واقع ومستقبل الأمن داخل دول البلقان

إن من إحدى القضايا الرئيسية التي تواجه دول غرب البلقان هي أمنها والتهديدات المستمرة التي يشكلها هذا الأمن. وتعد أحد الأهداف الرئيسية لدول غرب البلقان – خاصة بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة ، واستقلال كوسوفو – هو تحقيق إصلاح السياسة الأمنية وإقامة علاقات حسن جوار في المنطقة. وبالرغم من تقدم دول البلقان في إصلاح سياستها الأمنية والدفاعية وفقاً لمتطلبات عضوية الناتو وشراكات السلام، والالتزامات الرسمية لجميع دول غرب البلقان بعلاقات حسن الجوار ومساهمتها في الاستقرار والأمن الإقليميين ، إلا أنه لا تزال هناك درجة معينة من القلق الأمني في داخلها ، بسبب افتقارها الواضح إلى الثقة في السلوك المستقبلي لبعض البلدان الأخرى في المنطقة.

التعريف بدول البلقان:

“البلقان” ، وتسمى أيضا شبه جزيرة البلقان ، لا يوجد اتفاق عالمي على مكونات المنطقة. عادة ما يتم وصف البلقان بأنها تضم ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا وكرواتيا وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية ورومانيا وصربيا وسلوفينيا – مع كل أو جزء من كل من هذه البلدان الواقعة داخل شبه الجزيرة. تقع أجزاء من اليونان وتركيا أيضاً داخل المنطقة الجغرافية التي تعرف عموما باسم شبه جزيرة البلقان ، وتشمل العديد من أوصاف البلقان تلك البلدان أيضاً.

يحد البلقان من الشمال الغربي إيطاليا، ومن الشمال المجر، ومن الشمال والشمال الشرقي مولدوفا وأوكرانيا، ومن الجنوب اليونان وتركيا أو بحر إيجه (اعتماداً على كيفية تعريف المنطقة). يحيط بدول البلقان  البحر الأدرياتيكي في الغرب ، والبحر الأيوني في الجنوب الغربي ، والبحر الأسود في الشرق. أما في الشمال ، يصبح الترسيم الجغرافي الواضح للبلقان صعباً لأن حوض بانونيا في الفولد العظيم (السهل المجري العظيم) يمتد من وسط أوروبا إلى أجزاء من كرواتيا وصربيا ورومانيا. المتغيرات الحاكمة لمشهد التطرف في البلقان. 

البلدان التي تعتبر أحياناً جزءاً كلياً أو جزئياً من البلقان هي: كرواتيا وصربيا والجبل الأسود وكوسوفو وسلوفينيا وألبانيا ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك وبلغاريا ورومانيا ومولدوفا واليونان وتركيا.

البلدان التي تقع أراضيها بالكامل ضمن المنطقة الجغرافية للبلقان، هي: ألبانيا ،البوسنة والهرسك، بلغاريا، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، اليونان، وكوسوفو.

البلدان التي تقع أراضيها جزئيا ضمن المنطقة الجغرافية للبلقان: صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، رومانيا، وتركيا.

وتعد دول البلقان موطن لحوالي 45 مليون شخص.

واقع الأمن و التطرف في دول البلقان

التطرف اليميني: هناك قلق متزايد في السنوات الأخيرة بشأن احتمال التطرف اليميني العنيف في غرب البلقان (ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا). كان ينظر إلى المنطقة تاريخياً على أنها متقلبة سياسياً مع تاريخ من العنف الذي ينبع من الأيديولوجيات والأفعال اليمينية (السياسية). يثير الخبراء والمسؤولون من غرب البلقان مخاوف بشأن انتشار التطرف اليميني في سياق الصراع السياسي.

لدى غرب البلقان العديد من عوامل الخطر التي يمكن أن تكون مرتبطة بالتطرف اليميني، مثل القضايا المتعلقة بالهوية التي لم يتم حلها، والقضايا التاريخية والحوكمة المتضاربة، وفي بعض الحالات الانتقال الصعب إلى ديمقراطية مكتملة الإنجاز، والصراع المجمد ، والخلل الوظيفي الإداري. ومع ذلك، فإن المعرفة حول التطرف اليميني في غرب البلقان كانت غير واضحة وغير منظمة.

لم يحدث التطرف اليميني في غرب البلقان من فراغ. لقد تم تسريع الظهور الأول لليمين المتطرف في السياسة وبين المجموعات من خلال التقدم التكنولوجي والسياسي، كذلك الأزمات الاقتصادية والصحية (جائحة كوفيد-19). وأصبحت خطابات اليمين المتطرفة في الوقت الراهن أكثر انتشاراً على المستوى الدولي ولديها صدى .

يتم استغلال الانقسامات الإيديولوجية ونقاط الضعف والمظالم  في غرب البلقان بشكل أكبر من قبل القوى الأجنبية، مثل روسيا. وتسرع أفعالهم من تراجع الثقة في التحالفات الدولية والمؤسسات العامة ووسائل الإعلام، في حين أن الخطابات تستخدم الصراعات التي لم تحل من الماضي، للتحريض على التوترات الإقليمية أو العرقية، من خلال إنشاء تحالفات قائمة على الأخوة الأرثوذكسية وتمويل اللغة العنيفة ـ اليمينية في غرب البلقان.  ومع ذلك ، مع التصعيد الجديد للصراع في أوكرانيا وخارجها ، يوجد تهديد بأن نشطاء التطرف العنيف ـ اليميني سيستمرون في المغادرة للمشاركة في الحرب الخارجية ويظلون يشكلون تهديداً كبيراً للأمن في غرب البلقان. وبالتالي، يمكن فهم التطرف اليميني المتطرف في غرب البلقان من خلال الديناميكيات والتحولات الجيوسياسية الإقليمية.

يكون  التطرف اليميني في غرب البلقان بشكل أساسي من أعلى إلى أسفل ومتبادلاً. إنه نتيجة لرابطة معقدة تربط بين السياسة السائدة والمؤسسات والحركات الدينية التي تركب موجة التطرف اليميني و التي تميل إلى أن تصبح عنيفة ،  مدفوعة بحروب الماضي والاستياء والصدمات والخوف. وإذ تضع في اعتبارها صعود الهجمات العنيفة في الغرب التي تنسب إلى المتطرفين اليمينيين – بعضها مستوحى من القومية الصربية – تشكل ديناميكيات مماثلة تهديداً لغرب البلقان لا ينبغي تجاهله بسهولة.

التطرف الاسلاموي: دول غرب البلقان البوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا الشمالية هي الدول الأوروبية الوحيدة التي أعادت مقاتلي “داعش” الأجانب الذين احتجزتهم القوات التي يقودها الأكراد في سوريا. إن إبعاد الرعايا الأجانب من السجون المكتظة بشكل مراقب يقلل من خطر إصابتهم المساهمة في عودة محتملة لتنظيم داعش في سوريا والعراق، ويسمح بإدارة أكثر فعالية للمخاطر الأمنية. كما يوفر فرصة ثمينة لدراسة مواقف وسلوكيات المقاتلين الأجانب العائدين إلى أوطانهم من أجل تصميم استجابات سياسية أكثر فعالية للاحتياجات الديناميكية والمخاطر الأمنية المرتبطة بهم.العائدون من داعش.. قنبلة موقوتة في البلقان

يقدم تقرير ” برنامج التطرف” الصادر عن جامعة جورج واشنطن الأمريكية لمحة عامة عن عمليات الإعادة للبلقان والخاضعة للرقابة لللمقاتلين الأجانب، والاعتبارات المتعلقة باستجابات سياسية أكثر فعالية مصممة خصيصا لديناميكية الاحتياجات والمخاطر الأمنية المرتبطة بالمقاتلين الأجانب العائدين إلى البلقان داخل السجون وبعد إطلاق سراحهم من السجن في السنوات القليلة المقبلة.  ليجد التقرير أنه تمت مقاضاة (31) شخصاً من المقاتلين العائدين إلى أوطانهم (باستثناء واحد) وحكم عليهم أو يواجهون حالياً إجراءات جنائية وتحقيقات بشأن تهم الإرهاب.

إن تصرف المقاتلين الأجانب مع سبق الإصرار وكجزء من مجموعة من الأفراد ذوي التفكير المماثل، أو بالتنسيق مع الشبكات الجهادية العاملة بين غرب البلقان وسوريا، ترتبط أحياناً بعناصر من غرب البلقان في الشتات في أوروبا.

واقع الخلافات في دول البلقان:

تصاعدت مؤشرات التوتر في منطقة البلقان في الفترة الأخيرة، وتبلورت بصورة رئيسية فيما يأتي:

1– اعتزام كوسوفو تطبيق قوانين جديدة على الأقلية الصربية: اندلعت توترات شديدة بين الجارتين صربيا وكوسوفو في الفترة الأخيرة، بفعل سعي الأخيرة إلى إقرار قانون جديد يشدد الإجراءات اللازمة لاستخراج المواطنين الصرب تراخيص سياراتهم وبطاقات الهوية على أراضيها.

2– عودة تهديد تفكيك البوسنة والهرسك: أشارت بعض التقارير، في شهر يوليو 2022، إلى أن “كريستيان شميدت” الممثل السامي للمجتمع الدولي في البوسنة والهرسك، يستعد لفرض تغييرات على مستوى اتحاد البوسنة والهرسك، لتعديل قانون الانتخابات والدستور؛ ما أدى إلى أزمة سياسية في البلاد واحتجاجات جماهيرية في سراييفو.

