العلاقات الأمريكية الصينية.. تحقيق الاستقرار في إدارة التنافس

اتفقت الصين والولايات المتحدة على تحقيق الاستقرار في تنافسهما المحتدم حتى لا يتحول إلى صراع لكنهما أخفقتا في التوصل لأي انفراجة كبيرة.

لكنهما يؤكدان على أهمية الدبلوماسية والحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة بشأن كل القضايا للحد من مخاطر سوء الفهم وسوء التقدير، مع الحاجة إلى عكس الانحدار في العلاقات الصينية الأمريكية، وتعزيز العودة إلى المسار الصحي والمستقر، وإيجاد الطريق الصحيح لتتعايش الصين والولايات المتحدة معا في العصر الجديد.

الولايات المتحدة كما يقول وزير خارجيتها ستواصل استخدام الدبلوماسية لإثارة مجالات الاهتمام والدفاع عن مصالح وقيم الشعب الأمريكي، لكن نظيره الصيني يطالبه بالتوقف عن الترويج لما يسمى بـ نظرية التهديد الصيني.

ومع هذا السجال يستمر التنافس في اللعب على أوتار الحلفاء والاعداء، حيث يتوجّه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة في زيارة يخاطب خلالها الكونغرس ويلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن لمناقشة العلاقات في مجالَي الدفاع والتكنولوجيا، في محاولة لمواجهة العملاق الصيني. حيث تسعى واشنطن إلى تعزيز علاقاتها مع حليف إقليمي محتمل لمواجهة تزايد النفوذ الصيني.

في الطرف المقابل يستقبل المستشار الألماني أولاف شولتس رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ لمحادثات دقيقة في وقت تراجع فيه ألمانيا سياستها حيال الصين من دون أن تقطع علاقاتها مع شريكها التجاري الأول، ففي خضم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، تعد ألمانيا محاورًا مميزًا لبكين.

على الطريق الصحيح

من جهته عبر الرئيس الأمريكي جو بايدن عن اعتقاده بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تمضي في “الطريق الصحيح”، وأشار إلى أن زيارة نادرة قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الصين أحرزت تقدما.

وقال بايدن في تعليقه على العلاقات الأمريكية الصينية “نحن على الطريق الصحيح”. وردا على سؤال من الصحفيين إن كان يشعر بإحراز تقدم، قال “بلى”.

كما أشاد ببلينكن وقال إنه “قام بعمل رائع”.

من جهته أكّد الرئيس الصيني شي جينبينغ إثر لقائه في بكين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ البلدين أحرزا تقدّماً” على صعيد تحسين علاقاتهما الثنائية وتوصّلا إلى “أرضيّات تفاهم”، لكن من دون أن يحلاّ أيّاً من الخلافات الجذرية بينهما.

والتقى بلينكن شي في ختام زيارة استمرت يومين لبكين. وهو أعلى مسؤول أميركي يزور الصين منذ خمسة أعوام تقريبًا، في ظلّ توتر شديد في العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.

والتقى شي وبلينكن في قاعة الشعب الكبرى في بكين وقد استمر اللقاء نصف ساعة.

وقال شي لبلينكن إنّ “الجانب الصيني أوضح موقفنا واتفق الجانبان على متابعة التفاهمات المشتركة التي توصلت إليها أنا والرئيس بايدن في بالي”.

وأضاف شي بحسب مشاهد بثّتها القناة الصينية التلفزيونية الرسمية إنّ “الطرفين أحرزا تقدّماً وتوصّلا إلى أرضيّات تفاهم حول نقاط محدّدة”، معتبراً هذا الأمر “جيّداً”.

وبعد المحادثات قال بلينكن “في كلّ اجتماع، شدّدتُ على أنّ المشاركة المباشرة والتواصل المستمر على المستويات العليا هما أفضل طريقة لإدارة الخلافات بمسؤولية وضمان عدم تحول المنافسة إلى صراع”.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي “لقد سمعت نفس الشيء من نظرائي الصينيين. كلانا متّفق على الحاجة إلى استقرار علاقاتنا”.

لكنّ بلينكن أكّد “وضوح رؤيته” بشأن الصين التي تدهورت علاقاتها مع الولايات المتحدة بشدة في السنوات الأخيرة، وأضاف “ليست لدينا أوهام بشأن تحديات إدارة هذه العلاقة. هناك الكثير من القضايا التي نختلف بشأنها بشدة”.

