مصر الثانية عربيًا والخامسة عالميًا.. قراءة في مقومات تصدير الغاز إلى أوروبا

أحمد بيومي

 

الثانية عربيًا والخامسة عالميًا من بين مصدري الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي، تلك هي النتيجة الحتمية لإصلاحات هيكلية واستراتيجية بذلتها مصر خلال السنوات الثماني الماضية لضمان بقاء قطاع الطاقة في الصدارة بالنسبة للاقتصاد المصري، شهدت تلك الجهود إصدار عطاءات دولية وتكثيفًا لعمليات البحث والاستكشاف، الأمر الذي انعكس على زيادة معدلات الإنتاج المحلي والتوسع في التوجه نحو التصدير، استغلالًا لموقع مصر الاستراتيجي وخاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط وحضورها كلاعب رئيس في العديد من منتديات ومؤتمرات الطاقة الدولية الهامة، التي دعمت مركزها لتكون أحد أهم حلول أزمة الطاقة الأوروبية.

قصة نجاح

خلال السنوات الثماني الماضية، نجح قطاع النفط والغاز المصري في تحقيق تقدم ملحوظ بالاقتصاد كقطاع رائد، من خلال مساهمته في تعزيز صادرات مصر واستقطاب استثمارات أجنبية مباشرة للاقتصاد المصري. تُم استثمار ما يُقارِب من 76.2 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 2014-2022. تنقسم تلك الاستثمارات إلى46.2 مليار دولار في مشروعات تم تنفيذها بالفعل، و 11.9 مليار دولار في مشروعات جارٍ تنفيذها، بالإضافة إلى مشروعات تحت الدراسة بقيمة 18.1 مليار دولار. كان لتلك الاستثمارات الكبيرة نتيجة إيجابية في تحقيق ميزان الطاقة المصري (الفرق بين الصادرات والواردات بالميزان الجاري) فائضًا إيجابيًا ارتفع إلى 3.1 مليارات دولار في عام 2022 مقابل 300 مليون دولار في عام 2020.

تم تنفيذ برنامج عمل مكثف خلال السنوات الثماني الماضية لزيادة احتياطيات مصر من النفط والغاز عن طريق إصدار عطاءات دولية وتكثيف أنشطة البحث والاستكشاف، هذا فضلًا عن الاستكشاف في مناطق جديدة مثل المنطقة الغربية للبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، والذي كان له نتائج مثمرة في خلق بيئة جاذبة للاستثمار لشركات النفط العالمية لضخ استثماراتهم في مصر، وقد نجحت تلك الاستراتيجية في جذب أكبر شركتين عالميتين في ذلك المجال، وهما إكسون موبيل وشيفرون.

من جانب آخر، شهد إنتاج الغاز الطبيعي زيادة كبيرة في السنوات الماضية حيث ارتفع مع 1.56 مليون برميل مكافئ من النفط يوميا في العام 2014/2015 ليصل إلى 1.7 مليون برميل نفط مكافئ في اليوم في العام 2021/2022، وقد وصل الإنتاج في شهر أغسطس من عام 2019 الإنتاج الأعلى عند مستوى 1.93 مليون برميل نفط مكافئ.

ومع استئناف تصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG) من مصنع الإسالة بدمياط بعد توقف دام ثماني سنوات، شهد إنتاج الغاز الطبيعي المسال تحولًا تاريخيًا؛ إذ تحولت مصر من مستورد للغاز الطبيعي المسال إلى مصدّر له في عام 2019، واحتلت مصر المرتبة الأولى بين الدول العربية في تحقيق نمو في حجم صادرات الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال في الربع الثالث من عام 2021، وبلغ إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال 7.8 مليارات دولار في عام 2022. أما عن إجمالي صادرات الغاز (مسال وغير مسال) فقد بلغ 9.9 مليارات دولار في عام 2022. وكانت أوروبا من بين المناطق الأهم عالميًا التي ذهبت إليها صادرات مصر من الغاز المسال، حيث توجهت نصف صادرات مصر تقريبًا إلى الاتحاد الأوروبي بقيمة نحو 4.8 مليارات دولار، لكن أهمية ذلك الرقم هو أن الشحنات المصرية لأوروبا زادت بمقدار عشرة أضعاف تقريبًا.

