انعكاسات محتملة: الحرب في غزة واتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

تزداد حدة ووتيرة التصعيد بين إسرائيل وحزب الله يومًا بعد يوم منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر عام 2023. بدأت المناوشات بين الجانبين تتجاوز تدريجيًّا المنطقة التقليدية التي يعتبر فيها الجانبان إطلاق النار الانتقامي مقبولًا، والمعروفة بـ”قواعد الاشتباك” المتفق عليها بعد حرب 2006 بين تل أبيب وحزب الله. وفقًا لتلك القواعد، يجب ألا يطال القتال بينهما المدنيين، وأن تظل أعمال القتال بينهما محصورة داخل نطاق جغرافي ضيق. ومع ذلك، فقد قُتل بالفعل عدد من المدنيين اللبنانيين والمدنيين الإسرائيليين، وازداد أيضًا عمق وتعقيد الهجمات التي ينفذها الطرفان، حيث اتسع نطاق المواجهة من ميل واحد إلى 25 ميلًا في غضون أسابيع.

وفي هذا السياق، تدفع حالة التعقيد الراهنة نحو التساؤل حول مستقبل الاتفاق التاريخي لترسيم الحدود البحرية المبرم بين بيروت وتل أبيب، بواسطة الولايات المتحدة، في السابع والعشرين من أكتوبر عام 2022.

لمحة عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية-الإسرائيلية: يُعد يوم السابع والعشرين من أكتوبر عام 2022 بمثابة يوم تاريخي للعلاقات بين لبنان وإسرائيل، حيث تمكنت الدولتان اللتان يعيشان في حالة حرب منذ 75 عامًا، ولم تتحدثا بشكل مباشر مع بعضهما البعض ولا تقيمان أي علاقات دبلوماسية، أخيرًا من إبرام اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية عبر مستشار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لأمن الطاقة، “عاموس هوشستين”.

بدأت عملية المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين عام 2020، برعاية الولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى حلٍّ مُرضٍ للجانبين فيما يتعلق بترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لشمال إسرائيل وجنوب لبنان، واستغلال احتياطيات الغاز في البحر المتوسط. وقد تعثر الوصول إلى اتفاق في ذلك الحين -قبل أن تُستأنف المفاوضات مرة أخرى في يونيو 2022- نظرًا لخلافات حول كيفية اقتسام حقول الغاز الطبيعي الواقعة قبالة سواحل لبنان وإسرائيل، حيث تعتبر تل أبيب أن حقل “كاريش” يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها، وليس في المنطقة المتنازع عليها، كما تعتبر بيروت أنه كذلك.

نتيجة لذلك، استقدمت إسرائيل في يونيو 2022، سفينة إنتاج وتخزين تابعة لشركة “إنرجيان” ومقرها لندن، للعمل على استخراج الغاز من حقل “كاريش”. قوبل ذلك الإجراء اُحادي الجانب من تل أبيب بالتنديد من قبل الحكومة اللبنانية، وحذر حزب الله “إنرجيان” من المضي قدمًا في أنشطتها في الحقل الذي تنظر له لبنان على أنه يقع ضمن المناطق المتنازع عليها.

وفي هذا الصدد، استعدت إسرائيل في يوليو 2022 لتصدير الغاز من حقل “كاريش”، وردًا على هذا الإجراء قام حزب الله بإرسال طائرات مسيرة غير مسلحة فوق الميدان بهدف ردع تل أبيب، وقامت الأخيرة باعتراض تلك الطائرات. وقد حذر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق “بيني غانتس” من أن أي هجوم من حزب الله على حقل “كاريش” قد يؤدي إلى نشوب حرب.

