المخاطر الاقتصادية على منصة دافوس العالمية

أسماء رفعت

 

بعنوان “التعاون في عالم مجزأ”، ينعقد المنتدى الاقتصادي العالمي، في ظل ساحة عالمية مضطربة ومليئة بالمخاطر الاقتصادية، والتي ترتبت على تتابع الأزمات العالمية، من جائحة كورونا إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقد خلفت هذه الأزمات عددًا من الاضطرابات في سلاسل الإمداد، والمستوى العام للأسعار، ومستويات الديون، فضلًا عن أزمات الأمن الغذائي والطاقة. وكل تلك الأزمات والاضطراب الاقتصادية حاضرة على أجندة المؤتمر، بجانب المخاطر البيئية والاجتماعية والجيوسياسية والاجتماعية والتكنولوجية. وعلى الرغم من أهمية تناول المخاطر من المنظور الاقتصادي، فإنه من الجدير الإشارة إلى تشابك كافة أشكال المخاطر مع بعضها البعض، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدًا.

Chart, radar chart, bubble chart

Description automatically generated

ووفقًا لتقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي لعام 2023، فإن العام الجاري يشهد وجود عدد من المخاطر التقليدية المتعارف عليها من بينها: ارتفاع معدل التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة، والحروب التجارية، وتدفق رؤوس الأموال خارج الأسواق الناشئة، فضلًا عن ارتفاع البطالة والاضطرابات الاجتماعية والمخاطر الجيوسياسية، ومخاطر الحرب النووية. ومن جهة أخرى، فهناك عدد آخر من المخاطر التي تتسم بكونها جديدة نسبيًا، منها: ارتفاع مستويات الديون، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع الاستثمار العالمي، وتقييد ممارسات العولمة، وتراجع معدلات التنمية البشرية، وتحديات الأمن السيبراني، والضغوطات المتزايدة لظاهرة التغيرات المناخية.

ويمكن تقسيم تلك المخاطر وفقًا لدرجة شدتها في الآجال الزمنية المختلفة؛ وبصفة عامة فان المخاطر البيئية والاجتماعية هي الأشد خطورة في كلا الأجلين، وإن كانت مدفوعة بالاضطرابات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية في الأجل القصير. وتأتي مخاطر ارتفاع تكلفة المعيشة في المرتبة الأولى للمخاطر في الأجل القصير، بما يقدر بنحو عامين، بينما تحتل المخاطر البيئية المراكز الأربعة الأولى في المدى الطويل، والذي يقدر بنحو 10 سنوات.

العلاقات التشابكية للمخاطر الاقتصادية

أدت الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا إلى ارتفاعات غير مسبوقة في مستوى التضخم المدفوع بجانب العرض، وواجهت السياسات النقدية ذلك من خلال تبني سياسات انكماشية برفع أسعار الفائدة بالبنوك المركزية الرئيسة وتبعها معظم البنوك المركزية في كافة الانحاء، فترتب على ذلك الدخول في حقبة منخفضة النمو والاستثمار. ومع انخفاض القيم الحقيقية للدخول ومدخرات الأفراد، تتراجع مستويات الطلب؛ لتنذر باقتراب مخاطر الركود التضخمي الذي بات وشيك الحدوث.

وفي مقابل السياسات النقدية الانكماشية، جاءت السياسات المالية أكثر تيسيرًا من خلال تقديم حزم الحماية الاجتماعية بما يعوق التراجع في الاستثمار الخاص، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات الديون السيادية، لا سيما في ظل ارتفاع مستويات الفائدة وتراجع قيم العملات المحلية. ومن ثم ينتهي مجمل الأثر إلى تضخم مصحوب بركود.

وتنعكس تلك المخاطر على الجوانب الاجتماعية؛ إذ تعاني من تبعات تلك الآثار الاقتصادية الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع والدول الهشة، فترتفع معدلات الفقر والجوع، وينعكس ذلك على الأوضاع السياسية من خلال انتشار الاحتجاجات العنيفة وعدم الاستقرار السياسي، والذي قد يصل إلى حد انهيار الدولة وتنامي ظاهرة الإرهاب. ومن ثم فإن مجمل تلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا بد من أن يدفع الحكومات إلى تبني مسار توازني يجمع بين حماية المواطنين من ارتفاع تكاليف المعيشة مع مواجهة مخاطر ارتفاع الديون السيادية.

ومن جهة أخرى، فخلال السنوات القادمة سوف يلاحظ ارتفاع أهمية الجغرافيا السياسية في مقابل الاقتصاد، خاصة في قارة آسيا والمحيط الهادئ؛ إذ تدفع المخاطر الاقتصادية كل دولة على حدة إلى الحفاظ على مصالحها الوطنية وحماية اقتصادها من المنافسة في سياق دفاعي يقوم على عدم الثقة والفصل المتزايد بين القوى العالمية، بعد أن تنكشف المخاطر ونقاط الضعف الناتجة عن الترابط التجاري والمالي والتكنولوجي بين الاقتصادات المتكاملة عالميًا، ليسود عصر جديد من الحروب الاقتصادية، يتزايد خلاله تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، فترتفع مستويات الإنتاج غير المستدامة مع ارتفاع مستويات الأسعار.

ومن المتوقع أيضًا خلال السنوات القادمة استمرار ارتفاع الإنفاق العسكري، وزيادة الاستثمار في التقنيات الحديثة، مع تبني سياسات أكثر تدميرًا مما نشهده في الوقت الحالي، لتزداد حدة الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية؛ الأمر الذي يتطلب سرعة تبني سياسات الحد من التسليح عبر الوطنية، وتوجيه التكنولوجيا الحديثة لحماية المخاطر العالمية مثل التهديدات المناخية.

وفيما يتعلق بقطاع التكنولوجيا، فمن المتوقع تنامي ذلك القطاع بوتيرة متسارعة، خاصة بالنسبة للدول التي تستطيع تحمل تكاليف البحث والتطوير، الأمر الذي يسهم في تطوير السياسات الصناعية، ويواجه أزمات قطاع الصحة، ومخاطر الأمن الغذائي، وتهديدات ظاهرة المناخ. إلا إنه من جهة أخرى، سوف يبرز ذلك التطور مظاهر الاختلاف وعدم المساواة بين الدول، بالإضافة إلى تهديدات ومخاطر الأمن السيبراني. ومع وجود بعض الفئات التي تعاني من البطالة والفقر، سوف تنتشر الجرائم الإلكترونية وتزدادا مخاطرها في ظل دخول التكنولوجيا في كافة المجالات.

وعلى الرغم من تعدد الأزمات والمخاطر وتشابكها، إلا أن الدورة الحالية للمنتدى الاقتصادي العالمي تفتح نافذة للتفاؤل بمستقبل أفضل؛ حال تكاتف كافة الدول وحشد القدرات الجماعية لمواجهة كافة التحديات بقدر من المرونة لصياغة مستقبل عالمي أكثر إيجابية واستقرارًا وشمولًا لكافة الدول على اختلاف قدراتها. وعلى قدر أهمية تحقيق تلك الطموحات فإن شرط تحقيقها لا يزال قيد الشك وعدم اليقين.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75063/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M