خلال أسبوع واحد، أعلنت ثلاثة بنوك أمريكية كبرى إفلاسها، فقد أعلنت السلطات الأمريكية، الأحد 12 مارس 2023، إفلاس بنك “سيجنتشر”، بعد أن أعلنت إفلاس كل من “سيلفرجيت كابيتال بنك” و”سيليكون فالي بنك”. وما إن بدأ نزيف البنوك الأمريكية حتى انطلقت التكهنات بأن التاريخ يعيد نفسه وأزمة 2008 على وشك أن تخيم آثارها على العالم أجمع قريبًا. فلماذا أفلست هذه البنوك؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة للتعامل مع الأزمة؟ وما هي التداعيات المتوقعة للأزمة الراهنة.
أسباب الأزمة
كانت البداية في 8 مارس مع إصدار بنك سيلفر جيت كابيتال Silvergate Capital – واحد من أكبر البنوك المنخرطة بمجال العملات الرقمية المشفرة ويملك أصولًا تزيد قيمتها على 11 مليار دولار- بيانًا أكد فيه أنه سوف يتم وقف عملياته وبدء تصفية أصول البنك. وعلى خلفية ذلك، انخفض سهم بنك “سيلفرجيت” بأكثر من 36 ٪ في التداولات بعد نهاية ساعات العمل. وتعتبر بورصة العملات الرقمية المشفرة المفلسة FTX أحد أهم عملاء البنك، وأكد البنك إنه سيتم سداد وإعادة جميع ودائع العملاء بالكامل، حسب ما جاء في خطة التصفية المنشورة، ولم تذكر الشركة كيف سوف تتعامل مع مطالبات الدائنين.
بداية نهاية بنك “سيلفر جيت” كانت لها بعض المؤشرات المبكرة منذ بداية العام؛ ففي مطلع الشهر الجاري تم الإعلان عن تأجيل تقديم التقرير المالي السنوي لعام 2022 إلى حين الانتهاء من تقييم “جدوى” استمراره في ممارسة الأعمال. الأمر الذي دفع العديد من شركات العملات الرقمية المشفرة مثل بورصة كوين Coinbase (NASDAQ:COIN) وشركة إدارة الأصول الرقمية المشفرة Galaxy Digital إلى المسارعة بقطع علاقاتها مع البنك. هذا إلى جانب إعلان الشركة في يناير الماضي عن خسارة صافية بلغت حوالي مليار دولار في الربع الرابع من العام 2022، وتم تسريح 40 % من القوى العاملة في البنك، وذلك نتيجة هروب رؤوس الأموال من سوق العملات الرقمية، المجال الأساسي لعمل البنك.
وفي 10 مارس، أغلق المنظمون الأمريكيون بنك سيليكون فالي Silicon Valley Bank (SVB) –وهو بنك تجاري يركز بشكل أساسي على قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، ويعتبر البنك هو شركة تابعة لشركة قابضة تعرف باسم سيليكون فالي فاينانشال، ويحتل المركز ال١٦ من حيث حجم الأصول في قائمة البنوك الأمريكية المؤمن علي اموال مودعيها حتي ٢٥٠،٠٠٠ دولار للمودع، وتبلغ قيمة أصوله حوالي ٢١٠ مليار– ففي خلال الأسبوع الأول من الشهر شهد البنك تدافع المودعين لسحب الودائع بكميات افتقر معها البنك للسيولة التي تلبي طلبات المودعين. وفي يوم الجمعة، 10 مارس، استولت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع FDIC على البنك.
بداية الأزمة عندما استخدم SVB الأموال لشراء استثمارات الديون طويلة الأجل لكسب المزيد من الأموال مع انخفاض أسعار الفائدة، دون اتخاذ تدابير وقائية كافية، مما عرض البنك لما يعرف باسم مخاطر سعر الفائدة. لكن مع رفع البنك الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة لعدة مرات متتالية وبسرعة، واندفاع المودعين –أغلبهم من الشركات التكنولوجية الناشئة- لسحب أموالهم لتوفير سيولة مالية لمواصلة العمل ودفع أجور العمال في ظل السياسة النقدية المتشددة، خاصة مع حالة الذعر التي انتابت المودعين بعد إعلان إعسار بنك سيلفر جيت؛ اضطر بنك SVB إلى بيع استثماراته بخسارة، الأمر الذي حال دون قدرة البنك على استكمال عمله، نتيجة أزمة سيولة ناتجة عن خسائر غير متوقعة في محفظة القروض.
