تأملات_قرآنية من الآية التاسعة عشرة والآية العشرين من #سورة_فاطر

التأمل الأول :
إن الإنسان يكون كالأعمى إن أحاطت به الظلمات ، ويصبح بصيراً إن جاء النور وكَسَر الظُلمة ، هذا يعني أن الإنسان قد لا يكون قلبه أعمى من الأساس ، وإنما يكون بسبب الحُجُب والظلمات المفروضة عليه من قبل المضللين الذين يحجبون النور الإلهي ببث الأفكار الضالة والبرامج المنحرفة عبر ما يُعرَف بالغزو الثقافي الذي تتبناه وسائل إعلام ظلامية ، وما أكثرها في شهر رمضان ، فإذا استمرت هذه الظلمة والعتمة الروحية لفترة طويلة فستؤدي الى عمى القلب ، وبالتالي لا بد من بث النور للتقليل من تلك الظلمة ومن أثرها الروحي، وهذا دور المؤمنين من ذوي البصائر الذين لم يبتعد عنهم النور الإلهي فلم تؤثر فيهم ظلمات المضللين ، باعتبار أن نور المؤمنين يجب أن يتساوى مع ظلمات المضللين في المقدار ولا يتساوى معه في الاتجاه .

التأمل الثاني :
( البصير ) هو إسم من أسماء الله الحسنى ، أما غيره فأعمى إذا ما قورن به جل وعلا ، بل هو أعمى إن لم يمنّ عليه البصير بالبصر ، سواء كان على المستوى المادي أم المعنوي ، وتدرُّج الخلق في البصر والعمى إنما يكون بالإفاضة الإلهية عليهم وبما تقتضيه حكمته جل جلاله .
واللهُ سبحانه نور السماوات والأرض ، والخلق بدونه في ظلمات لا يُعرَف أولها من آخرها ، وإن كان لأحد من خلقه نورٌ فمن نوره تعالى ، ولا يمكن لأحد أن يستنير من دون الإمداد الإلهي بالنور ، ويتدرج الخلق في ما يمتلكونه من نور بمقدار ما استفادوا وتلقوه من النور الإلهي .
واللهُ تعالى ليس كمثله شيء ، لذا لا يستوي الأعمى (المخلوق) والبصير (الخالق) ولا الظلمات (المخلوقين) والنور (الخالق) .

التأمل الثالث :
ن الأعمى تكون كل حياته ظلمات ، حتى لو كان النور يملأ الخافقين وحتى لو كن قريباً منه ، لأنه فقد القابلية على رؤية ذلك النور ، فهو لا يتساوى مع من له القدرة على البصر ، وبالتالي لا يمكن أن نجعله بصيراً بزيادة النور من حوله ، فهذه المحاولة فاشلة تُتعبُنا من دون أي فائدة .
هذا يعني أن هداية البعض تكون ليست بزيادة بث دعوات الهداية ، لأن ذلك لا يأتي بنتيجة وستضيع جهودنا سدى ، رغم عدم ضياع ثواب تلك الدعوات ، لأن مثل هؤلاء فقدوا القدرة على رؤية النور الإلهي ، وعليه لا بد أن نركّز جهودنا على معالجة عماهم ثم ننتقل الى دعوتهم الى الهداية .

التأمل الرابع :
إن العبادة والاستعانة بالله عز وجل علامة من علامات البصيرة يفتقدها الأعمى الذي لا بصيرة له ، ولو كان يرى جزءاً يسيراً من نور العبادة والاستعانة لاستثمرها للهداية الى نور أوسع يتمثل بالصراط المستقيم الذي منّ الله تعالى على القمم من ذوي البصائر الذين أخرجهم من الظلمات الى النور ، من ظلمات الغضب الإلهي والضلال الى نور الصراط المستقيم .
ومن غير المعقول أن يتساوى الأعمى الغارق في ظلمات الغضب والضلال والبصير المتنعم بنور الصراط ، فالأول لم يُجهِد نفسه للتعرف على الله جل جلاله ولو بخطوات بسيطة ولو بعقد النية ، والثاني حَمَدَ وعَبَدَ واستعانَ فاستحق الهداية والخروج من الظلمات الى النور .

التأمل الخامس :
يعيش الإنسان أحياناً في ظلمة ولكن بسيطة بحيث يُبصر بعض تفاصيل حياته فيستطيع أن يمارسها ، وتبقى الأفعال الدقيقة غير متيسرة بالنسبة له ، وعندما يراه من هو في ظلمة شديدة سيجده في نور نسبي وأنهما لا يتساويان لا من حيث الظلمة ولا من حيث النور ، وربما يتمنى أن يكون مثله ، وصاحب الظلمة البسيطة يتمنى أن لا يكون في تلك الظلمة الشديدة .
وهذا هو حال البشر ، فبعض المؤمنين وبسبب معاصيهم يكون في ظلمة بسيطة ، يستطيعون ترك الكبائر لكنهم لا يقدرون على ترك الصغائر ، وعندما ييصرون الظلمة التي يعيشها مرتكبو الكبائر والصغائر يشعرون بالنور الذي يعيشون فيه .