يبدو أن الضغوط على طول الحدود بين الدولتين والتهديد باندلاع حرب بحرية قد زادت من إلحاح التوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي نجحت الوساطة الأمريكية في تحقيقه، وقد نص اتفاق ترسيم الحدود البحرية على الآتي:

  • تنازل الإسرائيليين بالكامل عن “الخط الأول” الواقع في المياه الإقليمية اللبنانية، بينما تنازل اللبنانيون عن “الخط 29” الواقع في المياه الإقليمية الإسرائيلية. مما أعاد للبنان مساحة قدرها 860 كم مربع، وأعطاها حق القيام بعمليات التنقيب عن الغاز في حقل “قانا” الذي تتقاسم جزءًا منه مع إسرائيل، على أن تقوم الأخيرة باستخراج الغاز من حقل “كاريش” الذي أصبح تحت سيطرتها رسميًا بعد تنازل لبنان عن “الخط 29”.
  • يقع جزءٌ من حقل “قانا” داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، لذلك تم الاتفاق على أن تحصل إسرائيل على تعويض مقابل ذلك، حوالي 17%، وأنّ من يعطي الإسرائيليين حقوقهم في هذا المجال هي شركة “توتال” الفرنسية. ولن يكون للبنان اتصال بهذا التعويض ولا التزام بمنحه، وسيكون لدى توتال إمكانية الحفر -بحسب الاحتياجات- في الجانب الإسرائيلي، فقط بعد الحصول على إذن من إسرائيل.
  • عوائد الاتفاق على لبنان وإسرائيل: يعبر نجاح الطرفين في إبرام هذا الاتفاق عن مرحلة مهمة في العلاقات الإسرائيلية اللبنانية. فبمقتضاه أصبح بإمكان البلدين التنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها. ولهذا يمكن اعتبار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية نموذجًا للسلام الاقتصادي الذي يسمح بتجاوز المواقف العدائية المتبادلة والمواجهات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل ويساهم في استقرار المنطقة. وبالمثل، يمكن للاتفاق أن يقلل من احتمالات وقوع حوادث عنف في المجال البحري الذي يشارك فيه حزب الله، لأنه لن يرغب في الإضرار بفرص إنتاج الغاز في حقل “قانا”. ومن الواضح أن هذا وضع مربح للجانبين، نظرًا لما تجلبه هذه الاتفاقية من مكاسب ومنافع اقتصادية متبادلة.

من ناحية لبنان، أتى توقيع الاتفاق في وقت يمر فيه لبنان بأزمة اقتصادية غير مسبوقة تفاقمت مع كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت، وعطلت النمو وخفضت الإنتاجية في قطاع الطاقة. وعلى الرغم من أن الاتفاق الذي تم توقيعه في 2022، لم يضمن آنذاك أن تكون هناك فائدة اقتصادية فورية للبنان إلا أنه من شأنه أن يحسن من مستوى معيشة الشعب اللبناني الذي لا يزال يعاني من تبعات أزمة البلاد الاقتصادية.

وفيما يتعلق بموقف حزب الله من الاتفاق، أدرك الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” جيدًا أنه قد يواجه معارضة داخلية إذا نفذ هجمات ضد إسرائيل، لأن بيروت في وضع لا تحسد عليه، ولا تستطيع تحمل أي أزمات أخرى. ونتيجة لذلك، رغم أن حزب الله عدو كبير لإسرائيل، أعرب “نصر الله” أن إبرام الاتفاق النهائي بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل يمثل انتصارًا عظيمًا للبنان، وأكد أنه لن يستهدف حقل “كاريش”.

ومن ناحية إسرائيل، يوفر الاتفاق لتل أبيب الاستقرار والأمن البحريين بما يعود عليها بفوائد اقتصادية، مثل الحصول على حوالي 17% من عائدات حقل غاز “قانا” اللبناني، وجذب المستثمرين وخفض تكاليف الأمن والتأمين. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يؤدي الاتفاق إلى تسريع إنتاج الطاقة الإسرائيلي، بما يسمح بزيادة الصادرات إلى أوروبا، التي تعمل على تنويع مصادر وارداتها من الطاقة، لا سيما بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. كما يضمن الاتفاق لإسرائيل العمل بحرية في حقل “كاريش” دون تخوف من أي هجمات قد تشنها حركة حزب الله.