وفي رفض منه لانتقادات وجّهتها الصين، أصر بلينكن أن الرئيس جو بايدن لا يسعى إلى “تقويض” اقتصاد الصين عبر حظر واشنطن الشامل لصادرات أشباه الموصلات.

وقال “نرغب برؤية النمو ونرغب برؤية النجاح في كل جزء من العالم بما في ذلك بالتأكيد الاقتصادات الكبرى مثل الصين لكن في ذات الوقت، ليس من مصلحتنا تزويد الصين تكنولوجيا قد يتم استخدامها ضدنا”.

وبحسب بلينكن فإنه “في الوقت الذي تنخرط فيه ببناء برنامج أسلحتها النووي بطريقة غامضة للغاية وعندما تقوم بانتاج صواريخ تفوق سرعة الصوت، وعندما تقوم باستخدام التكنولوجيا لأهداف قمعية، كيف سيكون من مصلحتنا توفير هذه التقنيات المحددة إلى الصين”.

تعاون أو خلاف

وخلال زيارته التي استمرت يومين أجرى بلينكن محادثات مع مسؤولين صينيين زادت مدّتها مجتمعة عن عشر ساعات.

وفي دار ضيافة في حدائق دياويوتاي القديمة، أكّد كبير مسؤولي الشؤون الخارجية الصيني وانغ يي لبلينكن ضرورة اختيار بكين وواشنطن بين “التعاون أو الخلاف”.

وبعيدًا من الكاميرات، قال وانغ لبلينكن، بحسب تلفزيون “سي سي تي في” الرسمي، إن زيارته “لبكين هذه المرة تأتي عند منعطف دقيق في العلاقات الصينية الأميركية”.

وتابع “علينا عكس مسار دوامة التدهور في العلاقات الصينية الأميركية والضغط من أجل العودة إلى مسار سليم ومستقر والعمل معًا لإيجاد طريقة صحيحة لتنسجم الصين والولايات المتحدة”.

وقبل اجتماعهما، ابتسم الرجلان أمام الكاميرا وتبادلا النكات، ثم بدأ الاجتماع بحضور مساعديهما الذين وضعوا كمامة، على عكس بلينكن ووانغ، التزامًا ببروتوكولات الحماية من كوفيد-19.

وأعلن البلدان أن وزير الخارجية تشين غانغ وافق على زيارة واشنطن في وقت لاحق.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن بلينكن شدّد على “أهمية الدبلوماسية والحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة بشأن كل القضايا للحد من مخاطر سوء الفهم وسوء التقدير”، واصفا المحادثات بأنها كانت “صريحة وجوهرية وبنّاءة”.

وأسف وزير الخارجية الصيني من جهته أمام نظيره الأميركي لكون العلاقات بين بكين وواشنطن “في أدنى مستوى” لها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1979، على ما جاء في محضر الاجتماع الذي نشرته الدبلوماسية الصينية.

وأضاف “إن ذلك لا يتماشى مع المصالح الأساسية للشعبين، ولا يلبي التوقعات المشتركة للمجتمع الدولي”.

تايوان قلب الصين

وفي ملف تايوان، جدّد بلينكن التأكيد على أن بلاده لا تدعم حصول تايوان على استقلالها متمسكا بموقف واشنطن بالحفاظ على الوضع القائم هناك.

لكنّه قال “لدينا وغيرنا مخاوف عميقة بشأن بعض الاجراءات الاستفزازية التي اتخذتها الصين في السنوات الأخيرة منذ عام 2016”.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن اللقاء تجاوز المحادثات الاعتيادية حتى في ما يتعلق بتايوان. وأضاف “كانت محادثة فعلية”.

وأصدر تشين خلال المحادثات التي جرت في حدائق دياويوتاى القديمة تحذيرا بشأن تايوان التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها ستسترده وبالقوة إن لزم الأمر.

في هذا الصدد، قال تشين إن “قضية تايوان هي في قلب المصالح الجوهرية للصين، وهي أهم قضية في العلاقات الصينية-الأميركية والتهديد الأبرز” لها، بحسب التلفزيون الرسمي.

