#تأملات_قرآنية من الآية التاسعة عشرة من #سورة_فاطر

 

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)

التأمل الأول :
ذات مرة كان رجلٌ أعمى واقفاً في أحد الشوارع ، وعلى مسافة ليست ببعيدة عنه كان هناك رجل آخر ، فمرّت إمرأة من أمامهما وفيها ما يجذب الرِجال ، فلم يعرف الرجل الأعمى بمرور تلك المرأة وحتى لو أحس بها فسوف لن يراها بسبب عَماه ، أما الرجل البصير فقد تناولها بِعَينيه ، فوفق هذا المشهد لا يمكن أن يتساوى الأعمى والبصير ، فالبصير لم يكن أفضل من الأعمى لأنه لم يستفد من بَصَرِهِ في طاعة الله وابتعاده عن المعاصي ، وأصبح الأعمى أفضل منه من حيث عدم إرتكابه تلك المعصية ، فقد منّ الله تعالى عليه بعمى البصر ليحافظ على بصيرة القلب .
فالبصير يكون أفضل من الأعمى إن حفظ بصره عن المعاصي ، والعكس يكون بالعكس ، كما في حالة أفضلية الملائكة على العاصين وأفضلية المتقين على الملائكة التي لم ترتكب المعاصي لأنها سُلِبَت الشهوات منهما كما سُلِبَ البصر من الأعمى .

التأمل الثاني :
لنضع دائماً في حساباتنا قاعدة أساسية في التفضيل وفق المعايير الإلهية ، وبحسب هذه القاعدة يمكن أن نفهم عدم المساواة بين أي صنفين ، سواء كان هذان الصنفان أعمى وبصير أم غيرهما ، هذه القاعدة هي أن الأفضلية للعامل لا لغير العامل ، ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، فإن كانت الأفضلية للبصير على الأعمى فلأنه أكثر عملاً وأكثر استفادة من بصره من الأعمى وليس لكونه بصير ، بحيث لو كان الأعمى بصيراً لما كان عمله بمستوى ذلك البصير ، وبعبارة أخرى أن تفضيل البصير على الأعمى هو تكليف وليس تشريفاً ، فعندما يقال لأحد أنك بصير فهذا يعني إلقاء المسؤولية عليه من دون إلقائها على الأعمى ، سواء كان المقصود بالأعمى والبصير المعنى المادي الظاهري أم المعنوي الباطني ، لأن ما يملكه البصير لا يملكه الأعمى .

التأمل الثالث :
الأعمى والبصير لا يستويان في البُعد الواحد ، فلا يستويان في البُعد الظاهري باعتبار أن من يرى بِعَينَيهِ الظاهريتين له القدرة على تلقي العلوم ورؤية ما ينفع وما يضر بدرجة كبيرة بعكس من ليس له القدرة على الرؤية والذي حُرِم من ذلك . وكذلك في البُعد الباطني ، فمن عنده بصرٌ قلبي (بصيرة) يمكنه رؤية الألطاف الإلهية والنِعم الربانية – كالأجواء الروحانية لشهر رمضان المبارك – بعكس من لا يملك تلك البصيرة .
ولكن يمكن أن يتساوى الأعمى والبصير في البُعدين المختلفين ، كما لو كان الأعمى ظاهرياً بصيراً باطنياً ، أو العكس ، فيكون الأعمى باطنياً بصيراً ظاهرياً أو البصير ظاهرياً أعمى باطنياً .

التأمل الرابع :
يمكن تقسيم الناس الى أربعة أصناف وفق عماهم وبصرهم بالبُعدين الظاهري والباطني :
1) البصير ظاهرياً وباطنياً : وهذا قد ربح الدنيا والآخرة .
2) البصير باطنياً وأعمى ظاهرياً : ربما خسر هذا الصنف شيئاً من الدنيا إلا أنه ربح الآخرة .
3) البصير ظاهرياً والأعمى باطنياً : قد يربح هذا الصنف شيئاً من الدنيا إلا أنه خسر الآخرة .
4) الأعمى باطنياً وظاهرياً : وهذا قد خسر الدنيا والآخرة .
ومن الواضح أن هذه الأصناف غير مستوية وغير متساوية .

التأمل الخامس :
من المعلوم أن العمى والبصر يتدرجان عند البشر ، فهناك أعمى لا يرى شيئاً بشكل مطلق ، وبصير يرى بحدة بشكل كبير ، وهناك من هو ضعيف البصر ، ومن لا يرى سوى الضوء ، ومن لا يرى شيئاً بالمطلق . هذا على المستوى المادي والظاهري ، وعلى المستوى المعنوي والباطني نرى هذا التدرج أيضاً ، فهناك من يملك بصيرة نافذة كالعباس بن علي عليهما السلام الذي قال عنه الإمام الصادق (عليه السلام ): ” كان عمّي العبّاس بن علي نافذ البصيرة ” ، هذه البصيرة التي كان يمتلكها جعلته يرى ما لا يراه غيره حتى من المؤمنين فضحّى تضحية في سبيل الله لم يستطع غيره أن يضحيها إلا من هو أنفذ منه بصيرة من المعصومين عليهم السلام . وتتناقص هذه البصيرة عند المؤمنين ، إذ يرون أشياء بوضوح وأخرى غير واضحة ، ثم تتناقص عند غير المؤمنين الذين لا يرون شيئاً معنوياً فَهُم منها عمون .

 

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M