د. سحر حربي عبدالأمير
يجب أن يكون اختيار نظام الحكم في أيِّ دولة نتاجاً طبيعياً لحركة المجتمع ومواكباً لمتطلباته ومتدرِّجاً مع تاريخه، وإلَّا لن تكون هناك فرص كبرى لنجاحه. وذلك لأسباب عدة، من أهم هذه الأسباب أنَّ الدولة نفسها هي نتاج لتطوُّر المجتمع بمختلف زواياه الاقتصادية والثقافية والسياسية .
وحينما نقوم بدراسة الدول التي اتخذت من الفدرالية نظاماً لها، ونجحت في تحقيق الاستقرار والتقدُّم عن طريقه، نصل إلى نتيجة مفادها، ميزة مجتمعات هذه الدول بأنَّها إمَّا ذات أعداد سكانية كبيرة وتنوُّع هائل مثل الولايات المتحدة بعدد سكانها الذي يتجاوز (305.826.000) نسمة، يتوزَّعون على أكثر من (3000) مجموعة إثنية، والهند التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار و (169) مليون نسمة، وتضم أكثر من ثمانية أديان و(400) لغة و(1500) لهجة محلية، وروسيا البالغ عدد سكانها (142.499.000) نسمة، إذ يشكِّل المواطنون من ذوي الأُصول الروسية 79.8% من سكَّان البلاد، وينتمي الباقون إلى (160) مجموعة عرقية مختلفة، تتحدَّث (100) لغة، أو تكون ذات طبيعة جغرافية صعبة مثل سويسرا التي تتشكَّل أراضيها من الجبال تشكُّلاً أساسياً، وفيها عديد من البحيرات والغابات ممَّا يجعل السكَّان مجتمعين في مناطق متباعدة أو أن تكون مجزَّأة جغرافياً مثل ماليزيا المقسِّمة أراضيها على جزئين شرقي وغربي, إذ يبعد جزؤها الشرقي عن الجزء الغربي حوالي (1000 كم) من مياه بحر الصين الجنوبي، أو تمتد مساحات أراضيها امتداداً كبيراً مثل روسيا، إذ تبلغ مساحتها (17.754.00كم مربع)، والهند (3.287.263 كم مربع)، والولايات المتحدة الأمريكية (9.363.520 كلم مربع)، وإثيوبيا (1.104.300 كم مربع). أو أنَّها لم تكن موجودة أصلاً وشُكِّلت من اتحاد كيانات مستقلة كما هو حال تنزانيا التي تشكَّلت من اتحاد جمهورية تنجانيقا وجمهورية زنجبار. وكندا التي تشكَّلت من اتحاد مجموعة مستعمرات في القارة الأمريكية. ممَّا يعني أخذ جميع الدول بالنظام الفدرالي ونجحت فيه. إذ تتصف بواحد أو أكثر من الأسباب التي ذكرناها، وتستوجب الأخذ بالفدرالية وهي: الواقع الجغرافي المقسَّم أو الواسع، والأعداد السكانية الكبيرة، والتنوُّع الشديد، واتحاد كيانات سياسية مستقلة، وحتى هذه الدول لا تخلو من أزمات و مشاكل تهدِّد وحدة الدولة.
ولقد بذل عدد من الباحثين العراقيين وغير العراقيين جهوداً لتبرير الأخذ بالنظام الفدرالي في العراق، مستعينون بحججٍ ودوافعٍ سقطت بالضربة القاضية أمام الضربات القوية التي وجهتها لها أزمات العراق المتتالية منذ الأخذ بالفدرالية إلى اليوم.
تتركَّز معظم هذه الحجج والدوافع على التنوُّع الإثني للعراق، ولذلك سنبحث في تركيبة المجتمع العراقي لنعرف على هذا التنوع الإثني، وأدعت الأخذ بالنظام الفدرالي للحكم بعد 2003م أم لا.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: