بانتظار أن تَعْرِف الحربُ هدفَها: قضية الرهائن وخيارات إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة

  • الضغط الشعبي المتزايد، وموت مجموعة من الرهائن بنيران الجيش الإسرائيلي، وصعود تيار يَعتبِر أن تحرير الأسرى والرهائن الهدف الأساسي للحرب حتى لو تطلَّب ذلك وقْفها، عوامل تضغط على الحكومة الإسرائيلية لتغيير موقفها.
  • ثمة توجُّه في إسرائيل يعتقد أنه بتحقيق الهدف السياسي للحرب المتمثل في التوافق على سلطة فلسطينية في قطاع غزة، بدعم دولي وإقليمي، ستكون النقطة التي تنتهي عندها الحرب.
  • نتنياهو لا يضع قضية الأسرى والرهائن كقضية محورية، وهو مستعد للاستمرار بالحرب حتى لو لم يتم حل هذه القضية، في حال كان الخيار الوحيد للحل هو وقف كامل لإطلاق النار.

 

تجدَّدت المباحثات من أجل التوصل إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، والتقى رئيس الموساد ددي برنيع ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطرية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للتباحث في هذا الشأن، ووصل وفد من حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية إلى القاهرة للتفاوض حول وقف إطلاق النار والاتفاق على صفقة لتبادل الأسرى والرهائن. ومع ذلك يبدو أنه من الصعب التجسير بين مواقف الطرفين، فحماس تشترط وقف إطلاق النار كلياً من أجل التوقيع على صفقة تبادل، في حين أن إسرائيل مستعدة لهدنة قصيرة لتبادل الرهائن والأسرى، وليس وقف إطلاق النار.

 

تناقش هذه الورقة مصير صفقة تبادل أسرى ورهائن بين حماس وإسرائيل، وخيارات إسرائيل لوقف إطلاق النار، وتحولات المشهد السياسي الإسرائيلي في المرحلة الراهنة جراء ذلك.

 

مباحثات صفقة تبادل الأسرى والرهائن

تجددت مباحثات عقد صفقة لتبادل الأسرى والرهائن بين حماس وإسرائيل من خلال الوساطة القطرية والمصرية، فقد عقد رئيس الموساد الإسرائيلي ددي برنيع لقاءات مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مباحثات بهذا الشأن في أوسلو، في حين تجري في مصر مباحثات مع حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية. وكانت الحكومة الإسرائيلية في البداية قد أقرت منع اللقاء الإسرائيلي القطري، ولكنها على ما يبدو وافقت على عقد اللقاء بشكل سري في أوسلو، فلم تقر الحكومة إجراء هذا اللقاء بين الطرفين[i].

 

تحاول الوساطة القطرية-المصرية والمدعومة أمريكياً العودة إلى الإطار السابق من الهدنة، غير أن الطرفين الإسرائيلي وحماس يرفضان ذلك أو يضع كل منهما شروطاً لا يقبلها الطرف الآخر. تُطالِب إسرائيل إجراء المباحثات تحت النار، وإكمال المسار السابق المتمثل في الإفراج عن النساء والأطفال، وهي مستعدة لإطلاق سراح مجموعة من ذوي الأحكام العالية في السجون الإسرائيلية، وزيادة دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وأن يكون ذلك مقابل هدنة من أسبوع إلى اثنين. في المقابل، تُكرِّر حركة حماس موقفها أن أي صفقة لتبادل الأسرى والرهائن مشروطة بوقف كامل لإطلاق النار أو هدنة طويلة الأمد، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

 

وأظهرت الحكومة الإسرائيلية بعد نهاية الهدنة الأولى موقفاً متشدداً لعقد صفقة جديدة لتبادل الأسرى والرهائن، غير أن عوامل عدَّة أدت إلى تغيير الموقف الرسمي الإسرائيلي، على الأقل في جانب التصريحات أمام المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي، وأهمها:

 

أولاً، الضغط الشعبي المتزايد على الحكومة الإسرائيلية للذهاب إلى هدنة وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، وقد زاد هذا الضغط بعد توقُّف الهدنة السابقة، وقتل بعض الرهائن لدى حركة حماس، ممَّا زاد من حدة الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على عقد هدنة جديدة. ففي استطلاع للرأي اُجري مؤخراً أشار 67% من الجمهور الإسرائيلي أنهم يؤيدون هدنة من أجل استعادة المحتجزين الإسرائيليين، مقابل 22% يعارضون ذلك[ii].