وأكّد أعلى مسؤول في الدبلوماسية الصينية أن بلاده لن تقدم “أي تنازلات” بشأن تايوان، قائلًا “على هذا الصعيد لا مجال للصين للتسوية أو التنازل”.

وأضاف “يجب على الولايات المتحدة أن تحترم فعلا مبدأ الصين واحدة واحترام سيادة الصين وسلامة أراضيها”.

وتطرّق بلينكن أيضاً إلى مسألة إقليمية اخرى وطلب من الصين الضغط على حليفتها كوريا الشمالية التي قامت مؤخرا بإطلاق سلسلة من الصواريخ.

وأكد الوزير الاميركي أنّ “كل أعضاء المجتمع الدولي لديهم مصلحة في تشجيع جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية على التصرف بمسؤولية ووقف إطلاق الصواريخ”.

وتابع “الصين في وضع فريد للضغط على بيونغ يانغ للدخول في حوار وإنهاء سلوكها الخطير”.

إلى ذلك أعرب بلينكن عن قلقه للمسؤولين الصينيين بشأن شينجيانغ والتيبت وهونغ كونغ.

التجسس الصيني

وخلال مقابلة مع شبكة CBS الأمريكية، ذكر بلينكن أن “هناك مفاوضات جارية لمحاولة إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين”، وأضاف أنه “تحدث بإسهاب” مع المسؤولين الصينيين حول قضايا هولاء الأمريكيين، ولم يقدم أي تفاصيل أخرى حول المفاوضات.

وهناك ما لا يقل عن 3 أمريكيين اعتبرتهم وزارة الخارجية الأمريكية محتجزين ظلما في الصين، وهم: كاي لي، ومارك سويدان، وديفيد لين.

ورد بلينكن، خلال المقابلة، على سؤال عما إذا كان قد أثار موضوع القاعدة الصينية، بقوله: “لقد فعلت ذلك”، وأضاف: “لن أصف ردهم، لكني أخبرتهم أن هذه القضية مصدر قلق كبير لنا”.

وكانت شبكة CNN ذكرت في الأسابيع الأخيرة أن الصين تدير منشآت عسكرية واستخباراتية في كوبا منذ عام 2019، على الأقل، وتواصل توسيع قدراتها في جمع المعلومات الاستخبارية بجميع أنحاء العالم.

وصرح وزير الخارجية الأمريكي، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي قبل رحلته إلى بكين: “عندما تولت هذه الإدارة مهامها في يناير/ كانون الثاني 2021 ، تم إطلاعنا على عدد من الجهود الحساسة التي تبذلها بكين في جميع أنحاء العالم لتوسيع لوجستياتها الخارجية، وقواعدها، والبنية التحتية لتجميع المعلومات، للسماح لها بإبراز القوة العسكرية”.

وأضاف: “كان تقييمنا أنه على الرغم من الوعي بجهود القاعدة وبعض المحاولات لمواجهة التحدي في الإدارة السابقة، لم نحرز تقدما كافيا بشأن هذه المسألة وكنا بحاجة إلى نهج أكثر مباشرة، وهذا بالضبط ما أوعز به الرئيس (جو) بايدن بوجوب القيام به لمواجهة التحدي”.

وتابع: “لقد أشركنا الحكومات التي تفكر في استضافة قواعد الصين، وتبادلنا المعلومات معهم، ويقدر خبراؤنا أن جهودنا الدبلوماسية قد أبطأت الجهود الصينية التي نراقبها بعناية شديدة”.

لابديل عن الدبلوماسية

وشدد وانغ، وهو كبير مستشاري السياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ، أن الانحدار في مستوى العلاقات بين البلدين يعود إلى تصور واشنطن “الخاطئ للصين”، ما أدى إلى اتباع “سياسة خاطئة تجاهها”.

وحث وانغ الولايات المتحدة على التوقف عن الترويج لما يسمى بـ “نظرية التهديد الصيني”، وطالب واشنطن بوقف حملتها التكنولوجية على بكين ورفع العقوبات أحادية الجانب ضد الصين.

وقال وانغ: “نحن بحاجة إلى عكس الانحدار في العلاقات الصينية الأمريكية، وتعزيز العودة إلى المسار الصحي والمستقر، وإيجاد الطريق الصحيح لتتعايش الصين والولايات المتحدة معا في العصر الجديد”.

