بيئة مُحفّزة.. هل يتحول السودان إلى بؤرة جديدة لداعش في شرق إفريقيا؟

منى قشطة

 

يشهد السودان منذُ الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري سلسلة من الأحداث المتعاقبة بدأت مع تحركات عسكرية شهدتها العاصمة الخرطوم، أسفرت عن حل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضائه، وإعلان حالة الطوارئ بالبلاد، فضلًا عن حل مجلس الوزراء واعتقال أغلب الوزراء في حكومة “عبد الله حمدوك” وبعض القادة المدنيين في البلاد.

وفي ضوء هذه التطوَّرات تسعى هذه الورقة إلى رصد التحديات التي يعيشها السودان في الوقت الراهن، والتي قد تمثل بيئة جاذبة لنشاط الجماعات الإرهابية المتنامي في إفريقيا، وتُسلط الضوء على مساعي وأهداف تنظيم “داعش” من الحضور في السودان.

بيئة محفزة للنشاط الإرهابي

يواجه السودان جُملة من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمثل بلا شك بيئة خصبة لجذب الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، وعلى رأسها تنظيمي داعش والقاعدة. ويمكن بيان أبعاد هذه التحديات على النحو التالي:

• احتدام الأزمة السياسية: يعيش السودان منذُ سقوط نظام الرئيس السابق “عمر البشير” (2019) أزمة سياسية خانقة، ارتبطت بشكل رئيس بالصراع والتجاذبات المستمرة بين المكونين “المدني” و”العسكري” وهو الصراع الذي يُمكن إيعازه إلى جملة من العوامل، على رأسها فقدان الثقة بين الطرفين، وتنازع الاختصاصات فيما بينهما. وهو ما انعكس بدوره على جهود مكافحة الإرهاب، واستتباب الأمن والاستقرار في البلاد.

• تردي الأوضاع الاقتصادية: يُعاني السودان من أزمة اقتصادية متفاقمة، كانت السبب الأكبر للإطاحة بنظام حكم “البشير”، وكان لتفشي أزمة فيروس كورونا المستجد، وارتفاع معدلات التضخم والديون الهائلة،  والفيضانات الموسمية التي تتعرض لها عدة مناطق في السودان، إلى جانب تطورات الأزمة السياسية بالبلاد بصمات واضحة في تفاقمها؛ إذ ارتفعت معدلات التضخم في البلاد مؤخرًا إلى مستويات غير مسبوقة تخطت 400%، وهو ما تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب ضعف مستوى الخدمات المُقدمة للمواطنين؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى اندلاع سلسلة من الاحتجاجات في مناطق مختلفة من السودان طيلة الأشهر الماضية للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية المتأزمة بالبلاد.

وعلى إثر الاحداث الأخيرة في السودان التي بدأت في 25 من أكتوبر الجاري، من المتوقع أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، ولا سيما بعد تلويح العديد من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا بقطع المساعدات المالية عن السودان. وكانت واشنطن (المانح الأكبر للسودان) قد أعلنت بالفعل عن تعليق حزمة دعم اقتصادي بقيمة 700 مليون دولار تهدف إلى مساعدة التحول الديمقراطي في السودان، بعد قيام رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بإعلان حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ في البلاد.

• الهشاشة الأمنية: على خلفية الأزمة السياسية الخانقة والوضع الاقتصادي المُتأزم، شهد السودان خلال الأشهر الفائتة حالة من “الفوضى الأمنية” في كافة أرجاء البلاد، يُمكن إرجاعها إلى مجموعة من العوامل:

أولها، مساعي عناصر النظام الإخواني البائد ولا سيما المتواجدين منهم داخل المؤسسات الأمنية بالدولة، إعاقة المرحلة الانتقالية رغبةً في عودتهم للحكم مرة أخرى. وهو ما تجسد في قيامهم بعدة محاولات انقلابية خلال الفترة الماضية نجحت السلطات السودانية في إحباطها.

ثانيها، أدت الأزمة الاقتصادية في البلاد إلى نقص التمويل اللازم لتنفيذ الترتيبات الأمنية والقيام بعمليات الدمج والإيواء والتدريب للحركات المسلحة في الجيش السوداني التي نص عليها اتفاق “جوبا” المُوقع في أكتوبر (2020) لإرساء السلام بين الحكومة الانتقالية في السودان والحركات المسلحة المنضوية تحت لواء “الجبهة الثورية”، وهو ما أدي بدوره إلى استمرار تفاقم الوضع الأمني السيئ بالبلاد.

ثالثها، انتشار السلاح بطرق غير مُقننة على نطاق واسع بين المدنيين، الأمر الذي أدى ارتفاع معدلات الجرائم وعمليات النهب والخطف والسرقة، وتأجيج الصراعات القبلية وتحويلها إلى نزاعات دامية تحصد مئات الأرواح سنويًا، وهو ما مثل تهديدًا كبيرًا للأمن والسلم في البلاد.

رابعها، يتمثل في التهديدات القادمة عبر الحدود، حيثُ أدت الهشاشة الأمنية للمناطق الحدودية إلى نشاط الهجرة غير النظامية، وأنشطة التهريب، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، إلى جانب عصابات تهريب البشر.

وتمثل العوامل سالفة الذكر مُجتمعة بيئة مُحفزة لنشاط الجماعات الإرهابية، والتي قد تستغل حالة الفوضى والأوضاع الأمنية المضطربة التي يعيشها السودان حاليًا في شن هجماتها الإرهابية لتعزيز نفوذها في شرق القارة الإفريقية، إلى جانب استغلال تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية للشعب السوداني في جذب المزيد من المقاتلين لصفوفها.

مساعي “داعش” للحضور في السودان

في ضوء التطورات الأخيرة التي يشهدها السودان، وما تتضمنه من بيئة محفزة لنشاط الجماعات الإرهابية، يمكن القول إن تنظيم “داعش” قد يسعى في الفترة المقبلة إلى الاستثمار في الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد لتعزيز نشاطه في شرق القارة السمراء. وفى ضوء التنبؤ بهذه الفرضية، تجدر الإشارة إلى مؤشرات حضور تنظيم “داعش” وأهدافه من التمدد في السودان، وذلك على النحو التالي:

أولًا: مؤشرات حضور “داعش” في السودان: ثمة مؤشرات على حضور تنظيم “داعش” في السودان، نستعرض أبرزها فيما يلي:

1- الإعلان عن تفكيك عدد من الخلايا التابعة للتنظيم، حيثُ استهدفت تحركات قوات الأمن السودانية على مدار الأسابيع والأشهر الماضية القبض عدد من العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم “داعش” في عدة مناطق من بينها، منطقة الجبرة، وأم درمان، وحي الروضة، وشرق النيل. على سبيل المثال أعلن جهاز المخابرات العامة السوداني في 4 أكتوبر الجاري، عن قيام القوات المشتركة بتنفيذ مداهمة على موقعين بضاحية “جبرة” أسفرت عن مقتل 4 والقبض على 4 آخرين من خلية تابعة لتنظيم “داعش”.

وفى 28 من سبتمبر (2021)، أعلنت السلطات السودانية عن تفكيك خلية إرهابية تابعة للتنظيم في الخرطوم وتوقيف 11 من عناصرها. كما تشير بعض التقديرات إلى وجود خلايا أخرى نائمة ل “داعش” في السودان لم يتمم تفكيكها بعد، وقد تجد في الوضع الراهن فرصة سانحة لشن هجمات إرهابية في الفترة المقبلة.

2- أشار تقرير صادر عن الخارجية الأمريكية في عام (2019) حول الإرهاب، إلى وجود شبكة نشطة من الميسرين التابعين لتنظيم “داعش” في السودان. وذكر التقرير أن وزير الشؤون الدينية والأوقاف في الحكومة الانتقالية أقر بوجود عدد محدود من العناصر المتطرفة التابعة للتنظيم في البلاد.

3- أعلنت بعض الجماعات الجهادية في الخرطوم مبايعتها لتنظيم “داعش”. وكان منها على سبيل المثال، جماعة (الاعتصام بالكتاب والسنة) المنشقة عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي أعلنت مبايعتها لأمير تنظيم “داعش” السابق، “أبو بكر البغدادي” في يوليو (2014).

4- في إطار سعيه لتدشين ما أسماه “إمارة الحبشة”، وضع تنظيم “داعش” التمدد في السودان ودول شرق إفريقيا ضمن أهدافه لتعزيز نفوذه في القارة السمراء. فبعد سقوط حكم “البشير في السودان ظهر أمير تنظيم “داعش” السابق “أبو بكر البغدادي” في فيديو دعائي نشرة التنظيم على قنواته على التليجرام، كشف فيه عن نوايا التنظيم للتمدد مستقبلًا في السودان. وعلى خط موازٍ نشرت مؤسسة الوفاء، الموالية ل”داعش”، رسالة عبر “التليجرام”، بعنوان “نداء إلى أهل السودان من الداخل منها وإليها” حفزت فيها مقاتلي التنظيم على اقتناص الأوضاع المضطربة في السودان بعد سقوط حكم “البشير” للتمدد هناك.

5-تُشير بعض التقارير إلى أن العديد من السودانيين انتقلوا إلى ليبيا والعراق وسوريا للانضمام إلى صفوف “داعش”. وهو ما يعطي تفسيرًا دلاليًا على أن الأخير لديه شبكة قوية بالداخل السوداني قادرة على القيام بعمليات التجنيد للانضمام إلى صفوفه.

ثانيًا: هدف “داعش” من الحضور في السودان: تكمن أهداف “داعش” من التواجد في السودان، فيما يلي:

خلق نفوذ جديدة في الجغرافيا الإفريقية: رغبة تنظيم “داعش” في الحضور في أفريقيا بشكل عام، وفي السودان بشكل خاص، تأتي كترجمة لمساعي الأخير خلق نفوذ ممتد له في القارة الإفريقية بعد الهزائم التي تكبدها في معاقله التقليدية بسوريا والعراق.

التنسيق مع باقي أفرع التنظيم في المنطقة: تشهد القارة الإفريقية تناميًا ملحوظًا في تهديد نشاط تنظيم “داعش” يمتد على نطاق واسع في منطقة الساحل وغرب وشمال وجنوب ووسط القارة. وبالتالي قد يُمثل حضور التنظيم في السودان، فرصة جيدة ل “داعش” (التنظيم الأم) للتنسيق مع أفرعه وباقي تيارات العنف والتطرف في المنطقة لربط نفوذه في شرق القارة بغربها، ومن ثم يتسنى له تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل في إعادة إحياء خلافته المزعومة من البوابة الإفريقية.

وفى ضوء ما سبق يُمكن القول إن تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تنشط في المنطقة قد تجد في السودان مساحة جيدة وبيئة خصبة لتعزيز نشاطها الإرهابي، وحضورها القوي في شرق القارة الإفريقية، مُستغله في ذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المضطربة التي يعيشها السودان حاليًا، الأمر يُنذر بمخاطر تحول شرق إفريقيا إلى ساحة جديدة غير مسقرة أمنيا، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود الإفريقية لمواجهة هذا الخطر الإرهابي المتنامي في الجغرافيا الإفريقية.  

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/64175/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M