وعن فروع البنك في العالم، فقد سارعت الشركات إلى تقييم تداعيات انهياره على أوضاعها المالية، وأقدم بنك H.S.B.C على شراء الذراع البريطانية لبنك سيليكون فالي مقابل جنيه إسترليني واحد. ورغم صغر حجم الوحدة البريطانية للبنك، فإن انهياره المفاجئ أثار دعوات للحكومة البريطانية لمساعدة قطاع الشركات الناشئة البريطاني ولا سيما قطاع التكنولوجيا الحيوية صاحب التعرض الكبير للبنك.
وفي صبيحة يوم 13 مارس، أغلق “سيجنتشر بنك” أبوابه -وهو أحد أكبر وجهتين في الولايات المتحدة لشركات التشفير، ولديه 88.59 مليار دولار من الودائع اعتبارًا من 31 ديسمبر 2022- من قبل المنظمين في نيويورك، بحسب ما أعلنته وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع في بيان مشترك. وأفاد البيان بأن هناك خطة إنقاذ مماثلة لتلك المنفذة لسيليكون فالي، وسيحصل المودعون على جميع أموالهم، ولن يكون هناك أي عبء على دافعي الضرائب، وأرجع البيان أسباب الإغلاق إلى مخاطر نظامية تتجنبها الولايات المتحدة.
يذكر أن مؤسسة التأمين الفيدرالية (FDIC) أنشأت كيانًا لحماية المودعين المؤمن عليهم لدى البنك حتى الحد القانوني البالغ 250 ألف دولار، ولكن ما يقرب من 85٪ إلى 90٪ من ودائع البنك غير مؤمنة. وعادة في حالة فشل البنك، سيستعيد هؤلاء المودعون أموالهم بخصم 15٪ إلى 20، سيكون هذا بلا شك صعبًا للعديد من العملاء، والقلق الآن هو أن المودعين في البنوك الأخرى سوف يفرون بأموالهم.
إجراءات طارئة
بدأت السلطات الأمريكية إجراءات طارئة يوم 12 مارس لتعزيز الثقة في النظام المصرفي الأمريكي، حيث قررت مؤسسة التأمين الفيدرالية والحكومة الأمريكية تعويض كافة المودعين على حد سواء (المؤمن/غير المؤمن عليهم)، إلا إنها شددت على أن قرارها بتعويض المودعين غير المؤمن عليهم هو حالة خاصة ولن ينطبق على الجميع.
هذا بخلاف إصدار الرئيس جو بايدن بيانًا بشأن إجراءات تعزيز الثقة في النظام المصرفي، أكد فيه أن وزيرة الخزانة ومدير المجلس الاقتصادي الوطني عملا بجد مع المنظمين المصرفيين لمعالجة المشكلات في بنك “سيليكون فالي” وبنك “سيجنتشر”. وتوصلوا إلى حل سريع يحمي العمال الأمريكيين والشركات الصغيرة، ويحافظ على النظام المالي آمنًا. ويضمن الحل أيضًا عدم تعريض أموال دافعي الضرائب للخطر. وشدد على إنه يمكن للشعب الأمريكي والشركات الأمريكية أن يثقوا في أن ودائعهم المصرفية ستكون موجودة عندما يحتاجون إليها.
ووجه بايدن كلمة قصيرة من البيت الأبيض، أعلن فيها أنه سيطلب من الكونجرس “تعزيز” القواعد الناظمة للقطاع المصرفي التي سبق وشددت بعد كارثة انهيار مصرف ليمان براذرز العام 2008 قبل أن يخففها الرئيس السابق دونالد ترامب. مشددًا على محاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى.
ووسط هذه الأزمة، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي أيضًا أنه سيضع برنامج إقراض طارئ، بموافقة وزارة الخزانة؛ لتوجيه التمويل إلى البنوك المؤهلة والمساعدة في ضمان قدرتها على “تلبية احتياجات جميع المودعين”. وسيتم دعم برنامج الإقراض الجديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بمبلغ 25 مليار دولار نقدًا من وعاء مالي في وزارة الخزانة.
وعلى الرغم من ذلك، لا تعد الإجراءات الأمريكية خطة إنقاذ؛ فهي مجرد إجراءات لحماية المودعين، وتأكيد الثقة في النظام المصرفي، لمنع انتشار عدوى سحب الودائع الجماعي من البنوك الأمريكية، وانهيار النظام المصرفي، إلا إنها لن تحمي المساهمين وحملة الديون غير المضمونين في البنك المنهار.
ولم تكن حملة الطمأنة المصرفية أمريكية فقط، بل امتدت إلى أنحاء أوروبا في محاولة لتفادي سيناريو سبتمبر 2008، وانتقال عدوى الإفلاس إلى بنوك أوروبا. حيث أكد مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي باولو جينتيلوني أن انهيار بنك سيليكون فالي في الولايات المتحدة لا يمثّل تهديدًا خطيرًا لأوروبا، فيما لم ينفِ بعض التأثيرات غير المباشرة. وفي هذا الصدد، شددت وزيرة الخزانة الأمريكية على أنه في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 تم وضع ضوابط جديدة للنظام المالي والمصرفي، خاصة فيما يخص مراقبة رأس المال والسيولة، وتم اختبار ذلك خلال الأيام الأولى للوباء، وأثبتت هذه الضوابط مرونتها حتى يتمكن الأمريكيون من الثقة في سلامة النظام المصرفي.
تداعيات متعددة
على الرغم من أن حالات الإفلاس التي تم إعلانها لم يمر عليها سوى بضعة أيام، ورغم تأكيدات بايدن والمسؤولين الاقتصاديين بالولايات المتحدة وأوروبا حول متانة النظام المصرفي؛ فإنها لم تكن كافية لكسب ثقة المستثمرين، خاصة مع تأكيد مؤسسة التأمين الفيدرالية والحكومة الأمريكية أن قرارها بتعويض المودعين غير المؤمن عليهم حالة خاصة، مما يشير إلى إنها إشارة مقلقة لجميع الأسواق المالية.
وهو ما يستدعي على جميع المؤسسات المالية تقييم نماذج “الأصول والالتزامات ALCO” الخاصة بها، فقد تكون هناك مؤسسات مصرفية أخرى قد قامت بتكرار نموذج الأصول والمسؤوليات الخاص بـ SVB. وبالتالي، قد تتعرض مؤسسات إضافية لضغوط السيولة التي قد تتحول إلى أزمة ملاءة مالية، وتكون أمام واحدة من اختيارات أسهلها صعب؛ فإما أن يتم استيعابها من قبل مؤسسة أكبر، أو تقيم شراكة مع مؤسسات أخرى أكثر سيولة لإنشاء كيان أو اتحاد أكثر قوة؛ أو التلاشي وحل المؤسسة. والأمر غير مقتصر على المؤسسات المالية الأمريكية فقط، فقد تنتقل العدوى لأوروبا، خاصة بتكرار نموذج SVB في المملكة المتحدة، لا سيما أن المشهد تكرر خلال الأزمات المالية السابقة في أعوام 1991 و2000 و2008.
وكان لإعلان افلاس البنوك الثلاث آثار مدوية خلال الساعات والأيام القليلة اللاحقة للإعلان، كاستمرار خسائر أسهم البنوك العالمية، وأصبحت أسواق الأسهم العالمية والدولار الأمريكي تحت الضغط؛ فقد ارتد سعر الدولار الأمريكي من أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر حيث انخفض مؤشر الدولار من حوالي 106 نقاط إلى حوالي 103 نقاط، بينما خسرت المؤشرات الرئيسة في “وول ستريت” ما يصل إلى 2% في جلسة الجمعة، إلا أن أسعار الذهب ارتفعت –بوصفه الملاذ الأمن الآن- لتصل إلى مستوى 1880 دولارًا للأوقية، مسجلة ارتفاعًا حوالي 65 دولارًا للأوقية منذ أدنى مستوياتها يوم الخميس عند حوالي 1815 دولارًا.
