

إن الدور الإيراني في سوريا يتشكل ويفصل بالعديد من المحددات والدوافع، من أهمها الحفاظ على نظام حليف هو بمثابة نافذة لطهران على البحر الأبيض المتوسط واستمرار دعم حزب الله في لبنان وسوريا لمقاومة الولايات المتحدة وسوريا والخوف الإيراني من الآثار الجيوسياسية لتغيير النظام في سوريا .

يتضح موقف تركيا من تدخل إيران في سوريا في الآتي :- (١)

اختلفت مواقف إيران وتركيا تجاه سوريا في أزمتها عام 2011 ، الأول كان داعمًا للنظام والثاني مدافعًا عن الحراك الشعبي واحتضن المعارضة السورية وتضررت العلاقات التركية الإيرانية بسبب هذا التطور ، في بداية الأزمة ، دعمت تركيا النظام السوري ورهنت هذا الدعم للإصلاح ، بينما قدمت إيران دعمًا غير مشروط للنظام السوري ووضعت المعارضة ضده كجزء من “مخطط صهيوني” يهدف إلى تدمير ” جبهة المقاومة ” واتهمت إيران تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية السورية والسعي لخدمة المصالح الإمبراطورية .

(١) عبد الكريم عنبر، العلاقات الإيرانية التركية نقاط الاتفاق والاختلاف الحالة السورية نموذجا، مستقبل الشرق للدراسات والبحوث، 2015، على الرابط : www folsharq.com، تاريخ الاطلاع: ٢٧/٢/ ٢٠٢٣ .

وأكدت تركيا أن الإصلاحات غير مجدية الآن ، وأن نظام الأسد فقد شرعيته نتيجة لجوء النظام إلى الاستخدام المفرط للقوة والحل الأمني وعلى القواعد العسكرية الموجودة في تركيا أن تشن هجومًا على سوريا ، ما سيؤدي إلى أن تصبح تلك القواعد هدفًا للصواريخ الأمريكي، وأحدثت الأزمة السورية شرخاً عميقاً في العلاقات بين أنقرة وطهران في مستنقع الحرب الأهلية في حال سقوط النظام ، فإنها تمثل “خيارًا كارثيًا” ، حيث يختلفان حول أسلوب التعامل مع هذه الأزمة ويرتبط الاختلاف بين الدور التركي والإيراني في المشهد السوري بالمحاور الاستراتيجية والصراع على المنطقة في دمشق وصولاً إلى حزب الله في جنوب لبنان ومحاصرته بقوى إقليمية قريبة من الإستراتيجية الغربية ، وبالتالي تعلن إسقاط النظام السوري خط أحمر . (١)

يمكن وصف العلاقات التركية الإيرانية بأنها ليست دافئة ولا عدائية ، وذلك بسبب الحساسية الشديدة التي تحكم العلاقات بينهما ، لأسباب تاريخية تتعلق بالرؤية المتبادلة للصراع العثماني الصفوي بين البلدين والتنافس بينهما للتأثير في آسيا الوسطى والشرق الأوسط  .

بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بادرت تركيا بالاعتراف بالنظام الجديد وقبلت تغييره بشكل كامل دون أي محاولة من جانبها للتدخل لتحديد نتيجة الثورة أو تغييرها ورفضت الخضوع لأمريكا في فرض عقوبات اقتصادية على إيران بعد أن احتل الطلاب الإيرانيون السفارة الأمريكية عام 1979 . (٢)

وعلى الرغم من هذه المظاهر الإيجابية في العلاقات بين البلدين ، إلا أن علاقاتهما لم تخلو من العديد من نقاط الصراع والتوتر ، وتمثلت نقاط الخلاف الرئيسية بينهما في التالي :-

  • دعم إيران لمنظمات المعارضة الإسلامية التركية .
  • التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية التركية .
  • الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني .

(١) حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية، مرجع سابق ص ١٣٩ .

(٢) محجوب الزبير، ايران الثورة والثورات العربية : ملاحظات بشأن السياسية الخارجية الايرانية ومالاتها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016 .

استمرت الاتهامات المتبادلة بين البلدين حتى عام 1993 ، عندما أعلن الرئيس الإيراني في ذلك الوقت أن إيران قد تنفذ عمليات ضد حزب العمال الكردستاني في الأراضي الإيرانية معربًا عن سماحه لتركيا بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني داخل الحدود الإيرانية ، ونتيجة لذلك وقع البلدان على بروتوكول أمني يعزز هذه الاتجاهات بحيث يتعهد كلا البلدين بعدم السماح لأي منظمة إرهابية معارضة للدولة الأخرى بالوجود على أراضيها .

أما عن الفترة التي تولى فيها نجم الدين أربكان ، صاحب التوجه الإسلامي الحكم في تركيا ، فقد اتسمت العلاقات التركية الإيرانية بالهدوء والتقارب إلى حد كبير ، وذلك نابعًا من فكر أربكان وتوجهات الضرورة والتقارب مع دول العالم الإسلامي كحل لمشاكل تركيا ، وكبديل للتوجهات الغربية للسياسيين . (١)

كان الأتراك وإيران من أوائل الدول الإسلامية التي بدأ أربكان زياراته الخارجية إليها إلا أن العلاقات الثنائية بين البلدين شهدت توترًا شديدًا وتصعيدًا خطيرًا للعلاقات بينهما ، وفي العام الأخير من التسعينيات ، إثر إعلان طهران في يوليو 1999 عن قصف طائرات مقاتلة تركية قرية إيرانية بالقرب من حدود البلدين، حيث استدعت إيران القائم بالأعمال التركي في طهران وسلمته مذكرة احتجاج على تصرفات حكومته ، وطالبتها بتقديم اعتذار رسمي ودفع تعويضات عن الخسائر التي نتجت عن القصف ولم تنته هذه الأزمة حتى 28 يوليو 1999 ، بعد اجتماع للجان الأمنية التركية الإيرانية المشتركة في مدينة أورمية الحدودية ، والذي أسفر عن توقيع اتفاقية للتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب في 13 أغسطس ، والتي نصت على ضرورة تنسيق  البلدين عملهما في مكافحة الإرهاب ، وضرورة تبادل المعلومات والقيام بعمليات مشتركة للتخلص من العناصر التي تهدد أمن البلدين . (٢)

(١) محمد زاهد، حول تركيا وإيران والربيع العربي، الأهرام الرقمي التابعة لجريدة الأهرام المصرية للتفاصيل انظر ۹۱۳۰٨http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspxSerial

(٢) علي حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية، مرجع سابق ص ١٤٣ .

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ظهرت نية الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في العراق ، وخشيت تركيا من قيام دولة كردية محتملة في شمال العراق ، وهذا ما تعتبره تركيا أكبر تهديد أمني لها ، الأمر الذي دفعها إلى تعزيز تحالفها مع إيران وكان الانتصار الكاسح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في 3 نوفمبر 2002 ، وتشكيله للحكومة وحدها ، تطوراً إيجابياً في علاقة تركيا بإيران، فقد أدرك الشعب التركي ظهوره للأحزاب العلمانية والتوجه نحو الأحزاب الإسلامية ، لكن أعضاء الحكومة في إيران لم يعبروا عن سعادتهم بشكل مفرط ومبالغ فيه تحسبا لردود الفعل ، آخذين بعين الاعتبار الوضع التركي الداخلي الحساس ، وإدراكهم للتوازنات الداخلية . (١)

ومن التحديات التي تواجهها تركيا أيضًا الملف النووي الإيراني وتنامي دور إيران الإقليمي وهنا لا تقل المعضلة التركية بالنسبة لإيران عن المعضلة التركية فيما يتعلق بالعراق وكانت العلاقات بين تركيا وإيران منذ عام 1638 يحكمها ميزان قوى وإرهاب ، وليس الأمر بهذه البساطة أن يخضع جيران مسلمان كبيران وقويان لمواجهة عسكرية مدمرة. حتى إمكانية قيام تركيا بتسهيل ضربة أمريكية لإيران أمر لم يتم ذكره على الإطلاق ، رغم أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي ، كما تعارض تركيا أي عقوبات اقتصادية ضد إيران بسبب الانعكاسات السلبية لمثل هذه العقوبات على الاقتصاد التركي من حيث من واردات واستثمارات الطاقة .