أوروبا والغاز

بالنظر إلى وضع أوروبا المتعطش للغاز والسعي الدائم إلى تأمين احتياجاتها من الغاز لأغراض الاستهلاك المنزلي أو الصناعي، فقد كان لخفض الإمدادات الروسية من الغاز بنسبة 80 % أثر كبير على توفير احتياجات الغاز في أوروبا، وهو ما دفعها إلى زيادة إنفاقها على الغاز المسال والمنقول عبر الأنابيب بمقدار 3.3 مرة لترتفع إلى 222.5 مليار يورو في عام 2022 مقابل 66.8 مليار دولار وفقا لبيانات المركز الإحصائي الأوروبي.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وقطر من بين الدول الثلاث الأكثر تصديرًا للاتحاد الأوروبي، حيث بلغت شحناتهم 51.7 مليار دولار، و 50.9 مليار دولار، و 17.2 مليار دولار على التوالي. من جانب آخر فقد استمر استيراد أوروبا للغاز عبر الأنابيب، وقد ظلت روسيا في الصدارة من حيث الصادرات إلى أوروبا بإجمالي 33.5 مليار دولار، تلتها النرويج بإجمالي صادرات بقيمة 22.6 مليار دولار، ثم الجزائر بإجمالي صادرات بلغ 18.9 مليار دولار.

آفاق مصرية

يبدو أن أمام مصر فرصة حقيقة لملء المساحة الفارغة في أوروبا، أوروبا المتعطشة للغاز صاحبة شركات النفط والتنقيب العملاقة والإمكانيات التكنولوجية الهائلة والموارد المالية الكبيرة لديها استعداد للإنفاق والاستثمار في منطقة حوض البحر المتوسط كمنطقة جغرافية بعيدة تمامًا عن المشاكل الجيوسياسية التي تأتي لها من الجانب الروسي، وهي الفرصة التي تنتظرها مصر ودول منتدى غاز شرق المتوسط؛ إذ يمكن للتمويل الأوروبي والتكنولوجيا الأوروبية أن تخطو خطوات واسعة في عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب عن الطاقة والغاز بتلك المنطقة القريبة إلى أوروبا، وإنشاء بنية تحتية (أنابيب الغاز) في منطقة شرق المتوسط لتكون بوابة عبور الغاز إلى أوروبا، خاصة وأن الدراسات المبدئية لتلك المنطقة تشير إلى وجود احتياطيات هائلة بمنطقة شرق المتوسط يمكنها تعويض أوروبا عن الغاز الروسي.

وعلي الرغم من أن البنية التحتية النفطية بين روسيا وأوروبا استغرقت ثلاثة إلى أربعة عقود لتكون جاهزة لتصدير الغاز إلى أوروبا، إلا أن التكنولوجيا والاحتياج الأوروبي يمكنه أن يلعب دورًا في تقليص ذلك الوقت إلى حد كبير، خاصة وأن أوروبا تسابق الزمن لتأمين احتياجاتها من الغاز قبل كل شتاء، ولا يتعلق الامر بتأمين احتياجات فقط، بل بتأمين احتياجاتها من مصادر منخفضة التكلفة، لأن ارتفاع تكلفة الغاز يؤثر بشكل أساسي على الاقتصاد الأوروبي وعلى الصناعة، ويهدد بإغلاق المصانع الأوروبية ونقلها إلى أرجاء أخرى من العالم منخفضة تكلفة الطاقة، وهو ما يعني أن باب التفاوض مع الشركات والحكومات الأوروبية لتمويل وتنفيذ مشروع الأنابيب النفطية للربط بين منطقة شرق المتوسط ومنها مصر واليونان ثم أوروبا هو أمر مطروح وبقوة في الوقت الحالي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76085/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M