كما أكد بلينكن أن الولايات المتحدة “ستواصل استخدام الدبلوماسية لإثارة مجالات الاهتمام والدفاع عن مصالح وقيم الشعب الأمريكي”.

دور صانع السلام

بينما سعت بكين إلى لعب دور صانع السلام بين موسكو وكييف، قُوبلت رسائل الصين بشكوك كبيرة من قبل المسؤولين الأمريكيين والقادة الغربيين الآخرين.

أصدرت الصين ورقة غامضة الصياغة حول “تسوية سياسية” للصراع، لكنها تعرضت لانتقادات لعدم دعوتها روسيا لسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية، كما فعلت كييف وأكثر من 100 حكومة حول العالم.

وأثار مسؤولون غربيون مخاوف في وقت سابق من هذا العام من أن الصين قد تدرس تقديم مساعدة عسكرية قاتلة لروسيا، وهو اتهام نفته بكين.

في أبريل/ نيسان، قال مسؤولون كبار بوزارة الخزانة الأمريكية إنهم لم يروا دليلاً على أن الصين تقدم مساعدة مكثفة لروسيا في حربها في أوكرانيا، لكن المسؤولين لا يزالون حذرون مع توطيد العلاقات بين البلدين.

وبحث الوزير الأميركي والرئيس الصيني في الغزو الروسي لأوكرانيا، وأكّد بلينكن أن الصين جدّدت تعهّدها عدم تزويد روسيا أسلحة فتّاكة.

وقال “نحن ودول أخرى- تلقّينا ضمانات من الصين أنّها لا تقوم ولن تقوم بتزويد مساعدة فتّاكة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا”.

وتابع “لم نر أيّ دليل يتعارض مع ذلك. ما لدينا مخاوف مستمرة بشأنه هو الشركات الصينية التي قد تقوم بتوفير التكنولوجيا التي يمكن لروسيا استخدامها لتعزيز عدوانها في اوكرانيا”.

طي صفحة المواجهة

كان من المقرر أن تجري الزيارة في شباط/فبراير لكن بلينكن ألغاها فجأة بعدما احتجت الولايات المتحدة على ما قالت إنه منطاد تجسس صيني حلّق فوق أراضيها وقامت بإسقاطه.

وقلل الرئيس الأميركي جو بايدن من أهمية قضية المنطاد بينما كان بلينكن متوجها إلى الصين قائلا “لا أعتقد بأن القيادة كانت على علم بمكانه أو ما كان بداخله أو ما يحصل”.

وأفاد الصحافيين “أعتقد أن الأمر كان محرجا أكثر من كونه متعمّدا”.

وأعرب بايدن عن أمله في لقاء الرئيس شي جينبينغ مجددا بعد اجتماعهما المطوّل والودي إلى حد لافت الذي عقداه في تشرين الثاني/نوفمبر على هامش قمة لمجموعة العشرين استضافتها بالي والذي اتفقا خلاله على زيارة بلينكن.

وقال بايدن “آمل خلال الشهور القليلة المقبلة، أن ألتقي شي مجددا للحديث عن اختلافاتنا المشروعة لكن أيضا عن المجالات التي يمكننا الاتفاق عليها”.

وأفادت الوزيرة الصينية المساعدة في الشؤون الخارجية هوا تشانينغ في تغريدة أنها تأمل أن يساعد اللقاء “في إعادة العلاقات الصينية الأميركية إلى الاتجاه الذي اتفق عليه الرئيسان في بالي”.

يرجّح أن يحضر الرئيسان قمة مجموعة العشرين المقبلة المقررة في أيلول/سبتمبر في نيودلهي، بينما تم توجيه دعوة إلى شي للتوجّه إلى سان فرانسيسكو في تشرين الثاني/نوفمبر عندما تستضيف الولايات المتحدة منتدى التعاون الاقتصادي بين آسيا والهادئ.

