تأملات قرآنية من الآية التاسعة من سورة فاطر

بهاء النجار

 

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)

 

التأمل الأول :

عندما نقرأ الآيات القرآنية وننظر الى البُعد الظاهري للمعنى فسوف لن نعطي تلك الآيات المباركة حقها وربما نقلل من شأنها وعظمتها ، لذا من الضروري الاهتمام بالبُعد الباطني أو المعنوي لكل آية ، مع أهمية الفهم الظاهري للآية ، ولكن ينبغي أن لا نركّز على الظواهر أكثر من أهميتها ، لأننا سنقصّر بالجانب المعنوي للآية .

فإرسال الرياح وإثارة السُحُب لتسقي بلداً ميتاً فتُحيي أرضه لا يُقارَن بإرسال الحجج الإلهية – وعلى رأسها الرُسُل – لتُثير كوامن الصدور فتُسقي العقول الميتة فتحييها ، خاصة وأن يوم النشور يهتم بالمعنى الثاني (المعنوي) أكثر من المعنى الأول (الظاهري) .

 

التأمل الثاني :

رغم أن الله على كل شيء قدير ، وبإمكانه أن يحيي الأرض بعد موتها من خلال ( كن فيكون ) فستكون الأرض الميتةُ حيةً ، إلا إنه جل وعلا – لحكمة – وضع نظاماً تكوينياً مترابطاً ومُتقناً بحيث تكون مخلوقاته واسطة لتنفيذ أوامره ، فأرسل الرياح كبداية وأعطى لكل مرحلة القدرة على الانتقال الى المرحلة التي تليها ، فأعطى الرياح القدرة على إثارة السحاب وسوقها من مكان الى مكان ، وبواسطة السحاب أحيى الله عز وجل الأرض بعد موتها، فالفاعل الحقيقي لكل هذه الحركات هو الله سبحانه ، ومع هذا نُسِبَت الإثارة الى الرياح وصار السحاب واسطة للإحياء .

وهذا يدلنا على أن المخلوقات – وعلى رأسهم البشر – يمكنها القيام بأفعال مباشرة ويمكن أن يكونوا واسطة لأبرز مختصات الإله جل جلاله وهو الإحياء (فضلاً عن ما دونها) من دون الإخلال بأصل التوحيد .

 

التأمل الثالث :

من البديهي أن الأرض تَحيى بالماء الذي تنزله السحاب ، باعتبار الماء يسقي الأرض فينمو الزرع ويثمر وتنتعش حياة سكان هذه الأرض ، فضلاً عن الاستخدام البشري المباشر للماء في الشرب والطبخ والغسل ، إضافة الى نمو الثروة الحيوانية بسببه ، وهذا ما يثبته الواقع ، فالجفاف لا يخدم البشرية مطلقاً .

ومع هذا فليس الماء هو السبب الوحيد لإحياء الأرض بالسحب ، فقد يكون الماء (المطر) بلاءاً تغرق من خلاله القرى وحتى المدن ، ويصل الى الأمر الى قتل البشر ، وهذا ما نجده في ابتلاء بعض الأقوام كقوم نوح عليه السلام . أما السحاب نفسه فيقوم بأدوار متعددة لإحياء الأرض ، كتخفيف شدة أشعة الشمس وتلطيف الهواء الذي يعطي زخماً للجانب الاقتصادي والسياحي والزراعي ، باعتبار بعض المزروعات تحتاج الى جو رطب ، وغيرها من الأدوار التي لا يسع المقام لتناولها .

 

التأمل الرابع :

من الفوائد المعنوية التي نستفيدها من الصورة التي رسمتها الآية القرآنية محل التأمل أن السحاب الذي أثارته الرياح المرسلَة من الباري عز وجل هي السحاب التي تظلل شمس الإمام المهدي عليه السلام وفقاً للرواية الشهيرة ( وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي ، فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب ) ، فهذا السحاب وإن غطى هذه الشمس المنتظَرَة إلا أنها أحيت القلوب الميتة التي لا تُحيى إلا بالتكامل بعد الاعتماد على نفسها في مواجهة التحديات .

فهذا السحاب هو الأمر الإلهي بالغيبة لوليه المنتظَر عليه السلام ، ولا ينجلي إلا بأمر إلهي بعد أن ترتقي الأمة ويقوى عودُها لتكون مؤهلة لاستقبال عطاء الشمس المهدوية بصورة مباشرة من دون سحاب .

 

التأمل الخامس :

هناك مشاريع شيطانية تريد أن تشارك الخالق عز وجل في إرادته وقدرته ، مستغلين نعمة التطور التي منحها الباري جل وعلا إليهم ، فبدل أن يسخّروها لخدمة البشرية دنيوياً وأخروياً وتقريبهم من خالقهم سبحانه يستخدمونها للهيمنة والسيطرة على الشعوب ، ومن هذه المشاريع مشروع هارب Haarp للتحكم بالطقس .

فما يقوم به القائمون على مثل هذا المشروع ليست بمعزل عن قدرة الله تعالى وإرادته ، فهو جل وعلا من أعطاهم المؤهلات مثل ما أعطى مؤهلات للرياح لتثير السحاب ، ولكنهم أساءوا إستخدامها بعكس الرياح . وهناك فرق شاسع بين من يتحكم بالطقس بإرسال الرياح وسَوقِ السحاب ليحيي الأرض وبين من يتحكم بالطقس ليميت الأرض بسلطته وسطوته بعد إحيائها .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :

https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M