على الرغم من دفء العلاقات بين البلدين ، تشعر مؤسسات السياسة الخارجية والدفاع التركية بعدم الارتياح إزاء امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية ، وتخشى أن يؤدي امتلاك إيران للأسلحة النووية إلى اختلال دقيق في توازن القوى في منطقة مضطربة لا تملك فيها دولة بمفردها مركز مهيمن وفي الوقت نفسه ، لا تريد تركيا نسف التحسن الأخير في العلاقات الثنائية مع إيران ، وفي ضوء لعبة التوازن هذه ، دعمت تركيا الجهود الدبلوماسية ، لا سيما جهود الترويكا الأوروبية ، لكن الجمهورية التركية أعلنت بشكل قاطع أن لن تستخدم أراضيها أو أجوائها في أي عمليات عسكرية ضد إيران . (٢)

(١) علي حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية، مرجع سابق ص ١٤٥ .

(٢) عبد المؤمن ومحمد السعيد، ايران وجيرانها والأزمات الإقليمية، دراسة للمعهد الملكي للشؤون الدولية، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية ، العدد ٢٤، السنة الثانية ، ديسمبر ٢٠٠٦، ص ٣٩ .

وأظهرت تركيا أنها لا تريد أن تكون معارضا أو عدوا لإيران ، بل تريد أن تكون صديقا وشريكا وحسن الجوار لذلك أبرمت اتفاقيات اقتصادية في مجالات النفط والغاز الطبيعي والكهرباء وخطوط النقل والاستثمارات ، وهي اتفاقيات كانت قد بدأت قبل حزب العدالة والتنمية ، ووقفت تركيا إلى جانب إيران في الملف النووي للأغراض السلمية ، وعارضت محاولات الولايات المتحدة لعزل إيران وفرض حصار اقتصادي عليها ، ورفضت استخدامه أراضيها لأي عمل عدواني ضد إيران، كما تتطلب المصلحة الوطنية التركية التنسيق الكامل مع إيران في أخطر التهديدات التي تواجه الأمن القومي التركي ووحدة البلاد ، أي المشكلة الكردية ، خاصة بعد احتلال العراق وتقسيمه . (١)

لكن رغم كل هذه التغييرات في النظرة الإيرانية والوعي الإيراني تجاه تركيا في السنوات الأخيرة ، لا يمكن في الوقت نفسه القول إن السياسة الخارجية التركية تتماشى تمامًا مع المصالح الإيرانية وتتوافق معها فالحقيقة أن إيران تتابع بقلق الوساطة التي تقوم بها تركيا بين إسرائيل وسوريا لذلك اضطر المسؤولون السوريون إلى تنظيم عدة زيارات لطهران من أجل إزالة مخاوف إيران حيث تخشى إيران من نية تركيا لاستبعادها فيما يتعلق بعض الخيارات في المنطقة . (٢)

فمثلاً الحل الدبلوماسي الذي تقترحه تركيا في القضية الفلسطينية وفي العلاقة بين سوريا وإسرائيل يتناقض مع الأطروحات الثورية لإيران التي من مصلحتها الإبقاء على هذه المشاكل أي مصالحة إسرائيلية سورية ستبعد سوريا استراتيجياً عن إيران، ومن ناحية أخرى ، إذا ظلت المشكلة كما هي ، فإنها تقيد تركيا وتحد من حركتها إقليمياً وينطبق الشيء نفسه على وحدة الصف الداخلي في الوطن العربي .

(١) محجوب الزبير، ايران الثورة والثورات العربية، مرجع سابق ص 24 .

(٢) عبد الكريم عنبر، العلاقات الإيرانية – التركية نقاط الاتفاق والاختلاف ( الحالة السورية ) نموذجا، مرجع سابق، ص١٥ .

المبحث الثالث : موقف تركيا من التدخل الإسرائيلي في سوريا

إن العلاقات التركية الإسرائيلية تعود  لعام 1949 حيث تعتبر تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وتقيم معها علاقات دبلوماسية، حيث أكد الرئيس التركي أنذاك “عصمت إينونو” في نوفمبر عام 1949 الإعتراف بإسرائيل قائلا: ” لقد تم إنشاء علاقات سياسية مع دولة إسرائيل، ونأمل أن تصبح هذه الدولة عنصر سلام واستقرار في منطقة الشرق الأوسط ” .

وقد رأت تركيا أن علاقتها مع إسرائيل هي بمثابة دعامة ومحور أساسي يمكنها من مواجهه خصومها العرب ومن يقف في طريقها أو التطبيع معها أو حتي التضييق عليها ، وأنها بهذه الخطوة تطلب ود وأشنطن والغرب، خصوصا في ظل توجهاتها العلمانية الغربية، والحصول على كسب تأييد اللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا لتحقيق مصالحها من خلال تقديمه الدعم لتركيا داخل مؤسسات صنع القرار الغربية، وتعمل أيضاً علي كسب تعاطف الرأي العام الغربي تجاه قضاياها الشائكة، مثل قضية جزيرة قبرص واليونان والإنضمام للإتحاد الأوروبي . (١)

المحطة الأهم في تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية عام 1996 ، عندما توجت العلاقات بين البلدين بتوقيع الاتفاقية الأمنية التركية الإسرائيلية التي تسمح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق بموازاة الحدود الدولية بين سوريا وتركيا ، وتساهم في جمع المعلومات عنها وتوفر إمكانية إجراء مناورات أمريكية مشتركة، وهذا ما حدث عام 1998 كما نص هذا التحالف على تعزيز التعاون في الصناعات العسكرية والجوانب الاقتصادية ، وتشجيع تركيا على إنشاء منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط تضم إسرائيل، مما يساهم في ترسيخ دعائم اسرائيل في المنطقة . (٢)

(١) مصباح أبو داير، إستراتيجية تركيا شرق أوسطياً ودوليا في ضوء علاقاتها بإسرائيل من ٢٠٠٠-٢٠١١م، رسالة دكتوراة غير منشورة، جامعة الجنان، لبنان، ۲۰۱۲م .

(٢) يسري الغول، اثر صعود حزب العدالة والتنمية التركي علي العلاقات التركية الإسرائيلية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، غزة، ۲۰١١ .

هذه العلاقات شهدت فتوراً عندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002 ، على خلفية المتغيرات والتطورات الإقليمية ، بدءاً بالعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 ، ثم الحرب التي تلتها على غزة عام 2008 ، وبلغ وقت الصراع ذروته وعبر رئيس الوزراء أردوغان عن استيائه من تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي “إيهود أولمرت” الذي التقى به قبل يومين من العدوان ولم يخبره بأي شيء عنها وبدلا من ذلك ، ناقشا ترتيب عملية السلام والمصالحة في الشرق الأوسط ، وحمل أردوغان إسرائيل مسؤولية استمرار المعارك واعتبرها إهانة لتركيا التي تسعى إلى التهدئة في غزة . (١)

توترت العلاقات بين تركيا وإسرائيل عندما انتقد وزير الخارجية التركي “علي بابا جان” اختراق الطائرات الإسرائيلية للأجواء السورية عبر الأجواء التركية في سبتمبر 2007 ، وطلب إيضاحًا من إسرائيل بشأن الحادث الذي أكدت سوريا وقوعه، وكان هذا البيان أول مؤشر على عدم رغبة تركيا في منح إسرائيل حرية حركة واسعة في تحدث من وقت لآخر وتدرك أنقرة أن علاقاتها مع إسرائيل ، حتى لو سببت لها بعض الإحراج فيما يتعلق برغبتها في الانفتاح على الدول العربية والإسلامية .