3– الاستقرار الهش في العلاقات بين مقدونيا الشمالية وبلغاريا: إذ تتسم العلاقات بين مقدونيا وبلغاريا بخلافات تاريخية مرتبطة بمطالب بلغارية لمقدونيا الشمالية بالاعتراف بحقوق الأقلية البلغارية داخل مقدونيا. وهذه الخلافات جعلت بلغاريا تقف حجر عثرة أمام انضمام مقدونيا الشمالية إلى الاتحاد الأوروبي.

تأثير الأطراف الاقليمية والدولية في دول البلقان

اتجهت مؤخراُ الأنظار نحو روسيا، سيما بعد تصريحات رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، “إن بوتين يمكن أن يستخدم كوسوفو لتوسيع الصراع الحالي في أوكرانيا وزيادة زعزعة استقرار أوروبا”. ومعروفٌ أن صربيا وروسيا دولتان حليفتان تقليدياً، وبعد الأزمة الأوكرانية التي أشعلت عدة حروب ساخنة وباردة، رفضت صربيا الانضمام إلى نظام العقوبات التي فرضته الدول الغربية على روسيا، وذهبت أبعد من ذلك، حيث وقّع الرئيس الصربي فوتشيتش، منتصف مايو 2022، على صفقة غاز تفضيلية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ولكن انشغال روسيا اليوم بمعارك أوكرانيا، والحرب الاقتصادية التي يشنّها الغرب عليها، بالاضافة إلى وقوعها على بعد آلاف الكيلومترات من منطقة البلقان، سيعيق موسكو عن دعم صربيا استراتيجياً في أي حرب.

نشرالاتحاد الأوروبي  في 6 ديسمبر 2022  عناصر من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في دول البلقان التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد.  وكان سبب هذا الإجراء، يتلخص في وجود اتفاقات دخول بدون تأشيرة بين ألبانيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا وكوسوفو غير المعترف بها، والعديد من الدول الثالثة، بما في ذلك البلدان ذات مستويات الدخل المنخفض. ملف: أزمة أوكرانيا وانعكاساتها على وحدة أوروبا

ومن المفترض أن تكون عضوية الاتحاد الأوروبي عنصر تشجيع لحل المشاكل في البلقان بطرق سلمية. ولدى الاتحاد الأوروبي ممثل خاص للحوار بين بلغراد وبريشتينا، وقضايا إقليمية أخرى في غرب البلقان، ويسعى إلى عملية تطبيع بين صربيا وكوسوفو. كما كان للحرب في أوكرانيا آثار على طبيعة ووتيرة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول البلقان. فقبل الحرب، كانت هذه الدول تنتقد الاتحاد الأوروبي بشدة لعدم وفائه بوعوده. وتدخل روسيا في أوكرانيا جعل الاتحاد الأوروبي ينظر إلى علاقاته مع دول البلقان من زاوية أخرى ومن منظور أمني لأوروبا. ونتيجة لذلك؛ بدأ الاتحاد الأوروبي محادثات مع مقدونيا الشمالية وألبانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، ومُنحت البوسنة والهرسك مركز المرشح، وكوسوفو في طريقها للحصول على إعفاء من التأشيرة بحلول نهاية عام 2023.

تقييم

تستدعي التوترات في منطقة البلقان تاريخ الصراعات في المنطقة، وإمكانية وقوع حرب جديدة؛ فسيناريو الحرب يظل قائماً في ظل التركيبة الإثنية وإرث التاريخ والتعقيدات داخل دول المنطقة، ناهيك عن استمرار انعكاسات الحرب في أوكرانيا، والحديث المتنامي عن إعادة تشكُّل النظام الدولي، وهو ما قد يجعل من الحرب في البلقان إحدى الأدوات المستخدمة في عملية إعادة تشكيل النظام. ولكن بالرغم من ذلك، فإن هناك صعوبات قد تواجه تحقُّق هذا السيناريو، لا سيما أن الدول الأوروبية وحلف الناتو والولايات المتحدة قد لا يسمحون بنشوب حرب جديدة في هذه “المنطقة الرخوة” على النحو الذي يهدد الأمن والاستقرار الأوروبيين.

 

الهوامش

المنطقة الرخوة
http://bit.ly/3w3xwuJ

شبح الحرب في البلقان مجدّداً
http://bit.ly/3H7PcMg

التوترات في البلقان
http://bit.ly/3H2H3IO

صحيفة: الاتحاد الأوروبي ينشر حرس حدوده لأول مرة في دول البلقان
http://bit.ly/3CQyPAS

The Western Balkans:Repatriated Foreign Terrorist Fighters, Sentencing Trends, and Security Considerations
https://bit.ly/3ZtQtnM

Violent Right-Wing Extremism in the Western Balkans
https://bit.ly/3izXOBR

Balkans
http://bit.ly/3ZCDosh

Balkan Countries
http://bit.ly/3QCvn2F

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/86096-2/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M