  • ردود الأفعال الإقليمية والدولية على الاتفاق: لم تقتصر فوائد الاتفاق المبرم بين لبنان وإسرائيل على الجانبين فقط، بل امتدت الاستفادة إلى القوى الإقليمية والدولية أيضًا، كإيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
  • أولًا- إيران: لم تبدِ طهران اعتراضًا على الاتفاق، لإدراكها بأنه يصب في مصلحة لبنان وقد ينقذها من الانهيار الاقتصادي الذي يواجهُها في وقت تعجز فيه إيران عن دعمها. كما حفظ الاتفاق مكانة وصورة حليف إيران الرئيسي حزب الله. علاوة على ذلك، في أثناء توقيع الاتفاق، لم تكن المواجهة مع إسرائيل أولوية بالنسبة لإيران، نظرًا لانشغالها ببعض القضايا الداخلية مثل تعثر المفاوضات النووية والأزمة الاقتصادية، مما يعني أن الأموال الإيرانية كانت ضرورية لتمويل احتياجاتها الداخلية وليس لتمويل عمليات حزب الله ضد إسرائيل على الجبهة اللبنانية.
  • ثانيًا- الولايات المتحدة: يعد نجاح الوساطة الأمريكية في توصل طرفين متحاربين إلى اتفاق مكسب سياسي للإدارة الأمريكية، نظرًا لأنه بالنسبة لـ “بايدن”، من المهم إظهار أنه حقق نجاحًا في السياسة الخارجية، حتى يتمكن من الحفاظ على منصبه. كما حققت الولايات المتحدة من خلال هذا الاتفاق مصالح إقليمية واضحة مفادها منع احتمال اندلاع صراع مسلح بين إسرائيل وحزب الله، واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
  • ثالثًا- الاتحاد الأوروبي: كان لحرب روسيا وأوكرانيا انعكاسات سلبية على أسواق الطاقة العالمية. ولهذا السبب، وفي مواجهة الطلب الملح للاتحاد الأوروبي على الطاقة، بعد أن قررت روسيا عدم استئناف تصدير الغاز الطبيعي إليهم عبر خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1″، وقرار دول الاتحاد بتخفيض وارداتهم من الغاز الروسي، اتجه الأوروبيون نحو البحث عن مصادر مختلفة تقلل من اعتمادهم على الغاز الروسي. وفي هذا الصدد، يصب استقرار العلاقات بين لبنان وإسرائيل في مصلحة الدول الأوروبية لأن أي إنتاج إضافي للغاز أصبح حاجة استراتيجية لهم.

نتيجة لارتفاع وتيرة التصعيد الراهن ما بين إسرائيل وحزب الله، ينتظر الاتفاق حاليًا مسارين محتملين، وهما إما الإبقاء على الاتفاق أو وقف العمل به سواء من جانب لبنان أو إسرائيل، وسيتوقف تطبيق أي من المسارين بناءً على غلبة عدد من العوامل.

أولًا- الاستمرار في تطبيق الاتفاق:

هناك العديد من العوامل التي تدفع لبنان وإسرائيل نحو تغليب المصلحة المشتركة ومن ثم الالتزام بتطبيق بنود الاتفاق، من ضمنها:

  1. مكانة حزب الله: يعاني اللبنانيون من أزمات اقتصادية وسياسية متتالية، ينظر البعض إليها على أنها نتيجة لأفعال حزب الله. ونظرًا لما يمكن أن يوفره الاتفاق للبنان من منافع اقتصادية من شأنها تعزيز مجالي الاقتصاد والطاقة، وتشجيع الاستثمارات الجديدة، قد لا يرغب حزب الله في دخول حرب واسعة مع إسرائيل من شأنها إلحاق الضرر بمكانته. 
  2. مصالح إسرائيلية-غربية: واجه الاتفاق انتقادات من قبل المعارضة حينها بقيادة رئيس حزب الليكود، “بنيامين نتنياهو”، لأنه من وجهة نظرهم يقدم تنازلاتٍ كبيرة للبنان ويعزز مكانة حزب الله، وأوضح أنه سيلغي الاتفاق إذا فاز في الانتخابات. وعلى الرغم من عودته إلى السلطة، لم يلغِ “نتنياهو” الاتفاق كما اعتزم سابقًا. لكن الحرب الدائرة في قطاع غزة والمناوشات الحدودية بين حزب الله وإسرائيل، تطرح تساؤلًا حول تنفيذ “نتنياهو” لرغبته في إلغاء الاتفاق، أو على الأقل وفقًا لما أشار، التعامل مع الاتفاق مثلما تعامل مع اتفاقية “أوسلو”، أي أنه لن يقوم بإلغاء الاتفاق، ولكنه لن ينفذه على أرض الواقع. ومن غير المرجح أن يقدم على ذلك نظرًا لعدة اعتبارات:
  • اعتبارات داخلية متعلقة بعدم الرغبة في تغذية حالة عدم الاستقرار التي تسود إسرائيل، فقد كان من المفترض أن تستفيد إسرائيل أكثر من لبنان -التي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة- على المدى القصير من مبيعات الغاز، وذلك بفضل توافر الظروف الأمنية التي تتيح أمامها الفرص لتصدير الغاز. بيد أن هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وما تبعه من مناوشات بين القوات الإسرائيلية ولبنان، بدّل الموازين وجعل حال إسرائيل من الممكن أن يتشابه إلى حد ما مع حال لبنان فيما يخص “عدم الاستقرار السياسي”. يعزز من هذا التصور حالة السخط الشعبي داخل إسرائيل نتيجة استمرار حماس في احتجاز أسرى إسرائيليين، وفقدان الثقة في سياسات “نتنياهو” السياسية والأمنية والاجتماعية، الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من الإسرائيليين إلى الهجرة فور اندلاع الحرب.