كذلك خسرت أسهم البنوك الأسترالية الكبيرة إيه.إن.زد ووستباك وإن.إيه.بي أكثر من 2%، وهوى المؤشر الفرعي للقطاع المصرفي في بورصة طوكيو 6.7% في مستهل التعاملات، مسجلًا أدنى مستوياته منذ ديسمبر. وخسرت البنوك الأمريكية نحو 90 مليار دولار من قيمتها بسوق الأسهم يوم 13 مارس؛ لترتفع خسائرها خلال جلسات التداول الثلاثة الماضية إلى نحو 190 مليار دولار. وأغلق مؤشر القطاع المصرفي الأوروبي منخفضًا 5.7%.
وكواحد من أهم القطاعات المحتمل تأثرها بالأزمة قطاع التكنولوجيا، فقد أثار انهيار بنك سليكون فالي مخاوف من أن عملاء الشركات الصغيرة لن يكونوا قادرين على دفع رواتب الموظفين، وهو ما يقلل من فرص نموها، بل قد يلجأ بعضها إلى تسريح عدد من العمال، فعدم تأمين الدعم المالي المستدام لهذه الشركات قد يتسبب في انكماش قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة على المدي الزمني البعيد والمتوسط بوصفها مشاريع محفوفة بالمخاطر، ويصعب توفير مصادر رأس مال وتمويل لها، خاصة أن بنك SVB كان يوفر حزم الإقراض المعقدة التي يطلبها العملاء التقنيون غالبًا، على الجانب الآخر، من المتوقع أن يكون المقرضون أكثر “صرامة” عندما يتعلق الأمر بتمويل الشركات الناشئة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، فقد يكون من الصعب على رواد الأعمال الحصول على تمويل ميسر خلال الفترة المقبلة، مما يؤدي إلى تباطؤ القطاع.
وقد يمتد هذا التباطؤ إلى النمو الاقتصادي، خاصة وأن قطاع التكنولوجيا أصبح محركًا رئيسًا للنمو الاقتصادي والتوظيف في العديد من المناطق، لذا من المتوقع أن يكون لإفلاس بنك SVB أثر غير مباشر على النشاط الاقتصادي، ونمو الاقتصاد الأمريكي والدول التي تعتمد على صناعة التكنولوجيا في الصادرات والاستثمارات. وتعد الشركات الهندية الناشئة أكثر المتضررين من سقوط SVB؛ لكون الولايات المتحدة هي أكبر مصدر لتمويل الشركات الهندية الناشئة، لذا من المتوقع أن ينخفض سوق الاكتتابات الأولية في المدى القريب ،في حين أن سوق الأسهم سيكون تحت ضغط هائل في الولايات المتحدة.
بل أن الأثر الأكبر بعيد المدى الذي يُخشى وقوعه، انتشار عدوى الإفلاس بشكل أوسع، واستمرار حالة الاضطراب لتصيب قطاعات أخرى بخلاف قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، وتتحول إلى أزمة مالية أخرى وركود عميق، تؤدي إلى انخفاض في الإنفاق الاستهلاكي وخسائر هائلة في الوظائف.
وعلى صعيد تحريك أسعار الفائدة، فقد تتسبب حالة الإفلاس الأخيرة في حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة؛ فمن المحتمل أن يجبر إفلاس ثلاثة بنوك أمريكية -مع توقعات بمزيد من الإفلاسات – بنك الاحتياطي الفيدرالي على إيقاف زيادة أسعار الفائدة خلال اجتماعه المنتظر نهاية الشهر الجاري (22 مارس)، على الرغم من أن التضخم هو التهديد الحقيقي للاقتصاد. ومن المتوقع أن يستمر التضخم في الارتفاع عندما تتدفق التدفقات النقدية في الاقتصاد بعد أن تتداول البنوك في أوراقها المالية التي تم تخفيض قيمتها.
في المجمل العام، رغم تدخل الحكومة الأمريكية بضخ عشرات مليارات الدولارات لاحتواء الأزمة وتجنب توسعها، إلا أن الصناعة المصرفية الأمريكية التي تعافت مؤخرًا فقط بعد الانهيار المالي لعام 2008، تعاني وستعاني مرة أخرى من فقدان الثقة واستمرار حالة الذعر بين أصحاب الحسابات -حتى وإن كانت بشكل محدود- وهو ما قد يدفع البعض إلى البحث عن بدائل استثمارية بخلاف الخدمات المصرفية، كالاستثمار في الذهب والعقارات.
هل يتكرر سيناريو 2008؟
كان إفلاس ثلاثة بنوك أمريكية وعلى رأسها بنك SVB مدعاة للتوجس من تكرار سيناريو الأزمة المالية العالمية عام 2008، خاصة مع وجود عامل مشترك بين الحادثين؛ فقد عمل جوزيف جنتيل كمدير مالي (CFO) في بنك الاستثمار العالمي Lehman Brothers من قبل الانهيار العام في عام 2008، قبل انضمامه إلى بنك SVB كرئيس إداري في عام 2007، في إشارة إلى إفلاس بنك Lehman Brothers في عام 2008 رغم كونه رابع أكبر بنك استثماري أمريكي وقتها والذي انهار في 15 سبتمبر 2008، وكان سبب اندلاع الأزمة المالية العالمية.
ورغم بعض التشابه بين المشهدين، إلا أن تكرار المشهد كاملًا ليس بالضرورة أن يحدث؛ نظرًا إلى أن حجم البنوك التي أعلنت إفلاسها متوسط، ولأن البنوك الاربعة الكبرى (ذات الأهمية الهيكلية) لديها ملاءة مالية أعلى كثيرا مما سبق ٢٠٠٨، فمن غير المتوقع ان تتوسع تلك الازمة لتضرب الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، خاصة مع تدخل الحكومة الأمريكية علي غير العادة وضمان ودائع جميع المودعين في تلك المصارف وهو ما لم يحدث في عام 2008.
وعلاوة على ذلك، فإن مخاطر عدوى الإفلاس داخل النظام المصرفي محدودة، ومتوقع حدوثها حال استمرار السياسات المالية كما هي واضطلاع البنك الفيدرالي برفع معدلات الفائدة بشكل كبير ومتسارع باجتماعه القادم لتقويض التضخم والذي يعد أغلبه مستورد على خلفية تعطل سلاسل الامداد والتوريد، والحرب الروسية الأوكرانية ويمكن تقليله من خلال دفع عجلة الإنتاج وتعزيز الصناعات الوطنية- ويمكن تلاشيها بمراجعة السياسات الاستثمارية للبنوك وخاصة الهشة منها، والتي تعتمد على قطاع استثماري واحد. وهو ما يتطلب دراسة أوضاع البنوك الصغيرة التي قد تتعرض العديد منها للانهيار أو عدم القدرة على الإقراض؛ فقد تتكبد هذه البنوك بالكثير من الخسائر في محفظة سنداتها، أو تتعسر، حال بيعها بالقيمة السوقية.
ولا ينذر إفلاس SVB بتكرار سيناريو عام 2008؛ إذ يمكن اعتبار إفلاس بنوك “سيليكون فالي” و”سيلفر جيت” و”سيجنتشر” حوادث منعزلة لسوء الإدارة، وقد أصبح النظام المصرفي أكثر قدرة على المقاومة ولديه أساس أفضل بكثير مما كان عليه قبل الأزمة المالية لعام 2008. لكن قد تمثل الأزمة الحالية بداية مرحلة الانكسار، لا سيما وأن القطاع المالي أثبت أنه الأكثر ضعفًا، وسيتعين تحجيم الأزمة وتداعياتها وإلا انتقلت العدوى لبنوك أكبر ولدول أخرى، فالثقة هي الحصن الوحيد ضد تأثير الدومينو واسع النطاق للأزمة.
وفي الختام، في ضوء ما قامت به الحكومة الأمريكية لاحتواء الموقف، يمكن القول إنه لا يوجد أي تأثير سلبي علي مناخ الاعمال في مصر بالنسبة للشركات الناشئة، ولا يوجد تأثير على المصارف المصرية في ضوء ما أشار إليه البنك المركزي من عدم وجود ودائع لبنوك مصرية ببنك “سيليكون فالي”. لكن الأثر الإيجابي سيكون في إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة الأمريكية أو اقتراب موعد خفض الفائدة، وهو ما سيكون له اثر إيجابي بخفض قوة الدولار الأمريكي، وتخفيف الضغط علي أسعار العملات الناشئة، وعودة استثمارات الحافظة الأجنبية للبحث عن سندات الأسواق الناشئة مرة أخرى، وهو ما يعني أن لذلك الحادث أثر إيجابي علي الأسواق الناشئة ومصر يمكن أن نشهده خلال الأشهر المقبلة.
.
رابط المصدر: