اليمن بين طفرتين اقتصاديتين في الخليج: نحو شراكة أكثر استدامة

  • تجربة اليمن خلال الطفرة النفطية في منطقة الخليج، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، تُسلِّط الضوء على أهمية إعداد استراتيجية شاملة تضمن استثمار المكاسب المحتملة من مجمل التحولات الاقتصادية في البلدان الخليجية على أفضل وجه ممكن.
  • من المتوقع أن تنطوي برامج التحول القائمة في منطقة الخليج، والطفرة الاقتصادية المرتقبة بفضلها، على فرصة ثمينة لليمن واليمنيين ربما تتجاوز في قيمتها الفرصة التي توفرت لهم خلال عقد الطفرة النفطية بالقرن الماضي. 
  • حتى مع افتراض تأخُّر الطفرة الاقتصادية الخليجية المرتقبة نسبياً، فإن ذلك يمنح اليمن فرصة جديدة لتحقيق مكاسب اقتصادية وتنموية، عبر التركيز على سد الفجوات الموجودة لديه، من قبيل تحسين مستوى تأهيل العمالة الوطنية لجعلها أكثر تنافسية في سوق العمل الخليجي.

 

مع أن الطفرة النفطية في دول الخليج العربي، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تركت تأثيراً إيجابياً على اليمن واقتصاده، بفضل المساعدات المالية السخية التي تلقاها، ونتيجةً لارتفاع أعداد العمالة اليمنية المقيمة في البلدان الخليجية منذ ذلك الحين، وعلى نحوٍ مكَّن اليمن من إنجاز تقدم أسرع من المتوقع على مختلف المؤشرات التنموية والاقتصادية، إلا أنه كان في وسعه استثمار هذه الفرصة بشكل أفضل، وأن يُحرز مكاسب أكثر استدامة على المدى البعيد، تسهم في تحويل اقتصاده شبه الريعي إلى اقتصاد مُنتِج.

 

ويبدو أن معالم فرصة جديدة تلوحُ اليوم أمام اليمن للاستفادة من تجارب الماضي ودروسه في خضم تعاطيه مع آثار الطفرة الاقتصادية المرتقبة في دول الخليج، نتيجة برامج التحول الجاري تنفيذها لتطوير موارد بديلة وأكثر استدامةلعائدات النفط والغاز، مع الأخذ في الاعتبار بأن هناك اختلافات جوهرية بين الطفرة النفطية السابقة وبين الطفرة الاقتصادية المرتقبة لجهة طبيعة وعُمْق تأثيراتهما على دول الخليج نفسها، فضلاً عن اليمن بطبيعة الحال.

 

اليمن والطفرة النفطية الخليجية: خلفية تاريخية

شهدت دول الخليج طفرة اقتصادية غير مسبوقة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1974 و1984، بسبب تضخم مداخيلها من صادرات النفط الخام (على خلفية ارتفاع أسعار النفط عالمياً إلى مستويات قياسية). وانطلقت مع هذه الطفرة سلسلة واسعة من المشروعات التنموية والاستثمارية التي استوجبت من دول الخليج أن تستقدم عمالة أجنبية لتسد النقص الموجود حينها في العمالة الماهرة والرخيصة على حد سواء.

 

وكان اليمن المنقسم وقتذاك إلى شطرين، شمالي وجنوبي، يتلقى مساعدات سخية من دول الخليج، وقد تضاعف حجم هذه المساعدات مع الطفرة النفطية، وكان اليمن الشمالي المستفيد الأكبر منها بالنظر إلى توتُّر العلاقات بين دول الخليج واليمن الجنوبي الذي تبنَّى توجهات يسارية راديكالية، إلا أن التأثير الأهم للطفرة النفطية في دول الخليج على اليمن تجلى من خلال العمالة اليمنية المقيمة هناك والتي تزايدت أعدادها بصورة غير مسبوقة، أثناء الطفرة، بسبب ارتفاع الطلب على العمالة الأجنبية عامةً، وكذلك بسبب عوامل أخرى منحت اليمنيين أفضلية على العمالة من بقية الدول.