علاوةً على ذلك، أشار “يائير لابيد” في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، يوم السادس عشر من نوفمبر 2023، أن “أفضل مسار هو أن يقوم حزب الليكود بزعامة “نتنياهو” بالإطاحة به واستبداله بزميل آخر في الحزب”، نظرًا لسوء إدارة حكومة “نتنياهو” للحرب ضد حركة حماس في قطاع غزة وفقًا لـ “لابيد”. نتيجة لذلك، قد لا يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي في تغذية السخط الداخلي وفتح جبهة أخرى على تل أبيب من ناحية الشمال أو خسارة ما يحققه استمرار تنفيذ الاتفاق من فوائد متعددة الأبعاد.

  • قد يؤدي إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي على فسخ الاتفاق إلى توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، لأنه قد أُبرم بوساطة أمريكية. علاوة على ذلك، إذا امتد الصراع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بين تل أبيب وحزب الله وتحول إلى حرب شاملة، سيُعد ذلك بمثابة ضربة لطموحات ومصالح الولايات المتحدة سواء الداخلية أو الخارجية. إذ أعرب “بلال صعب” في مقال نشره “تشاتام هاوس Chatham house” في السابع عشر من نوفمبر 2023، أن “آخر ما يريده الرئيس “بايدن”، قبل موسم إعادة انتخابه، هو حرب بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تجر الولايات المتحدة إلى الصراع وتؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران”، حيث “تمارس الدائرة الانتخابية التقدمية لـ “بايدن” بالفعل ضغوطًا شديدة على إدارته لإنهاء الحرب في غزة”.

نتيجة لذلك، منذ السابع من أكتوبر، سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال مجموعتين من حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط، ونشرت بطاريات الدفاع الصاروخي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وأرسلت طائرات محملة بالقوات.

وفي سياقٍ متصل، قام “عاموس هوشستين” بزيارة إلى إسرائيل يوم 20 نوفمبر 2023 لبحث قضايا تتعلق بالحدود الشمالية مع لبنان، بما في ذلك، التأكيد على أهمية استعادة الهدوء على الحدود الإسرائيلية اللبنانية بالنسبة للولايات المتحدة. وقد توجه “هوشستين” إلى لبنان في وقتٍ سابق من هذا الشهر وأوضح رغبة واشنطن في عدم امتداد الحرب في قطاع غزة إلى بيروت.

  • علاوةً على ذلك، تُعد أوروبا جزءًا من الاتفاق، لأن من سيعطي الإسرائيليين حقوقهم في حقل “قانا” هي شركة “توتال” الفرنسية. علاوة على أن إنتاجات حقلي “كاريش” و”قانا” موجهان شطر المستهلك الأوروبي تعويضًا عن إمدادات الغاز الروسي. ومن الممكن أن يؤثر إلغاء الاتفاق على طموحات تل أبيب في تصدير الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية ودول الجوار في حالة تعرض البنية التحتية للغاز للضرر. وإذا حدث ذلك من الممكن أن يعاني الاتحاد الأوروبي من انخفاض كميات الغاز الطبيعي المرسلة له من جانب إسرائيل.