 

ثانياً، موت مجموعة من الرهائن بنيران الجيش الإسرائيلي، وفشل محاولات تحرير رهائن من خلال العمليات العسكرية، فمنذ بداية الحرب نجح الجيش الإسرائيلي بتحرير جندية واحدة من الأسر كانت محتجزة في مشارف شمال قطاع غزة.

 

ثالثاً، صعود تيار في المجتمع الإسرائيلي يَعتبِر أن تحرير الأسرى والرهائن الهدف الأساسي للحرب، حتى لو تطلَّب ذلك وقف إطلاق نار وانتهاء الحرب، ففي مقال لرئيس الحكومة السابق ايهود أولمرت أشار إلى أن تحرير الأسرى والرهائن هو الانتصار الحقيقي في الحرب، حيث إن البديل لذلك هو موت الرهائن وعدم القضاء على حركة حماس في نفس الوقت[iii].

 

رابعاً، استمرار الضغط الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة لتنفيذ هدنة تهدف إلى تحرير الرهائن من جهة، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة من جهة أخرى.

 

ومع ذلك فإن تحليل التصريحات الإسرائيلية، وخاصة التصريحات المتكررة لنتنياهو، تشير إلى أن إسرائيل تريد صفقة تبادل أسرى بشروطها فقط، وأنها لن تقبل وقف الحرب حتى تحقيق الهدف المتمثل في القضاء على حركة حماس، ففي تصريح أخير لنتنياهو قال “سوف نحارب حتى النصر، لن نوقف الحرب حتى تحقيق كل أهدافها، القضاء على حماس وتحرير جميع المختطفين، الخيار الذي أقدمه لحماس هو بسيط إما الاستسلام أو الموت، ولن يكون هنالك خيار آخر”[iv].

 

يشير هذا التصريح وغيره من التصريحات المثابرة لنتنياهو أنه يضع القضاء على حركة حماس كأولوية أولى للحرب، وذلك على الرغم من إدراك أغلب الخبراء العسكريين الإسرائيليين وجود تناقض بين القضاء على حركة حماس وتحرير المحتجزين، فالمضيّ في تحقيق العمليات العسكرية للقضاء على حركة حماس قد يقتل أغلب الرهائن إن لم يكن جميعهم، فلا مصلحة لحماس الاحتفاظ بهم أحياء إذا اقتربت لحظة قتلهم أو أسرهم. وهذا يعني عملياً أن نتنياهو مستعد للتضحية بحياة المحتجزين الإسرائيليين مقابل القضاء على حركة حماس، وذلك على الرغم من تصريحاته أمام عائلات الرهائن أنه يعمل لتحريرهم، وواضح أن ذلك هو بهدف تخفيف احتجاجهم وغضبهم على الحكومة، مع وجود من يعتقد بوجود خيار لتحرير المحتجزين من خلال عمليات عسكرية خاصة، مع العلم أنه خيار ضعيف ومعقد في نفس الوقت.

 

أمام الموقف الإسرائيلي، فإن حركة حماس أشارت بشكل مثابر أنها ترفض الذهاب لصفقة تبادل بدون وقف كلي للحرب على قطاع غزة، وأنها ترفض العودة إلى سياسة الهدن المؤقتة، ويمكن تفسير موقف حماس بأنها لم تعد تملك ورقة للضغط على إسرائيل سوى ورقة المحتجزين الإسرائيليين، وخاصة مع استمرار العمليات العسكرية المكثفة في جنوب قطاع غزة، وإصرار الحكومة والجيش على القضاء على الحركة، فلم يعد لديها مصلحة في الذهاب إلى هدنة مؤقتة لمنح إسرائيل جزءاً من أوراقها التي تضغط عليها من خلالها.  ويأتي موقف حماس من غياب تأثير حقيقي لخسائر الجيش الإسرائيلي، والتبعات الاقتصادية للحرب، والاحتجاج الشعبي الدولي لوقف الحرب على قرار الحكومة الإسرائيلية المضيّ بالعمليات العسكرية، وحتى وجود تأثير جوهري على موقف الشارع الإسرائيلي من استمرار الحرب للنهاية، مع التأكيد أن الشارع الإسرائيلي يؤيد الهدن، ولا يؤيد وقفاً تاماً للحرب.

 

خيارات إسرائيل لوقف إطلاق النار

يَظْهر في إسرائيل توجهات مختلفة حول اللحظة التي يمكن فيها وقف الحرب، على نحو ما يأتي:

 

أولاً، التوجه الذي يرى أن وقف القتال يكون من خلال تحقيق الهدف المركزي للحرب، وهو القضاء على البنية المدنية والعسكرية لحركة حماس، وهذا يعني أن على إسرائيل احتلال قطاع غزة وتفكيك هذه البنية، وقتل قيادات ومقاتلي حركة حماس.

 

يتطلَّب تحقيق هذا الخيار شهوراً وربما سنوات، ويقُود هذا التوجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي صرح عدة مرات أنه يريد إنهاء حالة قطاع غزة كتهديد على إسرائيل وأنه لن يقبل أن تكون غزة “لا حمستان ولا فتحستان”[v]. وهذا يحمل تفسيراً واحدا وهو احتلال قطاع غزة والبقاء فيها لفترة طويلة، وهو ما يتطلب سيطرة عسكرية وأمنية إسرائيلية وعودة الحكم العسكري والإدارة المدنية للقطاع، وهي عملياً حالة القطاع قبل اتفاق أوسلو. لذلك في تتبُّع لتصريحات نتنياهو، فإنه بدأ يعتمد سردية اتفاق أوسلو كنقطة بداية لكارثة السابع من أكتوبر، وعدم قبوله بعودة السلطة الفلسطينية للقطاع، وهو ترجمة لهذا التوجه.

 

في هذا التوجه يظهر اختلاف بين بني غانتس ونتنياهو، فالأول يؤيد استمرار الحرب حتى القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، ولكنه يرفض احتلالها والبقاء فيها، بل يُفضِّل تسوية سياسية بالتنسيق مع الولايات المتحدة تؤدي إلى ملء الفراغ في القطاع بعد تحقيق الهدف المركزي للحرب. يعارض غانتس الربط بين موضوع الأسرى والرهائن وبين القضاء على حركة حماس، ولا يرى تناقضَ بينهما، على عكس التوجه الثاني. لذلك يعتبر هذا الأمر من العوامل التي تدفع غانتس البقاء في حكومة نتنياهو، رغم التوتر الشديد بينهما.

 

ثانياً، التوجه الذي يرى في أن قضية الأسرى والرهائن هي القضية المركزية التي على إسرائيل إنجازها في هذه المرحلة من الحرب، وخاصة بعد الدمار الكبير الذي ألحقته الحرب بقطاع غزة عموماً، وحركة حماس خصوصاً، وصعوبة عودة حماس للحكم من جديد حتى لو انتهت هذه الحرب في هذه المرحلة. ويشير هذا التوجه، الذي عبّرت عنه قيادات سياسية وعسكرية وأمنية سابقة[vi]، أن من واجب الدولة إرجاع المحتجزين الإسرائيليين أحياء، وهي الأولوية الأولى والمركزية، ويتَّهِم هذا التوجه بنيامين نتنياهو بإدارة الحرب وفق أجندات سياسية شخصية.

 

ثالثاً، التوجه الذي ينطلق من أن نهاية الحرب يجب أن تكون بعد اعتقال أو اغتيال قيادات حماس العسكرية والسياسية المركزية في قطاع غزة، وفي مقدمتهم يحيى السنوار ومحمد ضيف. يختلف هذا التوجه عن التوجه الأول في أنه يعتقد أن صورة الانتصار في الحرب هي في القبض أو قتل قيادات حماس المركزية، وبعدها تنهي إسرائيل الحرب وتنسحب من قطاع غزة.

 

رابعاً، ما يمكن تسميته بالتوجه الدبلوماسي، وهو التوجه الذي يعتقد أن هدف الحرب الأساسي تحقيق المصالح السياسية والاستراتيجية التي تصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وأنه بتحقيق الهدف السياسي للحرب المتمثل في التوافق على سلطة فلسطينية في قطاع غزة بدعم دولي وإقليمي ستكون النقطة التي تنتهي بها الحرب[vii].

