الشباب وتصاعد الوعي الاجتماعي

علي حسين عبيد

الوعي بمفهومه العام، هو معرفة الإنسان لما يصلح لهُ في إطار تطوير وتجديد أساليب حياته، كي تُصبح على درجة جيدة من الجودة والارتقاء، والاستجابة لنمط العيش السليم الذي يذلّل مشاكل الفرد والمجتمع، على أن يقترن نمط العيش بالكرامة والحرية وعدم ارتهان الذات للغير لأي سبب من الأسباب، والوعي يتعدّد بتعددّ أطًر الحياة ومساراتها، فهناك وعي سياسي وآخر اقتصادي وثالث اجتماعي، ومن مجموع أنماط الوعي ومجالاته يمكن أن تتحسن حياة المجتمع.

ويرى متخصصون بأن الوعي الاجتماعي (Social consciousness)، هو مشاركة الوعي المشترك لكل شرائح ومكونات المجتمع، ويمكن تعريفه أيضا على أنه الوعي بالمشكلات المختلفة التي تواجهها المجتمعات والتجمعات بصفة يومية، وهو مصطلح مركب من مفهومين هما الوعي والاجتماع، فالوعي يتبلور كنتيجة للتفاعل بين أنفسنا وعالمنا المادي المحيط بنا، وهو يلعب دوراً هاماً في التطور الاجتماعي، سواء كان هذا الدور إيجابياً أو سلبياً.

وحين يتعلق الأمر بالشباب، وهم الفئة أو الشريحة الأكبر في مجتمعنا، فإن وعيهم الاجتماعي قد يحسم قضية مواكبة ما يجري في العالم من حولنا، على أننا لا يمكن أن نغفل الصراع الطبيعي بين الأجيال، فما يراه الشباب وما يؤمن ويتحلى به، قد يراه الجيل الأكبر منه (الآباء)، يميل إلى المغامرة، لأننا نقر دائما بأنّ التحفظ والحذر والخوف من التجديد غالبا ما يلازم الأجيال القديمة!، لذلك يعدّ تطور الوعي الشبابي دليلا على حيوية المجتمع، كما أنه نوع من الضمان المؤكّد للتطور والاستعداد الدائم للتغيير بما يتوافق مع روح العصر.

فما هو معروف عن الأفكار التي توجد لدى أفراد ومكونات المجتمع، أنّها قد تساعد على تطور المجتمع أو قد تكون عائقاً أمام هذا التطور حيث يعدّ الوعي الاجتماعي ركيزةً من ركائز تقدُّم أيِ مجتمع وتطوُّره، بل وله دوره الكبير والرئيس في استقرار المجتمع والنهوض به؛ وذلك بالرفع مِن شأن أفراده. ويشير الوعي إلى إدراك الإنسان لذاته ولما يحيط به إدراكاً مباشراً، وهو أساس كل معرفة.

ظهور طراز جديد من الشباب

ويعرف ماركس الوعي الاجتماعي بأنه مجموع الأفكار والنظريات والآراء والمشاعر الاجتماعية والعادات والتقاليد التي توجد لدى الناس، والتي تعكس واقعهم الموضوعي. كما يدل استعراض التاريخ الاجتماعي أنه مع تغير الوجود الاجتماعي للناس يتغير أيضاً وعيهم الاجتماعي.

فيما يؤكد تشارلز كولى أن الوعي الاجتماعي أو الوعي بالمجتمع لا يمكن فصله عن الوعي الذاتي، لأننا بالكاد نستطيع التفكير في أنفسنا إلا بالإحالة إلى جماعة اجتماعية من نوع ما، ولا إلى الجماعة بدون الإشارة إلى أنفسنا، وذا تأملنا الإدراك الواعي لكوننا جزءاً من مجتمع مترابط من الآخرين وجدنا أنَّ هذا التعريف يرقى بالفرد إلى مستوى واضح من الوعي لديه بكونه جزءاً من كلٍّ أكبر، وهو يشمل المستوى الذي يعي فيه الفرد كيفية تأثّرهِ بالآخرين، وكذلك كيف يمكن أن تؤثّر أفعالُهُ في الآخرين، أي أن المجتمع سيكون إزاء التأثير والتأثير المقابل.

ما أفرزته تظاهرات تشرين على صعيد الوعي الاجتماعي، يمكن أن نتلمّسه في عدة مؤشرات منها ما نلحظهُ بصورة لافتة عند الشباب من وعي، حتى يمكننا القول أن هذه الأشهر القليلة (3 أشهر)، التي بدأت فيها المظاهرات وما زالت مستمرة، أظهرت طرازا شبابيا جديدا في روحه وتفكيره وإصراره أيضا، كما أننا لا يمكن أن نصف هذا الوعي بالآني أو التقليدي، بمعنى أن شبابنا كانوا لا يمتلكون هذا النوع من الوعي، نعم هناك وعي تراكمي لديهم، لكنه كان حياديا أو محبطاً، أما ما نراه اليوم فهو تفكير جديد يستحق الفخر.

ما هي الأدلة التي يمكن أن تساعدنا على رصد وتفسير الوعي الاجتماعي المتطور عند الشباب؟، سؤال لابد من الإجابة عنه بشيء من التفصيل، حتى يكون بمقدورنا إسناد رأينا الذي ذهبنا فيه إلى حصول وعي اجتماعي شبابي مختلف، حتى أننا يمكن أن نعدّ هذه الوعي تجديد للقيم الجيدة التي أسهمت المظاهرات في نشرها بين الشباب، وتبنّيهم لها أثناء حراكهم المستمر.

مؤشرات الوعي الشبابي المتميز

ومن هذه الأدلة ما يلي:

– بزوغ نوع جديد من الإيثار وتفضيل الآخر على النفس، يتضح هذا مثلا، فيما أبداه الشباب من أصحاب عجلة التكتك الصغيرة، حين تخلّوا عن أرزاقهم اليومية، وقدموا أشكالا مختلفة من الدعم، ما يثبت بزوغ قيمة التضحية ونكران الذات والعمل الجمعي التعاوني.

– وفي السياق نفسه، اندفاع الشباب وغيرهم من المتظاهرين بتوفير الاحتياجات الأساسية للمتظاهرين، كالطعام والشراب، وكل الخدمات التي من شأنها تقديم العون لمواصلة الضغط على الحكومة، والسلطة التشريعية كي تقوم بتحقيق المطالب المشروعة لهم.

– كسر حاجز الخوف عند المجتمع ككل، والتضحية بأغلى ما يملكه الإنسان وهي روحه، وهذا تثبته أرواح الشهداء الشباب (بعمر الورود) التي أزهقت جوراً وبهتانا، ومع ذلك لا يزال هؤلاء الشباب يصرون على تقديم المزيد، وهو ما دفع السلطات للتعامل مع المطالب بجديّة.

– ظهور طاقات ومواهب شبابية أضفت على عدد كبير من الأنفاق في العاصمة والمحافظات جمالية من طراز مختلف، كالرسوم والخط والنحت والزخرفة ونشر أشكالا مختلفة من الفنون الجمالية، ليؤكد الشباب مواهبهم، واستعدادهم للعطاء الجمعي وهي قيمة اجتماعية من شأنها أن تسهم بقوة في تقدم المجتمع العراقي إلى أمام.

– التحلي بالجانب الأخلاقي على الوجه الأمثل، وهو ما يشكل نسبة كبيرة بين الشباب، مع وجود بعض الحالات الشاذة التي لا يمكن أن تُحسَب على الوعي الشبابي الجمعي.

– التمسك بسلمية المظاهرات، وهو ما أكده الشباب في جميع ساحات التظاهر، ما يدل على وعي اجتماعي ينعكس على المجتمع كلّه، وهو ما أدى إلى مشاركة جميع الشرائح الاجتماعية في المظاهرات، لنصل إلى تعزيز قيمة التعاون والتشارك الاجتماعي الجمعي.

– الشباب من الطلبة تميزوا أيضا بوعيهم الجديد من خلال إصرارهم على مطالبهم التي تجاوزت السقف المطلبي الخدمي إلى سعي حثيث لتصحيح مسار العمل السياسي في العراق.

ومن مجموع ما قدّمه الشباب في إطار الوعي الاجتماعي، يمكن أن نرى بوضوح قيم أخلاقية اجتماعي تمّ تعزيزها بقوة في هذا الحراك الذي كان ولا يزال للشباب قصبة السبق في انطلاقته واستمراره بزخم متواصل، سوف يضاعف من الوعي الاجتماعي لدى المجتمع ككل.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/annabaaarticles/21699

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M