ثانيًا- تجميد الاتفاق:

على الرغم من وجود جملة من العوامل التي من شأنها المساهمة في تجنب التصعيد من جانب كلٍ من حزب الله وإسرائيل إلا أنه في المقابل، توجد حزمة من العوامل التي من المرجح أن تلحق الضرر باتفاق ترسيم الحدود البحرية.

  1.  المناوشات الحدودية بين حزب الله وإسرائيل: يوصف التصعيد بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله بأنه الأعنف منذ أن خاض الجانبان حربًا في عام 2006.

بدأ الطرفان في استخدام الأسلحة الأكثر فتكًا، وفقًا لصحيفة “واشنطن بوست Washington post”، حيث تقوم إسرائيل بإرسال طائرات مقاتلة بشكل منتظم لضرب أهداف حزب الله المتمثلة في منشآته العسكرية قرب الحدود ومواقعه الخاصة بإطلاق الصواريخ، ويقوم حزب الله من جانبه بنشر طائرات بدون طيار ضد مواقع عسكرية إسرائيلية وتجمعات للجنود الإسرائيليين في المنطقة الحدودية. لا تستهدف القوات الإسرائيلية مواقع حزب الله فقط، ولكن في الثامن عشر من نوفمبر 2023، وجهت الطائرات الإسرائيلية ضربة لمصنع الألومنيوم في بلدة واقعة في عمق الأراضي اللبنانية، مما أدى لاحتراق المصنع بالكامل. وقد أسفر التصعيد بينهما عن مقتل 109 شخصًا معظمهم من مقاتلي حزب الله و14 مدنيًا على الأقل، وفقًا لوكالة فرانس برس، فيما أوضحت السلطات الإسرائيلية عن مقتل تسعة أشخاص بينهم ثلاثة مدنيين.

وفقًا لما سبق، من المحتمل أن يقوم حزب الله بعرقلة عمليات إسرائيل الخاصة باستخراج الغاز للضغط عليها، وذلك رغم الضمانات الأمنية التي قدمها “نصر الله” لإسرائيل بعدم استهداف حقل “كاريش”، وتشديد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة الإسرائيلية الحالي “يائير لابيد”، على أن الاتفاق يحصن أمن بلاده، وحرية عملها ضد حزب الله، إبان توقيع الاتفاقية في أكتوبر 2022، إلا أن الأوضاع الحالية تثير شكوكًا حيال تمسك حزب الله بموقفه.

يمكن الاستدلال على ذلك من خلال خطاب “نصر الله” الذي ألقاه في الثالث من نوفمبر 2023، عندما أشار إلى أن ” كل الخيارات مفتوحة على جبهة لبنان الجنوبية” وأضاف أيضًا “إن ما تقوم به الجماعة ضد إسرائيل على الحدود اللبنانية قد يبدو متواضعًا لكنه كبير جدًا ولن يتم الاكتفاء به على كل حال”. وذلك نظرًا لأن الخط الأحمر لحزب الله يُعد تدميرًا لحركة حماس كمنظمة عسكرية، وكلما اقتربت إسرائيل من تحقيق ذلك؛ زاد احتمال تكثيف حزب الله لهجماته ضد إسرائيل وتوسيع نطاق الحرب.