شعرت بكين بالانزعاج خصوصا من القيود التي فرضتها إدارة بايدن على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين في ظل تخوّف الولايات المتحدة من استخدامها عسكريا وسعيها لمنع الدولة الشيوعية من الهيمنة في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

وفي ملف يمثّل أهمية متزايدة بالنسبة للولايات المتحدة على الصعيد الداخلي، قال مساعد لبلينكن إنه من المتوقع أن يضغط على الصين لفرض قيود على السلائف الكيميائية التي تُرسل إلى أميركا اللاتينية من أجل إنتاج الفينتانيل، وهو مسكن قوي مسؤول عن مشكلة الإدمان التي تودي بعشرات آلاف الأميركيين سنويا.

كما نددت واشنطن بملف الصين في مجال حقوق الإنسان، علما بأن زيارة بلينكن هي الأولى لمسؤول في الحكومة منذ اتهمت الولايات المتحدة رسميا بكين بإبادة أقلية الأويغور وأغلب أفرادها مسلمون.

علاقات وثيقة مع الحلفاء

وفي إطار اهتمام إدارة بايدن بالمحافظة على العلاقات الوثيقة مع الحلفاء، تحدّث بلينكن هاتفيا مع نظيريه الياباني والكوري الجنوبي خلال رحلته عبر الهادئ التي استغرقت 20 ساعة.

وتوجّه مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان إلى طوكيو لإجراء محادثات منفصلة تشمل اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين.

توصلت الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة إلى اتفاقيات لنشر قوات في جنوب اليابان وشمال الفيليبين وهما قريبتان بشكل استراتيجي من تايوان.

يعد بلينكن أبرز دبلوماسي أميركي يزور بكين بعد سلفه مايك بومبيو الذي زارها في 2018 قبل أن يدافع لاحقا عن مواجهة لا محدودة مع الصين في السنوات الأخيرة من ولاية دونالد ترامب.

وذهبت إدارة بايدن أبعد من ترامب في بعض المجالات، خصوصا في ما يتعلّق بأشباه الموصلات، لكنها بقيت منفتحة على التعاون في مجالات محدودة مثل المناخ.

يشير خبراء إلى أن الصين قادرة على التنبؤ بسهولة أكبر بخطوات بايدن مقارنة بما كانت عليه الحال مع ترامب الذي ترشّح للرئاسة مجددا العام المقبل.

اللعب الأمريكي على أوتار الهند

من جهته يتوجّه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة في زيارة يخاطب خلالها الكونغرس ويلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن لمناقشة العلاقات في مجالَي الدفاع والتكنولوجيا، في محاولة لمواجهة العملاق الصيني.

وسيحضر زعيم أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان مأدبة عشاء رسمي في البيت الأبيض الخميس هي الثالثة فقط لبايدن منذ تنصيبه.

وتأتي هذه الزيارة، التي اعتبرتها نيودلهي فرصة “تاريخية (…) لتوسيع وتعزيز” العلاقات، في وقت تتزايد المخاوف بشأن حقوق الإنسان وتراجع الديموقراطية في ظلّ حكم الزعيم الهندوسي القومي.

لكن واشنطن تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع حليف إقليمي محتمل لمواجهة تزايد النفوذ الصيني.

يتوقع محللون صدور إعلانات بارزة في مجال الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الاستراتيجية، بما في ذلك الإعلان عن صفقة لإنتاج مشترك لمحركات نفاثة.

في زيارة أجراها مطلع هذا الشهر لنيودلهي، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن وضع “خارطة طريق جديدة طموحة للتعاون الصناعي الدفاعي” مع الهند.

وربط محللون هذا الإعلان بإعلان متوقع هذا الأسبوع حول خطة نوقشت منذ فترة طويلة بمليارات الدولارات للإنتاج المشترك للمحركات النفاثة في الهند.

تحاول نيودلهي تخفيف اعتمادها على المعدات العسكرية الروسية من خلال تنويع وارداتها ودعم إنتاجها المحلي.

وتحاول عدة دول التقرب من مودي، فيما تأمل واشنطن أن تساعد عروضها في التكنولوجيا والإنتاج المشترك في ضمان تأمين سوق رئيسية.

وقال مدير الفرع الهندي في شركة “مجموعة آسيا” للاستشارات آشوك مالك إن العلاقات الأميركية الهندية تحددها “البراغماتية والتوافق العميق على المستوى الحكومي” مع روابط اقتصادية وتجارية “قوية جدًا”.

