انتهاك القانون الإنساني.. إسرائيل ومخطط شرعنة التهجير القسري للفلسطينيين

كارثة إنسانية غير مسبوقة يتأثر بها المدنيون في غزة، إثر الغارات التي تشنها إسرائيل دون توقف منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، في ظل وقف إمدادات الماء والكهرباء والدواء والوقود في تحدٍ واضح للمجتمع الدولي وقوانينه.

يُعرّف التهجير القسري بأنه “ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات إرهابية تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية، بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجموعات سكانية أخرى بدلًا عنها”.

هذا ويختلف التهجير أو النقل القسري عن الإبعاد أو النزوح الاضطراري أو الإرادي، باعتبار أن التهجير يكون عادة داخل حدود الإقليم، بهدف تغيير التركيبة السكانية لإقليم أو مدينة معينة، وهذا بالطبع ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سينفذ عمليات عسكرية في مدينة غزة، حيث دعا الجيش الإسرائيلي في بيان له يوم 13 أكتوبر بأنه “على كافة سكان مدينة غزة إخلاء منازلهم والتوجه جنوبًا، من أجل حمايتهم”، موضحًا أنه “لن يسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان يسمح بذلك”. 

وبالتالي اعتبر التهجير القسري أحد وسائل التطهير العرقي والإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي الإنساني، حيث عُدّ التهجير القسري جريمة دولية تمس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، هذا إلى جانب ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 والذي يعد ملزمًا للحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى المادة 49 من اتفاقية جينيف 1949 والتي تنص على “حظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين، أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيًا كانت دواعيه”. والتي تعتبر ملزمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بموجب قرار كل من مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومحكمة العدل الدولية، والأطراف العليا الموقعة على الاتفاقية، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات الدولية بشأن تجريم النقل القسري للمواطنين، وعليه فإن كل ما تفعله سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحض الفلسطينيين على النقل القسري بدفعهم نحو الجنوب يعد انتهاكًا صارخًا لكافة الحقوق الإنسانية، وتعديًا كبيرًا للقوانين الدولية التي دومًا ما اعتبرت إسرائيل جزءًا منها.

تنظم سلسلة من المعاهدات معاملة المدنيين والجنود وأسرى الحرب في نظام يعرف إجمالًا باسم “قانون النزاعات المسلحة” أو “القانون الإنساني الدولي”، وعلى رأسها اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين 1949 أوقات الحروب، والتي تقرر أن تكون الهجمات على الأهداف العسكرية متناسبة، مما يعني أنها يجب ألا تؤدي إلى خسائر فادحة في أرواح المدنيين، أو إلحاق أضرار بالممتلكات المدنية مقارنة بالمكاسب العسكرية المباشرة المتوقعة، بالإضافة إلى المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تعتبر قصف المدنيين العزل الذين لا يشاركون في الأعمال العسكرية، وتعمد تدمير المباني والمواقع المدنية، جريمةً من جرائم الحرب.

ولكن الأمر في قطاع غزة متفاقم بصورة كبيرة، فالقوات الإسرائيلية لا تركز فقط على قصف المدنيين العزل والأطفال والنساء، وإنما تطور الأمر إلى قصف عمال الإغاثة في مشهد سريالي يرقى إلى مشاهد المذابح التاريخية، التي حتى لم نقرأ عنها في التاريخ القديم، حيث تواجه جميع الوكالات الإنسانية وموظفيها قيودًا عسيرة في تقديم المساعدات الإنسانية بسبب الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل على القطاع، بالإضافة إلى القيود المفروضة على التنقل، ونقص الكهرباء، والوقود، والمياه، والأدوية، وغيرها من المواد الأساسية، حتى قتل ما لا يقل عن 29 موظفًا من منظمة الأونروا، وإصابة أكثر من 17 آخرين منذ بداية الصراع وحتى 21 أكتوبر وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، حيث تقتضي المادة 71 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف بضرورة ضمان سلامة طواقم الإغاثة الدولية وحمايتهم أثناء قيامهم بمهامهم الإنسانية.

هذا وتلتزم إسرائيل بضرورة تأمين كافة احتياجات السكان في الأراضي المحتلة دون تمييز من مأكل وملبس ودواء وفقًا للمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة، ويجدر بنا الإشارة إلى أن المستشفيات والمدارس والمدنيين وعمال الإغاثة والطرق الآمنة لتقديم المساعدة الطارئة، يعدون من بين الأشخاص والأماكن التي يحميها القانون الإنساني الدولي بموجب اتفاقيات جنيف الأربعة 1949 وحتى البروتوكولين الإضافيين عام 1977، والتي لم تلقى لها القوات الإسرائيلية بالًا، ضاربة بكافة هذه القواعد والاتفاقيات عرض الحائط دون أدنى تحرك من المجتمع الدولي، ووصل عدد القتلى في قطاع غزة إلى 4741 قتيلًا، بينهم أكثر من 1873 طفلًا و1023 امرأة، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف جريح .

على الرغم من وحشية الاحتلال الإسرائيلي وعدم التفرقة بين كهل أو امرأة أو حتى طفل؛ إلا أن انتهاكات إسرائيل في حق الفلسطينيين لم نسمع عنها ولم يشاهدها العالم من قبل، وكأنهم يتفردون في وحشيتهم وهمجيتهم يومًا بعد يوم، لقد وصل الأمر بهم إلى منع مرور المساعدات والإغاثات إلى غزة، فهذا برهان ودليل قاطع على مخطط العقاب الجماعي الذي تعتمده إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، فهي تقتل وتنكل وتذبح وتحرق وتهدم، وترفض أن تسمح للقتلى بالدفن وللمصابين بالعلاج والاستشفاء، فتشدد إسرائيل الحصار على قطاع غزة وتمنع وصول أية معونات أو مساعدات إغاثية، فوفقًا للمادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة فإسرائيل ملزمة بالسماح بمرور الإمدادات الإنسانية دون تأخير أو عرقلة، بالإضافة إلى أن المساعدات الإنسانية يجب أن توزع بشكل متساوٍ دون أي تمييز بين المدنيين على أساس العرق أو الدين أو النطاق.

خلاصة الأمر، تتحدى إسرائيل البشرية جمعاء دون أي احترام لقواعد القانون الدولي الإنساني، والذي من المفترض أن يكون ملزمًا لها، وعليه فلا بد أن يتحرك المجتمع الدولي لرفع الحصار عن غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وضرورة احترام إسرائيل لالتزاماتها الدولية، فالصمت الحالي الذي يمارسه المجتمع الدولي هو ركيزة أساسية لتشجيع إسرائيل على هذه الممارسات الوحشية بحق الشعب الفلسطيني دون أي حساب.

المصدر : https://ecss.com.eg/38123/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M