  1.  إعادة إيران لحساباتها بشأن الاتفاق: لم يبقَ الحال كما هو عليه بالنسبة لإيران، كما سبقت الإشارة، فإن حرب إسرائيل على قطاع غزة ورغبتها في القضاء على حركة حماس، حليف إيران، من الممكن أن يدفع طهران إلى إعادة حساباتها وفتح عدد من الجبهات على إسرائيل من بينها لبنان، مما يؤدي لانخراط حزب الله في الحرب، إذا شعرت إيران أنها على وشك خسارة الحليف الاستراتيجي “حماس” الذي استثمرت فيه لسنوات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم الالتزام بنص الاتفاق.
  2.  عقبات تحول لبنان دون تحقيق أهدافها: نظر اللبنانيون إلى الاتفاق بشكل إيجابي؛ نظرًا لما يمكن أن يوفره من مخرج لأزمتهم الاقتصادية الخانقة. ومع ذلك، لا يمهد الاتفاق الطريق أمام استغلال لبنان للحقل فورًا، ولا يزال الطريق طويلًا أمامها. كما أن هذا الاتفاق لا يعني أن لبنان أصبح دولة نفطية، فإنها لا تزال بحاجة إلى التنقيب عن الغاز والنفط أولًا، ومن ثم استخراجه. كما قد يستغرق ذلك سنوات من العمل للحصول على أي فوائد مالية من الاكتشافات، نظرًا للمشاكل الاقتصادية والسياسية العديدة التي تواجهها لبنان، والتي تجعلها غير قادرة عمليًا على اتخاذ القرارات التنفيذية اللازمة فيما يتعلق بصادرات الغاز.

وفي هذا الصدد، أشار عضو مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان والخبير في مجال الطاقة “سامر سليم”، يوم الثالث عشر من أكتوبر 2023، أن “إيرادات قطاع الغاز لن تكون كافية لسد العجز والفجوة المالية الموجودة في مصرف لبنان، ولا يجب الاتكال على الغاز لحل الأزمة الاقتصادية”.

وفي سياق متصل، قالت “ديانا قيسي”، عضو المجلس الاستشاري لمبادرة النفط والغاز اللبنانية، يوم الرابع عشر من أكتوبر 2022، إن “الفوائد التي سيجنيها لبنان ستبلغ نحو 6 مليارات دولار على مدى 15 عامًا”. وهو مبلغ صغير مقارنة بديون لبنان التي تبلغ مليارات الدولارات.

نتيجة لذلك، من المحتمل ألا يدوم تعهد حزب الله بعدم استهداف حقل
“كاريش”، إذا أيقن “نصر الله”، أنه لا جدوى من الاتفاق -اقتصاديًا- على المدى القصير، أو إذا استمرت عمليات البحث والتنقيب عن الغاز دون العثور على شيء، كما حدث في الثالث عشر من أكتوبر عام 2023، حيث فشل أول بئر استكشافي تم حفره في المياه اللبنانية بعد الاتفاق، في منطقة بحرية تعرف باسم “البلوك 9″، في العثور على الغاز، وفقًا لما أفادت به وكالة “رويترز Reuters“.

ختامًا، رغم أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية قد أبرز مؤشرات إيجابية لمستقبل العلاقات بين البلدين، إلا أن الشك سيبقى حول مدى استدامته في ظل استمرار الحرب الدائرة في قطاع غزة والانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. من ناحية، قد لا يرغب حزب الله بدخول حرب شاملة وإلحاق الضرر بمواقع الغاز الطبيعي التي تسمح بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية وبالبدء في عمليات الإنتاج، نظرًا لما تمثله المواقع من أهمية لبيروت التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة. ومن ناحية أخرى، لن ترغب إسرائيل في خسارة دورها كمصدر للغاز للدول الأخرى.

في المقابل، من الممكن أن يتغير الوضع ويقوم أحد الطرفين بتقديرات خاطئة تدفعهم نحو توسيع نطاق الحرب. فإذا اقتربت إسرائيل من القضاء على حركة حماس، من الممكن أن يدفع ذلك حزب الله إلى الانخراط في الحرب. في المقابل، قد يستجيب “نتنياهو” لضغوط سكان المناطق الحدودية الذين نزحوا لمناطق أخرى خوفًا من هجمات حزب الله، والمسئولين العسكريين الإسرائيليين، حيث يطالبونه بالقيام بعمل عسكري أوسع ضد حزب الله.

ومع ذلك يوجد أطراف دولية من الممكن أن تلعب دورًا في عدم السماح بنشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله، لا سيما الولايات المتحدة، حيث لا يصب ذلك في مصلحة “بايدن”، الذي قد أعلن من قبل عن دخوله ماراثون الانتخابات الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر 2024، في ظل الضغوط المفروضة عليه لإنهاء الحرب على قطاع غزة واحتواء الصراع حتى لا تجد واشنطن نفسها أمام مواجهة مع إيران.

المصدر :https://ecss.com.eg/38576/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M