وأضاف مالك لوكالة فرانس برس أن الهند مهمة “كقوة متنامية” في المنطقة “حيث يزداد حزم الصين بشكل غير عادي”.

وتوترت العلاقات بين الهند والصين منذ اشتباك حدودي في جبال الهيمالايا في حزيران/يونيو 2020 قتل فيه 20 جنديا هنديا وأربعة جنود صينيين على الأقل.

تسعى الهند مذاك إلى إقامة علاقات وثيقة مع الدول الغربية وخصوصًا أعضاء التحالف الرباعي الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا.

تُعدّ الهند، بسوقها الضخمة وإمكانياتها كبديل لسلاسل التوريد المعتمدة على الصين، جذابة لواشنطن، لكن علاقاتها مع موسكو تشكّل مصدر إزعاج لواشنطن.

لم تدن نيودلهي الغزو الروسي لأوكرانيا وزادت وارداتها النفطية من روسيا.

ورأى دونالد كامب من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن رغم دفع واشنطن الهند نحو “اتخاذ مزيد من التدابير” حيال روسيا، “لا يبدو أن العلاقة مع موسكو قد شكّلت عائقًا كبيرًا في تطور العلاقات (الأميركية الهندية) خلال العام الماضي”.

وسيلتقي مودي أيضًا وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي زار بكين وكان بلينكن أعلى مسؤول أميركي يزور الصين منذ خمسة أعوام تقريبًا.

وسيبدأ مودي جولته الأميركية الأربعاء بعرض اليوغا في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وسيلتقي رؤساء كبرى الشركات الأميركية لتقديم عرض استثماري جديد قبل الانتخابات الوطنية الهندية العام المقبل.

وتوقع رئيس معهد “ذا أوبزرفر فاونديشن” في نيودلهي سمير ساران تعزيز العلاقات بين البلدين خلال القمة بين بايدن ومودي “على الرغم من الشخصيتين المتناقضتين للزعيمَين”.

وقال ساران لوكالة فرانس برس إن المبادرة حول التكنولوجيا الناشئة التي أعلنتها واشنطن ونيودلهي العام الماضي “لديها القدرة على تحديد ملامح المشهدين الجيوسياسي والتكنولوجي لهذا القرن”.

ولفت إلى أنه يتوقع “أن تتعاون الديموقراطيتان في ضمان البنية التحتية التكنولوجية العالمية ووضع معايير للحوكمة ومكافحة الاستبداد التكنولوجي” في مجالات مثل الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي والروبوتات.

الصين واللعب على أوتار المانيا

يستقبل المستشار الألماني أولاف شولتس الثلاثاء رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ لمحادثات دقيقة في وقت تراجع فيه ألمانيا سياستها حيال الصين من دون أن تقطع علاقاتها مع شريكها التجاري الأول.

واختار المسؤول الصيني، الذي عُيّن رئيسًا للوزراء في آذار/مارس، ألمانيا كوجهة لزيارته الرسمية الأولى في الخارج، والتي بدأت الاثنين بلقاء مع الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير.

شدّد الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير اللهجة خلال محادثاته مع المسؤول الصيني، إذ أكّد أنّ التعاون بين البلدين “يظلّ مهمًا ولكنّه تغيّر في السنوات الأخيرة”.

ويدير المستشار الألماني أولاف شولتس محادثات حكومية صينية ألمانية، بمشاركة أبرز الوزراء المسؤولين عن التعاون بين البلدين.

وأكد مدير المعهد الدولي للسياسات العامة ثورستن بينر أنّ “الصين تعتبر أنّ ألمانيا هي الطرف الأهمّ في أوروبا ومع استمرار العلاقات مع الولايات المتحدة بالتدهور من مصلحة بكين أن تظهر أنها تقيم علاقات بنّاءة مع أكبر لاعب في أوروبا”.

وأضاف بينر “يبقى السؤال في معرفة ما إذا كان الألمان سيستمرون في اللعبة مدّعين أنّ ثمة توافقاً واسعاً مع بكين” أم أنهم “سيختارون طريقا جديدا ويتحدثون صراحة، على أن يقتصر الاعلان النهائي على المجالات التي ثمة سبيل فعلي فيها للتعاون”.

وتأخذ هذه المحادثات الثنائية، التي كانت شبه روتينية في عهد أنغيلا ميركل حتى نهاية العام 2021، بعدًا جديدًا، إذ يسعى شولتس إلى الابتعاد عن النهج البراغماتي للمستشارة السابقة والذي كان يتركّز بشكل أساسي على التجارة.

على المستوى الاقتصادي، تعتمد برلين على تنويع شركائها “لتقليل المخاطر” المرتبطة باعتمادها المفرط على العملاق الآسيوي في القطاعات الاستراتيجية.

على المستوى الدبلوماسي، ساهمت التهديدات الصينية لتايوان والاتهامات الموجهة لبكين باضطهاد أقلية الأويغور وعدم إدانة الرئيس شي جينبينغ للغزو الروسي لأوكرانيا، في تعميق الهوّة بين برلين وبكين.

وفي دليل على ذلك، نشرت برلين في 14 حزيران/يونيو وثيقة تصف الصين على أنها “قوة معادية”.

وجاء في وثيقة “استراتيجية الأمن الوطني” أنّ الصين رغم كونها “شريكاً” لألمانيا تتصرف بطريقة “تتعارض مع مصالحنا وقيمنا”.

لكنها تؤكد أيضًا على الحاجة إلى الاستمرار في التعامل مع الصين على أنها “شريك” وجعلها تتعاون في القضايا الدولية مثل مكافحة تغير المناخ.

وحذّر الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين من أنّ “بناء العلاقات الدولية باعتبار الآخرين منافسين لا بل خصوماً، وتحويل التعاون الطبيعي على صعيد المسائل الأمنية أو السياسية، سيدفع عالمنا إلى دوامة الانقسام والمواجهة”.

وخلال لقائه مع الرئيس الألماني، أكّد رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ أن بلاده مستعدة للعمل مع ألمانيا للمساهمة في “الاستقرار والازدهار العالميين”.

وأكّد وزير الخارجية الصيني تشين غانغ خلال محادثة هاتفية مع نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك على أن التنمية في الصين هي فرصة وليست تحديًا أو تهديدًا لألمانيا، حسبما ذكرت وكالة شينخوا.

في خضم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، تعد ألمانيا محاورًا مميزًا لبكين، خصوصًا في وقت تعاني فيه محركات النمو في البلاد لاستعادة الزخم بعد جائحة كوفيد-19.

وقال الخبير الاقتصادي في معهد ميركاتور للدراسات الصينية في برلين غريغور سيباستيان “قد تسعى الصين إلى الحصول على دعم برلين لمحاولة الحفاظ على االتبادل الحر بين الصين والاتحاد الأوروبي”.

من جهته، رأى ميكو هوتاري، وهو باحث آخر في المعهد نفسه، أن “بكين تريد أن تُظهر أن الحوار مع أحد شركائها التجاريين الرئيسيين مستمر”.

وتواصل كبرى الشركات الصناعية الألمانية، مثل شركتَي “سيمنز” و”باسف” وشركات تصنيع السيارات، الاستثمار بكثافة في السوق الصينية الحيوية جدًا لنشاطها الاقتصادي.

ورأت صحيفة “دير شبيغل” الأسبوعية أنه “من شبه المستحيل ايجاد الطريقة المثلى للتعامل مع الصين”، في ظلّ تراكم التوتر على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية والحقوقية.

لكنها شددت على “ضرورة الحفاظ على علاقة ثقة مع بكين”.

وأضافت “إن إدارة هذا التوازن يشكل تحديًا حقيقيًا، ليس فقط خلال مفاوضات الثلاثاء بل أيضًا في السنوات والعقود المقبلة”.

ولي تشيانغ الذي عُيّن رئيساً للوزراء في آذار/مارس سينتقل بعد ذلك إلى فرنسا حيث سيشارك في القمّة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد يهدف إلى إصلاح هيكلية المالية العالمية للاستجابة بشكل أفضل لتحديات الاحترار المناخي.

ويأتي الحوار مع باريس وبرلين في وقت تشهد فيه العلاقات بين بكين وواشنطن توترا كبيرا.

لكن بالنسبة لبرلين، فإنّ العلاقات بين الصين والولايات المتّحدة لها “أهمية خاصة للأمن والتعاون العالميين”.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/35448

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M