 

وعلى سبيل المثال، يفيد بعض التقديرات أن ثلث الرجال البالغين في شمال اليمن وجنوبه قد هاجروا إلى دول الخليج من أجل العمل خلال عقد الطفرة النفطية (على الأقل لمدة مؤقتة تتراوح بين سنة وسنتين)، وتذكر مصادر أخرى أن تحويلات العمالة المقيمة في دول الخليج إلى اليمن الشمالي تجاوزت 1.6 مليار دولار في السنة عند أعلى مستوياتها في مطلع عقد الثمانينيات بالتوازي مع ذروة أسعار النفط خلال مرحلة الطفرة، وهو رقم ضخم يعادل أكثر من 5 مليارات دولار بالأسعار الحالية، ويكاد يوازي تحويلات العمالة اليمنية حالياً، لكنه تدفق إلى اليمن الشمالي في الوقت الذي كان عدد سكانه أقل من ربع العدد الحالي لسكان البلاد.

 

وقد ساهمت تحويلات العمالة ومساعدات دول الخليج في تحسُّن مستوى المعيشة في اليمن بشكل كبير كما يتجلى، على سبيل المثال، من خلال مؤشري معدل وفيات الرضع ووفيات الأطفال تحت سن الخامسة. فقد شهد هذين المؤشرين أكبر انخفاض لهما خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي بالتزامن مع الطفرة النفطية؛ وعلى رغم التسليم بدور عوامل أخرى في هذا الجانب فإنها ما كانت قادرة لوحدها على تحقيق مثل هذا لزخم كما يتبين من تتبع هذين المؤشرين في الفترتين السابقة واللاحقة للطفرة.

 

ويمكن التماس مظاهر أخرى للتأثير الإيجابي الذي تركته الطفرة النفطية على ظروف المعيشة في اليمن من خلال الاطلاع على بقية المؤشرات ذات الصلة من قبيل نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (GNI)، وخاصةً في اليمن الشمالي الذي استفاد من مساعدات دول الخليج بمستوى أكبر بكثير من اليمن الجنوبي، لكن انتهاء الطفرة في دول الخليج مع انخفاض أسعار النفط بداية من العام 1985 كشف عن إخفاق اليمن في استثمار العقد الماضي من أجل تحقيق مكاسب تنموية واقتصادية مُستدامة، تخدمه على المدى البعيد، وبطبيعة الحال فقد برزت مظاهر هذا الإخفاق بالقدر الأكبر في اليمن الشمالي الذي وجد نفسه فجأة أمام أزمة اقتصادية خطيرة لم يكن مُستعداً لها.

 

وقد نشأت هذه الأزمة بسبب انعدام أي رؤية استراتيجية لدى صُنَّاع السياسات في الشمال اليمني بشأن التعامل مع تأثيرات الطفرة النفطية، ووقوفهم متفرجين أمام نشوء وتضخم اقتصاد شبه ريعي يُرسِّخ ثقافة استهلاكية تعتمد على المنتجات المستوردة وتهمِّش القطاعات الإنتاجية المحلية، وبالتحديد قطاعي الزراعة والصناعة؛ أما الدولة في الشطر الجنوبي فإنها ما واجهت أزمة اقتصادية مشابهة، أو بنفس الحدة على الأقل، بسبب حقيقة أنها لم تكن قادرة الاستفادة من مكاسب الطفرة النفطية بنفس مستوى الشطر الشمالي، نظراً لعقيدتها الأيديولوجية المتطرفة التي ألحقت بالاقتصاد المحلي أضراراً أكبر من تلك الأزمة.

 

لقد خلقت الطفرة النفطية في الشطر الشمالي لليمن تأثيرات سلبية مشابهة لما خلقته في دول الخليج نفسها، حيث تسببت في عزوف كثير من السكان عن العمل في قطاع الزراعة بالنظر إلى تواضع مردوداته مقارنة مع قطاعات أخرى ازدهرت بشكل كبير في ذلك الحين مثل العقارات والخدمات والاستيراد/التوكيلات التجارية، كما تسببت في تضخم أجور العمالة المحلية بشكل غير واقعي إلى درجة أن القطاعين العام والخاص هناك اضطرا إلى استقدام عمالة أجنبية للعمل في مشاريع البنية التحتية أو لتشغيل العدد البسيط من المصانع، بعدما كان استقدام العمالة مقتصراً على فئات محددة من الكفاءات والخبرات الأجنبية، مثل الأطباء والمعلمين والأكاديميين، بسبب عدم وجود عددٍ كافٍ من الكوادر المحلية.

 

وكان ازدهار قطاع العقارات، بعد لجوء المغتربين في دول الخليج لاستثمار قدر كبير من مدخراتهم فيه، قد وصل إلى عتبة التشبُّع (بات أقرب إلى الفقاعة) ولم يعد من الممكن معها خلق قيمة مضافة حقيقية من خلاله، أما ازدهار قطاعات الخدمات والاستيراد/التوكيلات التجارية فيعود إلى تفشي الثقافة الاستهلاكية أكثر منه إلى تلبية احتياجات حقيقية، وهي بطبيعة الحال قطاعات تخلق قيمة مضافة ضئيلة وليس من المحبَّذ أن تتوسع بهذا الشكل في الدول النامية.

 

وفي ظل هذه المعطيات كان من الصعب أن يحدث النمو المطلوب على صعيد قطاعي الزراعة والصناعة، بل أدى ذلك إلى تقليص حصة القوى العاملة في قطاع الزراعة، إضافة إلى النسبة التي يمثلها من الناتج المحلي الإجمالي، ولم تتشجع رؤوس الأموال على الاستثمار في قطاع الصناعة إلا في إطار محدود (صناعات تحويلية خفيفة)؛ وليس من المستغرب نتيجة لذلك أن يتوسع الاعتماد على المنتجات المستوردة بما فيها بعض المواد الغذائية التي كانت تُنتَج محلياً في الفترة السابقة للطفرة النفطية.

 

ومع انخفاض أسعار النفط عالمياً وانتهاء عقد الطفرة، وتراجُع حجم الدعم المالي المقدم إلى الشطرين، بالتوازي مع تراجع دخل العمالة اليمنية المقيمة في دول الخليج وتحويلاتها المالية إلى الوطن (على الرغم من عدم تقليص عددهم)، وعدم وجود وظائف أو فرص عمل جديدة يمكن أن تستوعب أعداداً إضافية منهم بنفس المستوى السابق، فقد واجه اليمن الشمالي عجزاً كبيراً في الميزان التجاري بعد أن ظل يحقق فائضاً طيلة سنوات عهد الطفرة، ليضطر معه إلى تخفيض سعر صرف العملة من 4.5 ريال مقابل الدولار الواحد إلى 12 ريال مقابل الدولار، إضافةً إلى تقييد استيراد مجموعة معينة من السلع لمدة سنتين قبل أن يقيد استيراد جميع المنتجات مؤقتاً؛ وهي نتيجة طبيعية للنموذج الاقتصادي شبه الريعي الذي نشأ بسبب الطفرة النفطية، ولم يسمح بتنويع مصادر الدخل من خلال القطاعات الإنتاجية، وشجَّع عوضاً عن ذلك على تفشي الثقافة الاستهلاكية والاستيراد من الخارج، كما أدى دوراً محورياً في تضخم قطاعات العقارات والخدمات بشكل لا يصب في صالح الاقتصاد المحلي.

 

الطفرة الاقتصادية المرتقبة في الخليج: التحديات والفرص بالنسبة لليمن

تنخرط معظم دول الخليج العربي خلال هذه المرحلة في مشاريع استراتيجية تحت مظلة برامج التحول الهادفة إلى تطوير موارد بديلة تحل محل عائدات النفط والغاز في المستقبل، وعلى رغم وجود اختلافات بين تلك الدول من ناحية تصميم برامج التحول الخاصة بها، ومن ناحية نوعية المشاريع التي اختارت الاستثمار فيها، لكن هناك مشتركات أساسية يمكن بناءً عليها التمييز بين الطفرة الاقتصادية المرتقبة بفضل برامج التحول وبين الطفرة النفطية السابقة، ولعل أهم هذه التباينات الجوهرية بين الطفرتين تتمثل في الآتي:

 

  1. أن برامج التحول الجاري تنفيذها في منطقة الخليج، والطفرة الاقتصادية المتوقعة بفضلها، لن يخلقا الحاجة إلى استقدام أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية الرخيصة أو غير الماهرة إلى دول الخليج، بخلاف الطفرة النفطية في القرن العشرين؛ وذلك بالنظر إلى التطور التقني الهائل، منذ ذلك الحين، والذي أدى إلى أتمتة طيف واسع من الوظائف التي كان يشغلها البشر، وقد يمتد إلى طيف أوسع بكثير قريباً مع التقدم المتسارع في الذكاء الاصطناعي؛ وأيضاً بسبب نوعية المشاريع نفسها التي تستلزم عمالة ذات خبرات ومهارات عالية وليس عمالة رخيصة مثل مشاريع عهد الطفرة النفطية التي كان معظمها يدور حول تأسيس البنية التحتية وتشييد استثمارات بسيطة وغير متقدمة وتشغيلها.
  2. أن الطفرة الاقتصادية الناتجة عن برامج التحول، ربما ستستغرق مدة طويلة نسبياً قبل تحققها، وفي الغالب فإن مظاهرها ستتراكم تدريجياً وليس دفعة واحدة مثل الطفرة النفطية التي كانت ملموسة منذ سنواتها الأولى رغم أن أسعار النفط ومداخيل دول الخليج وصلت أعلى مستوياتها مع أواخر الطفرة، لكن الطفرة الاقتصادية/التحويلية المرتقبة يتوقع أن تستمر على مدى طويل، ولا تعقبها إلا انتكاسات بسيطة في أسوأ الأحوال وليس مثل الطفرة النفطية التي استمرت مدة عقد واحد فقط وتبعتها مدة تتجاوز العقدين من تراجع أسعار النفط الخام.
  3. أن برامج التحول الجاري تنفيذها والطفرة الاقتصادية المرتقبة بفضلها من المفترض أن يؤديا إلى تنحية القطاع العام عن موقعه المهيمن على اقتصاديات دول الخليج، ومنْح المساحة الأكبر للقطاع الخاص، وبحيث يتحول القطاع الخاص إلى المحرك الفعلي لاقتصاديات هذه الدول وليس مجرد قطاع قائم على تشغيل نفقات واستثمارات القطاع العام وتدويرها كما هو الحاصل في معظم دول الخليج حالياً، بينما كانت الطفرة النفطية قد منحت القطاع العام مكانته الحالية وهيمنته على الاقتصاد ككل على حساب القطاع الخاص.

 

بناءً على ذلك، يمكن القول إن برامج التحول الجاري تنفيذها، والطفرة الاقتصادية المرتقبة بفضلها من الصعب أن يخلقا فرص عمل لليمنيين في دول الخليج بنفس حجم الفرص التي توفرت خلال الطفرة النفطية السابقة، وذلك بسبب ضعف مستوى تأهيل العمالة اليمنية مقارنة بالمتطلبات الحالية، وبمستوى تأهيل العمالة من الجنسيات الأخرى. ومع أن أعداد اليمنيين المقيمين في دول الخليج حالياً تجاوزت أعدادهم خلال سنوات الطفرة النفطية، لكنهم على الأرجح يمثلون نسبة أصغر من إجمالي تعداد سكان اليمن بالمقارنة مع نسبتهم أثناء تلك المرحلة، كما أن حجم التحويلات حالياً بالكاد يتجاوز حجمها وقتذاك علماً أن عدد اليمنيين تضاعف عدة مرات منذ ذلك الحين، عدا عن أن الأوضاع المعيشية في اليمن حالياً لم تعد تسمح بتخصيص جزء كبير من التحويلات في شكل مدخرات واستثمارها في مشاريع محلية كما كان حاصلاً خلال عقد الطفرة النفطية.

 

وحتى مع افتراض تأخر الطفرة الاقتصادية المرتقبة نسبياً، وبروز مظاهرها بشكل تدريجي، فإن ذلك يمنح اليمنيين فرصة جديدة لتحقيق مكاسب اقتصادية وتنموية تسهم في انتشال بلادهم من أوضاعه المزرية الراهنة، بل إن احتمال تأخر الطفرة التحولية وتدرُّج بروز ملامحها يخدم اليمنيين ويساعدهم على سد أي فجوات لديهم، من قبيل تحسين مستوى تأهيل العمالة اليمنية لتكون قادرة على منافسة العمالة من بقية الدول، إضافةً إلى حقيقة أن هذه الفرصة الاقتصادية الجديدة ليست محدودة بنافذة زمنية مثل الطفرة النفطية السابقة.