فقد حولت هذه العلاقة من عدو إلى حليف لها في علاقاتها مع المحيط العربي من خلال التعبير عن الرغبة في لعب دور الوسيط بين العرب وإسرائيل ، وبالفعل نجحت المساعي والوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل لرعاية مفاوضات سلام غير مباشرة بين الجانبين من أجل التوصل إلى اتفاق سوري – إسرائيلي ينعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على السلام الإسرائيلي مع الفلسطينيين واللبنانيين ، والذي عقد في اسطنبول عام 2008 . (٢)

(١) وليد رضوان ، العلاقات العربية التركية ، مصدر سابق، ص۳۹۹ .

(٢) هاكان يافوز، العلاقات التركية الإسرائيلية من منظور الجدل حول الهوية التركية ، مجلة دراسات عالمية ، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية ، العدد ۲۹، أبو ظبي ، ۲۰۰۰، ص ٢٤ .

وعلى الرغم من توتر العلاقات التركية الإسرائيلية ، يعتبر كلا الطرفين الآخر حليفًا استراتيجيًا مهمًا ، لذلك ظهرت بوادر تخفف من حدة التوتر في العلاقات ، وساهمت عدة عوامل في ذلك ، من بينها ما يتعلق بالطرفين التركي والإسرائيلي ، بما في ذلك ما يتعلق بالمتغيرات التي تفرضها البيئة الإقليمية ،والتي دفعت كلاً من تركيا وإسرائيل إلى إعادة النظر في حساباتهما الجيوسياسية خاصة في ظل اندلاع الثورات العربية ودوافع تقلص الدور الإسرائيلي مقابل تنامي الدور التركي في المشهد الإقليمي كطرف في معادلة موازين القوى الإقليمية، وفقدت تركيا وإسرائيل أهم حلفائها في المنطقة نتيجة الثورات العربية وأدى التغيير الذي أحدثته الثورة في مصر إلى فتور في العلاقات المصرية الإسرائيلية . (١)

وبالمثل ، أدى الموقف التركي من الثورات في كل من سوريا وليبيا إلى جمود العلاقات مع تركيا وعزلها ، ما دفع كلاً من إسرائيل وتركيا إلى حل الأزمة الدبلوماسية بينهما .

نتيجة للثورات العربية تزايدت المخاطر الأمنية على الجانبين التركي والإسرائيلي وتشكل محور مناهض لأنقرة من سوريا وإيران والعراق ، مما يشكل تهديداً للأمن القومي التركي ، بالإضافة إلى توتر العلاقات التركية الروسية ، نتيجة اختلاف المواقف من الأزمة السورية ، وصعود ساهمت التيارات الإسلامية والسلفية في المنطقة ، في ضدها تهديدات أمنية لإسرائيل دفعتها إلى ضرورة تطبيع العلاقات مع تركيا التي تتمتع بدرجة عالية من المصداقية مع هذه التيارات ، إضافة إلى قناعة إسرائيل بأن التقارب مع تركيا سيزيد الخناق على إيران والعمل على تعزيز الضغوط الدولية والإقليمية . (٢)

(٢) فيصل علوش، العلاقات التركية – الاسرائيلية في النقطة الحرجة، مجلة الحرية، ٢٠١٠ .

(٣) عماد الضميري، تركيا والشرق الأوسط، مركز القدس للدراسات السياسية، عمان، ۲۰۰۳، ص۱۰۰ .

في ظل تعقيدات الأوضاع في سوريا خلال العقد الماضي، وجدت إسرائيل نفسها في موقف عُزلة إقليمية حرمها من التأثير في مجريات الوضع السوري بعد أن أصبحت إيران وتركيا وروسيا الأطراف المُتحكمة في الصراع، ولكل منها أدواته الأمنية والعسكرية للدفاع عن مصالحه وتراهن إسرائيل على أن يؤدي تحسن علاقاتها مع تركيا إلى مزيد من الضغط على إيران داخل الجبهة السورية، كما يمكن لإسرائيل وتركيا أن تتوافقا على نوع من التعاون لأجل إخراج إيران وربما روسيا من المُعادلة السورية، وهو ما يُشكل تهديداً كبيراً للطموحات الإيرانية في تعزيز نفوذها الإقليمي . (١)

إن مجموعة التهديدات الاقتصادية والدبلوماسية والصحية ( أزمة كورونا ) بالإضافة إلى الغزو التركي لسوريا يشتت انتباه الإيرانيين والروس وغيرهم، الأمر الذي يعطي إسرائيل الغطاء لمواصلة مهاجمة المواقع ذات الصلة بإيران في سوريا والعراق وهذا يتماشى مع الهدف المعلن لوزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بنت المتمثل في استئصال إيران من سوريا بحلول بداية عام 2021.

وفي حين ينشغل الأتراك بملاحقة الأسد وحلفائه من الشيعة، فإنه لن يكون بوسعهم أن يلاحقوا أهدافهم في ليبيا أو كردستان فمن مصلحة الكرد، مثل تركيا وإسرائيل، ضعف الحضور الإيراني في سوريا والعراق وإذ، تدخل الجيش التركي على خلاف ذلك؛ فإن من المحتمل أن يتمكن الكرد من استعادة بعض أراضيهم التي احتلتها أنقرة وفي الوقت الذي تكون فيه روسيا والأسد أضعف وأكثر تشتتاً، قد يكون بوسع الأكراد إما أن يطالبوا بالمزيد منهم في اتفاق ينضمون فيه إلى سوريا الجديدة، أو أن يساعدوا الجيش السوري ضد الأتراك وقد يؤدي هذا إلى الحكم الذاتي الكردي أو الوعد بحقوق متساوية في سوريا الموحدة، وهذا غير مرجح ما لم يتم طرد القوى الشيعية المتطرفة من المنطقة بشكل كامل أو هزمهم بشكل قاطع . (٢)

(١) عماد الضميري، تركيا والشرق الأوسط، مركز القدس للدراسات السياسية، عمان، ۲۰۰۳، ص ۱۰۰ .

(٢) ریان تنون العباسي، اسرائيل ومشروع جنوب شرقي الأناضول في تركيا، موقع دنيا الرأي، ۲۰۰٩/١١/٩م للتفاصيل انظر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/ ، تاريخ الاطلاع : ١٥ / ٣ / ٢٠٢٣ .

وفي النهاية، من المحتمل أن يؤدي الجمع بين القوة العسكرية الإسرائيلية والتركية، فضلاً عن العوامل الخارجية، إلى إضعاف نظام الأسد بشدة، وإضعاف وتدمير حزب الله والمرتزقة الشيعة في سوريا، وإرغام الإيرانيين على الخروج من البلاد ولكن على أية حال من المتحمل أن يتم إرغام الأتراك أيضاً على الخروج ولن يتسامح العالم مع دعم أنقرة للعناصر المتطرفة، ولن يُسمح لها بجر روسيا والناتو إلى حرب عالمية .