التأمل السادس:
إن من يعتقد أنه سيجد نوراً عند الطاغوت – سواء بالمعنى العام أو الحاكم الجائر – فيتحاكم الى الطاغوت ويتملق ويتزلف إليه فهو في الحقيقة أعمى ، ومن كان في هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً ، لأن الطاغوت يخرج من يتولاه وتملّق وتزلّف إليه من النور الى الظلمات فيحوّل البصير الى أعمى حتى وإن بقي بصيراً في ذاته ، كمن يجلس في غرفة ظلماء .
أما البصير فيكفر بالطاغوت وظلماته ويؤمن بالله تعالى فيخرجه من الظلمات التي حاول الطاغوت أن يورطه بها الى النور ، لذا فإنه يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها .
فكيف يمكن أن يتساوى من يعبد الله سبحانه ومن يعبد الطاغوت ؟!

التأمل السابع:
يمكن تقسيم الناس الى أربعة أقسام وفق ما يعيشوه من عمى وبصر وظلمات ونور ، وهذه الأقسام هي :
1) بصير يعيش في بيئة مُظلمة ، وهذا أفضلهم .
2) بصير يعيش في بيئة متنورة بنور الله عز وجل ، وهي نتيجة طبيعية .
3) أعمى يعيش في بيئة مُظلمة ، وهي نتيجة طبيعية .
4) أعمى يعيش في بيئة متنورة بنور الله عز وجل ، وهو الأسوأ .
وهذه الأقسام يمكن أن تشمل حتى الجانب المادي .

التأمل الثامن:
وفق التقسيم الوارد في التأمل السابق يمكن استنتاج الكثير من الاستنتاجات المهمة ، منها أن المسلم الذي يعيش في بيئة يملأها النور بدرجة كبيرة إذا ما قورنت بالمجتمعات غير الإسلامية التي تعيش في ظلمات تُبعدهم عن رؤية النور الإلهي فيكون من الطبيعي أن يكون – هذا المسلم – بصيراً باعتبار النور الذي يملأ مجتمعه ولو بصورة نسبية ، أما البصير الذي يعيش في المجتمعات التي تغطيها الظلمات يكون أفضل من هذا المسلم إن تساوى في مستوى البصر المعنوي . أما إذا كان (المسلم) أعمى – والعياذ بالله – فهو الأسوأ مع الأسف ، لأن من الطبيعي أنّ من يعيش في مجتمع تسوده الظلمات يكون أعمى ، ولكن ما عذر المسلم الذي يعيشه في بيئة محاطة بالأنوار الإسلامية والأجواء الإيمانية ( كشهر رمضان والمساجد والقرآن وغيرها ) أن يكون أعمى ؟!

التأمل التاسع:
إن الله تعالى يصطنع أولياءه صناعة خاصة لأنه سيكلّفهم تكاليف خاصة لأداء رسالاته ، كما صرّح بذلك القرآن الكريم في خطاب الباري عز وجل لموسى عليه السلام ( واصطنعتك لنفسي ) ، وهذا الاصطناع هو عبارة عن نور خاص يقذفه في قلوب هؤلاء الأولياء لِيَبصُروا ببصيرة لا يستطيع غيرهم بلوغها ، بعبارة أخرى أن من لم يصطنعه الله سبحانه لنفسه سيكون في عمى وظلمات لا يستطيع فيها رؤية ما يراه الأولياء .
وفق ما تقدّم فإن الأولياء سيشعرون بأن ما وصلوا إليه من مقام هو ليس بجهدهم وإنما بفضل العناية الخاصة والنور الخاص الذي نوّر قلوبهم ، وأنّهم لا يشعرون بأفضليتهم على الآخرين بسبب تلك العناية الخاصة ، وهذا درس يمكن أن يستفيد منه كل مؤمن يرواده – بوسوسة من الشيطان – الشعور بالتسامي على الآخرين وأن له مرتبة سامية تفوق مراتب الآخرين .

التأمل العاشر:
يؤكد القرآن الكريم ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ) فالمؤمن لا يستوي مع الفاسق عند الله تعالى ، لأن الفاسق عبارة عن أعمى يعيش في ظلمات متعددة ومختلفة ومتشعبة ، تتمثل بالمعصية التي تحجب النور عن قلبه ، بينما المؤمن بصير لأن النور المحيط به يجعل الأمور واضحة عنده فيرى كل شيء ، يرى الطاعة جميلة فيؤديها ، ويرى المعصية قبيحة فيتجنبها .
وكما أن هناك منطقة وسطية بين الظلمات والنور فهناك منطقة وسطية بين الأعمى والبصير ، وعليه تكون هناك منطقة وسطية بين المؤمن المحض والفاسق المحض ، هذه المنطقة الوسطية يعيشها أغلبنا – إن لم نقل كلنا – فنحن نعيش الإيمان بنسبة معينة والفسق بنسبة أخرى ، ومن كانت نسبة الإيمان فيه أعلى لا يستوي مع من كانت نسبة الفسق أعلى .

 

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M