 

تتقاطع هذه الخيارات مع بعضها، فالتوجه الثاني والرابع يتقاطعان مع بعضهما سياسياً وحتى في القطاعات السياسية والاجتماعية التي تؤيده. ويعتقد أصحاب التوجه الرابع تحديداً أن التوجه الأول (توجه نتنياهو) يفتقد لتصور سياسي بعد الحرب، وغياب مفهوم واضح لمعنى “القضاء على حركة حماس”، ويَعتقد هذا التوجه أن الحل الدبلوماسي هو بعودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وتوحيد الضفة وغزة تحت سلطة فلسطينية واحدة فاعلة، معتبرين أن المعنى الجوهري للتوجه الأول هو احتلال قطاع غزة والبقاء فيها لسنوات، وهو أمر غير مقبول دولياً، لاسيّما لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ولن تقبل به حتى الدول العربية المعتدلة، وسيكون عبئاً أمنياً ومدنياً كبيراً على إسرائيل.

 

ففي ورقة أعدها معهد دراسات الأمن القومي، تشير إلى أهمية تبنّي إسرائيل مشروع توحيد غزة والضفة الغربية تحت حكم السلطة الفلسطينية، وبغياب ذلك فإن إسرائيل ستضطر، أولاً، إلى السيطرة على قطاع غزة؛ وثانياً، عودة الفوضى لقطاع غزة والتي ستؤدي إلى صعود حماس من جديد؛ وثالثا، ستضطر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي فرض حل سياسي على إسرائيل سيكون في عودة السلطة الفلسطينية للقطاع، وبذلك فإنه من الأفضل تبنّي هذا الخيار كخيار سياسي إسرائيلي بداية وباتفاق مع إسرائيل[viii].

 

ينسجم التوجه الدبلوماسي مع الموقف الأمريكي تماماً، ففي زيارته لإسرائيل في 14 ديسمبر قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة تضع خياراً وحيداً أمامها، وهو توحيد غزة والضفة الغربية تحت حكم سلطة فلسطينية متجددة. ويتناقض هذا التوجه مع التصريحات المتعاقبة لنتنياهو الذي قال إنه لن تكون عودة للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة ما دام رئيساً للحكومة في إسرائيل، وهذا معناه من وجهة النظر الأمريكية وأصحاب التوجه الدبلوماسي الإسرائيلي بقاء إسرائيل في قطاع غزة كدولة محتلة. لذلك تَعتبِر الولايات المتحدة ومؤيدو هذا التوجه في إسرائيل أن التخلص من نتنياهو وحكومته هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الرؤية بعد الحرب.

 

وبدأت في إسرائيل مظاهرات تُطالِب باستقالة نتنياهو حتى لو لم تنته الحرب، فقد أشار استطلاع جديد أن 72% من الجمهور الإسرائيلي يطالب باستقالة نتنياهو فوراً أو بعد الحرب مباشرة، إذ إن 31% يؤيدون استقالته فوراً، في حين 41% يؤيدون استقالته بعد الحرب مباشرة[ix].

 

خلاصة واستنتاجات 

تُشكِّل قضية الأسرى والرهائن الإسرائيليين معضلة كبيرة للحكومة الإسرائيلية. فمن جهة يتصاعد الضغط الشعبي على الحكومة لتحرير المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، ومن جهة أخرى فإن موقف حماس وباقي الفصائل الفلسطينية يربط إبرام صفقة تبادل أسرى ورهائن بوقف الحرب كُلياً.

 

ويمكن القول إن نتنياهو لا يضع قضية الأسرى والرهائن كقضية محورية، وهو مستعد للاستمرار بالحرب حتى لو لم يتم حل هذه القضية، في حال كان الخيار الوحيد للحل هو وقف كامل لإطلاق النار. فالحكومة الإسرائيلية مستعدة لهدنة طويلة نسبياً (حتى أسبوعين) وإطلاق أسرى فلسطينيين مركزيين (مثل مروان البرغوثي) بشرط أن تكون الهدنة مؤقتة. وفي حال عدم توفر هذا الخيار فإن الحكومة ستُقرر الاستمرار بالحرب حتى لو أدى ذلك لقتل رهائن إسرائيليين كما حدث في المرات السابقة، وستتَّهِم الحكومة حركة حماس بعدم القبول بالصفقة.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/bantzar-an-t-a-r-f-alharab-hadf-ha-qdhiah-alrhaan-wkhiarat-israail-loqf-italaq-alnar-fi-ghzah

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M