خاتمة الفصل

وفقاً لما جاء ذكره في هذا الفصل بالنسبة بموقف تركيا من تدخل كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا وإيران وإسرائيل في سوريا وكيف أثر ذلك علي محور علاقاتها بالمنطقة ، فلقد جاءت الأزمة السورية لتعكر صفو العلاقات بين تركيا وأمريكا كما أثرت علي سياستها الخارجية وهيكلها التحالفي ووضعها في حلف شمال الأطلسي الذي أصبح مثيراً للجدل ويتعارض مع موقف تركيا الزائد مع روسيا وإيران ومع هويتها التحالفية .

كما أثرت الأزمة في مسار العلاقات بين كلاً من الجانب التركي والروسي فتارة يشوبها التوتر وتارة يحدث تقارب بينهما وذلك علي حسب سياسة المصالح وهي الغالبة في مسار العلاقات الدولية وإنتعشت العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا خلال الأزمة وذلك بسبب التنافس علي المصالح الأقتصادية والأمنية وسعت كلا من أنقرة وموسكو للبحث عن حلول للأزمة .

أما بالنسبة للموقف الأوربي والتركي فكلاهما يدين الضعف الذي يستخدمة النظام الحاكم في التعامل مع المتظاهرين فالأتراك هددوا بتدخل عسكري أكثر من مرة أما موقف الأتحاد الأوربي من الأزمة فتمثل في تقديم معونات أقتصادية وعسكرية للمعارضة في سوريا وإدانة القصف السوري في الأراضي التركية .

كما يمكن وصف العلاقات التركية الإيرانية بأنها ليست دافئة ولا عدوانية وذلك بسبب الحساسية الشديدة التي تحكم العلاقات بينهم كما يمكن القول أن السياسة الخارجية التركية لا تتماشي مع المصالح الإيرانية ولقد رأت تركيا في علاقتها مع إسرائيل الدعامة التي ستمكنها من مواجهة خصومها العرب ومن يقف في طريقها أو التضييق عليها والعلاقات التركية الإسرائيلية قد شهدت تقارباً ونفوراً في بعض الأحيان كغيرها من العلاقات الدولية القائمة علي سياسة المصالح.

الخاتمة

تناولت الدراسة السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا في الفترة ما بين العام ۲۰١١ وحتى العام ٢٠٢١ ، حيث اعتمدت تركيا سياسة جديدة ، تقوم على الانفتاح على الجميع ، وتصفير المشكلات مع الجميع ، بعد أن كانت تركيا قد وضعت نفسها في خانة العزلة عن محيطها ، وانتهاج سياسة منحازة للغرب في أغلب المواقف .

وقد تركزت الدراسة على السياسة الخارجية لتركيا تجاه سوريا على اعتبار أن العلاقة بين الطرفين أصبحت نموذجاً لعلاقات الجوار الحسن ، والتعاون في المجالات المختلفة ، بعد أن مرت بمراحل تاريخية فيها من العداء والتوتر ما يكفي لقيام حرب بين الطرفين ، اللذين توجه كل منهما في فترة الحرب الباردة نحو معسكر من المعسكرات السائدة في تلك الفترة ، فتركيا وضعت كل بيضها في سلة الولايات المتحدة الأمريكية ، ومعها المعسكر الغربي ، فيما اتجهت سوريا نحو الاتحاد السوفيتي السابق ،وأما العلاقة الجديدة بين البلدين فقد امتازت بالهدوء التام ، والتعاون في شتى المجالات .

وقد ركزت الدراسة على تطور العلاقات السياسية بين تركيا وسوريا على اعتبار أن هذه الدراسة جمعت ما بين مرحلتين متناقضتين امتازت المرحلة الأولي بالهدوء والتعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتجارية والعسكرية وغير ذلك، وتم توقيع عدة معاهدات بين البلدين في جميع المجالات حتى وصل التعاون إلى ذروته، أما الفترة الثانية فقد اتسمت بالعداء الذي بدأ يظهر مع بداية الأحداث الدموية في سوريا في عام ٢٠١١ ، حيث قطعت كل من البلدين علاقتهما ببعضهما البعض، حتى وصلت العلاقات في أحيان عديدة إلى إمكانية إعلان الحرب، وبالتالي ظل الوضع على ما هو عليه حتى عام ٢٠٢١ .

تعتبر العلاقة التركية – السورية ذات طبيعة معقدة ومتشابكة نظراً للتقارب الكبير بين البلدين سواء جغرافياً أو تاريخياً أو سياسياً أو اقتصاديًا أو غير ذلك، وبالتالي هناك محددات عديدة تحكم مسار هذه العلاقات بين البلدين .

يمكن القول أن الأزمة السورية وضعت السياسة الخارجية التركية أمام تحديات صعبة وقد جعلتها تراجع بعض مبادئها خاصة مبدأ ” تصغير المشاكل” مع الجيران الذي تبنته تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002م، حيث إضطر النظام السياسي التركي على إستهلاك علاقاته مع النظام السوري الذي لم يستحب لمطالب تركيا الإحداث إصلاحات عاجلة تمس مختلف القطاعات في بداية الأزمة، وفضل مواجهة الإنتفاضة الشعبية بأساليب القمع .

كمـا تدهورت علاقات تركيا أيضــا مــع الأطراف المساندة للنظام السوري خاصة إيران والعراق وروسيا، وردا على ذلك أبدت تركيا استعداداً كبيراً للانخراط في الدبلوماسيات الكبرى، وتنظيم المؤتمرات الداعمة للمعارضة السورية وأحد زمام المبادرة في الجهود الإقليمية لمساندة المعارضة السورية واستضافة الجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري، كما لجأت أيضا لتكوين تحالفات ومحـاور مــــل التحالف الإستراتيجي مع السعودية، لكسب تأييد الجامعة العربية من أجل تقوية دورها في مواجهة التحديات التي طرحتها الأزمة خاصة فيما يخص دعم المعارضة السورية وحماية المدنيين ومحاربة  داعش وملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا واستقبال اللاجئين .

النتائج

نستنتج مما تقدم الآتي :-

١. أن تركيا تسعى ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكــم عام 2002م إلى إستعادة مكانتها الإقليمية وتسعى أيضا للانفتاح أكثر على منطقة الشرق الأوسط بعد فشل مسيرتها للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي .

٢. أن المحددات الداخلية والإقليمية لكل من تركيا وسوريا لعبت دورا كبيرا في تطور وتغير العلاقات بين البلدين سواءا بالسلب أو الإيجاب

٣. ان تركيا كانت تسعى لإقامة علاقات متميزة مع إقليمها من خلال تبنيها لمبدأ صفر مشاكل

٤. أن العلاقات التركية السورية مرت بفترات مختلفة من التصعيد والتقارب منذ إستقلال سوريا عام 1946م، وهي الآن تشهد قطيعة نتيجة الأزمة .

٥. أن تركيا لعبت دورا كبيرا ومهما في الأحداث الراهنة في سوريا في سبيل إبراز دورها في المنطقة من خلال البوابة السورية .

٦. أن الأزمة السورية أثرت على العلاقات التركية مع دول الشرق الأوسط .

٧. أن الثورة السورية 2011 أثرت سلبا على العلاقت السورية التركية وتغيرت موقف تركيا تجاه سوريا في كل النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية ولأمنية، وعلى رغم هذه تغيرات استمرت السياسة التركية في بعض القضايا مثل ( وحدة الاراضي السورية الإثنية والطائفية ، لواء الاسكندرونة ، المياه ) لإن إستمرار على هذه السياسية جعل لصالح تركيا ، و أهم بنود في هذه الاتفاقية هي تدفق لا محدود للمياه ويكون حسب الاحتياج لدولتي العراق وسوريا .

٨. تبادل الخبرات في بناء السدود بتركيا ونظم الري، شهدت السياسة الخارجية التركية تغييراً واضحاً في ظل حزب العدالة والتنمية عبر عدة دوائر لاسيما الدائرة العربية ، و كانت فرصة الربيع العربي بمثابة أطاحة فرصة للمشروع التركي في تمرير سياستها التوسعية والتي تهدف إلى العودة إلى المنطقة العربية وفق مفهوم العثمانية الجديدة أو الجيوستراتيجية الحضارية الجديدة لتركيا  .

٩. تعتبر القيادة السياسية والميول الشخصية وأيديولوجية الحزب والمؤسسة العسكرية التركية المؤسسات الرئيسية في عملية صنع القرار السياسي التركي ، وبالتالي تعتبر جزءاً لا يتجزء من النظام السياسي التركي .

١٠. خلال فترة الدراسة تأثرت العلاقات التركية – السورية ، بالمتغيرات الاقليمية والدولية ، في هذه العلاقة أثر دور التدخل التنافسي الدولي و للقوى الإقليمية على تغيير موقف تركيا تجاه الازمة السورية .

١١. بعد إندلاع الثورة السورية من 2011 تعطلت العلاقات التركية السورية بسبب موقف تركيا من الاحداث ، التي خلق العداء بين النظامين .

١٢. استغلت تركيا بعد عام 2011 الوضع العربي في أكثر من بلد ، وخاصة في سوريا ، من خلال دعم القوات الموالية لحزب العدالة والتنمية في التوجه الإسلامي ( AKP ) ، وخاصة الإخوان المسلمين في سوريا ، ضد النظام السوري .

١٣. يمكن اعتبار المشروع السياسي الكردي في شمال سوريا أولوية بالنسبة لأنقرة وبالتالي فإن قرار تركيا سيضع المشروع في الاعتبار ومن ثم فهو عامل محدد للغاية في صياغة القرار التركي.

١٤. أخذ التدخل العسكري التركي في سوريا شكلين هما التدخل غير المباشر وتمثل في دعم المعارضة السورية عسكريا التسليح التدريب والإعلام لإسقاط نظام بشار الأسد، أما التدخل باستخدام القوة العسكرية المباشرة تمثل في إسقاط الطائرتين السورية والروسية بعد اختراق المحال الجوي التركي، ثم التدخل العسكري المباشر من خلال عمليتين عسكريتين هما درع الفرات وغصن الزيتون .

السيناريوهات المستقبلية للعلاقات التركية السورية

بناءا على المعطيات والتفاعلات في الازمة السورية فإن الاستراتيجيات التركية اتجاه سوريا تناولتها عدة سيناريوهات اهمها :- (١)

السيناريو الأول : التطبيع الكامل

يفترض هذا السيناريو التوصل من خلال التواصل الحالي إلى تفاهمات يمكن أن تعمل على إعادة تطبيع العلاقة بين تركيا والنظام السوري كلياً، ويدعم هذا السيناريو :-

  • حاجة النظامين إلى التهدئة بعد سنوات من التصعيد المتبادل، وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية التي تتطلب الإقدام على المصالحة .
  • الحرص التركي على تطبيع علاقاته الخارجية ونجاحه في التوصل إلى تفاهمات حقيقية مع السعودية ومصر والإمارات والكيان الإسرائيلي، إذ تشجع هذه التفاهمات في الاستمرار في خيارات التقارب .

ويُضعف هذا السيناريو :-

  • تجدد الصدام العسكري بين النظامين التركي والسوري بين حين وآخر، ما يعني انسداد الأفق إلى الآن .
  • الحرص التركي على عدم التفريط كلياً بحليفه السوري، ومن ثم فإن الذهاب في تسوية شاملة على المدى القريب قد تكون له انعكاسات سلبية على علاقة تركيا بالمعارضة السورية .

السيناريو الثاني : التقارب المحدود

يتوقع هذا السيناريو أن يقود التواصل التركي مع النظام السوري إلى تفاهمات محدودة على المدى المتوسط، مثل استجابة تركيا لبعض مطالب النظام من خلال تخفيف وإعادة انتشار قواتها في شمال سوريا، مقابل تعديل اتفاقية أضنة لمصلحة تركيا ومعالجة ملف اللاجئين، ويدعم هذا السيناريو :-

___________________________________

(١) صداح أحمد محمد، العلاقات التركية السورية (٢٠٠٢ – ٢٠١٠)، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، المجلد ١٠، العدد ١، مارس ٢٠١٣، ص ٣١ .

  • ثقل الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية المشتركة، والتي ستأخذ وقتاً أطول في تطبيع العلاقة كلياً .
  • التخوف التركي من سحب قواتها من سوريا قبل ضمان أمن حدودها، ومن ثم فإن التدرج في التطبيع يبدو الخيار الأنسب .

ويضعف هذا السيناريو :-

  • حاجة الطرفين إلى الدخول في تفاهمات كبيرة تخفف من حدة الصراع، وتتيح لهما التفرغ للملفات الداخلية .
  • إدارة روسيا لملف التفاهمات الحالية، وحاجتها لتقديم إنجاز كبير في الملف السوري يضعف الحضور الأمريكي، ويقطع الطريق أمام أي محاولات أمريكية لاستثمار الملف السوري .

السيناريو الثالث: فشل التقارب

يتوقع هذا السيناريو فشل المفاوضات في التوصل إلى تفاهمات حقيقية على المدى القريب، ويدعم هذا السيناريو :-

  • تباين وجهات النظر السياسية والأمنية بين النظام السوري وأنقرة .
  • مراهنة النظام السوري على نتائج الانتخابات القادمة، وإمكانية أن تحدث تغييراً في المعادلة السياسية التركية .

ويضعف هذا السيناريو :-

  • انسداد خيارات الحسم العسكري والحل السياسي بالنسبة للطرفين، وعليه فإن البحث عن خيارات التقارب صار أمراً ملحاً .
  • فشل التطبيع معناه مضي تركيا في تنفيذ العملية العسكرية، حيث استنفدت جهدها في التوصل إلى مقاربة مع النظام، وتخففت من الضغط الروسي للدعوة إلى المصالحة

التوصيات

بعد دراسة السياسة الخارجية التركية تجاه الأزمة السورية فإن الدراسة توصي بـ :-

  • الاتفاق على عقد اجتماعي وميثاق وطني مؤسس لدولة ديمقراطية حديثة تؤصل الحريات السياسية والحقوق المدنية وتقوم على مبدأ المواطنة والمساواة بين السوريين في الحقوق والواجبات والمساواة بين الجنسين وضمان حقوق كامل المكونات القومية للشعب السوري في إطار اللا مركزية الإدارية .
  • يحتاج أي حل سياسي واقعي الغطاء الدولي والإقليمي الضروريين، والاحتضان الشعبي الواسع، الأمر الذي يتطلب تسوية تاريخية تجسد طموحات الشعب السوري وثورته وتبنى على أساس “بيان جنيف” وبضمانات دولية واضحة مع الترحيب بالجهود الدولية المختلفة للتسوية .
  • العمل على إنهاء المشكلة المائية لسوريا والعراق مع تركيا في عدم اعتماد نهري دجلة والفرات كأنهار دولية بالوسائل الدبلوماسية، وطرح الأمر من خلال الجامعة العربية وليس بشكل منفرد .
  • لابد من اتفاق مبدئي بين كل الأطراف السورية لإنهاء مختلف أشكال الوجود العسكري غير السوري من أي بلد أو طرف جاء ولأي طرف انضم، باعتبار وجود المقاتلين غير السوريين، ضاعف من حجم الكارثة ودمر وحدة النسيج المجتمعي السوري وحرم السوريين من مباشرة حل مشكلاتهم بأنفسهم .
  • إن إنجاز الحل التفاوضي سيفرض على جميع الأطراف الالتزام بمبدأ حصر حمل الدولة للسلاح ، الأمر الذي يتطلب إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية، ودمج القوى المعارضة العسكرية المشاركة في الحل السياسي، مما يضمن تحول مهمة هذه المؤسسات إلى حماية استقلال وسيادةالوطن وتوفير الكرامة والأمان لكل السوريين .
  • تحويل عوامل الخلاف إلى عوامل اتفاق، فمثلاً إيجاد حلول إبداعية لمنطقة اسكندونة بما لا يظهر سوريا وكأنها تخلت عن أراضيها، ولا تركيا، وكأنها تركت أرضها لدولة أخرى، وذلك مثلاً، بأن تكون هذه المنطقة، سورية تركية مشتركة، بترتيبات خاصة تكون نموذجاً لحل خلافات مشابهة خاصة وأنها بين بلدين يقيمان حالياً أحسن العلاقات .
  • تقوية العلاقات التركية العربية بناء على أسس متينة، وليس من منطلق مصلحة سياسية، كأن تعتبر ذلك ضغطاً لصالح دخولها للاتحاد الأوروبي، أو أن الأمر خدمة الأهداف انتخابية داخلية .
  • إعلان وقف إطلاق النار الشامل بين أطراف الصراع، بتوافقات إقليمية ودولية، يشمل كل سورية بلا استثناء، وتجنّب تدهور الأوضاع مجددًا أو اندلاع المواجهات في البلاد، وبدء المصالحة الوطنية والمصالحة المجتمعية الدينية والإثنية والعائلية، مع الحذر من الركون للاتفاقات والتفاهمات المناطقية المؤقتة الحالية، ومن التعامل معها كصيغ نهائية للوضع في سورية .
  • الابتعاد عن عوامل الفرقة التي تجسدت سابقاً بمساعدة حزب العمال الكردستاني حسب اتهامات تركية خاصة وأن هذا الأمر يعتبر خطاً أحمر بالنسبة لتركيا .
  • الحفاظ على وحدة الأرض السورية في أيّ اتفاق سياسي قادم، وانسحاب كافة القوات الأجنبية من البلاد .
  • توفير ضمانات كافية، برعاية إقليمية ودولية، لطمأنة اللاجئين بالعودة إلى مناطقهم، ومن ضمنها نشر قوّات شرطة عربية دولية لفترة محددة في كافّة أرجاء البلاد، بما يضمن توفير الأمن للاجئين من جهة، وللشركات العاملة في الإعمار من جهة أخرى، من أيّ اعتداءات سواءً من طرف النظام أو أي فصيل مسلح معارض، أو الجماعات الإرهابية.
  • العمل على بناء علاقات جيدة مع الحكومة التركية والأحزاب والقوى المختلفة في الداخل التركي، مما يساهم في التأثير في بيئة صناع القرار التركي .
  • دعوة الأطراف غير المنخرطة في الصراع في سورية إلى المبادرة بمشاريع لإعادة إعمار البلاد وتوفير البنى التحتية على نحو عاجل من خلال آليات دولية تتضمن شقّي المساعدات الإنسانية والاقتصادية، كما تتضمن محاولة جذب الاستثمارات السورية والعربية والأجنبية، وبما يُحقق أمنًا اقتصاديًا واجتماعيًا للشعب السوري، وخصوصًا في مناطق عودة اللاجئين أو النازحين .
  • تطوير العلاقات العربية التركية، بناء على المبادرات الحسنة التي تبديها تركيا، وليس اعتماداً على رواسب تاريخية لا تفيد ولا تنفع .

قائمة المراجع

اولا : المراجع باللغة العربية

  • الكتب
  1. إبراهيم اوزتور، التحولات الاقتصادية التركية بين عامي ٢٠٠٢-٢٠٠٨، في تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، مركز الجزيرة للدراسات، ٢٠١٠م .
  2. احمد نوري النعيمي وآخرون، العلاقات العربية التركية، حوار مستقبلي، ط١، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ٢٠٠٦م .
  3. بسام جابر وآخرون، مشكلة المياء في الشرق الأوسط ، ط ۲، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق ، بيروت ، ١٩٩٤م .
  4. جلال عبد الله معوض، صناعة القرار في تركيا والعلاقات العربية التركية، ط ١ ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ۱۹۹۸م .
  5. داليا إسماعيل محمد، المياه والعلاقات الدولية، دراسة في أثر أزمة المياه على طبيعة ونمط العلاقات العربية التركية، مكتبة مدبولي، ط ١، القاهرة، ٢٠٠٦م .
  6. رضا هلال ، السيف والهلال تركيا من أتاتورك إلى أربكان الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي بيروت، دار الشروق للنشر والتوزيع ، ط1، ٢٠٠٨م .
  7. رمزى المنياوي، الفوضي الخلافة : الربيع العربي بين الثورة والفوضي ، دار الكتاب العربي للنشر، دمشق – القاهرة ، ۲۰۱۲م .
  8. شريف تغيان، الشيخ الرئيس رجب طيب أردوغان ” مؤذن اسطنبول ومحطم الصنم الاتاتوركي “، دار الكتاب العربي، دمشق – القاهرة ، ٢٠١٢م .
  9. عبد العزيز شحادة المنصور: المسألة المانية في السياسة السورية تجاه تركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، ۲۰۰۰م .
  10. عقیل سعید محفوض، سوريا وتركيا … الواقع الراهن واحتمالات المستقبل ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت، ٢٠٠٩ م .
  11. عقيل محفوظ، جلديات المجتمع والدولة في تركيا، المؤسسة العسكرية، مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، ط١، 2008م .
  12. علي حسين باكير، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، مركز الجزيرة للدراسات ، الدار العربية لعلوم الناشرين، بيروت، ط١، 2009م.
  13. عماد الضميري، تركيا والشرق الأوسط، مركز القدس للدراسات السياسية، عمان، ۲۰۰۳م .
  14. عماد يوسف قدورة، مسألة التغير في السياسة الخارجية التركية: المراجعات والاتجاهات : تحليل سياسات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2015م .
  15. عمر الحضرمي، العلاقات العربية التركية تاريخها واقعها ونظرة في مستقبلها، دار جرير للنشر والتوزيع، ط1، عمان، ۲۰۱۰م .
  16. عيسى السيد دسوقي، التوجهات الإقليمية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، دار الأحمدي للنشر والتوزيع ، القاهرة، ٢٠٠٩م .
  17. فتحي محمد مصيلحي، خريطة القوى السياسية وتخطيط الأمن القومي بالشرق الأوسط والمنطقة العربية، ط ۲ ، القاهرة، ٢٠٠١م .
  18. كمال المنوفي، مقدمة في مناهج وطرق البحث في علم السياسة، وكالة المطبوعات، القاهرة ، ١٩٨٥م
  19. محجوب الزبير، ايران الثورة والثورات العربية : ملاحظات بشأن السياسية الخارجية الايرانية ومالاتها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016م .
  20. محمد عبد القادر، تحولات السياسة الخارجية في ظل حزب العدالة والتنمية، العرب وتركيا : تحديات الحاضر ورهانات المستقبل ” المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة،2012.
  21. محمد نور الدين، الفصل الرابع (الشرق الأوسط في السياسة الخارجية التركية) من كتاب : العرب والأتراك في عالم متغير، ط٢، بيروت، ١٩٩٣م .
  22. محمد نور الدين، تركيا الجمهورية الحائرة : مقاربات في الدين والسياسة والعلاقات الخارجية، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ١٩٩٨م .
  23. محمد نور الدين، تركيا الصيغة والدور، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، ٢٠٠٨م .
  24. نبيل حيدري، ،تركيا دراسة في السياسة الخارجية منذ عام ١٩٤٥، دار صبرا للطباعة والنشر، دمشق ١٩٨١م، ص ١٦٥ .
  25. نبيل سليمان، مشكلة المياه في سوريا والشرق الأوسط، ج٢، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ١٩٩٤م .
  26. وليد رضوان ، العلاقات العربية التركية : دور اليهود والتحالفات الدولية والإقليمية وpkk في العلاقات العربية – التركية، العلاقات السورية التركية نموذجا، بيروت، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، 2006م .
    • الرسائل العلمية
  27. ابراهيم احمد حسن ناصر، الدور التركي في الازمه السورية، رسالة ماجستير، مجلة تكريت للعلوم السياسية، 2015م .
  28. احمد خنفوف، السياسة الخارجية التركية والإيرانية تجاه النزاع في سوريا، رسالة ماجستير، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر، ٢٠١٦م .
  29. بحر الدين مسعودي، الأزمة السورية في السياسة الخارجية الروسية والتركية (٢٠١١ – ٢٠١٩)، رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، ٢٠١٩م .
  30. بشيري زهدي الروسان، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا (١٩٩٠-١٩٩٩)، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، ٢٠٠٤م .
  31. جلال عبد الله معوض، الدور الإقليمي لتركيا في منطقة الشرق الأوسط ۲۰۰۲ ۲۰۰۷، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، القاهرة، ۲۰۰۹م .
  32. حاكم خليد، صراع القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط من 2001 – 2015، مذكرة ماستر في العلوم السياسية، جامعة سعيدة، قسم العلوم السياسية، 2014 – ٢٠١٥م .
  33. حامد محمد طة السوداني، العلاقات التركية السورية ١٩٩٨ – ٢٠١١، دراسة إقليمية، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، العراق، العراق، ٢٠١٢م .
  34. حيدر جاسم محمد محمود، واقع السياسة الخارجية التركية حيال الإتحاد الأوروبي ومستقبلها، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، جامعة دمشق ، 2014م .
  35. رائد مصباح أبو داير، إستراتيجية تركيا شرق أوسطياً ودولياً في ضوء علاقتها بإسرائيل من ٢٠٠٠ – ۲۰۱۱م، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة الجنان، لبنان، ٢٠١٢م .
  36. زيد لطيف صادق، العلاقات الأمريكية التركية في ظل حزب العدالة والتنمية (2003،2011) ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة الشرق الأوسط،  2012م .
  37. سهام فتحي سليمان ابو مصطفى، الأزمة السورية في ظل تحول التوازنات الاقليمية والدولية ٢٠١١- ٢٠١٣، مذكرة ماجستير في دراسات الشرق، جامعة غزة، 2018م .
  38. طالبي اسيا، ابعاد الموقف التركي تجاه الثورات العربية دراسة حالة سوريا خلال الفترة من 2011 إلى 2017، رسالة دكتوراة ، جامعة الجزائر، ٢٠١٧م
  39. عبد الرزاق بوزيدي، التنافس الأمريكي الروسي في منطقة الشرق الأوسط دراسة حالة الأزمة السورية 2010 – ٢٠١٤، مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة بسكرة، قسم العلوم السياسية، 2014/ ٢٠١٥ .
  40. عقيل سعيد محفوض، سوريا وتركيا نقطة تحول ام رهان تاريخي، دراسة بحثية، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ٢٠١٢م .
  41. علي حسن باكير، الثورة السورية في المعادلة الإيرانية – التركية : المازق الحالي والسيناريوهات المتوقعة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ۲۰۱۲م .
  42. محمد التلوي، السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا ٢٠٠٢ – ٢٠٠٨م، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، غزة، ٢٠١١م .
  43. محمد عبد الملك ، البعد الإقليمي للسياسة الخارجية التركية في ظل المعطيات الأمنية الجديدة، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة الحاج خضر باتنه ، 2009م .
  44. محمود خليل يوسف، العلاقات السياسية التركية السورية في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية ٢٠٠٨ – ٢٠١٤، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الأدب والعلوم الإنسانية، جامعة الأزهر، غزة، 2013م .
  45. مصباح أبو داير، إستراتيجية تركيا شرق أوسطياً ودوليا في ضوء علاقاتها بإسرائيل من ٢٠٠٠-٢٠١١م، رسالة دكتوراة غير منشورة، جامعة الجنان، لبنان، ۲۰۱۲م .
  46. نور الشريعي وعلا منصور، الدور التركي في الأزمة السورية، رسالة ماجستير، مركز دمشق للأبحاث والدراسات ، أكتوبر، ٢٠١٧م .
  47. يسري الغول، اثر صعود حزب العدالة والتنمية التركي علي العلاقات التركية الإسرائيلية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، غزة، ۲۰١١م .
    • المجلات والدوريات العلمية
  48. أحمد سعيد نوفل وأخرون، أزمة السياسة الخارجية التركية وانعكاسها على العلاقات العربية التركية ودور تركيا الإقليمي ، مركز دراسات الشرق الأوسط الأردن، عدد 12، 2016م .
  49. اميرة اسماعيل العبيدي، إشكاليات السياسة المائية بين سوريا وتركيا مجلة التربية والعلم، العدد رقم 2، الموصل، 2010م .
  50. إيمان أحمد عبد الحليم، المعضلة الكردية : الخيارات المحتملة لتركيا لمواجهة الأزمة السورية، مجلة السياسة الدولية، ٢٠١٢م .
  51. حامد محمد طة، العلاقات التركية السورية ١٩٩٨ – ٢٠١١، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، العراق، ٢٠١٢م .
  52. خورشيد دللي، الازمة السورية وآفاق التصعيد التركي، مجلة الوحدة الإسلامية، السنة ١١، العدد ١٢١، يناير ٢٠١٢م .
  53. د. حسين إبراهيم قطريب، الشراكة الإستراتيجية بين تركيا وسورية الثورة والمستقبل، بحث نشر في المركز السوري للعلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية، 2017م .
  54. سامية بيبرس، سوريا وتركيا بين التحالف والعداء، مجلة شؤون عربية، العدد ١٥٢، شتاء ٢٠١٢م .
  55. سعيد الحاج، محددات السياسة الخارجية التركية ازاء سوريا، مركز ادراك للدراسات والاستشارات، 2016م .
  56. سعيد الحجاج، الوجهات المحتملة للعملية التركية في سوريا، المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، 11 أوت 2017م .
  57. صبري سيار، تركيا والشرق الأوسط في التسعينات، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد ٣١، بيروت، صيف ۱۹۹۷م .
  58. صداح أحمد محمد، العلاقات التركية السورية (٢٠٠٢ – ٢٠١٠)، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، المجلد ١٠، العدد ١، مارس ٢٠١٣، ص ٣١ .
  59. عبد المؤمن ومحمد السعيد، ايران وجيرانها والأزمات الإقليمية، دراسة للمعهد الملكي للشؤون الدولية، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية ، العدد ٢٤، السنة الثانية ، ديسمبر ٢٠٠٦م .
  60. عبد الناصر محمد سرور، التعاون الإسرائيلي التركي في السياسة المائية خلال عقد التسعينات، بحث منشور، سلسلة الدراسات الإستشارية، المجلد السادس عشر، العدد الأول، يناير 2008م .
  61. عقيل محفوض، العلاقات السورية – التركية التحولات والرهانات، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ٢٠١١م .
  62. على حسين باكير، الابعاد الجيوسيتراتيجية للسياستين الايرانية والتركية حيال سوريا، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، مارس 2013م .
  63. على حسين بأكير، محددات الموقف التركي من الازمة السورية : الأبعاد الانية والانعكاسات المستقبلة، بحث نشر في المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة، يونيو 2011م .
  64. عماد قدورة، تركيا ومسألة التدخل العسكري بين الضغوط والقيود ، بحث نشر في المركز العربي للابحاث والدراسات، الدوحة، 2014م .
  65. عهد غزالة، تطور العلاقات الاقتصادية بين سوريا ودول الجوار، جمعية العلوم الاقتصادية السورية، دمشق، ٢٠٠٥م .
  66. عوني عبد الرحمن البعاوي وعبد الجبار مصطفى النعيمي ، العلاقات الخليجية التركية معطيات الواقع وأفاق المستقبل، مجلة دراسات إستراتيجية، العدد 1043، ٢٠١٠ م .
  67. عوني عبد الرحمن السبعاوي، العلاقات التركية السورية (المحددات والآفاق) في مجموعة مؤلفين، العلاقات العربية التركية، مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل، ١٩٨٥م .
  68. فيصل علوش، العلاقات التركية – الاسرائيلية في النقطة الحرجة، مجلة الحرية، ٢٠١٠م .
  69. لقمان عمر محمود النعيمي، مستقبل تركيا وسياستها الخارجية بعد انتخاب غول رئيساً للجمهورية، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستشارية، لندن، 2007م .
  70. محمد خلف البياتي وإبراهيم احمد حسن ناصر الجبوري، الدور التركي في الأزمة السورية، مجلة تكريت للعلوم السياسية، المجلد الثاني ، السنة الثانية ، العدد الرابع، كانون الأول 2015م .
  71. محمد صالح العجيلي، متغير المياه في العلاقات العربية التركية، مجلة الفكر السياسية، السنة 03 العدد 08 شتاء، 2000م .
  72. محمد نور الدين، تركيا والاتحاد الأوروبي: مسألة الهوية والرهانات والشرق الأوسط، مجلة شؤون الأوسط، مركز الدراسات الإستراتيجية ، بيروت، العدد ١١٦ ، خريف ٢٠٠٤م .
  73. محمد نور الدين، حوار أحمد داود أوغلو” : الإستراتيجية التركية الجديدة في شئون الأوسط ، مركز الدراسات الإستراتيجية، بيروت، العدد ١١٦، خريف ٢٠٠٤ .
  74. محمود سالم السامرائي، المساومة في السياسة الخارجية التركية، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 13، شتاء 2007م .
  75. مصطفى كامل محمد، تركيا القدرة والتوجه والدور، دراسات إستراتيجية، العدد ٤٧، القاهرة، سنة ١٩٩٦م .
  76. معتز سلامة، الجيش والسياسة في تركيا، مجلة السياسة الدولية، السنة 34، العدد 131 يناير1998م .
  77. هاكان يافوز، العلاقات التركية الإسرائيلية من منظور الجدل حول الهوية التركية، مجلة دراسات عالمية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، العدد ۲۹، أبو ظبي، ٢٠٠٠م .
  78. وليد عبد الحي، محددات السياستين الروسية والصينية تجاه الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 2002م .
    • مراكز الأبحاث والصحف
  79. علي حسين باكير، تركيا في طور استعادة دور تاريخي في المنطقة، صحيفة الخليج الإماراتية، ١٧/٨/٢٠٠٧م .
  80. مركز الجزيرة للدراسات، حول حرب استنزاف طويلة في سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ۲۰۱٠م .
    • ى المواقع الإلكترونية
  81. احمد نصار، خمسة اسباب لتدخل تركيا عسكرياً في سوريا، موقع العربية، 28 يوليو 2015، متاح على الربط : http://t.arabi21.com/story/847868/%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%
  82. اسامة ابو راشد ، التدخل العسكري التركي بسوريا حصاد الفشل الأمريكي، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، أكتوبر 2016، قطر، على الرابط :dohainstitute .‏
  83. بدء خدمة نقل الركاب بين تركيا وسوريا موقع أخبار العالم للتفاصيل انظر:

http://www.akhbaralaalam.net/index.php?aType –     .

  1. رضا غنيم، مؤتمرات انهاء الحرب السورية تنتهي للاشئ، صحيفة المصري اليوم تاريخ النشر : ١٠ /٧ /٢٠١٧، تاريخ الاطلاع : ٢ / ٣ / ٢٠٢٣، على الرابط : https:// Almasryalyoum.com
  2. ریان تنون العباسي، اسرائيل ومشروع جنوب شرقي الأناضول في تركيا، موقع دنيا الرأي، ۲۰۰٩/١١/٩م، تاريخ الاطلاع : ١٥ / ٣ / ٢٠٢٣، للتفاصيل انظر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/
  3. قاباتي، العلاقات السورية التركية بين التوافق والتوتر، شبكة الاخبار العربية ANN، للتفاصيل انظر: ‏http://anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=1AYYA‏
  4. وكالة سانا للانباء العلاقات السورية التركية، ١٤ أيار / مايو ۲۰۰۹م للتفاصيل انظر: http://sana.sy/ara/۲۰٦/٢٠٠٩/٠٥/١٤/٢٢٦٣٦٨.htm
  5. موقع هيئة الأركان العامة التركية على شبكة الإنترنت :

Konular/gorevi him – www.tsk.mil.tr/eng/ssn1

  1. رشاد العشري، أهداف السياسة التوسعية التركية في شمال سوريا، مقال منشور في موقع السياسة، بتاريخ 2017 متاح على الربط التالي: http://www.siyassa.org.eg/News/15207.aspx
  2. محمد الكيلاني، التدخل العسكري التركي في سوريا : الأسباب والأهداف والتحديات، بحث نشر في مركز برق للابحاث والدراسات، ١٣/ ٩ /٢٠١٣، متاح على الربط التالي: http://www.mergab.org/2016/09
  3. عبد الكريم عنبر، العلاقات الإيرانية التركية نقاط الاتفاق والاختلاف الحالة السورية نموذجا، مستقبل الشرق للدراسات والبحوث، 2015، تاريخ الاطلاع: ٢٧/٢/ ٢٠٢٣ . على الرابط : www folsharq.com
  4. محمد زاهد، حول تركيا وإيران والربيع العربي، الأهرام الرقمي التابعة لجريدة الأهرام المصرية للتفاصيل انظر http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspxSerial
  5. مريم محمود، مؤتمر جنيف الأول للسلام من اجل سوريا، المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العالم، تاريخ الاطلاع : ٢ / ٣ /٢٠٢٣، على الرابط : . syrianside.come

ثالثا : المراجع باللغة الأجنبية

  • Ahmet Davutoglu: “Turkey’s Foreign Policy Vision: an assessment of 2007 Insight Turkey, 2008, p85.‏
  • Grill Abdullah, Yeni Yuzyilda Turk Dis Politikasini Ufukari Horizons of Turkish Foreign Policy in the New Country, 2007, P.279. From: mfa.gov.tr/dats BAKANLIK BAKANLAR AbdullahGul_Kitap.pdf
  • The Republic of Turkey Center of Strategic and International Studies, (CSIS), Turkey Report, ‏CSIS Files, No.6 September 2007, p.50-51.‏

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=90809

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M