 

لكن من المهم ملاحظة أن التحول المتوقع في منطقة الخليج العربي من اقتصاديات يهيمن عليها القطاع العام إلى اقتصاديات يؤدي فيها القطاع الخاص دوراً متقدماً، قد يحد من قدرة الدول الخليجية على مساعدة اليمن واليمنيين بنفس المستوى الحالي، ليس بالنسبة إلى المساعدات والدعم المالي المباشر الذي تقدمه حكومات دول الخليج إلى الحكومة اليمنية، وإنما على صعيد التسهيلات الممنوحة للعمالة اليمنية أو الاستثمارات التي كانت تخطط لتنفيذها في اليمن؛ فالقطاع الخاص يُعلي من اعتبارات الجدوى الاقتصادية والكفاءة المهنية على حساب أي اعتبارات أخرى، وبالتالي ربما تعجز العمالة اليمنية عن الاستفادة من التسهيلات الممنوحة إليها بسبب تدني مستوى تأهيلها، ويمكن كذلك أن تسهم في تقييد أي استثمارات كان مخططاً لها في اليمن بدعوى عدم وجود جدوى اقتصادية لها.

 

وعلى أية حال، من المتوقع أن تنطوي برامج التحول في منطقة الخليج، والطفرة الاقتصادية المرتقبة بفضلها، على فرصة ثمينة لليمن واليمنيين ربما تتجاوز في قيمتها الفرصة التي توفرت لهم خلال عقد الطفرة النفطية بالقرن الماضي، غير أن هذه الفرصة الجديدة تشترط متطلبات أكثر تعقيداً من اليمنيين من أجل قطف ثمرتها، أخذاً في الاعتبار أن برامج التحول الجاري تنفيذها في دول الخليج تطلبت من مواطنيها ترقية مستوى قدراتهم وتأهيلهم، وذلك بحكم طبيعة المرحلة الحالية وصعوبة تحدياتها مقارنة بالمرحلة السابقة.

 

كما أن تجربة اليمن خلال الطفرة النفطية السابقة تُسلِّط الضوء على أهمية إعداد استراتيجية شاملة تضمن استثمار المكاسب المحتملة من مجمل التحولات الاقتصادية في دول الخليج على أفضل وجه ممكن، وبحيث تحول دون تكرار الأخطاء نفسها التي قادت إلى النموذج شبه الريعي القائم في البلاد منذ ذلك الحين، وتكون ركيزة يُبنى عليها نموذجٌ يعتمد على مصادر دخل متنوعة، لكنه يركز تحديداً على القطاعات الإنتاجية، وخاصةً الصناعية، بوصفها السبيل الوحيد للتنمية والازدهار الاقتصادي كما أظهرت تجربة معظم الدول، بينما يتحول فيه دور العمالة في الخارج إلى مُحفِّزٍ مهمٍ للديناميكيات المحلية، مثل أي نموذج اقتصادي متوازن، وليس مصدر الدخل الرئيس والمنتج الوحيد تقريباً على ما هو الوضع القائم في اليمن حالياً.

 

الاستنتاجات

تُعدّ العلاقة الخاصة التي تجمع اليمن بدول الخليج، بحكم الموقع الجغرافي والمشتركات الثقافية، أهم مزاياه وثرواته الاقتصادية، لاسيما أن ثرواته الأخرى (النفطية وغيرها) لا يمكن أن تحقق عائدات أكبر في ظل النموذج الإنتاجي والإداري القائم في البلاد حالياً، إلا أن استثمار هذه المزية/الثروة يمكن أن يتخذ منحىً يخدم مصالح الطرفين بشكل أكبر شريطة أن تتطور إلى آفاق أوسع من إطارها الحالي المقتصر على الدعم المقدم من دول الخليج والعمالة اليمنية المقيمة هناك، وإن كان تحقيق مثل هذا التطور يرتبط في المقام الأول بظروف اليمن وأوضاعه.

 

وقد يُشار إلى الاستقرار السياسي بوصفه أهم المتطلبات والأولويات الحالية من أجل تحضير البلاد لهذا الانتقال في الشراكة الاقتصادية مع دول الخليج، أو حتى الاستفادة من مستواها الحالي بشكل أفضل، غير أن تجربة اليمن في عقد الطفرة النفطية تدل أيضاً على أهمية وجود استراتيجية حقيقية وشاملة لديه في استيعاب تأثيرات هذه الشراكة وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة عبرها، وربما تكون هذه الاستراتيجية الرافعة الوحيدة القادرة على دفع هذه الشراكة إلى آفاق أوسع بالفعل.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/alyaman-bayn-tifratayn-aqtisadiatayn-fi-alkhalij

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M